المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ قال الشيخ: والرواية صريحة في التطهير بالاستحالة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ قال الشيخ: والرواية صريحة في التطهير بالاستحالة

(ولا) يطهر متنجس بـ (استحالة)(1) فرماد النجاسة ودخانها وغبارها وبخارها (2) .

(1) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة وألبانها لأكلها النجاسة، وعنه يطهر وفاقا للجمهور أبي حنيفة وأهل الظاهر، وأحد القولين في مذهب مالك، ووجه في مذهب الشافعي،‌

‌ قال الشيخ: والرواية صريحة في التطهير بالاستحالة

، وهو الصحيح في الدليل، ولا يدخل في نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى، ولا ينبغي أن يعبد بأن النجاسة طهرت بالاستحالة، فإن نفس النجس لم يطهر لكن استحال وهذا الطاهر ليس هو ذلك النجس، وإن كان مستحيلا منه، كما أن الماء ليس هو الزرع، والاستحالة استفعال من حال الشيء عما كان عليه زال، وذلك مثل أن تغير العين النجسة ونحو ذلك، وقال: قول من قال: الاستحالة لا تطهر، فتوى عريضة مخالفة لإجماع المسلمين.

(2)

نجس، فالرماد من الروث النجس نجس، والصابون عمل بزيت نجس نجس، وتراب جبل بروث حمار ونحوه نجس، ولو احترق كالخزف، وعنه طاهر وفاقا لأبي حنيفة وغيره، وإحدى الروايتين عن مالك، قال الشيخ: والصواب الطهارة في الجميع، فإن التنجيس والتحريم يتبع الاسم والمعنى الذي هو الخبث وكلاهما منتف، وليس في هذه من النجاسة شيء، وقال: وأما دخان النجاسة فمبني على أصل، وهو أنه هل تطهر العين النجسة إذا استحالت؟ وفيه قولان للعلماء أحدهما لا تطهر، كقول الشافعي، والآخر تطهر، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك في أحد القولين، وإحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب أهل الظاهر وغيرهم

وهو الصواب المقطوع به، فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم لا لفظا ولا معنى، فهي من الطيبات، والنص والقياس يقتضي تحليلها، فليست محرمة، وعلى أصح القولين فالدخان والبخار المستحيل عن النجاسة طاهر، لأنه أجزاء هوائية ونارية ومائية، وليست في شيء من وصف الخبث.

ص: 349

ودود جرح (1) وصراصر كنف (2) وكلب وقع في ملاحة فصار ملحا (3) ونحو ذلك نجس (4) .

(غير الخمرة) إذا انقلبت بنفسها خلا (5) .

(1) نجس لاستحالته عن الدم والدودة دويبة صغيرة مستطيلة كدودة القز.

(2)

نجس لاستحالته عن النجاسة، والصراصر جمع صرار، دويبة تنشأ من الكنف ونحوها.

(3)

أي وقع في الملاحة بالتشديد فاستحال ملحا نجس.

(4)

أي نحو ما تقدم كالدم يستحيل قيحا فنجس، وعنه طاهر، وقال الشيخ: الصواب أن ذلك كله طاهر إذا لم يبق شيء من أثر النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها فإذا كانت العين ملحا أو خلا دخلت في الطيبات التي أباحها الله، وما سقي أو سمد بنجس من زرع وغيره طاهر مباح اهـ وجزم به في التبصرة، ولا يسع الناس العمل بغيره، قال غير واحد، وعليه عمل الناس قديما وحديثا، وفاقا للأئمة الثلاثة، قال الشيخ: ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي وأومأ إليه أحمد.

(5)

من غير معالجة فتطهر قال الموفق والشيخ وغيرهما: بإجماع المسلمين لأنه لا يريد تخليلها وإذا جعلها الله خلا كان معاقبة له بنقيض قصده فلا يكون في حلها مفسدة اهـ والخمر يذكر ويؤنث، اسم لكل مسكر خامر العقل، وخمرة وخمر وخمور، كتمرة وتمر وتمور، وسميت خمرة لأنها تركت فاختمرت

واختمارها تغيرها وقيل لأنها تخمر العقل وتستره، أو لأنها تخامره أي تخالطه، وهي رجس كما في الآية، وحكى أبو حامد وصاحب المبدع وغيرهما الإجماع على نجاستها، لكن خالف الليث وربيعة وداود، وقال ابن رشد: اتفق المسلمون على نجاسة الخمر إلا خلاف شاذ اهـ وخللت تخليلا حمضت وفسدت، وخلل شراب فلان إذا فسد وصار خلا.

ص: 350

أو بنقل لا لقصد تخليل (1) ودنها مثلها (2) لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت (3) كالماء الكثير إذا زال تغيره بنفسه (4) والعلقة إذا صارت حيوانا طاهرا (5) .

(1) أي انقلبت خلا بنقل من دن إلى آخر، أو من ظل إلى شمس فتطهر كما لو انقلبت بنفسها، لا إن نقلت لقصد التخليل، للخبر الآتي وغيره، وأصل التخليل من إدخال الشيء في خلال الشيء، وتخليل الخمر معالجتها بطرح شيء فيها كالملح.

