المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من دخل عليه الوقت ثم طرأ مانع من جنون أو حيض فلا قضاء عليه - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌من دخل عليه الوقت ثم طرأ مانع من جنون أو حيض فلا قضاء عليه

(وإن أدرك مكلف من وقتها) أي وقت فريضة (قدر التحريمة) أي تكبيرة الإحرام (1)(ثم زال تكليفه) بنحو جنون (2)(أو) أدركت طاهرة من الوقت قدر التحريمة ثم (حاضت) أو نفست (3)(ثم كلف) الذي زال تكليفه (4)(وطهرت) الحائض أو النفساء (قضوها) أي قضوا تلك الفريضة التي أدركوا من وقتها قدر التحريمة قبل (5) لأنها وجبت بدخول وقتها واستقرت (6) فلا تسقط بوجود المانع (7) .

(1) على القول بكون الوجوب يتعلق بقدرها، والمراد المكلف الذي لا مانع به.

(2)

كما لو زالت الشمس ثم بعد مضي قدر تكبيرة فأكثر طرأ مانع للصلاة كزوال عقل.

(3)

أي أو أدركت طاهرة من حيض أو نفاس من الوقت قدر التحريمة، ثم طرأ عليها العذر من حيض أو نفاس.

(4)

بنحو جنون، قضى تلك الصلاة التي أدرك قدر التكبيرة من وقتها، لأن الصلاة تجب بدخول أول الوقت، والوجوب يتعلق بقدر التكبيرة من الوقت، لأنه جزء منه استوى فيه القليل والكثير، لما رواه مسلم، وتقدم ويأتي قول الشيخ الفاصل في المسألة.

(5)

أي قبل زوال التكليف بطروء المانع من جنون أو حيض ونحوهما وقال الشافعي: بمضي زمن يمكن فعلها فيه، و (قبل) يبنى على الضم كبعد وتقدم.

(6)

أي على مكلف أدرك جزءا من وقتها لم يقم به مانع.

(7)

ويجب قضاؤها عند زوال المانع، قولا واحدا، ولا يلزمه غير التي دخل

وقتها قبل طروء المانع فلا يقضي المجموعة إليها بعدها، لأنه لم يدرك جزءا من وقتها، بخلاف عكسها الآتي، وقال الشيخ: و‌

‌من دخل عليه الوقت ثم طرأ مانع من جنون أو حيض فلا قضاء عليه

، وقال: الأظهر في الدليل، قول مالك ورواية عن أبي حنيفة، أنها لا يلزمها شيء، لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء، ولأنها أخرت تأخيرا جائزا، فهي غير مفرطة، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد بقضاء الصلاة بعد وقتها، وذكر أنهما ليسا كالنائم والناسي، فإن وقتهما إذا ذكرا، وفي الاختيارات لا قضاء إلا أن يتضايق الوقت ثم يوجد المانع.

ص: 486

(ومن صار أهلا لوجوبها) بأن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون (1) أو طهرت حائض أو نفساء (قبل خروج وقتها) أي وقت الصلاة، بأن وجد ذلك قبل الغروب مثلا ولو بقدر تكبيرة (2)(لزمته) أي العصر (وما يجمع إليها قبلها) وهي الظهر وكذا لو كان ذلك قبل الفجر لزمته العشاء والمغرب (3) لأن وقت الثانية وقت الأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور فكأنه أدرك وقتها (4) .

(1) من جنون أو مغمى عليه من إغماء قبل خروج وقتها لزمته وما يجمع إليها قبلها على ما يأتي تفصيله.

(2)

تقدم أنها لا تدرك إلا بركعة، لما في الصحيح «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» ، قال شيخ الإسلام: وهذا نص عام في جميع صور إدراك ركعة من الصلاة، سواء كان إدراك جماعة أو إدراك وقت.

(3)

وفاقا لمالك والشافعي.

(4)

فلزمه قضاؤها، كما يلزمه فرض الثانية، ولأن أحد هؤلاء أدرك جزءا

من آخر وقت الصلاة، ووجبت عليه، فلزمه قضاؤها، كما لو أدرك وقتا يتسع لها، قال الشارح، لا نعلم فيه خلافا، وفي الإنصاف بلا نزاع، وفي وقت صلاة لا تجمع لزمته فقط، وروى ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وغيره، أنهم قالوا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء فإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا، قال في المبدع: ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة، وقال أحمد: وهو قول عامة التابعين إلا الحسن، وإن كان قبل طلوع الشمس لزمه قضاء الصبح فقط، لأن التي قبلها لا تجمع إليها، وقال أيضا شيخ الإسلام، لا تجب إلا بأن يدرك زمنا يتسع لفعلها، قال: وهو أصح.

ص: 487

(ويجب فورا) ما لم يتضرر في بدنه (1) أو معيشة يحتاجها (2) أو يحضر لصلاة عيد (3)(قضاء الفوائت)(4) .

(1) أي يجب قضاء الفوائت فورا، والفور مصدر مأخوذ من فور القدر، وذلك ما لم يتضرر في بدنه، والتضرر أن يلحقه مشقة، أو نقص في بدنه بضعف أو خوف أو مرض أو نصب أو إعياء، وهو أقل من النصب لأن النصب هو التعب، فتسقط عنه الفورية إلى القدرة بلا ضرر، والمريض يقضيها وإن كان جالسا، ما لم يتضرر ولا يؤخرها ليصلي قائما.

(2)

كفوات شيء من ماله، أو ضرر فيه، أو قطع عن معيشته، نص أحمد على نحو هذا، فيسقط الفور، ويقضيها بحيث لا يتضرر لقوله:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} .

(3)

لما سيأتي من كراهة القضاء بموضع العيد قبل صلاته لئلا يقتدى به.

(4)

أي يجب في أول الإمكان بحيث يلحقه الإثم بالتأخير عنه قضاء الفرائض الفوائت ما لم يلحقه ضرر، لقوله صلى الله عليه وسلم «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» متفق عليه، ولغيره من الأحاديث المستفيضة في الأمر بالصلاة عند الذكر والأمر يقتضي الوجوب، فتجب المبادرة إلى فعلها على الفور وهو قول جمهور الفقهاء، منهم إبراهيم والزهري وربيعة، وأبو حنيفة، ومالك وأحمد وأصحابهم، واختاره الشيخ وغيره. وحجة من رأى التأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلها في المكان الذي ناموا فيه، وهو لا يدل إلا على التأخير اليسير الذي لا يصير صاحبه مهملاً معرضًا عن القضاء، بل يفعله لتكميل الصلاة، ومن اختيار بقعة، ويأتي، وأجمع أهل العلم على وجوب فعل الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان، واستنادهم إلى السنة المستفيضة، ومن تركها جهلاً بوجوبها، مثل من أسلم في دار الحرب، ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، فثقيل يعيد مطلقًا، وقيل بدار إسلام، وقيل لا يعيد مطلقًا، قال الشيخ: والصحيح عدم وجوب الإعادة، لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان، وقال {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فمن لم يبلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه بخلاف العامد لأنه لا يسقط عنه الإثم، فلا يشرع له قضاء، ولا تصح منه، بل يكثر من التطوع، واختاره هو وابن رجب وغيرهما، وحكمته التغليظ عليه، وذكر بعض المتقدمين كالجوزجاني والبربهاري وابن بطة: أنه لا يجزئ فعلها مطلقًا إذا تركها عمدًا. وحكى النووي إجماع من يعتد بهم على لزوم القضاء، ورد على ابن حزم استدلاله على عدم القضاء، وقاس وجوب القضاء على قضاء المجامع في نهار رمضان، فالله أعلم، والقضاء عرفًا إيقاع الصلاة خارج وقتها.

ص: 488

(مرتبًا) ولو كثرت (1) .

(1) لأنها صلوات واجبة تفعل في وقت يتسع لها، فوجب فيها الترتيب. قال الشارح: وهذا الترتيب شرط لصحة الصلاة، فلو أخل به لم تصح، لحديث جابر يوم الخندق «فصلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب» متفق عليه، ولأحمد: عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال:«هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟» قالوا: يا رسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاةن فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. ولترتيبه الأربع صلوات. وروى عن ابن عمر ومالك وأبي حنيفة وغيرهم وجوب الترتيب، وعنه: لا يجب وفاقًا. وقال في المبهج: مستحب واختاره في الفائق، قال ابن رجب، وجزم به بعض الأصحاب ومال إلى ذلك، وقال: إيجاب ترتيب قضاء الصلوات سنين عديدة ببقاء صلاة واحدة في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي اهـ وقال النووي: المعتمد في المسألة أنها ديون عليه، فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر، وليس لهم دليل ظاهر، ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها، فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل.

ص: 489

ويسن صلاتها جماعة (1)(ويسقط الترتيب بنسيانه) للعذر (2) فإن نسي الترتيب بين الفوائت (3) أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ من الحاضرة صحت (4) .

(1) صلاته صلى الله عليه وسلم بهم الفجر يوم نومهم، ويوم الخندق جماعة، كما كان يصليها في وقتها، وحكى القاضي عياض وغيره، أنه لا خلاف بين العلماء في جواز الجماعة في القضاء، إلا ما حكي عن الليث، وإن صح فمردود بالأحاديث الصحيحة، وإجماع من قبله.

(2)

لأنه لا أمارة على المنسية تعلم بها ولقوله صلى الله عليه وسلم «عفى عن أمتي الخطأ والنسيان» ، قال القاضي: رواية واحدة، وقال الشيخ: عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد.

(3)

كأن ترك ظهرا وعصرا من يومين لا يدري أيتهما الأولى تحرى وصحت وإن استويا بدأ بما شاء منهما، وفي المطلع: ونسي الترتيب أي نسي أن يقضي الصلاة مرتبة حال قضائها، لا أنه نسي كيف فاتته، فإن ذلك لا يسقط الترتيب على الصحيح.

(4)

وإن ذكر وهو فيها والوقت متسع أتمها وقضى الفائتة ثم أعاد التي كان يها، وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب يحتمل أنه ذكرها في الصلاة، وقال الشيخ: متى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكرها قبل الشروع فيها، فإنه إذا حضرت الجماعة يصلي الحاضرة معهم ثم يصلي الفائتة وهل يعيد الحاضرة؟ فيه للصحابة والعلماء قولان، أحدهما يعيد، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والمشهور في مذهب أحمد، والثاني لا يعيد، وهو قول ابن عباس ومذهب الشافعي واختيار جدي، وتقدم قوله: إن الله لم يوجب صلاة مرتين إلا لترك واجب كطمأنينة أووضوء ونحو ذلك.

ص: 490

ولا يسقط بالجهل (1)(و) يسقط الترتيب أيضا (بخشية خروج وقت اختيار الحاضرة)(2) فإن خشي خروج الوقت قدم الحاضرة لأنها آكد (3) ولا يجوز تأخيرها عن وقت الجواز (4) ويجوز التأخير لغرض صحيح، كانتظار رفقة أو جماعة لها (5) .

(1) للقدرة على التعلم، وإن ترك الترتيب بلا عذر لم يصح، لأنه شرط كترتيب الركوع والسجود، وقيل يسقط الترتيب بجهل وجوبه، اختاره الآمدي والشيخ وغيرهما، وهو مذهب أبي حنيفة، لأن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم.

(2)

لئلا يصيرا فائتتين ولأن ترك الترتيب أيسر من ترك الوقت، قال في الإنصاف، خشية خروج وقت الاختيار كخشية خروج الوقت بالكلية، فإذا خشي الإصفرار صلى الحاضرة، قاله الزركشي والمجد وغيرهما.

(3)

وذلك مثل أن يشرع في صلاة حاضرة والوقت ضيق، أو لم يكن في صلاة، لكن لم يبق من وقت الحاضرة ما يتسع لهما جميعا قدم الحاضرة، لأنها صلاة ضاق وقتها عن آكد منها، فلم يجز تأخيرها، ولأن الصلاة ركن من أركان الإسلام يقتل بتركها، ويحرم عليه تأخيرها، فلم يجز تقديم فائتة على حاضرة عند خوف فوتها، فسقط الترتيب، قال القاضي: رواية واحدة، ولا يسقط الترتيب بخشية فوت الجماعة على الأصح، وقال في المبدع: وعنه يسقط اختاره جمع.

(4)

وتصح البداءة بغير الحاضرة مع ضيق الوقت إجماعا، ولا نافلة إذا.

(5)

وكاختيار بقعة على بقعة، كما فعل صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك

مما هو من مصالحها، ولتكميلها وتكثير أجرها، إذا كان التأخير لقضاء الفائتة يسيرا عرفا، قال ابن القيم: ثبت بالنص والإجماع أن المعذور بالنوم والنسيان وغلبة العقل يصلي إذا زال عذره، ولا يجوز له تأخيرها إلى وقت آخر بالاتفاق، بل هو من الكبائر العظام.

ص: 491

ومن شك فيما عليه من الصلوات، وتيقن سبق الوجوب أبرأ ذمته يقينا (1) وإن لم يعلم وقت الوجوب فما تيقن وجوبه (2) (ومنها) أي من شروط الصلاة (ستر العورة) (3) قال ابن عبد البر: أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه، وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا (4) .

(1) أي وتيقن سبق زمن الوجوب، وهو زمن التكليف، بأن علم بأنه بلغ من سنة كذا، وصلى البعض، وترك البعض، قضى ما يتيقن به براءة ذمته من الفوائت لأنها اشتغلت بيقين، فلا تبرأ إلا بمثله، وكذا من قال: لم أصل منذ بلغت، فإنه تيقن سبق الوجوب، فيقضي حتى يعلم براءة ذمته، وعبارة المبدع: فإن شك في زمن الوجوب قضى ما يعلم وجوبه، وإن شك في الصلاة بعد الوجوب قضى ما يعلم به براءة ذمته، نص عليه، والمراد باليقين هنا غلبة الظن، وإلا فاليقين هنا على حقيقته متعذر.

(2)

أي وإن لم يدر متى بلغ مثلا، ولا ما مصلى بعد بلوغه، لزمه أن يقضي من الفرض الذي تيقن وجوبه، كمن شك هل كان وقت الظهر بالأمس بالغا؟ فإنه لا يلزمه قضاء الظهر، لشكه في وجوبه، ويلزمه إبراء ذمته مما تيقن وجوبه بعد الظهر، كالعصر والمغرب إن شك هل صلاهما أم لا؟ لأن الأصل عدم صلاته لهما، قال الشيخ: إن عجز فمات بعد التوبة غفر له، قال: ولا تسقط بحج، ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة، ولا غير ذلك إجماعا.

(3)

أي تغطيته ما يقبح ظهوره ويستحي منه.

(4)

وحكاه غيره، ولا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وبحضرة

الناس، وفي الخلوة على الصحيح، إلا لغرض صحيح قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي عند كل صلاة، وإن كانت نزلت بسبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وحكى ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العورة، وقال غير واحد، هو ما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع، وقال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة حائض، أي بالغ: إلا بخمار رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ونهى عن الطواف عريانا فالصلاة أولى، وقال في المبدع: والأحسن في الاستدلال أن يقال: انعقد الإجماع على الأمر به في الصلاة، والأمر بالشيء نهى عن ضده، فيكون منهيا عن الصلاة مع كشف العورة، والنهي في العبادات، يدل على الفساد اهـ والثوب اللباس، وهو ما يلبسه الناس من كتان وحرير وخز وصوف وقطن وفرو ونحو ذلك وتقدم.

ص: 492

والستر بفتح السين التغطية، وبكسرها ما يستر به (1) والعورة لغة النقصان والشيء المستقبح (2) ومنه كلمة عوراء أي قبيحة (3) وفي الشرع القبل والدبر (4) .

(1) كائنا ما كان، جمعه ستائر.

(2)

مأخوذ من العور، وهو النقص والعيب.

(3)

ومنه عور العين، وأعور الشيء ظهر وبدت عورته، وهي موضع المخافة وعورة الإنسان السوءة، سميت عورة لقبح النظر إليها، أو لقبح ظهورها، أو لغض الأبصار عنها، أو لأن كشفها يسوء صاحبها، وعري يعرى من باب تعب.

(4)

وهما العورة المغلظة ويقال لهما السوءتان قال تعالى: {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} سميا بذلك لأن كشفها يسوء صاحبها، وهما من المقدم الذكر والأنثيان ومن المؤخر ما بين الأليتين.

ص: 493

وكل ما يستحي منه على ما يأتي تفصيله (1)(فيجب) سترها حتى عن نفسه (2) وخلوة (3) وفي ظلمة وخارج الصلاة (4)(بما لا يصف بشرتها) أي لون بشرة العورة من بياض وسواد (5) لأن الستر إنما يحصل بذلك (6) .

(1) أي العورة في الشرع تطلق على كل ما يستحي من كشفه، على ما يأتي تفصيله، في حق ذكر أو أنثى أو أمة أو من دون التمييز.

(2)

أي فيجب ستر العورة في الصلاة عن النظر حتى عن نفسه، فلو كان عليه قميص واسع الجيب، إذا ركع أو سجد رأى عورته لم تصح، وإن لم يرها.

(3)

أي ويجب ستر العورة حتى في خلوة، كما يجب لو كان بين الناس، وكصلاة العريان خاليا.

(4)

قال في الإنصاف، الصحيح من المذهب أنه يحرم خارج الصلاة من غير حاجة، يعني في حال الخلوة، جزم به في التلخيص، وقال في المستوعب: ستر العورة واجب في الصلاة وغيرها، وصححه المجد وغيره، لحديث بهز بن حكيم: ما نأتي منها وما نذر، قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال: فإن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فالله أحق أن يستحي منه رواه أبو داود وغيره، وكذا نظرها قال في الفروع: لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة فيحرم نظرها، لأنه استدامة لكشفها المحرم، ولم أجد تصريحا بخلاف هذا إلا أنه لا يحرم حيث جاز كشفها.

(5)

لا حجم العضو، لأنه لا يمكن التحرز منه ويأتي.

(6)

لأن ما وصف سواد الجلد أو بياضه ليس بساتر له، وإن وصف الحجم فلا بأس لأن البشرة مستور والحصير البارية جمعه حصر مثل بريد وبرد، المنسوج من خوص ونحوه، ثم يفرش سمي بذلك لأنه يلي وجه الأرض.

ص: 494

ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو (1) لأنه لا يمكن التحرز عنه (2) ويكفي الستر بغير منسوج، كورق وجلد ونبات (3) ولا يجب ببارية وحصير (4) .

(1) أي مقداره وفاقًا. قال الأصحاب: لا يضر إذا وصف التقاطيع، ولا بأس بذلك، نصف عليه؛ لأن البشرة مستورة، وأما عند المالكية، ففيه تفصيل، وتقدم أن حجم الشيء جيده وملمسه الناتئ.

(2)

أي عن ستر حجم العضو، وقال الشيخ: الثياب التي تبدي مقاطع خلقها، والثوب الرقيق الذي لا يستر البشرة وغير ذلك، فإن المرأة تنهى عنه، وعلى وليها كأبيها وزوجها أن ينهياها عن ذلك، وقال في الإنصاف: وأما لبسها ما يصف اللين والخشونة والحجم فيكره.

(3)

نسجه حاكه، وأصل النسج ضم الشيء إلى الشيء، والورق بالفتح من الشجر، الواحدة ورقة، وبها سمي. قال في الإنصاف والإقناع وغيرهما: ورق شجر وحشيش ونحوهما اهـ، وكليف، وأما الكاغد فقال بعضهم: لم يوجد في الكلام القديم. بل الورق اسم لجلود رقاق يكتب فيها، وهي مستعارة من ورق الشجر، والجلد معروف، والنبات المراد من حشيش ونحوه. يقال: نبت الشيء ينبت نباتًا، قال الفراء: النبات اسم يقوم مقام المصدر، وقال الليث: كل ما أنبت الله في الأرض فهو نبت، والنبات فعله، ويجري مجرى اسمه، وكذا مظفور من جلود وشعر ونحوها.

(4)

ونحوهما مما يضره كالشريحة، ولو لم يجد غيرها؛ لأن الضرر مطلوب زواله شرعًا، وربما لا يتمكن المصلي في تلك من جميع أفعال الصلاة، أي فلا يجب مع وجود تلك ستر عورته لعدم سواها، والبارية ما يصنع على هيئة الحصر من القصب الفارسي، وهو المعروف في الاستعمال، وفي القاموس وغيره: هي الحصير اهـ.

والحصير البارية جمعه حصر، مثل بريد وبرد، المنسوج من خوص ونحوه، ثم يفرش، سمي بذلك؛ لأنه يلي وجه الأرض.

ص: 495

وحفيرة وطين، وماء كدر لعدم (1) لأنه ليس بسترة (2) ويباح كشفها لتداو، وتخل ونحوهما (3) ولزوج وسيد وزوجة وأمة (4)(وعورة رجل) ومن بلغ عشرًا (5) .

(1) أي لا يجب ستر العورة لعدم بذلك نص عليه، وقال الشيخ: وهو الصواب المقطوع به، لما فيه من الحرج والضرر، وعدم الثبات، وعدم جري العادة بالستر به، والحفيرة ما يحفر في الأرض، فعليه بمعنى مفعولة والكدر ضد العافي.

(2)

ولكن يستحب أن يستتر بحائط أو شجرة ونحو ذلك إن أمكن.

(3)

كختان وحلق عانة ممن لا يحسنه، ومعرفة بلوغ وبكارة وثيوبة وعيب وولادة ونحو ذلك، وكاستنجاء وغسل ونحوهما، ويباح كشفها لنظر الغير إليها لضرورة أو حاجة، قال في المبدع: حيث جاز كشفها فإنه لا يحرم هو ولا لمسها اتفاقا.

(4)

مباحة لقوله احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك فيباح كشف العورة ونظرها لمن ذكر، والنساء مع النساء كالرجال مع الرجال، فللمرأة أن ترى من المرأة ما يراه الرجل من الرجل.

(5)

أي وعورة ذكر بالغ ولو عبدا، وكذا عورة من بلغ عشر سنين حرا كان أو عبدا ما بين السرة والركبة، لحديث علي لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت، رواه أبو داود وابن ماجه، ولحديث جرهد الأسلمي غط فخذك فإن الفخذ عورة، رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه، وفيه أحاديث أخر، قال الطحاوي: قد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار متواترة فيها أن الفخذ عورة،

وهو قول الجمهور، وقيل سماه عورة لتأكد استحباب ستره، لما جاء عنه من حديث أنس وغيره في انحسار إزاره صلى الله عليه وسلم عن فخذه، والأمر بستره أحوط.

ص: 496

(وأمه وأم ولد) ومكاتبة ومدبرة (ومعتق بعضها)(1) وحرة مميزة ومراهقة (من السرة إلى الركبة)(2) .

