المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ يجوز التيمم بما على وجه الأرض - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ يجوز التيمم بما على وجه الأرض

ولا يؤم متطهرا بأحدهما (1) .

(ويجب التيمم بتراب) فلا يجوز التيمم برمل وجص (2) ونحيت الحجارة ونحوها (3)(طهور) فلا يجوز بتراب تيمم به، لزوال طهوريته باستعماله (4) .

(1) يعني لا يؤم عادم الطهورين شخصا متطهرا بأحدهما، أي الماء أو التراب، كالعاجز عن الاستقبال وغيره، لا يؤم قادرا عليه، فالجار متعلق بالوصف لا بالفعل.

(2)

بفتح الجيم وكسرها ما يبنى به، وهو معرب وجصص البناء طلاه بالجص.

(3)

كالنورة والزرنيخ والمغرة ونحوها، والنحاتة كل ما خرج من الشيء المنحوت، مالم تكن الغلبة للتراب، قياسا على الماء، وكذا ما لم يكن المخالط يعلق باليد، وعنه:

‌ يجوز التيمم بما على وجه الأرض

من تراب وسبخة، ورمل وغيره، لقوله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا أدركتهم الصلاة تيمموا بالأرض التي صلوا عليها، ترابا أو غيره، واجتازوا الرمال في غزوة تبوك وغيرها، ولم ينقل أنهم حملوا التراب، ولا أمر بحمله، ولا فعل أحد من أصحابه، مع القطع بأن الرمال في تلك المفاوز أكثر من التراب وقال صلى الله عليه وسلم أيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره، وهو صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل والسباخ ونحوهما فهو طهور، واختاره الشيخ وتلميذه، وجماهير العلماء، وأنه لا يحمل التراب لأجل التيمم، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف.

(4)

أشبه الماء المستعمل، وهو ما تساقط مما علق بيد المتيمم، قال في الفروع: وقيل يجوز كما لو لم يتيمم منه في الأصح اهـ لأن ما يمسح به وجهه يصير به مستعملا فلو ضر لما صح أن يمسح به كفيه، ولأنه عندهم لا يرفع الحدث، فلا يصير مستعملا، بخلاف قولهم في الماء، مع ما فيه من الخلاف المتقدم، ولم يقم برهان

أنه لا يجزئ الوضوء بالماء المستعمل فالتيمم بطريق الأولى، وأما التراب النجس فلا يجوز التيمم به بلا نزاع، لقوله (طيبا) أي طاهرا، وطهور: صفة لتراب.

ص: 321

وإن تيمم جماعة من مكان واحد جاز، كما لو توضؤوا من حوض واحد يغترفون منه (1) ويعتبر أيضا أن يكون مباحا، فلا يصح بتراب مغصوب (2) وأن يكون (غير محترق) فلايصح بما دق من خزف ونحوه (3) وأن يكون (له غبار) لقوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (4) فلو تيمم على لبد (5) أو ثوب أو بساط أو حصير أو حائط أو صخرة أو حيوان.

(1) قال الشارح وغيره: بلا خلاف.

(2)

ظاهره ولو تراب مسجد، قال في الفروع وغيره: ولعله غير مراد اهـ فإنه لا يكره بتراب زمزم، مع أنها مسجد، ولو تيمم بتراب غيره من غير غصب جاز في ظاهر كلامهم، للإذن فيه عادة وعرفا، كالصلاة في أرضه، ويصح من أرض مغصوبة.

(3)

كالنورة والخزف والآجر، وكل ما عمل من طين وشوي بالنار، حتى يكون فخارا، لأنا لطبخ أخرجه عن اسم التراب.

(4)

فما لا غبار له كالصحراء والطين الرطب لا يمسح بشيء منه، قال في الخلاف في الطين الرطب، بلا خلاف بل يجففه إن أمكن.

(5)

بكسر اللام، من صوف أو غيره، سمي به المصوق بعضه ببعض، يجعل على الدابة تحت السرج.