(2)

أي دن الخمرة بفتح الدال جمعه دنان، كسهم وسهام، كهيئة الحب، وهو وعاؤها مثلها في الحكم، طهارة ونجاسة، إذا كان مستجنسا بها، لا قبل، وكمحتفر في أرض فيه ماء كثير تغير بنجاسة ثم زال تغيره بنفسه فيطهر هو ومحله.

(3)

أي لأن علة النجاسة لأجل شدتها المسكرة الحادثة وقد زالت، وهي غير نجاسة خلقة فطهرت بزوال تلك النجاسة الحادثة إلى الطهارة.

(4)

فطهر هو ومحله، والخمر نجاستها لأمر زال بالانقلاب فطهرت بزوال ذلك، بخلاف النجاسات العينية.

(5)

أي وغير العلقة إذا خلق منها آدمي، أو حيوان طاهر فإنها تصير طاهرة بعد أن كانت نجسة، وهي أولى بالعفو من غيرها، والتحقيق ما تقدم في قول الشيخ: أن كل ما استحال إلى الطيبات طهر، والعلق الدم الغليظ، والقطعة منه علقة.

ص: 351

(فإن خللت) أو نقلت لقصد التخليل لم تطهر (1) والخل المباح أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي (2) ويمنع غير خلال من إمساك الخمرة لتخلل (3) .

(1) بالغسل وفاقا للشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الخمر تتخذ خلا قال:(لا) رواه مسلم وغيره عن أنس، وقال عمر، لا تأكلوا خل خمر إلا خمرا بدأ الله بفسادها، وثبت عن طائفة من الصحابة، قال ابن القيم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف اهـ.

وذلك لأن اقتناء الخمر محرم، فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرما، فلا يكون سببا للحل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها داء وليست بدواء، إبعادا عن اصطناعها الداعي إلى شربها، وخصها دون غيرها من المطاعم بالحد، لقوة محبة الأنفس لها.

(2)

نقله الجماعة، وقيل له: فإن صب عليه خل فغلى؟ قال: يهراق اهـ وقيل أن تمضي عليه ثلاثة أيام حتى لا يستحيل أولا خمرا، وكذا إذا عصر على العنب أترج أو خل منعه من الغليان، وكذا اللبن الحامض جدا، والخل مصدر، وما حمض من عصير العنب وغيره، وأجوده خل الخمر، تركب من جوهرين حار وبارد، نافع للمعدة واللثة والقروح والحكة وغيرها، وفي الحديث نعم الإدام الخل، وسمي خلا لأنه اختل من طعم الحلاوة.

(3)

أي يمنع غير صانع الخل وبائعه، ويراق خمره في الحال، فإن خالف وأمسك فصار خلا بنفسه طهر، وأما الخلال فلا يمنع لئلا يضيع عليه ماله، والقول الثاني يراق كغيره، وقال شيخ الإسلام: أظهرهما وجوب إراقته، فإنه ليس في الشريعة خمرة محترمة، لأمره صلى الله عليه وسلم بإراقة خمر اليتامى اهـ وإنما حرم إمساكها للتخليل، لئلا يتخذ ذريعة إلى إمساكها للشرب وعن شرب العصير بعد ثلاث وعن الإنتباذ في الأوعية التي قد يتخذ النبيذ فيها ولا يعلم به حسما لمادة

قربان المسكر، ومتابعة للسنة المأثورة لأنها مظنة ظهور الشدة غالبا، وقد صرح الشارع بالعلة في تحريم القليل، فقال: لو رخصت لكم في هذه لأوشك أن تجعلوها مثل هذه، والعلة في تحريمها: المفاسد الكثيرة المترتبة على زوال العقل، وقد تواتر تحريمها فلا يرده إلا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.

ص: 352

(أو تنجس دهن مائع)(1) أو عجين (2) .

(1) لم يطهر بالغسل ولو كثر، وحد المائع بحيث يسيل لو فتح فم الزق، وقيل: بحيث لا تسري فيه النجاسة، وعنه: أن المائع كالماء لا ينجس إلا بالتغير، قال الشيخ: بل أولى بعدم التنجيس من الماء، وهو الأظهر في الأدلة الشرعية بل لو نجس القليل من الماء لم يلزم تنجيس الأشربة والأطعمة، ولذا لم يأمر مالك بإراقة ما ولغ فيه الكلب من الأطعمة والأشربة، وفي تنجيسها من الحرج والضيق ما لا يخفى، والفقهاء يعتبرون رفع الحرج في هذا الباب، وإذا كان الصحيح في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغير، فكذلك الصواب في المائعات، ومن تدبر الأصول المجمع عليها، والمعاني الشرعية المعتبرة تبين له أن هذا هو أصوب الأقوال، فإن نجاسة الماء والمائعات بدون التغير بعيد عن ظواهر النصوص والأقيسة، وقال وبالجملة فلم أعلم إلى ساعتي هذه لمن ينجس المائعات الكثيرة بوقوع النجاسة فيها إذا لم يتغير حجة يعتمد عليها المفتي فيما بينه وبين الله عز وجل، وقال ابن القيم: إذا لم تتغير بالنجاسة لم تنجس، وهو الصواب الذي تدل عليه الأصول والنصوص والمعقول، فإن الله أباح الطيبات وحرم الخبائث، والطيب والخبيث يثبت للمحل باعتبار صفات قائمة به، فما دامت تلك الصفة فالحكم تابع لها، فإذا زالت وخلفتها الصفة الأخرى زال الحكم، وخلفه ضده، فهذا هو محض القياس والمعقول، فإذا زال التغير عاد طيبا، والدليل على أنه طيب الحس والشرع.

