الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ويجب الإتيان بها) أي بالنية (عند أول واجبات الطهارة (1) وهو التسمية) (2) فلو فعل شيئا من الواجبات قبل النية لم يعتد به (3) ويجوز تقديمها بزمن يسير كالصلاة (4) ولا يبطلها عمل يسير (5) .
(وتسن) النية (عند أول مسنوناتها) أي مسنونات الطهارة
كغسل اليدين في أول الوضوء (6)(إن وجد قبل واجب) أي قبل التسمية (7) .
(1) لأن النية شرط فيعتبر وجودها في أول الوضوء، أو الغسل، أو التيمم أو غيرها من سائر العبادات.
(2)
أي أول واجب التسمية، لحديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه وتقدم.
(3)
لحديث إنما الأعمال بالنيات فتستحب إعادته بعد النية، و
متى جاء ليتوضأ أو أراد فعل
الوضوء مقارنا له، أو سابقا عليه قريبا، فقد وجدت النية.
(4)
أي يجوز تقديم النية على الطهارة، بزمن يسير، كما يجوز في الصلاة، قال في الإنصاف: بلا نزاع، ولا يجوز بزمن طويل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب وقيل: يجوز مع ذكرها وبقاء حكمها، بشرط أن لا يقطعها.
قال القاضي: إذا قدمها واستصحب ذكرها حتى شرع في الطهارة جاز، وقال أبو الحسين: يجوز ما لم يعرض ما يقطعها من اشتغال بعمل ونحوه.
(5)
أي قبل الشروع في الطهارة ونحوها، قال في المبدع: في الأصح، فإن كثر بطلت، واحتاج إلى استئنافها.
(6)
أي لغير قائم من نوم ليل فيجب على ما تقدم.
(7)
أي إن وجد ذلك المسنون كغسل اليدين قبل التسمية، بأن أراد أن يقدم غسل كفيه على التسمية، فيسن الإتيان بالنية عند غسلهما لتشمل النية مسنون الطهارة ومفروضها فيثاب عليهما وكذا عبارة شرح الإقناع والمنتهى، وفي شرح المنتهى لمصنفه وغيره: قبل المضمضة والاستنشاق وهو أولى لإيهامه عدم وجوب تقدم النية على التسمية.
(و) يسن (استصحاب ذكرها) أي تذكر النية (1)(في جميعها) أي جميع الطهارة لتكون أفعاله مقرونة بالنية (2)(ويجب استصحاب حكمها) أي حكم النية (3) بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة (4) فإذا عزبت عن خاطره لم يؤثر (5) وإن شك في النية في أثناء طهارته استأنفها (6) إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتفت إليه (7) .
(1) بقلبه بأن يكون مستحضرا لها بقلبه في أول الطهارة ثم لا ينوي قطعها.
(2)
أي موصولة بها مجموعا بينهما وكذا كل عبادة تشترك لها النية.
(3)
قاله الشيخ تقي الدين وغيره، واستصحاب مصدر، واستصحب الشيء لازمه أي يجب ملازمة حكم النية.
(4)
وذلك بأن ينوي في أول الطهارة، ثم لا يقطعها إلى آخرها، وإن لم يكن ذاكرا.
(5)
أي إن غابت النية عن باله لم يؤثر ذلك في الطهارة كما لا يؤثر في الصلاة ومحله إن لم ينو بالغسل نحو تنظيف أو تبرد، والخاطر اسم لما يتحرك في القلب من رأي أو معنى.
(6)
لأن النية هي القصد فمتى علم أنه جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء فقد وجدت منه النية، فمتى شك في وجود ذلك لم يصح ما مضى منها.
(7)
لأنه من الشيطان ليفسد عليه طهارته.
ولا يضر إبطالها بعد فراغه (1) ولا شكه بعده (2)(وصفة الوضوء) الكامل أي كيفيته (3)(أن ينوي ثم يسمي) وتقدما (4)(ويغسل كفيه ثلاثا) تنظيفا لهما (5) فيكرر غسلهما عند الاستيقاظ من النوم وفي أوله (6) .
(1) أي لا يضر إبطال نيته بعد فراغه من طهارته إجماعا.
(2)
أي لا يضر شكه في النية والطهارة بعد الفراغ، وكذا لو شك في غسل عضو أو مسحه بعده، أو المسح على الخفين إجماعا، أما قبل الفراغ فكمن لم يأت بما شك فيه، إلا أن يكون وهما كالوسواس فيطرحه، ولا يضر سبق لسانه بغير قصده.
(3)
أي هيئته والكامل يعني المشتمل على الواجب والمسنون من كيف اسم استفهام، ومن شأنها أن يسأل بها عن حال الأشياء، فما يجاب به يقال فيه كيفية. وأما المجزئ فتقدم أنه مرة إجماعا.
(4)
أي النية والتسمية ثم أعادهما في الصفة، وبدأ بهما لتقدمهما على الفعل وذلك بأن ينوي الوضوء للصلاة ونحوها، ورفع الحدث كما تقدم، ثم يسمى فيقول بسم الله، وليس التراخي مطلقا معتبرا إذ التراخي المطلق يصدق بما تفوت به الموالاة وأما الترتيب الذي لا يقتضي الموالاة فهو معتبر، (فثم) هنا أولى من الفاء.
(5)
أي من الوسخ ولو تيقن طهارتهما و (ثلاثا) منصوب على الحال أي ثلاث مرات يبدأ بيمينه ندبا.
(6)
أي يكرر غسل اليدين ثلاثًا عند الاستيقاظ من النوم، وفي أول الوضوء، وظاهر كلام الشارح أنه لا يكفي غسل اليدين من النوم الواجب عن المسنون، قال بعض المحققين والظاهر الاكتفاء بغسلهما عند الاستيقاظ فيدخل المندوب في الواجب تبعا، كما يدخل غسل الجمعة في الغسل الواجب، ونظائره كثيرة.
(ثم يتمضمض ويستنشق) ثلاثا ثلاثا بيمينه (1) ومن غرفة أفضل (2) ويستنثر بيساره (3)(ويغسل وجهه) ثلاثا (4) وحده (من منابت شعر الرأس) المعتاد غالبا (5) .
(1) أي يتمضمض ثلاث مرات، ويستنشق ثلاث مرات.
قال ابن القيم: ولم يتوضأ إلى تمضمض واستنشق، ولم يحفظ أنه أخل به مرة واحدة.
وقال شيخ الإسلام: ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه، لأنهما من جملته، لكن يستحب لأن الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه بدأ بهما اهـ.
وقيل: الحكمة في تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه المفروض لشرفهما وتأكد تنظيفهما.
(2)
أي بثلاث غرفات، يجمعهما بغرفة واحدة، ولا يفصل بينهما، وحكى ابن رشد الاتفاق عليه، لحديث علي أنه مضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات متفق عليه، وفيهما أيضا: تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا، وعند أحمد: فمضمض ثلاثا، واستنشق ثلاثا، وقال: هذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: ولم يجيء الفصل بينهما في حديث صحيح. وقال النووي: لم يثبت في الفصل حديث أصلا. بل الصواب تفضيل الجمع، للأحاديث الصحيحة المتظاهرة، وليس لها معارض.
(3)
لحديث عثمان ولأنه من إزالة الأذى.
(4)
للنص فيأخذ الماء بيديه جميعا عند الجمهور، أو بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما، لأنه أمكن وأسبغ، ويبدأ بأعلى وجهه، ثم يحذره، لفعله عليه الصلاةوالسلام ولأن أعلى الوجه أشرف، وذلك الفعل أمكن ليجري الماء بطبعه.
(5)
يعني التي من شأنها في العادة أن ينبت فيها شعر الرأس والمعتاد في أغلب
الناس. فلا حاجة لذكره (غالبا) بعد المعتاد ولا عبرة بالأفرع الذي ينبت شعره في بعض جبهته ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه، فيغسل الأفرع الشعر الذي ينزل على الوجه لا في الغالب، والأصلع يغسل إلى حد منابت الشعر في الغالب.
(إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا)(1) مع ما استرسل من اللحية (2)(ومن الأذن إلى الأذن عرضا)(3) لأن ذلك تحصل به المواجهة (4) والأذنان ليسا من الوجه (5) بل البياض الذي بين العذار والأذن منه (6) .
(1) اللحيين بكسر اللام وفتحها، جمعها لحى، وواحدها لحي، وهما عظمان في أسفل الوجه قد اكتنفاه والذقن بفتحتين ويكسر، جمعه أذقان وذقون، مجمع اللحيين من أسفلهما. و (طولا) نصب على التمييز أي من جهة الطول، فيجب غسل ذلك إجماعا، واللحى الأعلى والأسفل في الغسل سواء، وكذلك الذقن ولا خلاف في دخول في غسل الوجه.
(2)
طولا وما خرج منه عن حد الوجه عرضا، لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام فإن اللحية من الوجه ولأنها تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة وهذا مذهب الشافعي، وصحح ابن رجب عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحية.
(3)
أي ما بين الأذنين وفاقا لأبي حنيفة والشافعي وجماهير أهل العلم، لدخوله في مسمى الوجه، ولو عبر ببين لكان أولى، احترازا من دخول الغاية في المغيا.
(4)
أي المقابلة. من: واجهه بوجهه قابله.
(5)
وتقدم أنهما من الرأس.
(6)
أي من الوجه. فيجب غسله لدخوله في مسمى الوجه، نص عليه الخرقي وغيره، وهو مذهب الجمهور إلا أن مالكا قال: ليس من الوجه فلا يجب غسله لكن قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا اهـ ونبه الشارح عليه لأنه يغفل الناس عنه، والبياض الذي فوق الأذنين من الرأس، فيجب مسحه معه.
(و) يغسل (ما فيه) أي في الوجه (من شعر خفيف) يصف البشرة كعذار وعارض (1) وأهداب عين وشارب وعنفقة، لأنها من الوجه (2) لا صدغ وتحذيف، وهو الشعر بعد انتهاء العذار والنزعة (3) .
(1) العذار جانب اللحية وعذار الرجل شعره النابت في موضع العذار، وهو العظم الناتئ سمت صماخ الأذن، أي خرقها السائل على اللحية، والعارض صفحة الخد، وهو ما تحت العذار إلى الذقن، فهو ما ينبت على الخد واللحيين ويستحب تعاهد المفصل بالغسل، وهو ما بين اللحية والأذن نص عليه.
(2)
فيجب غسل تلك المذكورات وما تحتها، لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه، وقال النووي: يغسلها مع الكثافة بلا خلاف اهـ إلا وجها مرجوحا وعلل بأن الكثافة فيها نادرة، وذكر أنه يجب غسل ما على اليد والرجل بلا خلاف لندوره وفي الجنابة مطلقا، لعدم المشقة فيه، لقلة وقوعه، وتقدم أن العنفقة شعيرات بين الشفة السفلى والذقن.
(3)
فالصدغ بضم الصاد هو الشعر الذي بين انتهاء العذار، يحاذي رأس الأذن وينزل عنها قليلا، والتحذيف هو الشعر بعد انتهاء العذار الخارج إلى طرفين الجبين في جانبي الوجه، سمي تحذيفا لأن النساء والأشراف يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه، فلا يغسلهما مع الوجه، بل هما من الرأس، لاتصال شعر هما بشعر الرأس، لم يخرجا عن حده، وفي حديث الربيع، مسح برأسه وصدغيه رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولم ينقل أنه غسلهما مع الوجه وقال النووي صحح الجمهور أن موضع التحذيف من الرأس وقوله: والنزعة بفتح الزاي وقد تسكن وصوابه بين النزعة وانتهاء العذار، كما هو واضح، وهو كذلك في المبدع والإقناع والمنتهى وغيرها.
ولا النزعتان وهما ما انحسر عنه الشعر من الرأس متصاعدا من جانبيه (1) فهما من الرأس (2) ولا يغسل داخل عينيه ولو من نجاسة، ولو أمن الضرر (3) .
(1) أي جانبي مقدمه، لأنه لا تحصل بهما المواجهة، ولدخولهما في حد الرأس.
(2)
يعني النزعتين، لدخولهما في حد الرأس، قال النووي: وأما إذا تصلع الشعر عن ناصيته أي زال عن مقدم رأسه، فلا يجب غسل ذلك الموضع بلا خلاف، لأنه من الرأس، ولو نزل الشعر عن المنابت المعتادة إلى الجبهة فإن عمها وجب غسلها بلا خلاف.
(3)
فلا يغسلهما في وضوء ولا غسل، ولو كان من نجاسة، فإنه يعفى عن النجاسة بعين، ولو أمن الضرر بغسلهما لأنه لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام فعله، ولا الأمر به، قال في الرعاية: يكره، وصححه في الإنصاف، قال مرعي: ويتجه ودمعه طاهر، ويستحب تكثير ماء الوجه، لأن فيه غضونا، وهي التثنى وأسارير جبهته وهي خطوط الجبهة والكف، وهي التكاسير والعطوف والطيات ألفاظ مترادفة ولأن فيه دواخل وخوارج، فيستحب تكثير الماء ليصل إلى جميعه لحديث وكان يتعاهد المأقين رواه أحمد وغيره ووثقه الحافظ، والمأقان هما طرفان الوترة، وهي الحاجز بين ثقبي الأنفن وظاهر شفته وما غار من الأجفان، وإن كانت هذه كلهاداخلة في تحديد الوجه، فنبه لها لأن الماء ينبو عنها، لا جرحا برأ أو خلقا غائرا كثيرا يشق إيصال الماء إليه.
(و) يغسل الشعر (الظاهر) من (الكثيف (1) مع ما استرسل منه) (2) ويخلل باطنه وتقدم (3)(ثم) يغسل (يديه مع المرفقين)(4) وأظفاره ثلاثا (5) ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه (6) .
(1) أي الملتف لحصول المواجهة به، فوجب تعلق الحكم به، قال النووي: لا خلاف في وجوب غسل اللحية الكثيفة، ولا يجب غسل باطنها، ولا البشرة تحته اتفاقا وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقال ابن رشد: هذا مما لا أعلم فيه خلافا، وإذاكان كثيفا وخفيفا فلكل واحد حكمه.
(2)
أي ويغسل ما استرسل من الشعر، أي تدلى ونزل وامتد وانبسط، حتى صار سبطا لا جعدا.
(3)
أي في باب السواك وسنن الوضوء، وشعور الوجه تسعة عشر: اللحيان وهما ما نبت فيهما الأسنان السفلى من الأضراس إلى الثنايا، والذقن وهو مجمع اللحيين والعذران والعارضان وهما ما بين العذارين واللحيين، والحاجبان، وأهداب العينين، والحدان، والعنفقة، والشارب، والسبالان.
(4)
إجماعا، ولنص الآية، ولحديث وائل: غسل يديه حتى جاوز المرفق، رواه البزار وغيره، ولما في الصحيح، غسل يده حتى أشرع في العضد، وغير ذلك من الأحاديث، والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء وتقدم، سمي بذلك لأن المتكئ يرتفق به إذا أخذ براحته رأسه متكئا على ذراعه.
(5)
قال في الرعاية: إجماعا وإن طالت وما ظهر من ثقب أو شق، فيجب إزالة ما به من نحو شمع، بخلاف المستتر منه، وقوله (ثلاثا) صفة للوضوء الكامل لحديث عثمان وغيره.