ص: 322

أو برذعته (1) أو شجر أو خشب أو عدل شعير ونحوه مما عليه غبار صح (2) وإن اختلط التراب بذي غبار غيره كالنورة فكماء خالطه طاهر (3) .

(وفروضه) أي فروض التيمم (4)(مسح وجهه)(5) سوى ما تحت شعر ولو خفيفا وداخل فم وأنف فيكره (6) .

(1) بفتح الباء والذال أي حلسه الذي يلقى تحت الرحل، أو حلس الدابة صح، وخص بعضهم به الحمار، وقال شمر، هي البرذعة، والبردعة بالذال والدال، والجمع برادع، والمراد ما لم يصر الغبار نجسا، بأن وقع عليه التراب حال رطوبته وإن لم يعلم الحال فينبغي أن يجوز بلا خلاف للأصل، وإن كان غير الحمار ونحوه جاز بلا خلاف، إلا أن يكون الحيوان امرأة ففيها تفصيل معروف.

(2)

أي تيممه على ما مر، إذا كان عليه غبار طهور يعلق بيده، لأنه عليه الصلاة والسلام تيمم بالجدار، وقطع به جمهور أهل العلم، وظاهره ولو مع وجود تراب ليس على شيء مما تقدم وقال الشيخ: إن وجد ترابا غيره فتيممه به أولى.

(3)

أي وإن اختلط التراب الطهور بما فيه غبار كالنورة ودقيق الحنطة فحكمه حكم الماء إذا خالطه طاهر، فإن سلبه اسم الماء المطلق فطاهر، فكذلك ما خالط التراب إذا سلبه اسم التراب المطلق فطاهر، فإن كان بشيء يسير لم يسلبه اسم التراب المطلق لم يضره، والنورة السمة، وحجر الكلس ثم غلب على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره.

(4)

عن حدث أصغر أربعة تعلم بالاستقراء، واثنان عن الأكبر.

(5)

إجماعا ولحيته لقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} .

(6)

فلا يدخل فمه وأنفه التراب، لما في ذلك من التقذير، قال في الإنصاف: قطعا، وإن بقي من محل الفرض شيء أمر يده عليه، والواجب تعميم المسح لا تعميم التراب لقوله:{فَامْسَحُوا} ويبالغ فيه سيما جوانب الأنف، وظاهر الأجفان وجميع المغابن، وظاهر الشفتين، فإنه متى قصر في شيء من ذلك فقد أخل بالمسح المأمور به.

ص: 323

(و) مسح (يديه إلى كوعيه)(1) لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار «إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا» ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه، متفق عليه (2)(و) كذا (الترتيب) بين مسح الوجه واليدين (3)(والموالاة) بينهما بأن لا يؤخر مسح اليدين بحيث يجف الوجه لو كان مغسولا فهما فرضان (في) التيمم عن (حدث أصغر)(4) .

(1) مسح اليدين فرض إجماعا، لما تقدم من الآية الكريمة، وكونه إلى الكوعين لقوله:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وموضع القطع معروف، وإذا علق حكم بمطلق اليدين لم يدخل فيه الذراع، كقطع السارق ومس الفرج.

(2)

وسببه قول عمار: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما يكفيك، إلخ وفي لفظ صححه الترمذي، أمره بالتيمم للوجه والكفين، وأصح حديث في صفة التيمم حديث عمار، وحديث أبي جهيم: فمسح بوجهه وكفيه، وليس في الباب حديث يعارضهما في جنسهما وقد أخذ بهما فقهاء الحديث أحمد وغيره، وفيهما التصريح بكفاية التيمم للجنب الفاقد للماء، ويقاس عليه الحائض والنفساء.

(3)

في التيمم عن حدث أصغر، وهو الفرض الثالث.

(4)

أي الترتيب والموالاة.

ص: 324

لا عن حدث أكبر أو نجاسة ببدن (1) لأن التيمم مبني على طهارة الماء (2)(ويشترط النية لما يتيمم له)(3) كصلاة أو طواف أو غيرهما (4)(من حدث أو غيره) كنجاسة على بدن فينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما (5) أو عن غسل بعض بدنه الجريح ونحوه (6) .