(1) أي وعورة أمة ما بين السرة إلى الركبة وفاقا، وقال المجد وغيره: إجماعا، وقال الشيخ: لا يختلف المذهب أن ما بين السرة والركبة من الأمة عورة، قال: وقد حكى جماعة من أصحابنا أن عورتها السوأتان فقط، كالرواية في عورة الرجل، قال: وهذا غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصا، وعلى الشريعة عموما، وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول اهـ وزاد أبو حنيفة وظهرها وبطنها عورة، لحديث عمرو بن شعيب، إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت سرته إلى ركبته عورة، رواه أحمد وأبو داود، والمراد أمته، وكان عمر ينهي الأمة عن التقنع واشتهر فكان الإجماع، والأمة خلاف الحرة، والجمع إماء وآم كقاض، ويجمع على إموان كإسلام، وكذا أم الولد، وهي من ولدت من مالكها أو أبيه، والمكاتبة وهي من باعها سيدها على مال منجم، والمدبرة وهي من علق عتقها بالموت، وكذا معلق عتقها على صفة فعورتهن ما بين السرة إلى الركبة، لبقاء الرق فيهن، ومعتق بعضها كذلك استظهره جمع وصوبه في الإنصاف، دون الحرة فلم تلحق بالرجل، والمقتضي بالإجماع هو الحرية الكاملة، فلم توجد فيهن، وقال أبو حامد وغيره: أجمع العلماء على أن رأس الأمة ليس بعورة، مزوجة كانت أو غير مزوجة.

(2)

أي وعورة حرة مميزة وهي من لها سبع سنين، ويفهم منه أن الأمة المميزة ليست كذلك، بل هي كالذكر، وعورة مراهقة بكسر الهاء أي مقاربة البلوغ، من السرة إلى الركبة بلا خلاف، إلا ما روي عن أبي حنيفة في الركبة، ويستحب استتارهن كالحرة البالغة احتياطا ويأتي.

ص: 497

وليسا من العورة (1) وابن سبع إلى عشر الفرجان (2)(وكل الحرة) البالغة (عورة (3) إلا وجهها) فليس عورة في الصلاة (4)

(1) أي ليست السرة والركبة من العورة، واستثناهما لإيهام دخول الغاية، ولو عبر بـ (ـما بين) لكان أظهر، لأن العورة ما بينهما، لحديث عمرو وتقدم، وحديث أبي أيوب أسفل السرة وفوق الركبة، وحديث ما بين السرة والركبة، وفي الصحيح أنه كان صلى الله عليه وسلم قاعدا فكشف عن ركبته، قال الوزير: اتفقوا على أن السرة من الرجل ليست عورة، وقال مالك والشافعي وأحمد في الركبة: ليست من العورة.

(2)

الدبر والقبل فقط، لأنه دون البلوغ، وكذا خنثى له سبع سنين، وعلم منه أن من ليس له إلا دون سبع لا حكم لعورته، لأن حكم الطفولية منجر عليه إلى التمييز وتقدم أنه يشترط لصحة صلاته ما يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في السترة.

(3)

لقوله عليه الصلاة والسلام المرأة عورة صححه الترمذي من حديث بن مسعود، ولحديث أم سلمة: أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها، رواه أبو داود، والصحيح وقفه ولأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف لا تجوز صلاتها.

(4)

قال الشارح: بلا خلاف نعلمه، وقال القاضي: إجماعا والمراد حيث لا يراها أجنبي وقال جمع: وكفيها، وهو مذهب مالك والشافعي: لقوله تعالى: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قاله ابن عباس وغيره: وجهها وكفيها، واختار المجد والشيخ وغيرهما وقدميها، وجزم به في العمدة، وهو مذهب أبي حنيفة، وصوبه في الإنصاف، وما عدا ذلك عورة بالإجماع، وأما خارج الصلاة فعورة باعتبار النظر كبقية بدنها، وهو مذهب مالك والشافعي للخبر، قال الشيخ: والتحقيق أن الوجه ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر إذا لم يجز النظر إليه، وصوبه في الإنصاف.

ص: 498

(وتستحب صلاته في ثوبين) كالقميص والرداء والإزار أو السراويل مع القميص (1) .

(1) ذكره بعضهم إجماعا، مع ستر رأسه والإمام آكد، لأنه يقتدي به، وبين يدي المأمومين، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك، ولقول عمر: إذا وسع الله عليكم فأوسعوا والقميص جمعه قمصان وقمص، وهو ما يلبس على الجلد من قطن وكتان، لا من صوف، والرداء الملحفة يشتمل بها، والإزار الملحفة أيضا، وكل ما ستر، وفسره بعضهم بما يستر أسفل البدن، والرداء ما يستر به أعلاه، وكلاهما غير مخيط، وقيل: الإزار ما تحت العاتق، والرداء ما فوقه والظهر، والكل صحيح، فيستحب أحدهما مع القميص، والأفضل القميض والرداء ثم الإزار، أو السراويل مع القميص، ثم أحدهما مع الرداء، وأفضلهما مع الإزار الرداء، لأنه لبس الصحابة، ولا يحكي تقاطيع الخلقة، وأفضلهما تحت القميص السراويل، لأنه أستر، وقال الشيخ: الأفضل مع القميص السراويل، من غير حاجة إلى الإزار والرداء، وقال القاضي: يستحب لبس القميص ولا يكره في ثوب يستر ما يجب ستره، لما في الصحيحين لما سأل صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد؟ قال أو لكلكم ثوبان؟ قال النووي: لا خلاف في جواز الصلاة في الثوب الواحد، وأجمعوا على أن الصلاة في الثوبين أفضل، والله تعالى أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة، وهو أخذ الزينة فقال:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فعلق الأمر باسم الزينة، لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة، للوقوف بين يديه تبارك وتعالى، والتذلل له والخضوع لجلاله، ويسن لبس الثياب البيض، والنظافة في ثوبه وبدنه، باتفاق أهل العلم.

ص: 499

(ويكفي ستر عورته) أي عورة الرجل (في النفل (1) و) ستر عورته (مع) جميع (أحد عاتقيه في الفرض)(2) ولو بما يصف البشرة (3) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» ، رواه الشيخان عن أبي هريرة (4) .

(1) إجماعا لأن مبناه على التخفيف.

(2)

لا بعض العاتق والعاتق اسم فاعل، موضع الرداء من المنكب، ونجاد السيف من الكتف، أو ما بين المنكب والعنق، جمعه عواتق، وعتق، يذكر ويؤنث والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف، وظاهره ولو فرض كفاية، ومثله النذر واليمين، وقال الوزير: أجمعوا على أنه لا يجب على المصلي ستر المنكبين في الصلاة فرضا أو نفلا إلا أحمد، فأوجبه في الفرض، وعنه في النفل روايتان وقال النووي وغيره، فيه عن أحمد روايتان إحداهما أنه لا يجب في الفرض ولا في النفل، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور السلف والخلف، لقوله فاتزر به.

(3)

أتى بـ (لو) إشارة للخلاف فيه.

(4)

رضي الله عنه، ولفظ مسلم على عاتقيه بالتثنية أي لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه، بل يتوشح بهما على عاتقيه، قال أهل العلم: حكمته أنه إذا اتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء لم يؤمن أن تنكشف عورته أو حكمته أن لا يخلو العاتق من شيء، لأنه أقرب إلى الأدب وأنسب إلى الحياء من الرب، وأكمل في أخذ الزينة عند المطلب، وفي البخاري من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه، ولأحمد وأبي داود على عاتقيه، وفي الصحيحين إن كان الثوب واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتزر به.

ص: 500

(و) تستحب (صلاتها) أي صلاة المرأة (في درع) وهو القميص (1)(وخمار) وهو ما تضعه على رأسها وتديره تحت حلقها (2)(وملحفة) أي ثوب تلتحف به (3) وتكره صلاتها في نقاب وبرقع (4) .

(1) قاله عامة أهل اللغة، مذكر جمعه أدراع، وقال أحمد: شبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها.

(2)

بكسر الخاء المعجمة وهو النصيف، وكل ما ستر شيئا فهو خماره، ومنه خمار المرأة تغطي به رأسها، جمعه أخمرة وخمر وخمر، روي عن عمر وغيره، واختمرت المرأة لبست الخمار ومنه قوله تعالى:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أي يلقين مقانعهن ليسترن أعناقهن وصدورهن.

(3)

إجماعا في الثلاثة، والملحفة بكسر الميم ما ذكره واللحاف اللباس فوق سائر اللباس وكل ثوب يلتحف به، من دثار البرد ونحوه، وتسمى الجلباب، والملاءة، جمعها ملاحف، قالت عائشة: لا بد للمرأة في الصلاة من ثلاثة أثواب إذا وجدتها الخمار والجلباب والدرع، وحكمته المبالغة في سترها وأن لا تبين عجيزتها.

(4)

بلا حاجة كحضور أجانب، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة، ولأنه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف، والنقاب جمعه نقب، مثل كتاب وكتب، وتنقبت غطت وجهها بالنقاب، وهو القناع على مارن الأنف، تستر به المرأة وجهها، وقال أبو عبيد: النقاب هو الذي يبدو منه محجر العينين، وقال الفراء: إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها فتلك الوصوصة، وإن أنزلت دون لك إلى المحجر فهو النقاب، فإن كان على طرف الأنف فهو اللثام، والبرقع بالفتح والضم خريقة تثقب للعينين، تلبسها نساء الأعراب فتستر الوجه فقط، أو الوجه ومقدم الجسم، جمعه براقع، وتبرقعت المرأة لبست البرقع.

ص: 501

(ويجزئ) المرأة (ستر عورتها) في فرض ونفل (1)(ومن انكشف بعض عورته) في الصلاة رجلا كان أو امرأة (2)(وفحش) عرفا (3) وطال الزمن أعاد (4) وإن قصر الزمان (5) أو لم يفحش المكشوف (6) ولو طال الزمن لم يعد إن لم يتعمده (7) .

(1) إن اقتصرت على ستر ما سوى وجهها، قال أحمد: اتفق عامتهم على درع وخمار، وما زاد فهو خير وأستر، ولأنها: سترت ما يجب عليها ستره، فاكتفي به.

(2)

أي ظهر وبدا منها البعض في الصلاة، فرضا كانت الصلاة أو نفلا بلا قصد.

(3)

أي في العرف لأنه لا تحديد فيه شرعا، فرجع فيه إلى العرف والعادة.

(4)

لأن الأصل وجوب ستر جميع العورة، لما تقدم من الآية وحكاية الإجماع وحديث لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، وغيره من الأحاديث ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق، وإذا وجب الستر اقتضى جميع العورة فلا يقبل تخصيص البعض إلا بدليل ظاهر، وإنما عفي عنه في اليسير لمشقة التحرز وأجمعواعلى أن المرأة إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليه الإعادة.

(5)

ولو كثر الإنكشاف كما لو أطارت الريح سترته فأعادها سريعا بلا عمل كثير لم يعد.

(6)

لم يعد، ويعتبر الفحش في كل عضو بحسبه، إذ يفحش من المغلظة ما لا يفحش من غيرها.

(7)

لقول عمرو بن سلمة كنت أؤمهم وعلي بردة صغيرة، فكنت إذا سجدت انكشفت عني فقالت امرأة واروا عنا سوءة قارئكم وفي رواية فيها

فتوق فكنت إذا سجدت فيها خرجت استي، رواه أبو داود وغيره، ولفظ البخاري تقلصت عني، أي ارتفعت إلى أعالي البدن وانتشر ولم ينكر، ولأن ثياب الأغنياء لا تخلو من فتوق والفقراء من خروق غالبا، والاحتراز يشق، فإن تعمد الانكشاف بطلت، لأن التحرز ممكن من غير مشقة، أشبه سائر العورة، قال عثمان: انكشاف العورة فيها ثمان صور: لأن المنكشف إما أن يكون يسيرا بأن لا يفحش عرفا في النظر، وإما أن يكون كثيرا، وعلى التقديرين إما أن يطول الزمن أولا؟ وعلى التقادير الأربع إما أن يكون عمدا أو لا ففي العمد بصوره الأربع تبطل الصلاة، وفي غيره تبطل فيما إذا كثر المنكشف وطال زمنه، وفي الثلاث الباقية لا تبطل وهي ما إذا قل المنكشف وطال الزمن، أو قصر أو كثر المنكشف وقصر الزمن ولم يتعمد في الثلاث.

ص: 502

(أو صلى في ثوب محرم عليه)(1) كمغضوب كله أو بعضه (2) .

(1) أعاد ولو عليه غيره، وعنه: تصح مع التحريم وفاقا: واختاره الخلال وصاحب الفنون وغيرهما، وقال الشيخ: منشأ القول بالصحة أن جهة الطاعة مغايرة لجهة المعصية، فيجوز أن يثاب من وجه ويعاقب من وجه، وإن كان المصلي جاهلا بالمكان أو الثوب، أنه حرام فلا إعادة عليه، سواء قلنا إن الجاهل بالنجاسة يعيد أو لا يعيد؟ لأن عدم علمه بالنجاسة لا يمنع العين أن تكون نجسة، وكذا إذا لم يعلم بالتحريم لم يكن فعله معصية، بل يكون طاعة.

(2)

أو ثمنه المعين حرام، أو بعضه، ومثله مسروق ونحوه، رجلا كان أو امرأة، لقول ابن عمر: من اشترى ثوبا وفيه درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما دام عليه، ثم أدخل أصبعيه في أذنيه، وقال: صمتا إن لم أكن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد، وفي إسناده هاشم، وبقية ولأن لبثه فيه محرم.

ص: 503

وحرير ومنسوج بذهب أو فضة (1) إن كان رجلا واجدا غيره، وصلى فيه عالما ذاكرا أعاد (2) ، وكذا إذا صلى في مكان غصب (3) .

(1) أو أكثره حرير أو منسوج بذهب أو فضة، أو مطلي أو مكفت أو مطعم بأحدهما، قال في الرعاية: حرم مطلقا، والصلاة في الحرير من غير حاجة حرام بالنص والإجماع ويأتي قول الشيخ في الطراز ونحوه.

(2)

أي إن كان من صلى في ثوب حرير أو منسوج بذهب أو فضة رجلا لا امرأة فتصح صلاتها لأنها غير آثمة وكان واجدا غيره وصلى في ذلك الثوب عالما تحريمه ذاكرا أعاد، و (عالما ذاكرا) حالان من فاعل صلى، وعنه: تصح مع التحريم، اختاره الخلال وغيره وفاقا، فإن لم يجد غيره، أو لبس الحرير لحاجة، أو صلى فيه جاهلا تحريمه، أو ناسيا لم يعد، ذكره المجد إجماعا، لأنه غير آثم، ولزوال علة الفساد، ولا يبطل الصلاة لبس عمامة أو خاتم منهي عنهما ونحوهما، لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة، وقال في الاختيارات: ينبغي أن يكون على هذا الخلاف الذي يجرثوبه خيلاء في الصلاة، لأن المذهب أنه حرام وكذلك من لبس ثوبا فيه تصاوير، ومثله كل ثوب يحرم لبسه.

(3)

أعاد، ولو منفعة أو بعضها، ويلحق به لو كان في ساباط، لا يحل إخراجه أو غصب راحلة وصلى عليها، أو لوحا فجعله سفينة، قال الشيخ: بطلان فرضه قوي، ولو غير هيئة مسجد فكغصب وإن منعه غيره أو زحمه وصلى مكانه ففي الصلاة وجهان، قال الشيخ: الأقوى البطلان، وعنه: تصح مع التحريم اتفاقا، واختاره الخلال وغيره، وإن جهل كونه غصبا، أو نسي صحت، ذكره المجد إجماعا، لأنه غير آثم، وقال الشيخ: ينبغي أن لا تجب عليه الإعادة صلاته بقدره، ولا تبرأ ذمته كبراءة من صلى صلاة تامة، ولا يعاقب عقوبة من لم يصل، بل يعاقب على قدر ذنبه.

ص: 504

(أو) صلى في ثوب (نجس أعاد)(1) ولو لعدم غيره (2)(لا من حبس في محل) غصب (3) أو (نجس)(4) ويركع ويسجد إن كانت النجاسة يابسة (5) .

(1) لأنه قادر على اجتنابه في الجملة، والمراد المتنجس، أما لو كان نجس العين كجلد ميتة صلى عريانا بلا إعادة، قاله في المبدع.

(2)

أو لعجزه عن تطهير في الوقت، ويصلي فيه، لأن السترة آكد من إزالة النجاسة لوجوبها، فقدم الآكد عند التزاحم، ووجبت الإعادة لاستدراك ما حصل من الخلل، وعنه لا يعيد، اختاره الموفق والشارح وغيرهما، لأن التحرز من النجاسة شرط عجز عنه فسقط، والسنة إنما وردت بالإعادة لمن ترك واجبا من واجبات الصلاة، كالمسيء وصاحب اللمعة، والمنفرد خلف الصف لغير عذر أن يصلي الفرض مرتين، إلا إذا لم يفعل الواجب الذي يقدر عليه في المرة الأولى، مثل أن يصلي بلا طمأنينة أو بلا وضوء اهـ ونهى عليه الصلاة والسلام عن الصلاة مرتين، رواه أبو داود والنسائي وصححه النووي.

(3)

فتصح ولا إعادة، ذكره المجد إجماعا، ولعله ما لم يكن حبس بحق يجب، لأنه قادر على استخلاص نفسه، أو كان هو الغاصب، لأنه قادر على رفع يده.

(4)

أي ولا يعيد من حبس في محل نجس ونحوه، قال في الاختيارات، وكذا كل مكره على الكون بالمكان النجس والغصب، بحيث يخاف ضررا من الخروج في نفسه أو ماله، ينبغي أن يكون كالمجوس، فإن جهل أو نسي كونه مغصوبا أو حريرا صحت، حكاه المجد إجماعا.

(5)

لأن السجود مقصود في نفسه، ومجمع على فرضيته، وعدم سقوطه.

ص: 505

ويومئ برطبة غاية ما يمكنه (1) ويجلس على قدميه (2) ويصلي عريانا مع ثوب مغصوب لم يجد غيره (3) ، وفي حرير ونحوه لعدم غيره (4) ولا يصح نفل آبق (5)(ومن وجد كفاية عورته (6)

(1) أي يومئ بركوع وسجود من حبس ببقعة نجسة، رطبة ضد اليابسة غاية ما يمكنه يقرب أعضاءه من محل السجود بحيث لو زاد شيئا لمسته النجاسة.

(2)

ولا يضع على الأرض غيرهما قولا واحدا، تقليلا للنجاسة، لحديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.

(3)

وفاقا لأنه يحرم استعماله بكل حال، لعدم إذن الشارع في التصرف فيه مطلقا، ولأن تحريمه لحق آدمي، والعريان الذي خلع ثيابه، وعري من ثيابه يعري من باب تعب وتقدم.

(4)

أي يصلي في حرير ومنسوج بذهب أو فضة ونحوهما، لعدم غيرها وفاقا، وقالوا يلزمه الصلاة فيه، لأنه مأذون في لبسه في بعض الأحوال، كالحكة والجرب وضرورة البرد وعدم سترة غيره فليس منهيا عنه إذا، قال الخلوتي: والفرق أن الغصب لم تعهد إباحته، بخلاف الحرير فإنه أبيح للمرأة والعذر.

(5)

لأن زمنه مغصوب بخلاف فرضه، لأنه مستثنى شرعا فلم يغصب بخلاف زمن نفله، وقال الشيخ: بطلان فرضه قوي، وفي صحيح مسلم إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وفي لفظ فقد كفر حتى يرجع إليهم، وفي صحيح ابن خزيمة ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، وذكر الآبق، وذكروا أنه ليس له إلا فعل السنن الرواتب كالعبد والولد، وأنه يحرم منعهم من ذلك، وعليه، فيكون ما عداها على المنع.

(6)

أي ما يستر عورته، أو منكبه فقط.

ص: 506

سترها) وجوبا وترك غيرها، لأن سترها واجب في غير الصلاة، ففيها أولى (1)(وإلا) يجد ما يسترها كلها بل بعضها (فـ) لميستر (الفرجين) لأنهما أفحش (2)(فإن لم يكفهما) وكفى أحدهما فالدبر أولى (3) لأنه ينفرج في الركوع والسجود (4) إلا إذا كفت منكبه وعجزه فقط (5) .

(1) ولأن ستر العورة متفق عليه، وبترك ستر المنكب، لأنه مختلف فيه ولحديث من لم يكن له ثوبان فليتزر، وحديث وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك.

(2)

أي في النظر وهما عورة بلا نزاع، وغيرهما كالحريم التابع لهما.

(3)

أي فإن لم يكف الفرجين ما وجده من السترة وكفى أحدهما يعني الدبر أو القبل ستر أيهما شاء بلا نزاع، لاستوائهما في وجوب الستر، والدبر أولى من القبل، صححه المجد وغيره، وقيل القبل أولى، ومال إليه في الإنصاف، وقيل بالتساوي.

(4)

ولأنه أفحش، وظاهره أنه لا فرق بين أن يكون رجلا أو امرأة قال في المبدع، ويتوجه أنه يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة قال في المبدع: ويتوجه أن يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة وآلتها إن كان هناك رجل، وستر أكثرهما أولى.

(5)

بأن كانت إذا تركها على كتفه وسدلها من ورائه تستر عجزه، أو هو مستثنى من قوله: أو الفرجين باعتبار عموم الأحوال، أي ومن لم يجد إلا أن يستر الفرجين سترهما في كل حال، إلا إذا كفت منكبه وعجزه فيلزمه العدول إلى سترهما ويصلي جالسا ندبا، والجمهور على أنه يستر الفرجين فقط، والمنكب مجتمع رأس العضد والكتف، والعجز من الرجل والمرأة ما بين الوركين.

ص: 507

فيسترهما ويصلي جالسا (1) ويلزم العريان تحصيل السترة بثمن (2) أو أجرة مثلها أو زائدة يسيرا (3)(وإن أعير سترة لزمه قبولها)(4) لأنه قادر على ستر عورته بلا ضرر فيه (5) .

(1) استحبابا لكونه يستر معظمها، والمغلظ منها، وستر المنكب لا بدل له فكان مراعاته أولى، لصحة حديث ستر المنكبين، ويؤخذ من كلام المصنف أنه تارة يجد ما يستر عورته فقط، أو منكبه فقط، فيتعين ستر عورته ويصلي قائما وجوبا، ويترك ستر عورته فقط، أو منكبه فقط، فيتعين ستر عورته ويصلي قائما وجوبا، ويترك ستر منكبيه، وتارة يجد ما يستر عورته فقط أو منكبه وعجزه فقط، فيلزمه الثاني، ويصلي جالسا استحباب، وأما إذا لم يجد إلا ما يستر العورة لا غير، أو لم يجد إلا ما يستر الفرجين، أو أحدهما لا غير، فعل ما قدر عليه في هذه الصور الثلاث، والدبر أولى في الأخير وعجزه، فيلزمه العدول إلى سترهما، ويصلي جالسا ندبا، وعنه: يتزر ويصلي قائما وفاقا، واختاره الموفق والمجد وغيرهما، وصححه شيخ الإسلام وابن منجا، وصوبه في الإنصاف لحديث اشدده على حقوك وغيره، ولأن القيام متفق على وجوبه، فلا يترك لأمر مختلف فيه.

(2)

أي ثمن مثلها في مكانها على القدرة، ولا تسقط عنه بلا نزاع.

(3)

على ثمن المثل، أو أجرة المثل كماء الوضوء، ويعتبر أن يكون فاضلا عن كفايته.

(4)

وفاقا، والعارية من العوار ككلام العيب، يقال أعرته الشيء إعارة وعارة، وقيل: سميت عارية لأنها عار على طالبها، ويقال: العارية مشتقة من العرية، وهي العطية، والعرية تمليك منفعة بلا عوض، وتأتي في بابها إن شاء الله تعالى.

(5)

ولأنه المنة لا تكثر فيها، وللزوم الستر عليه.