(2)

أي أو تنجس عجين لم يطهر بالغسل، لأنه لا يمكن غسله، والعجين ما يعجن من الدقيق بالماء، فعيل بمعنى مفعول، من: عجن الدقيق ونحوه يعجنه عجنا

اعتمد عليه بجميع كفه يغمزه، وقال الشيخ وغيره: يطهر السمن الجامد والعجين بقلع وجهه، والتمر بالغسل، وذكر أن طائفة من أصحاب الأئمة رأوا غسل الدهن النجس، وهو خلاف قول الأئمة الأربعة.

ص: 353

أو باطن حب (1) أو إناء تشرب النجاسة (2) أو سكين سقيتها (لم يطهر)(3) لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه (4) .

وإن كان الدهن جامدًا ووقعت فيه نجاسة ألقيت وما حولها والباقي طاهر (5) .

(1) أي أو تنجس باطن حب تشرب نجاسة من أي أنواع الحبوب لم يطهر بالغسل، لأنه لا يستأصل أجزاء النجاسة مما ذكر، وما لم يتشرب النجاسة يطهر بمرور الماء عليه وانفصاله.

(2)

أي أو تنجس إناء تشرب النجاسة لم يطهر بالغسل.

(3)

أي أو تنجست سكين سقيت النجاسة وهو بأن تعالج بأدوية وتغمس في الماء النجس وأما إحماؤها في النار، ثم غمسها في ماء نجس ونحوه فإطفاء لها، فتطهر بالغسل، فإن غمست أو طبخ لحم بماء نجس كفى غسلهما ولم يحتج إلى غسل السكين وإغلاء اللحم مع عصره، وقال الشيخ في سكين القصاب: لا تحتاج إلى غسل، فإن غسل التي يذبح بها بدعة.

(4)

أي أجزاء ما تنجس مما ذكر.

(5)

لحديث أبي هريرة ألقوها وما حولها وكلوه، وإن كان مائعا فلا تقربوه، رواه أبو داود، والجامد هو القائم اليابس ضد الذائب، أو هو الذي إذا أخذ منه قطعة لا يتراد من الباقي، ما يملأ محلها عن قرب، والمائع بخلافه، قال شيخ الإسلام: عمل بهذا اللفظ بعض العلماء لظنهم صحته، وهو باطل، ولو اطلع الإمام أحمد على العلة القادحة فيه لم يقل به لأنه من رواية معمر، وهو كثير الغلط باتفاق أهل العلم وقوله:«فلا تقربوه» متروك عند السلف والخلف من الصحابة والتابعين: وقال البخاري وغيره: خطأ وقال ابن القيم: غلط من معمر من عدة وجوه: ويكفي أن الزهري قد روى عنه الناس كلهم خلاف ما روى عنه معمر، وسأل عن هذه المسألة فأفتى بأنها يلقى ما حولها ويؤكل الباقي في الجامد والمائع والقليل والكثير، واستدل بالحديث، فهذه فتياه وهذا استدلاله وهذه رواية الأمة عنه، فقد اتفق على ذلك النص والقياس، ولا يصلح للناس سواه، وما سواه من الأقوال فمتناقض لا يمكن صاحبه طرده اهـ وفي الصحيح وغيره عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فقال: ألقوها وما حولها وكلوه، قال شيخ الإسلام: إذا وقعت فأرة في دهن مائع ولم يتغير بها ألقيت وما قرب منها، ويؤكل ويباع في أظهر قولي العلماء.

ص: 354

فإن اختلط ولم ينضبط حرم (1) .

(وإن خفي موضع نجاسة) في بدن أو ثوب أو بقعة ضيقة (2) وأراد الصلاة (غسل) وجوبا (3)(حتى يجزم بزواله) أي زوال النجس لأنه متيقن، فلا يزول إلا بيقين الطهارة (4) .

(1) أي فإن اختلط النجس بالطاهر، ولم ينضبط النجس حرم الأكل، تغليبا لجانب الحظر، وإن وقع في مائع سنور أو فأرة ونحوهما مما ينضم دبره إذا وقع فخرج حيا فطاهر، وكذا في جامد، وإن مات فيه، أو حصلت منه رطوبة ألقي وما حوله.