(6)
كداخل أنف يمنع وصول الماء، وتصح طهارته اختاره الموفق وغيره، وصححه في الإنصاف، قال الشيخ وكل وسخ يسير في شيء من أجزاء البدن
وما يكون بشقوق الرجلين من الوسخ يعفى عنه، وألحق به كل يسير منع، حيث كان من البدن، كدم وعجين ونحوهما، واختاره، ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه وكان الصحابة يحلقون بمنى ثم ينزلون إلى طواف الإفاضة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أعاد مسح رأسه إذا حلقه لطهارة الوضوء، ولأنه لا يعيده لطهارة الجنابة اتفاقا، فطهارة الوضوء أولا.
ويغسل ما نبت بمحل الفرض من إصبع أو يد زائدة (1)(ثم يمسح كل رأسه) بالماء (2) .
(1) قال النووي وغيره: بلا خلاف، لدخول ما نبت في محل الفرض من إصبع زائدة أو يد زائدة في مسمى ما نبت فيه، وكذا في غير محل الفرض، ولم يتميز ليخرج من العهد بيقين وإن تميزت عن محل الفرض ولو طويلة فلا لأنها حينئذ ليست داخلة في مسمى محل الفرض.
(2)
أي بماء جديد غير ما فضل عن ذراعيه لخبر: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه ولأن البلل الباقي في يده مستعمل، ومسح جميع الرأس واجب للآية ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يمسح جميع رأسه، وفعله بيان للآية.
قال أبو داود، ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، وقال الشيخ: ولم ينقل أنه اقتصر على مسح بعض رأسه، وليس في القرآن ما يدل على جواز مسح بعض الرأس، وما يفعله بعض الناس من مسح شعرة أو بعض رأسه بل شعرة ثلاث مرات خطأ مخالف للسنة المجمع عليها.
وقال: اتفق الأئمة كلهم على أن السنة مسح جميع الرأس، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، والحسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أحد منهم أنه اقتصر على بعض رأسه.
وقال النووي وغيره من محققي أصحاب المذاهب، مسح الرأس واجب
بالكتاب والسنة والإجماع، واستيعابه بالمسح مأمور به بالإجماع
وقياس مسح الرأس على مسح الوجه واليدين في التيمم في وجوب الاستيعاب والفعل والباء والأمر في الموضعين سواء، والرأس ما اشتملت عليه منابت الشعر المعتاد، وقال: ما ذهب إليه الشافعية من أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة مذهب ضعيف اهـ ولا يجوز الاقتصار بالمسح على الأذنين عوضا عن مسح الرأس بالإجماع، ولا يعتبر الأفرع، ولا الأجلح، والنزعتان منه، والصدغان، على ما تقدم، والمطلوب مسح ظاهر الرأس، فلو مسح البشرة لم يجزئه، ولا على معقوص في محل الفرض، ولا على مخضوب بما يمنع وصول الماء، ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، لعدم مشاركته للرأس، لا إن عقد النازل فوق الرأس فيمسحه.
(مع الأذنين مرة واحدة)(1) فيمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه (2) .
(1) لحديث ابن عباس: مسح برأسه وأذنيه باطنهما وظاهرهما، صححه الترمذي وغيره، وقال: العمل عليه عند أكثر أهل العلم، فيجب مسحهما معه لأنهمامنه وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وعنه يستحب، قال الشارح: هذا ظاهر المذهب، واختاره الشيخ وجزم به في العمدة، وحكى ابن جرير وغيره الإجماع على صحة طهارة من ترك مسحهما ولا يستحب تكرار مسح الرأس، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، لأن أكثر من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح الرأس مرة واحدة، وقال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة، وقال ابن القيم: والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس، هكذا جاء عنه صريحا، ولم يصح عنه خلافا البتة اهـ وقال غير واحد، أجمع الناس قبل الشافعي على عدم التكرار، وحكي عنه مرة، واختاره البغوي والبيهقي وغيرهما.
(2)
القفا مقصور، مقدم العنق، قال اللخمي: ولا خلاف أنه لو اقتصر على ذلك ولم يردهما لأجزأه اهـ والسنة ردهما إلى مقدم رأسه، كما سيأتي.
ثم يردهما إلى الموضع الذي بدأ منه (1) ثم يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه (2) ويمسح بإبهاميه ظاهرهما (3) ويجزئ كيف مسح (4) .
(1) لحديث عبد الله بن زيد أنه عليه الصلاة والسلام مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، رواه الجماعة قال بعض أهل العلم: يضع أحد طرفي سبابتيه على طرف الأخرى ويضعهما من مقدم رأسه ويضع الإبهامين على الصدغين ثم يمرهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى مقدمه، نص عليه وهوالمشهور والمختار للأخبار وقيل غير ذلك، ولا فرق بين من خاف انتشار شعره وغيره، وهذه الصفة متفق عليها بين المسلمين اتباعا للسنة المتظاهرة.
(2)
السبابة الإصبع التي تلي الإبهام سميت بذلك للإشارة بها عند السب، وهي المسبحة والصماخ بكسر الصاد الخرق المفضي من الإذن إلى الرأس، أي فيدخلهما فيهما ويديرهما.
(3)
وهكذا وصف ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه النسائي، ولا يجب مسح ما استتر بالغضاريف، وهي دواخل قوف الإذن، لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر، فالأذن أولى.
(4)
أي على أي صفة مسح رأسه كفى، إذا عم جميعه بيده، أو بحائل خرقة مبلولة وغيرها، ويجزئ أيضا غسل رأسه مع إمرار يده، لحديث معاوية: غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه، رواه أبو داود، قال ابن المنذر: ولا نعلم خلافا في أن غسله يجزئ وهو خلاف الأولى اهـ ومن رحمة الله تعالى أن أقام مسحه في الوضوء مقام غسلة تخفيفا ورحمة إذ لو شرع غسله في الوضوء لعظمت المشقة، وإمساس العضو بالماء امتثالا لأمر الله وطاعة له وتعبدا يؤثر في نظافته وطهارته مالا يؤثر بالماء بدون نية.
(ثم يغسل رجليه) ثلاثا (مع الكعبين)(1) أي العظمين الناتئين في أسفل الساق من جانبي القدم (2)(ويغسل الأقطع بقية المفروض)(3) .
(1) أي كعبي كل رجل، لأن مقابلة الجمع بالجمع يقتضي توزيع الأفراد على الأفراد، وغسل الرجلين مع الكعبين واجب بالكتاب والسنة والإجماع لآية (وأرجلكم) وللنصوص المتواترة المشهورة في الصحيحين وغيرهما، منها حديث عثمان، وحديث علي، وحديث ابن عباس وأبي هريرة، وعبد الله بن زيد والربيع وعمرو بن عبسة وغيرهم، وقيل: الواجب المسح، وقيل: يجمع بينهما قال الشيخ: وهذه المذاهب باطلة بإجماع المسلمين لآية (وأرجلكم) وللنصوص المتواترة وفي الصحيحين ويل للأعقاب من النار، ولحديث صاحب اللمعة، وحديث عمرو بن شعيب، وفيه: ثم غسل رجليه ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم، وهو حديث صححه أئمة الحديث ولغير ذلك من الأحاديث، وقوله ثلاثا صفة للكامل، لحديث عثمان وغيره، والطهارة ثلاثا ثلاثا في غير مسح الرأس سنة إجماعا.
(2)
قاله أبو عبيد وغيره، وتقدم ذكر الاتفاق عليه واشتاقه من التكعب وهو التوسع مع الاستدارة لما سبق ويصب الماء بيمينه يديه على كلتا رجليه ويغسلهما باليسرى ندبا.
(3)
أي يغسل مقطوع اليد أو الرجل بقية المفروض أصلا وتبعا وجوبا بلا خلاف، ومن خلق بلا مرفق ونحوه غسل إلى قدره من غالب الناس، وكالوضوء تيمم، فالأقطع من مفصل يمسح محل القطع بالتراب، ومن دونه يمسح ما بقي من محل الفرض، ومن فوقه يستحب له مسح قطع بتراب.
لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه (1)(فإن قطع من المفصل) أي مفصل المرفق (غسل رأس العضد منه)(2) وكذا الأقطع من مفصل كعب يغسل طرف ساق (3)(ثم يرفع نظره إلى السماء) بعد فراغه (4) .
(1) فإذا غسل بقية المفروض فقد أتى ما استطاع حسا وشرعا.
(2)
أي من مفصل المرفق والمفصل كمجلس واحد مفاصل الأعضاء، وهو كل ملتقى عظمتين من الجسد، والعضد بالدال غليظ الذراع الذي بين المرفق والكتف.
(3)
الساق مؤنثة مهموزة وجمعها سوق وسوق سيقان وأسوق، ما بين الركبة والقدم، أي ومثل الأقطع من مفصل المرفق في الحكم الأقطع من مفصل كعب، والأقطع من دونهما يغسل ما بقي من محل الفرض، فإن لم يبق شيء
من محل الفرض، بأن كان القطع من فوق مرفق وكعب سقط الغسل بلا نزاع، لعدم محله، لكن يستحب له مسحه بالماء، لئلا يخلو العضو من طهارة حكاه غير واحد.
وقال ابن القيم وغيره: وإن وجد أقطع ونحوه من يوضئه بأجرة مثل وقدر عليها بلا ضرر لزمه، فإن لم يجد ووجد من ييممه لزمه، وإن لم يجد صلى على حسب حاله.
وقال الموفق والنووي وغيرهما: لا نعلم فيه خلافا، ولا إعادة عليه، اختاره الموفق والمجد والشيخ وغيرهم، واستنجاء مثله، وإن تبرع أحد بتطهيره لزمه ذلك.
(4)
أي يسن لمن فرغ من وضوئه رفع بصره إلى السماء، لما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع نظره إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله إلخ، وكذا الغسل والتيمم مثلهما قياسا عليهما وقيل: يستحب أن
يأتي بالذكر متوجها إلى القبلة كما في حالة الوضوء وغيره من الطاعات لما في الصحيح عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة فدعا على نفر من قريش.
(ويقول ما ورد)(1) ومنه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله (2)(وتباح معونته) أي معونة المتوضئ (3) .
(1) أي يسن أن يقول بعد فراغه من الوضوء ما ورد من الأدعية في ذلك باتفاق أهل العلم، وكذا التيمم، لأنه طهارة كالوضوء فسن الذكر بعده كالوضوء.
(2)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث عمر ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد إلخ، إلا وفتحت له أبواب الجنة الثمانية، وزاد الترمذي وغيره، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، والتوابين جمع تواب، صيغة مبالغة وهو كثير التوبة، والمتطهر الذي لا ذنب له، زاد بعضهم واجعلني من عبادك الصالحين واجعلني من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ويستحب أن يضم إليه ما روى ابن ماجه والحاكم وغيرهما سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك، ولما كان الوضوء طهارة الظاهر ناسب ذكر طهارة الباطن بالتوحيد والتوبة، وهما أعظم المطهرات وإذا اجتمع له الطهوران صلح للدخول على الله، والوقوف بين يديه، ومناجاته وأما الأذكار التي تقال عند غسل كل عضو من أعضاء الوضوء، فقال النووي: وغيره: كذب مختلق لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم منها شيء، ولا علمه أمته، ولا ثبت غير ما تقدم، وقال الشيخ وتلميذه وغيرهما، والأذكار التي تقولها العامة عند كل عضو بدعة لا أصل لها، لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، ولا التابعين ولا الأئمة الأربعة.
(3)
كتقريب ماء الغسل، أو الوضوء إليه، أو صبه عليه لحديث المغيرة
صببت عليه فتوضأ وضوءه للصلاة، متفق عليه، واستعان بأسامة في صب الماء على يديه، وصب عليه صفوان في الحضر والسفر، والمتوضئ من اتصف بالوضوء والمعونة والإعانة، بمعنى العون الظهير على الأمر والخادم، وقد استمر أمره عليه الصلاة والسلام بعدم الاستعانة فيه، وقال أحمد: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد لأن عمر قال ذلك، فأما تقريب وضوئه ونحوه فلا بأس به، ولا يقال إنه خلاف الأولى، لما ثبت في مواطن كثيرة، وأما غسل أعضائه لغير عذر فيكره وكذا صب الماء فخلاف الأولى، قطع به البغوي وغيره.
وسن كونه عن يساره (1) كإناء ضيق الرأس (2) وإلا فعن يمينه (3)(و) يباح له (تنشيف أعضائه) من ماء الوضوء (4)
(1) ليسهل تناول الماء عند الصب، وأعون وأحسن في الأدب، وفي سنيته نظر، وليس في حديث المغيرة ولا أسامة ولا صفوان ولا غيرهم أنهم كانوا عن يساره.
(2)
ليسكب الماء بيساره في يمينه.
(3)
أي وإلا يكن الإناء ضيق الرأس، بل كان واسعا فيجعله عن يمينه لفعله عليه الصلاة والسلام ولأنه أمكن لنقل الماء إلى الأعضاء.
(4)
أي مسحة بخرقة ونحوها، لحديث سلمان، توضأ ثم قلب جبة كانت عليه فمسح بها وجهه، رواه ابن ماجه وغيره، وحديث قيس بن سعد: ناوله ملحفة فاشتمل بها، رواه أحمد وأبو داود، وللبيهقي: كان له خرقة ينشف بها بعد الوضوء، ولأنه إزالة للماء عن بدنه، أشبه نفضه بيديه، وروي أخذ المناديل عن كثير من أهل العلم، ورخص فيه مالك والشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم، ولا يستحب اتفاقا قال ابن عباس: كانوا لا يرون بالمنديل بأسا، ولكن يكرهون العادة وقطع جمهور المحققين باستحباب تركه، وحكاه إمام الحرمين عن الأئمة الأربعة وغيرهم، ولا يحرم إجماعا، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث البتة، ولا يكره نفض يديه، لحديث ميمونة أتيته بالمنديل فرده، وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه.
ومن وضأه غيره ونواه هو صح، إن لم يكن الموضئ مكرها بغير حق (1) وكذا الغسل والتيمم (2) .
(1) أي وأي إنسان وضأه غيره ونوى المفعول به ذلك صح بلا خلاف يعتد به، لأنه المخاطب، سواء كان الفاعل مسلما أو كافرا، لوجود النية من الموضأ وفي الحديث وإنما لكل امرئ ما نوى، فإن لم ينوه لم يصح ولو نواه الفاعل، وأبرز الضمير لئلا يتوهم أنه عائد على الفاعل، وهو ليس كذلك، ومفهومه أنه إن كان الفاعل مكرها بغير حق لم يصحن قال بعض الأصحاب، وقواعد المذهب تقتضي الصحة إذا أكره الصاب ولو بغير حق، لأن الصب ليس بركن ولا شرط، وإن كان مكرها بحق كرقيقه وأجيره صح بلا خلاف يعتد به.
(2)
أي حكمهما حكم الوضوء في المعونة والتنشيف، وحكى النووي عن طائفة من أهل العلم أن الأفضل أن يلي المتوضئ، وكذا المغتسل والمتيمم ذلك بنفسه لنفسه فإن ولي ذلك غيره أجزأ وحكى عن طائفة منهم أن ذلك لا يجزئه قال: ومنهم مالك، والذي يظهر من مذهبه وقوله خلاف ذلك، إلا أن يفعله استنكافا عن عبادة الله واستكبارا عنها وتهاونا بها.
باب مسح الخفين
وغيرهما من الحوائل (1) وهو رخصة (2) .
