المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب السلم: عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٌ فِي ذِمَّةٍ مُؤَجَّلٌ بِثَمَنٍ مَقْبُوضِ بِمَجْلِسِ - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات - جـ ٢

[ابن قائد]

الفصل: ‌ ‌باب السلم: عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٌ فِي ذِمَّةٍ مُؤَجَّلٌ بِثَمَنٍ مَقْبُوضِ بِمَجْلِسِ

‌باب

السلم:

عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٌ فِي ذِمَّةٍ مُؤَجَّلٌ بِثَمَنٍ مَقْبُوضِ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ

قوله: (على موصوف

إلخ) سيأتي في الإجارة ما يقتضي أنه يكون في المنافع كما يكون في الأعيان، حيث قال: (فصل: والإجارة ضربان

إلخ) ما نصه: (وإن جرت بلفظ سلم اعتبر قبض أجرة بمجلس، وتأجيل نفع)، ونبه عليه المحشي هناك، فانظر هل يمكن تأويل عبارة المصنف هنا بما يشمل المنافع؛ بأن يحمل الموصوف في الذمة على الأعم من أن يكون عيناً أو منفعة؟ والظاهر: أنه لا مانع منه، حيث سلم الحكم المذكور، وأشار إلى ذلك الشارحان هنا، حيث قدر المصنف:(عقد) على شيء، وقدر شيخنا:(عقد) على ما يصح بيعه، والشيء وما يصح بيعه، كلاهما أعم من العين والمنفعة. محمد الخلوتي. قوله: (بثمن مقبوض

إلخ) قال في المبدع: اعترض بأن قبض الثمن شرط من شروطه لا أنه داخل في حقيقته، والأولى أنه بيع موصوف في الذمة إلى أجل. انتهى. وانظر هل يرد عليه أن الأجل شرط من شروطه؟ .

ص: 381

وَيَصِحُّ بِلَفْظِهِ وبِلَفْظِ سَلَفٍ وبَيْعٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا انْضِبَاطُ صِفَاتِهِ كَمَوْزُونٍ وَلَوْ شَحْمًا وَلَحْمًا نِيئًا وَلَوْ مَعَ عَظْمِهِ إنْ عُيِّنَ مَحِلٌّ يُقْطَعُ مِنْهُ ومَكِيلٍ ومَذْرُوعٍ ومَعْدُودٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَلَوْ آدَمِيًّا لَا فِي أَمَةٍ وَوَلَدِهَا وحَامِلٍ وَلَا فِي فَوَاكِهَ مَعْدُودَةٍ وبُقُولٍ وجُلُودٍ ورُءُوسٍ وَأَكَارِعَ وبَيْضٍ وَنَحْوِهَا وأَوَانٍ مُخْتَلِفَةٍ رُءُوسًا وَأَوْسَاطًا كَقَمَاقِمَ وَلَا فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَجَوْهَرٍ ومَغْشُوشِ أَثْمَانٍ أَوْ يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَمَعَاجِينَ ونِدٍّ وَغَالِيَةٍ وقِسِيٍّ وَنَحْوِهَا

قوله: (بلفظه) أي: بمشتق من لفظه. قوله: (وهو نوع منه) أفهم المصنف رحمه الله أنه يشترط فيه مع هذا الشرط جميع شروط البيع، فشروطه أربعة عشر.

ص: 382

وَيَصِحُّ فِيمَا فِيهِ لِمَصْلَحَتِهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَجُبْنٍ وخُبْزٍ وخَلٍّ تَمْرٍ وسَكَنْجَبِينَ وَنَحْوِهَا وفِيمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا مُتَمَيِّزَةً كَثَوْبٍ مِنْ نَوْعَيْنِ ونُشَّابِ وَنَبْلِ مُرَيَّشَيْنِ وَخِفَافٍ وَرِمَاحِ وَنَحْوهَا وفِي أَثْمَانٍ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ غَيْرَهَا وفِي فُلُوسٍ وَيَكُونُ رَأْسُ مَالِهَا عَرَضًا وفِي عَرَضٍ بِعِوَضٍ لَا إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا رِبًا فِيهِمَا وَإِنْ جَاءَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مَحَلِّهِ لَزِمَ قَبُولُهُ.