ص: 508

بخلاف الهبة للمنة (1) ولا يلزمه استعارتها (2)(ويصلي العاري) العاجز عن تحصيلها (قاعدا)(3) ولا يتربع بل ينضام (4)(بالإيماء استحباب فيهما) أي في القعود والإيماء بالركوع والسجود (5) فلو صلى قائما وركع وسجد جاز (6) .

(1) فلا يلزمه قبولها هبة، لما يلحقه من المنة، وقال الموفق: ويحتمل أن يلزمه لأن العار في كشف العورة أكثر من الضرر فيما يلحقه من المنة.

(2)

أي السترة قال الشيخ: واتفق المسلمون على أن العريان إذا لم يجد سترة صلى ولا إعادة عليه اهـ وإن وجد جلدا طاهرا، أو ورقا يمكن خصفه عليه، أو حشيشا يمكن ربطه عليه فيستتر به لزمه.

(3)

لما روي عن ابن عمر مرفوعا في قوم انكسر بهم المركب، فخرجوا عراة قال: يصلون جلوسا، يومئون إيماء بروءسهم ولم ينقل خلافه وعند مالك والشافعي يصلي قائما، ويركع ويسجد وصلاته صحيحة، وهو مخير عند أبي حنيفة.

(4)

أي لا يتربع في قعوده، بأن يثنى قدميه تحت فخذيه بل ينضام، أي يضم إحدى فخذيه على الأخرى لأنه أقل كشفا، ولا يتجافى نص عليه، وينضام صيغة مبالغة.

(5)

ويجعل السجود أخفض من الركوع، لأن الستر آكد من القيام، لعدم سقوطه في فرض أو نفل، ولا يختص بالصلاة.

(6)

لعموم قوله صلى الله عليه وسلم صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، وعنه يلزمه اختاره الآجري وغيره، وهو مذهب مالك والشافعي، ولو زاد: أو قاعدا تناول كل منهما قوله، وركع وسجد، ولكان أولى لتناوله الصورتين.

ص: 509

(ويكون إمامهم) أي إمام العراة (وسطهم) أي بينهم وجوبا (1) ما لم يكونوا عميا أو في ظلمة (2)(ويصلي كل نوع) من رجال ونساء (وحده) لأنفسهم، إن اتسع محلهم (3)(فإن شق) ذلك (4)(صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم عكسوا فصلى النساء واستدبرهم الرجال (5)) (فإن وجد) المصلي عريانا (سترة قريبة) عرفا (6) .

(1) جماعة صفا واحدا، وعنه ندبا، قدمه في الفروع وغيره، لأنه أستر من أن يتقدم عليهم، والوسط بسكون السين لما بين طرفي الشيء، لأنه ظرف، ويصلح فيه بين، وعكسه بالفتح، وقال المبرد: ما كان اسما فبالتحريك، وما كان ظرفا فمسكن، وقال الأزهري: كل ما كان يبين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقة الناس فهو بالإسكان، وما كان مصمتا لا بين بعضه من بعض كالدار والساحة والراحة فهو وسط بالفتح، قال: وقد أجازوا في المفتوح الإسكان، ولم يجيزوا في الساكن الفتح.

(2)

عميا وعميانا وأعماء وعماء ذووا العماء، والظلمة ذهاب النور، جمعه ظلم وظلمات، فإذا كان العراة كذلك فيصلون جماعة، ويتقدمون إمامهم.

(3)

حتى لا يرى بعضهم عورة بعض، لأن المرأة إذا وقفت خلف الرجل شاهدت عورته، ومعه خلاف سنية الموقف، وربما أفضى إلى الفتنة.

(4)

يعني صلاة كل نوع وحده، لنحو ضيق محل.

(5)

لما في ذلك من تحصيل الجماعة، مع عدم رؤية الرجال النساء، وبالعكس.

(6)

أي تعد في العرف أنها قريبة.

ص: 510

(في أثناء الصلاة ستر) بها عورته (وبنى) على ما مضي من صلاته (1)(وإلا) يجدها قريبة بل وجدها بعيدة (2)(ابتدأ) الصلاة بعد ستر عورته (3) وكذا من عتقت فيها واحتاجت إليها (4)(ويكره في الصلاة السدل)(5) وهو طرح ثوب على كتفيه ولا يرد طرفه الآخر (6) .

(1) كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتموا صلاتهم، قال النووي: إذا وجد السترة في أثناء الصلاة لزمه الستر بلا خلاف، لأنه شرط لم يأت عنه بدل بخلاف التيمم.

(2)

عرفا بحيث يحتاج إلى زمن طويل، أو عمل كثير.

(3)

أي استأنفها لأنه حينئذ لا يمكنه فعلها إلا بما ينافيها من العمل الكثير، أو بدون شرطها، وأما إذا لم يقدر على السترة إلا بعد الفراغ فقال في شرح الإقناع وغيره: لا يعيد سواء صلى قائما أو جالسا، كفاقد الطهورين.

(4)

أي الأمة ونحوها إذا عتقت في الصلاة واحتاجت إلى السترة، بأن كان رأسها مكشوفا مثلا، فإن كان الخمار بقربها تخمرت به وبنت، وإلا مضت إليه وتخمرت واستأنفت وكذا حكم من أطارت الريح سترته وهو في الصلاة، ومن أعار سترته وصلى عاريا لم تصح صلاته، ولكن إن لم يتمكن من استرجاعها أو سترة غيرها وصلى بحسب استطاعته فلا إعادة عليه، وتسن إعارتها إذا صلى، ويصلي بها واحدا فآخر، والمرأة أولى، وإن خاف خروج الوقت صلى عريانا.

(5)

سواء كان تحته ثوب أو لا، وسدل ثوبه سدلا من باب نصر: أرخاه وأرسله من غير ضم جانبه، لحديث أبي هريرة نهى عن السدل، رواه أبو داود وغيره، قال في الفروع، بإسناد جيد، لم يضعفه أحد.

(6)

قال الشيخ: هذا التفسير هو الصحيح المنصوص عن أحمد وقال:

أبو عبيد: السدل المنهي عنه في الصلاة هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه، فإن ضمهما فليس بسدل، وقال غيره: هو أن يلتحف بثوب ويدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعل ذلك، وهذا مطرد في القميص وغيره، حكاه أبو السعادات، وقيل: هو أن يرسل حتى يصيب الأرض، وقيل غير ذلك، والحجة في المنهي عن السدل، عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن إسبال الإزار، فإن رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، أو ضم طرفيه لم يكره، وإن طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه في الكمين فلا بأس بذلك، قال الشيخ: باتفاق الفقهاء، وليس من السدل المكروه.

ص: 511

(و) يكره فيها (اشتمال الصماء)(1) بأن يضطبع بثوب ليس عليه غيره (2) .

(1) لما في الصحيحين عن أبي هريرة: نهى أن يشتمل الصماء بالثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء، واشتمال الصماء على حذف الموصول، أي اشتمال الشملة الصماء، والهيئة الصماء التي تعرف بهذا الاسم، لأن الصماء ضرب من الاشتمال، قيل لها صماء لأنه لا منفذ فيها، كالصخرة الصماء التي لا صدع فيها ولا خرق.

(2)

حكاه أبو عبيد وغيره عن الفقهاء، أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه، فيبدو منه فرجة، وهم أعلم بالتأويل، وقال: اشتمال الصماء أن يجلل جسده بثوب، نحو شملة الأعراب بأكسيتهم، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيها جميعا اهـ ويضطبع وزن يفتعل، لما وقعت تاء الافتعال بعد حرف الإطباق، وجب قلبها طاء، وجاء مفسرا في الصحيح في النهي عن اللبستين اشتمال الصماء، والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، ولأبي داود وغيره بسند صحيح عن ابن عمر فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود

قال الخطابي: هو أن يحلل بدنه بالثوب، ويسلبه من غير أن يرفع طرفه، واشتمال الصماء أن يجلل بدنه بالثوب ثم يرد طرفيه على عاتقه الأيسر، قال البغوي: وإلى هذا ذهب الفقهاء.

ص: 512

والاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر (1) فإن كان تحته ثوب غيره لم يكره (2)(و) يكره في الصلاة (تغطية وجهه (3) واللثام على فمه وأنفه) بلا سبب (4) لنهيه عليه السلام أن يغطي الرجل فاه، رواه أبو داود (5) وفي تغطية الفم تشبه بفعل المجوس عند عبادتهم النيران (6) .

(1) واضطبع الرجل أبدى إحدى ضبعيه، من الضبع وهي العضد كلها، أو وسطها بلحمها، وإنما كره ذلك لأنه إذا فعله وليس عليه ثوب غيره بدت عورته.

(2)

لأنها لبسة المحرم، وفعلها صلى الله عليه وسلم.

(3)

وللحديث فإن فيه تنبيها على كراهة تغطية الوجه، لاشتماله على تغطية الفم، ولأن الصلاة لها تحليل وتحريم فشرع لها كشف الوجه كالإحرام.

(4)

من حر أو برد أو غير ذلك، ولسبب لا بأس قال أحمد: لا بأس بتغطية الوجه لحر أو برد، واللثام ما كان على الفم، أو ما يغطي به الشفة من ثوب ونحوه، وقيل: رد الرجل عمامته على أنفه، وأصل الفم الفوه، والفم والفاه والفوه بمعنى جمه أفواه باعتبار الأصل وأفمام، وتقدم والأنف المنخر، جمعه آنف وآناف وأنوف.

(5)

من حديث أبي هريرة، وقال ابن حبان: لأنه من زي المجوس.

(6)

ويأتي في الحديث من تشبه بقوم فهو منهم، والمجوس أمة من العجم وغيرهم، يعبدون الشمس والقمر، وقيل يعبدون النار، وتقدم وقيل مجوس رجل صغير الأذنين، وضع دينا ودعا إليه، معرب: منج كوش، والمجوسية نحلتهم وملتهم.

ص: 513

(و) يكره فيها (كف كمه) أي أن يكفه عن السجود معه (1)(ولفه) أي لف كمه بلا سبب (2) لقوله عليه السلام: «ولا أكف شعرا ولا ثوبا» متفق عليه (3) .

(و) يكره فيها (شد وسطه كزنار) أي بما يشبه شد الزنار (4) .

(1) والكم جمعه أكمام وكممة مدخل اليد ومخرجها من الثوب ونحوه، وكفه جمعه وضمه، للحديث الآتي «ولا أكف شعرا ولا ثوبا» وفي الرعاية وتشميره.

(2)

من حر أو برد أو غير ذلك، ولفه ضمه وجمعه ضد نشره، والكف واللف بمعنى ولم أره لغيرهما من الأصحاب.

(3)

من حديث ابن عباس، واتفق أهل العلم على كراهة ذلك، ولا تبطل به إجماعا حكاه ابن جرير، ومذهب الجمهور أن النهي لكل من صلى كذلك، سواء تعمده للصلاة، أو كان كذلك قبلها، وصلى على حاله بغير ضرورة، وقال مالك: من صلى محتزما، أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه، فإن كان ذلك باسه وهيئة قبل ذلك جاز، وإن كان إنما فعل ذلك ليكفت به شعرا أو ثوبا فلا خير فيه، وقول الجمهور هو مقتضى إطلاق الأحاديث الصحيحة، والحكمة أن الشعر يسجد معه، ولذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف كما يأتي.

(4)

أي يكره في الصلاة وكذا في غيرها شد وسطه بفتح السين، لأنه اسم كما يشبه شد الزنار على وسط الرهبان، والمجوس بخيط، ويرخي طرفا منه إلى قرب الأرض، لأنه يكره التشبه بالكفار، أو يحرم، وصرح بالكراهة مطلقا في الفروع والإقناع والمنتهي للخبر، وزنار وزن تفاح، وفي التعريفات: خيط غليظ بقدر الإصبع من الإبريسم يشد في الوسط اهـ وكان محكوما به على الذميين، فكانوا يشدون أوساطهم بخيط دقيق، وفيه المثل: الذمي إذا عطس ينقطع زناره، أي لدقته ولضغط أحشائه.

ص: 514

لما فيه من التشبه بأهل الكتاب (1) وفي الحديث «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح (2) ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقا (3) ولا يكره للرجل بما لا يشبه الزنار (4) .

(1) اليهود والنصارى وكذا المجوس، وكانوا يشدون أوساطهم كما مر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، وأجمع العلماء على النهي عن التشبه بهم، ولا فرق إلا بما يتميزون به من اللباس.

(2)

قال الشيخ: أقل أحوال هذا الحديث أنه يقتضي تحريم التشبه، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، ولأحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده مرفوعا «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى» وللترمذي نحوه، ومخالفتهم أمر مقصود للشارع، والمشابهة تورث مودة، ومشابهتهم فيما ليس من شرعنا يبلغ التحريم في بعضه إلى أن يكون من الكبائر، وقد يصير كفرا بحسب الأدلة.

(3)

أي سواء كان يشبه شد الزنار أولا، لأن ذلك يبين حجم عجيزتها، ويبين عكنها وتقاطيع بدنها، والمطلوب ستر ذلك، وكذا الرقيق الذي يحكي خلقتها ولا يكره شد المرأة وسطها خارج الصلاة، لأنه معهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله، وصح أن هاجر اتخذت منطقا، وكان لأسماء منطقا والمنطق هو ما تشد به المرأة وسطها عند الشغل لئلا تعثر في ذيلها.

(4)

كمنديل ومنطقة، لأنه أستر للعورة، قال أحمد: أليس قد روي عنه صلى الله عليه وسلم لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم، وسأل الرجل يصلي وعليه القميص، يأتزر بالمنديل؟ قال: نعم، فعله ابن عمر: وكان من عادة المسلمين شد الوسط على القباء.

ص: 515

(وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره)(1) في الصلاة وخارجها (2) في غير الحرب (3) لقوله عليه السلام «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» متفق عليه (4) .

(1) كقميص وقباء وطيلسان وشملة وسراويل، بإسبالها، وإسبال العمامة المراد به إرسال الذؤابة زائدا على ما جرت به العادة، قال الشيخ: إطالتها من الإسبال اهـ والخيلاء بضم الخاء ممدود العجب والكبر مأخوذ من التخيل وهو التشبه بالشيء فالمختال يتخيل في صورة من هو أعظم منه تكبرا، ومنه: اختال فهو ذو خيلاء إذا تكبر، والمخيلة والبطر والكبر والزهو، والتبختر والخيلاء بمعنى، وذكر ابن القيم أن خبث الملبس يكسب صاحبه هيئة خبيثة كالمطعم، ولذلك حرم لبس جلود النمور والسباع، لما يكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات، فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن، ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور، لما يكسب القلب من الهيئة المنافية للتواضع، الحالبة للفخر والخيلاء.

(2)

لعموم الأخبار.

(3)

فلا يحرم لإرهاب العدو، ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين، يختال في مشيته فقال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.

(4)

ولهما لا ينظر الله إلى من جر إزاره خيلاء يوم القيامة أي بطرا والمراد يجره هو جره على وجه الأرض، وفي الصحيح، «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» ، ولمسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم» ، وذكر منهم المسبل، وللترمذي وغيره وصححه إياك وإسبال الإزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، والإسبال يستلزم جر الثوب ونحوه، وجر الثوب يستلزم الخيلاء في الغالب، وكل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطورة الخيلاء بباله، ولأبي داود وغيره بإسناد صحيح من حديث ابن عمر الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، وله أيضا بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: بينما رجل يصلي مسبلا إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ ثم جاء فقال له: «اذهب فتوضأ» فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ؟ فسكت عنه ثم قال: «إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل» والمسبل المخري له الجار طرفه خيلاء، ولعل الوعيد متوجه إلى من فعل اختيالا للقيد المصرح به في الصحيحين، ولقوله لأبي بكر إنك لم تفعل ذلك خيلاء وقال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجره خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظا، إذ حكمه أن يقول لا أمتثله، وإطالة ذيله دال على تكبره، ونقل القاضي عياض عن العلماء أن الإسبال كل ما زاد على المعتاد في اللباس في الطول والسعة اهـ وهو حرام قاله الشيخ وغيره، وقال في الإنصاف: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.

ص: 516

ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة (1)(و) يحرم (التصوير) أي على صورة حيوان (2) .

(1) لما في الصحيح قال أبو بكر: إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء، وقوله: للحاجة كستر ساق قبيح من غير خيلاء فيباح له، ما لم يرد التدليس على النساء، ومثله قصيرة اتخذت رجلين من خضب فلم تعرف.

(2)

إجماعا للأخبار، وأما على غير صورة حيوان كشجر وكل ما لا روح فيه فيباح، لقول ابن عباس: فإن كنت فاعلا فاجعل الشجر، وما لا نفس له، متفق عليه، والصورة التمثال، والشكل، وكل ما يصور مشبها بخلق الله، من ذوات الأرواح وغيرها، و (صورة تصويرا) جعل له صورة وشكلا ونقشه ورسمه من (صاره) إذا أماله فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة.

ص: 517

لحديث الترمذي وصححه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت وأن تصنع (1) وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره (2) .

(1) ولحديث ابن عباس كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم، وحديث أبي هريرة ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة أو ليخلقوا ذرة، وحديث الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال: أحيوا ما خلقتم، وحديث النمرقة رآها فلم يدخل فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال: أحيوا ما خلقتم، وحديث النمرقة رآها فلم يدخل فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها، فقال: إن أصحاب هذه الصور بعذبون، الحديث وحديث: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب، متفق عليه، ولغيرها من الأحاديث فتصوير الحيوان حرام وكبيرة، سواء صنعه لما يمتهن أو لغيره، وسواء كان في الدرهم أو الحيطان، أو الثياب أو الورق، أو غيرها، له جرم مستقل أو لا جزم بذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث، وهو قول أكثر أهل العلم، وصوبه في الإنصاف، وجزم به شيخنا، لحديث عائشة: نصبت سترا فيه تصاوير فنزعه متفق عليه، ويؤيد التعميم ما رواه أحمد، فلا يدع وثنا إلا كسره ولا صورة إلا لطخها، وقوله: إلا نقضه، والنقض إزالة الصورة مع بقاء الثوب وفي رواية ثوب ونحوه، صوبه في الإنصاف وغيره، لقول عائشة: كان لا يترك شيئا فيه تصليب إلا قضبه، رواه أبو داود، ولأنه يلحق بالمصور، لاشتراكهما في أن كلا منهما عبد من دون الله، ولا تفسد الصلاة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها، ولم يعدها، وإنما قال: لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي، وأمر بها فأزيلت وفي الحديث: أمرت بكسر الأصنام، فيجب كسرها وطمسها، ومحل الصور منظنة الشرك، وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور.

(2)

كالرأس، أو لم يكن لها رأس، نص عليه لما روى أحمد وأبو داود

والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة في امتناع جبرئيل، لأنه كان في البيت تمثال رجل، وفيه «فمر برأس التمثال الذي في باب البيت يقطع، يصير كهيئة الشجرة» (*) أو معه الصدر فلا لأن الوجه يطلق على الذات، ويقع عليه اسم الصورة، فالرائي له يقول: رأيت صورة فلان ونحوه، ولأن ما سواه الغالب عليه ستره باللباس.

ص: 518

(و) يحرم (استعماله) أي المصور على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر (1) لا افتراشه وجعله مخدا (2)(ويحرم) على الذكر (استعمال منسوج) بذهب أو فضة (3) .

(1) إجماعا للأخبار المارة وغيرها.

(2)

أي المصور فيجوز، لأنه عليه الصلاة والسلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه أحمد، والمخدة بكسر الميم الوسادة، سميت بذلك لأنها توضع تحت الخد وفي الصحيحين وغيرهما من غير وجه امتناع الملائكة من دخول بيت فيه صورة وحديث النمرقة وغيره، قال النووي: لكونها معصية فاحشة، وتقدم ما رواه الترمذي وصححه: نهى عن الصورة في البيت فالأولى العمل بظواهر الأحاديث الصريحة الصحيحة الدالة على العموم، وتكره الصلاة على ما فيه صورة، ولو على ما يداس، جزم به في الفصول والوجيز وغيرهما، والسجود عليها أشد كراهة، وقال الشيخ: لا تجوز الصلاة في ثوب فيه تصاوير، لأنه يشبه حامل الصنم، ولا يسجد على الصورة لأنه يشبه عباد الصور.

(3)

وكذا يحرم على الخنثى لا الأنثى، لحديث أبي موسى حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم صححه الترمذي، وقال الشيخ لما ذكر علم الحرير وفي العلم الذهب نزاع بين العلماء، والأظهر جوازه أيضا فإن في

ــ

(*) كذا في الأصل ولعل فيه سقط تقديره: (فإن بقي الوجه وحده) .

السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا، وحكى في موضع أربعة أقوال: ثم قال: والرابع وهو الأظهر أنه يباح يسير الذهب في اللباس والسلاح، فيباح طراز الذهب إذا كان أربع أصابع فما دون، وقال أبو بكر: يباح واختاره المجد، وهو رواية عن أحمد، ولأنه يسير أشبه الحرير ويسير الفضة، وقال الشيخ: ولبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام بالتحريم لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه، فإذا جاءت السنة بإباحة خاتم الفضة كان ذلك دليلا على إباحة ذلك وما هو في معناه، وما هو أولى منه بالإباحة والتحريم يفتقر إلى دليل.

ص: 519

(أو) استعمال (مموه بذهب أو فضة) غير ما يأتي في الزكاة من أنواع الحلي (1)(قبل استحالته)(2) فإن تغير لونه ولم يحصل منه شيء بعرضه على النار لم يحرم (3) لعدم السرف والخيلاء (4)(و) تحرم (ثياب حرير)(5) .

(1) يعني المباح، منسوجا كان المموه أولا، وتقدم تعريف تمويه الأواني، وتمويه المنسوج أن يذاب شيء من الذهب أو الفضة فيلقى فيه فيكتسب منه، وكذا ما طلي أو كفت أو طعم بأحدهما، كما تقدم في الآنية.

(2)

أي حوله عن طبعه ووصفه، وما حرم استعماله حرم تملكه وتمليكه لذلك، وعمل خياطة لمن حرم عليه، وأجرته نص عليه.

(3)

وقيل مطلقا أبيح في الأصح وفاقا، قاله في الفروع، وعرض على النار إحراقه بها ليتميز.

(4)

تقدم أن العلة ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة المنافية للعبودية.

(5)

على الذكور في الصلاة وغيرها في غير حال العذر إجماعا، لحديث أبي موسى المتقدم، وحديث عمر لا تلبسوا الحرير، إلخ ولو كافرا، وعنه جواز

لبس الحرير للكافر اختاره الشيخ، وفي الصحيحين أن عمر كسا أخا له مشركا بمكة ثوب حرير أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 520

(و) يحرم (ما) أي ثوب (هو) أي الحرير (أكثره ظهورا) مما نسج معه (1)(على الذكور) والخناثى دون النساء (2) لبسا بلا حاجة وافتراشا (3) واستنادا وتعليقا (4) وكتابه مهر (5) وستر جدر (6) .

(1) فيحرم استعماله كالخالص، لأن الأكثر ملحق بالكل في أكثر الأحكام، ولو بطانة وتكة سراويل وشرابة، والمراد المفردة، كشرابة البريد، وحرم الأكثر استعماله مطلقا، فيدخل فيه شرابة البريد، لا تبعا فإنها تباح كزر، وقال ابن عبد القوي: يدخل في التحريم شرابة الدواة، وسلك المسبحة، واختار الآمدي إباحة يسير الحرير مفردا، والشرابة خيوط تضم ويعلق طرفها بالطربوش وغيره، ويتدلى الآخر جمعها شراريب، قال بعض المتأخرين: ولعل القيطان تباح كشرابة البريد.

