المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الآنية (1)   هي الأوعية، جمع إناء (2) لما ذكر الماء - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب الآنية (1)   هي الأوعية، جمع إناء (2) لما ذكر الماء

‌باب الآنية

(1)

هي الأوعية، جمع إناء (2) لما ذكر الماء ذكر ظرفه (3)(كل إناءٍ طاهر) كالخشب والجلود والصفر والحديد (4) .

(1) أي هذا باب يذكر فيه مسائل من أحكام الآنية، وثياب الكفار، وأجزاء الميتة، والباب لغة المدخل إلى الشيء، والطريق الموصل إليه، واصطلاحا اسم لجملة من العلم، تحته فصول ومسائل غالبا، وليس مرادهم الباب في كذا الحصر بل إنه المقصود بالذات والمعظم، فلو ذكروا غيره نادرا، أو بالتبعية أو استطرادا لم يضر.

(2)

وجمع الآنية أوان، والأصل أءان وهي الأوعية لغة وعرفا، والوعاء الظرف يوعى فيه الشيء، سمي بذلك لأنه يجمع ما فيه.

(3)

كأنه جواب سؤال تقديره: ما وجه ذكرهم الآنية بعد الماء؟ فأجاب: لما ذكر الماء وكان سيالا محتاجا إلى ظرف لا يقوم إلا به ناسب ذكر ظرفه، جمعه ظروف وذكر ما يتعلق به ويناسبه.

(4)

الخشب بضمتين وبإسكان الثاني: ما غلظ من العيدان، واحدته خشبة، والجلود: جمع جلد، بالكسر المسك من كل حيوان، والصفر بالضم وبكسر: ضرب من النحاس الذي تعمل منه الأواني، وأنكر بعضهم الكسر فيه، وفي حديث عبد الله بن زيد:«فأخرجنا له تورا من صفر فتوضأ» رواه البخاري، وتوضأ من جفنة وتور حجارة ومن إداوة وقربة، وغيرها، وتخصيصه المنع بالذهب والفضة يقتضي إباحة ما عداهما في الجملة، ويستثني من العموم النجس، والحديد معروف سمي به لمنعته قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} أي أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته.

ص: 100

(ولو) كان (ثمينًا)(1) كجوهر وزمرد (2)(يباح اتخاذه واستعماله) بلا كراهة (3) غير جلد آدمي وعظمه فيحرم (4) (إلا آنية ذهب

وفضة (5) .

(1) لعدم العلة التي لأجلها حرم الذهب والفضة، لأن هذه الجواهر لا يعرفها إلا خواص الناس فلا تكسر قلوب الفقراء، كذا علله بعض الفقهاء.

(2)

الجوهر فارسي معرب، واحدته جوهرة، وهو كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به والزمرد بالضمات وتشديد الراء، وبالذال المعجمة والمهملة جوهر معروف وكبلور وياقوت.

قال في المبدع: وهذا قول عامة العلماء من غير كراهة، ولا يصح

قياسها على الأثمان من وجوه كثيرة، منها تخصيص الذهب والفضة وندور اتخاذها.

(3)

أي أخذه وتناوله وإعماله فيما يعدله قال الشارح: وغيره في قول عامة أهل العلم.

(4)

لحرمته وكذا شعره ويستثنى المغصوب، وليس بوارد على المصنف، لأن استعماله مباح من حيث الجملة، ولكن عرض له ما أخرجه عن أصله، وهو الغصب.

(5)

الذهب مصدر ذهب، التبر، سمي ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى، وجمع ابن مالك أسماءه في قوله:

نضرٌ نضر نضار زبرج سيرا

وزخرف عسجد عقيان الذهب

والتبر ما لم يذب واشركوا ذهبا

مع فضة في سبيك هكذا العرب

والفضة النوع المعروف وهو جوهر أبيض، نقي يتولد من المادة الزئبقية والكبريتية منعقد في الأرض، يضرب منه أصناف من النقود والحلي، وفي الآية (قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي هي مع صفائها آمنة من الكسر، وسميت فضة لأنها تنفض أي تتفرق ولا تبقى، وتسمى اللجين، والنسيك والغرب، ويطلقان على الذهب أيضا.