قوله: (كجبن) الجبن فيه ثلاث لغات، أجودها: سكون الباء، ثم ضمها اتباعاً، وأضعفها: الثقيل كعتل، وبعضهم يجعله ضرورة.

"مصباح". قوله: (وسكنجبين) ليس من كلام العرب، وهو معروف، مركب من السكر والخل ونحوه. "مطلع". قوله:(ويكون رأس مالها عرضاً) أي: لأنها ملحقة بالأثمان على الصحيح، كما في "الإنصاف" و "التنقيح"، وكما تقدم في ربا النسيئة، خلافاً "للإقناع". قوله:(لزم قبوله) حيث كان على صفة المسلم فيه، حيث لم يكن حيلة، كما في أمة

ص: 383

الثَّانِي: ذِكْرُ مَا يُخْتَلَفُ بِهِ ثَمَنِهِ غَالِبًا كَنَوْعِهِ ومَا يُمَيِّزُ مُخْتَلِفَهُ وقَدْرِ حَبٍّ ولَوْنٍ إنْ اخْتَلَفَ وبَلَدِهِ وحَدَاثَتِهِ وَجَوْدَتِهِ وَضِدِّهِمَا وسِنِّ حَيَوَانٍ وذَكَرًا وَسَمِينًا وَمَعْلُوفًا وَكَبِيرًا أَوْ ضِدَّهَا وصَيْدَ أُحْبُولَةٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ صَقْرٍ وطُولِ رَقِيقٍ بِشِبْرٍ وَكَحِلًا أَوْ دَعِجًا وَبَكَارَةً أَوْ ثُيُوبَةً وَنَحْوَهَا ونَوْعِ طَيْرٍ ولَوْنِهِ وَكِبَرِهِ

سنها كذا؛ لينتفع بها مدة الأجل، ثم يردها، فلا يصح، بقي أن المسلم فيه في هذه الصورة، هو رأس مال السلم، فلا ينطبق عليه تعريف البيع الذي السلم نوع منه؛ إذ هو: مبادلة شيء بشيء

إلخ، ويمكن أن يجاب: بأنه ليس رأس مال السلم هو المسلم فيه، بل المسلم فيه موصوف في الذمة، أعم من تلك العين أو غيرها. فتدبر.

قوله: (وذكراً

إلخ) بالنصب عطفاً على محل (ما) في قوله: (ذكر ما يختلف به ثمنه) فإنه من إضافة المصدر إلى مفعوله، وكأن النكتة في العدول عن العطف على اللفظ، إلى العطف على المحل، خوف توهم عطفه على حيوان في قوله: (وسن حيوان

إلخ). فتدبر. قوله: (ونحوها) كسمن الرقيق، وهزاله.

ص: 384

وَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ وَلَهُ أَخْذُ دُونَ مَا وَصَفَ وغَيْرِ نَوْعِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَيَلْزَمُهُ أَخْذُ أَجْوَدَ مِنْهُ مِنْ نَوْعِهِ وَيَجُوزُ رَدُّ مَعِيبٍ وأَخْذُ أَرْشِهِ وعِوَضِ زِيَادَةِ قَدْرٍ لَا جَوْدَةً وَلَا نَقْصِ رَدَاءَةٍ الثَّالِثُ قَدْرِ كَيْلٍ فِي مَكِيلٍ، ووَزْنٍ فِي مَوْزُونٍ، وذَرْعٍ فِي مَذْرُوعٍ مُتَعَارَفٍ فِيهِنَّ فَلَا يَصِحُّ فِي مَكِيلٍ وَزْنًا، وَلَا فِي مَوْزُونٍ كَيْلًا وَلَا شَرْطُ صِحَّةٍ، أَوْ مِكْيَالٍ، أَوْ ذِرَاعٍ لَا عُرْفَ لَهُ وَإِنْ عَيَّنَ

قوله: (دون ما وصف) اعلم: أن "دون" ظرف غير متصرف عند الجمهور، وعند الأقل متصرف، وعلى القولين، متى جاءت في مقام تصلح فيه للنصب على الظرفية، كقولك: داري دون العقيق، أي: كائنة دونه، فهي منصوبة، وظرف بإجماعهم، ولا يمكن عاقلا أن يدعي فيها التصرف، ولا أن حركتها حركة بناء، وأما إن جاءت في مكان لا يقتضي الظرفية بظاهره، فهنا يدعي غير الجمهور تصرفها، وأنها مرفوعة، وأن فتحتها بناء، نحو:(منا دون ذلك)[الجن: 11] بالرفع والفتح، والجمهور على أنها صفة لمحذوف، أي: فريق دون ذلك. قوله: (من جنسه) أي: لا من غيره.

