المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التيمم (1) . في اللغة القصد (2) وشرعا: مسح الوجه - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب التيمم (1) . في اللغة القصد (2) وشرعا: مسح الوجه

‌باب التيمم

(1) .

في اللغة القصد (2) وشرعا: مسح الوجه واليدين بصعيد (3) على وجه مخصوص (4) .

(1) لما ذكر الطهارة بالماء، وكان الإنسان قد لا يجد الماء، أو لا يقدر على استعماله أعقبه بالتيمم، لأنه بدل منه وخلف عنه، والخلف يتبع الأصل، والتيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} والسنة في ذلك مشهورة، وحكى الإجماع في ذلك غير واحد من أهل العلم، وهو فضيلة لهذه الأمة، ورخصة وقيل عزيمة لعدم الماء رخصة للعذر، وله شروط وفرائض وسنن ومبطلات تأتي مفصلات.

(2)

أي مطلق القصد فيممه تيمما قصده، وأصل تيمم تأمم، أبدلت الهمزة ياء، ويقال: يممت فلانا، وتيممته إذا قصدته ومنه {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} .

وقال الشاعر:

وما أدري إذا يممت أرضًا

أريد الخير أيهما يليني

وقال آخر:

تيممت العين التي عند ضارج

يفيء عليها الظل عرمضها طامي

وفي المحكم: التيمم التوضؤ بالتراب، قال الجوهري: وأصله التعمد والتوخي ثم نقل في عرف الفقهاء إلى مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد وقال غيره: ثم كثر استعمالهم لهذه الكلمة حتى صار التيمم اسمًا علما لمسح الوجه واليدين بالتراب، فإذا كان هو القصد إلى الصعيد الطاهر، فالاسم الشرعي فيه المعنى اللغوي.

(3)

أي بتراب طهور مباح غير محترق ويأتي.

(4)

وهو مسح الوجه واليدين من شخص مخصوص، وهو العادم للماء، أو من يتضرر باستعماله، قال في المبدع: وأحسن منه: مسح الوجه واليدين بشيء

من الصعيد من الحدث الأصغر أو الأكبر، وأجمعوا على أن التيمم مختص بالوجه واليدين سواء تيمم عن الحدث الأصغر أو الأكبر وعن كل الأعضاء أو بعضها.

ص: 299

وهو من خصائص هذه الأمة، لم يجعله الله طهورا لغيرها (1) توسعة عليها، وإحسانا إليها (2) فقال تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الآية (3) .

(1) لما في الصحيحين وغيرهما أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وفي لفظ فعنده مسجده وطهوره، وللترمذي وغيره وصححه إن الصعيد الطيب طهور المسلم، قال الشيخ: وكل من امتنع عن الصلاة بالتيمم فإنه من جنس اليهود والنصارى، فإن التيمم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وذكر هذا الحديث وعد النيسابوري وغيره أن الذي اختص به النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء أكثر من ستين خصلة وعدها بعض المتأخرين إلى ثلاثمائة والتحقيق أنها لا تحصر.

(2)

يعني إلى هذه الأمة، والتوسعة ضد التضييق، والإحسان ضد الإساءة.

(3)

أي اقصدوا ترابا طاهرا، وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وفي الحديث وجعلت تربتها لنا طهورا وقال ابن كثير: الصعيد هو كل ما صعد على وجه الأرض فيدخل فيه التراب والرمل، والحجر والنبات، وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، وقال الزجاج وغيره، لا أعلم بين أهل العلم خلافا في أن الصعيد وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، وقال الفراء وغيره: التراب، ولاختلاف أهل اللغة اختلف أهل العلم، وذهب أهل التحقيق إلى أن المتعين التراب مع وجوده، وإلا فالرمال ونحوها، والطيب الطاهر بالإجماع والآية، بالنصب على تقدير: اقرأ الآية، وبالرفع على تقدير: الآية مقروءة.

ص: 300

(وهو) أي التيمم (بدل طهارة الماء)(1) لكل ما يفعل بها عند العجز عنه شرعا (2) .

(1) أي عوض، وخلف عن الماء، لأنه مرتب عليه يجب فعله عند عدمه، ولا يجوز مع وجوده إلا لعذر، وهذا شأن البدل، وقال صلى الله عليه وسلم فعنده مسجده وطهوره وعبارة المبدع: وهو مشروع، أي يجب حيث يجب التطهر بالماء، ويسن حيث يسن، والأكثر على أنه مبيح لا رافع، فلا يستبيح به إلا ما نواه، وقال بعضهم: يقوم مقام الماء مطلقا، يستبيح به كلما يستبيح بالماء، وهو قول كثير من أهل العلم ومذهب أبي حنيفة، والرواية الثانية عن أحمد، وقال: هذا هو القياس، أي أن التيمم بمنزلة الطهارة، يباح به كل ما يباح بالماء، قال الشيخ: وهذا القول هو الصحيح، وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار فإن الله جعل التيمم مطهرا، كما جعل الماء مطهرا، وفي الحديث وجعلت تربتها لنا طهورا ولأنه بدل فيساوي مبدله، إلا ما خرج بالدليل، فهو رافع للحدث مطهر لصاحبه لكن رفعا مؤقتا، إلى أن يقدر على استعمال الماء، وعلى هذا القول الصحيح يتيمم قبل الوقت إن شاء ويصلي ما لم يحدث أو يقدر على استعمال الماء، وإذا تيمم لنفل صلى به فريضة، ويجمع بالتيمم الواحد بين فرضين ويقضي به الفائت، وأجمعوا على أنه يجوز للجنب كما يجوز للمحدث، لا فرق لكن إذا وجده الجنب وجب عليه الاغتسال إجماعا، للأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره له به.

