المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الاستنجاء (1)   من نجوت الشجرة أي قطعتها (2) فكأنه قطع - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب الاستنجاء (1)   من نجوت الشجرة أي قطعتها (2) فكأنه قطع

‌باب الاستنجاء

(1)

من نجوت الشجرة أي قطعتها (2) فكأنه قطع الأذى (3) والاستنجاء إزالة الخارج من سبيل بماءٍ (4) أو إزالة حكمه بحجر ونحوه (5) .

(1) وآداب التخلي الاستنجاء والاستطابة والاستجمار إزالة النجو، وهو العذرة فالأولات يكونون بالماء والحجر، والاستجمار لا يكون إلا بالحجارة وأما الاستبراء فهو طلب البراءة من الخارج بشيء مما ذكر، حتى يستيقن زوال الأثر، والاستنقاء طلب النقاوة، وهو أن يدلك المقعدة بالأحجار ونحوها، أو بالأصابع حالة الاستنجاء بالماء، وأما الاستطابة فسميت بذلك لأنها تطيب نفسه بإزالة الخبث.

(2)

بضم التاء، كما عرف مما تقدم.

(3)

أي عنه باستعمال الماء، وقال ابن قتيبة وغيره: هو مأخوذ من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض، لأن من أراد قضاء الحاجة استتر بها، أو هو من النجو وهو القشر والإزالة.

وقيل: أصل الاستنجاء نزع الشيء من موضعه وتخليصه، وقال الخلوتي، لم يجعلوا الاستنجاء مأخوذا من النجو، وهو الخارج من السبيل الذي تطلب إزالته مع أنه أقرب من غيره.

(4)

أي الاستنجاء شرعا إزالة خارج، سواء كان معتادا أولا، من سبيل أصلي قبل أو دبر بماء، وإنما قيل بالأصلي لكون الاستنجاء لا يطلق إلا عليه وإلا فيقال إزالة نجاسة.

(5)

كخرق وخشب وخزف وتراب، و (أو) للتنويع والسنة دلت على

إزالته كقوله في الروث والعظم: «إنهما لا يطهران» ، أي فغيرهما من الأحجار ونحوها تطهر.

ص: 116

ويسمى الثاني استجمارًا من الجمار، وهي الحجارة الصغيرة (1)(يستحب عند دخول الخلاء) ونحوه (2) وهو بالمد الموضع المعد لقضاء الحاجة (3) .

(1) لأنه يستعملها في استجماره.

(2)

أي يستحب إذا أراد دخول لمكان المعد لقضاء الحاجة، ونحو داخل الخلاء كالمريد قضاء الحاجة بنحو صحراء، في أول الشروع عند تشمير ثيابه، وفسر بعضهم نحوه بالحمام، والمغتسل ونحوهما: قول بسم الله إلخ، وتقدم تعريف المستحب بأنه ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهو ما فعله صلى الله عليه وسلم مرة وتركه أخرى، وأحبه السلف ويسمى مندوبا وأدبا وفضيلة ونفلا وتطوعا، كما جري عليه الأصوليون، فمستحبا من حيث أن الشارع يحبه ويؤثره ومندوبا من حيث أنه بين ثوابه، وفضيلة ونفلا من حيث أنه زائد على الفرض والواجب، وتطوعا من حيث أن فاعله يفعله تبرعا من غير أن يؤمر به حتما، وقد يطلق عليه اسم السنة، وهو ما لم يثبت فيه نص بخصوصه، والماتن والشارح رحمهما الله وكذا بعض المتأخرين من الأصحاب وغيرهم قد يجعلون المسنون مستحبا وبالعكس، وعبر في الإقناع والمنتهى هنا بلفظ يسن، وهو أولى فقد ورد في رواية على شرط مسلم «إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله» إلخ.

(3)

وهو في الأصل المكان الخالي، نقل إلى البناء المعد لقضاء الحاجة عرفا، وسمي خلاء لخلوه، يقال: خلا المكان خلاء إذا فرغ، ولم يكن فيه أحد، وقال أبو عبيد: يقال لموضع الخلاء المذهب والمرفق والمرحاض اهـ، ويقال له أيضا الكنيف، للاستتار فيه، والبراز للتبرز فيه لقضاء الحاجة، ويقال غير ذلك، والتخلي التفرد.

ص: 117

(قول بسم الله) لحديث علي: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» (1) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: ليس إسناده بالقوي (2)(أعوذ بالله من الخبث)(3) بإسكان الباء، قال القاضي عياض، هو أكثر روايات الشيوخ (4) .