قوله: (من نوعه) لا نوع آخر من جنسه ولو أجود. فتدبر. قوله: (قدر) أي: عدد كيل، أي: مكيل.

قوله: (ووزن) أي: ميزان. قوله: (وذرع) أي: ما يذرع به.

ص: 385

فَرْدًا مِمَّا لَهُ عُرْفٌ صَحَّ الْعَقْدُ دُونَ التَّعْيِينِ الرَّابِعُ: ذِكْرُ أَجَلٍ مَعْلُومٍ لَهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ عَادَةً كَشَهْرٍ وَنَحْوِهِ وَيَصِحُّ فِي جِنْسَيْنِ إلَى أَجَلٍ إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ جِنْسٍ وفِي جِنْسٍ إلَى أَجَلَيْنِ إنْ بَيَّنَ قِسْطَ كُلِّ أَجَلٍ وَثَمَنَهُ وأَنْ يُسْلَمَ فِي شَيْءٍ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مَعْلُومًا مُطْلَقًا وَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ، أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ مُطْلَقًا أَوْ ل مَجْهُولٍ كَحَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَنَحْوِهِمَا أَوْ جَعَلَهَا إلَى عِيدٍ، أَوْ رَبِيعٍ، أَوْ جُمَادَى، أَوْ النَّفْرِ لَمْ يَصِحَّ غَيْرُ الْبَيْعِ وَإِنْ قَالَا مَحَلُّهُ رَجَبٌ أَوْ إلَيْهِ

قوله: (مما له عرف) أي: مما له أمثال معروفة المقدار، كما لو قال: بمكيل فلان، فيصح العقد، ويكون بمكيل تلك المحلة، ولا يلزم خصوص مكيل ذلك الرجل. فتدبر.

قوله: (غير البيع) أي: غير ما وقع بلفظ البيع، فلو أسلم في شيء حالاً بلفظ البيع، صح، كما في "الإقناع". تدبر.

ص: 386

أَوْ فِيهِ وَنَحْوُهُ صَحَّ وَحَلَّ بِأَوَّلِهِ وإلَى أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ، يَحِلُّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُمَا وَلَا يَصِحُّ يُؤَدِّيهِ فِيهِ وَيَصِحُّ لِشَهْرٍ وَعِيدٍ رُومِيَّيْنِ إنْ عُرِفَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَدِينٍ فِي قَدْرِهِ ومُضِيِّهِ ومَكَانِ تَسْلِيمٍ وَمَنْ أُتِيَ بِمَالِهِ مِنْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، قَبْلَ مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي قَبْضِهِ لَزِمَهُ فَإِنْ أَبَى قَالَ لَهُ حَاكِمٌ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَ أَوْ تُبْرِئَ فَإِنْ أَبَاهُمَا قَبَضَهُ لَهُ وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ دَيْنٍ عَنْ غَيْرِهِ فَأَبَى رَبُّهُ أَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فَبَذَلَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَبَتْ لَمْ يُجْبَرَا وَمَلَكَتْ الْفَسْخَ