(1) أي فلا يشترط لهما ترتيب ولا موالاة.

(2)

أي فيما يشترط فيه الترتيب والموالاة كالوضوء، وما لا يشترط كالغسل وعنه: سنة كما تقدم في الوضوء، لأن البدل قائم مقام المبدل، وظاهر كلام الخرقي أن الترتيب هنا سنة، لكونه ذكر الترتيب في الوضوء، ولم يذكره هنا واختاره المجد والشيخ، لأن بطون الأصابع لا يجب مسحها بعد الوجه في التيمم بالضربة الواحدة، بل يعتد بمسحها معه، واختاره في الفائق، وقال: هو قياس المذهب، وقال ابن تميم هو أولى.

(3)

وعده بعضهم الفرض الخامس للتيمم قال في الفروع: والنية فرض وفاقا.

(4)

كمس مصحف ولبث بمسجد وغير ذلك، وذكر غير واحد الإجماع عليه، إلا ما روي عن الأوزاعي والحسن بن صالح، وسائر العلماء على خلافهما للخبر، وقال الموفق والشارح وغيرهما: يجوز التيمم لذلك إجماعا إلا ما روي عن أبي مجلز والنصوص حجة عليه.

(5)

أي حصلا منه أو أحدهما لأنه لا بد من التعيين، وعنه: يصح بنية رفع الحدث وفاقا لأبي حنيفة لقوله: فعنده مسجد وطهوره فسماه طهورا كما سمى الماء طهورا وإذا أطلق الحدث فهو الأصغر غالبا.

(6)

أي تشترط النية لتيممه عن غسل ذلك العضو الجريح ونحوه كقروح وكمن به مرض إن لم يمكنه مسح الجرح بالماء بلا ضرر.

ص: 325

لأنها طهارة ضرورة، فلم ترفع الحدث، فلا بد من التعيين تقوية لضعفه (1) ولو نوى رفع الحدث لم يصح (2) .

(فإن نوى أحدها) أي الحدث الأصغر أو الأكبر أو النجاسة على البدن (لم يجزئه عن الآخر)(3) لأنها أسباب مختلفة (4) ولحديث وإنما لكل امرئ ما نوى (5) وإن نوى جميعها جاز للخبر (6) وكل واحد يدخل في العموم فيكون منويًا (7) .

(1) إذا قلنا إنه مبيح لا رافع، وصفة التعيين أن ينوي استباحة صلاة الظهر مثلا من الجنابة إن كان جنبا، أو من الحدث إن كان محدثا أو منهما.

(2)

وعنه يصح، ويرتفع الحدث اختاره الشيخ وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة، قال في الفروع: فيرتفع الحدث في الأصح لنا وللحنفية، إلى القدرة على الماء، وقال الشيخ: من قال إنه لا يطهر فقد خالف الكتاب والسنة.

(3)

أي الذي لم ينوه، فلو تيمم للجنابة دون الحدث أبيح له ما يباح للمحدث من قراءة ولبث بمسجد ونحوه، لا صلاة ومس مصحف.

(4)

أي فلا بد من التعيين.

(5)

أي فلا يدخل غير المنوي، واختار الشيخ: يجزئه لتداخلها، وإن تيمم للجنابة وأحدث لم يؤثر في تيممه لها، وإن تيمم للجنابة والحدث ثم أحدث بطل تيممه للحدث الأصغر لا للجنابة.

(6)

أي وإن نوى استباحة الصلاة من الحدث الأكبر والأصغر والنجاسة على البدن جاز لقوله: وإنما لكل امرئ ما نوى.

(7)

أو نوى أحد أسباب أحدهما بأن بال وتغوط وخرج منه ريح ونحوه

ونوى واحدا منها، وتيمم أجزأ عن الجميع، أو وجد منه موجبان للغسل، ونوى أحدهما أجزأ عن الآخر، لا إن نوى أن لا يرتفع غيره، على الأصح، أو أن لا يستبيح غيره على ما ذكر.

ص: 326