(1) أي عند إرادة الدخول، وصرح به البخاري في الأدب المفرد، من حديث أنس بلفظ:«كان إذا أراد أن يدخل» وهذا في الأمكنة المعدة لذلك، وأما في غيرها ففي أول الشروع عند تشمير الثياب، كما تقدم والستر بالفتح نفس الفعل، وبالكسر ما يغطى به، والجن اسم جمع، والواحد جني ضد الإنس، أرواح هوائية تتشكل بأشكال مختلفة، وهم مكلفون في الجملة إجماعا، والعورات جمع عورة سوأة الإنسان، وكل ما يستحي منه، وتقدم، والكنيف كأسير المرحاض، وقيل للمرحاض كنيف لأنه يستر قاضي الحاجة.

(2)

قال النووي وغيره: هذا الأدب متفق على استحبابه وابن ماجه هو محمد بن يزيد الربعي مولاهم، بفتح الراء والموحدة القزويني أبو عبد الله صاحب السنن والتفسير والتاريخ المتوفى سنة مائتين وثلاث وسبعين.

(3)

معنى أعوذ بالله ألوذ به وألتجئ وأستجير وأعتصم، يقال: عذت به أعوذ عوذا وعياذا لجأت إليه، وقدم البسملة هنا لأنه يبتدأ بها للتبرك، بخلاف القراءة لأن البسملة من القرآن والاستعاذة من أجل القراءة.

(4)

أي رواية الخبث بإسكان الباء، وقال النووي: صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة، منهم أبو عبيد، قال في النكت، وقاله عامة أصحاب الحديث، وهو غلط والصواب الخبث بضم الباء والقاضي عياض هو ابن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض، اليحصبي السبتي الغرناطي المالكي، صاحب التصانيف المشهورة، وقاضي سبتة بالمغرب، المتوفى سنة خمسمائة وأربع وأربعين.

ص: 118

وفسره بالشر (والخبائث) الشياطين فكأنه استعاذ من الشر وأهله (1) وقال الخطابي: هو بضم الباء (2) وهو جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة فكأنه استعاذ من ذكرانهم وإناثهم (3) واقتصر المصنف على ذلك تبعا للمحرر والفروع وغيرهما (4) .

(1) وكذا فسره أبو عبيد وغيره، وقال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب المكروه فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار اهـ وهذا الذكر مجمع على استحبابه.

(2)

لا يجوز غيره، وقاله ابن حبان وغيره، وتعقب بأنه يجوز ككتب وكتب قال ابن سيد الناس، وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد وحسبك به جلالة، وقال النووي: هو جائز تخفيفا بلا خلاف عند أهل النحو والتصريف اهـ والخطابي هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب (قال اسمي حمد الذي سميت به، لكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه.) من ولد زيد بن الخطاب. أخي عمر بن الخطاب البستي، نسبة إلى مدينة بستة ببلاد كابل، محدث ففيه لغوي، أخذ اللغة والأدب عن أبي عمر وأبي علي وأبي جعفر وغيرهم، وعنه ابن البيع وغيره، وله كتب أشهرها غريب الحديث، وهو في غاية الحسن والبلاغة، وله أعلام السنن، ومعالم السنن، في شرح البخاري وأبي داود، توفي ببستة سنة ثلاثمائة وثمان وثمانين.

(3)

وكذا قاله ابن حبان وغيره، قال الحافظ: وكان يستعيذ إظهارا للعبودية ويجهر بها للتعليم.

(4)

كالغنية والإقناع يعني على قول «بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث» .

ص: 119

لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» متفق عليه (1) .

وزاد في الإقناع والمنتهى تبعا للمقنع وغيره (2)«الرجس النجس الشيطان الرجيم» (3) .

(1) وللبخاري في الأدب: إذا أراد دخوله، وهو ظاهر في الأمكنة المعدة لذلك، ومعنى (اللهم) يا الله، قال ابن القيم: لا خلاف في ذلك، والميم حرف شفوي يجمع، الناطق به شفتيه فوضعته العرب علما على الجمع، وألحقوها في هذا الاسم الذي يسأل الله به في كل حاجة، وكل حال، إيذانا بجمع أسمائه وصفاته، فإذا قال السائل: اللهم إني أسألك كأنه قال أدعوا الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى، بأسمائه وصفاته، فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانا بأسمائه كلها، كما في الحديث «أسألك بكل اسم هو لك» قال الحسن: اللهم مجمع الدعاء وقال النضر بن شميل: من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه كلها، ولما أدخلوا الميم المشددة في آخره عوضا عن جمع الاسم جعلوها أيضا عوضا من حرف النداء، فلم يجمعوا بينهما.