(2)

أي التيمم بدل عن الطهارة بالماء لكل ما يفعل بطهارة الماء من الصلاة والطواف وسجود التلاوة وقراءة القرآن ونحو ذلك، عند العجز عن الماء، لعدم أو مرض ونحوهما وشرعا، أي بدل من جهة الشرع، وإن لم يعجز عنه حسا، بأن لم يكن موجودا أصلا، من غير فرق بين الجنب وغيره، إلا ما استثناه الشارع في وجود الجنب للماء، لقوله فليمسه بشرته، سوى نجاسة على غير بدن، ولبث بمسجد لحاجة، فإنه لا يصح في الأولى، ولا يجب في الثانية، ويباح لعدم الماء ونحوه مجامعة زوجته وسريته بلا كراهة، اختاره الشارح والشيخ وغيرهما.

ص: 301

كصلاة وطواف ومس مصحف وقراءة قرآن ووطء حائض طهرت (1) ويشترط له شرطان (2) أحدهما: دخول الوقت (3) وقد ذكره بقوله (إذا دخل وقت فريضة)(4) أو منذورة بوقت معين (5) أو عيد أو وجد كسوف (6) أو اجتمع الناس لاستسقاء أو غسل الميت (7) أو يمم لعذر (8) .

(1) وسجود تلاوة ولبث بمسجد ونحوه، وهل يكره لمن لم يخف العنت؟ فيه روايتان: إحداهما لا يكره اختاره الشيخ، وقال الشارح: الأولى إباحتها من غير كراهة، قال ابن رزين: وهو الأظهر.

(2)

زيادة على شروط مبدله، وهو الماء، وعدها بعضهم: الإسلام والعقل والتمييز والنية، واستنجاء أو استجمار وإزالة ما على بدن من نجاسة ذات جرم، ومبالغة في استجمار وحك النجاسة من بدنه غير المعفو عنها.

(3)

أي الوقت الذي يريد أن يتيمم له، فلا يجزئ قبله.

(4)

يريد التيمم لها، فلا يجوز لصلاة مفروضة قبل دخول وقتها.

(5)

كمن نذر صلاة ركعتين بعد الزوال بعشر درجات مثلا، والمطلقة كل وقت.

(6)

أي يصح التيمم عند وجود كسوف إذا لم يكن وقت نهي.

(7)

أي ويصح لصلاة جنازة إذا غسل الميت، وظاهره ولو لم يكفن.

(8)

من نحو تقطع أو عدم ماء، فلو يمم الميت، وتيمم المصلون، ثم قبل الدخول في الصلاة وجد الماء يكفيه فقط بطل تيممه، وهل يبطل تيممهم لأنه يصدق عليه حينئذ أنه وجد قبل طهارة الميت؟ ظاهر كلامهم يبطل، وعموم قولهم: إذا غسل الميت يشمل ذلك.

ص: 302

أو ذكر فائتة وأراد فعلها (1)(أو أبيحت نافلة) بأن لا يكون وقت نهي عن فعلها (2) الشرط: الثاني تعذر الماء (3) وهو ما أشار إليه بقوله (وعدم الماء) حضرا كان أو سفرا (4) .

(1) صح عند إرادة فعلها، لصحة فعلها كل وقت.

(2)

فلا يصح وإلا صح لأن ذلك وقتها وهذا قول مالك والشافعي، وعنه يصح قبل الوقت، قال ابن رزين وغيره: هي أصح. وهو قول أبي حنيفة، وفي المبدع: والقياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء أو يحدث، فعلى هذا يجوز قبله كالماء، ويشهد له عموم قوله صلى الله عليه وسلم «الصعيد الطيب طهور المسلم» ولأنه بدل، فيساوى بمبدله، واختاره الشيخ، وقال ابن رشد: التوقيت في العبادة لا يكون إلا بدليل سمعي اهـ، ولأنها طهارة مشروطة للصلاة فأبيح تقديمها على الوقت، كسائر الطهارة، فيتيمم لفرض معين قبل وقته، ولنفل غير معين وقت النهي، وقال الشيخ: يتيمم قبل الوقت كما يتوضأ قبل الوقت، وهو قول كثير من أهل العلم، وقال أحمد: هو القياس وهذا القول هو الصحيح، وعليه يدل الكتاب والسنة والآثار، والتيمم قبل الوقت مستحب، كما أن الوضوء قبل الوقت مستحب، وقولهم: طهارة ضرورية فيتقدر بقدر الحاجة، قيل: نعم؟ والإنسان محتاج أن يزال على طهارة، فيتطهر قبل الوقت، فإنه محتاج إلى زيادة الثواب اهـ، والنافلة ما عدا الفريضة من التطوعات، سميت بذلك لأنها زائدة على الفريضة ويزيد بها الثواب.

(3)

أي تعسر استعماله وتعذر الشيء، تمنع، والأمر تعصب.

(4)

شرع التيمم اتفاقا، لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وقوله صلى الله عليه وسلم «الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين» فلم يخص موضعا دون موضع، وقال الشيخ: اتفق المسلمون على أن المسافر إذا عدم الماء صلى بالتيمم

ولا إعادة عليه اهـ ويتصور عدمه في الحضر بحبس أو غيره، كعجزه عن تناوله من بئر ونحوها، كعجز مريض عن الحركة، وعمن يوضئه، والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، ومثل هذا لا يكون مفهومه حجة بالاتفاق.

ص: 303

قصيرا كان أو طويلا (1) مباحا كان أو غيره (2) فمن خرج لحرث أو احتطاب ونحوهما (3) ولا يمكنه حمل الماء معه، ولا الرجوع للوضوء إلا بتفويت حاجته فله التيمم ولا إعادة عليه (4)(أو زاد) الماء (على ثمنه) أي ثمن مثله في مكانه (5) بأن لم يبذل إلا بزائد (كثيرا) عادة (6) .

(1) وهذا من الأحكام التي يستوي فيها الطويل من السفر والقصير، والثاني أكل الميتة، والثالث التطوع على الراحلة، وبقية الرخص تختص بالطويل على القول به.