ص: 101

ومضببا بهما) أو بأحدهما (1) غير ما يأتي (2) وكذا المموه والمطلي والمطعم والمكفت بأحدهما (3)(فإنه يحرم اتخاذها)(4) لما فيه من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء (5) .

(1) أي الذهب والفضة، والضبة من حديد ونحوه، يضبب بها شق الباب ونحوه، بوضع صفيحة علية تضمه وتحفظه، أو يشعب بها الإناء، وقال الشيخ: المضبب بالفضة من الآنية وما يجري مجراها من الآلات سواء سمي الواحد من ذلك إناء أو لم يسم، وما يجري مجرى المضبب، كالمباخر والمجامر والطشوت والشمعدانات وأمثال ذلك، فإذا كانت الضبة يسيرة لحاجة، مثل شعب القدح وشعيرة السكين ونحو ذلك، مما لا يباشر بالاستعمال، فلا بأس بذلك.

(2)

أي في قوله: إلا ضبة يسيرة لحاجة، وما يأتي في زكاة الأثمان.

(3)

أي بالذهب أو الفضة، والتمويه أن يذاب الذهب أو الفضة، ويلقى فيه الإناء من نحاس أو نحوه، فيكتسب من لونه، والمطلي ما يجعل كالورق ويلصق بالإناء، والتطعيم أن تحفر حفر ويجعل فيها قطع ذهب أو فضة بقدرها، والمكفت أن يبرد الإناء حتى يصير فيه شبه المجاري، ويوضع فيه شريط ونحوه، ويدق عليه حتى يلصق.

(4)

أي اصطناعها على هيئة الآنية، قال الشيخ: إذ الأصل أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه كآلات الملاهي اهـ. وكذا تحصيلها بنحو شراء أو اتهاب، ولو لم يقصد استعمالها بخلاف اتخاد الرجل ثياب الحرير، لأن الآنية محرمة مطلقًا. والثياب تباح للنساء. وفي الحرب ونحو ذلك.

(5)

قال ابن القيم: والصواب أن العلة ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة

والحالة المنافية للعبودية، منافاة ظاهرة، ولهذا علل عليه الصلاة والسلام بأنها للكفار في الدنيا. إذ ليس لهم نصيب في العبودية التي ينالونها بها في الآخرة. فلا يصلح استعمالها لعبيد الله. وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته، ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة.

ص: 102

(واستعمالها) في أَكل وشرب وغيرهما (1)(ولو على أُنثى) لعموم الأَخبار وعدم المخصص (2) وإنما أبيح التحلي للنساءِ لحاجتهن إلى التزين للزوج (3) وكذا الآلات كلها (4) .

(1) أي غير الأكل والشرب، كالغسل والوضوء والإدهان والاكتحال منها لما في الصحيحين «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وللبخاري «الذي يشرب في آنية الذهب» ولمسلم «والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» ، والتوعد بالنار يدل على آكدية التحريم. وهو متفق عليه. وقال النووي: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيها، وجميع أنواع الاستعمال في معنى الأكل والشرب بالإجماع، وحكى غيره إجماع الأمة على ذلك. وقال الشيخ: ما حرم استعماله حرم اتخاذه. كآلة اللهو. فكذا تحصيلها بنحو شراء أو اتهاب ولو لم يقصد الاستعمال.

(2)

التخصيص هو قصر العام على بعض منه بدليل مستقل ولم يوجد، والخبر مرادف للحديث والحديث اسم من التحديث وهو الإخبار أو الحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والخبر عن غيره. والأثر ما روي عن الصحابة ويجوز إطلاقه على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم والمراد هنا المرفوعة. ولا يخفى شموله لتحريمها على الأنثى، وكذا الخنثى، مكلفًا كان أو غيره، قال الشيخ: اتفقوا على أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام على الذكر والأنثى.

(3)

فلم ينه عنه، ولم يزل يتخذ من غير نكير فهو إجماع.

(4)

أي وكما حرم اتخاذ الآنية واستعمالها حرم اتخاذ الآلات كلها واستعمالها كذلك، وحكاه القرطبي وغيره قول الجمهور، وقال ابن القيم: بل يعم سائر وجوه الإنتفاع، وهذا أمر لا يشك فيه عالم.