(2)

قال ابن القيم: على أصح القولين، والنهي عن لبسه، والجلوس عليه متناول لافتراشه، كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبسه لغة وشرعا، فدل عل تحريم الافتراش النص الخاص، واللفظ العام والقياس الصحيح.

(3)

لحديث حذيفة الآتي، قال ابن القيم: والنهي عن لبسه، والجلوس عليه متناول لافتراشه، كما هو متناول للالتحاف به، وذلك لبسه لغة وشرعا، فدل على تحريم الافتراش النص الخاص، واللفظ العام والقياس الصحيح.

(4)

لحديث حذيفة نهى أن يلبس الحرير والديباج، وأن يجلس عليه، رواه البخاري.

(5)

أي في الحرير، اختاره الشيخ وغيره، وقيل يكره، قال صاحب التنقيح: وعليه العمل.

(6)

بالحرير لأنه استعمال له أشبه لبسه ولما في الستر به من السرف، ويكره بغير الحرير إلا لحاجة.

ص: 521

غير الكعبة المشرفة (1) لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تلبسوا الحرير، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» متفق عليه (2) وإذا فرش فوقه حائلا صفيقا جاز الجلوس عليه والصلاة (3)(لا إذا استويا) أي الحرير وما نسج معه ظهورا (4) ولا الخز وهو ما سدي بإبريسم وألحم بصوف أو قطن ونحوه (5) .

(1) زادها الله تشريفا وتكريما، فلا يحرم سترها بالحرير إجماعا.

(2)

من حديث ابن عمر، وفيهما، نهانا عن لبس الحرير والديباج، وتواترت الأحاديث والآثار بتحريمه على الذكور، وحكى الإجماع عليه غير واحد من أئمة المسلمين.

(3)

لأنه حينئذ مفترش للحائل، مجانب للحرير، وقال ابن القيم: وإذا كان الحرير بطانة الفراء دون ظهارته، فالحكم في ذلك التحريم.

(4)

وحكى وزنا فلا يحرم، والوجه الثاني يحرم، صوبه في تصحيح الفروع، قال ابن عقيل والشيخ: الأشبه أنه يحرم، لعموم الخبر، ولأن النصف كثير، وليس تغليب التحليل بأولى من التحريم، ومن اعتبر الوزن فقد خالف ظواهر الأدلة، لأنه نهى عن حلة السيراء، ونهى عن القسي وهو ثياب مظلعة بالحرير، فجعل الحكم للظهور، ولم يسأل هل وزن ذلك الموضع من القطن والكتان أكثر أم لا، مع أن العادة أنه قل، فإن استويا فالأشبه بكلام أحمد التحريم.

(5)

كوبر وكتان إجماعا، لأن حريره مستتر، وفي الحديث: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير، فأما العلم وسدى الثوب فليس به بأس، ورواه أبو داود وغيره، والخز عكس الملحم معنى وحكما، ولا بد من اشتراط عدم الظهور فيه، وهو في الأصل اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها وقال ابن الأثير: الخز المعروف ثياب تنسج من صوب وإبريسم، وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون، فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين، وإن أريد بالخز النوع الآخر، وهو المعروف الآن، فهو حرام، لأنه كله معمول من إبريسم، وعليه يحمل الحديث، يستحلون الخز والحرير اهـ قال في الاختيارات: الخز اسم لثلاثة أشياء، للوبر الذي ينسج مع الحرير، وهو وبر الأرنب، واسم لمجموع الخرير والوبر، واسم لردئ الحرير فالأول والثاني حلال، والثالث حرام، ثم قال: والمنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب إباحة الخز دون الملحم وغيره، فمن زعم أن في الخز خلافا فقد غلط، وقال عثمان: إباحته بشرط أن يكون الحرير مستورا، وغير الحرير هو الظاهر، وإلا فهو كالملحم المحرم، فإن الملحم عكس الخز صورة وحكما اهـ والأبريسم بكسر الراء وفتحها وفتح السين وضمها الحرير قبل أن يخرقه الدود، وبعد الخرق يسمى قزا، معرب إبريشم بالفارسية، والسدى من الثوب ما مد في النسج من خيوط أو هو خلاف لحمته.

ص: 522

(أو) لبس الحرير الخالص (لضرورة (1) أو حكة (2) أو مرض) أو قمل (3) .

(1) كبرد وحر، قياسا على الحكة والقمل، فلا يحرم معها لبس ما كله حرير، ولا افتراشه ونحوه، وقال ابن تميم: من احتاج إلى لبس الحرير الحر أو برد أبيح له.

(2)

بالكسر وهي علة توجب الحكاك كالجرب، إلا أنه معه بثور وهي لا بصور معها، وتعم أكثر البدن في الغالب، ولو لم يؤثر لبسه في زوالها، لحديث أنس: رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما متفق عليه.

(3)

لحديث أنس ولفظه: أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكيا إلى النبي

صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما متفق عليه.

ص: 523

(أو حرب) ولو بلا حاجة (1)(أو) كان الحرير (حشوا) لجباب أو فرش فلا يحرم (2) لعدم الفخر والخيلاء، بخلاف البطانة (3) ويحرم إلباس صبي ما يحرم على رجل (4) وتشبه رجل بأنثى في لباس وغيره وعكسه (5) .

(1) فلا يحرم لبسه إذا تراء الجمعان إلى انقضاء القتال، قال الشيخ: يجوز عند القتال للضرورة باتفاق المسلمين، وذلك بأن لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح والوقاية اهـ ولأن المنع لما فيه من الخيلاء، وذلك غير مذموم في الحرب، ولو كان لبسه بلا حاجة، قال الشيخ: لباسه لإرهاب العدو فيه قولان أظهرهما جوازه.

(2)

لأنه ليس بلبس للحرير ولا افتراش، والجباب واحدها جبة، كغرفة، ثوب مقطوع الكم طويل، يلبس فوق الثياب، سمي جبابا لقطع كميه، والفرش واحدها فراش بالكسر.

(3)

بكسر الباء، وهي خلاف الظهارة، فتحرم إلا لحاجة.

(4)

من اللباس من حرير ومنسوج بذهب أو فضة، لقوله: وحرم على ذكورها، وعن جابر كنا ننزعه عن الغلمان، ومزقه عمر وابن مسعود، وما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير، وهذا ظاهر في بطلان صلاة الصبي في ثوب الحرير ونحوه، لأن الفعل الواقع معصية مؤاخذة بها.

(5)

فيحرم تشبه رجل بأنثى في لباس لا يخاط إلا لها، وكذا يحرم غيره، ككلام ومشي وغيرهما، وكبعض صفات وحركات ونحوها، لمن تعمد ذلك، ومن كان بأصل الخلقة يؤمر بتكلف تركه، وإلا لحقه الذم، لا التشبه في أمور، خيرية ويحرم عكسه، وهو تشبه أنثى برجل في لباس كالقباء والعمامة وما لا

يخاط إلا له، وكجيب الرجل وغيره، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، رواه البخاري وغيره، ولعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل، رواه أبو داود بإسناد صحيح وللطبراني أنه رأى امرأة متقلدة قوسا فقال: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، الحديث وعده أهل العلم من الكبائر للعن عليه، وقال غير واحد، اللباس يختلف باختلاف عادة كل بلد، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللباس، لكن يمتاز النساء بالاستتار والأحتجاب.

ص: 524

(أو كان) الحرير (علما) وهو طراز الثوب (1)(أربع أصابع فما دون (2) أو) كان (رقاعا (3) أو لبنة جيب) وهو الزيق (4)(وسجف فراء) جمع فرو (5) .

(1) العلم هو رسم الثوب ورقمه، وأعلمت الثوب جعلت له علما من طراز وغيره، تنسج على حواشي الثوب، وطراز هو بكسر الطاء معرب، وجمعه طرز، فيباح لحديث ابن عباس: إنما نهى عن الثوب المصمت، أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس، رواه أبو داود، وعنه يباح العلم وإن كان مذهبا، اختارها المجد والشيخ وتقدم.

(2)

إجماعا ودون بالضم لقطعه عن الإضافة أي فما دون أربع أصابع.

(3)

جمع رقعة وهي الخرقة المعروفة يسد بها خرق الثوب ونحوه، و (رقعت الثوب رقعا) من باب نفع، إذا جعلت فيه مكان القطع رقعة.

(4)

بكسر الزاي المحيط بالعنق، حكاه الجوهري وغيره، واللبنة بفتح اللام وكسرها الموحدة جيب القميص، وهو الطوق الذي يخرج منه الرأس، وهو ما فسره به الشارح.

(5)

والفراء بالكسر والمد لباس من جوخ ونحوه، يبطن بجلود، وسجف

بالفتح ويكسر وككتاب الستر، جمعه سجوف وأسجاف، هذا الأصل، ثم استعير لما يركب على حواشي الثوب، يسميه بعض العامة سناجيف.

ص: 525

ونحوها مما يسجف (1) فكل ذلك يباح من الحرير إذا كان قدر أربع أصابع فأقل (2) لما روى مسلم عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة (3) ويباح أيضا كيس مصحف (4) وخياطة به وأزرار (5)(ويكره المعصفر) في غير إحرام (6) .

(1) أي يركب على حواشيه حرير، وتخصيص الماتن الفراء بالسجوف ليس لاختصاص الحكم بل لأنها التي جرت العادة بتسجيفها، فلو سجف غيرها به كما ذكر الشارح جاز، كما يسجف القباء وأمثاله، والكلاه والطربوش.

(2)

أي فكل الذي ذكره من العلم والرقاع والسجف ولبنة الجيب وغيرها يباح بشرطه، وهو ما إذا كان قدر أربع أصابع فأقل، يعني من أربع أصابع، وأما ما زاد على أربع أصابع فلا.

(3)

ولأبي داود نهى عن الحرير إلا هكذا وهكذا إصبعين أو ثلاثا أو أربعا والذي في الصحيحين: إلا هكذا ورفع إصبعيه الوسطى والسبابة وضمهما يعني الأعلام.

(4)

تعظيما له، والكيس بالكسر ما يخاط من خرق وغيرها وتقدم.

(5)

أي بالحرير، لأنه يسير، والأزرار أن يجعل له أزرار جمع زر، بالكسر مما يوضع في القميص وغيره، فيشد بإدخاله في العروة.

(6)

أي يكره المعصفر للرجال، لحديث علي: ونهاني عن لبس المعصفر، رواه مسلم، وله من حديث ابن عمر ولما رأى عليه ثوبين معصفرين قال: إن هذا

من ثياب الكفار فلا تلبسهما وهذا المذهب وعنه لا يكره وفاقا، واختاره الموفق وغيره، قال في الفروع، وهو أظهر وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة، وعصفر الثوب صبغة بالعصفر فهو معصفر، والعصفر صبغ ونبت معروف، وقوله: في غير إحرام، أي وأما فيه فلا يكره نص عليه، وهكذا في المبدع وغيره، وفي حاشية المقنع لأنه يكره للرجل لبس المعصفر، في غير إحرام، ففيه أولى، وكذا في الإنصاف.

ص: 526

(و) يكره (المزعفر للرجال)(1) لأنه عليه الصلاة والسلام نهى الرجال عن التزعفر، متفق عليه (2) ويكره الأحمر الخالص (3) .

(1) في غير إحرام، وأما فيه فحرام، كما سيأتي وتخصيصه الرجال دون النساء لتخصيص النهي كما تقدم، والمزعفر اسم مفعول، وزعفرت الثوب صبغته بالزعفران، فهو مزعفر، وتقدم تعريف الزعفران.

(2)

من حديث أنس، قال الحليمي: ورخص فيه جماعة، والسنة ألزم.

(3)

مما لونه الحمرة، أو المصبوغ بالحمرة، لما في صحيح مسلم عن علي نهى عن لباس المعصفر وخرج ما فيه حمرة وغيرها فلا يكره، وعنه: لا بأس بالخالص وفاقا، واختاره الموفق وغيره، لحديث البراء، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه متفق عليه، وقال ابن القيم: وفي جواز لباس الأحمر من الثياب والجوخ نظر، وأما كراهته فشديدة جدا، والبرد الأحمر ليس هو أحمر مصمتا كما ظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا، وإنما فيه خطوط حمر فيسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر، أو كراهته كراهة شديدة، فأما غير الحمرة من الألوان، فلا يكره، وقيل لابن عمر: لم تصبغ بالصفرة؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، رواه أبو داود، ورأى أبو رمثة على النبي صلى الله عليه وسلم بردين أخضرين، ودخل صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، متفق عليه فيباح الأسود والأخضر، ويسن الأبيض.

ص: 527

والمشي بنعل واحدة (1) وكون ثيابه فوق نصف ساقه (2) .

(1) أي يكره بلا حاجة ولو يسيرا سواء كان في إصلاح الأخرى أو لا لحديث لا يمش أحدكم بنعل واحد متفق عليه، ولمسلم «لا يمش في الأخرى حتى يصلحها» وله «استكثروا من النعال، فإن أحدكم لا يزال راكبا ما انتعل» ولأنها تقيه الحر والبرد والنجاسة، ولأبي داود عن فضالة، كان يأمرنا أن تحتفي أحيانا، ولمسلم عن ابن عمر في عيادته عليه الصلاةوالسلام لسعد بن عبادة: فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر ما علينا نعال، ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص، نمشي في السباخ، وروي أبو عوانة وغيره بأسانيد صحيحة، تمعددوا واخشوشنوا وانتعلوا وامشوا حفاة لتعتاد الأرجل الحر والبرد فتصلب وتقوى، وهو مشهور عن عمر، وعنه: ائترزا وارتدواوألقوا الخفاف والسراويلات، استغناء عنها بالأزر وهو زي العرب، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم وزي الأعاجم، وعليكم بالشمس، فإنها حمام العرب، وتمعددوا واخشوشنوا، واخلو لقوا، واقطعوا الركب وانزلوا، وارموا الأغراض، وهو مشتهر من طرق بألفاظ تعليما منه للفروسية، وتمرينا للبدن على التبذل، وعدم الرفاهية والتنعم، ولزوم زي ولد إسماعيل، ولأحمد عن معاذ مرفوعا إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين وآفات التنعم كثيرة، فإنها تورث الكسل والغفلة والمرح، وغير ذلك، وينبغي أن يتعاهد نعليه عند أبواب المساجد، لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه وينظر فيهما فإن رأى فيهما خبثا فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما» رواه أبو داود وغيره، وتسن الصلاة فيهما قاله الشيخ وغيره، وثبت صلاته فيهما، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: خالفوا اليهود صلوا في نعالكم.

(2)

نص عليه لما روى أبو داود والنسائي والترمذي وصححه ارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وفي لفظ لأبي داود أزرة المسلم إلى

نصف الساق، ولا حرج ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ولأن ما فوقه مجلبة لانكشاف العورة غالبا، وإشهار لنفسه، ويتأذى الساقان بحر أو برد، فينبغي كونه من نصفه إلى الكعب، لبعده من النجاسة والزهو والإعجاب.

ص: 528

أو تحت كعبه بلا حاجة (1) وللمرأة زيادة إلى ذراع (2) ويكره لبس الثوب الذي يصف البشرة للرجل والمرأة (3) وثوب الشهرة وهو ما يشتهر به عند الناس، ويشار إليه بالأصابع (4) .

(1) لما جاء من النهي عن ذلك، والحاجة كستر ساق قبيح وتقدم.

(2)

لحديث أم سلمة يرخبن شبرا، قالت: إذا تنكشف؟ قال: يرخين ذراعا، لا يزدن عليه رواه أحمد والترمذي وحسنه، والمراد ذراع اليد، وقال جماعة: ذيل نساء المدن في البيت كرجل.

(3)

أي تظهر معه حال الجلد، وتبين هيئته من بشرة الرجل أو المرأة للخبر، وتقدم ولأنه لا يسمى ساترا.

(4)

الشهرة اسم من الاشتهار، وظهور الشيء في شنعة، حتى يشتهر للناس ويفتضح ومنه الحديث: نهى عن الشهرتين، وهي الفاخر من اللباس المرتفع في الغاية أو الرذل في الغاية، ولأبي داود من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة، قال شيخ الإسلام: يحرم لبس الشهرة، وهو ما قصد به الارتفاع عند الناس، وإظهار الترفع، أو إظهار التواضع والزهد، لكراهة السلف لذلك، وقال غير واحد من السلف، لباس الشهرة مما يزري بصاحبه، ويسقط مروءته ولبس الدني يذم في موضع ويمدح في موضع، فيذم إذا كان شهرة، ويمدح إذا كان تواضعا واستكانة، كما أن لس الرفيع من الثياب يذم إذا كان تكبرا وفخرا وخيلاء، ويمدح إذا كان تجملا وإظهارا لنعمة الله، ولبس المنخفض من الثياب تواضعا وكسرا لسورة النفس من المقاصد الصحيحة، قال: وقد يستحب ترقيع الرجل ثوبه

للحاجة كما رقع عمر وعائشة وغيرهما من السلف، وكما يلبس قوم الصوف للحاجة ويلبس أيضا المتواضع والمسكنة مع القدرة على غيره، كما جاء في الحديث من ترك جيد اللباس وهو يقدر عليه تواضعا لله كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة فأما تقطيع الثوب وترقيعه ففيه إفساد وشهرة، أو المغالاة في الصوف الرفيع ونحو ذلك مما فيه إفساد المال، أو إظهار التشبه بلباس أهل التواضع مع ارتفاع قيمته فهذا من النفاق والتلبس، فهذان النوعان فيهما إرادة العلو في الأرض أو الفساد، والدار الآخرة {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} وقال ابن القيم: يكره لبس زي الأعاجم كعمامة صماء ونعل صرارة لزينة، ولبس ثوب مقلوب كفعل بعض أهل السخافة، فإن قصد إظهار التواضع حرم، لأنه رياء، وكان هديه صلى الله عليه وسلم في اللباس مما يسره الله ببلده، فكان يلبس القميص والعمامة والإزار والرداء الجبة والفرج، ويلبس من القطن والصوف وغير ذلك، ويلبس مما يجلب من اليمن وغيرها، فسنته تقتضي أن يلبس الرجل مما يسره الله ببلده، وإن كان نفسيا، لأن النفاسة بالصنعة لا في الجنس، بخلاف الحرير، وهذا أمر مجمع عليه، وقال ابن عقيل: لا ينبغي الخروج عن عادات الناس إلا في الحرام اهـ ولئلا يحملهم على غيبته، وفي الغنية: الشهرة كالخروج عن عادة أهل بلده وعشيرته، فينبغي أن يلبس ما يلبسون، لئلا يشار إليه بالأصابع، قال الشيخ: ويحرم الإسراف في المباح.

ص: 529

(ومنها) أي من شروط الصلاة (اجتناب النجاسة)(1) .

(1) وهي لغة ضد الطهارة، وشرعا قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة، كالميتة والدم والخمر والبول، ولا يجب في غير الصلاة في الأصح، وقال الشيخ: النجاسة أعيان مستخبثة في الشرع، يمنع المصلي من استصحابها اهـ والاجتناب معناه التباعد، فكأنه قال: تباعد النجاسة، بمعنى إبعادها عن بدن المصلي وثوبه وبقعته شرط، ومن شروط الصلاة المجمع عليها الوقوف على بقعة طاهرة.

ص: 530

حيث لم يعف عنها ببدن المصلي وثوبه (1) وبقعتهما (2) وعدم حملها (3) لحديث «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبل منه» (4) وقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (5)(فمن حمل نجاسة لا يعفى عنها)(6) .

(1) بإجماع السلف والخلف، إلا قولا لمالك رحمه الله، وقال الوزير: أجمعوا على أن طهارة البدن من النجس شرط في صحة الصلاة للقادر عليها، وأجمعوا على أن طهارة ثوب المصلي شرط في صحة الصلاة.

(2)

أي موضع البدن والثوب الذي يقعان عليه شرط وفاقا، كطهارة الحدث إجماعا.

(3)

أي ومن شروط الصلاة عدم حمل النجاسة، معطوف على اجتناب مرفوع، فإن عفي عنها كأثر استجمار ونحوه فلا يشترط.

(4)

رواه الدارقطني وغيره عن أبي هريرة، وصحح الحافظ إسناده وأعله أبو حاتم، وللحاكم أكثر عذاب القبر من البول، وفي الصحيحين أنه مر على قبرين يعذبان وفيه: كان أحدهما لا يستتر من البول، وحديث أسماء في الحيض ثم تغسله وغيرها كأحاديث الاستنجاء وذلك النعلين بالتراب ثم الصلاة فيهما وقوله صلى الله عليه وسلم إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والعذرة وأمره بصب الماء على البول، وغير ذلك من الأدلة الدالة على اجتناب النجاسة، والتنزه البعد، والمراد: اطلبوا النزاهة وعامة الشيء معظمة والمراد أكثر أسبابه.

(5)

قال ابن سيرين: اغسلها بالماء، وقال ابن زيد: أمره الله أن يطهر الثياب من النجاسات التي لا تجوز الصلاة معها، وذلك أن المشركين كانوا لا يطهرون ثيابهم، والأمر بالشيء نهى عن ضده، والنهي في العبادة يقتضي الفساد، وقال بعضهم" طهر أعمالك من الشرك، واختار الأول ابن جرير، والآية تشمل ذلك كله، والأولى حمل اللفظ على حقيقته فيكون شرطا، واحتج الآية على أن اجتناب النجاسة شرط جمع منهم ابن عقيل والشيخ وغيرهما.

(6)

لم تصح صلاته كما لو كانت على بدنه أو ثوبه.

ص: 531

ولو بقارورة لم تصح صلاته (1) فإن كان معفو عنها كمن حمل مستجمرا (2) أو حيوانا طاهرا صحت صلاته (3)(أولاقاها) أي لاقى نجاسة لا يعفى عنها (بثوبه أو بدنه لم تصح صلاته) لعدم اجتنابه النجاسة (4) وإن مس ثوبه ثوبا (5) .

(1) أي ولو كانت النجاسة مسدودة في القارورة، وهي ما يقر فيها الشراب ونحوه، أو يختص بالزجاج، فإذا حمل نجاسة بقارورة لم تصح صلاته، لحمله النجاسة في غير معدنها، أشبه ما لو حملها في كمه، أو حمل آجره باطنها نجس أو بيضة فيها فرخ ميت، أو بيضة مذرة، أو عنقودا من عنب حباته مستحيلة خمرا، لم تصح صلاته، وصوبه في تصحيح الفروع، وقيل: تصح وفاقا، للعفو عن نجاسة الباطن.

(2)

صحت وفاقا: لأن أثر الاستجمار معفو عنه في محله، لأن ما في بطن الآدمي من نجاسة في معدنها، ونجاسة العين ليس اجتنابها شرطا لصحة الصلاة.

(3)

وفاقا لحمله أمامة وهو يصلي، متفق عليه ومراده حيوانا غير مأكول، لأن ما في بطنه نجس، لكن يعفى عنه كالنجاسة في جوف المصلي، وأما المأكول فلا نجاسة في بطنه.

(4)

زاد في المحرر أو حمل ما يلاقيها إلا أن يكون يسيرا، واللقاء وصول أحد الجسمين إلى الآخر، فإن كان بالتمام فيسمى مداخلة، وإلا فمماسة، وقال في المبدع: متى باشرها بشيء من بدنه أو ثوبه لم تصح، ذكره معظم الأصحاب، وفي التلخيص: أنه الأظهر إلا أن يكون يسيرا اهـ وإذا أصاب بدنه أو ثوبه نجاسة يابسة فنفضها ولم يبق شيء منها وصلى صحت صلاته، قال النووي وغيره: بالإجماع.