(1) كالجوربين والجرموقين والعمامة والخمار والعصابة ونحو ذلك، وعبر بعضهم بمسح الحائل وهو أشمل، والمسح لغة: إمرار اليد على الشيء، وشرعا: إصابة البلة لحائل مخصوص في زمن مخصوص، والحف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل، سمي بذلك لخفته، وهو شرعا: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه، أعقبه الوضوء لأنه بدل عن غسل ما تحته، وحيث أنه يجوز أن يعدل إليه المتوضئ، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر وأمره بذلك وترخيصه فيه، قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وقال النووي: روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة، ويأتي قول الإمام أحمد: ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه، واتفق عليه أهل السنة والجماعة وقال ابن القيم: صح في الحضر والسفر، ولم ينسخ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومال الشيخ إلى أن السنة ليست معارضة لآية المائدة بل مبينة، ومال أيضا إلى أن حمل قراءة الآية بالخفض على مسح الخفين.
(2)
أي المسح رخصة، وهي لغة الانتقال من صعوبة إلى سهولة، وشرعا، ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وفي الحديث إن الله يحب أن يؤخذ برخصة وعنه عزيمة وهي لغة: القصد المؤكد، وشرعا، حكما ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح، وهما وصفان للحكم الوضعي، والفرق بينهما أن الرخصة ما جاء على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وهي لا تستباح بالمعاصي، والعزيمة، ما جاء على وفق دليل شرعي خال عن معارض راجح، وهي ما جاز فعلها، ولو في حال المعصية.
وأفضل من غسل (1) ويرفع الحدث (2) ولا يسن أن يلبس ليمسح (3)(يجوز يوما وليلة) لمقيم (4) .
(1) لقوله عليه الصلاة والسلام بهذا أمرني ربي، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ولحديث صفوان: أمرنا أن لا ننزع خفافنا الحديث صححه الترمذي، ولحديث إن الله يحب أن تؤتي رخصه، ومخالفة لأهل البدع، ولأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه إنما طلبوا الأفضل.
وقال الشيخ: الأفضل في حق كل واحد ما هو الموافق لحال قدمه، فالأفضل للابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزع خفيه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والأفضل لمن قدماه مكشوفتان غسلهما، وقد يجب المسح كما سيأتي أو يكره.
(2)
أي ويرفع المسح على الحائل الحدث عما تحته نص عليه، وإن كان موقتا لأنه طهارة بالماء أشبه الغسل، ولأن رفع الحدث شرط للصلاة مع القدرة فلو لم يحصل بالمسح لما صحت الصلاة به.
(3)
أي لا يسن أن يلبس خفا ونحوه ليمسح.
قال الشيخ: ولا يتحرى لبس الخف ليمسح إنما كان عليه الصلاة والسلام يغسل قدميه إن كانتا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابسا للخف، وقال ابن القيم: ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانت في الخف مسح عليهما، وإن كانت مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه.
قال الشيخ: وهذا أعدل الأقوال.
(4)
أي يجوز في الوضوء بدلا عن غسل الرجلين المسح على الخفين ونحوهما
لا على خف رجل واحدة مع غسل الأخرى، يوما وليلة لمقيم، قال النووي وغيره: بلا خلاف سواء سبق اليوم ليلته أو لا، ولو أحدث في أثناء النهار اعتبر قدر الماضي منه كما يأتي، وتعبيرهم (بيجوز) فيه تنبيه على أنه لا يجب ولا يسن، ولا يحرم، ولا يكره، إلا إن أحدث ومعه ماء يكفي المسح فقط، أو خاف فوت الجمعة أو الجماعة، أو عرفة أو إنقاذ أسير، أو تعينت عليه صلاة الميت، وخاف انفجاره، أو خاف خروج الوقت إذا اشتغل بالطهارة أو نحو ذلك، وجب وحرم تركه أو ترك المسح رغبة عن السنة، أو شكا في جوازه كره أو حرم.
ومسافر لا يباح له القصر (1)(ولمسافر) سفرا يبيح القصر (ثلاثا) أيام (بلياليها)(2) لحديث علي يرفعه «للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة» رواه مسلم (3) .
(1) كعاص بسفره ونحوه، ثم يخلع كالمقيم، فلا يستبيح به الرخصة وكذا مسافر دون المسافة، وتعليل بعض الأصحاب لا يدل عليه نص من كتاب ولا سنة ولا قياس، بل الإطلاق يدل على جوازه مطلقا، وهو مذهب الجمهور.
(2)
بلا خلاف قاله النووي وغيره، واختار الشيخ وغيره ما سمي سفرا، لعدم التحديد ويأتي في بابه.
(3)
ورواه أهل السنن وأحمد وصححه وقال: هو مرفوع يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر إلخ وأخرج أحمد والترمذي وصححه عن صفوان أمرنا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثا إذا سافرنا ويوما وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم، ولكن من جنابة، قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح، لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري: وليس في التوقيت أصح من حديث صفوان فدل على التوقيت وعلى اختصاصه بالوضوء دون الغسل وهو إجماع، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الحسنة والصحيحة، وقال الترمذي: هو قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال الخطابي: هو قول عامة الفقهاء، وقال الطحاوي: ليس لأحد أن يترك الآثار المتواترة في التوقيت إلى مثل حديث ابن عمارة.
ويخلع عند انقضاء المدة (1) إن خاف أو تضرر رفيقه بانتظاره تيمم (2) فإن مسح وصلى أعاد (3) وابتداء المدة (من حدث بعد لبس (4) على طاهر) العين فلا يمسح على نجس ولو في ضرورة (5) .
(1) لمفهوم أحاديث التوقيت.
(2)
أي فإن خاف من النزع لنحو مرض تيمم، أو خاف تضرر رفيقه وفي الاختيارات، لا تتوقت مدة المسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد.
(3)
أي فإن مسح بعد انقضاء المدة وصلى أعاد، لانقضاء وقته، نص عليه، وقيل: يمسح كالجبيرة اختاره الشيخ، ويأتي قوله: لا ينتقض وضوءه بانقضاء المدة.
(4)
أي ووقت ابتداء مدة المسح من وقت جواز مسح بعد حدث عند الجمهور، وفي رواية في حديث صوفان من الحدث إلى الحدث، ولأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها لامن وقت مسح، وعنه منه اختاره المنذري وقال النووي: هو أصح دليلا بعد لبس بضم اللام إلى مثله من الثاني، وإلى الرابع: لأن وقت المسح يدخل بذلك فاعتبرت مدته منه، فيمسح فيها لما يشاء من الصلوات، وإن مضت المدة بع الحدث ولم يمسح فيها فليس له المسح، ويخلع لفراغ مدته، وما لم يحدث فلا تحتسب المدة، وكذا من المسح على القول به.
(5)
لأن نجس العين منهي عنه، فلا يصح المسح عليه خفا كان أو غيره.
ويتيمم معها لمستور (1)(مباح) فلا يجوز المسح على مغصوب (2) ولا على حرير لرجل (3) لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة (4)(ساتر للمفروض)(5) ولو بشده أوشرجه (6) .
(1) أي يتيمم مع الضرورة من لبس نجسا ساترا للعضو كخف نجس العين، وكذا إن كان النجس عمامة أو جبيرة فإنه يتيمم عند الضرورة بدل غسل ما ستر بذلك النجس، وقالوا يعيد ما صلى به لأنه حامل للنجاسة، ومن فعل ما أمر به بحسب وسعه فلا إعادة عليه، وليس في الشريعة إيجاب الصلاة مرتين إلا بتفريط، فإن كان طاهر العين وتنجس باطنه صح المسح عليه، ويستبيح به مس المصحف، ولا صلاة إلا بغسله أو عند الضرورة.
(2)
ولا تستباح به الرخصة قاله الشيخ وغيره، ولو لضرورة فقوله:(مباح) أي مطلقا مع الضرورة وعدمها، وقيل: إلا لضرورة برد ونحوه، وقيل: يجوز مطلقا، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن المعصية لا تختص اللبس، فلو تركه لم يزل إثم الغصب.
(3)
ولو محرما لبسهما لحاجته، بأن لم يجد النعلين، لأن شرط الممسوح إباحته مطلقا، وهما لا يباحان للمحرم مطلقا، بل في بعض الأحوال.
(4)
فإن صلى أعاد الطهارة والصلاة.
(5)
أي فلا يجوز المسح على ما لا يستر محل الفرض، وهو القدم، قالوا: حكم ما استتر المسح، وما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع بينهما، فوجب الغسل، لأنه الأصل، قال الشيخ: وقولهم: إن فرض ما ظهر الغسل وما بطن المسح، خطأ بالإجماع، والشارع أجاز المسح على الخفين مطلقا، ولم يشترط الستر فلا أصل له.
(6)
أي ربطه بخيط ونحوه، أو شرجه بالعري والأزرار قبل اللبس أو بعده، قبل الحدث، بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض.
كالزربول الذي له ساق وعرى يدخل بعضها في بعض (1) فلا يمسح ما لا يستر محل الفرض لقصره أو سعته أو صفائه (2) أو خرق فيه وإن صغر حتى موضع الخرز (3) فإن انضم ولم يبد منه شيء جاز المسح عليه (4) .
(1) فيستتر بذلك محل الفرض فيصح بذلك المسح عليه، يعني على الزربول وهو نوع من الخفاف عامية جمعه زرابيل، والعرى هي العيون التي توضع فيها الأزرار، جمع عروة، كمدية ومدى.
(2)
أي بحيث يظهر بعض محل الفرض لقصره، أو يرى بعض محل الفرض لسعته، أو يصف البشرة لصفائه، كزجاج رقيق، أو خفته كجورب رقيق، ويجب الغسل.
(3)
أي ولا يمسح على الخف لخرق في الخف وإن صغر الخرق، قال الشيخ: ومذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير، وهو أصح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه، واختار جواز المسح على المخرق، إلا أن يتخرق أكثره، مادام اسمه باقيا، والمشي فيه ممكنا، وإلا فكالنعل، وقال: معلوم أن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتق أو خرق، وكان كثير من الصحابة فقراء، والعادة في اليسير لا يرقع، ولما ورد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسح حمل على الإطلاق، والتحديد لا بد له من دليل، قال: والشارع علق المسح بمسمى الخف، ولم يفرق بين خف وخف، فيدخل في ذلك المفتوق والمخروق وغيرهما من غير تحديد، ومن فرق بين هذا وهذا فقد فرق بين ما جمع الله بينه فرقا لا أصل له.
(4)
أي فإن انضم الخرق ونحوه بلبسه جاز المسح عليه، لحصول الشرط، وهو ستر محل الفرض، ولا يعتبر موالاة المشي فيه.
(يثبت بنفسه)(1) فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه (2) وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما ما دامت مدته (3) ولا يجوز المسح على ما يسقط (4)(من خف) بيان لطاهر (5) أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفا (6) قال الإمام أحمد: ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7) .
(1) في الساق، ولا يسترسل عند المشي.
(2)
لفوات شرطه نص عليه، وقال الشيخ: فيه وجهان، أصحهما أنه يمسح عليه، وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد، بل المنصوص عنه أنه يجوز المسح على الجوربين فغيرهما أولى، فلو لم يثبت الملبوس إلا بشده بخيط متصل أو منفصل جاز المسح عليه.
(3)
أي مسح على أحدهما قدر الواجب إلى خلعهما ما دامت مدة المسح.
(4)
أي لا يصح المسح على خف يسقط أي يخرج من القدم إلا بشده.
(5)
أي في قولهما السابق: بعد لبس على طاهر العين.
(6)
فلا يشترط كون الخف يمنع نفوذ الماء، ولا كونه معتادا، فيصح المسح على خف من جلود أو لبود أو خشب أو حديد أو زجاج لا يصف البشرة حيث أمكن المشي فيه، قيل: بقدر ما يتردد المسافر في حاجته، لأن ما لا يمكن متابعة المشي عليه لا تدعو الحاجة إليه فلم تتعلق به الرخصة، ولو قال: على خف طاهر يمكن إلخ لكان أولى،.
(7)
وذكر ابن مندة من رواه فكانوا ثمانين صحابيا، منهم العشرة رضي الله عنهم.
(وجورب صفيق)(1) وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد، لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي (2)(ونحوهما) أي نحو الخف والجورب كالجرموق (3) .
(1) ضد الخفيف الذي يصف القدم من صوف أو غيره نعل أولا، وقال الزركشي: غشاء من صوف يتخذ للدفاء، أي فيجوز المسح عليه، قال في الإنصاف: بلا نزاع، إن كانا منعلين أو مجلدين، وكذا إن كانا من خرق على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وجمع الجوارب جوارب وجوارة أعجمي معرب.
(2)
وصححه غيره، فرواه أحمد وأهل السنن عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وقال ابن المنذر، يروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، قال في المبدع: فكان كالإجماع، ولأن الجورب في معنى الخف لأنه ساتر لمحل الفرض، وورد أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه، رواه أبو داود وغيره، وحمل على أنه إذا لبسهما فوق الجوربين، وأما الخفان المقطوعان والنعلان وكلما يلبس تحت الكعبين من مداس وجمجم وغيرها فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين.
(3)
بضم الجيم، نوع من الخفاف، قال الجوهري: الذي يلبس فوقه لحفظه من الطين وغيره، وقال ابن سيدة: خف صغير، وقال النووي: شيء يشبه الخف فيه اتساع، يلبس فوق الخف في البلاد الباردة، وهو معرب يعني من سرموزة وكذا كل كلمة فيها جيم وقاف، قاله غير واحد من أهل اللغة، وتعريب الاسم العجمي وإعرابه هو أن يتفوه به العرب على مناهجها، بتغيير ما يقال: عربته العرب وأعربته.
ويسمى الموق (1) وهو خف قصير، فيصح المسح عليه (2) لفعله عليه السلام رواه أحمد وغيره (3)(و) يصح المسح أيضا (على عمامة) مباحة (4)(لرجل) لا لامرأة (5) لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة، قال الترمذي: حسن صحيح (6) .
(1) بضم الميم فارسي معرب من موزة.
(2)
لأنه ساتر محل الفرض، أشبه الخف، وجواز المسح عليه مذهب جمهور العلماء، وقال أبو حامد، هو قول كافة العلماء.
(3)
فرواه الترمذي وأبو داود عن بلال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين، ومن تدبر ألفاظ الشريعة وأعطى القياس حقه علم أن الرخصة في هذا الباب واسعة، وأن ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلة على رفع الحرج عن هذه الأمة بلغت مبلغ القطع (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ومقصود الشارع من مشروعية الرخصة، الرفق عن تحمل المشاق، فالأخذ بها مطلقا موافقة لقصده.
(4)
لا محرمة كمغصوبة أو حرير، والعمامة هي ما يلف على الرأس، جمعها عمائم وعمام.
(5)
لأنها منهية عن التشبه بالرجال، فلا تمسح عليها، وقيل: يجوز لحاجة برد ونحوه، وأما ما تقدم من المسح على الخفين فحكمها حكم الرجل بلا نزاع، لأنه معتاد لها، ولأنه أقيم مقام الغسل فاستويا فيه كالتيمم.