(2)

أي أو غير مباح يعني السفر تيمم، لأنه عزيمة كمسح الجبيرة فلا يجوز تركه، ولو كان سفر معصية.

(3)

كأخذ حشيش أو صيد دياس ونحو ذلك.

(4)

قال في الفروع: حمله في المنصوص إن أمكنه وتيمم إن فاتته حاجته برجوعه، ولا يعيد في الأصح فيهما اهـ والمراد حاجته المباحة، وقال الشيخ وغيره: وكل من صلى في الوقت كما أمر بحسب الإمكان فلا إعادة عليه، وسواء كان العذر نادرا أو معتادا، وقاله أكثر العلماء.

(5)

أي مكان تعذره.

(6)

أي كثيرا عما جرت العادة به في شراء المسافر له في تلك البقعة أو مثلها تيمم على الصحيح، وإن لم يكن معه ثمن وهو يقدر عليه في بلده ووجده يباع بثمن في الذمة لم يلزمه وتيمم لأن عليه ضررا في إبقاء الدين في ذمته، وربما تلف ماله قبل أدائه.

ص: 304

(أو) بـ (ثمن يعجزه)(1) أو يحتاج له (2) أو لمن نفقته عليه (3)(أو خاف باستعماله أي باستعمال الماء ضررا (4) .

(1) تيمم لأن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل، كالعجز عن الرقبة في الكفارة، وكذا لو حمله وفقده، أو لم يحمله لغير عذر كما لو كانت حاجته في قرية أخرى، ولو كانت قريبا تيمم، لأنه لا فرق بين بعيد السفر وقريبه، لعموم {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} .

(2)

إما لنفقة أو كسوة، أو قضاء دين لله أو لآدمي، حال أو مؤجل، يحل قبل وصوله، إلى وطنه أو بعده، ولا مال له هناك، تيمم وإلا وجب الشراء ولم يصح التيمم.

(3)

أي أو يحتاج له لأجل نفقة تجب عليه كنفقة زوجته وابنه وأبيه ونحوهم، شرع له التيمم، وإلا فكواجد للماء، قال ابن القيم: وألحقت الأمة واجد ثمن الماء بواجده.

(4)

في بدنه تيمم وفاقا وحكاه ابن المنذر إجماعا، سواء كان خوف الضرر من قروح أو جراحات ونحوها لقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ولحديث صاحب الشجة أو برد شديد لحديث عمرو بن العاص، وليس المراد بخوف الضرر أن يخاف التلف، بل يكفي أن يخاف منه نزلة أو مرضا، ولو كان خوفه على نفسه من البرد حضرا، فيتيمم دفعا للضرر، أو خاف باستعماله احتياجه لعجن أو طبخ، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش أنه يبقي الماء للشرب ويتيمم.

ص: 305

(أو) خاف بـ (طلبه: ضرر بدنه (1) أو) ضرر (رفيقه (2) أو) ضرر (حرمته) أي زوجته أو امرأة من أقاربه (3)(أو) ضرر (ماله (4) بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه) (5) .

(1) كأن يكون بينه وبين الماء سبع أو حريق أو لص ونحوه، خوفا محققا لا جبنا أو كان خوفه بسبب ظنه، فتبين عدمه، كسواد رآه ليلا فظنه عدوا فتبين عدمه بعد أن تيمم، غير جبان يخاف بلا سبب يخاف منه، أو خافت امرأة فساقا تيمم وصلى وفاقا، ولم يعد وقال الشيخ وغيره في المرأة إن خافت فساقا، يحرم خروجها إليه، وقال: وتصلي المرأة بالتيمم عن الجنابة إذا كان يشق عليها تكرار النزول إلى الحمام، ولا تقدر على الاغتسال في البيت، وفي الإنصاف: لو خاف فوت رفقته ساغ له التيمم، وقيل ولو لفوت الإلف والإنس.

(2)

أي أو خاف باستعماله ضرر رفيقه المحترم، من عطش ونحوه، شرع له التيمم وفاقا، لأن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على جواز تيمم من يحتاج الماء للعطش، وأنه كالعادم يتيمم مع وجود الماء.

(3)

كعمته وخالته، وفي عبارته قصور، فلو قال كما في المنتهى، أو عطش نفسه أو غيره من آدمي أو بهيمة محترمين، لكان أولى، وعبارة المقنع: أو رفيقه أو بهيمة قال في المبدع: وكذا إن كانت لغيره، لأن للروح حرمة، وسقيها واجب، وقصة البغي مشهورة، قال ابن القيم: وألحقت الأمة من خاف على نفسه أو بهائمه من العطش إذا توضأ بالعادم.

(4)

أي أو خاف باستعمال الماء أو طلبه ضرر ماله شرع له التيمم وفاقا.

(5)

كشرود أو سرقة أو فوات مطلوبه كعدو خرج في طلبه، أو آبق أو شارد يريد تحصيله لأن في فوته ضررا وهو منفي شرعا قال في الإنصاف وغيره: إذا خاف على نفسه العطش حبس الماء وتيمم بلا نزاع، وحكاه ابن المنذر إجماعا.

ص: 306

كخوفه باستعماله تأخر البرء (1) أو بقاء أثر شين في جسده (2)(شرع التيمم) أي وجب لما يجب الوضوء أو الغسل له، وسن لما يسن له ذلك، وهو جواب: إذا من قوله: إذا دخل وقت فريضة (3) ويلزم شراء ماء وحبل ودلو، بثمن مثل (4) .

(1) أي تأخر الشفاء، شرع له التيمم وفاقا، وهل يعتبر في ذلك قول طبيب عارف أو بمجرد خوفه على نفسه؟ قال في الغاية: ويتجه: أو يعلم ذلك من نفسه.

