الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة
(1)
..............................................................
(1) هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأفضل الأعمال بعدهما، لكونها وضعت على أكمل وجوه العبادة وأحسنها، ولجمعها لمتفرق العبودية، وتضمنها لأقسامها، وهي أول ما يشترطه صلى الله عليه وسلم بعد التوحيد، لأنها رأس العبادة البدنية، وقد تعبد الله عباده في أبدانهم وأموالهم عبادة محضة، كالصلاة والزكاة أو مركبة منهما كالصوم والحج، والعبودية هي غاية كمال الإنسان، وقربه من الله بحسب قربه من عبوديته وهي دين الأمة ضرورة، ولم تخل منها شريعة مرسل، وفرض عين بالكتاب والسنة والإجماع، فرضها الله ليلة المعراج على نبيه صلى الله عليه وسلم في السماء، بخلاف سائر الشرائع، فدل على حرمتها وتأكد وجوبها، وأحاديث كل صلاة من الصلوات الخمس، وأحاديث الركعات وما تشتمل عليه كل ركعة، والركوع والسجود والرفع منهما، وترتيب ذلك، قد بلغت حد التواتر، أو تزيد عليه تواترا معنويا، وما نقل بالتواتر فحصل العلم به ضرورة لا يرده إلا كافر، يستتاب فإن تاب وإلا قتل بإجماع المسلمين وجاء في تحتمها وفضلها آيات وأحاديث كثيرة معروفة، وسأل شيخ الإسلام هل كانت الصلاة على من قبلنا من الأمم مثلنا؟ فقال: كانت لهم صلوات في هذه الأوقات، لكن ليست مماثلة لصلاتنا في الأوقات والهيئات وغيرهما اهـ، وكانت قبل صلاتين، قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وقيل: كانت الظهر لداود، والعصر لسليمان، والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس، والصبح لآدم، ونظمه بعضهم بقوله:
لآدم صبح والعشاء ليونس
…
وظهر لداود وعصر لنجله
ومغرب يعقوب كذا شرح مسند
…
لعبد كريم فاشكرن لفضله
وقيل غير ذلك.
في اللغة الدعاء (1) قال الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادع لهم (2) وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة (3) .
(1) بخير، أي حقيقتها ذلك، وهو ما عليه الجمهور من الفقهاء وغيرهم وقال ابن رشد: هو المشهور المعروف اهـ لأنه الشائع في كلامهم قبل ورود الشرع بالأركان المخصوصة، قال في القاموس: والصلاة الدعاء، وعبادة فيها ركوع وسجود، اسم يوضع موضع المصدر، صلى صلاة دعا، والفرس تلا السابق، لتلوها الشهادتين اهـ والمصلي لا ينفك عن دعاء عبادة، أو ثناء أو طلب ومسألة، فما خرجت عن حقيقة الدعاء، وقال بعضهم: الشيء لا يعرف إلا باسمه، ولا يجب إلا بسببه، ولا يوجد إلا بركنه، ولا يصح إلا بشرطه، ولا يفعل إلا بحكمه.
(2)
واستغفر لهم، وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم أي دعا لهم، وقال عليه الصلاة والسلام في الدعوة وإن كان صائما فليصل، أي يدع وكان إذا جاء الناس بصدقاتهم يدعو لهم.
(3)
من قراءة وتكبير وتسبيح ونحوه، وقيام وقعود وركوع وسجود ونحوه، والمقدر كالملفوظ والمفعول، أو التعريف باعتبار الغالب، وجرت عادة الفقهاء إذا أرادوا بيان لفظ عرفوه من جهة اللغة والشرع، فيقولون مثلا: الصلاة معناها في اللغة الدعاء، وفي الشرع الأقوال والأفعال، بناء منهم على إثبات الحقائق الشرعية، وقال الشيخ: والشارع استعمل اسم الصلاة مقيدة لا مطلقة كنظائرها، وقال: وإذا ورد في الشرع أمر بالصلاة، أو حكم معلق عليها انصرف إلى الصلاة الشرعية، ولا نزاع بين العلماء في أن إطلاق الصلاة والصوم وغيرهما من الألفاظ المشتركة في الشرع على معانيها الشرعية، على سبيل الحقيقة الشرعية بمعنى أن حملة الشرع غلب استعمالهم لتلك الألفاظ في تلك المعاني، حتى إن اللفظ لا يفهم منه عند الإطلاق إلا المعاني المذكورة اهـ، وخرج بقوله: مخصوصة، سجدة التلاوة والشكر، فإنهما ليستا صلاة كصلاة الجنازة.
مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم (1) سميت صلاة لاشتمالها على الدعاء (2) مشتقة من الصلوين (3) وهما عرقان من جانبي الذنب وقيل عظمان ينحنيان في الركوع والسجود (4) وفرضت ليلة الإسراء (5)(تجب) الخمس في كل يوم وليلة (على كل مسلم مكلف)(6) .
(1) لحديث تحريمها التكبير وتحليلها التسليم.
(2)
أي على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء، قال في الإنصاف: وهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأهل العربية وغيرهم، وقيل: لما يعود على صاحبها من البركة، وقيل: لأنها تفضي إلى المغفرة، وقيل: لما تتضمن من الخشوع وغيره.
(3)
بفتح الصاد واللام تثنية صلا بالقصر، واختاره النووي، وهذا القول مغاير للأول، وهو قوله لاشتمالها على الدعاء، وهو ظاهر كلام ابن كثير وغيلره، بل هو صريح فيه واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر.
(4)
والصلا وسط الظهر منا ومن كل ذي أربع، وما انحدر من الوركين أو الفرجة بين الجاعرة والذنب، أو ما عن يمين الذنب وشماله، وهما صلوان، وجمعه صلوان.
(5)
بنحو ثلاث قبل الهجرة، لحديث أنس قال: فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به خمسين صلاة، ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي، وإن لك بهذه الخمس خمسين صححه الترمذي.
(6)
أي تجب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة بدخول أوقاتها على كل
مسلم مكلف بالكتاب والسنة والإجماع إجماعا قطعيا قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} أي مفروضا في الأوقات وقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} وقال: {لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} وقال عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذا إلى اليمن أخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة وقال للأعرابي خمس صلوات في اليوم والليلة، وقال: فرضت الصلاة، الحديث وبني الإسلام على خمس، وذكر الصلاة بعد الشهادتين، وقال نافع بن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال نعم ثم قرأ {فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ *} وحكى إجماع الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين، على كل مسلم مكلف، في كل يوم وليلة غير واحد من أهل العلم، وقال ابن رشد: لا يرده إلا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والحكمة في مشروعيتها والله أعلم التذلل والخضوع بين يدي الله عز وجل المستحق للتعظيم، ومناجاته تعالى فيها بالقراءة والذكر والدعاء، وتعمير القلب بذلك، واستعمال الجوارح في خدمته.
أي بالغ عاقل ذكر أو أنثى أو خنثى، حر أو عبد أو مبعض (1)(لا حائضا ونفساء) فلا تجب عليهما (2) .
(1) بغير خلاف، ومن لم يبلغه الشرع كمن أسلم بدار حرب، أو نشأ بباديه قيل يقضيها، وقيل لا، اختاره الشيخ، بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم، وأجري ذلك في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع، من تيمم وزكاة ونحوهما، وهو قياس الأصل، وقال: والأصح لا قضاء ولا إثم إذا لم يقصر، للعفو عن الخطأ والنسيان والنوم.
(2)
ولا يقضيانها إجماعا.
(ويقضي من زال عقله بنوم أو إغماء أو سكر)(1) طوعا أو كرها (أو نحوه) كشرب دواء (2) لحديث «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» رواه مسلم (3) وغشي على عمار ثلاثا، ثم أفاق وتوضأ وقضى تلك الثلاث (4) .