قوله: (صح وحل بأوله) هذا مشكل في قوله: (فيه) لاقتضاء "في" الظرفية، ويحتمل أنهم إنما قالوا ذلك؛ لأن الظرفية تحتمل الأوائل، والأواخر، والأواسط، فرجعوا إلى الأول، ولم يلتفتوا إلى ما عدا ذلك، وحينئذ ينبغي النظر في الحكمة في صحة ذلك هنا، وعدم صحته فيما يأتي في قوله:(ولا يصح: يؤديه فيه) مع أن العلة فيهما واحدة. فتدبر. محمد الخلوتي. قوله: (أو فيه) انظر: ما الفرق بين هذه، وقوله بعده:(ولا يصح: يؤديه فيه)؟ ولعل الفرق أنه إذا قال: يحل في الشهر الفلاني، فإن كل جزء من الشهر قابل ومتسع للحلول فيه، فيحمل على أول جزء لسبقه، وإذا قال: يؤديه فيه، فإن كل دقيقة من الشهر مثلا غير متسعة الأداء، وكونه يحمل على قدر معين، يحتاج إلى تحديد وتنصيص، ولم يوجد، فلم يصح. قوله:(ونحوه) كشعبان.

قوله: (ومضيه) أي: عدما، أو وجوداً. قوله:(فأبى ربه) أي: مالك الدين.

ص: 387

الْخَامِسُ: غَلَبَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ فِي مَحِلِّهِ وَيَصِحُّ إنْ عَيَّنَ نَاحِيَةٍ تَبْعُدُ فِيهَا آفَةٌ لَا قَرْيَةً صَغِيرَةً أَوْ بُسْتَانًا وَلَا مِنْ غَنَمِ زَيْدٍ، أَوْ أَسْلَمَ نِتَاجِ فَحْلِهِ، أَوْ فِي مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ إلَى مَحِلٍّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ وَيُحَقَّقُ بَقَاؤُهُ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ بَعْضُهُ خُيِّرَ بَيْنَ صَبْرٍ أَوْ فَسْخٍ فِيمَا تَعَذَّرَ وَيَرْجِعُ بِرَأْسِ مَالِهِ أَوْ عِوَضِهِ السَّادِسِ: قَبْضُ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ وَكَقَبْضٍ مَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ لَا مَا فِي ذِمَّتِهِ وَتُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ وصِفَتِهِ فَلَا تَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ وَيُرَدُّ إنْ وُجِدَ،

قوله: (فيما تعذر) أي: في المتعذر، كلا أو بعضا. قوله:(برأس ماله) أي: بعينه إن كان باقيا. وبخطه أيضا على قوله: (برأس ماله) أو بعضه.

قوله: (قبض رأس ماله) أي: المعين، أو الموصوف، كما علم من كلامه في مواضع. قوله:(وكقبض) بالتنوين، بمعنى: مقبوض، خبر مقدم. وقوله:(ما بيده) مبتدأ مؤخر. و (ما) موصول، أو موصوف. و (بيده) صلة، أو صفة. قوله:(أمانة) وما عطف عليه، بدل من (ما) والمعنى: أنه يصح جعل ما بيد المسلم إليه من أمانة، أو غصب رأس مال سلم، ولا يشترط تجديد قبض؛ إذ كونها بيده بمنزلة القبض. تدبر.

ص: 388

وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ فَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فقَوْلُ مُسْلَمٍ إلَيْهِ فقِيمَةُ مُسْلَمٍ فِيهِ مُؤَجَّلَةً السَّابِعُ أَنْ يُسْلَمَ فِي ذِمَّةٍ فَلَا يَصِحُّ فِي عَيْنٍ كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَنَحْوِهَا

فصل

ولا يشترط ذكر مكان الوفاء إنْ لَمْ يُعْقَدْ بِبَرِّيَّةٍ وَسَفِينَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَيَجِبُ مَكَانَ عَقْدِ وَشَرْطُهُ فِيهِ مُؤَكَّدٌ وَإِنْ دَفَعَ فِي غَيْرِهِ

قوله: (وإلا فقيمته) ظاهره: ولو مثليا، ولعل وجهه: تعذر معرفة قدر المثلي؛ لأن فرض المسألة أن رأس مال السلم مجهول القدر، والصفة، كالصبرة المشاهدة، والجوهرة.

قوله: (وإن دفع في غيره لا مع أجرة

إلخ) كما إذا أسلم في قمح، وهو بمصر، على أن يسلمه له بالشام، ثم أراد أن يدفعه له بمصر، فإن كان مع أجرة حمله إلى الشام، لم يجز، وإلا جاز. قوله أيضا على قوله:(وإن دفع) نائب فاعله ضمير مستتر معلوم من المقام، تقديره: وإن دفع هو، أي: المسلم فيه. قوله: (في غيره) أي: في غير المكان الذي وجب الوفاء به لشرط وعقد.