(2)

كالمستوعب والشرح والبلغة والوجيز وأما الإقناع فلعله سهو من الناسخ.

(3)

الرجس القذر، ويحرك وتفتح الراء، وتكسر الجيم، قاله في القاموس وغيره، وهو لفظة أعجمية ويقال بالكاف وتكسر السين فيها، وتفتح والنجس اسم فاعل، ضد الطاهر، وهو من عطف الخاص على العام، قال الفراء: إذا قالوه مع الرجس أتبعوه إياه بكسر النون وسكون الجيم، وفي الكليات: الرجس النجس متقاربان لكن الرجس أكثر ما يقال في المستقذر طبعا، والنجس أكثر ما يقال في المستقذر عقلا وشرعا و (الشيطان) اسم كل جني كافر عات متمرد، من شطن أي بعد، لبعده من رحمة الله وتمرده، أو من الحبل الطويل كأنه طال في التمرد. أو من شاط أي هلك لهلاكه بمعصية الله. و (الرجيم) المرجوم الملعون فسر بكل منها فقيل بمعنى راجم لأنه يرجم غيره بالإغواء، أو بمعنى مرجوم لأنه يرجم بالكواكب، إذا استرق السمع، أي أستجير بالله من هذا الشيطان الرجيم، أن يمسني بسوء وهو أيضا من عطف الخاص على العام، لدخوله في الخبث والخبائث.

ص: 120

لحديث أبي أمامة: «لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم» (1)(و) يستحب أن يقول (عند الخروج منه) أي من الخلاء ونحوه (2)(غفرانك) أي أسألك غفرانك من الغفر وهو الستر (3) .

(1) رواه ابن ماجه، واقتصر عليه في الوجيز، وجمع بين الخبرين في المقنع والمنتهى وغيرهما والمرفق بالكسر لا غير، واحد المرافق الكنيف والحش، والعجز والضعف، لا يعجز أي لا يضعف، وأصله التأخر عن الشيء، وأبو أمامة اسمه صدي بن عجلان بن الحارث الباهلي، قال ابن عبد البر غلبت عليه كنيته، كان يسكن حمص، وقال الحافظ: مشهور بكنيته وممن روى عنه القاسم، روي عنه هذا الحديث توفي سنة إحدى وثمانين، وله إحدى وتسعون.

(2)

كصحراء بعد فراغه وعبر في الإقناع والمنتهى بيسن، وفي الحديث «إذا خرج أحدكم فليقل» الحديث.

(3)

منصوب بفعل مقدر، أو مصدر أي اغفر غفرانك، والعف هو المحو مع الستر، استغفر الله من تقصيره في شكر الله على إخراج ذلك الخارج من بعد أن أنعم عليه، فأطعمه ثم هضمه ثم سهل خروجه عليه، ويقال: إن مناسبة سؤال المغفرة في هذا الموضع أنه دخل ثقيلا وخرج خفيفا، فذكر ثقل الذنب يوم القيامة فسأل الله المغفرة، وقيل: من تركه الذكر وقت قضاء الحاجة، والأول أولى لما يأتي.

ص: 121

لحديث أنس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال «غفرانك» ) رواه الترمذي وحسنه (1) .

وسن له أيضا أن يقول (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) لما رواه ابن ماجه عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» (2) .

(و) يستحب له (تقديم رجله اليسرى دخولا) أي عند دخول الخلاء ونحوه من مواضع الأذى (3) .

(و) يستحب له تقديم (يمنى) رجليه (خروجا (4) عكس مسجد) ومنزل (و) لبس (نعل) وخف (5) .

(1) ورواه الخمسة من حديث عائشة وصححه ابن خزيمة والحاكم والنووي وغيرهم وظاهر حديث أنس أنه كان يجهر بهذا الذكر فيحسن الجهر به.

(2)

أي من احتباسه ورواه النسائي وابن السني عن أبي ذر وقال الحافظ: سنده حسن، وفي حمده إشعار بأن هذه نعمة جليلة، فإن انحباس ذلك الخارج من أسباب الهلاك فخروجه من النعم.