ص: 103

كالدواة والقلم والمسعَط (1) والقنديل والمجمرة والمدخنة (2) حتى الميل ونحوه (3)(وتصح الطهارة منها) أي من الآنية المحرمة (4) وكذا الطهارة بها وفيها وإليها (5) وكذا آنية مغصوبة (6)(إلاّ ضبة يسيرة) عرفًا (7) .

(1) بضم الميم، إناء يجعل فيه السعوط.

(2)

القنديل هو المصباح. وجمعه قناديل. والمجمرة بالكسر والضم اسم للشيء

الذي يجعل فيه الجمر للبخور، والمدخنة بالكسر أيضًا وهي المجمرة جمعها مداخن.

(3)

كسرير وكرسي وخفين ونعلين وشرابة وملعقة وأبواب ورفوف وطشوت وشمعدانات وأمثال ذلك، كالآلات في تحريم اتخاذها واستعمالها.

وقال الشيخ يباح الإكتحال بميل الذهب والفضة، لأنها حاجة وبياحان لها، والميل الذي يكتحل به، وهو بالرفع عطف على: وكذا الآلات أو مبتدأ خبره محذوف.

(4)

مع الحرمة وفاقًا، لأن الإناء ليس بشرط ولا ركن في العبادة، فلم يؤثر فيها، وقال بعض أهل العلم: لا تصح. اختاره أبو بكر والقاضي والشيخ. لإتيانه بالعبادة على وجه محرم. أشبه الصلاة في المحل المغصوب ويأتي.

(5)

أي وكما تصح الطهارة منها تصح بها. أي بالآنية المذكورة بأن يغترف الماء بها (وفيها) كأن يكون الإناء كبيرا يسع قلتين فيغتسل، أو يتوضأ داخله (وإليها) بأن يجعلها مصبًّا لما ينفصل عن الأعضاء وفاقًا، ولا تصح عند أبي بكر وأبي الحسن والشيخ وغيرهم. كما تقدم.

(6)

أي وكما تصح الطهارة في آنية الذهب أو الفضة كذلك تصح في آنية مغصوبة.

(7)

أي في عرف الناس، لأنه لم يرد الشرع بتقديرها. وقال الشيخ: لا بأس بالشرب بقدح مضبب، إذا لم يقع فمه على الضبة. مثل العلم في الثوب وقال: هذا

بين في أن الفضة تباح على سبيل التبع كالحرير. قال: ومقتضى هذه الرواية أنه يباح الكثير إذا كان أقل مما هو فيه ولم يستعمل. وهذا هو الصواب.

ص: 104

لا كبيرة (من فضة) لا ذهب (1)(لحاجة) وهي أن يتعلق بها غرض غير الزينة فلا بأس بها (2) لما روى البخاري عن أنسَ رضي الله عنه، أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة (3) .

(1) يعني فلا يباح بحال نص عليه. قال الشيخ: وقد غلط طائفة من الأصحاب حيث حكوا قولاً بإباحة يسير الذهب في الآنية عن أبي بكر. وإنما قاله في اللباس والتحلي وهما أوسع.

(2)

أي الضبة كشعب قدح ونحوه، غير ما يتزين به من الفضة. قال الشيخ: ومراد الفقهاء بالحاجة هنا إلى تلك الصورة. كما يحتاج إلى التشعيب والشعيرة. سواء كان من فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك. وليس مرادهم أن يحتاج إلى كونها من فضة، بل هذا يسمونه في مثل هذا ضرورة. والضرورة تبيح الذهب والفضة مفردًا وتبعًا، وقال: كلام أحمد لمن تدبره لم يتعرض للحاجة وعدمها. وإنما فرق بين ما يستعمل وبين ما لايستعمل، فإنه قال: رأس المكحلة والميل حلقة المرآة إذا كان من الفضة فهو من الآنية، وما لا يستعمل فهو أهون في مثل الضبة في السكين والقدح، وإذا ضبب الإناء تضبيبًا جائزًا جاز استعماله مع وجود غيره بلا خلاف. وذكر أيضًا أن أحمد إنما كره الحلقة في الإناء اتباعًا لابن عمر. والمنع هنا مقتضى النص والقياس. فإن تحريم الشيء مطلقا يقتضي تحريم كل جزء منه. إلا ما استثني إذ النهي عن الشيء نهي عن بعضه.