ص: 389

لا مَعَ أُجْرَةِ حَمْلِهِ إلَيْهِ صَحَّ كَشَرْطُهُ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ أَخْذُ رَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ بِمُسْلَمٍ فِيهِ وَلَا اعْتِيَاضٌ عَنْهُ وَلَا بَيْعُهُ أَوْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ فَسْخِ وَقَبْلَ قَبْضِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا حَوَالَةَ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَتَصِحُّ هِبَةُ كُلِّ دَيْنٍ لِمَدِينٍ

قوله: (صح) أي: جاز الدفع.

قوله: (أخذ رهن) بمعنى: مرهون. قوله: (أو كفيل) أي: ضمين. قوله: (ولا اعتياض عنه

إلخ) الظاهر: أن الفرق بينه وبين بيعه، أن الاعتياض يكون مع المسلم إليه، ويكون بغير النقدين، كأن يعوضه عن الشعير قمحاً.

وأما بيع المسلم فيه، فعام في الأمرين، أي: يكون بعرض وغيره، مع من عليه الدين وغيره. قوله:(أو رأس ماله) أي: الموجود. قوله: (بعد فسخ) أي: أو: إقالة. قوله: (وقبل قبض) له من مسلم إليه. قوله: (ولمن) أي: وجب. قوله: (ولا حوالة به) أي: المذكور من المسلم فيه. أو رأس ماله.

قوله: (وتصح هبة كل دين لمدين فقط) أي: لا لغيره. قال محمد الخلوتي: إلا لضامنه، ويتجه: ولو ضمنه حيلة. انتهى. يعني: أن الضامن إذا كان الحامل له الضمان صحة هبة الدين الذي على المضمون، فإنه يصح الضمان والهبة، ويقوم الضامن مقام صاحب الدين في مطالبة

ص: 390

فقط وبَيْعُ مُسْتَقِرٍّ مِنْ ثَمَنٍ وَقَرْضٍ وَمَهْرٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَأُجْرَةٍ اسْتَوْفَى نَفْعَهَا وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَقِيمَةِ مُتْلَفٍ وَنَحْوِهِ لِمَدِينٍ بِشَرْطِ قَبْضِ عِوَضِهِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ أَيْ بَيْعُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً أَوْ بِمَوْصُوفٍ فِي ذِمَّةٍ لَا لِغَيْرِهِ وَلَا غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ كَدَيْنِ كِتَابَةٍ وَنَحْوِهِ

المضمون به. قوله: أيضا على قوله: (وتصح هبة كل دين

إلخ) أي: بمعنى إسقاطه.

قوله: (فقط) أي: لا لغيره. قوله: (وبيع مستقر) أي: دين مستقر ملكه.

قوله: (ونحوه) كجعل بعد عمل. قوله: (بشرط قبض

إلخ) أي: وبشرط أن لا يكون بين العوض المقبوض وبين أصل الدين علة ربا النسيئة، كما تقدم آخر كتاب البيع، وقد نص في "الإقناع" على هذا الشرط هنا أيضا، فقال: لكن إن كان الدين من ثمن مكيل أو موزون باعه بالنسيئة أو بثمن لم يقبض، فإنه لا يصح أن يأخذ عوضه ما يشارك المبيع في علة ربا فضل أو نسيئة. وتقدم آخر كتاب البيع. انتهى. أي: فلا يعتاض عن ثمن المكيل مكيلاً، ولا عن الموزون موزوناً، بل يعتاض عرضا، أو نسيئاً، يخالفه في المكيل، أو الوزن. قوله:(قبل تفرق) حاصله: أن الدين المستقر، يصح بيعه لمن هو عليه، بشرط العوض في صورتين مذكورتين صريحاً في المتن، وبغير قبض العوض في صورة، وهي: ما إذا كان العوض معيناً يباع بالدين نسيئة. فتدبر. قوله: (ونحوه) كأجرة قبل استيفاء نفعها.