(3)

كحمام ومغتسل وكمزبلة ومجزرة.

(4)

منه لأنها أحق بالتقديم إلى الأماكن الطيبة، وأحق بالتحرز عن الأذى ومحله وفي غير البنيان يقدم يسراه إلى موضع جلوسه، ويمناه عند منصرفه منه مع إتيانه بما تقدم وهذا الأدب متفق على استحبابه.

(5)

فإنه يقدم فيها رجله اليمنى دخولا، واليسرى خروجا، والعكس في اللغة رد الشيء إلى طريقه الأول، وفي الاصطلاح عبارة عن تعليق نقيض الحكم

المذكور بنقيض علته. وضد الطرد والعكس: المستوي وهو جعل الأول ثانيا. والثاني أولا، وعكس النقيض وهو جعل نقيض الثاني أولا والأول ثانيا.

ص: 122

فاليسرى تقدم للأذى واليمنى لما سواه (1) وروى الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ باليسرى» (2) وعلى قياسه القميص ونحوه (3) .

(1) أي سوى الأذى، والأذى هو ما تستكرهه النفس الزكية، مما مر ونحوه وكخلع الثوب، وفعل المستقذرات، وما سواه: هو جميع الأعمال الصالحة، كدخول مسجد، ولبس نعل ونحوهما.

(2)

ورواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عنه قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا نزع فليبدأ بالشمال، لتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرها تنزع» ، وعن أنس:(من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى) صححه الحاكم وغيره، وأدلة هذه القاعدة كثيرة شهيرة فإن البداءة باليمين مشروعة في الأعمال الصالحة، للندب على تقديمها فيها، ولفضل اليمين حسا في القوة والجرأة والصلاحية للأعمال مما ليس لليسار حتى إن الخاتم يضيق في اليمنى ويتسع في اليسرى، وانتعل وتنعل ونعل ينعل نعلا لبس النعل، والنعل مصدر وهو الحذاء أي ما وقيت به القدم من الأرض، والطبراني هو سليمان بن أحمد بن أيوب الحافظ المعمر، طاف البلاد وأخذ عن أكثر من ألف شيخ، وله المعاجم الثلاثة وغيرها، وتوفي سنة ثلاثمائة وستين.

(3)

أي قياس الخف كالقباء والسراويل، فيدخل يده اليمنى قبل اليسرى في اللبس، ويقدم اليسرى في الخلع، لقوله «إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بميامنكم» رواه أبو داود والترمذي بإسناد جيد.

ص: 123

(و) يستحب له (اعتماده على رجله اليسرى) حال جلوسه لقضاء الحاجة (1) لما روي الطبراني في المعجم والبيهقي عن سراقة بن مالك: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكئ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى)(2) .

(و) يستحب (بعده) إذا كان (في فضاء) حتى لا يراه أحد (3) لفعله عليه السلام، رواه أبو داود، من حديث جابر (4) .

(1) فيستوطئها ويتوكأ على ركبته اليسرى، ويضع أصابع اليمنى على الأرض ويرفع عرقوبها إكراما لها.

(2)

لكن قال الحازمي:

في إسناده من لا نعرفه، وعلله بعض أهل العلم بأنه أسرع وأسهل لخروج الخارج، وأعون عليه، أو ليقل مع ذلك استعمال اليمنى لشرفها، وسراقة بن مالك هو ابن جعشم بن مالك بن عمرو بن تيم، المدلجي الكناني وهو الذي ساخت فرسه عند إدراكه النبي صلى الله عليه وسلم مهاجره من مكة، وكتب له أمانا، توفي سنة أربع وعشرين، والبيهقي هو الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الشافعي، صاحب السنن والشعب وغيرهما، طاف البلاد، وتوفي سنة أربعمائة وثمان وخمسين، وبيهق قرية من قرى نيسابور.

(3)

بالاتفاق: ولا يسمع له صوتا، ولا يشم له ريحا، وإلا وجب، وللبول بحيث يستتر ويأمن الصوت، وفي الإقناع والمنتهى، يسن وهو الأولى، للأمر به، واستمرار فعله عليه الصلاة والسلام لذلك، والفضاء الساحة، وما اتسع من الأرض، يقال: أفضيت إذا خرجت إلى الفضاء.