(2)

كمصلى صغير أو بيت صغير.

(3)

يعني ما احتمل أن النجاسة أصابته.

(4)

ولأنه اشتبه الطاهر بالنجس فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة

بالغسل ولا يكفي الظن، وعند الشيخ يكفي الظن في غسل المذي وغيره من سائر النجاسات، وفي القواعد الأصولية: يحتمل أن تخرج رواية في بقية النجاسات، من الرواية التي في المذي، وفي النكت: وعنه ما يدل على جواز التحري في غير صحراء.

ص: 355

فإن لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله، وإن علمها في أحد كميه ولا يعرفه غسلهما (1) ويصلي في فضاء واسع حيث شاء بلا تحر (2)(ويطهر بول) وقيء (غلام لم يأكل الطعام) لشهوة (بنضحه) أي غمره بالماء (3) .

(1) أو علمها في أحدهما ونسيه غسلهما، وإن علمها فيما يدركه بصره من بدنه أو ثوبه غسل ما يدركه منها، وما لا يدركها أي لا يشاهدها بالعين لقلتها بحيث لو كانت مخالفة للون ثوب ونحوه، ووقعت عليه لم تر لقلتها، وتعبير بعضهم بما لا يدركه الطرف فيه نظر، والأحاديث الصحيحة صريحة فيما يظهر من القذر، واختار ابن عقيل وابن المنا وصاحب الفائق والشيخ وغيرهم أنه لا ينجس.

(2)

ولا غسل كصحراء وحوش واسع خفي موضع النجاسة فيه، لأنه يفضي إلى الحرج والمشقة، ولحديث كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم.

(3)

قال صاحب الإنصاف وغيره: بلا نزاع، وإن لم يقطر منه شيء، والنضح في الأصل الرش والبل، فالذي أصابه البول يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره وفي الكافي: أن يغمره بالماء وإن لم ينزل عنه، وهو نجس، صرح به الجمهور، هذا إذا لم يأكل الطعام لشهوة أو اختيار، فإنه قد يلعق العسل ساعة يولد ويناول السفوف ونحوه، والنبي صلى الله عليه وسلم حنك بالتمر، قال شيخنا وغيره: ليس المراد امتصاصه ما يوضع في فمه وابتلاعه، بل إذا كان

يريد الطعام ويتناوله ويشرئب أو يصيع أو يشير إليه فهذا هو الذي يطلق

عليه أنه يأكل الطعام اهـ فإن أكله لشهوة واختيار غسل والغلام يطلق على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى بلوغه، وفي لفظ بول الغلام الرضيع.

ص: 356

ولا يحتاج لمرس وعصر (1) فإن أكل الطعام غسل كغائطه وكبول الأنثى والخنثى، فيغسل كسائر النجاسات (2) قال الشافعي: لم يتبين لي فرق من السنة بينهما وذكر بعضهم أن الغلام أصله من الماء والتراب، والجارية أصلها من اللحم والدم.

وقد أفاده ابن ماجه، وهو غريب قاله في المبدع (3) ولعابهما طاهر (4)(ويعفى في غير مائع و) في غير (مطعوم عن يسير دم نجس)(5) .

(1) لحديث أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه، ونضح بول الغلام، وغسل بول الجارية متواتر لا شيء يدفعه.

(2)

لقول علي يرفعه: يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر، قال قتادة: إذا لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعا.

(3)

والحكمة والله أعلم أن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر أو أنه يكثر حمله فتعظم المشقة بغسله، أو أن مزاجه حار فبوله رقيق، بخلاف الأنثى فبولها أنتن وأخبث لرطوبتها، فتكون هذه المعاني مؤثرة في الفرق.

(4)

أي لعاب الذكر والأنثى طاهر ولو بعد قيء.

(5)

من حيوان طاهر في الحياة، وفاقا، واليسير ما لا ينقض الوضوء خروج قدره من البدن، وظاهره أنه لا يعفى عنه في المائع والمطعوم ولو كثر وهو

المذهب ومذهب مالك والشافعي، وعنه: يعفى عنه وفاقا لأبي حنيفة وغيره من السلف، وهو نص القرآن واختاره الناظم والشيخ وغيرهما، واختار العفو عن يسير النجاسات مطلقا في الأطعمة وغيرها، حتى بعر الفأر، وقال: إذا استهلكت فيه واستحالت فلا وجه لإفساده، ولا دليل على نجاسته، لا في كتاب الله تعالى ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مجمع البحرين: الأولى العفو عنه لعظم المشقة ولا يرتاب ذو عقل في عموم البلوى به، والدم مخفف الميم على اللغة الفصيحة المشهورة، وتشدد في لغية وأصله دمي، وجمعه دماء ودمي، وقيل أصله دمو أو دمو بالتحريك.

ص: 357

ولو حيضا أو نفاسا (1) أو استحاضة (2) وعن يسير قيح وصديد من حيوان طاهر لا نجس (3) .