(6)
ومعناه عند مسلم وروي البخاري عن عمرو بن أمية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه، ولأبي داود عن ثوبان: أمرهم أن يمسحوا على العصائب، يعني العمائم، وله عن بلال ويمسح على عمامته، وأحاديث المسح عليها أخرجها غير واحد من الأئمة البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم من طرق قوية متصلة، ولأنه عضو سقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائل دونه كالرجل في الخف، وقال عمر: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله، وقال به أبو بكر وغيره، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، وهو مذهب جماعة من السلف وظاهر الأحاديث.
هذا إذا كانت (محنكة)(1) وهي التي يدار منها تحت الحنك كور بفتح الكاف فأكثر (2)(أو ذات ذؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة (3) وهي طرف العمامة المرخى (4) فلا يصح المسح على العمامة الصماء (5) .
(1) لأنها عمامة العرب، ويشق نزعها، وهي أكثر سترا قال الجوهري: الحنك ما تحت الذقن من الإنسان.
(2)
أي أكثر من كور، والكور مصدر، وكل كور دور.
(3)
سميت بذلك تشبيها لها بذؤابة الشعر.
(4)
لأن إرخاءها سنة، وذكر شيخ الإسلام سبب إرخائها أنه صلى الله عليه وسلم اتخذها صبيحة المنام بالمدينة، لما رآى رب العزة، فقال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفي، فعلمت ما بين السماء والأرض صححه البخاري، وعن ابن عمر أنه كان يعتم بين كتفيه، وقال: عمم النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع، أي فيصح المسح عليها إذا كانت كذلك، اختاره الموفق وابن عقيل والشيخ وغيرهم، وقال في شرح العمدة: يشترط أن يكون للعمامة ذؤابة أو محنكة، لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة، وقد نهي عن التشبه بهم، فلم يستبح بها الرخصة، كالخف المغصوب.
(5)
يعني غير المحنكة أوذات الذؤابة لأنها لم تكن عمة المسلمين، ولا يشق نزعها، وروي أبو عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن
الإقتعاط وكان أحمد يكرهه كراهة شديدة وقال الشيخ: لا ترتقي إلى التحريم قال في الفروع، ولعل ظاهر من جوز المسح إباحة لبسها، وهو متجه لأنه فعل أبناء المهاجرين والأنصار وفي المبدع: ذكر ابن شهاب وغيره وجها بالجواز، وقالوا: لم يفرق أحمد، وفي مفردات، ابن عقيل، هو مذهبه، واختاره الشيخ تقي الدين وقال: هي كالقلانس المبطنة وأولى، لأنها في الستر ومشقة النزع لا تقصر عنها.
ويشترط أيضا أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه (1) كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فيعفى عنه لمشقة التحرز منه (2) بخلاف الخف (3) ويستحب مسحه معها (4)(و) على (خمر نساء مدارة تحت حلوقهن)(5) .
(1) لأن العمامة نابت عن الشعر.
(2)
ولا يجب مسح مقدم الرأس، ولا يجب مسح الأذنين معها، لأنه لم ينقل قال الشارح: لا نعلم فيه خلافا وكذا جوانب الرأس.
(3)
أي فلا بد من ستر جميع المفروض.
(4)
أي مسح ما جرت العادة بكشفه مع العمامة، كمقدم الرأس ونحوه، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح بناصيته، قال الشيخ: ومن فعل ما جاءت به السنة من المسح بناصيته وعمامته أجزأه مع العذر بلا نزاع، وأجزأه بدون العذر عند الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى.
(5)
خمر بضم الخاء والميم وقد تسكن، جمع خمار، وهو النصيف والقناع، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، وكل ما ستر شيئا فهو خمار، أي يصح المسح على خمر نساء، مدارة تلك الخمر تحت حلوقهن، لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، ذكره ابن المنذر، وروى الإمام أحمد عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخمار، ولفظ سعيد بن منصور: على النصيف. وقال الشيخ في خمر النساء من الرخصة التي تشبه أصول الشريعة، وتوفق الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن خافت من البرد ونحوه مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تمسح على خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء اهـ، والنساء من الجموح التي لا واحد لها من لفظها كالرهط والقوم وكذا النسوة.
لمشقة نزعها كالعمامة بخلاف وقاية الرأس (1) وإنما يمسح جميع ما تقدم (في حدث أصغر)(2) لا في حدث أكبر بل يغسل ما تحتها (3)(و) يمسح على (جبيرة) مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما (4)(لم تتجاوز قدر الحاجة) وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه (5) .
(1) أي فإنه لا يشق نزعها فتشبه طاقية الرجل قال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يشق نزعها كطاقية الرجل.
(2)
يعني ما تقدم من الخفين والعمامة ونحوهما.
(3)
أي ما تحت الحوائل من خف وعمامة ونحوهما إجماعا.
(4)
كوجع وعصابة شد بها رأسه أو غيرها، وسميتا جبيرة تفاؤلا، قال بعض أهل اللغة: وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح ليلتئم فعلية بمعنى فاعلة، وقال الأزهري وغيره: هي الخشب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر فتشد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها جبارة بكسر الجيم، وجبيرة بفتحها وهما بمعنى، وفي الحاوي: الجبيرة ما كان على الكسر واللصوق بفتح اللام ما كان على قرح.
(5)
وما لا بد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح، لأنه لا بد أن توضح على طرفي الصحيح ليرجع على الكسر، والمسح على الجبيرة مجمع عليه.
بحيث يحتاج إليه في شدها (1) فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها (2) فإن خشي تلفا أو ضررا تيمم لزائد (3) ودواء على البدن تضرر بقلعة كجبيرة في المسح عليه (4) .
(1) لأنه موضع حاجة فتقدر بقدرها، أي فيجب تعميم الجبيرة التي تتجاوز قدر الحاجة مرة واحدة لضرورة المشقة بكشفها، وإلا فمسح الجرح البارز أولى من مسح الجبيرة نص عليه، والقياس والآثار تشهد بصحة ذلك.
(2)
أي فإن تجاوز شدة الجبيرة محل الحاجة من وضعها نزعها، وظاهره أنه ينزع جميعها وجوبا، واستظهر بعضهم أنه لا يلزمه إلا نزع ما زاد على قدر الحاجة، إلا أن يصور ذلك بما إذا كان الشد بجميعه في غير محل الحاجة، ويمكن أن يصور أيضا بما إذا لم يتمكن من نزع الزائد إلا بنزع الكل، وقال الزركشي لأن المجاوزة إنما تقع غالبا لسهو أو غفلة أو دهشة فمنع الرخصة نادر في ذلك ومع الخوف من النزع فيه حرج ومشقة، وتعمد ذلك نادر فلا يفرد بحكم وفيه وجه يخزئ المسح على الزائد، اختاره الحلال وغيره، لأنه قد صارت ضرورة عليه، أشبهت موضع الكسر، وسهل فيه أحمد، لأنه مما لا ينضبط وهو شديد جدا، فلا بأس كيفما شدها.
(3)
على قدر الحاجة، وغسل ما سوى ذلك، فيجمع إذا بين الغسل والمسح والتيمم قيل ذلك خروجا من الخلاف، وقال غير واحد، لا يحتاج مع مسحها إلى تيمم، لأنه محل واحد فلا يجمع فيه بين بدلين كالخف، وإن لم يكن عليه عصابة وضر مسحه غسل الصحيح وتيمم للجريح.
(4)
وكذا لصوق على جرح ونحوه، ولو قارا في شق، أو كان بأصبعه فألقمها مرارة، أو فصاد وخاف انفجار الدم بإصابة الماء كجبيرة، فيجوز المسح عليه نص عليه، وروي عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة، وكان يتوضأ عليها.
(ولو في) حدث (أكبر)(1) لحديث صاحب الشجة (2)«إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها، ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود (3) .
(1) فيجوز المسح عليها، لا على غير الجبيرة ونحوها في الطهارة الكبرى إجماعا لأن الضرر يلحق بنزعها بخلاف غيرها من الحوائل.
(2)
اشتهر بذلك وهو: عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يقول بيديه هكذا الحديث.
(3)
ورواه ابن ماجه وغيره وصححه ابن السكن لكن ما ورد عن ابن عباس بدون ذكر التيمم قال الحافظ لم يقع عن عطاء عن ابن عباس ذكر التيمم فثبت أن الزبير بن خريق تفرد بها، ويشهد له حديث علي: انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر، رواه ابن ماجه وروي عن ابن عمر أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح عليهما وعلى العصابة، وغسل ما سوى ذلك، وقال في المبدع: وهو قول ابن عمر ولم يعرف له مخالف ولأنه عضو تعذر غسله بالماء فمسح ما فوقه كشعر الرأس، وقياسا على مسح الخفين، والعمامة وقال الشيخ: مسح الجبيرة يقوم مقام غسل نفس العضو، لأنه مسح على حائل فأجزأ من غير تيمم، كمسح الخف بل هو أولى اهـ. والعضد الضم، والعصب الشد، أي يمسح على تلك الشجة بعد العضد، أي ضم بعضها إلى بعض أو العصب أي الشد عليها بخرقة ونحوها، من عصب الشيء لواه وشده لأنه مسح أبيح للضرورة أشبه التيمم، والذي في سنن أبي داود يعصر، بدل يعضد قال شارحه أي يقطر عليها الماء، والمراد به أن يمسح على الخرقة.
والمسح عليها عزيمة (1)(إلى حلها) أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برء ما تحتها (2) وليس مؤقتا كالمسح على الخفين ونحوهما، لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدرها (3) .
(1) فيمسح عليها العاصي بسفره، وتقدم تعريف العزيمة، والحاصل أنه إن كان في أعضاء الوضوء جرح وهو محدث الحدث الأصغر، أو في جسده جرح وهو محدث الحدث الأكبر، فإن قدر على غسل الجرح من غير ضرر وجب عليه غسله في الوضوء والغسل، وإن خاف من غسله بالماء ضرر بدنه وجب عليه غسله في الوضوء والغسل، وإن خاف من غسله بالماء ضرر بدنه أو زيادته أو تأخر برئه فله أن يمسح على ذلك العضو مباشرة، فإن خاف من وصول البلل إليه من المسح ضررا فإنه يجعل عليه جبيرة ثم يمسح على الجبيرة، والمسح واحدة ولو كان على موضع يغسل ثلاثا فإن شأن المسح التخفيف.
(2)
حلها بفتح الحاء أن نقضها من حل العقدة يحلها حلا نقضها وفكها وفتحها، وإذا زالت فكخف، وقيل طهارته باقية، اختاره الشيخ مطلقا، كإزالة شعر، وقال: إذا قلع بعد الوضوء فيه نزاع، والأظهر أنه لا ينتقض الوضوء، لأن الجبيرة كالجزء من البدن.
(3)
أي ليس المسح على الجبيرة ونحوها مؤقتا كالخفين، بل إلى حلها أو برء ما تحتها، لأن مسحها للضرورة فيتقدر بقدر الضرورة إليها، ويفارق مسح الجبيرة الخف في أشياء، منها أنه لا يجوز المسح عليها إلا عند الضرورة بنزعها، ووجوب استيعابها بالمسح لعدم التضرر في ذلك، والمسح عليها من غير تأقيت، وجواز المسح عليها في الطهارة الكبرى للمشقة في نزعها حينئذ وأن المسح عليها عزيمة، ونظمها ابن نصر الله فقال:
عزيمة ضرورة لم يشمل
…
والخرق والتوقيت فيها أهمل
وكلها امسح في الطهارتين
…
وقبلها الطهر على قولين
زاد في الإنصاف: أنه يتعين على صاحب الجبيرة المسح بخلاف الخف، وأنه يجوز المسح عليها إذا كانت من حرير ونحوه، على رواية صحة الصلاة في ذلك، بخلاف الخف، وأنه يجوز في سفر المعصية، ثم قال: ويرجع ذلك كله أو معظمه إلى أن مسح الجبيرة عزيمة، ومسح الخف ونحوه رخصة، قال الشيخ: إذا لم يكن نزعها إلا بضرر صارت بمنزلة الجلد وشعر الرأس والظفر، ويمسح عليها وإن شدها على حدث عند أكثر العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب وقال: قياسها على الخفين قياس فاسد، وذكر الفرق بينهما من وجوه.
(إذا لبس ذلك) أي ما تقدم من الخفين ونحوهما، والعمامة والخمار والجبيرة (بعد كمال الطهارة) بالماء (1) ولو مسح فيها على حائل (2) .
(1) أما الخفان فإذا توضأ وضوءا كاملا ثم أدخلهما فله المسح بلا نزاع، لما في الصحيحين وغيرهما، ودعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، وروى الحميدي وغيره عن المغيرة: أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان، ولأحمد وابن خزيمة عن صفوان قال: أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر. صححه الخطابي والحافظ، وهذا واضح الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس. وقال النووي وغيره: إذا لبس محدثا لم يجز المسح إجماعا، وهذا سادس الشروط هنا وفي المنتهى ثمانية لكونه عد عدم وصفه للبشرة شرطا، وعدم سعته شرطا آخر، وهما معلومان من الشرط الثاني.
(2)
بأن توضأ وضوءا كاملا مسح فيه على نحو عمامة أو جبيرة ثم لبس نحو خف فله المسح عليها، لأنها طهارة كاملة رافعة للحدث، كالتي لم يمسح فيها على حائل.
أو تيمم لجرح (1) فلو غسل رجلا ثم أدخلها الخف، خلع ثم لبس بعد غسل الأخرى (2) ولو نوى جنب رفع حدثيه وغسل رجليه وأدخلهما الخف، ثم تمم طهارته (3) أو مسح رأسه ثم لبس العمامة ثم غسل رجليه (4) أو تيمم ولبس الخف أو غيره لم يمسح (5) ولو جبيرة (6) .
(1) أي أو تيمم في طهارة بماء لجرح في بعض أعضائه ثم لبس نحو خف جاز المسح عليه، لتقدم الطهارة بماء في الجملة.
(2)
لتكمل الطهارة، وعنه يجوز وفاقا لأبي حنيفة.
قال الشيخ: والصواب قول أبي حنيفة أن طهارة المسح يشترط لها دوام الطهارة دون ابتدائها، وقال: ومن غسل إحدى رجليه ثم أدخلها الخف قبل غسل الأخرى فإنه يجوز له المسح عليها من غير اشتراط خلع، ولبسه قبل إكمال الطهارة كلبسه بعدها.
(3)
أي لم يجز له المسح، لأنه لم يلبسه بعد كمال الطهارة.
(4)
خلع العمامة ثم لبسها ليوجد شرط المسح كالخف، وعنه: لا تشترط الطهارة لمسح العمامة، فلو لبس محدثا ثم توضأ وغسل رجليه جاز له المسح اختاره الشيخ وغيره، وقال: يتوجه أن العمامة لا يشترط لها ابتداء اللبس على طهارة، ويكفي فيها الطهارة المستدامة، لأن العادة أن من توضأ مسح رأسه ورفع العمامة ثم أعادها، ولا يبقي مكشوف الرأس إلى آخر الوضوء، وما قاله رواية عن أحمد حكاها عنه جماعة.
(5)
أي لو تيمم لطهارة لعجزه عن استعمال الماء أو عدم الماء، فلا يمسح إذا وجد الماء، بل يخلع ويستأنف الطهارة.
(6)
بناء على أن تقدم الطهارة على شدها شرط، وعنه: ليس بشرط اختاره جمع منهم الشيخ، ومال إليه الموفق والشارح والمجد، وصوبه في الإنصاف وغيره
لحديث صاحب الشجة وغيره، ولأن اشتراط الطهارة يشق، لأن الجرح يقع فجأة، أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه، فلو اشترطت الطهارة والحالة هذه لأفضي إلى الحرج والمشقة، وهما منتفيان شرعا.