(4)

ولفظه: (كان إذا أتى البراز أبعد حتى لا يراه أحد،) ورواه النسائي وأبو داود والترمذي وصححه من حديث المغيرة بلفظ (كان إذا ذهب أبعد) وفي الصحيحين (فانطلق حتى توارى عني) . وهذه الأحاديث وغيرها تدل على مشروعية الإبعاد لقضاء الحاجة.

ص: 124

(و) يستحب (استتاره)(1) لحديث أبي هريرة قال: من أتى الغائط فليستتر رواه أبو داود (2)(وارتياده لبوله مكانا رخوا) بتثليث الراء، لينا هشا (3) .

(1) بالاتفاق يستر أسافله مهما أمكن، من بناء أو شجر أو كثيب رمل أو غير ذلك، من: ستر الشيء أخفاه واستتر وتستر تغطى قال النووي: وأقل الساتر طولا ثلثا ذراع وبعده عنه ثلاثة أذرع، فأقل وعرضا بقدر ما يستر.

(2)

ورواه النسائي والترمذي وابن ماجه، وقال الحافظ: إسناده حسن، وصححه ابن حبان والحاكم، وفيه (فإن لم يجد إلا كثيبا من رمل فليستتر به، فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم) ولمسلم، (كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل) ، ويستتر ولو بإرخاء ذيله. ومحل الاستحباب بل السنية إذا لم يكن ثم من ينظره ممن يحرم عليه نظره، لقوله في آخر الحديث (من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج) ، وإلا وجب عليه الاستتار، والغائط اسم فاعل، والمراد به العذرة، وأصل الغائط المطمئن من الأرض الواسع، وكان الرجل إذا أراد أن يقضي الحاجة أتى الغائط وقضى حاجته، فقيل لكل من قضى حاجته، قد أتى الغائط، كنوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره باسمه الصريح.

(3)

بالاتفاق. لئلا يترشش عليه، فإن كان صلبا لينه بأن يأخذ حجرا أو عودا فيعالجه ويثير ترابه، ليصير دمثا سهلا فلا يرد بوله عليه، فارتياده طلبه وتحريه محلا سهلا لينا، ومنه الرائد لا يكذب أهله، وهو الرجل يبعثه القوم يطلب لهم الماء والكلأ، يقال: رادهم يرودهم ريادا، وارتاد لهم ارتيادا، طلب لهم، والهش الرخو اللين، واللين ضد الصلب والخشن.

ص: 125

لحديث: «إذا بال أحدكم فليرتد لبوله» ، رواه أحمد وغيره (1) وفي التبصرة ويقصد مكانا علوا لينحدر عنه البول (2) فإن لم يجد مكانا رخوا ألصق ذكره ليأمن بذلك من رشاش البول (3)(و) يستحب (مسحه) أي أن يمسح (بيده اليسرى إذا فرغ من بوله من أصل ذكره) أي من حلقة دبره، فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر، والإبهام فوقه، ويمر بهما (إلى رأسه) أي رأس الذكر (ثلاثا) لئلا يبقى من البول فيه شيء (4) .

(1) ولفظ أبي داود عن أبي موسى: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل حائط فبال، ثم قال:«إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا» ، والحديث وإن كان فيه مجهول فأحاديث التنزه من البول تفيد ذلك.

(2)

العلو المرتفع وينحدر أي ينهبط من العلو إلى السفل، والتبصرة في الفقه لأبي محمد عبد الرحمن بن محمد الحلواني الحنبلي المعروف بأبي الفتح، المتوفى سنة خمسمائة وست أربعين.

(3)

لحديث: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» ، وألصق ذكره أي ألزقه بصلب، بضم الصاد أي شديد وفي الإنصاف يكره أن يستقبل الريح دون حائل يمنع.

(4)

أي بعد إمرار يده عليه، وهو الدرز والدرزة المرة، وحلقة الدبر بسكون اللام معروفة، والدبر ضد القبل، والاستحباب حكم شرعي يحتاج إلى دليل ثابت. وقال الشيخ وغيره، وما ذكروه من المسح والنتر كله بدعة. وقال: يستحب أن يمكث قليلا بعد بوله، أي قبل الاستنجاء، حتى ينقطع أثر البول. وقاله الموفق وغيره، ليستبرئ من البول، لحديث الذين يعذبان في قبريهما قال عليه الصلاة والسلام «أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول» ، متفق عليه، والاستبراء طلب البراءة من الحدث، وذلك باستفزاع ما في المخرج من الخبث، والأحاديث دالة على وجوب توقيه، والاحتراز منه، وهو إجماع وما ذكروه من المسح والنتر يدر البول غالبا ويورث السلس.