(1) لحديث أسماء قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه، متفق عليه، قال المجد: فيه دليل على أن دم الحيض لا يعفى عن يسيره وإن قل للعموم، والأكثر على أنه يعفى عنه، جزم به الموفق والشيخ وغيرهما، وصوبه في تصحيح الفروع، وقال الشارح وغيره، أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيره من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف، وكذا غيرهم وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي.

(2)

لأنه يشق التحرز منه.

(3)

القيح مادة بيضاء غليظة لم يخالطها دم، والصديد ماء الجرح الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة، فيعفى عن يسيرهما من طاهر لتولدهما من الدم، فهما أولى بالعفو، ولو أصابه من غيره، ولا يعفى عنهما من حيوان نجس كالكلب والحمار، فإن العفو مختص باليسير من دم الطاهر، وأما الدم الكثير منه فلا نزاع في نجاسته حكاه الزركشي وغيره.

وقال النووي: الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين، وقال: القيح نجس بلا خلاف، وكذا ماء القروح نجس

بالاتفاق، وقال الشيخ: ولا يجب غسل الثوب من المدة والقيح

والصديد ولم يقم الدليل على نجاسته، وحكى أبو البركات عن بعض أهل العلم طهارته، قال في الإنصاف في ماء القروح: هي أقرب إلى الطهارة من القيح والصديد.

ص: 358

ولا إن كان من سبيل قبل أو دبر (1) واليسير ما لا يفحش في نفس كل أحد بحسبه (2) ويضم متفرق بثوب لا أكثر (3) ودم السمك (4) وما لا نفس له سائلة كالبق (5) والقمل (6) .

(1) أي القيح والصديد، لأن حكمه حكم البول والغائط، فلا يعفى عن شيء منه.

(2)

وقدر في الإنصاف وغيره بما ينقض الوضوء، والمعفو عنه من القيح ونحوه أكثر مما يعفى عن مثله من الدم إذا كان من حيوان طاهر.

(3)

أي يضم متفرق من دم ونحوه من ثوب ونحوه، فإن فحش لم يعف عنه ولا يضم متفرق بأكثر من ثوب، بل يعتبر ما في كل ثوب على حدته لأن أحدهما لا يتبع الآخر.

(4)

طاهر: لأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على إراقته بالذبح، وقيل: نجس وصححه الموفق وغيره، لأنه دم أشبه سائر الدماء، ولأن الشرع لم يرد فيها بطهارة فيدخل في عموم الآية، وهو حيوان خلقه الله في الماء، وهو أنواع كثيرة، ومنه ما يكبر حتى يكون كسفينة كبيرة، ومنه ما هو صغير حتى لا يدركه البصر.

(5)

أي البعوض دود معروف، واحدته بقة في غاية الصغر، دمه طاهر وسائلة بالنصب والرفع إتباعا لمحل اسم لا، ولـ لا مع اسمها أي لا دم له سائل.

(6)

أي ودم القمل طاهر، والقمل يتولد من العرق والوسخ في بدن الإنسان تحت الشعر أو الثوب، يتغذى بدمه، وكذا دم القراد والحمنانة والحلمة إن لم تكن مخلوقة من حيوان نجس، وهو ظاهر الغاية، وكذا دم البراغيث والذباب ونحوهما مما لا نفس له سائلة، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والراجح من مذهب الشافعي.

ص: 359

ودم الشهيد عليه (1) وما يبقى في اللحم وعروقه (2) ولو ظهرت حمرته طاهر (3)(و) يعفى (عن أثر استجمار) بمحله بعد الإنقاء واستيفاء العدد (4)(ولا ينجس الآدمي بالموت) لحديث المؤمن «لا ينجس» متفق عليه (5) .

(1) طاهر ولو كثر، فإن انفصل فنجس كغيره.

(2)

أي عروق لحم مأكول بعدما يخرج بالذبح، وما في خلاله.

(3)

لم يحرمه الله عز وجل، نص عليه لأنه لا يمكن التحرز منه، ولأن لله إنما حرم الدم المسفوح، والمسفوح هو الذي يسيل فالذي ليس بمسفوح ليس بحرام، وحله يدل على طهارته، وقد ثبت أنهم كانوا يضعون اللحم في القدر فيبقى الدم في الماء خطوطا قال الشيخ الإسلام: لا أعلم بين العلماء خلافا في العفو عنه، وأنه لا ينجس باتفاقهم فلا فرق بين أن يكون الدم في مرق القدر، أو مائع آخر، أو على سكين ونحوها، فعلى هذا: النجس من الدم هو المسفوح، والمسفوح هو السائل.

(4)

ثلاث فأكثر، كما مر في الاستنجاء، قال الشارح: بغير خلاف نعلمه، والإنقاء التنظيف ولو بقي لزوجة لا يزيلها إلا الماء، قال أحمد في المستجمر يعرق في سراويله: لا بأس به، وعلم منه أنه إن كان تعدى إلى الثوب أو البدن أو غيرهما لم يعف عنه، واتفقوا على أنه لا يلزم نضح ما شك في نجاسته.