فإن خاف نزعها تيمم (1) ، ويمسح من به سلس بول أو نحوه (2) إذا لبس بعد الطهارة لأنها كاملة في حقه (3) فإن زال عذره لزمه الخلع واستئناف الطهارة كالمتيمم يجد الماء (4)(وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء (5) وإلا خلع (6)(أو عكس) أي مسح مقيما ثم سافر، لم يزد على مسح مقيم، تغليبا لجانب الحضر (7) .
(1) لغسل ما تحتها، لأنه موضع يخاف الضرر باستعمال الماء فيه، وهذا أيضا بناء على اشتراط تقدم الطهارة على شدها.
(2)
كمستحاضة ومن به قروح سيالة.
(3)
ولأن صاحب العذر أحق بالترخص من غيره، بل طهارته ترفع الحدث.
(4)
بأن انقطع نحو سلس البول خلع، لأن طهارته إنما صحت للعذر، فإذا زال حكم ببطلانها.
(5)
أي من اليوم والليلة، قال غير واحد: لا نعلم فيه خلافا، لأنه صار مقيما فلم يجز له أن يمسح مسح المسافر، والمراد إقامة تمنع القصر، وكذا قال الزركشي وغيره، إذا مسح أقل من يوم وليلة ثم أقام، أو قدم أتم مسح مقيم، لا خلاف في هذا نعلمه، لما تقدم من تغليب جانب الحضر.
(6)
أي وإن لم يبق من المدة شيء، بأن مضى بعد الحدث يوم وليلة، أو أكثر خلع الخف، لانقطاع السفر، قال ابن تميم: رواية واحدة.
(7)
وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، لأنه الأصل، وقال في المبدع
والفروع: اختاره الأكثر، وعنه مسح مسافر نقلها عنه جماعة، وفاقا لأبي حنيفة وغيره لقوله يمسح المسافر، إلخ وهذا مسافر، وكما لو أحدث وهو مقيم، ولم يمسح حتى سافر، وجعلها الخلال رواية واحدة، وقال: نقل عنه أحد عشر نفسا أنه يتم مسح مسافر، ورجع عن قوله: يتم مسح مقيم، واختاره هو وأبو بكر وأبو الخطاب.
قال في الفائق، وهو المختار، ولو مسح إحدى رجليه في الحضر والأخرى في السفر يتوجه خلاف، ومقتضى كلامهم لا يزيد على مسح مقيم تغليبا للأصل، والرواية الثانية ظاهرة.
(أو شك في ابتدائه) أي ابتداء المسح هل كان حضرا أو سفرا؟ (فمسح مقيم) أي فيمسح تتمة يوم وليلة فقط، لأنه المتيقن (1)(وإن أحدث) في الحضر (ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافر (2)(ولا يمسح قلانس) جمع قلنسوة (3) .
(1) وفاقا للشافعي وغيره، لأن الأصل الغسل، وإن شك في بقاء المدة لم يجز المسح مقيما كان أو مسافرا اتفاقا، لأن الأصل الغسل، ولو خالف وفعل فبان بقاؤها صح وضوءه.
(2)
قال غير واحد: لا نعلم فيه خلافا، بين أهل العلم، لقوله: يمسح المسافر إلخ ونقل الإجماع في ذلك النووي وغيره.
(3)
بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة وفتح الواو، وقد تبدل ياء وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة، وقد تحذف النون بعدها هاء تأنيث وفي الاختيارات ويجوز المسح على العمامة الصماء، وهي القلانس، والمحكي عن أحمد الكراهة، والأقرب أنها كراهة لا ترتقي إلى التحريم ومثل
هذا لا يمنع الترخص وتحمل كراهة السلف لغير المحنكة من بعض الوجوه، وعن أحمد يجوز اختاره الخلال وجزم به في الوجيز، وقال: روي عن صحابيين عمر وأبي موسى، وروي عن أنس، ولأنه ملبوس معتاد ساتر للرأس أشبه العمامة المحنكة.
وهي المبطنات، كدنيات القضاة، والنوميات (1) قال في مجمع البحرين: على هيئة ما تتخذه الصوفية الآن (2)(و) لا يمسح (لفافة) وهي الخرقة تشد على الرجل تحتها نعل أو لا، ولو مع مشقة لعدم ثبوتها بنفسها (3)(ولا) يمسح (ما يسقط من القدم (4) أو) خفا.
(1) الدنيات قلانس كبار أيضا، كانت القضاة تلبسها قديما، تسميها العامة الشاشية شبهت بالدن، لاستواء صنعته في أسفله: كهيئة القوس، والنوميات قلانس تلبس عند النوم.
(2)
مجمع البحرين لابن عبد القوي على المقنع ولم يتمه، والصوفية نسبة إلى الصوف، قال الشيخ: الصوفي المتبتل للعبادة وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة، قانعا بالكفاية لا لابس خرقة، أو لزوم شكل مخصوص في اللبسة ونحوها.
(3)
قال في الفروع: في الأصح، قال الشيخ: والصواب أنه يمسح على اللفائق، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب، ومن ادعى في ذلك إجماعا فليس معه إلا عدم العلم، ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين، وذكر أن علة المسح الحاجة إلى ستر الرأس والمشقة في نزع الساتر في الغسل، وأنه ليس لشكل الساتر ولا لجنسه ولا لثبوته بنفسه أو بغيره دخل في ذلك.
(4)
لفوات شرطه، وهو ثبوته بنفسه.
(يرى منه بعضه) أي بعض القدم، أو شيء من محل الفرض (1) لأن ما ظهر فرضه الغسل، ولا يجامع المسح (2)(فإن لبس خفا على خف قبل الحدث) ولو مع خرق أحد الخفين (فالحكم للـ) خف الـ (فوقاني) لأنه ساتر فأشبه المنفرد (3) وكذا لو لبسه على لفافة (4) وإن كانا مخرقين لم يجز المسح ولو سترا (5) .
(1) أي فلا يمسح عليه، لعدم ستره محل الفرض.
(2)
إذ لا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد، وكما لو غسل إحدى رجليه فيجب غسل الأخرى، وما بطن فرضه المسح فلا يجامعه، قال الشيخ: وقول القائل إن ما ظهر فرضه الغسل ممنوع، فإن الماسح على الخف لا يستوعبه بالمسح، كالمسح على الجبيرة، بل يمسح أعلاه دون عقبه، وكذلك يقوم مقام غسل الرجل، فمسح بعض الخف كاف عما يحاذي الممسوح، وما لا يحاذيه، فإذا كان الخرق في العقب لم يجب غسل ذلك الموضع ولا مسحه، ولو كان على ظهر القدم لم يجب مسح كل جزء من ظهر القدم، وباب المسح على الخفين مما جاءت السنة فيه بالرخصة، حتى جاءت بالمسح على الجوارب والعمائم وغير ذلك، فلا يناقض مقصود الشارع من التوسعة بالحرج والتضييق.
(3)
قال عثمان: ويدخل في هذه العبارة أربع صور: لأنهما إما أن يكونا صحيحين أو مخرقين، أو الأعلى صحيحا، والأسفل مخرقا، أو عكسه، ففي الأولى يصح على أيهما شاء، وفي الثانية لا يصح على شيء منهما ولو سترا، وفي الثالثة يصح على الأعلى فقط، وفي الرابعة على أيهما شاء.
(4)
أي جاز المسح عليه لأنه خف ساتر لمحل الفرض أشبه ما لو انفرد.
(5)
لأن كل واحد منهما غير صالح للمسح على انفراده، ومسح كل من الخف الفوقاني والتحتاني بدل مستقل من الغسل على الصحيح من المذهب، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين لمالك والشافعي.
وإن أدخل يده من تحت الفوقاني ومسح الذي تحته جاز (1) وإن أحدث ثم لبس الفوقاني قبل مسح التحتاني أو بعده لم يمسح الفوقاني، بل ما تحته (2) ولو نزع الفوقاني بعد مسحه لزم نزع ما تحته (3)(ويمسح) وجوبا (أكثر العمامة)(4) ويختص ذلك بدوائرها (5)(و) يمسح أكثر (ظاهر قدم الخف) والجرموق والجورب (6) .
(1) لأن كل واحد منهما محل للمسح فجاز المسح عليه، فإن كان أحدهما صحيحا جاز المسح على الفوقاني ولا يجوز على التحتاني، إلا أن يكون هو الصحيح.
(2)
لأنه لبس الفوقاني على غير طهارة.
(3)
وإعادة الوضوء، لأن محل المسح قد زال، ومفهومه أنه إذا كان قبل مسحه لم ينزع الثاني، وأنه إذا كان الممسوح الثاني فكذلك وعنه: لا يلزمه نزعه فيتوضأ، أو يمسح التحتاني منفردا، وأطلقهما في الفروع.
(4)
لأنها ممسوحة على وجه البدل، فأجزأ فيها ذلك كالخف.
(5)
وهي أكوارها دون وسطها، وإن كان تحت العمامة قلنسوة يظهر بعضها استحب المسح عليها، لأنهما صارا كالعمامة الواحدة، وما جرت العادة بكشفه من الرأس استحب أن يمسح عليه من العمامة، لأنه ثبت أنه مسح بناصيته وعمامته، ولا يجب مسح الأذنين معها، قال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافا، لأنه لم ينقل.
(6)
جعلا للأكثر كالكل، على الصحيح من المذهب، ولا يسن استيعابه، قال الوزير: أجمعوا على أن المسح يختص بما حاذى ظاهر الخف.
وسن أن يمسح بأصابع يده (من أصابعه) أي أصابع رجليه (إلى ساقه) يمسح رجله اليمنى بيده اليمني ورجله اليسرى بيده اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح (1) وكيف مسح أجزأ (2) ويكره غسله، وتكرار مسحه (3)(دون أسفله) أي أسفل الخف (وعقبه) فلا يسن مسحهما (4) .
(1) هذه صفة المسح المسنون، لحديث المغيرة، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهور الخفين، رواه أحمد وأبو داود وصححه الترمذي، وقال البخاري: هو أصح من حديث رجاء بن حيوة، ولفظه مسح أعلى الخف وأسفله، وقال هو وأبو زرعة: ليس بصحيح، ولفظ البيهقي: مسح على خفيه، وضع يده اليمنى على خفه الأيمن، واليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح إلى أعلاه مسحة واحدة، وحكى ابن المنذر وغيره أنه يجزئ الاقتصار على مسح ظاهر الخف بلا خلاف.
(2)
فإن بدأ من ساقه إلى أصابعه أجزأ، ولم يرد في كيفية المسح ولا الكمية حديث يعتمد عليه إلا حديث علي في بيان محل المسح، فحيث فعل المكلف ما يسمى مسحا لغة أجزأ، وقال أحمد: كيفما فعلت فهو جائز.
(3)
أي يكره غسل الخف ونحوه، لعدوله عن السنة المأمور بها، ولإفساده الخف ونحوه، قال النووي: بلا خلاف، ويكره تكرار مسحه، لأنه لم يثبت فيه شيء، فلا يصار إليه، ولأنه في معنى غسله، ولا يسن إجماعا، وقال الشيخ: المسح لا يسن فيه التكرار، وأجمعوا على أن المسح على الخفين مرة واحدة مجزئ.
(4)
لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يمسح ظاهره، قال ابن القيم: ولم يصح عنه مسح أسفلهما، وإنما جاءت في حديث منقطع، والأحاديث الصحيحة على خلافه، (وعقبه) بفتح العين وكسر القاف هذا الأصل ويجوز إسكان القاف مع فتح العين وكسرها.
ولا يجزئ لو اقتصر عليه (1)(و) يمسح وجوبا (على جميع الجبيرة) لما تقدم من حديث صاحب الشجة (2)(ومتى ظهر بعض محل الفرض) ممن يمسح (بعد الحدث) بخرق الخف، أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف (3) أو ظهر بعض رأس وفحش (4) .
(1) بلا خلاف حكاه ابن المنذر وغيره.
وقال الموفق وغيره: إن مسح أسفله وعقبه لم يجزئه في قول أكثر العلماء، وأنه لم يقل بالأجزاء إلا أشهب وبعض الشافعية ولا حجة لهم في ذلك، لقول علي: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه، رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وقال الحافظ: إسناده صحيح.
(2)
قريبا عن جابر، واستيعابها بالمسح مذهب أبي حنيفة والشافعي، لقيامه مقام الغسل، وذلك ما لم يتضرر فيعدل إلى التيمم.
(3)
استأنف الطهارة لأن مسح الخف أقيم مقام غسل الرجلين، فإذا زال الساتر الذي جعل بدلا بطل حكم الطهارة، كالمتيمم يجد الماء، ولأن الإنتقاض لا يتجزأ وإن خرج منه شيء لسعة أو غيرها كخروج عقبة لم ينتقض إجماعا، وعنه يجزئ غسل قدميه وفاقا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقول مالك: إن غسل رجليه مكانه صحت، وقال الشيخ: ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور، واختار أنها لا تبطل كإزالة الشعر الممسوح عليه.
(4)
بضم الحاء وفتحها أي كثر في الرأس فقط استأنف الطهارة ومقتضى الإطلاق طال الزمن أو لم يطل، لأن مسح العمامة قام مقام الرأس، وعلم منه أن
انكشاف يسير لا يضر وقال الشيخ: ورفع العمامة يسيرا لا يضر للمشقة، وقال أحمد: لا بأس إذا لم يفحش.
أو زالت جبيرة استأنف الطهارة (1) فإن تطهر ولبس الخف ولم يحدث لم تبطل طهارته بخلعه، ولو كان توضأ تجديدا ومسح (2)(أو تمت مدته) أي مدة المسح (3)(استأنف الطهارة)(4) ولو في صلاة (5) لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال (6) وانقضت مدته بطلت الطهارة في الممسوح (7) .
(1) لأن مسحها بدل من غسل ما تحتها، وقيل: طهارته باقية قبل البرء اختاره الشيخ وكذا بعده كإزالة الشعر.
(2)
لبقائه على طهارته التي لبس فيها.
(3)
وهي اليوم والليلة، أو الثلاثة من وقت جواز مسح بعد حدث، أو انتقض كور فأكثر من عمامته، أو انقطع دم مستحاضة، أو زال ضرر من به سلس البول ونحوه.
(4)
وجها واحدا في الجملة وفاقا، إلا ما روي عن مالك للأحاديث الواردة في التوقيت، ولأن الحكم بطهارته إنما كان لوجود العذر فإذا زال حكم ببطلانها وذلك إذا كان عنده ماء وإلا فلا، وقال الشيخ: ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف بإنقضاء المدة على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور.
(5)
أي ولو كان حين تمت مدة المسح في صلاة بطلت، واستأنف، لأنها طهارة مؤقتة فبطلت بانتهاء وقتها، وإن كان فيها ولا ماء مضى.
(6)
أي المسح بطلت الطهارة في الممسوح.
(7)
والمبطل حقيقة هو الحدث السابق، وقال الشارح وغيره: ونزع أحد
الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي اهـ، وأجمعوا على أنه متى نزع أحد الخفين وجب عليه نزع الآخر.
فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض (1) .