(2)

أو تطاول المرض بسبب استعماله الماء، تيمم وفاقا لقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية ولو كان باطنا، إن أخبره به طبيب مسلم ثقة، أو علمه هو بنفسه والمرض على ثلاثة أضرب: أحدها يسير لا يخاف من استعمال الماء معه تلفا ولا مرضا، ولا إبطاء برء، ولا زيادة ألم كصداع ووجع ضرس، وحمى لا يضر معها، وشبه ذلك، فهذا لا يجوز له التيمم بلا نزاع، الثاني مرض يخاف معه من استعمال الماء تلف النفس أو عضو، أو حدوث مرض يخاف منه تلف النفس، أو عضو أو فوات منفعة عضو، فهذا يجوز له التيمم إجماعا، الثالث: أن يخاف بطء البرء أو زيادة المرض، وهي كثرة الألم، وإن لم تطل مدته، أو شدة الضناء وقيل النحاف والضعف، أو خاف حصول شيء، أو بقاء أثر شيء على عضو ظاهر جاز وفاقا للثلاثة، وهو قول جمهور العلماء سلفا وخلفا، لظاهر الآية، وعموم البلوى، حكاه غير واحد، وفي الإقناع وشرحه: يصح التيمم لعجز مريض عن الحركة وعمن يوضئه إذا خاف فوت الوقت، إن انتظر من يوضئه وعجزه عن الاغتراف ولو بفمه، ولأنه كالعادم للماء، فإن قدر على الاغتراف بفمه، أو غمس أعضائه في الماء الكثير لزمه ذلك، لقدرته على استعمال الماء.

(3)

أو أبيحت نافلة، وعدم الماء، إلى آخره، دفعا للضرر والحرج.

(4)

في تلك البقعة أو مثلها غالبا بلا خلاف، لأنه قادر على استعمال من غير ضرر.

ص: 307

أو زائد يسيرا (1) فاضل عن حاجته (2) واستعارة الحبل والدلو (3) وقبول الماء قرضا وهبة (4) وقبول ثمنه قرضا، إذا كان له وفاء (5) ويجب بذله لعطشان ولو نجسا (6) .

(1) بالنصب صفة لمحذوف، وشرط الزيادة اليسيرة أن لا تجحف بماله على الأصح، أو عرفا وهو الأولى، وقال النووي: وبأكثر من ثمن المثل لا يلزمه بلا خلاف، لكن الأفضل أن يشتريه، وهو قول جماهير السلف والخلف.

(2)

كقضاء دينه، ونفقة ومؤونة سفر له ولعياله، فلا يلزمه الشراء بما يحتاج إليه، ولا بثمن في ذمته، ولو وجده يباع بنسيئة، وقدر عليه في بلده، لكنه أفضل.

(3)

أي ويلزمه طلب الحبل والدلو ولو عارية، ليحصل بهما الماء، صححه في تصحيح الفروع، لأن المنة في ذلك يسيرة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

(4)

ومفهومه عدم استقراض ذلك واتهابه، لما في ذلك من المنة، وصوب في تصحيح الفروع أنه لا يجب اتهابه.

(5)

قال الشيخ: وقال: ويلزمه قبول الماء قرضا لأن المنة له في ذلك يسيرة في العادة فلا يضر احتماله اهـ ولو وهب له ثمن الماء لم يلزمه، حكاه إمام الحرمين وغيره إجماعا.

(6)

أي ويجب على من معه ماء فاضل عن حاجة شربه فقط بذله بقيمته لعطشان محترم محتاج إليه، يخشى تلفه في أصح الوجهين، وجزم به الشيخ وغيره، ولو خاف العطش بعد هو أو أهله لم يجب دفعه إليه، وقيل: بل بثمنه إن وجب الدفع عن نفس العطشان وإلا فلا، وصوب غير واحد وجوب حبس الماء لعطش الغير المتوقع وخوف العطش على نفسه بعد دخول الوقت، وقوله: ولو نجسا، لأنه إنقاذ من هلكة ولو توضأ العطشان ولم يشرب كان عاصيا، ولا يلزم بذله الماء

لطهارة الغير بحال، وفي الإنصاف وغيره: لغير الوالدين، وذكر ابن القيم أنه

لا يمتنع أن يؤثر بالماء من يتوضأ به ويتيمم هو، وإن كان لشخصين ولا يكفي إلا أحدهما اقترعا أو يقسم بينهما.

ص: 308

(ومن وجد ماء يكفي بعض طهره) من حدث أكبر أو أصغر (تيمم بعد استعماله)(1) ولا يتيمم قبله (2) ولو كان على بدنه نجاسة وهو محدث غسل النجاسة وتيمم للحدث بعد غسلها (3) .

وكذلك لو كانت النجاسة في ثوبه (4)(ومن جرح) وتضرر بغسل الجرح (5) .

(1) أي تيمم للباقي بعد استعمال الماء لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ولقوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فدل على وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض الطهارة.

(2)

أي لا يتيمم قبل استعمال الماء في بعض طهره وجوبا، قال في الإنصاف وغيره: وهو المذهب وعليه الجمهور، وجزم به، واختاره غير واحد، وفي التلخيص: يلزمه في الجنابة رواية واحدة اهـ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فاعتبر استعماله أولا ليتحقق الشرط الذي هو عدم الماء، وذكر المجد وغيره أن الجنب إذا وجد ماء يكفي أعضاء وضوئه استعمله فيها ناويا رفع الحدثين، ليحصل له كمال الطهارة الصغرى وبعض الكبرى.

(3)

أي النجاسة: نص عليه، وقال الشارح: لا نعلم فيه خلافا ولو كانت في محل يكفي فيه الاستجمار، وقال المجد: إلا أن تكون النجاسة في محل يصح تطهيره من الحدث فيستعمل.

(4)

أو بقعته اللتين لا يمكنه الصلاة في غيرهما غسل ذلك أولا ثم تيمم.