(3)

وفي لفظ له وكان «انصدع فسلسلة بفضة» ، وذكر القرطبي عن البخاري في نسخة أنه رآى هذا القدح بالبصرة. وشرب فيه. وكان اشتري من ميراث النضر ابن أنس بثمانمائة درهم اهـ.

والقدح إناء يروي الرجلين. واسم يجمع الصغار والكبار جمعه أقداح، ولا يسمى قدحًا إلا إذا كان فارغًا، فإذا كان فيه شراب قيل له كأس وانكسر وتكسر انشق. من: كسره يكسره كسرًا. والشعب والصدع والشق الذي فيه. والسلسلة بكسر السين القطعة. وبالفتح إيصال الشيء بالشيء، كأنه سد الشقوق بخيوط من فضة، فصارت مثل السلسلة. وأنس هو ابن مالك بن النضر النجاري الأنصاري. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين ومات سنة اثنتين أو ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، والبخاري هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي، جبل الحفظ وإمام الدنيا. وصحيحه أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل، توفي رحمه الله سنة مائتين وست وخمسين.

ص: 105

وعلم منه أن المضبب بذهب حرام مطلقًا (1) وكذا المضبب بفضة لغير حاجة (2) أو بضبة كبيرة عرفًا، ولو لحاجة (3) لحديث ابن عمر «من شرب في إناء ذهب أو فضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه الدارقطني (4) .

(1) أي سواء كان يسيرًا أو لا لحاجة أو لا لضرورة.

(2)

حرام. وقال الشيخ: يباح إذا كان التضبيب أقل مما هو فيه ولم يستعمل.

(3)

يعني فهو حرام، وتقدم ما ذكر شيخ الإسلام عن أحمد أنه لم يتعرض للحاجة، ولم يقيده بالقلة، وأنه إنما فرق بين ما يستعمل وما يفرد.

(4)

ورواه البيهقي، وكلاهما من طريق يحيي بن محمد الجاري، قال غير واحد: ليس بالقوي، وقال الشيخ: إسناده ضعيف، ومقصود المصنف منه قوله «أو إناء فيه شي من ذلك» ، وقال الحاكم: لم نكتب هذه اللفظة. إلا بهذا الإسناد

قال البيهقي: والمشهور أنه موقوف. اهـ ولا يعارض به ما صح من حديث أنس وغيره، و (يجرجر) بكسر الجيم الثانية و (نار) بالنصب جزم به المحققون واختاروه وروي بالرفع، ولم يذكره الأكثر. ولمسلم «نار من جهنم» ، ولأبي عوانة «إنما يجرجر في جوفه نارا» ، من الجرجرة وهو صوت يردده البعير في حنجرته إذا هاج، ويقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متواترًا، له صوت بانحداره إلى جوفه والمعنى كأنما يجرع نار جهنم، وسمي جهنم لبعد قعرها، أو من الجهومة وهي الغلظ لغلظ أمرها في العذاب، وابن عمر هو عبد الله أسلم مع أبيه وهو صغير، وأجازه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، كان من أهل العلم والورع أفتى ستين سنة وبلغ ستًّا وثمانين، ومات بمكة سنة ثلاث وسبعين، والدارقطني هو الحافظ صاحب السنن وغيرها، أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي، سمع من البغوي وغيره، وتوفي سنة ثلاثمائة وخمس وثمانين.

ص: 106

(وتكره مباشرتها) أي الضبة المباحة (لغير حاجة) لأَن فيه استعمالاً للفضة (1) فإن احتاج إلى مباشرتها كتدفق الماءِ ونحوه ذلك لم يكره (2) و (تباح آنية الكفار) إن لم تعلم نجاستها (3)(ولو لم تحل ذبائحهم) كالمجوس (4) لأنه صلى الله عليه وسلم توضأَ من مزادة مشركة. متفق عليه (5) .

(1) بلا حاجة في الجملة جزم به الموفق وغيره وصححه في تصحيح الفروع ولا تحرم المباشرة لإباحة الاتخاذ والمباشرة مصدر باشره أي وليه ببشرته.

(2)

دفعًا للحرج وتدفقُ الماء: تصببه لو شرب من غير جهتها ونحوه.