(1) وقيده بعضهم بالصغرى، والصحيح عند المحققين أن المسألة ليست مبنية على وجوب الموالاة، بل على أن المسح يرفع الحدث، وأن الحدث لا يتبعض في النقض، فإذا خلع عاد الحدث إلى العضو فسرى إلى بقية الأعضاء، فلا فرق قدمه الشيخ في شرح العمدة، وقال هو وأبو المعالي: إنه الصحيح من المذهب عند المحققين، وعنه: يجزئ مسح رأسه وغسل رجليه، وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وقول للشافعي، والقول ببطلان الطهارة من المفردات، وهذا على وجوب الموالاة عند أبي محمد، وعند: أبي البركات على رفع الحدث، ومن تيمم وعليه خف ونحوه ثم خلع بعد تيممه لم يبطل تيممه بذلك، اختاره الشيخ. قال الموفق وغيره: لأن مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه فيه ولم يوجد ههنا، ولأن إباحة المسح لا يصير بها ماسحا، ولا بمنزلة الماسح.
باب نواقض الوضوء
أي مفسداته (1) وهي ثمانية (2) أحدها الخارج من سبيل (3) وأشار إليه بقوله «ينقض» الوضوء (ما خرج من سبيل) أي مخرج بول أو غائط (4) .
(1) نواقض جمع ناقض، وقولهم: فاعل لا يجمع على فواعل وصفا، إذا كان وصفا لعاقل، وما هنا ليس منه.
وفي المبدع: جمع ناقضة لا ناقض، لأنه يجمع على فواعل، والنقض في الأجسام: إبطال تركيبها وفي المعاني: إخراجها عن إفادة ما هو المطلوب منها، فنواقض الوضوء هي العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عما هو المطلوب منه، وفسره بالمفسدات لأنه في الأصل من نقضت الشيء إذا أفسدته فنواقض الوضوء مفسدات الوضوء، يعني مبطلات الفائدة المطلوبة منه.
ويقال: النقض في الأصل حل المبرم، ثم استعمل في إبطال الوضوء بما عينه الشارع مبطلا، وحقيقة عرفية، ونواقضه أحداث وأسباب، فالأحداث ما نقض الوضوء بنفسه، والأسباب ما كان مظنة لخروجه كالنوم والمس.
(2)
بالاستقراء، ومنها ما هو ناقض بالإجماع، وما هو مختلف في النقض به.
(3)
متعلق بالخارج، والسبيل الطريق، ومنه مخرج البول والغائط.
(4)
إلى ما هو في حكم الظاهر، أما الغائط فبنص الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} . وقال عليه الصلاة والسلام «ولكن من غائط أو بول» فثبت البول بالسنة وكذا بالإجماع، والقياس على الغائط وكذا المذي بالأحاديث الصحيحة، وحكى الإجماع على النقض به وبالمني والودي ابن المنذر والموفق وغيرهما، وقال الشيخ في المذي: ينقض، ويجب غسل ذكره وأنثييه اهـ
وأما دم الاستحاضة ففي قول عامة أهل العلم لحديث بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، قال: فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق، رواه أبو داود والدارقطني وقال: إسناده كلهم ثقات، فأمرها بالوضوء ودمها غير معتاد، وقيس عليه ما سواه، وأما الريح فبالأحاديث الصحيحة والإجماع، قال صلى الله عليه وسلم «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» وقال «فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» متفق عليه وقال ابن القيم: والحقت الأمة أنواع الحدث الأصغر على اختلافها في نقضها بها بالغائط.
ولو نادرا أو طاهرا كولد بلا دم (1) أو مقطرا في إحليله (2) أو محتشي وابتل (3) لا الدائم كالسلس والاستحاضة (4) .
(1) أي ولو كان الخارج نادرا كالدود والدم ونحوهما فينقض وهذا مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، وكالريح من القبل وذكر الرجل، لعموم حديث لا وضوء إلا من حدث أو ريح، وصححه الترمذي، وقال في المغني: ولا نعلم وجوده في أحد، أو طاهرا كالمني والبعر الناشف والحصا، وكالولد العاري من الدم، وقال ابن عقيل: الأشبه لا ينقض.
(2)
بفتح الطاء وتشديدها، بأن قطر في إحليله، وهو مجرى البول من ذكره دهن ونحوه ثم خرج فينتقض لأنه لا يخلو عن بلة نجسة تصحبه.
(3)
بأن احتشى قطنا ونحوه في قبله أو دبره ثم خرج مبتلا ينتقض وضوءه، ومفهومه أنه إن لم يبتل لم ينقض، كما جزم به الفتوحي في القبل، وقيل ينقض، قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب، وخروجه بلا بلة نادرة جدا، والحاصل أن للمحتشي ثلاث حالات: إحداها أن يكون في الدبر فينقض مطلقا، الثانية في القبل وابتل فينقض الثالثة: أن لا يبتل فلا ينقض، وإذا خرجت المقعدة فإن خرج معها ندى منفصل توضأ وإلا فلا، ولا تعتبر الرطوبة اللازمة، لأنها لا تنفك عنها.
(4)
أو كالرعاف والقروح السيالة.
فلا ينقض للضرورة (1) .
(و) الثاني (خارج من بقية البدن) سوى السبيل (2)(إن كان بولا أو غائطا) قليلا كان أو كثيرا (3)(أو) كان (كثيرا نجسا غيرهما) أي غير البول والغائط (4) .
(1) والحرج والمشقة، ولقوله وتوضئي لكل صلاة، ويأتي في باب الحيض، قال الشيخ: والأحداث اللازمة كدم الاستحاضة، وسلس البول، لا تنقض الوضوء ما لم يوجد المعتاد وهو مذهب مالك.
(2)
أي من غير الطريق المعتاد للبول والغائط.
(3)
من تحت المعدة أو فوقها سواء كان السبيلان مفتوحين أو مسدودين، لعموم ما تقدم، ولأن ذلك خارج معتاد أشبه الخارج من المخرج.
(4)
لأنه نجاسة خارجة من البدن، أشبهت الخارج من السبيل وعنه: خروج: النجاسة من بقية البدن لا ينقض مطلقا، لأنه لا نص فيه، ولا يصح قياسه على السبيلين وهو مذهب مالك والشافعي.
وقال الشيخ: الظاهر أنه لا يجب الوضوء من خروج النجاسات من غير السبيلين فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، لعموم البلوى بذلك، لكن استحباب الوضوء من الحجامة والقيء ونحوهما متوجه ظاهر، وقال: الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا علم أنه ليس من دينه، وذكر أصولا ثم قال: وبهذه الطرق يعلم أنه ليس يوجب الوضوء من ذلك، فإنه لم ينقل أحد عنه بإسناد يثبت مثله أنه أمر بذلك، مع العلم بأن الناس كانوا لا يزالون يحتجمون ويتقيئون ويخرجون في الجهاد وغير ذلك، وقد قطع عرق بعض أصحابه ليخرج الدم، ولم ينقل عنه مسلم أنه أمر بالوضوء من ذلك، وقال في القيء وخروج الدم: ليس في الأدلة الشرعية ما يدل على وجوب الوضوء منه بل على الاستحباب، وعن أنس: احتجم وصلى ولم يتوضأ، رواه الدارقطني وابن الجوزي في حجة المخالف، ولم يضعفه، وعادته الجرح بما يمكنه.
كقيء ولو بحاله (1) لما روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ (2) والكثير ما فحش في نفس كل أحد بحسبه (3) .
(1) وهو الخارج بعد وصوله إلى المعدة، ولو كان ما تقيأه باقيا بحاله لم يتغير، كأن شرب نحو ماء وقذفه بصفته، لأن نجاسته بوصوله إلى الجوف، لا باستحالته، وكدم وقيح على المشهور من المذهب. وقال الخطابي: هو قول أكثر الفقهاء.
(2)
قال الترمذي: هو أصح شيء في هذا الباب، ورواه أحمد وأبو داود وغيرهم، وقال ابن مندة: إسناده صحيح، واغفله البخاري ومسلم للاختلاف في إسناده، وقال البيهقي وغيره: لا تقوم به حجة، فالله أعلم، وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أن القيء والدم والقيح ونحوها لا ينقض الوضوء ولو كثر، قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين اهـ، لكن يستحب الوضوء منه، واختاره الشيخ: وأنه لا يخرج من الصلاة لأجل اليسير الخارج من القيء والدم لما روي عن جابر في اللذين يحرسان في غزوة ذات الرقاع، فرمي أحدهما بسهم فنزعه ثم بآخر ثم بالثالث، وركع وسجد ودماؤه تجري، رواه أبو داود بسند حسن، ولما روي عن الصحابة فابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفي عصر دملا، وروي عن غيرهما نحو ذلك، قال الموفق والشارح وغيرهما: ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا، ولأن الأصل عدم النقض حتى يثبت بالشرع، وقال النووي والشيخ وغيرهما، لم يثبت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الوضوء من ذلك، وقال مالك: هو الأمر عندنا.
(3)
قال ابن عباس: الفاحش ما فحش في قلبك، وقال ابن عقيل: إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس، واختاره القاضي وجماعات كثير وصححه الناظم، وما إليه في الإنصاف، وأما اليسير فلا ينقض رواية واحدة، حكاه القاضي وغيره، وأما كثير القلس فقيل ينقض وهو طعام أو شراب يخرج من البطن ملء الفم أو دونه، سواء أعاده إلى بطنه أو لا، أو ألقاه، وليس بقيء، وإن غلبه فهو قيء.
وإذا انسد المخرج وانفتح غيره لم يثبت له أحكام المعتاد (1)(و) الثالث (زوال العقل) أي تغطيته (2) قال أبو الخطاب وغيره: ولو تلجم، ولم يخرج منه شيء إلحاق بالغالب (3) .
(1) أي بل أحكامه باقية له، فلا ينقض خروج ريح منه، ولا يمسه ولا بخروج يسير منه نجس، غير بول أو غائط، ولا يجزئ فيه استجمار، ولا غسل بإيلاج فيه بلا إنزال.
(2)
صوابه: أو تغطيته كما عبروا به، وزواله هو ذهابه بجنون أو برسام، وتغطيته بإغماء أو سكر أو دواء أو نوم أو غيرها، لحديث صفوان ولكن من غائط وبول ونوم، رواه أحمد والشافعي والترمذي وصححه، وقال النووي: بأسانيد صحيحة، وما ذكر أبلغ من النوم الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر والمظنة للحديث أقيمت مقامه، لأن ما أنيط بالمظنة لا فرق بين وجوده وعدمه فإذا وجدنا المظنة اعتبرناها قطعية كانت أو ظنية، فإن الشارع قد أجرى الظن في ترتيب الأحكام مجرى القطع، فمتى ظن وجود سبب الحكم استحق السبب للاعتبار، والعقل غريزة كالنور يقذف في القلب فيستعد لإدراك الأشياء وتقدم والنوم فترة طبيعية تحدث للإنسان تمنع الحواس من العمل، قال النووي: وليس مزيلا للعقل اهـ أي بل هو ساتر، فيجاب أنه أراد بالزوال الغلبة على العقل، ولم يقل ارتفاعه ليعم ما ذكروا، وإن كان فيه تجوز، وخرج بزوال العقل النعاس، وحديث النفس، وأوائل نشوة السكر، فلا نقض بها، ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه.
(3)
على الأصح قاله في الفروع (وتلجم) من اللجام وهو كالعصابة التي يشد بها، تصير مثل اللجام في فم الدابة.
(إلا يسير نوم من قاعد أو قائم)(1) .
(1) لأنهما لا ينفرج منهما مخرج الحدث فلا ينقض قال الشيخ: النوم اليسير من المتمكن بمقعدته لا ينقض الوضوء، عند جماهير العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم، لأن النوم ليس بحدث، ولكنه مظنة للحدث اهـ، لحديث أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون رواه أبو داود وصححه الدارقطني، وأصله في مسلم: نام القوم أو بعض القوم ثم صلوا، ورواه الترمذي وفيه: يوقضون للصلاة، وفيه: وإني لأسمع لأحدهم غطيطا، وفي رواية يضعون جنوبهم، وفي الصحيح عن ابن عباس وغيره: حتى رقد الناس واستيقظوا وغيرها من الأحاديث الصحيحة، والآثار، ويقيد بعدم الاستغراق فقد كان صلى الله عليه وسلم يضع جنبه بعد ركعتي الفجر ولا ينام. وفي الصحيحين كان ينام حتى ينفخ فيصلي ولا يتوضأ، لأنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، فلو خرج منه شيء لشعر به، ولحديث ابن عباس: فقمت إلي جنبه الأيسر فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، متفق عليه، والإفاء النوم أو النعاس، والفرق بين النوم والنعاس: أن النوم فيه غلبة على العقل، وسقوط حاسة البصر وغيرها، والنعاس، لا يغلب على العقل، وإنما تفتر فيه الحواس بغير سقوط، والمراد باليسير من النوم اليسير عرفا، لعدم حد الشارع له، وقيل في حد النوم اليسير هو ما لم يتغير عن هيئته كسقوطه ونحوه، وقيل: قدر صلاة ركعتين، وقال الموفق: لا حد لليسير، فمتى وجد ما يدل على الكثير مثل سقوط المتمكن وغيره انتقض وضوءه، وإن شك في كثرته لم ينتقض لأن الطهارة متيقنة فلا تزول بالشك، وقال ابن رشد بعد ذكر الأحاديث فيه، ومن ذهب مذهب الجمع حمل الأحاديث الموجبة للوضوء من النوم على الكثير، وغير المسقطة للوضوء على القليل، وهو مذهب الجمهور، وهو أولى، وقال غير واحد: الصواب ما صرح به أهل التحقيق، أن النوم الناقض هو المستغرق الذي لا يبقى مع إدراك من مضجع أو مستلق لا على هيئة المصلي قال الزركشي وغيره: ولا بد في النوم الناقض من الغلبة على العقل، فمن سمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، ومن سمعه ولم يفهمه فيسير، إنما الناقض زوال العقل، فمتى كان ثابتا وحسه غير زائل لم يوجد سبب النقض، وعن أحمد: لا ينقض نوم مطلقا، واختار الشيخ إن ظن بقاء طهره.
غير محتب أو متكئ أو مستند (1) وعلم من كلامه أن الجنون والإغماء والسكر ينقض كثيرها ويسيرها (2) ذكره في المبدع إجماعا (3) وينقض أيضا النوم من مضجع (4) .
(1) أي فينقض مطلقا، كنوم المضطجع، وصفة الاحتباء أن يجلس على إليتيه، ضاما ركبتيه إلى نحو صدره، شادا ساقيه إلى نفسه بيديه، أو مديرا نحو ردائه من وراء ظهره إلى أن يبلغ ركبتيه محيطا من ظهره عليهما.
(2)
لعموم قوله: وزوال العقل، وخرج منه يسير نوم ممن ذكر وبقي الباقي على الأصل، ولأن حسهم أبعد من حس النائم، لأنهم لا ينتبهون بالانتباه، ولأن العقل في الإغماء يكون مغلوبا، وفي الحنون يكون مسلوبا، ففي إيجاب الوضوء على النائم تنبيه على وجوب ما هو آكد منه، والجنون معروف، وصاحبه مسلوب العقل، فهو أبلغ من النوم، والإغماء غشية ثقيلة على القلب يزول معها الإحساس.
ويقال: آفة تعرض للدماغ، أو القلب، بسببها تتعطل القوى المدركة.