(5)

أو كان به قروح أو رمد ونحوها وهو جنب أو محدث تيمم له وغسل الباقي، لقوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ولما رواه البزار وصححه ابن خزيمة عن ابن عباس مرفوعا في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قال: إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح فيجنب فيخاف أن يموت إن اغتسل تيمم.

ص: 309

أو مسحه بالماء (تيمم له)(1) ولما يتضرر بغسله مما قرب منه (2)(وغسل الباقي) فإن لم يتضرر بمسحه وجب وأجزأ (3) وإن كان جرحه ببعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الترتيب، فيتيمم له عند غسله لو كان صحيحا (4) ومراعاة الموالاة فيعيد غاسل الصحيح عند كل تيمم (5) .

(1) أي أو تضرر بمسح الجرح بالماء تيمم له وغسل الباقي.

(2)

أي ويتيمم لما يتضرر بغسله مما قرب من الجرح ونحوه، لاستوائهما في الحكم.

(3)

أي وجب مسحه بالماء وأجزأ عن الغسل، لأن المسح بالماء بعض الغسل، ومحله إذا كان العضو الجريح طاهرا لا نجاسة عليه، فإن كان نجسا فقال في التلخيص: يتيمم ولا يمسح عليه قولا واحدا اهـ وقال الشيخ مسح الجرح بالماء أولى من مسح الجبيرة وهو خير من التيمم، ونقله الميموني عن أحمد، واختاره ابن عقيل.

(4)

أي فإن كان الجرح ونحوه في الوجه وعمه تيمم أولا ثم أتم وضوءه وإن كان في بعضه خير بين أن يغسل صحيحه ثم يتيمم لجرحه وعكسه، وإن كان في بعض عضو آخر لزمه غسل ما قبله، وإن كان في بعض أعضاء وضوئه احتاج في كل عضو إلى تيمم، وقال شيخ الإسلام لا يلزمه مراعاة الترتيب، وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره، وقال: الفصل بين أعضاء الوضوء بالتيمم بدعة، واختاره المجد وغيره، وقال ابن رزين: هو أصح، ولما في ذلك من الحرج المنتفي شرعا.

(5)

أي وإذا كان جرحه ببعض أعضاء وضوئه لزمه إذا توضأ مراعاة الموالاة # فيعيد غسل الصحيح عند كل تيمم لوجوبها فيه، كما لو أخر غسله حتى فاتت الموالاة، وتقدم أنها لا تراعى في ذلك.

ص: 310

بخلاف غسل الجنابة فلا ترتيب فيه ولا موالاة (1)(ويجب) على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة (طلب الماء في رحله)(2) بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه (3)(و) في قربه (4) بأن ينظر خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله (5) .

(1) فلو اغتسل لجنابة ثم تيمم لنحو جرح وخرج الوقت لم يعد سوى التيمم، لأنه لا يعتبر فيه ترتيب ولا موالاة.

(2)

أي يجب على من عدم الماء وظن وجوده، أو شك في وجوده ولم يتحقق عدمه: طلب الماء، رواية واحدة، قاله ابن تميم وغيره، وذلك إذا دخل وقت الصلاة، فإنه لا أثر لطلبه قبل دخول وقتها، إذ هو غير مخاطب بالتيمم قبله، ولأنه سبب للصلاة يختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الإعواز، في رحله أي فيما يسكنه من حجر أو مدر أو شعر أو وبر، ويقع على متاعه وأثاثه، لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ولا يقال: لم يجد إلا لمن طلب، ولأنه بدل، فلا يجوز العدول إليه قل طلب المبدل، وإن تيقن عدمه تيمم بلا طلب، رواية واحدة، قاله غير واحد، وعده الموفق وغيره شرطا ثالثا، وفاقا للشافعي.

(3)

كأوان يوضع فيها، وأما الذي لا يمكن فيه فطلب للمحال، ولا يجب بلا ريب ويفتش للمبالغة، أي يستقصي في الطلب.

(4)

عرفا ولا يتقيد بميل ونحوه، ولا بمدى الغوث.

(5)

إذا كانت أرضا جاهلا بها فإن كان ذا خبرة بها ولم يعلم أن فيها ماء لم يلزمه، ومثل ذلك ما جرت العادة بالسعي إليه مما هو عادة القوافل ونحوهم.

ص: 311

فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه (1) ويطلبه من رفيقه (2) فإن تيمم قبل طلبه لم يصح، ما لم يتحقق عدمه (3)(و) يلزمه أيضا طلبه (بدلالة) ثقة (4) إذا كان قريبا عرفا (5) .

(1) إن ظن به ماء كخضرة وطير، وركب قادم يحتمل وجود الماء معه، أو يظنه أو يتوهمه أو كان بقربه ربوة أو شيء قائم فيجب إجماعا، مع ظن وجوده، وذلك مشروط بانتفاء الضرر من سرقة ونحوها، كما تقدم فإن تحقق عدمه لم يلزمه طلبه لأنه لا أثر لطلب شيء محقق العدم.

(2)

إما بسؤال عن موارده، أو معه ليبيعه أو يبذله له، وتقدم أن الإتهاب لا يلزمه، فلعل ما تقدم إذا لم يكن من رفيقه، وقد صرح الأصحاب أن المراد بالرفقة الذين معه ممن تلزمه مؤونتهم في السفر، ومن كان له رفقة يعمل عليهم طلبه منهم، قال في الشرح: والرفيق الذي يدلي عليه، أي لا يستحي من سؤاله.