(3)

وفاقًا: لأبي حنيفة والشافعي، فهي طاهرة مباحة الاستعمال، للأخبار فإن علمت غسلت لخبر «فاغسلوها» ، وكغيرها من أواني المسلمين إذا تنجست.

(4)

إشارة إلى خلاف مالك، وقال القاضي هي نجسة لأنها لا تخلو من أطعمتهم.

(5)

من حديث عمران بن حصين في حديث طويل، والجمع بينه وبين حديث

أبي ثعلبة «إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها» قيل: الأولى عدم استعمالها إذا وجد غيرها، والمزادة هي ما يحمل فيها الماء، ولا تكون إلا من جلدين، والمجوس أمة يعبدون الشمس والقمر، أو يعبدون النار، والمجوسية نحلتهم أي ملتهم وطائفتهم أو دعواهم، وأماأهل الكتاب فلا تختلف الرواية في أنه لا يحرم استعمال أوانيهم، لقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ولحديث عبد الله بن مغفل «دلي جراب من شحم» الحديث متفق عليه.

ص: 107

(و) تباح (ثيابهم) أَي ثياب الكفار، ولو وليت عوراتهم كالسراويل (1)(إن جهل حالها) ولم تعلم نجاستها (2) لأَن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك (3) وكذا ما صبغوه أَو نسجوه (4) .

(1) والأزر أي ولو وليت ثياب الكفار أهل الكتاب أو المجوس أو عبدة الأوثان عوراتهم كما تليها السروايل فمباحة وكره لبسها أبو حنيفة والشافعي والسراويل معروفة، والجمع السراويلات، قال سيبويه: السراويل واحدة، وهي أعجمية أعربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف.

(2)

كما لو علمت طهارتها، فإن علمت نجاستها لم تبح قبل غسلها، لخبر «فاغسلوها» .

(3)

كما أنا لا تنجس ثيابنا بالشك.

(4)

أي الكفار كلهم، وسئل أحمد عن صبغ اليهود بالبول فقال: المسلم والكافر في هذا سواء ولا يبحث ولا يسأل عنه: فإن علمت فلا تصل فيه حتى تغسله وقال عمر: نهانا الله عن التعمق والتكلف وفي الشرح، لا نعلم خلافًا في إباحة لبُس الثوب الذي نسجه الكفار فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما كان لباسهم من نسج الكفار.

ص: 108

وآنية من لابس النجاسة كثيرًا، كمدمن الخمر، وثيابهم (1) وبدن الكافر طاهر (2) ، وكذا طعامه وماؤه (3) لكن تكره الصلاة في ثياب المرضع والحائض والصبي ونحوهم (4) ولا (يطهر جلد الميتة بدباغ)(5) روي عن عمر وابنه، وعائشة وعمران بن حصين رضي الله عنهم (6) .

(1) طاهرة ما لم تعلم نجاستها، ومدمن المخمر هو المداوم على شربها، وكذا آنية الحائض والمرضع والجزار والدباغ ونحوهم. وثيابهم طاهرة، ما لم تعلم نجاستها، وقيل: التوقي لذلك أولى. لاحتمال النجاسة فيه. أو للاستقذار.

(2)

لأنه لا يجب بجماع الكتابية غير ما يجب بجماع المسلمة. ولو حرمت رطوباتهم لا استفاض نقله.

(3)

أي الكافر لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .

(4)

كالنفساء والمربية، وكمد من الخمر والجزار، وإنما كره مراعاة للخلاف واحتياطًا للعبادة، وتباح الصلاة في ثياب الصبيان والمربيات، وفي ثوب المرأة الذي تحيض فيه إذا لم تتحقق نجاسته، لحمله صلى الله عليه وسلم أمامة وتوقي ذلك أولى، لاحتمال النجاسة.

(5)

الميتة اسم لكل حيوان خرجت روحه بغير ذكاة، وقد يسمى المذبوح في بعض الأحوال ميتة حكمًا كذبيحة المرتد، وفي المصباح: الميتة ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، والدباغ هو ما يدبغ به من قرظ وغيره ينزع فضوله، من لحم ودم ونحوهما مما يعفنه، ويمنع النتن والفساد، ولو جف ولم يستحل لم يطهر، والمراد هنا الميتة النجسة، لا ما لا ينجس بالموت، كالجراد والسمك، والجنين بعد ذكاة أمه، والصيد إذا قتله الجارح، أو السهم بشرطه أو الآدمي واستعماله حرام بالإجماع.