(1) إجماعا في النوم، وكذا في الإغماء ما لم تطل مدته، فإن مذهب مالك والشافعي لايلزمه قضاء الصلاة إلا أن يفيق في جزء منها، وأبو حنيفة لا يراه بعد خمس صلوات، وعندنا يلزم القضاء مطلقا، لأنه لا تطول مدته غالبا، أشبه النوم المتفق على القضاء في حالته، وأما السكر فبطريق الأولى، والإغماء مصدر، أغمي عليه، أي غشي عليه، وتقدم أنه آفة تعرض للدماغ أو القلب بسببها تتعطل القوى المدركة والمحركة حركة إرادية، والسكر اسم مصدر وهو زوال العقل بشراب ونحوه، يقال: سكر يسكر فهو سكران، والجمع سكرى وسكارى، والسكر حالة تعرض للإنسان من امتلاء دماغه من الأبخرة المتصاعدة من الخمر وما يقوم مقامها إليه معه، فيتعطل معه عقل المميز بين الأمور الحسنة والقبيحة، قال الشيخ: وصلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز بالاتفاق، ولا يجوز أن يمكن من دخول المسجد.
(2)
ولو غير محرم، وفاقا لأبي حنيفة، ومذهب مالك والشافعي لا يلزمه القضاء، وجزم الشارح وغيره أنه إن تطاول زمنه فكالمجنون وإلا فكالإغماء.
(3)
من حديث أبي هريرة ومثله الساهي.
(4)
أي الليالي التي غشي عليه فيها بعد ما أفاق، أي رجعت الصحة إليه، أو رجع هو إلى الصحة، و (غشي) مبني للمجهول أي أغمي عليه، والغشاء الغطاء وزنا ومعنى وعن عمران بن حصين، وسمرة بن جندب نحوه، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان كالإجماع، وعمار هو ابن ياسر بن عامر بن مالك العنسي ثم المذحجي قدم والده مكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة فزوجه أمة
له يقال لها سمية فولدت عمار فأعتقه، أوذي في الله، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا وقال: تقتله الفئة الباغية، وقتل يوم صفين، وله نيف وتسعون.
ويقضي من شرب محرما (1) حتى زمن جنون طرأ متصلا به تغليظا عليه (2)(ولا تصح) الصلاة (من مجنون)(3) وغير مميز (4) .
(1) كمسكر فزال عقله بالسكر المحرم، ما فاته في وقت السكر من الصلاة والصوم وسائر الواجبات، وجها واحدا وفاقا، وقال الشيخ: بلا نزاع وكذا قال في الإنصاف، وتجب على من زال عقله بمرض بلا نزاع.
(2)
أي ويلزمه قضاء ما فاته حتى صلاة حال الجنون، لاتصاله بالسكر المحرم تغليظا عليه، صوبه في تصحيح الفروع، فلو شرب محرما وجن في الحال، واستمر جنونه، وإن مات والحال ما ذكر مات عاصيا، لأنه جنى على نفسه بشربه المحرم، كما لو جن المرتد، لأن سقوطها بالجنون رخصة، وليس من أهلها، فكذا هنا، وطرأ يطرأ مهموز، وفيه العطف على متبوع محذوف، لأن تقديره: فيقضي كل صلاة ونحوها، حتى صلاة زمن جنون طرأ وهو جائز.
(3)
ولا تجب عليه، ولا يقضي إذا أفاق، إلا أن يفيق في وقتها، قال الشارح: لا نعلم فيه خلافا، والأبله الذي لا يفيق كالمجنون يقال: رجل أبله بين البله، وهو الذي لا يعقل.
(4)
لحديث عائشة رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ، رواه أبو داود والترمذي وحسنه، فهؤلاء لا قصد لهم، وهي العلة في رفع أحكام التكليف عنهم، وقد انعقد الإجماع على أن تكليف ما لا يطاق غير واقع في الشريعة، وتكليف من لا قصد له تكليف ما لا يطاق
وتصح من مميز إجماعا وهو من استكمل سبعا، وفي المطلع: من يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام، وصوبه في الإنصاف.