(3)

أي لم يصح تيممه ما لم يتحقق عدم الماء وفاقا، لأنه لا أثر له، ولأنه إذا تحقق عدمه لم يلزمه الطلب، ولا فائدة لذلك الطلب، سواء كان مسافرا أم لا، والمراد بالتحقق غلبة الظن، وإذا طلبه لصلاة ولم يجده وتيمم ثم دخل وقت صلاة أخرى فإنه يطلب الماء للصلاة الثانية، لأنها في حكم الأولى، في توجه الخطاب بالطلب، وذلك إذا كان في غير الموضع الذي كان فيه في وقت الصلاة الأولى، أو كان فيه وحدث ما يوجب توهم وجود الماء، وأما إذا كان بموضعه الأول، ولم يحدث ما يقتضي توهم وجود الماء، فلا يلزمه الطلب حينئذ، لأنه قد تحقق عدمه.

(4)

عدل ضابط لا بضده.

(5)

لقدرته على استعماله، ولأنه إذا سعى إليه لشغله الدنيوي، فالديني أولى، وذكر النووي وغيره، لو علم ماء بمحل يصله مسافر لحاجته كاحتشاش واحتطاب وجب طلبه منه اهـ وقدره بعضهم بنصف فرسخ، ويختلف باختلاف الأحوال.

ص: 312

ولم يخف فوت وقت ولو المختار (1) أو رفقة أو على نفسه أو ماله (2) ولا يتيمم لخوف فوت جنازة (3) .

(1) بأن ظن أنه لا يدرك الصلاة بوضوء إلا وقت الضرورة فإن خاف تيمم.

(2)

أي ولم يخف فوت رفقة بضم الراء، وظاهره، ولو لفوت الألفة والأنس للنهي عن الوحدة في السفر، أو لم يخف على نفسه خوفا محققا لا جبنا بأن لم يكن بينه وبين الماء أسد ونحوه، أو لص أو امرأة من فجار، ومثلها أمرد، أو لم يخف على ماله كشرود دابته، فإذا انتفت هذه المذكورة ونحوها لزمه طلبه، إذا كان قريبا عرفا، فإن خاف شيئا من نحو ما ذكر تيمم.

(3)

مع وجود الماء هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وعنه يجوز، اختاره الشيخ، وإليه ميل جده، وابن عبد القوي، ويروى ذلك عن عمر وابن عباس، وهو مذهب الحنفية، وقول أكثر الفقهاء، وقال الحافظ: وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزئ لها التيمم لمن خاف فوتها لو تشاغل بالوضوء، وفيه حديث مرفوع وسنده ضعيف اهـ، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام تيمم لرد السلام، وابن عمر تيمم وصلى على جنازة، وعن ابن عباس، في الرجل تفجؤه الجنازة قال: يتيمم ويصلي عليها، ولأنه يخاف فوتها فأشبه العادم، والمراد فوتها مع الإمام، وقال جماعة: وإن أمكنه الصلاة على القبر لكثرة وقوعه، فتعظم المشقة، واختار الشيخ: إن خاف فوت عيد وفاقا لأبي حنيفة، وسجود التلاوة وجمعة وأنه أولى من الجنازة، لأنها لا تعاد، وفي الاختيارات: قال أبو بكر عبد العزيز والأوزاعي والحنفية: بل لمن خاف فوات الجمعة ممن انتقض وضوءه وهو بالمسجد قال في الإنصاف: وهو قول قوي في النظر، وقال الشيخ: أصح أقوال العلماء أنه يتيمم لكل ما يخاف فوته، كالجنازة وصلاة العيد، فإن الصلاة بالتيمم خير من تفويت الصلاة، وقال: ويجوز التيمم لمن يصلي التطوع بالليل، وإن كان في البلد، ولا يؤخر ورده إلى النهار.

ص: 313

ولا وقت فرض (1) إلا إذا وصل مسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت (2) أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده (3) أو علمه قريبا وخاف فوت الوقت إن قصده (4) .

(1) أي ولا يتيمم لخوف فوت وقت فرض مع وجود الماء، بل يستعمله لقوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} قال الشيخ: وأما إن استيقظ قرب طلوع الشمس فيتوضأ ويغتسل بحسب ما يمكنه، وإن طلعت الشمس، وعند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن مالك، ويكون فعلها بعد طلوع الشمس فعلا لها في الوقت الذي أمر الله بالصلاة فيه، وقال: الواجب في حقه عند جمهور العلماء أن يغتسل وإن طلعت عليه الشمس، ولا يجزئه التيمم لأنه واجد للماء، وإن كان غير مفرط في نومه فلا إثم عليه.

(2)

ولو المختار عن طهارته تيمم وصلى، جزم به في المغني والشرح والمحرز وغيرهم، وقال الشيخ: المسافر إذا وصل إلى الماء وقد ضاق الوقت فإنه يصلي بالتيمم على قول جمهور العلماء، وكذلك لو كان هناك بئر لكن لا يمكن أن يصنع له حبلا حتى يخرج الوقت، أو يمكن حفر الماء ولا يحفر حتى يخرج الوقت، فإنه يصلي بالتيمم، قال المجد: وعلم منه أنه لو وصل إليه وأمكنه الصلاة به في الوقت فأخر حتى خشي الفوات فكالحاضر، لأن قدرته قد تحققت، فلا يبطل حكمها بتأخيره.

(3)

أي أو علم المسافر أن النوبة أي الحصة لا تصل إلى الماء إلا بعد الوقت فيتيمم لعدم قدرته على استعماله في الوقت، والنوبة اسم من المناوبة، يقال: جاءتك نوبتك أي حصتك، وحكم من في السفينة كواجد البئر، إن لم يمكنه الوصول إل الماء إلا بمشقة أو تغرير بنفسه فهو كالعادم.

(4)

أي أو علم المسافر الماء قريبا عرفا، وخاف فوت الوقت ولو المختار إن قصد الماء تيمم وصلى، ولا إعادة عليه، وقال الشيخ: إذا استيقظ أول الوقت

وعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد الوقت فإنه يصلي بالتيمم بالإجماع، وقال فيمن يمكنه الذهاب إلىالحمام، لكن لا يمكنه الخروج منه حتى يفوت الوقت، كالمرأة معها أولادها ولا يمكنها الخروج حتى تغسلهم ونحو ذلك فالأظهر يتيمم ويصلي خارج الحمام.