(5)

أي نجسا أو بدنه بدنا نجسا صحت وفاقا.

ص: 532

أو حائطا نجسًا لم يستند إليه (1) أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يلاقها صحت (2)(وإن طين أرضا نجسة (3) أو فرشها طاهرا) صفيقا (4) أو بسطه على حيوان نجس (5) أو صلى على بساط باطنه فقط

(1) صحت صلاته وفاقا، لأنه ليس محلا لثوبه، ولا بدنه، فإن استند إليه حال قيامه أو ركوعه أو سجوده لم تصح صلاته، لأنه يصير كالبقعة له.

(2)

صلاته وفاقا، وذلك بحيث لم يلتصق بها شيء من بدنه، ولا أعظائه، جزم به في المغني وغيره، لأنه ليس بموضع صلاته، ولا النجاسة محمولة فيها، وكذا لو كانت بين رجليه، ولم يلاقها صحت، لأنه لم يباشر النجاسة، فإن لاقاها بطلت صلاته.

(3)

أي طلاها بالطين وصلى عليها صحت وفاقا، وكره له ذلك، وعنه: لا تصح لاعتماده عليها، أشبه ملاقاتها، فينبغي ذلك احتياطا وقال ابن أبي موسى: إن كانت رطبة لم تصح، وذكر الشارح أن الآجر المعجون بالنجاسة لا تطهره النار، لكن إذا غسل طهر ظاهره كالأرض النجسة.

(4)

بين الصفاقة أي متينا جيد النسج، لا خفيفا أو مهلهلا، ولو ربطه بحيث لا ينفذ النجس الرطب إلى ظاهره، أو غسل وجه آخر نجس وصلى عليه صحت وفاقا، كسرير تحته نجس، أو سفل علوه غصب وكره قال في الفروع: على الأصح.

(5)

أي نشر طاهرا صفيقا على حيوان نجس كبغل أو حمار أو بسطه على حرير يحرم جلوسه عليه صحت مع الكراهة.

ص: 533

نجس (كره) له ذلك لاعتماده على ما لا تصح الصلاة عليه (وصحت)(1) .

لأنه ليس حاملا للنجاسة، ولا مباشرا لها (2)(وإن كانت) النجاسة (بطرف مصلى متصل به (3) صحت) الصلاة على الطاهر ولو تحرك النجس بحركته (4) وكذا لو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلي عليه منه طاهر (5)(إن لم) يكن متعلقا به بيده أو وسطه بحيث (ينجر) معه (بمشيه) فلا تصح، لأنه مستتبع لها، فهو كحاملها (6) .

(1) أي مع طهارة ظاهره الذي صلى عليه، وإلا فلا وبساط كفعال بمعنى

مفعول أي مبسوط وفي الصحاح: ما يبسط معروف، أو ضرب من الطنافس قليل العرض وكذا مثله لو تنجس أحد وجهي الجلد ونحوه وقلبه وصلى على الوجه الذي لم تصبه نجاسة كره وصحت مفعول أي مبسوط وفي الصحاح: ما يبسط معروف، أو ضرب من الطنافس قليل العرض، وكذا مثله أو تنجس أحد وجهي الجلد ونحوه وقلبه وصلى على الوجه الذي لم تصبه نجاسة كره وصحت.

(2)

فصحت صلاته فيما تقدم، وإن سقطت عليه نجاسة فأزالها، أو زالت سريعا بحيث لم يطل الزمن صحت صلاته وفاقا، لحديث خلعه النعلين حين أخبره جبرئيل أن بهما قذرا، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.

(3)

أي بطرف مصلى طاهر من بساط أو حصير ونحوهما، متصل بالمصلى.

(4)

وفاقا، لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها، وإنما اتصل مصلاه بها، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة.

(5)

صحت صلاته، لأنه ليس بمصل على النجاسة، ولو تحرك الحبل ونحوه بحركته.

(6)

فلا تصح صلاته، ولا يعتبر الإنجرار بالفعل، وعلم منه أنه لو كان متعلقا به حيوان صغير نجس ينجر يجره عادة لو فرض أنه جره فلم ينجر أن صلاته باطلة، أو أن ما لا يمكن جره لو استعصى لو فرض أنه جره فانجر أنها باطلة، فما يمكن انجراره عادة يبطلها التعلق به، انجر بالفعل أم لا، وكذا ما لا يمكن في العادة لو فرض أنه انجر بالفعل أبطل على كلام صاحب الفروع قال الخلوتي: وهو حسن وإن أمسك حبلا أو غيره ملقي على نجاسة يابسة فظاهر كلام الموفق الصحة، لأنه ليس بمستتبع للنجاسة، كما لو سقط طرف ثوبه على نجاسة يابسة، ومقتضي كلام الشيخ الصحة.

ص: 534

وإن كانت سفينة كبيرة أو حيوانا كبيرا لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت، لأنه ليس بمستتبع لها (1)(ومن) رأى عليه نجاسة بعد صلاته (2) وجهل كونها أي النجاسة (فيها) أي في الصلاة (لم يعد) ها لاحتمال حدوثها بعدها، فلا تبطل بالشك (3) (وإن علم

(1) أشبه ما لو أمسك غصنا من شجرة على بعضها نجاسة لم تلاق يده، جزم به في الفصول، واختاره الشيخ وغيره، وتجوز الصلاة في ثوب بعضه على حائض للخيبر.

(2)

أي رآها على بدنه أو ثوبه أو بقعته.

(3)

ولأن الأصل عدم كونها في الصلاة،.

ص: 535

أنها) أي النجاسة (كانت فيها) أي في الصلاة (لكن جهلها (1) أو نسيها أعاد) (2) .

(1) أي جهل عينها بأن أصابه شيء لا يعلم أطاهر أم نجس؟ ثم علم نجاسته بعد صلاته، أعاد أو جهل حكمها بأن إزالتها شرط لصحة الصلاة، أو جهل أنها كانت في الصلاة ثم علم، أو علم أن كان ملاقيها ولم يكن يعلم ذلك في صلاته، ثم علم بعد صلاته أعاد، هذا المذهب.

(2)

أي علم النجاسة لكن نسيها ثم علم بعد صلاته أنها كانت عليه فيها أعاد لأنه ترك شرطا للصلاة لا يسقط بالجهل ولا بالنسيان وعنه: تصح صلاته إذا نسي أو جهل أو عجز، وهو قول ابن عمر وابن المنذر وغيرهما، واختاره المجد والشيخ وتلميذه والموفق والشارح وغيرهم، وصححه غير واحد، وأفتى به البغوي وتبعوه قال النووي: وهو مذهب ربيعة ومالك، وهو قوي في الدليل وهو المختار، وقال في الإنصاف والإقناع، هو الصحيح عند أكثر المتأخرين لحديث النعلين فلو بطلت لاستأنفها صلى الله عليه وسلم وإن علم بها في أثناء الصلاة وأمكنه إزالتها من غير عمل كثير كخلع النعل والعمامة ونحوهما أزالها وبنى، وإلا بطلت.

ص: 536

كما لو صلى محدثا ناسيا (1)(ومن جبر عظمه بـ) عظم (نجس)(2) أو خيط جرحه بخيط نجس وصح (لم يجب قلعه مع الضرر) بفوات نفس أو عضو أو مرض (3) ولا يتيمم له إن غطاه اللحم (4) .

وإن لم يخف ضررا لزمه قلعه (5)(وما سقط منه) أي من آدمي

(1) أي فلا تصح كما أنها لا تصح لو صلى محدثا ناسيا، وتقدم رجحان أنها تصح، فإنها تفارق طهارة الحدث لكونها من قسيم التروك، ولأن الطهارة آكد، لكونها لا يعفى عن يسيرها، وتكلم معاوية بن الحكم في الصلاة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، واشباه ذلك كثير، وقال في الاختيارات، ومن صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فلا إعادة عليه، وقاله طائفة من العلماء، لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله العبد مخطئا أو ناسيا لا يبطل العبادة.

(2)

أي وضعت على ساقه أو ذراعه أو غيرهما جبيرة، وهي عظام توضع على الموضع من الجسد ينجبر بها، وكانت نجسة وصح العظم لم يجب قلع ذلك العظم مع الضرر وفاقا، وتقدم رجحان طهارة العظام، وجبر يستعمل لازما ومتعديا يقال: جبرت العظم، وجبر هو نفسه، جبورا أي انجبر حكاه الجوهري.

(3)

خيط أي ضم بعض أجزاء جرحه إلى بعض بخيط نجس، وصح الجرح، لم يجب قلع الخيط النجس مع الضرر وفاقا، وصحت صلاته، لأن حراسة النفس وأطرافها واجب، وهو أهم من رعاية شروط الصلاة.

(4)

أي ولا يتيمم الخيط النجس، أو العظم النجس إن غطاه اللحم، لتمكنه

من غسل محل النجاسة بالماء، قالوا: وإن لم يغطه اللحم تيمم له، لعدم إمكان غسله، بناء على مشروعية التيمم من النجاسة على البدن وتقدم.

(5)

فإن صلى معه لم تصح صلاته، لأنه صلى مع النجاسة وهو قادر على إزالتها من غير ضرر.

ص: 537

(من عضو أو سن فـ) هو (طاهر) أعاده أو لم يعده (1) لأن ما أبين من حي فهو كميتته، وميتة الآدمي طاهرة (2) وإن جعل موضع سنه سن شاة مذكاة (3) فصلاته معه صحيحة ثبتت أو لم تثبت (4) ووصل المرأة شعرها بشعر حرام (5) ولا بأس بوصله بقرامل وهي الأعقصة (6) .

(1) أي العضو الساقط منه أو السن في موضعه فتصح صلاته به لطهارته.

(2)

كما تقدم في باب الآنية وإزالة النجاسة، فحكم أبعاضه حكم جملته، سواء انفصلت في حياته أو بعد موته.

(3)

احتراز من الميتة، أو المبان من الحية، وتقدم الكلام في طهارة العظام.

(4)

أي السن، وهي مؤنثة كما ذكره علماء اللغة.

(5)

إجماعا، لها أو لغيرها لما في الصحيحين «لعن الله الواصلة والمستوصلة» ولما فيه من صورة الزور، ووصله لأمه به من وصل الشيء بالشيء: ضد فصله.

(6)

وأصل العقص اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله، وعقص الشعر ضفره وليه على الرأس، فالقرامل هي ما تشده المرأة في شعرها من حرير وصوف، وفي التاج وغيره: هي ضفائر من شعر وصوف وإبريسم، قال أبو عبيد: قد رخص

الفقهاء في القرامل، وكل شيء وصل به الشعر ما لم يكن الوصل شعرا قال أبو داود وإليه ذهب أحمد، وعنه: لا تصل المرأة برأسها الشعر ولا القرامل ولا الصوف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم المتفق عليه عن الوصل، وكل شيء يصل فهو وصل، وروى أحمد عن جابر مرفوعا، لا تصل المرأة برأسها، ورواه مسلم وغيره قال غير واحد: وهو مذهب الجمهور.

ص: 538

وتركها أفضل (1) ولا تصح الصلاة إن كان الشعر نجسا (2)(ولا تصح الصلاة) بلا عذر، فرضا كانت أو نفلا غير صلاة جنازة (في مقبرة) بتثليث الباء (3) .

(1) خروجا من خلاف من حرمه، وقد اتفق العلماء على استحباب الخروج من الخلاف، حكاه الشيخ وغيره، بل تركه واجب لثبوت النهي عنه، وأطلق أهل اللغة أنه ما تشد المرأة في شعرها.

(2)

لحمله النجاسة غير المعفو عنها.

(3)

وهي مدفن الموتى لقوله عليه الصلاة والسلام «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي، وقال:«لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» رواه الجماعة إلا البخاري، وقال: فلا تتخذوا القبور مساجد، قال ابن حزم وغير واحد: أحاديث النهي عن الصلاة في المقبرة متواترة لا يسع أحدا تركها، وقال الشيخ بعد أن ذكر أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد: فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة، وإنما هو مظنة اتخاذها أوثانا، وقال الشافعي: أكره أن يعظم مخلوق، حتى يجعل قبره مسجدا، مخافة الفتنة على من بعده من الناس، وذكر معناه الأثرم وغيره عن سائر العلماء، وجزم غير واحد من أهل التحقيق أن العلة سد الذريعة عن عبادة أربابها، واستثنى صلاة الجنازة بالمقبرة، لفعله صلى الله عليه وسلم فحص من النهي، ولا يضر ما أعد للدفن ولم يدفن فيه، أو دفن ونبش، لنبشه صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده، متفق عليه.

ص: 539

ولا يضر قبران (1) ولا ما دفن بداره (2)(و) لا في (حش) بضم الحاء وفتحها (3) وهو المرحاض (4) .

(1) بناء منهم على أنه لا يتناولها اسم المقبرة، وأن العلة لا تعقل، وتقدم أن العلة خوف الشرك بها، كما قال الشيخ وغيره: العلة لما يفضي إليه ذلك من الشرك وقال: بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد، وهو الصواب، والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر، وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه، ولا ريب أن المنع متناول لحرمة القبر المفرد وفنائه المضاف إليه.

(2)

قال الشيخ: وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه فرق، وكل ما دخل في اسم المقبرة، أو حدثت المقبرة بعده حوله أو في قبلته فكصلاته إليها، ولو وضع القبر والمسجد معا لم يجز، ولم تصح الصلاة فيه، وقال: المسجد المبني على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإن كان المسجد قبل القبر غير، إما بتسوية القبر، أو نبشه إن كان جديدا وإن كان القبر قبله، فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر.

(3)

قاله الشيخ وتكسر، وهو ما أعد لقضاء الحاجة، وكان في الأصل البستان، فكني به عن المستراح، لأنهم كانوا يتغوطون في البساتين، فلما اتخذوا الكنف أطلقوا عليها ذلك الاسم، ومنه قيل للمخرج الحش، ويقال المحشة الدبر، والمحش المخرج، أي مخرج الغائط، فيكون حقيقة، وجمعه حشوش، وقال النووي: الحشوش مواضع العذرة والبول المتخذة لها.

(4)

وهو المغتسل ويكنى به عن موضع العذرة والمستراح، فيمنع من الصلاة داخل بابه، ولو غير موضع الكنيف، لكونه معدا للنجاسة، ومقصودا بها، ولمنع الشرع من الكلام وذكر الله فيه فالصلاة أولى، قال الشيخ: ولا فرق عند عامة أصحابنا بين أن يكون الحش في ظاهر جدار المسجد أو باطنه، وهو

المنصوص عن أحمد والمأثور عن السلف، وذكر موضع الأجسام الخبيثة، ثم قال: ولهذا كانت الحشوش محتضرة تحضرها الشياطين، والنهي عن الصلاة فيها أولى من النهي عن الصلاة في الحمام ومعاطن الإبل، والصلاة على الأرض النجسة ولم يرد في الحشوش نص خاص، لأن الأمر فيها كان أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى بيان، ولهذا لم يكن أحد من المسلمين يقعد في الحشوش، ولا يصلي فيها، وإذا سمعوا نهيه عن الصلاة في الحمام وأعطان الإبل علموا أن النهي عن الصلاة في الحشوش أولى وأحرى.

ص: 540

(و) لا في (حمام)(1) داخله وخارجه، وجميع ما يتبعه في البيع (2)(وأعطان إبل) واحدها عطن بفتح الطاء، وهي المعاطن جمع معطن بكسر الطاء، وهي ما تقيم فيها وتأوي إليها (3) .

(1) وهو المغتسل المعروف لقوله عليه الصلاة والسلام «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» ، وروي عنه «الحمام بيت الشيطان» ، وعن ابن عباس: لا يصلين إلى حش ولا في حمام، ولا في مقبرة، قال ابن حزم: لا نعلم لابن عباس مخالفا من الصحابة.

(2)

لتناوله اسمه فلا فرق بين مكان نزع الثياب وموقد النار، وكل ما يغلق عليه باب الحمام، وفي المغني: لا فرق بين مكان الغسل وصب الماء، وبين بيت المسلخ الذي تنزع فيه الثياب والأتون، وكل ما يغلق عليه باب الحمام.

(3)

أي تجتمع إليها وتسكن فيها، قال أحمد، وقيل: ما تقف فيه لترد الماء، ومباركها عنده، قال بعض أهل اللغة، لا تكون إلا عند الماء، أما في البرية وعند الحي فالمأوى قال الشيخ وغيره: والأول أجود ومعاطن الإبل في الأصل وطنها، ثم غلب على مبركها حول الماء، والأولى الإطلاق، كما هو ظاهر الحديث ولا فرق بين أن تكون طاهرة أو نجسة، ولا أن تكون فيها إبل حال الصلاة أو لا، لعموم حديث لا تصلوا في أعطان إبل، صححه أحمد والترمذي وغيرهما، وحديث

لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها خلقت من الشياطين، وقال: جن خلقت من جن، فعلل الأماكن بالأرواح الخبيثة، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث، قال: والفقهاء الذين لم ينهوا عنها، إما أنهم لم يسمعوا النصوص، أو لم يعرفوا العلة، والسنة في ذلك قوية نصا وقياسا، وقال: نهي عن الصلاة في أعطانها لأنها مأوى الشياطين، كما نهى عن الصلاة في الحمام، لأنه مأوى الشياطين، فإن مأوى الأرواح الخبيثة أحق بأن تجتنب الصلاة فيه، وفي موضع الأجسام الخبيثة، بل الأرواح الخبيثة تحب الأجسام الخبيثة، وقال ابن عبد البر: النهي عن الصلاة في معاطن الإبل جاء معناه من وجوه كثيرة، بأسانيد حسان، وأكثرها متواتر اهـ وأما ما تبيت فيه في مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها فلا يمنع من الصلاة فيه، لأنه لا يدخل في اسم الأعطان.

ص: 541

(و) لا في (مغصوب)(1) .

(1) أي ولا تصح الصلاة في موضع مغصوب، أي مأخوذ ظلما، من أرض وحيوان وغيرهما، وسواء كان الظلم للرقبة أو المنافع نص عليه، وقال النووي وغيره: الصلاة في الأرض المغصوبة حرام بالإجماع غير مقبولة، فلا ثواب فيها اهـ وعنه تصح مع الكراهة وفاقا لمالك والشافعي وأبي حنيفة وجماهير العلماء، واختاره ابن عقيل والخلال والطوفي وغيرهم، لأن النهي لا يعود إلى الصلاة، فلم يمنع صحتها، وعليه أكثر الأصحاب، ولحصول الثواب على الفعل، فيكون مثابا على فعله، عاصيا بالمقام في المغصوب، ونقل أصحاب الشافعي الإجماع على صحة الصلاة في الدار المغصوبة، قبل مخالفة الإمام أحمد، وقال الغزالي، هذه المسألة قطعية لأن من صححها أخذه من الإجماع وهو قطعي اهـ وتصح في أرض غيره بلا ضرر ولا غصب ولا حائل ولا حائط وإلا فلا، والمعتبر عرف الناس بالرضى وعدمه، وتصح على مصلاه بغير إذنه بلا غصب، وإن منع المسجد غيره وصلى هو فيه، أو زحمه وصلى مكانه حرم وصحت، وقال الشيخ: الأقوى البطلان.

ص: 542

ومجزرة (1) ومزبلة (2) وقارعة طريق (3)(و) لا في (أسطحتها) أي أسطحة تلك المواضع (4) وسطح نهر (5) .

(1) أي ولا تصح في مجزرة وهو الموضع الذي تجزر فيه الإبل، وتذبح فيه البقر والغنم، لأجل النجاسة التي فيها من دماء الذبائح، فتحرم الصلاة فيها وفاقا، وتصح في المدبغة، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وصححه في الإنصاف.

(2)

بفتح الباء، وضمها موضع السرجين، ولو كان المرمي من الكناسة والزبالة طاهرا فتحرم الصلاة فيها وفاقا، ولا خلاف في طهارة الدارسة العافية من آثار أهلها، مزبلة كانت أو مجزرة أو كنيسة.

(3)

أي محل قرع الأقدام من الطريق، وهو ما كثر سلوك السابلة فيها، سواء كان فيها سالك أو لا، بخلاف طريق الأبيات القليلة، وما علا من الطريق، يمنة ويسرة، والزوايا التي لا يكثر سلوكها، والمدار على كثرة المرور، لاشتغال القلب بمرور الناس فيه، وقطع الخشوع، وعنه تصح، وهو مذهب الجمهور لكن مع الكراهة.

(4)

المنهي عن الصلاة فيها، لأن الهواء تابع للقرار، وسطح كل شيء أعلاه، وسطح البيت ظهره، وقال الموفق وغيره: الصحيح قصر النهي على ما تناوله النص وأن الحكم لا يتعدى إلى غيره، وما علل بمظنة النجاسة ونحوها لا يتخيل في أسطحتها، وهذا فيما إذا كان السطح حادثا، فإن كان المسجد سابقا لم تمنع بغير خلاف، أما إن بني في مقبرة، أو على قبر فحكمه حكمها لأنه لا يخرج بذلك عنه، ويجب هدمه.

(5)

لأن الماء لا يصلي عليه، قال أبو الوفاء، واختار أبو المعالي وصاحب الإقناع وغيرهما الصحة كالسفينة، لأنا إنما منعناه من الصلاة على الماء لعدم إمكان الاستقرار عليه، وسطحه ليس كذلك.

ص: 543

والمنع في ذلك تعبدي (1) لما روى ابن ماجه والترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي في سبع مواطن (2) المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله (3) .

(1) قال الشيخ: والصحيح أن عللها مختلفة، بأن تكون العلة مشابهة أهل الشرك، كالصلاة عند القبور، وتارة لكونها مأوى الشياطين كأعطان الإبل، تارة لغير ذلك.

(2)

أي مواضع، والموطن الوطن، وكل ما أقام به الإنسان، ومنه مربط البقر والغنم، ومواطن مكة أي مرافقها.

(3)

وقال الموفق وغيره: والصحيح جواز الصلاة فيها، وهو قول أكثر أهل العلم، لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، ولابن المنذر وغيره بسند صحيح «جعلت لي كل ارض طيبة» يعني طاهرة مسجدا واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صححية، ففيما عداها يبقى على العموم، وحديث ابن عمر يرويه العمري، وقد تكلم فيه، فلا يترك به الحديث الصحيح اهـ، ولو غيرت مواضع النهي بما يزيل اسمها، كجعل الحمام دارا، أو نبشت المقبرة، ونحوه ذلك صحت كما تقدم، وتكره في المكان الذي ناموا فيه لقوله:«إنه مكان حضرنا فيه الشيطان» علله صلى الله عليه وسلم بالأرواح الخبيثة، وتكره في الكنيسة المصورة، والبيعة وقال الشيخ: وإنها كالمسجد على القبر، وكل مكان فيه تصاوير، وذكر ابن القيم دخوله صلى الله عليه وسلم البيت، وصلاته فيه، وأنه لم يدخله حتى محيت الصور منه، قال: وفيه دليل على كراهة الصلاة في المكان المصور، وهو أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام، لأن كراهة الصلاة في الحمام، إما لكون مظنة النجاسة، وإما لكونه بيت الشياطين، وهو الصحيح، وأما محل الصور فمظنة الشرك

وغالب شرك الأمم كان من جهة الصور والقبور، وتقدم قول الشيخ، ولا تصح في أرض الخسف وأرض بابل نص عليه، وقال الشيخ: هو قوي، وتكره في الرحى، وعلله الشيخ بما يلهي المصلي من الصوت ويشغله، وقال النووي: الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق، وذلك مثل مواضع الخمر والحانة، ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة، والكنائس والبيع والحشوش ونحو ذلك، لقوله: فإن هذا موضع حضرنا فيه الشيطان، ويستحب أن لا يصلي في موضع حضره فيه الشيطان لهذا الحديث.