(5)

وقال البخاري عن ابن عباس: لا ينجس المسلم حيا ولا ميتا، قال الشيخ: وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي، وأصح القولين في مذهب مالك، وخصه في شرح العمدة بالمسلم، وقاله المجد في الهداية، وقال الشيخ: عظم الآدمي طاهر إذ لا موجب لتنجيسه، وكذا عظم الميتة لأن المقتضى للتنجيس الدم في العظام، وهو مذهب أبي حنيفة، واختاره هو وابن القيم وغيرهما.

ص: 360

(وما لا نفس) أي دم (له سائلة)(1) كالبق والعقرب (2) وهو (متولد من طاهر) لا ينجس بالموت بريا كان أو بحريا (3) فلا ينجس الماء اليسير بموتهما فيه (4)(وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه) طاهر (5) .

(1) من حيوان البر والبحر، يقال: سالت نفسه أي دمه، وإنما سمي الدم نفسا لأن النفس التي هي اسم لجلمة الحيوان قوامها بالدم.

(2)

لا ينجس بالموت، والعقرب معروفة ذات سم، وأنواعها كثيرة، وكذا ذباب وزنبور ودود ونمل وخنافس وصراصر وبراغيث ونحوها.

(3)

بلا نزاع فإن كان متولدا من نجاسة كصراصر حش ودود جرح، أو

خارج من الدبر فنجس حيا وميتا، لأن استحالته غير مطهرة، وتقدم قول شيخ الإسلام.

(4)

أي موت البق والعقرب ونحوهما في الماء اليسير، في قول عامة الفقهاء قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافا، إلا ما كان من أحد قولي الشافعي وروي في الحديث ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه ونحوه للدارقطني وغيره، وفي الصحيح إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، قال ابن القيم: وفيه دلالة ظاهرة على أنه إذا مات في ماء أو مائع لا ينجسه، وهذا قول جمهورالعلماء، ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك، وعدي هذا الحكم إلى كل ما نفس له سائلة اهـ، وقد يموت ولو نجس الطعام لأفسده وكذا بوله وروثه، ولا يكره ما مات فيه، بخلاف الوزغ ونحوه، فإن نفسه سائلة، نص عليه كالحية والضفدع والفأرة، فينجس بالموت، وينجس الماء اليسير ونحوه بموتها فيه، وتقدم.

(5)

وقال الشيخ: لم يذهب أحد من الصحابة إلى القول بنجاسته بل القول

بنجاسته محدث، لا سلف له من الصحابة اهـ وكذا ريقه ومخاطه ودمعه كبوله وأولى وسؤر المأكول كله طاهر في الجملة، وحكاه ابن المنذر وغيره إجماعا ولبنه طاهر بلا نزاع.

ص: 361

لأنه صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها (1) والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة (2)(ومني الآدمي) طاهر (3) .

(1) متفق عليه، ولم يأمرهم مع ذلك بغسل ما يصيب أفواههم وأيديهم ولا بغسل الأوعية التي فيها الأبوال، ولا دليل على نجاسة ذلك بحال، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم، وأمر بالصلاة فيها، متفق عليه، وهي لا شك تبول فيها، قال النووي: والألبان أربعة أقسام: لبن مأكول اللحم، طاهر بنص القرآن والسنة والإجماع، ولبن الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما نجس بالاتفاق، ولبن الآدمي طاهر، وحكى أبو حامد إجماع المسلمين على طهارته ولبن سائر الحيوانات الطاهرة غير ما تقدم المنصوص نجاستها، وهو مذهب مالك وأحمد، وقيل طاهرة وهو مذهب أبي حنيفة، والعرنيون قبيلة من العرب في بجيلة من كهلان، وهم من ولد عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن عمرو بن الغوث.

(2)

فدل على طهارته، وذكر شيخ الإسلام على طهارة بول وروث ما يؤكل لحمه بضعة عشر حجة من النص والإجماع والاعتبار والعقل، وقال: الأصل في الأرواث الطهارة إلا ما استثني.

(3)

من ذكر أو أنثى، عن احتلام أو جماع أو غيرهما، ولو خرج بعد استجمار، صرح به في الإقناع، وهو مذهب الشافعي وجماهير العلماء، ومقتضى إطلاق الأخبار، وقال في الإنصاف، ومني الآدمي طاهر هذا المذهب مطلقا

وفي المبدع إن كان على المخرج نجاسة فالمني نجس لا يعفى عن شيء منه اهـ وقال شيخ الإسلام رحمه الله: سواء كان مستنجيا أو مستجمرا فإن منيه طاهر، ومن قال إن مني المستجمر نجس لملاقاته رأس الذكر فقوله ضعيف، فإن الصحابة كان عامتهم يستجمرون ولم يكن يستنجي بالماء منهم إلا قليل جدا، ومع هذا فلم يأمر صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بغسل مني ولا فركه اهـ والمذي نجس إجماعا، ولا يطهر بنضحه وفاقا، وعنه يجزئ فيه النضح، وقواه الشيخ، وجزم في العمدة بالعفو عن يسيره، وصححه الناظم والشيخ وغيرهما، وخصوصا في حق الشباب، لكثرة خروجه منهم، فيشق التحرز منه فعفي عن يسيره كالدم، قال الشيخ: وهو أولى بالتخفيف من بول الغلام، ومن أسفل الحذاء اهـ وأما الودي فنجس إجماعا.