ص: 314

ومن باع الماء أو وهبه بعد دخول الوقت ولم يترك ما يتطهر به حرم، ولم يصح العقد (1) ثم إن تيمم وصلى لم يعد إن عجز عن رده (2)(فإن) كان قادرا على الماء لكن (نسي قدرته عليه)(3) أو جهله بموضع يمكن استعماله (4)(وتيمم) وصلى (أعاد)(5) .

(1) لمن ليس له غرض صحيح كمحتاج لشربه ونحوه، لتعلق حق الله به، فلو تطهر به من أخذه فقد قيل بعدم الصحة، لأنه مقبوض بعقد فاسد، ما لم يجهل الحال فيصح، فإن كان لمحتاج لشربه ونحوه صح ولا حرمة، لوجوبه إذا، وأما لو مر بماء قبل الوقت أو كان معه فأهراقه قبل الوقت، ثم دخل الوقت وعدم الماء فلا إثم عليه، ويصلي بالتيمم ولا إعادة عليه، وإن أهراقه في الوقت فهو عاص، وقال في الإنصاف: يحرم بلا نزاع، ويجوز له التيمم، فإن مقتضى الفقه أن كل من فرط وضيع الحزم حتى اضطر للتيمم تيمم ولا إعادة عليه قاله الشيخ وغيره.

(2)

لأنها صلاة بتيمم صحيح لعدم قدرته على الماء حينئذ.

(3)

بأن وصل إلى بئر لا يقدر على الغسل منه، وفي رحله دلو ورشاء لكن نسيه أعاد وكذا لو نسي ثمنه.

(4)

بأن كان الماء في رحله أو بقربه في بئر أعلامها ظاهرة، وكان يتمكن من تناوله منها، أو مع عبده ولم يعلم به السيد.

(5)

في الجميع لقدرته، ولم يصح تيممه، كمن صلى ناسيا حدثه.

ص: 315

لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا (1) وأما من ضل عن رحله وبه الماء وقد طلبه (2) أو ضل عن موضع بئر كان يعرفها وتيمم وصلى فلا إعادة عليه (3) لأنه حال تيمم لم يكن واجدا للماء (4)(وإن نوى بتيممه أحداثا) متنوعة توجب وضوءا أو غسلا أجزأه عن الجميع (5) .

(1) ولأن شرط إباحة التيمم عدم الوجدان، ولأن الطهارة تجب مع العلم والذكر، فلا تسقط بالنسيان والجهل، وعنه: لا إعادة عليه وفاقا لأبي حنيفة وأحد القولين لمالك والشافعي، لقوله عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما في معناه من الكتاب والسنة، ولأنه مع النسيان غير قادر أشبه العادم، ومثله الجاهل وأولى، وصحح في المغني والشرح أنه لا إعادة، لأنه ليس بواجد وغير مفرط، وقال النووي، وغيره: إن كان في رحله ونسيه فالصحيح أنه لا يعيد، وفاقا لأبي حنيفة، ورواية عن مالك، لحديث إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، ولأنه صلى على الوجه الذي يلزمه ذلك الوقت، فلم تلزمه الإعادة، ولأن النسيان عذر حال بينه وبين الماء وقال تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} ولأنه صلى ولم يعلم معه ماء، فلم تلزمه الإعادة.

(2)

أي طلب رحله فلم يجده فتيمم أجزأه.

(3)

في ثلاث صور: ضل عن موضع بئر كان يعرفها، أو أعلامها خفية، ولم يكن يعرفها، أو كانت خفية وكان عارفا بها وضل عنها، فيجزئه التيمم في الثلاث بلا إعادة.

(4)

فدخل في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ولأنه غير مفرط، والله تعالى لم يوجب على العبد الصلاة مرتين، إلا إذا حصل منه إخلال بواجب، أو فعل محرم، ولم يأمر أحدا أن يصلي الصلاة ويعيدها.

(5)

أي نوى ما تسبب عنه وجوبهما، أو أحدهما أجزأه التيمم عنهما لأن كل واحد يدخل في العموم فيكون منويا.

ص: 316

وكذا لو نوى أحدها أو نوى بتيممه الحدثين (1) ولا يكفي أحدهما عن الآخر (2)(أو) نوى بتيممه (نجاسة على بدنه تضره إزالتها (3) أو عدم ما يزيلها) به (4) .

(1) أي نوى بتيممه أحد أسباب الحدث أجزأه أو نوى بتيممه الحدث الأصغر والأكبر أجزأ عنهما، والحاصل أنه لو نوى أحد أسباب الحدثين بتيممه، أو الحدث الأكبر والأصغر أجزأ كأن يوجد منه نوم وخروج خارج، فينوي بتيممه النوم مثلا لا بشرط عدم نية غيره أجزأ عن خروج الخارج، وهكذا، وقال الموفق وغيره: يجوز التيمم للحدث الأصغر إذا وجدت الشروط بغير خلاف، وللجنابة، إلا ما روي عن عمر وابن مسعود، لما تقدم من الأخبار.

(2)

أي الأكبر عن الأصغر وعكسه وفاقا لمالك، وعنه: يجزئ وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، ومقتضى القواعد الشرعية، وقال الشيخ: يجزئه عند جمهور العلماء.

(3)

أو يضره الماء الذي يزيلها به، فإذا عجز سقط وجوب إزالتها.