ص: 391

وَتَصِحُّ إقَالَةُ فِي سَلَمٍ وبَعْضِهِ بِدُونِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِهِ وعِوَضِهِ إنْ تَعَذَّرَ فِي مَجْلِسِهَا وَيُفْسَخُ يَجِبُ رَدُّ مَا أَخَذَ وَإِلَّا فمِثْلُهُ ثُمَّ قِيمَتُهُ فَإِنْ أَخَذَ بَدَلَهُ ثَمَنًا وَهُوَ ثَمَنٌ فصَرْفٌ وَفِي غَيْرِهِ يَجُوزُ تَفَرُّقٌ قَبْلَ قَبْضٍ وَمَنْ لَهُ سَلَمٌ وَعَلَيْهِ سَلَمٌ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ: لِغَرِيمِهِ اقْبِضْ سَلَمِي لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ لِنَفْسِهِ وَلَا لِلْآمِرِ وَصَحَّ لِي ثُمَّ لَكَ وأَنَا أَقْبِضُهُ لِنَفْسِي وَخُذْهُ بِالْكَيْلِ الَّذِي تُشَاهِدُ أَوْ أَحْضِرْ كُتَيِّبًا لِي مِنْهُ لِأَقْبِضَهُ لَك صَحَّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ تَرَكَهُ بِمِكْيَالِهِ وَأَقْبَضَهُ لِغَرِيمِهِ صَحَّ لَهُمَا

قوله: (في سلم) أي: مسلم فيه. قوله: (بدون

إلخ) أي: لا يشترط في صحة الإقالة، قبض رأس مال السلم، أو عوضه.

قوله: (وفي غيره) أي: ما ذكر، أي: بأن كان العوضان أو أحدهما عرضا، قوله:(قبل قبض) إن لم يتفقا في علة الربا، أو يكن عوض موصوف في ذمة. قوله:(لم يصح لنفسه) أي: القابض. قوله: (أو احضر) من باب: قعد. قوله: (صح قبضه لنفسه) فقط، علم منه: أنه لا يكون قبضا

ص: 392

وَيُقْبَلُ قَوْلُ قَابِضِ جُزَافًا فِي قَدْرِهِ لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ قَبْلَ اعْتِبَارِهِ لَا قَابِضٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ دَعْوَى غَلَطٍ وَنَحْوِهِ وَمَا قَبَضَهُ مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بِإِرْثٍ أَوْ إتْلَافِ أَوْ عَقْدٍ أَوْ ضَرِيبَةٍ

لغريمه حتى يقبضه له بالكيل، فإن قبضه بدونه، لم يتصرف فيه قبل اعتباره؛ لفساد القبض، وتبرأ به ذمة الدافع، كما في "الإقناع". ومنه تعلم: أنه لا مخالفة حينئذ بين ما هنا وما تقدم؛ لأن صحة القبض تارة يقصد بها الكاملة، أي: التي تفيد الدافع براءة الذمة، والقابض جواز التصرف، وهي المنفعة هنا بالمفهوم، وتارة يقصد بها مطلق ما يترتب عليها فائدة ما، وهي التي دل عليها صريح كلامه المتقدم في الخيار، في قوله:(ويصح جزافاً، إن علما قدره) فلم يتوارد الكلامان على شيء واحد حتى يحصل التخالف، والذي مشى عليه في "شرح الإقناع" أنه: إما لأن السلم أضيق من غيره، أو أن ما في كل محل على رواية، واستظهر الثاني.

قوله: (قول قابض) أي: بيمينه. قوله: (لا قابض) أي: ولا مقبض.

قوله: (ونحوه) كسهو.

قوله: (أو ضريبة) الضريبة: فعيلة من الضرب، جمعها: ضرائب، من

ص: 393

سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا وَاحِدٌ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذٍ مِنْ غَرِيمٍ أَوْ قَابِضٍ وَلَوْ بَعْدَ تَأْجِيلِ الطَّالِبِ لِحَقِّهِ مَا لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ أَوْ يُتْلَفْ فَيُتَعَيَّنُ غَرِيمٌ وَمَنْ اسْتَحَقَّ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَالِهِ عَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ أَجَلًا وَاحِدًا تَسَاقَطَا أَوْ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ لَا إذَا كَانَا أَوْ أَحَدُهُمَا دَيْنَ سَلَمٍ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ وَمَتَى نَوَى مَدْيُونٌ وَفَاءً بِدَفْعٍ بَرِئَ

قولهم: ضربت عليه خرجاً، جعلته عليه وظيفة، كما في "المصباح". والوظيفة: ما يقدر من عمل، ورزق، وطعام، وغير ذلك. ووظفت عليه العمل توظيفاً: قدرته.