(6)

أي أنهم أفتوا بعدم طهارته لحديث «لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا

عصب» وعمر هو ابن الخطاب بن نفيل أبو حفص القرشي ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه، ولد قبل البعثة بثلاثين سنة، وقتله أبو لؤلؤة سنة ثلاث وعشرين، وابن هو عبد الله، وعائشة هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين ولها سبع، أفضل النساء وأفقههن، توفيت رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين، وعمران بن حصين هو ابن عبيد بن خلف بن عبد نهم الخزاعي أسلم عام خيبر أفقه من قدم البصرة من الصحابة، مات رضي الله عنه سنة اثنتين وخمسين، وروي عن عمر أيضًا وعائشة وابن عباس وابن مسعود أنه يطهر وإليه رجع أحمد نقله عنه جماعة وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وجماهير العلماء، واختاره الموفق والشارح وابن حمدان والشيخ وغيرهم، وورد في تطهيره بالدباغ خمسة عشر حديثًا، منها حديث ابن عباس «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه» رواه مسلم وغيره، وحديث ميمونة «يطهر الماء والقرظ» و «دباغ الأديم طهوره» متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن نجاسة جلد الميتة طارئة فنزول بالمعالجة، وفي المصباح وغيره: الإهاب اسم للجلد قبل الدبغ، وقوله «أيما إهاب دبغ» ، يدل عليه، وقال النضر وغيره من علماء اللغة قال الشيخ: والتحقيق أن يقال: ليس في حديث ابن عكيم، نهي عن استعمال المدبوغ اهـ وهو ضعيف لا يحتج به لعلل شتى.

ص: 109

وكذا لا يطهر جلد غير مأْكول بذكاة كلحمه (1)(ويباح استعماله) أَي استعمال الجلد (بعد الدبغ)(2) .

(1) غير المأكول كالكلب والفهد والأسد، لأنه ليس محلاًّ للذكاة، فهو ميتة، وهذا مذهب الشافعي، وأما الذكاة في المأكول فسبب لبقاء طهارته كلحمه.

(2)

لا غير إذ لانزاع في نجاسة إهاب الميتة قبل دبغه، وقال الشارح: لا يجوز بيعه قبل الدبغ لا نعلم فيه خلافًا، وقيل يجوز بيعه مع نجاسته كثوب نجس وزبل، وأجاز شيخ الإسلام الانتفاع به قبل الدبغ فيما لم ينجسه، وكذا يجوز الانتفاع به في اليابس وأن المراد من الآية تحريم الأكل، لأنه المقصود منها عرفًا، ولا يجوز أكله لأنه جزء من الميتة، قال الشارح: في قول عامة أهل العلم، ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل، وفي الصحيحين «إنما حرم من الميتة أكلها» .

ص: 110

بطاهر منشف للخبث، قال في الرعاية: ولا بد فيه من زوال الرائحة الخبيثة (1) وجعلُ المصران والكرش وترادباغ (2) ولا يحصل بتشميس ولا تتريب (3) ولا يفتقر إلى فعل آدمي (4) فلو وقع في مدبغة فاندبغ جاز استعماله (5)(في يابس)(6) .

(1) فضابطه أن يطيب به ريح الجلد، بحيث لو وقع في الماء بعده لم يعد إليه الفساد، كالشب والشت والقرظ وقشور الرمان والعفص، وغير ذلك مما يحصل به مقصود الدباغ، والرعاية المراد بها الرعاية الكبرى لأحمد بن حمدان بن شبيب ابن حمدان النميري الحراني الفقيه الحنبلي، وله الرعاية الصغرى وغيرها، توفي سنة ستمائة وخمس وتسعين.

(2)

أي يكون ذلك دباغًا له، لأنه المعتاد فيه، والمصران بالضم واحدها مصير بالفتح الأمعاء، والكرش بالفتح والكسر لكل مجتر، بمنزلة المعدة للإنسان والأمعاء والوتر بالتحريك أحد أوتار القوس، وإذا دبغ الجلد بنجس أو دهن بدهن متنجس طهر بالغسل، لأن الذي يبقي عرض.