ص: 362

لقول عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه) متفق عليه (1) فعلى هذا يستحب فرك يابسه وغسل رطبه (2) .

(1) ولابن خزيمة: كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، وتحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه، وقال ابن عباس: امسحه عنك بإذخرة أو خرقة، فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، والفرك الدلك والحت من باب قتل، وهو أن تحكه بيدك حتى يتفتت ويتقشر.

(2)

قال شيخ الإسلام: وأما كون عائشة تغسله تارة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفركه تارة، فهذا لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ، وهذا قول غير واحد من الصحابة ابن عباس وغيره، قال: وروى أحمد بإسناد صحيح عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه.

ص: 363

(ورطوبة فرج المرأة) وهو مسلك الذكر طاهر (1) كالعرق والريق والمخاط (2) والبلغم ولو أزرق (3) وما سال من الفم وقت النوم (4)(وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر) غير مكروه (5) .

(1) للحكم بطهارة منيها مطلقا، وهو قول للشافعي، وتقدم قول الشيخ، وقال القاضي: ما أصاب منه في حال الجماع نجس، لأنه لا يسلم من المذي قال في المبدع: وهو ممنوع، فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني وحده.

(2)

وهو ما يخرج من الأنف، وهو أخلاط من أخلاط البدن.

(3)

بتشديد القاف، سواء كان من الرأس أو الصدر أو المعدة، لحديث أبي هريرة إذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا، فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه ببعض، رواه مسلم وغيره، ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه، والبزاق إذا اختلط بالدم لا يخلو إما أن يكون الدم غالبا أو مغلوبا أو مساويا فإن احمر البزاق بسبب الدم صار الدم غالبا أو مساويا وضر، وإن اصفر البزاق بالدم صار مغلوبا فلا يضر.

(4)

طاهر بالاتفاق، والرطوبة التي تخرج من المعدة نجسة بالاتفاق، وقال الزركشي: فالخارج من الإنسان على ثلاثة أقسام: طاهر بلا نزاع، وهو الدمع والعرق والريق والمخاط والبصاق، ونجس بلا نزاع وهو البول والودي والدم، وما في معناه، ومختلف فيه، وهو المني وتقدم وسبب الاختلاف فيه هو تردده في مجرى البول، وبلغم المعدة لتردده بين القيء وبين نخامة الرأس.

(5)

بلا نزاع، إلا ما روي من كراهته عن أبي حنيفة، وكذا فضلاته لحديث أبي قتادة في الهر إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات رواه الترمذي وغيره وصححه شبهها بالمماليك من خدم البيت، الذين يطوفون على أهله للخدمة، ولعدم إمكان التحرز منها، سوى منيه فنجس قاله الزركشي

وغيره، وفي الاختيارات: وقول الأصحاب: الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، يعني أن جنسه طاهر، وقد يعرض له ما يكون نجس العين كالدود المتولد من العذرة، فإنه نجس ذكره القاضي، ويخرج طهارته بناء على أن الاستحالة إذا كانت بفعل الله طهرت، ولا بد أن يلحظ طهارة ظاهره من العذرة بأن يغمس في ماء ونحوه، إلا أن يقال: إنه لا يكون على بدنه شيء منها اهـ وما دونها أي من طير وغيره خلقة ألحق بها بجامع الطواف.

ص: 364

غير دجاجة مخلاة (1) والسؤر بضم السين مهموز بقية طعام الحيوان وشرابه (2) والهر القط (3) .

(1) بالتشديد أي غير محفوظة فيكره سؤرها احتياطا لأن الظاهر نجاسته.

(2)

هذا ظاهر القاموس أنه حقيقة في مطلق البقية، وقال بعض اللغويين، هو بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو الحوض، ثم استعير لبقية الطعام وغيره، والجمع الأسآر والفعل أسأر أي بقى مما شرب، ويكره سؤر الفأر، لأنه يورث النسيان، وقيل ست تورث النسيان: سؤر الفأرة وإلقاء القملة، والبول في الماء الراكد وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح، ومنهم من ذكره حديثا، لكن قال ابن الجوزي: إنه موضوع، وزيد العصيان، والهموم، والأحزان بسبب الدنيا، وكثرة الاشتغال بها، وأكل الكزبرة الرطبة، والنظر إلى المصلوب، والحجم في نقرة القفاء، واللحم الملح، والخبز الحامي، وكثرة المزح، والضحك بين المقابر، واللعب بالمذاكير، أو الذكر حتى ينزل، والنظر إليه، والبول في الطريق، أو الرماد والنظر إلى الفرج وغير ذلك.