ص: 544

(وتصح) الصلاة (إليها) أي إلى تلك الأماكن، مع الكراهة إن لم يكن حائل (1) وتصح صلاة الجنازة والجمعة والعيد ونحوها (2) بطريق لضرورة (3) وغصب (4) .

(1) أي بين المصلي وبين تلك الأماكن المنهي عن الصلاة فيها، لعموم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، وعنه: لا تصح إلى المقبرة، لحديث «لا تصلوا إلى القبور» متفق عليه، وهو أصل شرك العالم، واختاره ابن حامد والمجد والشيخ وغيرهم، وتحريمه ظاهر، وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة في المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين حائطه وبين المقبرة حائل آخر، وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد، وتقدم قول الشيخ: ولا تصح إلى الحش، اختاره ابن حامد والشيخ وغيرهما، وتقدم قول ابن عباس: لا يصلين إلى حش، وأنه لا يعلم له مخالف وقال الشيخ: وكره عامة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش، وفي الإقناع: ولا يكفي حائط المسجد ولسريان النجاسة.

(2)

كصلاة كسوف واستسقاء.

(3)

بأن ضاق المسجد أو المصلى واضطر للصلاة في الطريق للحاجة.

(4)

أي وتصح بمغصوب صلاة جمعة وعيد وجنازة ونحوها، لدعاء الحاجة إليه، وظاهر عبارته أنها تصح في الغصب ولو بلا ضرورة، وهو غير ظاهر على المذهب.

ص: 545

وتصح الصلاة على راحلة بطريق (1) وفي سفينة ويأتي (2)(ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها)(3) والحجر منها (4) .

(1) لصلاته عليه الصلاة والسلام على البعير، ويأتي.

(2)

في الشرط الذي يليه.

(3)

لقوله: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ومن صلى فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها، وعنه: تصح وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، ورواية عن مالك، واختاره الآجري وصاحب الفائق وغيرهما، لأنها مسجد ولأنها محل للنفل، ورجح الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى النافلة، وقال عقب الصلاة خارج البيت هذه القبلة، لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها، لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كاف في الفرض، لأنه صلى التطوع فيها، وغلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة، فلا بد أن يكون لهذا الكلام من فائدة، وعلم شيء قد يخفى، ويقع في محل الشبهة، وابن عباس روي الحديث وفهم منه هذا المعنى، وهو أعلم بمعنى ما سمع، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن السلف أنه صلى الفرض فيها، وفي الإنصاف وغيره: لو وقف على منتهى البيت بحيث أنه لم يبق وراءه منه شيء، أو صلى خارجه لكن سجد فيه صحت.

(4)

أي فتصح إليه لا فيه، كما لو صلى إلى أحد أركانها، وظاهر كلامه كله، وليس منه إلا ستة أذرع، كما في الحديث، وقال الشيخ: ستة أذرع وشيء، فيصح التوجه إلى ذلك القدر منه، لأنه من البيت إذا وقف على منتهاه، بحيث لا يبقى وراءه شيء منه، أو خارجه وسجد فيه، قال: وهذا قياس المذهب، لأنه من البيت بالسنة الثابتة المستفيضة، وبعيان من شاهده من الخلق، لما نقضه ابن الزبير وقال: وليس جميعه، وإنما الداخل في حدود البيت ستة أذرع وشيء، فمن استقبل ما زاد على ذلك لم تصح صلاه البتة، ونص أحمد أنه لا يصلي الفرض

في الحجر وقال ابن حامد وابن عقيل وأبو المعالي: لو صلى إلى الحجر من فرضه المعاينة لم تصح، لأنه في المشاهدة ليس من الكعبة، وإنما وردت الأحاديث بأنه كان من البيت، فعمل بها في وجوب الطواف دون الاكتفاء به للصلاة، احتياطا للعبادتين.

ص: 546

وإن وقف على منتهاها، بحيث لم يبق وراءه شيء منها (1) أو وقف خارجها وسجد فيها صحت (2) لأنه غير مستدبر لشيء منها (3)(وتصح النافلة)(4) والمنذورة فيها وعليها (باستقبال شاخص منها) أي مع استقبال شاخص من الكعبة (5) .

(1) صحت صلاته، لاستقباله لها.

(2)

صلاته فرضا كانت أو نفلا.

(3)

فصحت صلاته، كما لو صلى إلى أحد أركانها.

(4)

في الكعبة وعليها، باستقبال شاخص منها إجماعا، لصلاته صلى الله عليه وسلم فيها متفق عليه.

(5)

إجماعا كالنافلة، سواء كان ما بين يديه متصلا بها، كالبناء والباب ولو مفتوحا، أو العتبة المرتفعة، لا المعبإ من غير بناء، ولا الخشب غير المسمور، وقال الشيخ: يتوجه أن يكتفى بذلك ما يكون سترة في الصلاة، لأنه شيء شاخص اهـ وسواء كان نذره مطلقا أو مقيدا بفعلها فيها أو عليها، بلا نزاع يعتد به، ويمكن حمله على ما في الاختيارات قال فيها: وإن نذر الصلاة في الكعبة صح فعلها فيها، وإن نذرها مطلقا اعتبر شروط الفريضة، لأن النذر المطلق يحذي به حذو الفرائض وتقدم في حديث ابن عمر النهي عن الصلاة فوق ظهر بيت الله، لإخلال الاستعلاء عليه بتعظيمه، وتخصيصه بالفرض مشكل، لأن الأصل المساواة ما لم يقم دليل التخصيص.

ص: 547

فلو صلى إلى جهة الباب أو على ظهرها ولا شاخص متصل بها لم تصح، ذكره في المغني والشرح عن الأصحاب، لأنه غير مستقبل لشيء منها، وقال في التنقيح: اختاره الأكثر (1) وقال في المغني: الأولى أنه لا يشترط، لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها (2) ولهذا تصح على جبل أبي قبيس وهو أعلى منها (3) وقدمه في التنقيح، وصححه في تصحيح الفروع (4) قال في الإنصاف: وهو المذهب على ما اصطلحناه (5) .

(1) واستقر عليه الأمر زمن ابن الزبير كما سيأتي.

(2)

أي هوائها المسامت لها، الخالي من شاخص منها إذا صلى على عال منها أو نازل عن مسامته بنيانها، لأن المقصود البقعة لا الجدار بدليل ما لو انهدمت والعياذ بالله، وإن لم يبق بين يديه شيء من البيت لم تصح، قال الآمدي: إجماعا.

(3)

أي من الكعبة المشرفة، والجبل مشهور مشرف على البيت المعظم من جهة الشرق، وأسفله الصفا، وأعلى من الجبل جبال الحجاز، وأنزل من الكعبة ما تباعد مسافات من سائر الجهات عنها.

(4)

واختاره المجد وابن تميم وصاحب الحاوي والفائق وغيرهم، وقطع به في المنتهى وغيره.

(5)

لفظه في الإنصاف: ما أسلفناه، والمعنى صحيح على كلا اللفظين، واصطلاحه في خطبة الإنصاف أن الاعتماد في معرفة المذهب على ما قاله المصنف والمجد والشارح وصاحب الفروع والقواعد والوجيز والرعايتين والنظر والخلاصة

والشيخ تقي الدين وأشباههم فإن اختلفوا فالمذهب ما قدمه صاحب الفروع، فإن اختلف فالمذهب ما اتفق عليه الشيخان المصنف والمجد ووافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه، وهذا في الغالب، فإن اختلفا فالمذهب مع من وافقه صاحب القواعد، أو الشيخ تقي الدين، وإلا فالمصنف، ولا سيما في الكافي ثم المجد اهـ.

وقال شيخ الإسلام: الواجب استقبال البنيان، وأما العرصة والهواء فليس بكعبة ولا ببناء، وأما ما ذكروه من الصلاة على أبي قبيس ونحوه، فإنما ذلك لأن بين يدي المصلي قبلة شاخصة مرتفعة، وإن لم تكن مسامته، فإن المسامتة لا تشترط كما لم تكن مشروطة في الإئتمام بالإمام، وأما إذا زال بناء الكعبة فنقول بموجبه، وأنه لا تصح الصلاة حتى ينصب شيئا يصلي إليه، لأن أحمد جعل المصلي على ظهر الكعبة لا قبلة له، فعلم أنه جعل القبلة الشيء الشاخص، وكذا قال الآمدي وذكر قوله ثم قال: ولأنه علل ذلك بأنه إذا صلى إلى سترة فقد صلى إلى جزء من البيت، فعلم أن مجرد العرصة غير كاف، ويدل على هذا ما ذكره الأزرقي، أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير: لا تدع الناس بغير قبلة، انصب لهم حول الكعبة الخشب واجعل الستور عليها حتى يطوف الناس من ورائها، ويصلون إليها، ففعل ذلك ابن الزبير، وهذا من ابن عباس وابن الزبير دليل على أن الكعبة التي يطاف بها، ويصلى إليها لا بد أن تكون شيئا منصوبا شاخصا، وأن العرصة ليست قبلة، ولم ينقل أن أحدا من السلف خالف في ذلك، ولا أنكره، نعم لو فرض أنه قد تعذر نصب شيء من الأشياء موضعها، بأن يقع ذلك إذا هدمها ذو السويقيتين فهنا ينبغي أن يكتفي حينئذ باستقبال العرصة، كما يكتفي المصلي أن يخط خطا إذا لم يجد سترة، فإن قواعد إبراهيم كالخط.

ص: 548

ويستحب نفله في الكعبة بين الأسطوانتين وجاهه، إذا دخل لفعله عليه السلام (1) .

(1) متفق عليه من حديث ابن عمر: صلى في الكعبة ركعتين بين الساريتين

إذا دخلت لكن إن كانت النافلة مما تشرع لها لجماعة وتفوت داخلها كانت خارجها أفضل، لأن المحافظة على فضيلة متعلقة بنفس العبادة أولى من مكانها كالرمل مع البعد عن الكعبة، والاسطوانة بضم الهمزة والطاء العمود، والسارية والجمع أساطين وأسطوانات.

ص: 549

(ومنها) أي من شروط الصلاة (استقبال القبلة) أي الكعبة أو وجهتها لمن بعد (1) سميت قبلة لإقبال الناس عليها (2) قال تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام)(3) .

(1) إجماعا، لقوله صلى الله عليه وسلم «ما بين المشرق والمغرب قبلة» صححه الترمذي، وروي عن غير واحد من الصحابة، وقال شيخنا، استقبال القبلة من العلم العام عند كل أحد شرعيته، وأنه من شرائط صحة الصلاة اهـ، فالواجب استقبال الجهة لا العين في حق من تعذرت عليه، وهذا بالنسبة إلى المدينة، وما وافق قبلتها، ولسائر البلدان من السعة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك، وقاله ابن عبد البر: وهذا صحيح لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل العلم، قال أحمد: هذا في كل البلدان، إلا بمكة عند البيت، فإنه إذا زال عنه شيئا وإن قل فقد ترك القبلة، وبين القاضي وغيره أنما وقع عليه اسم مشرق ومغرب فالقبلة ما بينهما، وينبغي أن يتحرى وسط ذلك، لا يتيامن ولا يتياسر، ويعفى عنه في الجهة.

(2)

ولأن المصلي يقابلها، وكل شيء جعلته تلقاء وجهك فقد استقبلته، وأصلها الحالة التي يقابلها الشيء غيره عليها، إلا أنها صارت كالعلم للجهة التي يستقبلها المصلي، وأصل الجهة الوجهة، والوجه اسم للمتوجه إليه، وسميت الكعبة كعبة لتكعبها أي تربعها، أو استدارتها وارتفاعها.

(3)

أي حول وجهك نحوه، وقبله، والشطر الناحية والمراد به الكعبة، والحرام أي المحرم، والتوجه لا يجب في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها.

ص: 550

(فلا تصح) الصلاة (بدونه) أي بدون الاستقبال (1)(إلا لعاجز) كالمربوط لغير القبلة (2) والمصلوب (3) .

(1) مع القدرة إجماعا لقوله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ} أي في بر أو بحر أو مشرق أو مغرب {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وفي حديث المسيء «ثم استقبل القبلة فكبر» وقصة أهل قباء: إنه أنزل عليه قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة، وكان صلى الله عليه وسلم قد صلى ستة عشر شهرا بالمدينة إلى بيت المقدس، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، فوجه إليه. وأول صلاة صلاها قبل البيت صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، والقصة في الصحيحين، ولأحمد كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر ستة عشر شهرا، ثم صرف إلى الكعبة، قال ابن كثير: الحكمة في تحويلها {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} يعني أهل الكتاب، فإنهم قالوا: سيرجع إلى ديننا، كما رجع إلى قبلتنا {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} يعني قريشا وهي أنهم قالوا إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم فلم رجع عنه ويجاب بأن الله اختار له التوجه إلى بيت المقدس، لما في ذلك من الحكمة {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة بجميع وجوهها {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ *} إلى ما ضل عنه الأمم، وقال ابن رشد: ما نقل بالتواتر كاستقبال القبلة وأنها الكعبة لا يرده إلا كافر.

(2)

أي إلا لعاجز عن استقبال القبلة فلم يقدر عليه، كالمربوط أي المشدود الموثق لغير جهتها، فتصح بدونه، للعجز عنه إجماعا.

(3)

أي المعلق على صليب ونحوه مما يتخذ على هيئة عود يصلب عليه اللص ونحوه إلى غير القبلة فتصح بدونه.

ص: 551

وعند اشتداد الحرب (1)(و) إلا لـ (متنقل راكب سائر)(2) لا نازل (في سفر) مباح (3) طويل أو قصير (4) إذا كان يقصد جهة معينة (5) وله أن يتطوع على راحلته حيثما توجهت به (6) .

(1) كحال الطعن والكر والفر، وكهروب من سيل أو نار أو سبع، ولو نادرا كمريض عجز عن الاستقبال، فتصح صلاتهم إلى غير القبلة إجماعا لأنه شرط عجز عنه فسقط، كستر العورة لقوله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وسيأتي حديث ابن عمر في شدة الخوف مستقبلي القبلة وغير مستقبليها متفق عليه.

(2)

فلا يجب عليه الاستقبال.

(3)

أي غير مكروه ولا محرم، لأن نفله ذلك رخصة، والرخصة لا تناط بالمعاصي، والسفر قطع المسافة إذا خرج للارتحال، أو لقصد موضع فوق مسافة العدوى، سمي بذلك لما فيه من الذهاب والمجيء، أو لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، ويأتي.

(4)

أي دون فرسخ للعموم، قال البغوي: يجوز أداء النافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير جميعا، عند أكثر أهل العلم، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي اهـ وأجمعوا على أنه لا يجوز للمقيم في بلد، التطوع إلى غير القبلة لا ماشيا ولا راكبا.

(5)

بخلاف راكب تعاسيف وهو ركوب الفلاة وقطعها على غير صوب، فلا يسقط عنه الاستقبال، ذكره في الرعاية والفروع وغيرهما.

(6)

إجماعا لقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} قال ابن عمر: نزلت في التطوع خاصة، ولحديث ابن عمر: كان يسبح على راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه، متفق عليه، ولأن إباحته تخفيف لئلا يؤدي إلى تقليله، أو قطعه

وتطوع بالشيء تبرع به وتنفل ومفهومه أنه لا يصح الفرض إلا بالاستقبال وهو كذلك لقوله: ولم يكن يصنع ذلك في المكتوبة متفق عليه.

ص: 552

(ويلزمه افتتاح الصلاة) بالإحرام إن أمكنه (إليها) أي إلى القبلة، بالدابة أو بنفسه (1) ويركع ويسجد إن أمكنه بلا مشقة (2) وإلا فإلى جهة سيره (3) ويومئ بهما (4) ويجعل سجوده أخفض (5) .

(1) بأن يدير الدابة إلى القبلة إن أمكنه، أو يدور هو بنفسه، لحديث أنس، كان إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعا استقبل القبلة فكبر للصلاة، ثم خلى عنها رواه أحمد وأبو داود وأصله في الصحيحين، وعنه لا يلزمه وفاقا لمالك وأبي حنيفة لإطلاقه في الأحاديث الصحيحة ولأنه جزء من أجزاء الصلاة أشبه بقيتها ويحمل حديث أنس على الفضيلة، وقال ابن القيم: فيه نظر، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم على راحلته، أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام، ولا غيرها اهـ قال في الإنصاف: مفهوم كلام المصنف أنه إذا لم يمكنه الافتتاح إلى القبلة لا يلزمه قولا واحدا، وهو الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب.

(2)

إلى جهة القبلة، كراكب محفة واسعة، وراحلة واقفة، وهو مذهب الجمهور، لأنه في عدم المشقة كالمقيم، وقيل لا يلزمه، للتساوي في الرخصة العامة.

(3)

أي وإلا يمكنه كراكب بعير مقطور، وتعسر عليه الاستدارة بنفسه، أو دابته حرون تصعب إدارتها عليه فإلى جهة سيره.

(4)

أي بالركوع والسجود إلى جهة سيره.

(5)

أي من ركوعه إن قدر وجوبا وفاقا، لحديث جابر والسجود أخفض

من الركوع، وقيل لا يلزمه لأن الرخصة العامة يسوى فيها بين ما وجدت فيه المشقة وغيره، وإن عجز سقط بلا نزاع.

ص: 553

وراكب المحفة الواسعة (1) والسفينة (2) والراحلة الواقفة يلزمه الاستقبال في كل صلاته (3)(و) إلا لمسافر (ماش) قياسا على الراكب (4)(ويلزمه) أي الماشي (الافتتاح) إليها (5)(والركوع والسجود إليها) أي إلى القبلة، لتيسر ذلك عليه (6) .

(1) يلزمه الاستقبال في كل صلاته، والمحفة بكسر الميم مركب للنساء كالهودج إلا أنها لا تقبب قديما، سميت بذلك لأن الخشب يحيط بالقاعد فيها من جميع جوانبه، وكعمارية وهودج، لقدرته عليه بلا مشقة.

(2)

وكذا العمارية، يلزمه الاستقبال، إلا ملاحا فلا يلزمه استقبال القبلة، وفاقا، لانفراده بتدبيرها.

(3)

في الاستفتاح والركوع والسجود إن أمكنه بلا مشقة، وإن أمكنه الافتتاح إلى القبلة دون ركوع وسجود، أو بالعكس أتى بما قدر عليه.

(4)

لمساواته له في الانقطاع عن القافلة في السفر، فيصح نفله بدون الاستقبال.

(5)

قال في الإنصاف: يفتتح الصلاة إلى القبلة، بلا خلاف أعلمه.

(6)

ويركع ويسجد بالأرض، ويفعل الباقي من الصلاة إلى جهة سيره، والوجه الثاني يومئ إلى جهة سيره كالراكب، صححه المجد وغيره، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، قال الآمدي وغيره، يومئ بالركوع والسجود كالراكب قياسا عليه، قال الشيخ: هو الأظهر لأن الركوع والسجود وما بينهما يتكرر في كل ركعة، ففي الوقوف له وفعله بالأرض قطع لمسيره، فأشبه الوقوف في حال القيام اهـ، وأبيح للراكب كيلا ينقطع عن القافلة، وهو موجود في الماشي.

ص: 554

وإن داس النجاسة عمدا بطلت (1) وإن داسها مركوبه فلا (2) وإن لم يعذر من عدلت به دابته (3) أو عدل إلى غير القبلة عن جهة سيره مع علمه (4) أو عذر وطال عدوله عرفا بطلت (5)(وفرض من قرب من القبلة) أي الكعبة وهو من أمكنه معاينتها (6) .

(1) لما تقدم أنه يشترط طهارة بقعته.

(2)

ولو عمدا لأنه عفي عن المركوب إذا كان نجسا مع طهارة محل المصلي من نحو سرج وبرذعة فإذا وطئها فمن باب أولى، ويعتبر طهارة ما تحت راكب من نحو برذعة وإن كان المركوب نجس العين، ولمسلم أنه صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار في النفل، قال المجد وغيره: ولا كراهة في ذلك لفعله صلى الله عليه وسلم، ومسيس الحاجة إليه.

(3)

بأن قدر على ردها ولم يفعل، وكان عالما بالعدول بطلت صلاته.

(4)

بطلت لأنه ترك قبلته عمدا، سواء طال العدول أو لا، وإن كان العدول إلى القبلة، فهو الأصل، فإذا حصل فهو المطلوب.

(5)

أي عذر من عدلت به دابته لعجزه عنها، أو عذر من عدل إلى غير القبلة لغفلة أو نوم أو جهل وطال عدوله عن جهتها عرفا، بطلت صلاته، لأنه بمنزلة العمل الكثير من غير جنس الصلاة، فإن عذر ولم يطل لم تبطل، لأنه بمنزلة العمل اليسير، والوتر وغيره من النوافل سواء، لأنه عليه الصلاة والسلام يوتر على دابته، متفق عليه.

(6)

أي سهل عليه ولا حائل بينه وبين إصابة عينها وفاقا، وفي الإنصاف وغيره: بلا نزاع، كمن بالمسجد الحرام أو كان خارجه لكن يمكنه النظر إليها، كأن كان على جبل أبي قبيس، أو مرتفع بحيث يعاينها.

ص: 555

أو الخبر عن يقين (إصابة عينها)(1) ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة (2) ولا يضر علو ولا نزول (3)(و) فرض (من بعد) عن الكعبة استقبال (جهتها)(4) فلا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران عرفا (5) .

(1) أي وفرض من قرب من القبلة ولم يمكنه معاينتها، وأمكنه الخبر عن يقين من عالم به، إصابة عينها، أي استقبال نفس الكعبة وفاقا، فإن من نشأ بمكة أو أقام بها كثيرا يمكنه اليقين في ذلك، ولو مع حائل حادث كالأبنية.

(2)

لأنه قادر على التوجه إلى عينها قطعا، فلم يجز العدول عنه، وإن تعذرت إصابة العين بحائل اجتهد إلى عينها، ولا يكلف المعاينة بصعود حائل أو دخول مسجد للمشقة، وذكر جماعة من الأصحاب وغيرهم: إن تعذر إصابة العين للقريب فحكمه حكم البعيد.

(3)

أي عن الكعبة كالمصلي على أبي قبيس، أو في حفيرة في الأرض ونزل بها عن مسامتتها لأن بين يدي المصلي قبلة شاخصة مرتفة، وإن لم تكن مسامتة، فإن المسامتة لا تشترط كما تقدم.

(4)

لحديث ما بين المشرق والمغرب قبلة، وغيره وتقدم، ولأن الإجماع انعقد على صحة صلاة الاثنين المتباعدين يستقبلان قبلة واحدة، والصف الطويل مستويا ولان التكليف بحسب الوسع، قال في الإنصاف والمبدع وغيرهما: البعد هنا هو بحيث لا يقدر على المعاينة، ولا عن من يخبره بعلم، وقال غير واحد من الأصحاب: ليس المراد بالبعد مسافة القصر، ولا بالقرب دونها، والجهة الناحية كالوجه وأصلها وجهة قال الواحدي: الوجهة اسم للمتوجه إليه والوجه مستقبل كل شيء.