قوله: (أو تعلق به حق) كبيع بعض مال المفلس لبعض غرمائه، وكبيع الرهن؛ لتوفية الدين لمن له على الراهن دين غير المرتهن، فلا مقاصة إذا، قال في "المغني": من عليها دين من جنس نفقتها، لم يحتسب به مع عسرتها؛ لأن قضاء الدين بما فضل. منصور البهوتي. قوله: (ومتى نوى مديون وفاء بدفع

إلخ) فيه إشارة إلى ما حققه الزركشي الشافعي في "قواعده": من أن النية تنقسم إلى نية التقرب، ونية

ص: 394

وَإِلَّا فمَتَبَرُّعٌ وَتَكْفِي نِيَّةُ حَاكِمٍ وَفَّاهُ قَهْرًا مِنْ مَدْيُونٍ

القصد، فالأولى: تكون في العبادات، وهو إخلاص العمل لله وحده.

والثانية: تكون في المحتمل للشيء وغيره، وذلك كأداء الديون إذا أقبضه من جنس حقه، فإنه يحتمل التمليك هبة، وقرضا، ووديعة، وإباحة، فلا بد من نية تميز إقباضه عن سائر أنواع الإقباض، ولا يشترط نية التقرب.

انتهى. فقوله: ولا يشترط نية التقرب، أي: لا يشترط في صحة أداء الدين ونحوه نية التقرب، بل قصد كون المدفوع وفاء، إلا في حصول الثواب، فإنه لا بد فيه من نية التقرب، وهو معنى قول أصحابنا وغيرهم في الأصول: ومن الواجب ما لا يثاب عليه، كرد وديعة، وقضاء دين، إذا فعل مع غفلة، أي: عن نية التقرب؛ لأنها التي يترتب الثواب عليها. ولهذا قال النووي في "شرح مسلم": الأعمال ضربان: ضرب تشترط النية لصحته وحصول الثواب فيه، كالأركان الأربعة وغيرها، مما أجمع العلماء على أنه لا يصح إلا بنية. وضرب لا تشترط النية لصحته، لكن تشترط لحصول الثواب، كالأوقاف، والهبات، والوصايا، ورد الأمانات، ونحوها. انتهى. فقوله: لا تشترط النية لصحته: أي: نية التقرب؛ لأنها المشترطة في حصول الثواب، فظهر لك: أنه لا منافاة بين اشتراطهم النية في وفاء الدين، ونفيهم حاجته إليها؛ لأن النية المشترطة هي نية القصد، والمنفية نية التقرب. وهذا ظاهر لمن تدبر، والله أعلم.

قوله: (وإلا

إلخ) أي: وإن لم ينو الدافع الوفاء، فمتبرع. وفهم منه:

ص: 395

_________

أنه لا بد من نية وفاء الدين، وأما قولهم في الأصلو: ومن الواجب ما لا يثاب عليه، كنفقة واجبة، ورد وديعة وغصب، ونحوه، إذا فعل مع غفلة، فمرادهم: مع غفلة عن نية التقرب، لا عن نية الوفاء والرد مثلا؛ لأن الثواب على الأولى. أعني: نية التقرب، دون الثانية؛ إذ قد توجد مع إكراه مثلا. يدل على ذلك قوله في "مختصر الأصول" بعد ما تقدم: لعدم النية المترتب عليها الثواب. انتهى. وهي نية التقرب إلى الملك الوهاب، فلا تنافي بين الكلامين، خلافا لما توهم منصور البهوتي من قوله: من عليه دين لا يعلم به ربه، وجب عليه إعلامه به، ويجب أداء ديون الآدميين على الفور عند المطالبة، لا بدونها، قال ابن رجب: إذا لم يكن عين له وقت الوفاء، فيقوم مقام المطالبة.

ص: 396