ويقال: من بلغم بارد غليظ، وحد بعضهم الجنون بزوال الاستشعار من القلب، مع بقاء الحركة والقوة في الأعضاء، والإغماء بزوال الاستشعار مع فتور الأعضاء.
(3)
وحكاه الموفق والنووي وغيرهما، وقال: أجمعت الأمة على انتقاض الوضوء بالجنون وبالإغماء.
ونقل فيه الإجماع ابن المنذر وآخرون لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أغمي عليه ثم أفاق فاغتسل، ثم أغمي عليه ثم أفاق فاغتسل.
(4)
قليلا كان النوم أو كثيرا، لما في السنن ليس الوضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا، لكن على من نام مضطجعًا فإنه إذا نام مضطجعًا استرخت مفاصله، فيخرج الحدث، بخلاف القيام والقعود والركوع والسجود، فإن الأعضاء متماسكة، فلم يكن هناك سبب يقتضي خروج الخارج، وتقدم لكن هذا الحديث قال فيه أبو داود: هو منكر.
وراكع وساجد مطلقا (1) كمحتب ومتكئ ومستند (2) والكثير من قائم وقاعد (3) لحديث «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد وغيره (4) .
(1) أي قليلا كان النوم أو كثيرا، وتقدم ما رواه أهل السنن، وقال أبو العباس: لا ينقض اختاره القاضي وأصحابه وكثير من أصحابنا، لما روى أحمد في الزهد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نام العبد وهو ساجد يباهي الله به الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وهو ساجد، فسماه ساجدا مع نومه، ولأن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك، ولأن بعض الاستمساك باق، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء.
(2)
أي فينقض مطلقا، وتقدم.
(3)
أي لا اليسير فلا ينقض.
(4)
فرواه أهل السنن والدارقطني وغيرهم عن علي، وحسنه المنذري وغيره، والوكاء بكسر الواو الخيط تربط به القربة والخريطة ونحوهما والسه بفتح السين وكسر الهاء، والعينان كناية عن اليقظة، لأن النائم لا عين له تبصر، أي اليقظة وكاء الدبر، حافظ ما فيه من الخروج، لأنه ما دام مستيقظا يحس بما يخرج منه، ويمسك ما في بطنه، ما لم تنم عيناه، ومتى نام زالت قوته الماسكة، وظاهر حاله أن تنتقض طهارته، لانحلال الوكاء بالنوم، فدل على أن النوم مظنة للنقض، لا أنه ناقض بنفسه، ولكن أقيمت المظنة مقام الحقيقة.
والسه حلقة الدبر (1)(و) الرابع (مس ذكر) آدمي (2) تعمده أو لا (3)(متصل) ولو أشل أو أقلف أو من ميت (4) لا الأنثيين ولا بائن أو محله (5)(أو) مس (قبل) من امرأة وهو فرجها الذي بين أسكتيها (6) .
(1) وهو نقيض القبل، والدبر من كل شيء عقبه ومؤخره.
(2)
أي الرابع من نواقض الوضوء مس ذكر آدمي كبير أو صغير، ذكر أو أنثى، منه أو من غيره بشهوة أو غيرها، دون سائر الحيوانات، فلا ينقض، قال الشيخ: مس فرج الحيوان غير الآدمي لا ينقض باتفاق الأئمة.
(3)
أي تعمد مس ذكره أو ذكر غيره، أو لم يتعمده، وقال الشيخ وغيره: إذا لم يتعمد ذلك لم ينتقض وضوءه.
(4)
أي ينقض مس ذكر متصل لا منفصل، ولو كان أشل أي لا نفع فيه لبقاء اسمه وحرمته، أو ميت للعموم، ولبقاء حرمته، أو أقلف أي لم يختن، وعبارة غيره (قلفة) بضم القاف وسكون اللام وتحرك الغرلة أي جلدة رأس الذكر، لأنها من مسمى الذكر، وحرمته ما اتصلت به.
(5)
أي لا ينقض مس الأنثيين، وهما الخصيتان إجماعا، ولا بائن أي منفصل لذهاب حرمته، أو محله أي مس محل ذكر مقطوع من أصول الأنثيين، جزم به وصححه غير واحد، ولا المرأة فرجها بفرج مثلها من غير استعمال اليد.
(6)
بضم الهمزة، أي ناحيتي الفرج، وهو مخرج البول، والشفران طرفا الناحيتين، ويقال الأسكتان هما الشفران، ومناط المسألة الذكر، وغيره مبني ومفرع عليه.
لقوله صلى الله عليه وسلم «من مس ذكره فليتوضأ» رواه مالك والشافعي وغيرهما (1) وصححه أحمد والترمذي (2) وفي لفظ من مس فرجه فليتوضأ صححه أحمد (3) .
(1) فأخرجه الخمسة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود وغيرهم عن بسرة بنت صفوان.
(2)
وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، وصححه الدارقطني وغيره، وله شواهد وطرق قيل إنها تبلغ حد التواتر.
(3)
من حديث أم حبيبة، وصححه أبو زرعة، ورواه ابن ماجه والأثرم وغيرهما، وقال ابن السكن، لا أعلم له علة، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أيما رجل مس ذكره فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ، رواه أحمد والترمذي وقال: قال البخاري: هذا عندي صحيح، ولأن مس الذكر مذكر بالوطء وهو في مظنة الانتشار غالبا، فأقيمت هذه المظنة مقام الحقيقة، كما أقيم النوم مقام الحدث، وعن أحمد: لا ينقض مس ذكر آدمي مطلقا، وفاقا لأبي حنيفة وطوائف من السلف، لحديث طلق بن علي في الرجل يمس ذكره: أعليه وضوء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو بضعة منك، رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، والدارقطني، وصححه عمرو بن الفلاس، وقال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة، وقال الطحاوي، إسناده مستقيم غير مضطرب، بخلاف حديث بسرة، وصححه أيضا ابن حبان والطبراني وابن حزم وغيرهم.
وقال شيخ الإسلام، الأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس الذكر، فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، لكن الاستحباب متوجه ظاهر، وقال: والذين أوجبوا الوضوء بمس الذكر إنما أوجبوه بحديث مختلف فيه، معارض بمثله، واختار في موضع استحباب
الوضوء منه إذا تحركت شهوته، وتردد فيما إذا لم تتحرك، ومذهب مالك: إن مسه بشهوة انتقض وإلا فلا.
ولا ينقض مس شفريها، وهما حافتا فرجها (1) وينقض المس بيد بلا حائل، ولو كانت زائدة (2) سواء كان (بظهر كفه أو بطنه) أو حرفه (3) من رءوس الأصابع إلى الكوع (4) لعموم حديث «من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء» ، رواه أحمد (5) لكن لا ينقض مسه بالظفر (6) .
(1) والشفر حرف كل شيء، ومنه شفر الفرج لحرفه، أي طرفه، وهو بضم الشين وتفتح والفرج مأخوذ من الانفراج، وهو اسم لمخرج الحدث، ويتناول الذكر والدبر وفرج المرأة، ومنه يعلم الفرق بين قلفة الذكر وبين شفري وفرج المرأة، حيث قالوا بالنقض في الأول دون الثاني.
(2)
للعموم، قال في الفروع: على الأصح.
(3)
احتياطا، للعموم لأنه جزء من اليد، وقال الشيخ: بطن الكف يتناول الباطن كله، بطن الراحة والأصابع، ومذهب مالك والشافعي لا ينتقض وضوءه إلا بباطن كفه.
(4)
أي هذا المراد باليد هنا كالقطع في السرقة.
(5)
عن أبي هريرة ورواه البيهقي وغيره وابن حبان، وقال: صحيح سنده، عدول نقلته، وصححه الحاكم وابن عبد البر، وقال ابن السكن: هو أجود ما روي في هذا الباب، والإفضاء لغة الوصول، وأفضي إلى كذا بلغة وانتهى إليه، وإلى فرجه مسه بيده، ومفهومه أنه لا ينتقض وضوءه بغير اليد، قال الوزير: اتفقوا على أن من مس فرجه بغير يده من أعضائه لا ينتقض وضوءه.
(6)
لأنه في حكم المنفصل.
(و) ينقض (لمسهما) أي لمس الذكر والقبل معا (من خنثى مشكل) لشهوة أولا، إذ أحدهما أصلي قطعا (1)(و) ينقض أيضا (لمس ذكر ذكره) أي ذكر الخنثى المشكل لشهوة، لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره، وإن كان امرأة فقد لمسها لشهوة (2) فإن لم يمسه لشهوة أو مس قبله لم ينتقض (3)(أو أنثى قبله) أي وينقض لمس أنثى قبل الخنثى المشكل (لشهوة فيهما)(4) أي في هذه والتي قبلها (5) لأنه إن كان أنثى فقد مست فرجها، وإن كان ذكرا فقد لمسته لشهوة (6) .
(1) كما لو لم يكن معه زائد، سواء كان المس منه أو من غيره، ولمسه لمسا من باب قتل وضرب، أفضى إليه باليد، واستعمال غالب الفقهاء على أن المس باليد، واللمس أعم منه، وقال الجوهري: اللمس هو المس للشيء باليد، وقال خطيب الدهشة: المس مسك الشيء بيدك، وقال الشيخ: لفظ المس واللمس سواء، من فرق بينهما فقد فرق بين متماثلين، وقوله (معا) أي جميعا، لأن لمس الفرج متيقن.
(2)
وعبارة المقنع وغيره: بشهوة، قال في المبدع: وهي أحسن، لتدل على المصاحبة والمقارنة واللام ربما تشعر بتقدم الشهوة، أو بتأخرها.
(3)
أي ولو بشهوة، لاحتمال أن يكون زائدا.
(4)
لأن الخنثى إن كان امرأة فقد لمست المرأة فرج امرأة، وإن كان ذكرا فقد لمسته بشهوة.
(5)
يعني اشتراط اللمس بشهوة من خنثى مشكل، أو ذكر ذكره، أو أنثى قبله.
(6)
وتقدم قول الشيخ في مس الذكر، فالخنثى من باب أولى.
فإن كان المس لغيرها (1) أو مست ذكره لم ينتقض وضوءها (2)(و) الخامس (مسه) أي الذكر (امرأة بشهوة)(3) لأنها التي تدعو إلى الحدث، والباء للمصاحبة (4) .
(1) أي بغير شهوة لم ينتقض الوضوء في المسألتين.
(2)
ولو بشهوة لاحتمال أن يكون زائداِ.
(3)
جمعا ين الآية والأخبار لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وفي قراءة (أو لمستم) واللمس يطلق في الشرع على الجس باليد، ولقول عائشة: فوقعت يدي على بطن قدميه وهما منصوبتان رواه مسلم، ولهما قالت: فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وصلى وهو حامل أمامة فاعتبرت الحالة التي يدعو المس فيها إلى الحدث، هي حالة الشهوة.
(4)
أي فيعتبر مقارنتهما، وقال الشيخ: ظاهر مذهب أحمد كمذهب مالك والفقهاء السبعة أن اللمس إن كان بشهوة نقض وإلا فلا، وليس في المسألة قول متوجه غير هذا وقال: إذا مسها لغير شهوة فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوءا، ولا يستحب الوضوء منه، وذكر الزركشي وغيره أن المراد اللمس للتلذذ، أما اللمس لغرض آخر فلا فرق بينهن وبين غيرهن في ذلك، لأن اللمس بشهوة هو المظنة لخروج المني، والمذي فأقيم مقامه كالنوم مع الريح، وعنه لا ينقض مطلقا، اختاره في الفائق، والآجري والشيخ: وقال الأظهر أنه لا يجب الوضوء من مس النساء، فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، بل قال: لا يقدر أحد أن ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر أصحابه بالوضوء من مس النساء، لعموم البلوى بذلك، وقبل صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، وقال: لا خلاف أنه لم ينقل عنه أنه توضأ من المس، وقال: الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى
هذا علم أنه ليس من دينه، وذكر أصولا ثم قال: وبهذه الطرق يعلم أنه لم يوجب الوضوء من لمس النساء، فإنه لم ينقل أحد عنه بإسناد يثبت مثله أنه أمر بذلك مع أن الناس لا يزال أحدهم يلمس امرأته بشهوة، أو بغير شهوة، ولم ينقل عنه مسلم أنه أمر الناس بالتوضؤ من ذلك، والقرآن لا يدل على ذلك، بل المراد بالملامسة الجماع، وذكر أن استحباب الوضوء من لمسهن بشهوة متوجه ظاهر، وصوبه في الإنصاف.
والمرأة شاملة للأجنبية وذات المحرم والميتة والكبيرة والصغيرة المميزة (1) وسواء كان المس باليد أو غيرها (2) ولو بزائد لزائد أو أشل (3)(أو تمسه بها) أي ينقض مسها للرجل بشهوة كعكسه السابق (4)(و) ينقض (مس حلقة دبر) لأنه فرج (5) .
(1) لعموم (أو لا مستم) ويستثنى الصغيرة لحمله أمامة وهو يصلي.
(2)
من بشرته أو بشرتها.
(3)
أي ولو كان المس لأشل أو به فنيقض المس، وزاد الشي يزيد زيدا وزيادة فهو زائد، والزائد اسم فاعل، وهو أن ينضم إلى ما عليه الشيء في نفسه شيء آخر، والزيادة ما يزاد أو يزيد، جمعه زيادات، والشلل اليبس أو الذهاب.
(4)
في قوله: ومسه امرأة بشهوة، لأنها ملامسة تنقض الوضوء، فاستوى فيها الذكر والأنثى كالجماع، قال أحمد: هي شقيقة الرجل، يعجبني أن تتوضأ ومرادهم وجوب الوضوء، وتقدم استظهار الشيخ الاستحباب، وتمس بفتح الميم على المشهور وحكي ضمها.
(5)
وتقدم حديث من مس فرجه فليتوضأ، وعنه لا ينقض مس حلقة الدبر،
اختاره جماعة منهم المجد، وقال الخلال: العمل عليه وصححه في
التصحيح واستظهره في الفروع والتنقيح وغيرهما، وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وأحد قولي الشافعي، وتقدم استحباب الشيخ الوضوء من مس الذكر والفرج يتناولهما.
سواء كان منه أو من غيره (1)(لامس شعر وسن وظفر) منه أو منها (2) ولا المس بها (3)(و) لامس رجل لـ (أمرد) ولو بشهوة (4)(ولا) المس (مع حائل) لأنه لم يمس البشرة (5)(ولا) ينتقض وضوء (ملموس بدنه ولو وجد منه شهوة) ذكرا كان أو أنثى (6) .
(1) أي سواء كان من الماس بأن مس حلقة دبر نفسه، أو من غيره، بأن مس حلقة دبر غيره، ذكرا كان أو أنثى.
(2)
أي سواء كان الشعر والسن والظفر من الرجل أو المرأة، فلا ينقض، لأنه في حكم المنفصل، والسن مؤنثة جمعها أسنان، مثل حمل وأحمال.
(3)
أي ولا ينقض المس بالشعر والسن والظفر، لأنها في حكم المنفصل.
(4)
الأمرد هو الشاب طر شاربه ولم تنبت لحيته، قال الشيخ: وهو المشهور من مذهب الشافعي، والقول الثاني في مذهب أحمد وغيره أنه كمس النساء بشهوة فينقض وهو المشهور من مذهب مالك، والتلذذ بلمسه حرام بإجماع المسلمين، وكذا النظر إليه بشهوة، فحيث وجد اللمس بشهوة تعلق الحكم به.