(3)

لاشتراط الدبغ وليس التشميس ولا التتريب دبغًا لقوله: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه» .

(4)

لأن إزالة النجاسة من التروك فلا تفتقر إلى نية.

(5)

لاندباغه في موضع الدباغ.

(6)

متعلق باستعماله لأن نجاسته لا تمنع الانتفاع به فيه.

ص: 111

لا مائع، ولو وسع قلتين من الماء (1) إذا كان الجلد (من حيان طاهر في الحياة) مأكولاً كان كالشاة (2) أَو لا كالهر (3) أَما جلود السباع كالذئب ونحوه مما خلقته أَكبر من الهر ولا يؤكل (4) فلا يباح دبغه، ولا استعماله قبل الدبغ ولا بعده، ولا يصح بيعه (5) ويباح استعمال مُنخل من شعر نجس، في يابس (6) .

(1) سواء كان المائع من ماء أو غيره، لأنه يفضي إلى تعدي النجاسة، وهذا على القول بعدم طهارته بالدبغ.

(2)

والظباء والبقر، والإبل.

(3)

أي أو غير مأكول كالهر، أي السنور، وما دونه خلقه كابن عُرْس فيجوز استعماله في يابس.

(4)

كالأسد والنمر والفهد والكلب ونحوها، وكالقرد والدب.

(5)

وفاقًا، واختاره الشيخ وغيره، لأن الدباغ إنما يزيل النجاسة الحادثة بالموت، وقال: لا يطهر جلود السباع، وهو أرجح، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع وعليه الجمهور وقال أيضا: الذي عليه الجمهور أن جلود الكلاب وسائر السباع لا تطهر بالدباغ، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام من وجوه متعددة أنه نهى عن جلود السباع، وأما قوله «أيما إهاب دبغ فقد طهر» ، فضعفه أحمد وغيره من أئمة الحديث وقال: وفي هذا القول جمع بين الأحاديث ولا يجوز ذبحه لذلك وقال: ولو في النزع.

(6)

لا رطب، والمنخل بضم الميم والخاء وتفتح، ما ينخل به، لعدم تعدي النجاسة كركوب البغل والحمار.

ص: 112

وَ (لبنها) أَي لبن الميتة (1)(وكل أَجزائها) كقرنها وظفرها وعصبها وعظمها وحافرها (2) وإِنفحتها وجلدتها (نجسة) فلا يصح بيعها (3)(غير شعر ونحوه) كصوف ووبرويش من طاهر في الحياة (4) .

(1) نجس وفاقًا لمالك والشافعي: لأنه لاقى وعاء نجسًا، فتنجس به، وعنه طاهر وفاقا لأبي حنيفة وغيره، واختاره الشيخ، لأن الصحابة أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالإنفحة ومجرد ملاقاة النجاسة لا يوجب تنجيسه إلا بالتغير بها.

(2)

أي الميتة وكذا أصول شعرها، وأصول ريشها نجسة، لأنها من جملة أجزاء الميتة أشبهت سائرها هذا المذهب.

(3)

أي لأنها من جملة أجزاء الميتة والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء وتكسر وشد الحاء شيء يستخرج من بطن الحمل، أو الجدي الرضيع، أصفر فيعصر في اللبن فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي فهو كرش، وجلدتها أي جلدة الإنفحة نجسة، فلا يصح بيعها وقال شيخ الإسلام، عظم الميتة وقرنها وظفرها وما هو من جنسه كالحافر والشعر والريش طاهر وهو مذهب أبي حنيفة، وقول في مذهب مالك وأحمد، وهو الصواب، لأن الأصل فيها الطهارة، ولا دليل على النجاسة، وأيضًا هذه الأعيان من الطيبات ليست من الخبائث، فتدخل في آية التحليل، ولم تدخل في آية ما حرم الله من الخبائث فإن الله حرم الميتة، وهذه الأعيان لا تدخل فيما حرم الله لا لفظًا ولا معنى فإن الله يقول:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ولا يدخل فيها الشعور وما أشبهها، وليس فيها دم مسفوح فلا وجه لتنجيسها أي فيصح بيعها وهو قول جمهور السلف، واختاره صاحب الفائق وجزم به ابن رزين وغيره وقال الشيخ: إذا كان الحيوان الحساس المتحرك بالإرادة لا ينجس لكونه لا دم له سائل، فكيف ينجس العظم الذي ليس فيه دم سائل.