(3)

بالكسر يعني السنور، جمعه هررة كقردة وهرة بالكسر جمعها هرر كقرب، وقال ابن الأنباري: الهر يقع على الذكر والأنثى اهـ وهو ظاهر لفظ الحديث السابق.

ص: 365

وإن أكل هو أو طفل ونحوهما نجاسة ثم شرب، ولو قبل أن يغيب من مائع لم يؤثر لعموم البلوى (1) لا عن نجاسة بيدها أو رجلها (2) ولو وقع ما ينضم دبره في مائع ثم خرج حيا لم يؤثر (3)(وسباغ البهائم (4) و) سباع (الطير)(5) التي هي أكبر من الهر خلقه (6) .

(1) ولأن الشارع عفا عنها مطلقا، لمشقة التحرز، ولاحتمال أنه شرب من ماء آخر، وقال ابن تميم: فيكون الريق مطهرا لها، وقال الشيخ: إن طال الفصل كان طاهرا، جعلا لريقها مطهرا لفمها، لأجل الحاجة وهو أقوى الأقوال وقوله: ونحوهما أي من طير وبهيمة.

(2)

فإنه يؤثر نص عليه.

(3)

لعدم وصول النجاسة إليه، وكذا لو وقع في جامد وخرج حيا، وما ينضم دبره كالضفدع والسحبلة والسعودة والوزغ والضب والجرذ والفأر، وقيل: كل حيوان ينضم دبره، إلا البعير، وهو معلوم الطهارة.

(4)

كالفيل والفهد والأسد والنمر والذئب نجسة، والكلب والخنزير منها فالسبع ما يفترس من الحيوان مطلقا، وأما الثعلب والضبع فلا وإن كان له ناب.

(5)

ما يصيد منها من كل ما لا يؤكل نجسة كالعقاب والصقر والحدأة والبومة ويقال لهن الجوارح، وهن الكواسب من الطير، وعنه في الطير لا يعجبني عرقه إن أكل الجيف، فدل أنه كرهه لأكله النجاسة فقط، ذكره الشيخ ومال إليه.

(6)

لا كالهر أو دونه كالنمس والنسناس وابن عرس والفأرة والقنفذ فطاهر حيا، ولو أعقب ذلك بسباع البهائم لكان أولى.

ص: 366

(والحمار الأهلي والبغل منه) أي من الحمار الأهلي لا الوحشي (نجسة)(1) وكذا جميع أجزائها وفضلاتها (2) لأنه عليه السلام لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال: «إذاكان الماء قلتين لم ينجسه شيء» ، فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما (3) وقال في الحمر يوم خيبر، «إنها رجس» ، متفق عليه (4) .

(1) وأما الحمار الوحشي والبغل منه فطاهر مأكول.

(2)

كريقها وعرقها نجسة، وكذا سؤرها، وعن أحمد طهارة الحمار الأهلي والبغل، اختاره الموفق والشيخ وجماعة، وهو مذهب مالك والشافعي، قال في الإنصاف: وهو الأصح وأقوى دليلا، لأنه عليه الصلاة والسلام يركبها ويركبان في زمانه، وفي عصر الصحابة، فلو كانا نجسين لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وعليه فسؤرهما وفضلاتهما طاهرة، وتعليله عليه الصلاة والسلام طهارة سؤر الهرة وطهارة ريق الكلب على الصيد يقتضي أن الحاجة مقتضية للطهارة، وهذا من حجج من يقول بطهارة سؤر البغل والحمار، فإن الحاجة داعية إلى ذلك، وحديث «لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شراب طهور» ، ولفظ الموطأ وغيره، ولنا ما بقي طهور وشراب، وحديث:«أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم» وبما أفضلت السباع قواه البيهقي وله طرق.

(3)

فوجه الدلالة منه أن السباع والدواب نجسة، لنجاسة الماء بما ينوبه منها إذا لم يبلغهما، وتقدم كلام الشيخ على الحديث.

(4)

أي حرام، ويحتمل أنه أراد لحمها الذي في قدورهم فإنه رجس وذبح ما لا يحل أكله لا يطهره، قال ابن القيم: ودليل النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة، فإنه لم يقم على تنجيس سؤرها دليل، وغاية ما احتج به لذلك قول النبي

صلى الله عليه وسلم «إنها رجس» والرجس هو النجس، وهذا لا دليل فيه، لأنه إنما نهاهم عن لحومها، وقال: إنها رجس ولا ريب أن لحومها ميتة لا تعمل الذكاة فيها، فهي رجس، ولكن من أين أن تكون في حال حياتها؟ حتى يكون سؤرها نجسا.

ص: 367

والرجس النجس (1) .

(1) بالفتح وبالكسر وبالتحريك ضد الطاهر، وتقدم وعند أهل اللغة: القذر، وما كان نجسا في الحياة فموته لا يزيده إلا خبثا.

ص: 368