(5)

بحيث لا يخرج عن الجهة، لأن إصابة العين بالاجتهاد متعذرة فسقطت، وأقيمت الجهة مقامها للضرورة.

ص: 556

إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة (1)(فإن أخبره) بالقبلة مكلف (ثقة)(2) عدل ظاهر وباطنا (بيقين) عمل به، حرا كان أو عبدا، رجلا كان أو امرأة (3) .

(أووجد محاريب إسلامية عمل بها)(4) لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها، فلا تجوز مخالفتها، حيث علمها للمسلمين ولا ينحرف (5) .

(1) أو قريبا منه قاله جماعة، فيشترط إصابة العين ببدنه، لأن قبلته متيقنة الصحة، قال الشارح وغيره: لكن إنما الواجب عليه صلى الله عليه وسلم استقبال الجهة وقد فعله، وقيل: رفعت له الكعبة حين بنى مسجده صلى الله عليه وسلم فالله أعلم.

(2)

فلا يعمل بخبر صغير ولا فاسق، وقال ابن تميم: يصح التوجه إلى قبلته في بيته، وجزم به في المبدع.

(3)

ولو أخبره بالمشرق أو المغرب أو نجم فأخذ القبلة منه لزمه العمل به، وإن أخبره عن اجتهاد لم يجز تقليده وفاقا، وقيل يجوز تقليده إن ضاق الوقت وإلا فلا، وذكره القاضي ظاهر كلام أحمد، واختاره جماعة من الأصحاب منهم الشيخ تقي الدين، وعدالة الظاهر بأن يكون مستور الحال، والباطن بأن يختبر بالأمانة ونحوها.

(4)

عدولا كانوا أو فساقا، والمحاريب جمع محراب، وهو صدر المجلس، ومنه محراب المسجد وهو مقام الإمام منه.

(5)

أي عن التوجه عن تلك الجهة، لأن دوام التوجه إلى جهة تلك المحاريب كالقطع، ونقل إجماع العلماء عليه صاحب الشامل وغيره، لأنها لا تنصب إلا بحضرة جماعة من أهل المعرفة بالأدلة فإن لم يعلم أنها لهم فلا التفات إليها قال الموفق والشارح: إذا علم قبلتهم كالنصارى في كنائسهم على أنها مستقبلة للشرق أي يستدل بها على القبلة.

ص: 557

(ويستدل عليها في السفر بالقطب) وهو أثبت أدلتها، لأنه لا يزول عن مكانه إلا قليلا (1) وهو نجم خفي شمالي (2) وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى (3) في أحد طرفيه الجدي (4) والآخر الفرقدان (5) يكون وراء ظهر المصلي بالشام (6) .

(1) لا يؤثر والاستدلال بالنجوم أصح أدلتها قال تعالى: {وبالنجم هم يهتدون} وقال: {لِتَهْتَدُوا بِهَا} والقطب بثليث القاف حكاه ابن سيده وغيره.

(2)

لا يراه إلا حديد البصر في غير ليالي القمر، لكن يستدل عليه بالجدي والفرقدين.

(3)

أي فراشة الطاحون الذي يديره الماء أو غيره، فيدير هو الرحى فتدور هذه الفراشة حول القطب، دوران فراشة الرحى حول سفودها، في كل يوم وليلة دورة، فيكون الفرقدان، عند طلوع الشمس مثلا في مكان جهته عند غروبها، والقطب في مكانه، لا يبرح مكانه وقيل قليلا.

(4)

نجم نير وهو غير جدي البرج، ويعرف بجدي القطب وجدي الفرقدين تعرف به القبلة.

(5)

وبين الجدي والفرقدين أنجم صغار منقوشة، ثلاثة من فوق وثلاثة من أسفل، تدور أيضا دوران فراشة الرحى حول سفودها، كل يوم وليلة دورة، والفرقدان جاء مثنى ومفردا لقرب اتصالهما، وعلى القطب تدور بنات نعش وغيرها من الأنجم الشمالية.

(6)

والعراق وسائر الجزيرة، وما حاذى ذلك، وذكره في الحاوي وغيره

فلا تتفاوت إلا يسيرا معفوا عنه، وقال الشيخ: إذا جعل الشامي القطب بين أذنه اليسرى ونقرة القفا فقد استقبل ما بين الركن الشامي والميزاب، والعراقي إذا جعل القطب بين أذنه اليمنى ونقرة القفا فقد استقبل قبلته اهـ وقيل: ينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلا، وكلما قرب إلى المغرب كان انحرافه أكثر، وينحرف بالعراق وما قاربها إلى المغرب قليلا، وكلما قرب إلى المشرق كان انحرافه أكثر، وكذا في سائر الجهات.

ص: 558

وعلى عاتقه الأيسر بمصر (1)(و) يستدل عليها بـ (الشمس والقمر ومنازلهما) أي منازل الشمس والقمر (2) تطلع من الشرق (3) وتغرب من المغرب (4) .

(1) وما والاها قال بعضهم:

من واجه القطب بأرض اليمن

وعكسه الشام وخلف الأذن

بمنى عراق ثم يسرى مصر

قد صححوا استقبالها في العمر

(2)

وما يقترن بمنازل الشمس والقمر، أو ما يقاربها، والشمس تقارب الجنوب شتاء، والشمال صيفا، والقمر كل شهر.

(3)

على يسرة المصلي في البلاد الشمالية، ويمنته في البلاد الجنوبية.

(4)

على اليمنة في الشامية، واليسرة في اليمنية لكن الشمس تختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها، فتطلع قرب الجنوب شتاء، وقرب الصبا صيفا، والقمر يبدو أول ليلة هلالا في المغرب، عن يمين

المصلي من أهل المشرق، ثم يتأخر كل ليلة منزلة حتى يكون في السابع وقت المغرب في قبلة المصلي منهم، مائلا عنها قليلا إلى المغرب، ثم يطلع ليلة الأربع عشرة من المشرق قبل غروب الشمس بدرا، وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي من أهل المشرق، أو قريبا منها وقت

الفجر، وليلة ثمان وعشرين يبدو عند الفجر كالهلال من المشرق

وتختلف مطالعه بحسب اختلاف منازله، ومنازله ثمانية وعشرون، أربعة عشر شامية، وأربعة عشر يمانية، فالشامية، الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء،

السماك، واليمانية، الغفر، الزبانا، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرغ المقدم، الفرغ المؤخر، بطن الحوت، فالقمر ينزل في كل ليلة واحدا منها، والشمس ثلاثة عشر يوما.

ص: 559

ويستحب تعلم أدلة القبلة والوقت (1) فإن دخل الوقت وخفيت عليه لزمه (2) ويقلد إن ضاق الوقت (3)(وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر) وإن كان أعلم منه (4) .

(1) وذهب إلى وجوبه على المسافر طائفة، قال في شرح الهداية: وهو متجه، ويحتمل أن لا يجب فإن التباس جهة القبلة مما يندر، والمكلف إنما يتعين عليه ما يعم مسيس الحاجة إليه، لا ما يندر.

(2)

أي تعلم أدلة القبلة، لأن الواجب لا يتم إلا به مع قصر زمنه، قال في شرح الهداية، إذا أمكنه وجب، قولا واحدا، وقاله الزركشي، وغيره لقصر زمنه، وهو فرض عين لسفر، فكل فرد مخاطب بالتعلم حيث كان أهلا له.

(3)

عن تعلم أدلة القبلة، لأن القبلة يجوز تركها للضرورة إلا مع سعته وفاقا، وإلا فلا، اختاره جمع من الأصحاب وغيرهم، منهم الشيخ تقي الدين، وأصل التقليد في اللغة وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، وسمي ذلك قلادة وهو في عرف الفقهاء: قبول قول الغير من غير حجة، أخذا من هذا المعنى.

(4)

أي وإن اجتهد مجتهدان في جهة القبلة، فاختلفا جهة بأن ظهرت لأحدهما جهة غير الجهة التي ظهرت للآخر لم يتبع مجتهد ظهرت له جهة القبلة مجتهدا آخر ظهر له أن جهة القبلة إلى غير جهة صاحبه، إن كان أعلم منه بحيث ينحرف إلى جهته لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر، كالعالمين يختلفان في حادثة، والمجتهد هنا هو العالم بأدلة القبلة، وإن جهل أحكام الشرع، لأن كل من علم أدلة شيء كان مجتهدا فيه، لأنه يتمكن من استقبالها بدليله.

ص: 560

ولا يقتدي به (1) لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر (2)(ويتبع المقلد) لجهل أو عمى (أوثقهما) أي أعلمهما وأصدقهما وأشدهما تحريا لدينه (عنده)(3) لأن الصواب إليه أقرب، فإن تساويا خير (4) .

(1) وفاقا أي لا يأتم مجتهد بمجتهد خالفه جهة، كما لو خرج ريح من اثنين واعتقد كل منهما أنها من الآخر وتقدم، فإن مال أحدهما يمينا والآخر شمالا مع اتفاقهما في الجهة صح ائتمام أحدهما بالآخر، قولا واحدا.

(2)

في القبلة فلم يجز الائتمام به، وذلك فيما إذا كان اختلافهما في جهتين قال في المغني: وقياس المذهب جواز ذلك، وذكره الشيخ: وصححه الشارح وحكاه في الفائق قولا.

(3)

أي أعلمهما عند المقلد في أدلة القبلة بالدلائل، وإن كان جاهلا في الأحكام، والمقلد هنا من لا تمكنه الصلاة باجتهاد نفسه، لعدم بصره أو بصيرته، قال ابن القيم: يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه، وهو أرجح المذاهب السبعة، وقال في الروضة: يأخذ بالأفضل في دينه وعلمه، وفي الفروع وغيره: لا يجب على جاهل وأعمى تقليد الأوثق، وقدمه في التبصرة وفاقا، كعامي في القياس على الأصح وفاقا.

(4)

فيتبع أيهما شاء، جزم به الشيخ، وذكره القاضي محل وفاق، وصححه غير واحد، وفي الإنصاف، إن كان في جهة خير، وفي جهتين فالصحيح يخير، وعليه الجمهور، وإن أمكن أعمى اجتهاد بنهر كبير أو ريح أو جبل لزمه ولم يقلد.

ص: 561

وإن قلد اثنين لم يرجع برجوع أحدهما (1)(ومن صلى بغير اجتهاد) إن كان يحسنه (2)(ولا تقليد) إن لم يحسن الاجتهاد (قضى) ولو أصاب (إن وجد من يقلده)(3) فإن لم يجد أعمى أو جاهل من يقلده فتحريا وصليا فلا إعادة (4) وإن صلى بصير حضرا فأخطأ أو صلى أعمى بلا دليل من لمس محراب أو نحوه (5) أو خبر ثقة أعادا (6) .

(1) لأنه دخل فيها على ظاهر فلا يزول إلا بمثله.

(2)

قضى لأنه قدر على شرط من شروط الصلاة فلم تصح بدونه.

(3)

أو ظن جهة باجتهاده قضى، وفاقا لمالك والشافعي، وإن صلى باجتهاد أو تقليد فبان أنه أخطأ فلا إعادة عليه إجماعا، لحديث عامر بن ربيعة وغيره، وقصة أهل قباء، إلا في أحد قولي الشافعي، والحاصل أن المراتب أربع: الأولى المعاينة، والثانية المخبر عن علم، والثالثة الاجتهاد، والرابعة التقليد، فلا ينتقل للمتأخرة حتى يعجز عن التي قبلها.

(4)

ولو أخطآ لأنهما أتيا بما أمرا به على وجهه.

(5)

مما يدل على القبلة، كأن يعلم أن باب المسجد إلى الشمال.

(6)

أي البصير المخطئ ولو اجتهد، والأعمى، لأنه كالبصير في الحضر لقدرته على الاستدلال ولو لم يخطئ القبلة، لأن الحضر ليس بمحل للاجتهاد، لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولأنه يجد من يخبره عن يقين غالبا، وعنه لا يعيد البصير إن كان عن اجتهاد، واحتج أحمد بقصة أهل قباء، وكذا الأعمى، لكن يلزمه التحري، فإن لم يجتهد البصير ولم يتحر الأعمى وصليا أعادا إن أخطآ قولا واحدا، حكاه في الإنصاف وغيره.

ص: 562

(ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة)(1) لأنها واقعة متجددة فتستدعي طلبا جديدا (2)(ويصلي بـ) الاجتهاد (الثاني) لأنه ترجح في ظنه، ولو كان في صلاته ويبني (3)(ولا يقضي ما صلى بـ) الاجتهاد (الأول)(4) لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد (5) .

(1) كالحاكم إذا اجتهد في حادثة ثم حدث مثلها.

(2)

أي لأن كل صلاة واقعة أي حاصلة متجددة بدخول وقتها، فتستدعي أي تستلزم طلبا أي اجتهادا جديدا مرة بعد أخرى

(3)

فيستدير إلى الجهة التي ظهرت له، ويبني على ما مضى من الصلاة، نقله الجماعة، وفاقا لأبي حنيفة، وهو الأصح عند الشافعية، كأهل قباء لما أخبروا بتحويل القبلة استداروا إليها وبنوا، وإن شك لم يزل عن جهته.

(4)

قال في المغني والشرح: لا نعلم فيه خلافا، فلو صلى الأربع الركعات إلى أربع جهات كلما بدا له جهة توجه إليها صحت صلاته، وليس هذا نقضا للاجتهاد وإنما هو عمل بكل من الاجتهادين، فلذلك بنى على صلاته ولم يعد ما فعله بالاجتهاد الأول، ولقضية عمر في مسألة المشركة، وقال: تلك على ما قضينا، ولم يعلم له مخالف.

(5)

قال عثمان: وجملة ذلك أنه إذا دخل في الصلاة باجتهاد فإما أن يستمر اجتهاده إلى فراغها، أو يعرض له شك، ويستمر الشك إلى فراغها، أو يزول الشك ويبقى ظن الصواب، أو بالعكس، بأن يظن الخطأ ويظهر له جهة أخرى فينتقل إليها، ويبني فصلاته صحيحة في الصور الأربع كلها، وإما أن يظن الخطأ من غير أن يظهر له جهة يتوجه إليها فتبطل صلاته.

ص: 563

ومن أخبر فيها بالخطأ يقينا لزمه قبوله (1) وإن لم يظهر لمجتهد جهة في السفر صلى على حسب حاله (2) .

(ومنها) أي من شروط الصلاة (النية)(3) وبها تمت الشروط (4) وهي لغة القصد (5) وهو عزم القلب على الشيء (6) وشرعا: العزم على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى (7) .

(1) أي أخبره ثقة بالخطأ كأن يقول: رأيت الشمس ونحوها، وتيقنت خطأك، لزمه قبول خبره، ويترك الاجتهاد أو التقليد، كما لو أخبره قبلهما، وإن لم يكن عن يقين لم يجز قبوله.

(2)

بفتح السين أي على قدر طاقته، وذلك بأن تعادلت عنده الأمارات، أو منع من الاجتهاد، ونحو ذلك، أو تعذر عليه الاجتهاد، لرمد ونحوه، ولا إعادة عليه، لأنه أتى بما أمر به وتحرى، فأجزأته وإن لم يصب وفاقا.

(3)

إجماعا حكاه جماعات من أهل العلم، ولا تسقط بحال، فهي شرط مع العلم والجهل والذكر والنسيان، لأن محلها القلب فلا يتأتى العجز عنها، قال عبد القادر: النية قبل الصلاة شرط، وفيها ركن، وفي الإنصاف رواية أنها فرض.

(4)

أي التسعة للصلاة.

(5)

يقال: نواك الله بخير أي قصدك به.

(6)

من عبادة وغيرها، وعزم على الشيء عقد ضميره على فعله، وضمير الإنسان قلبه وباطنه.

(7)

بأن لا يشرك في العبادة غير الله تعالى فلو ألجئ إليها بيمين أو غيره أو تصنع لمخلوق ففعل ولم ينو قربه لم تصح لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والإخلاص عمل القلب، وهو أن يقصد بعمله الله وحده وهو محض النية الصالحة، وذكر الموفق وغيره أن المكره إذا كان إقدامه على العبادة للخلاص من الإكراه لم تكن طاعة، ولا مجيبا لداعي الشرع.

ص: 564

ومحلها القلب (1) والتلفظ بها ليس بشرط (2) إذ الغرض جعل العبادة لله تعالى (3) .

(1) إجماعا فلا يحتاج إلى التلفظ بها، وزمنها هو أول العبادة ولو حكما كما لو نوى الصلاة في بيته ثم حضر المسجد وافتتح الصلاة بتلك النية من غير فاصل يمنع المراد، ويجب استصحاب حكمها في جميعها.

(2)

أي فيستحب والمنصوص عن أحمد وغيره، خلافه، بل ذكر شيخ الإسلام أن التلفظ بها بدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم ينقل عنه مسلم ولا عن أصحابه أنه تلفظ قبل التكبير بلفظ النية، لا سرا ولا جهرا، ولا أمر بذلك فلما لم ينقله أحد علم قطعا أنه لم يكن، وقال: اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها ولا تكريرها، بل من اعتاده ينبغي تأديبه وكذا بقية العبادات والجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لا سيما إذا آذى به أو كرره، والجهر بها منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة الإسلام، وفاعله مسيء وإن اعتقده دينا خرج عن إجماع المسلمين، ويجب نهيه، وبعض المتأخرين خرج وجها من مذهب الشافعي، وغلطه جماهير أصحاب الشافعي، قال الشافعي: إن الصلاة لا بد من النطق في أولها، فظن الغالط أنه أراد النطق بالنية، وإنما أراد التكبير، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه يقولون: نويت إلى آخره: ولم يرد عنهم حرف واحد في ذلك، وفي الإقناع والتلفظ بها بدعة.

(3)

وحده دون من سواه، والرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض صلاة وصوم كما ذكره ابن رجب وغيره، وقد يصدر في نحو صدقة وحج، وهذا لا يشك مسلم أنه حابط، وإن شارك العمل الرياء فإن كان من أصله فالنصوص طافحة ببطلانه، وإن كان العمل لله ثم طرأ عليه خاطر الرياء ودفعه لم يضره بلا خلاف، وإن استرسل معه فخلاف رجح أحمد وغيره أنه لا يبطل بذلك وذكره غيره: لا إثم بمشوب برياء إذا غلب مقصد الطاعة، وعكسه يأثم، وإن تساوى الباعثان فلا له ولا عليه، وقال الشيخ: المراءاة في العبادات المختصة من أعظم الذنوب فأما المرائي بالفرائض فكل يعلم قبحه، وأما بالنوافل فلا يظن الظان أنه يكتفي فيه بحبوط عمله، لا له ولا عليه، بل هو مستحق للذم والعقاب، ولا يترك عبادة خوف رياء.

ص: 565

وإن سبق لسانه إلى غير ما نواه لم يضر (1)(فيجب أن ينوي عين صلاة معينة)(2) فرضا كانت كالظهر والعصر (3) أو نفلا كالوتر (4) والسنة الراتبة (5) لحديث إنما الأعمال بالنيات (6) .

(1) أي من أراد أن يصلي الظهر مثلا فسبق لسانه بنية العصر لم يضر، لأن محل النية القلب، ولو نوى بلسانه ولم ينو بقلبه لم تنعقد بالإجماع.

(2)

إن كانت وإلا أجزأته نية صلاة مطلقة إجماعا، كصلاة الليل، لعدم التعيين فيها.

(3)

والمغرب والعشاء والصبح، وكذا منذورة وفاقا لمالك والشافعي والجماهير.

(4)

والتراويح والكسوف والاستسقاء فلا تصح واحدة منها إلا بنية صلاة بعينها.

(5)

والضحى والاستخارة وتحية المسجد ونحو ذلك، فلا بد من التعيين، لتتميز تلك الصلاة عن غيرها، كما لو كان عليه صلوات وصلى أربع ركعات لم ينوبها مما عليه لم تجز إجماعا، ومن لم يميز فرائض صلاته من سننها تصح بشرط أن لا يقصد التنفل بما هو فرض، ولو غفل عن التفصيل، فنية الجملة في الابتداء كافية، قال النووي وغيره: وهو الذي يقتضيه ظاهر أحوال الصحابة فمن بعدهم.

(6)

أي إنما المنوي بحسب ما نواه العامل، وتقدم.

ص: 566

(ولا يشترط في الفرض) أن ينويه فرضا، فتكفي نية الظهر ونحوه (1)(و) لا في (الأداء و) لا في (القضاء) نيتهما (2) لأن التعيين يغني عن ذلك (3) ويصح قضاء بنية أداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه (4) .

(1) كالعصر والمغرب والعشاء والفجر والمنذورة وعليه أكثر الأصحاب، وصححه في التصحيح والإنصاف وغيرهما واختاره ابن عبدوس وغيره، وجزم به في الوجيز وغيره.

(2)

أي لا تشترط نية الأداء والقضاء قضاء، لأنه لا يختلف المذهب أنه لو صلاها ينويها أداء فبان وقتها قد خرج صحت قضاء، وبالعكس والأداء عندهم فعله في وقته، والقضاء فعله بعد خروج وقته المعين له شرعا.

(3)

أي لأن تخصيص المصلي بقلبه تلك الصلاة كاف، فلا يحتاج أن ينويها فرضا أو أداء أو قضاء، ولأن أصل وضعها الشرعي كاف، وفي نيته الأولى ما يكفي.

(4)

كما لو أحرم بصبح أداء ظانا أن الشمس لم تطلع فبان طلوعها صحت قضاء، وعكسه أداء بنية قضاء، بأن نوى عصرا قضاء يظن غروب الشمس فتبين أنها لم تغرب صحت أداء قال الشيخ: وقد اتفق العلماء فيما أعلم على أنه لو اعتقد بقاء وقت الصلاة فنواها أداء ثم تبين أنه صلى الله عليه وسلم بعد خروج الوقت صحت صلاته، ولو اعتقد خروجه، فنواها قضاء ثم تبين له بقاء الوقت أجزأته صلاته اهـ فإن علم بقاء الوقت أو خروجه ونوى خلافه، لم يصح بلا خلاف، لأنه متلاعب، والقضاء في الأصل هو الأداء، لقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} أي أديتموها، وإكمال الشيء وإتمامه لقوله:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} أي أكملهن وأتمهن، وإنما استعمل الفقهاء (القضاء) في العبادة التي تفعل خارج وقتها المحدود لها شرعا، و (الأداء) إذا فعلت في الوقت المحدود اصطلاحا منهم، للتمييز بين الوقتين.

ص: 567

(و) لا يشترط في (النفل والإعادة) أي الصلاة المعادة (نيتهن) فلا يعتبر أن ينوي الصبي الظهر نفلا (1) ولا أن ينوي الظهر من أعادها معادة، كما لا تعتبر نية الفرض وأولى (2) ولا تعتبر إضافة الفعل إلى الله تعالى فيها (3) ولا في باقي العبادات (4) ولا عدد الركعات (5) ومن عليها ظهران عين السابقة، لأجل الترتيب (6) ولا يمنع صحتها قصد تعليمها ونحوه (7) .

(1) ولا غير الصبي الوتر والرواتب والتراويح نفلا، كما لا تعتبر نية الفرض بل يكفيه نية وتر، وراتبة وتراويح ومطلق نفل.