(5)
أي ظاهر الجلد أشبه لمس الثياب ولو بشهوة، كما لو وجدت من غير لمس شيء، لأن الشهوة لا توجب الوضوء بمجردها، وذلك إجماع ممن رأى النقض بالمس إلا مالكا إذا لم يكن الحائل من الصفاقة بحيث يمنع اللذة المعتبرة.
(6)
لأنه لا نص فيه، وقياسه على الماس لا يصح لفرط شهوته، وكذا لا ينقض وضوء بانتشار ذكر عن فكر وتكرار نظر، لأنه لا نص فيه، وقال الشيخ: من تفكر فتحركت شهوته فانتشر، أو مس الأمرد وغيره فانتشر فالتوضؤ عند
تحرك الشهوة من جنس التوضؤ عند الغضب، لما في السنن، إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وكذلك الشهوة الغالبة من الشيطان، والنار، والوضوء يطفئها، فهو مستحب.
وكذا لا ينتقض وضوء ملموس فرجه (1)(وينقض غسل الميت) مسلما كان أو كافرا، ذكرا كان أو أنثى، صغيرا أو كبيرا (2) لما روي عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء (3) .
(1) وفاقا، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الماس بالوضوء، ولو انتقض وضوء الملموس لأمره أيضا بالوضوء، وقياسه على الماس لا يصح.
(2)
للعموم وميت مشدد ومخفف، وكذا غسل بعض ميت، ولو كان الغسل في قميص ونحوه.
(3)
وعن أبي هريرة، أقل ما فيه الوضوء، وهو قول علي وحذيفة، وكان شائعا عنهم، قال الشارح: ولم يعلم لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا، ولأن الغاسل لا يسلم غالبا من مس عورة الميت، فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث، وعنه: لا ينقض وفاقا، واختاره جماعة من الأصحاب، وقال الشارح والموفق وغيرهما: هو قول أكثر العلماء، وقال: وهو الصحيح لأنه لم يرد فيه نص صحيح، ولا هو في معنى المنصوص عليه، وقال الشيخ: الأظهر أنه لا يجب الوضوء من غسل الميت، فإنه ليس مع الموجبين دليل صحيح، بل الأدلة الراجحة تدل على عدم الوجوب، لكن الاستحباب متوجه ظاهر، وكلام الإمام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب اهـ. ويشهد لهذا القول قوله صلى الله عليه وسلم ليس عليكم في غسل ميتكم غسل إذا غسلتموه فإن ميتكم ليس بنجس، فحسبكم أن تغسلوا أيديكم رواه البيهقي وغيره، وحسن الحافظ إسناده، وجوده في المبدع.
والغاسل هو من يقلبه ويباشره ولو مرة (1) لا من يصب عليه الماء، ولا من ييممه (2) وهذا هو السادس (3)(و) السابع (أكل اللحم خاصة من الجزور) أي الإبل (4) فلا ينقض بقية أجزائها كالكبد (5) وشرب لبنها ومرق لحمها (6) سواء كان نيئا أو مطبوخا (7) .
قال أحمد: فيه حديثان صحيحان حديث البراء، وحديث جابر ابن سمرة (8) .
(1) أي يقلب الميت ويباشر غسله، ولو مرة واحدة.
(2)
فلا يسمى أحدهما غاسلا، ولا تجري عليه أحكامه.
(3)
يعني غسل الميت هو السادس من نواقض الوضوء.
(4)
بكسرتين وتسكن الباء، اسم جمع لا واحد له، وجمعه آبال، والجزور منها تقع على الذكر والأنثى، جمعها جزائر وجزر وجزرات، وجزر الشيء يجزره قطعه، واللحم هو المادة الحمراء الرخوة التي تؤكل.
(5)
والقلب والطحال والكرش والشحم، والكلية بضم الكاف، واللسان، والرأس والسنام والأكارع والمصران، لأن النص لم يتناوله.
قال الشيخ: اختاره كثير من أصحابنا، وصححه في التصحيح، وابن عقيل، وجزم به في الوجيز وغيره.
(6)
أي لا ينقض، لأن النص لم يتناوله.
(7)
يعني لحم الإبل، لأن الأمر بالوضوء يقتضي ذلك، وقال الشيخ وغيره، وسواء كان قليلا أو كثيرا عالما أو جاهلا.
(8)
فحديث البراء قال: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل قال: نعم توضئوا منها رواه أحمد وأهل السنن، وابن حبان وابن خزيمة في صحيحه، وقال: لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح
لعدالة ناقليه، وحديث جابر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضئوا من لحوم الإبل، رواه أحمد ومسلم، ولابن ماجه نحوه عن ابن عمر، وكذا أبو داود والترمذي، وله شواهد من وجوه أخر، ولأن فيها من القوة الشيطانية ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: إنها جن خلقت من جن، فأكل لحمها يورث قوة شيطانية، تزول بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وقال الزركشي وغيره: هي من الشياطين، كما في الحديث الصحيح، فإذا أكل منها أورث ذلك قوة شيطانية، فشرع الوضوء منها ليذهب سورة الشيطان، وقال النووي: ذهب الأكثر إلى أنه لا ينقض وذهب إلى النقض به أحمد وابن المنذر وابن خزيمة والبيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقا، وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه، فلعلهم لم يسمعوا هذه النصوص، أو لم يعرفوا العلة، وحكاه الماوردي وابن المنذر عن طائفة من الصحابة والتابعين، وكان أحمد يعجب ممن يدع حديث لحوم الإبل مع صحته التي لا شك فيها، فيخرج على مذاهبهم فإن المذهب لا يكون خلاف ما فيه نص صحيح صريح أو إجماع كما صرحوا به، ولا ينقض طعام محرم، وهو مذهب الخلفاء قال الشارح وغيره: لا نعلم فيه خلافا، وعنه لحم الخنزير، قال الشيخ: الخبيث المباح للضورة كلحم السباع أبلغ من الإبل، فالوضوء منه أولى، والخلاف فيه بناء على أن الوضوء من لحم الإبل تعبدي، وقد بين الشارع العلة.
(و) الثامن المشار إليه بقوله (كل ما أوجب غسلا)(1) كإسلام (2) .
(1) أي تسبب عنه وجوبه، وإلا فالموجب الشارع.
(2)
أي إسلام كافر، أصليا كان أو مرتدا، ولذلك أسقط الردة وقد قال تعالى:
{لئن أشركت ليحبطن عملك} لأنه إذا عاد إلى الإسلام فإنا نوجب عليه الغسل، وإذا وجب الغسل وجب الوضوء، قال الشيخ: يتطهر فيما إذا عاد إلى الإسلام، فإنا نوجب عليه الوضوء والغسل، فإذا نواهما بالغسل أجزأ اهـ ومذهب جمهور العلماء الأئمة الثلاثة وغيرهم أن الردة لا تنقض الوضوء، لحديث لا وضوء إلا من صوت أو ريح، والمراد بالإحباط من مات على الردة، ولم يذكر القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب، وجمع الردة من النواقض والردة هي الإتيان بما يخرج من الإسلام، إما نطقا وإما اعتقادا وإما شكا، وقد تحصل بالفعل.
وانتقال مني ونحوهما (1)(أوجب وضوءا (2) إلا الموت) فيوجب الغسل دون الوضوء (3) ولا نقض بغير ما مر (4) كالقذف والكذب والغيبة ونحوها (5) والقهقهة ولو في الصلاة (6) .
(1) كالتقاء الختانين، والحيض والنفاس، وغير ذلك من موجبات الغسل.
(2)
لأن وجوب الغسل وهو الطهارة الكبرى، لازم لوجوب الطهارة الصغرى.
(3)
فلا يجب الوضوء بالموت بل يسن.
(4)
أي من النواقض المشتركة بين المسح على الخفين وغيره، حكاه ابن المنذر وغيره إجماعا، وأما المخصوصة كبطلان المسح بفراغ مدته، وخلع حائل ونحو ذلك فمذكور في أبوابه.
(5)
كالسب نص عليه، قال الشيخ: ويستحب الوضوء عقب الذنب، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين: وصوبه النووي وغيره، وذكر غير واحد أنه يسن الوضوء من الكلام المحرم، وهو قول ابن مسعود وعائشة والشعبي وغيرهم، فإن الطهارة لها معنيان: الطهارة من الذنوب، والطهارة الحسية بالماء والتراب، وإنما أمر بهذه لتحقق تلك، فالفاعل للمنهي عنه خرج عن مقصود الطهارة، فيستحب له إعادة الوضوء.
(6)
أي لا نقض بها، قال الشيخ: عند جمهور العلماء، كمالك والشافعي وأحمد، وهي معروفة بأن يقول قه قه، وقهقهة الرجل رجع في ضحكه وكرره.
وأكل ما مست النار (1) غير لحم الإبل (2) ولا يسن الوضوء منهما (3)(ومن تيقن الطهارة وشك) أي تردد (في الحدث (4) .
(1) أي لا نقض به لقول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ورواه أبو داود والترمذي، وفي الصحيح أنه أكل من كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ وأكل سويقا ولم يتوضأ.
(2)
فينقض لأن أحاديث الأمر بالوضوء منه خاصة، وأحاديث عدم الوضوء مما مست النار عامة، والخاص مقدم على العام، وقال الشيخ: وهذا الخاص متأخر على العام، وقد اتفق العلماء على تقديم الخاص المتأخر، ولحم الإبل لم يتوضأ منه لأجل مس النار بل لمعنى يختص به.
(3)
أي من القهقهة وأكل ما مست النار، بخلاف الكلام المحرم فيسن الوضوء منه، قال الشيخ: لا ينتقض عند الجمهور، ولكن يستحب في أقوى الوجهين، وقال في القهقهة كذلك، لكونه أذنب ذنبا، وللخروج من الخلاف، فإن مذهب أبي حنيفة: ينقض الوضوء اهـ، وما أوجب الطهارة لا فرق فيه بين التعبد وغيره، لقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وهي تكون باحتلام وغيره، وأمره في المذي بالوضوء، وهو يخرج بلا قصد وغير ذلك.
(4)
بنى على يقين الطهارة، وتقدم أن اليقين ضد الشك، وفي الاصطلاح: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا مطابقا للواقع غير ممكن الزوال، وقال الموفق: ما أذعنت النفس للتصديق به، وقطعت به وقطعت بأن قطعها به صحيح، والشك خلاف اليقين عند الفقهاء، وهو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، وتقدم أن التردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى في اللغة وعند الفقهاء شكًا سواء المستوي والراجح والمرجوح وقال ابن القيم: مرادهم به التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء تساوي الاحتمالان أو رجح أحدهما.
والقاعدة: كل مشكوك اجعله كالعدم، ويأتي قول ابن عمر نهى عن صوم يوم الشك، اطراحا لأعمال الشك، فهو أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة إلا بيقين في انتقالها، فمتى تيقن الطهارة وشك في الحدث فهو على الطهارة إجماعا، حكاه غير واحد إلا رواية عن مالك أنه يبنى على الحدث، وقال ابن رشد: لم يتابعه على هذا غيره، والثانية عنه كمذهب الجماعة.
أو بالعكس) بأن تيقن الحدث وشك في الطهارة (1)(بنى على اليقين)(2) سواء كان في الصلاة أو خارجها (3) تساوى عنده الأمران أو غلب على ظنه أحدهما (4) لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) متفق عليه (5) .
(1) بنى على يقين الحدث، لأن الحدث إذا يقين، فلزم ما تيقن، ولغا المشكوك بإجماع المسلمين.
(2)
وهو الطهارة في الصورة الأولى، والحدث في الصورة الثانية بالإجماع، ولقوله صلى الله عليه وسلم ليطرح الشك، وليبن على ما استيقن.
(3)
هذا مذهب علماء السلف والخلف، إلا رواية عن مالك فيما إذا كان شكه خارج الصلاة ولم يتابع على ذلك.
(4)
أي الطهارة أو الحدث، لأن غلبة الظن إذا لم يكن لها ضابط في الشرع لم يلتفت إليها.
(5)
من حديث عبد الله بن زيد في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال: لا ينصرف الحديث ولمسلم عن أبي هريرة إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا، فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا، أي لا ينصرف حتى يتيقن سماع الصوت، أو وجود الرائحة ولا
يشترط السماع، ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم ما يرفع الأصل، وليس المراد تخصيص هذين الأمرين باليقين، لأن المعنى إذا كان أوسع من اللفظ كان الحكم للمعنى، وهذا أصل وقاعدة من قواعد الدين في أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك.
(فإن تيقنها) أي تيقن الطهارة والحدث (1)(وجهل السابق) منهما (2)(فهو بضد حاله قبلهما) إن علمها (3) فإن كان قبلهما متطهرا فهو الآن محدث، وإن كان محدثا فهو الآن متطهر، لأنه قد تيقن زوال تلك الحالة إلى ضدها، وشك في بقاء ضدها، وهو الأصل، وإن لم يعلم حاله قبلهما تطهر (4) .
(1) أي تيقن أنه مرة كان طاهرا ومرة كان محدثا.
(2)
أي من الطهارة والحدث، بأن لم يدر الطهارة قبل الحدث أو بالعكس.
(3)
أي تلك الحالة، لأن ما يغايره مشكوك فيه فلا يلتفت إليه.
(4)
فإذا كان جهل حاله قبل الطهارة أو الحدث فلم يدر هل كان قبل الزوال مثلا متطهرا أو محدثا؟ تطهر وجوبا إذا أراد الصلاة ونحوها، لتيقنه الحدث في إحدى الحالتين، والأصل بقاؤه لأن وجود يقين الطهارة في الحالة الأخرى مشكوك فيه أكان قبل الحدث أو بعده، ولأنه لم يتحقق طهارته لا يقينا ولا ظنا، ومحل ما تقدم إذا كان الشك في الصلاة أو قبلها، وقال عثمان: إذا تيقن الحدث والطهارة بعد طلوع الشمس مثلا وجهل أسبقهما ففي ذلك ثمان صور: الأولى أن يتيقن الاتصاف بالطهارة والحدث: الثانية أن يتيقن فعل كل من الطهارة والحدث من غير أن يعلم أن الطهارة عن حدث أو لا، وأن الحدث ناقض لطهارة أو لا، الثالثة أن يتيقن الاتصاف بالطهارة، وفعل حدث لا يدري هل هو ناقض لطهارة أو لا
الرابعة أن يتيقن الاتصاف بالحدث وفعل طهارة لا يدري هل هي رافعة لحدثه أو لا؟ فهذه الصور الأربع حكمها واحد على الصحيح، وهو أنه إن جهل حاله قبلهما تطهر، وإلا فهو على ضدها، والخامسة أن يتيقن فعلهما رفعا لحدث ونقضا لطهارة، السادسة أن يعين وقتا لا يسعهما، كما لو قال توضأت وأحدثت عند قول المؤذن: الله أكبر، ففي هاتين الصورتين، إن جهل حاله قبلهما تطهر، وإلا فهو على مثلها السابعة تيقن أن الطهارة عن حدث ولم يدر هل الحدث ناقض لطهارة أولا؟ فهو في هذه الصورة متطهر مطلقا، سواء علم حاله قبلهما أولا، وسواء كان قبلهما متطهرا أو محدثا؟ الثامنة عكسها بأن تيقن أن الحدث ناقض لطهارة ولم يدر هل الطهارة عن حدث أو لا؟ فهو في هذه الصورة محدث مطلقا.