(4)

ولو غير مأكول كالهر، ويشترط أن يقصه بمقراظ فلو نتفه كان نسجًا لأنه لا يخلو من أن يتعلق فيه شيء منها، ورخص أبو حنيفة ومالك في الانتفاع بشعر الخنزير في الخرز وكرهه أحمد، وقال: الحرز بالليف أحب إلي، قال الحافظ: وأجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية، وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية فدل على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها.

ص: 113

فلا ينجس بموت، فيجوز استعماله (1) ولا ينجس باطن بيضة مأكول صلب قشرها بموت الطائر (2)(وما أبين من) حيوان (حي فهو كميتتة) طهارة ونجاسة (3) فما قطع من السمك طاهر (4) ، وما قطع من بهيمة الأَنعام ونحوها مع بقاءِ حياتها نجس (5) .

(1) لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} ولا يجوز استعمال شعر الآدمي لحرمته، و (يجوز) تستعمل تارة بمعنى يحل، وتارة بمعنى يصح، وتارة تصلح للأمرين وهنا الأول.

(2)

لأنها منفصلة عنه أشبهت ولد الميتة إذا خرج حيًّا، و (صلب) أي اشتد قشر بيضة المأكول كالدجاج، حتى كان صلبًا، فإن لم يصلب فنجسة لأنهامن أجزاء الميتة.

(3)

أبين) : أي فصل من سنام وألية ونحوهما، لقوله عليه الصلاة والسلام لما سأل عن قوم يجزون أسنمة الإبل وأليات الغنم، فقال:«ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة» ، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وقال الشيخ: وهذا متفق عليه بين العلماء.

(4)

وكذا الجراد لحل ميتته قال عليه الصلاة والسلام «أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالجراد والحوت» ، وأجمعوا على طهارتهما.

(5)

إجماعًا، وبهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم، ونحوها الظباء والطيور ونحوها، وسميت بهيمة لما في صوتهامن الإبهام، وفي القاموس: البهيمة كل ذات أربع قوائم، ولو في الماء وكل حي لا يميز، وقوله (مع) بفتح العين، وقال النووي: في اللغة المشهورة، وحكي إسكانها، قال أهل اللغة: هي كلمة للمصاحبة وتضم الشيء إلى الشيء.

ص: 114

غير مسك وفأْرته (1) والطريدة وتأْتي في الصيد (2) .

(1) لأنه منفصل بطبعه، أشبه الولد، قال الشيخ: طاهر عند جماهير العلماء كما دلت عليه السنة الصحيحة وعمل المسلمين، وذكر أنه بمنزلة البيض والولد ليس مما يبان من البهيمة وهي حية وحكي النووي وغيره الإجماع على طهارته ولو أخذ بعد الموت، لأنه استحال عن جميع صفات الدم، وخرج عن اسمه إلى صفات واسم يختص بها فطهر لذلك، كما يستحيل الدم إلى اللحم فيكون طاهرًا والمسك بكسر الميم وسكون السين فارسي معرب، كانت العرب تسمية المشموم وهو طيب معروف، وفأرته دم ينعقد في سرة حيوان، يعيش في بلاد حارة قرب الصين يسمى بغزال المسك، وهو نوع من الظباء، بري، يتميز بهذا الكيس يحمله الذكر البالغ منه في وقت معلوم يتميز أجوده بالرائحة الذكية.

(2)

لم يذكرها رحمه الله، وهي الصيد بين قوم لا يقدرون على ذكاته فيأخذونه قطعًا، حتى يؤتي عليه وهو حي، قال الحسن لا بأس بالطريدة، كان الناس يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أحمد، وكذا الناد من الإبل وغيرها، ما أبين من ذلك وهو حي فطاهر، ويسن أن يقول العبد في كل شيء يعزم عليه: إن شاء الله، امتثالا لأمر الله، وقال عليه الصلاة والسلام في قصة سليمان:«لو قال إن شاء الله لم يحنث» وكان دركا لحاجته متفق عليه.

ص: 115