(2)

الإعادة فعل الشيء مرة بعد أخرى، أي كما لا تشترط نية الفرض، فالنفل والمعادة أولى في عدم الاشتراط، لكن لو ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر حاضرة، ثم بان أن لا قضاء عليه لم تجزئه عن الحاضرة، لأنه لم ينوها، ولو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم تجزئ عنها.

(3)

بأن ينوي الصلاة لله تعالى، لأن العبادة لا تكون إلا لله، وجزم في الفائق باشتراط إضافة الفعل إلى الله تعالى.

(4)

كالصوم والحج وغيرهما.

(5)

أي ولا يشترط أن ينوي تعيين عدد الركعات، ولا أن ينوي الاستقبال.

(6)

بين الفوائت بخلاف المنذورتين.

(7)

كقصد خلاص من خصم، أو إدمان سهر بعد إتيانه بالنية المعتبرة، لفعله صلى الله عليه وسلم على المنبر وغيره في صلاته، وذكره ابن الجوزي فيما ينقص الأجر، وفي الفروع، لأنه ينقص ثوابه اهـ وأما ما قصد به العبادة والتعليم فينجبر بالتعليم.

ص: 568

(وينوي مع التحريمة) لتكون النية مقارنة للعبادة (1)(وله تقديمها) أي النية (عليها) أي على تكبيرة الإحرام (بزمن يسير) عرفا (2) إن وجدت النية (في الوقت) أي وقت المؤداة والراتبة (3) ما لم يفسخها (4) .

(1) خروجا من الخلاف فعند بعض الشافعية قرنها بالتكبير، وصفة قرونها به أن يأتي بالتكبيرة عقب النية، وهذا ممكن لا صعوبة فيه، وعامة الناس إنما يصلون هكذا، لأن المقارنة انبساط أجزاء النية على أجزاء التكبير، فإنه يعسر، ويشغل عن استحضار المنوي، وينبغي له أن يكون قلبه مشغولا بتدبر التكبير، واستحضار عظمة من يقف بين يديه ليخشع له تبارك وتعالى، وذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم إلى الاكتفاء بوجودها قبل التكبير، واختار جمع منهم النووي والغزالي الاكتفاء بالاستحضار العرفي، بحيث لا يعد غافلا عن الصلاة، اقتداء بالأولين في تساهلهم.

(2)

كبقية الشروط، وظاهره ولو أتى بشيء من المبطلات للصلاة غير ما ذكره، كالكلام واستدبار القبلة، والعرف هو ما لا تفوت به الموالاة في الوضوء، وقيل: يجوز بزمن كثير ما لم يفسخ النية، اختاره الآمدي والشيخ وغيرهما، ونقل أبو طالب وغيره: إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية، أتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة؟ واحتج به الشيخ وغيره، على أن النية تتبع العلم، فمن علم ما يريد فعله قصده ضرورة.

(3)

اشترطه الخرقي وغيره، وأطلقه أكثر الأصحاب، وظاهره لو تقدمت ولو بزمن يسير لم يعتد بها، للخلاف في كونها ركنا وهو لا يتقدم، وتقدم تمام الكلام في ذلك.

(4)

أي النية مع بقاء إسلامه كالصوم، وأن لا يشتغل بعمل كثير، وذلك مثل عمل من نسي سجود السهو على ما يأتي، أو أعرض عنها بما يلهيه، أو تعمد حدثا، لأن تقدم النية على الفعل لا يخرجه عن كونه منويا.

ص: 569

(فإن قطعها في أثناء الصلاة (1) أو تردد) في فسخها (بطلت)(2) لأن استدامة النية شرط (3) ومع الفسخ أو التردد لا يبقى مستديما (4) وكذا لو علقه على شرط (5) لا إن عزم على فعل محظور قبل فعله (6)(وإذا شك فيها) أي في النية أو التحريمة (استأنفها)(7) .

(1) بطلت لأن النية شرط في جميعها، صححه في التصحيح وغيره، أشبه ما لو سلم أو عزم على قطعها فبطلت لأن النية عزم جازم، ومع العزم على قطعها لا جزم فلا نية.

(2)

لأنه لم يبق جازما بالنية، صححه في التصحيح وغيره، واختاره القاضي وغيره وقال ابن حامد وغيره، لا تبطل لأنه دخل بنية متيقنة فلا تزول بالشك كسائر العبادات، وصححه في الرعاية ويأتي قول الشيخ رحمه الله، وتردد في الأمر اشتبه فيه فلم يثبت.

(3)

فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.

(4)

لذهاب الشرط.

(5)

كأن ينوي إن طرق عليه الباب قطعها بطلت، لمنافاة ذلك جزمه بها.

(6)

بأن عزم على كلام ولم يتكلم أو فعل حدث ونحوه ولم يفعله لم تبطل وفاقا، لعدم منافاته، الجزم المتقدم لأنه قد يفعل المحظور وقد لا يفعله، ولا مناقض في الحال للنية المتقدمة، فتستمر إلى أن يوجد مناقض، وذكر الحافظ وغيره أن في حديث ذي اليدين دليلا على أن نية الخروج من الصلاة وقطعها إذاكان بناء على ظن التمام لا يوجب بطلانها ولو سلم، وكذا كلام من ظن التمام، وأنه قول جمهور العلماء من السلف والخلف وعامة أهل الحديث، وأن الإبطال بغير دليل ممنوع.

(7)

أي شك هل نوى الصلاة أو عين ظهرا أو عصرا أو أحرم أو لا، استأنف

الصلاة لأن الأصل عدم النية والتحريمة، وهذا مذهب الشافعي، وقال ابن حامد وغيره: لا تبطل ويبنى لأن الشك لا يزيل حكم النية، وقال الشيخ: يحرم عليه خروجه لشكه في النية، للعلم أنه ما دخل إلا بالنية، وقال شيخنا، إذا اهتم الإنسان للصلاة وقام في الصف وفي ظنه أنه كبر تكبيرة الإحرام لكن اعتراه شك هل كبر أولا؟ فهذا يستأنف تكبيرة الإحرام إلا أن يكثر فيصير كوسواس فيطرحه ويبني على غالب ظنه.

ص: 570

وإن ذكر قبل قطعها (1) فإن لم يكن أتى بشيء من أعمال الصلاة بنى (2) وإن عمل مع الشك عملا استأنف (3) وبعد الفراغ لا أثر للشك (4)(وإن قلب منفرد) أو مأموم (فرضه نفلا في وقته المتسع جاز)(5) .

(1) أي ذكر أنه كان قد نوى أو عين أو كبر.

(2)

لأنه لم يوجد مبطل لها، كما لو نوى قطع القراءة ولم يقطعها، قولا

واحدا.

(3)

أي وإن عمل مع الشك في النية عملا من أعمال الصلاة قولية كقراءة أو فعلية كركوع أو سجود استأنف الصلاة، لأن هذا العمل عري عن النية، وقال المجد: الأقوى إن كان العمل قولا لم تبطل، كتعمد زيادته، ولا يعتد به، وإن كان فعلا بطلت لعدم جوازه، كتعمده في غير موضعه، قال ابن تميم: وهذا أحسن، وتقدم إطراح الشك وأنه لا يزيل حكم النية، وإن شك هل نوى فرضا أو نفلا أتمها نفلا، لأن الأصل عدم نية الفرضية.

(4)

يعني في النية للعلم أنه ما دخل إلا بها وفرغ منها من غير شك، ولا أثر للشك بعد الفراغ إجماعا وقال الناظم:

ولا الشك من بعد الفراغ بمبطل

يقاس على هذا جميع التعبد

(5)

بأن فسخ نية الفرضية دون نية الصلاة ولفظ المنتهى: صح مطلقاً قال في حاشيته: سواء صلى الأكثر كثلاث من أربع أو ركعتين من المغرب، خلافا لأبي حنيفة ومالك، قالوا: لأن للأكثر حكم الكل، أي فمن صلى الأكثر لم يجز أن يقلبه نفلا.

ص: 571

لأنه إكمال في المعنى كنقص المسجد للإصلاح (1) لكن يكره لغير غرض صحيح (2) مثل أن يحرم منفردا فيريد الصلاة في جماعة (3) ونص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفردا ثم حضر الإمام وأقيمت الصلاة، يقطع صلاته ويدخل معهم (4) فيتخرج منه قطع النافلة بحضور الجماعة بطريق الأولى (5) .

(1) فكذا هنا، ولأن النفل يدخل في نية الفرض أشبه ما لو أحرم بفرض فبان قبل وقته.

(2)

أي يكره قلب فرضه نفلا، لغير غرض صحيح، لكونه أبطل عمله، ويصح، صححه في تصحيح الفروع، وعنه يحرم قال القاضي: رواية واحدة، لقوله:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .

(3)

أي فإن كان لغرض صحيح مثل أن يحرم إلخ، ونحوه لم يكره أن يقلبه نفلا ليصلي معهم، بل هو أفضل، قال في الإنصاف وتصحيح الفروع: وهو الصواب إن كان الغرض صلاة الجماعة، بل لو قيل بوجوب ذلك لكان حسنا، قال شيخنا: لكنه لم يقل بالوجوب أحد.

(4)

بلفظ الأمر، وعنه يقلبها نفلا، وفاقا، ويتمها خفيفة، ثم يدخل معهم، وهي الرواية المشهورة.

(5)

وأولى منه ما يتخرج من الرواية المشهورة أن يتمها خفيفة لقوله: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .

ص: 572

(وإن انتقل بنية) من غير تحريمة (من فرض إلى فرض) آخر (بطلا)(1) لأنه قطع نية الأول ولم ينو الثاني من أوله (2) وإن نوى الثاني من أوله بتكبيرة إحرام صح (3) وينقلب نفلا ما بان عدمه (4) كفائتة فلم تكن (5) وفرض لم يدخل وقته (6)(ويجب) للجماعة (نية) الإمام (الإمامة)(7) .

(1) كأن أحرم بالظهر مثلا، وانتقل إلى العصر بمجرد النية من غير تكبيرة إحرام للفرض الثاني بطلا، يعني الأول والثاني، وفيه تساهل إذا الثاني لم يدخل فيه حتى يقال بطل، بل لم ينعقد بالكلية، ولو قال لم يصح لكان أولى.

(2)

أي قطع نية الأول الذي انتقل عنه، ولم ينو الثاني من أوله بتكبيرة الإحرام فلم ينعقد لخلو أوله عن النية، ويصح نفلا إن استمر على نية الصلاة، لأنه قطع نية الفرضية بنية انتقاله عن الفرض الذي نواه أولا دون نية الصلاة فيصير نفلا، لأنه بقي جنس الصلاة في حقه فصحت نفلا، ما لم يقطعها.

(3)

وفاقا، كما لو لم يتقدمه إحرام بغيره.

(4)

أي وينقلب فرضه نفلا إذا تبين عدم الفرض، لأن نية الفرض تشمل نية النفل، فإذا بطلت نية الفرض بقيت نية مطلق الصلاة، وقال الخلوتي: لعل محله ما لم يكن إماما، أو يضق الوقت.

(5)

أي كما لو أحرم بفائتة يظنها عليه، فتبين أنه لم يكن عليه فائتة، فانقلبت نفلا.

(6)

أي وكما ينقلب فرض لم يدخل وقته نفلا، لأن الفرض لم يصح، ولم يوجد.

(7)

على الأصح عند الأصحاب كالجمعة وفاقا، فينوي الإمام أنه مقتدي به

وعنه: لا تجب نية الإمام وفاقا في غير الجمعة، لحديث ابن عباس، وحديث أنس، وأبي سعيد وغيرهم، كما يأتي فإنها تحصل الجماعة للمأموم وإن لم ينو الإمام الإمامة لأن الغرض حصول الجماعة وقد حصلت بواسطة الاقتداء لأن صلاته حينئذ وقعت جماعة.

ص: 573

(و) نية المأموم (الائتمام)(1) لأن الجماعة يتعلق بها أحكام (2) وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطا (3) رجلا كان المأموم أو امرأة (4) وإن اعتقد كل منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه فسدت صلاتهما (5) كما لو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه (6) .

(1) أي يجب أن ينوي المأموم أنه مقتد وفاقا، وفي الإنصاف: يشترط أن ينوي حاله بلا نزاع، ولا يتصور أن المأموم لا ينوي أنه مؤتم، فإن من وجد إماما يصلي أو شخصا يصلي فإن نوى أنه يقتدي به فهو مأموم وقد حصلت له نية الاقتداء، وإن نوى أن يصلي لنفسه، ولم ينو أنه مقتد بذلك الإمام فهو منفرد، أما إذا أحرم بالصلاة منفردا ثم في أثناء الصلاة نوى أن يقتدي بشخص آخر فيأتي.

(2)

كوجوب الاتباع وسقوط الفاتحة، والسهو عن المأموم، وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه.

(3)

أي إنما تميز الجماعة وغير الجماعة بنية الإمام الإمامة، ونية المأموم الإئتمام فكانت النية في حقهما شرطا ليتميز الإمام عن المأموم، ولأن الجماعة إنما تنعقد بالنية فاعتبرت منهما قياسا لأحدهما على الآخر.

(4)

لا فرق نص عليهما.

(5)

وعنه أنها صحيحة ويصليان فرادى.

(6)

كأمي نوى أن يؤم قارئا وفاسق نوى أن يؤم عدلا وائتم بمن ليس

بإمام وأم من لم يأتم به، وامرأة نوت أن تؤم رجلا، لم تصح صلاة الإمام قال في الفروع: في الأشهر، خلافا للأئمة الثلاثة.

ص: 574

أوشك في كونه إماما أو مأموما (1) ولا يشترط تعيين الإمام ولا المأموم (2) ولا يضر جهل المأموم ما قرأ إمامه (3) وإن نوى زيد الاقتداء بعمرو ولم ينو عمرو الإمامة صحت صلاة عمرو وحده (4) وتصح نية الإمامة ظانا حضور مأموم لا شاكا (5)(وإن نوى المنفرد الإئتمام) في أثناء الصلاة (لم يصح)(6) .

(1) لم تصح في الأشهر.

(2)

لأنه إذا صلى خلف من يصلي بالناس صح، وكذا الإمام بطريق الأولى، وإن عين إماما أو مأموما فأخطأ لم تصح، وقيل: تصح كانصراف الحاضر بعد دخوله، وكذا إن عين جنازة فأخطأ وقال الشيخ: إن عين وقصده: خلف من حضر، وعلى من حضر صح، لأن عليه الصلاة والسلام أحرم وحده فجاء جابر وجبار فصلى بهما، رواه مسلم، وصلى في العشر الأخير فصلى بصلاته ناس في المسجد، فدل على جواز الاقتداء بمن لم ينو إمامته، قال النووي: وهو صحيح على المشهور من مذاهب أهل العلم.

(3)

ولا يخل بصحتها، وقيل: يخل لأنه لا يدري أقرأ الفاتحة أم لا، والمراد: ولا مانع من السماع، لتركه الإنصات الواجب.

(4)

مراد هم ولم ينو عمرو من أول الصلاة.

(5)

فلا، ولو دخل معه، وإن ظنه لم يحضر، أو حضر ولم يدخل معه لم تصح.

(6)

قال في الفروع: على الأصح، وفاقا لأبي حنيفة ورواية عن مالك، ولم تبطل صلاته، ولم يصر إماما كما سيأتي.

ص: 575

لأنه لم ينو الإئتمام في ابتداء الصلاة (1) سواء صلى وحده ركعة أو لا، فرضا كانت الصلاة أو نفلا (2)(كـ) ما لا تصح (نية إمامته) في أثناء الصلاة إن كانت (فرضا) لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة (3) ومقتضاه أنه يصح في النفل، وقدمه في المقنع والمحرر وغيرهما (4) .

(1) ولتغير نيته الأولى، وعنه يصح للأحاديث الآتية وغيرها، قال في الإنصاف وغيره: إن سبق اثنان فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما جاز، وهو المذهب سواء نوياه حال دخولهما أو لا.

(2)

لا حاجة إليه لما يأتي.

(3)

وعنه تصح في الفرض وفاقا، وقال غير واحد: هو قول أكثر أهل العلم، واختاره الموفق والشيخ وغيرهما، قال: لو أحرم منفردا ثم نوى الإمامة صحت صلاته فرضا أو نفلا، وهو رواية عن أحمد، اختارها أبو محمد وغيره، لأنه ثبت في النفل من حديث ابن عباس الآتي، والأصل المساواة، والحاجة داعية إلى ذلك، فصح كحالة الاستخلاف، ويؤيده حديث جابر وجبار في الفرض، رواه مسلم، وله من حديث المغيرة في صلاة عبد الرحمن بن عوف، وصلى معه النبي صلى الله عليه وسلم ركعة فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه المغيرة فركعا الركعة التي سبقا بها، وحديث عائشة الآتي، وحديث أبي سعيد عند أبي داود والترمذي وصححه ابن خزيمة وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده وقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه.

(4)

قال في الفروع: وهو المنصوص، وفي المقنع: وإن نوى الإمامة صح في النفل، ولم يصح في الفرض، ويحتمل أن يصح، وهو أصح عندي، قال الشارح: لأنه ثبت في النفل بحديث ابن عباس، والأصل المساواة، ومما يقويه حديث جابر وجبار.

ص: 576

لأنه صلى الله عليه وسلم قام يتهجد وحده (1) فجاء ابن عباس فأحرم معه، فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه (2) واختار الأكثر: لا يصح في فرض ولا نفل (3) لأنه لم ينو الإمامة في الابتداء، وقدمه في التنقيح وقطع به في المنتهى (4)(وإن انفرد) أي نوى الانفراد (مؤتم بلا عذر)(5) كمرض وغلبة نعاس وتطويل إمام (6)(بطلت) صلاته لتركه متابعة إمامه (7) .

(1) أي يصلي من الليل منفردا، في بيت ميمونة خالة ابن عباس رضي الله عنهم.

(2)

ولمسلم معناه من حديث أنس وجابر، وعن عائشة كان يصلي من الليل وجدار الحجر قصير فرأى الناس شخصه فقاموا يصلون بصلاته، ولحديث جابر وجبار ولدعاء الحاجة إليه كالاستخلاف، فإن الصديق لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو إمام تأخر واقتدى به صلى الله عليه وسلم.

(3)

أي اختاره أكثر الأصحاب، لكن القول بصحته فيهما أسعد بالدليل.

(4)

وقال في الإقناع: والمنصوص صحة الإمامة في النفل، وهو الصحيح اهـ، وقد تقدم أنه الصحيح أيضا في الفرض، فالنفل أولى، وقال الشافعي وغيره: من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائنا من كان.

(5)

بأن أحرم مأوما ثم نوى الإنفراد لغير عذر يبيح ترك الجماعة.

(6)

أو شيء يفسد صلاته، أو خوف على أهل أو مال، أو فوت رفقة ونحوه من الأعذار، ويخشى من الإطالة.

(7)

بغير عذر، وعنه يجوز، ومال إليها الشارح وغيره.

ص: 577

ولعذر صحت (1) فإن فارقه في ثانية جمعه لعذر أتمها جمعة (2)(وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه) لعذر أو غيره (3)(فلا استخلاف) أي فليس للإمام أن يستخلف من يتم بها، إن سبقه الحدث (4) .

(1) صلاته بلا نزاع ويتمها لحديث جابر قال: صلى معاذ فقرأ سورة البقرة فتأخر رجل فصلى وحده، فقيل له: نافقت. قال: ما نافقت، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: أفتان أنت يا معاذ، مرتين متفق عليه، ومحل إباحة المفارقة لعذر إن استفاد بمفارقته تعجيل لحوقه لحاجته قبل فراغ إمامه. فإن كان إمامه يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز الانفراد، لعدم الفائدة فيه، ذكره ابن عقيل، قال في الفروع، ولم أجد خلافه ومن عذره الخروج من الصف فله المفارقة مطلقا، وإذا زال عذر مأموم بعد المفارقة لم يلزمه الدخول معه، وله ذلك، وعدم الرجوع أولى، لأنه قد فارق إمامه بوجه شرعي، فيبقى على مفارقته.

(2)

إذا كان أدرك الأولى معه، لأن الجمعة تدرك بركعة ويأتي.

(3)

لارتباطها بها، فأما لعذر فكأن سبقه الحدث، ولغير عذر كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات، لقوله: إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة، رواه أبو داود بإسناد جيد، وعنه: لا تبطل ويتمونها فرادى، قدمه في الفروع، وقال: والأشهر جماعة.

(4)

أي غلبة الحدث، وعنه لا تبطل صلاة مأموم، وفاقا لمالك والشافعي، ويتمونها جماعة بغيره أو فرادى، كما تقدم، واحتج أحمد بأن معاوية لما طعن صلوا وحدانا قال المجد: لا تختلف الرواية، وفي الإنصاف وغيره: حيث قلنا بصحة صلاة المأموم فله أن يستخلف على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور وفي الصحيح أن عمر أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف لما طعن، فقدمه فأتم بهم الصلاة اهـ قال الشارح: فما عاب عائب ولا أنكر منكر، فكان كالإجماع وقال النووي وغيره: جاء الاستخلاف عن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة، ولم يحك ابن المنذر منعه عن أحد، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، وقال الموفق وغيره: وتبطل بترك ركن من الإمام أو شرط أو تعمد المفسد وإلا فلا، وفاقا لمالك، واختاره هو والشيخ وغيرهم وقال في الفروع: على الأصح.

ص: 578

ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم (1) ويتمها منفردا (2)(وإن أحرم إمام الحي) أي الراتب (3)(وبمن) أي بمأمومين (أحرم بهم نائبه) لغيبته وبنى على صلاة نائبه (وعاد) الإمام (النائب مؤتما صح)(4) لأن أبا بكر صلى، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، وتقدم فصلى بهم، متفق عليه (5) .

(1) بأن سبق المأموم الحدث، أو فسدت صلاته لعذر أو غيره، لأنها غير متعلقة بها.

(2)

وإن لم يستدم نية الإمامة، لأنها ليست ضمنا لها، ولا متعلقة بها.

(3)

سواء كان الإمام الأعظم أو غيره، والحي القبيلة من العرب.

(4)

أي أحرم نائب إمام الحي لغيبة إمام الحي، أو لإذنه ثم حضر في أثنائها إمام الحي، فأحرم بهم، وبني إمام الحي على صلاة نائبه، وعاد الإمام النائب الذي أحرم بالمأمومين أولا مؤتما صح ائتمامه، وائتمام المأمومين.

(5)

من حديث سهل بن سعد الساعدي، والأصل عدم الخصوصية.

ص: 579

وإن سبق اثنان فأكثر ببعض الصلاة، فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما (1) أو ائتم مقيم بمثله إذا سلم إمام مسافر صح (2) .

آخر المجلد الأول من حاشية الروض المربع ويليه المجلد الثاني

وأوله: باب صفة الصلاة.

(1) بعد سلام الإمام صح الائتمام، ولا بد أن يكون المؤتم بصاحبه فاته مثل ما فاته، فلو ائتم من فاته ركعتان بمن فاته ركعة أو بالعكس لم يصح الاقتداء.

(2)

أي الائتمام، لأنه انتقال من جماعة إلى جماعة أخرى لعذر، فجاز كاللاستخلاف، وظاهر إطلاقه عدم اشتراط الائتمام حال دخولهما مع الإمام، ومن خرج من صلاته يظن أنه أحدث فيها فتبين له أنه لم يكن أحدث بطلت صلاته، لفسخه نية الصلاة بخروجه منها.

ص: 580