(4)

من ماء أو غيره أجزأه التيمم، وعنه لا يتيمم لها لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث، وغسل النجاسة ليس في معناه، واختاره ابن حامد وابن عقيل وغيرهما. والشيخ وقال: هو قول جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأبي حنيفة لأن التيمم إنما جاء في طهارة الحدث، دون طهارة الخبث، وهذا أصح، لأنه لو شرع التيمم لذلك لشرع للمستحاضة ونحوها، وعمر صلى وجرحه يثعب بل إذا عجز عن إزالة النجاسة سقط وجوب إزالتها، وجازت الصلاة معها بدون تيمم، وأما التميم للنجاسة على الثوب فلا نعلم به قائلا من العلماء، بل كلهم متفقون على أن النجاسة في الثوب والأرض لا يتيمم لها اهـ، وقال غير واحد: لا يصح تيممه عن نجاسة على بدنه، عند جمهور العلماء، إلا أحمد في قول لم يتابع عليه.

ص: 317

(أو خاف بردا)(1) ولو حضرا مع عدم ما يسخن به الماء بعد تخفيفها ما أمكن وجوبا، أجزأه التيمم لها (2) لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (3)(أو حبس في مصر) فلم يصل الماء (4) .

(1) تيمم وصلى ولا إعادة عليه، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وابن المنذر وغيرهم لقوله:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ولحديث عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا، لفظ أحمد، وأخرجه أهل السنن والبخاري تعليقا، ولم يعد، قال الشيخ: وهذا هو الصحيح لأنه فعل ما قدر عليه فلا إعادة عليه والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة وقال ابن القيم: وألحقت الأمة من خشي المرض من شدة برد الماء بالمريض في العدول عنه إلى البدل.

(2)

أي لكل حدث وغيره مما مر، بعد تخفيف النجاسة عن بدنه مهما أمكن، بمسح رطبة وحك يابس، إذا خشي برد الماء وجوبا، لأنه قادر على إزالتها في الجملة قال الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فإن أمكنه تسخينه والاغتسال به لزمه ذلك فإن خاف الضرر باستعمال البعض غسل ما لا يتضرر به وتيمم للباقي، ويكون قد فعل ما أمر به من غير تفريط ولا عدوان.

(3)

متفق عليه، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي اختص بها دون سائر الأنبياء.

(4)

فتيمم أجزأه.

ص: 318

أو حبس عنه الماء (فتيمم) أجزأه (1) .

(أو عدم الماء والتراب) كمن حبس بمحل لا ماء به ولا تراب (2) وكذا من به قروح لا يستطيع معها لمس البشرة بماء ولا تراب (3) .

(صلى) الفرض فقط على حسب حاله (4) .

(ولم يعد) لأنه أتى بماء أمر به فخرج عن عهدته (5) .

(1) أي حبس عنه بوضعه في مكان لا يصل إليه الماء، أو قطع العدو النهر عن أهل بلد ونحو ذلك فتيمم أجزأه لأنه غير قادر على الماء.

(2)

زاد بعضهم، ولا طينا يجففه إن أمكنه، صلى على حسب حاله ولم يعد، وكل من صلى في الوقت كما أمر بحسب الإمكان فلا إعادة عليه، وهو مذهب مالك، ورواية عن أبي حنيفة والشافعي.

(3)

أو جراحات ونحوها، وكذا مريض عجز عن الماء والتراب، وعمن يطهره بأحدهما، وإن وجد ثلجا وتعذر تذويبه مسح أعضاء وضوئه في المنصوص، ولا إعادة عليه، ولو لم يجر معه.

(4)

أي على قدر طاقته وجوبا قال الشيخ: مقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها اهـ.

(5)

بالضم أي دركه لقوله: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا به ما استطعتم) ولأن العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة، وفي الصحيحين عن عائشة في قصة القلادة، فبعث صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، فصلوا بغير وضوء ولم يأمرهم بالإعادة، وهذا مذهب جمهور السلف وعامة الفقهاء، قال الشيخ: وهذا الصحيح من أقوالهم أنه لا إعادة على أحد فعل ما أمر به بحسب استطاعته وقال النووي: وهذا الأقوى دليلا أما وجوبها

فلقوله (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدد، والأصل عدمه.

ص: 319

ولا يزيد على ما يجزئ في الصلاة، فلا يقرأ زائدا على الفاتحة (1) ولا يسبح غير مرة (2) ولا يزيد في طمأنينة ركوع أو سجود وجلوس بين السجدتين (3) ولا على ما يجزئ في التشهدين (4) وتبطل صلاته بحدث ونحوه فيها (5) .

(1) أي لا يقرأ عادم الماء والتراب قرآنا ولا ذكرا زائدا على الفاتحة، وكذا العاجز عن استعمالهما، لا يقرأ زائدا على الفاتحة، قاله الأصحاب على سبيل الندب لا الوجوب، فلو خالف وقرأ لم تبطل صلاته ولم يحرم عليه ذلك.

(2)

أي في ركوعه وسجوده، وكذا بين السجدتين لا يزيد على مرة في قول رب اغفر لي.

(3)

أي لا يزيد عادم الماء والتراب على المجزئ في ذلك.

(4)

وهو إلى قوله: اللهم صل على محمد، وهذا كله تحجز واسع، وقال الشيخ رحمه الله: يفعل من عدم الماء والتراب ما شاء، من صلاة فرض أو نفل، وزيادة قراءة وتسبيح ونحوه، على ما يجزئ على أصح القولين، وهو قول الجمهور لأنه لا تحريم مع العجز، ولا يجوز لأحد أن يضيق على المسلمين ما وسع الله عليهم وفي شرح العمدة يتوجه فعل ما شاء، لأن التحريم إنما يثبت مع إمكان الطهارة ولأن له أن يزيد في الصلاة على أداء الواجب في ظاهر قولهم، حتى لو كان جنبا قرأ بأكثر من الفاتحة، فكذا فيما يستحب خارجها.

(5)

كنجاسة غير معفو عنها، وككلام وأكل وشرب، لأنه مناف للصلاة فأبطلها.

ص: 320