ص: 126

(و) يستحب (نتره) بالمثناة (ثلاثا) أي نتر ذكره ثلاثا، ليستخرج بقية البول منه (1) لحديث:«إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثا» رواه أحمد وغيره (2) .

(1) أي من ذكره والنتر بالمثناة الجذب بجفا وفي القاموس: استتر من بوله اجتذبه، واستخرج بقيته من الذكر عند الاستنجاء وأنكره الشيخ وتلميذه وغيرهما وذكروا أنه يحدث السلس، وكثيرا ما يطلق الأصحاب رحمهم الله وغيرهم الاستحباب على ما ليس بمستحب.

(2)

وضعفه شيخ الإسلام وغيره، لأنه من رواية عيسى بن يزداد بن فسأة وقال النووي، اتفقوا على ضعفه، وقال ابن معين: لا يعرف هو ولا أبوه، وذكر جماعة من الأصحاب وغيرهم، ويتنحنح زاد بعضهم، ويمشي خطوات قال الشيخ: وكل ذلك بدعة، وكذا تفقده الفيئة بعد الفيئة، ولأنه من الوسواس، ولو احتاج إليه لأنه وسواس.

وقال في موضع: لكن إن احتاج للنتر فعله كأن يكون إن لم يفعله أصابه سلس اهـ وينبغي لمن استنجى بالماء أن ينضح فرجه وسراويله قطعا للوسواس، وللمادة فإن تأثير الماء البارد في قطعها معلوم، وروى أبو داود والترمذي وغيرهما من طرق أمره وفعله صلى الله عليه وسلم وفي صحيح مسلم في خصال الفطرة الانتضاح، وقال أحمد فيمن ظن خروج شيء (لا تلتفت إليه حتى تيقن، وإله عنه فإنه من الشيطان، وإنه يذهب إن شاء الله) ، وسئل سليمان بن يسار عن

البلل يجده قال: (انضح من تحت ثوبك بالماء، واله عنه)، وقال القاسم بن محمد:(إذا استبرأت وفرغت فارشش بالماء وقل: هو الماء) ، وينبغي أن لا يتبع الأوهام، فإنه يؤدي إلى تمكن الوسوسة من القلب، وهي تضر بالدين، وقال ابن الحاج المالكي: إذا قام المستبرئ من البول فلا يخرج إلى الناس وذكره بيده، وإن كانت تحت ثوبه، فإن ذلك شوهة، وكثير من الناس يفعله وقد نهى عنه.

ص: 127

(و) يستحب (تحوله من موضعه ليستنجي) في غيره (إن خاف تلوثا) باستنجائه في مكانه، لئلا يتنجس (1) ويبدأ ذكر وبكر بقبل، لئلا تتلوث يده إذا بدأ بالدبر وتخير ثيب (2)(ويكره دخوله) أي دخول الخلاء ونحوه (بشيء فيه ذكر الله تعالى)(3) .

(1) فاستحباب التحول تباعد عن النجاسة، وظاهر المبدع وجوبه، وليستجمر كما صرح به في الإقناع والمنتهى، وفيما سيأتي وعن عبد الله بن مغفل مرفوعا (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه) رواه أحمد وأبو داود، والترمذي وقال غريب.

وقال النووي: إسناده حسن، ونحوه عن أبي هريرة بإسناد صحيح، ولفظه «أو يبول في مغتسله» وقال غير واحد: إنما هو في الحفيرة، فأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقبر والإسمنت، فإذا بال وأرسل عليه الماء فلا بأس، وتوقيه أولى، فإن كان في الأبنية المتخذة لذلك لم ينتقل للمشقة، أو كان بالحجر فكذلك لئلا يتضمخ بالنجاسة.

(2)

لبروز ذكر الذكر، ولوجود عذرة البكر دون الثيب.

(3)

تعظيمًا لله عن موضع القاذورات، ولحديث أنس:(كان إذا دخل الخلاء نزع خاتمه) صححه الترمذي وكان نقشه: (محمد رسول الله) متفق عليه الله سطر، ورسول سطر، ومحمد سطر، ولهذا ورد عن كثير من السلف كتابة ذكر الله على خواتيمهم ونحو داخل الخلاء مريد قضاء الحاجة بنحو صحراء

وإن دخل به لحاجة، أو ذهول غيبة في فيه أو بطن يده، أو عمامته ونحو ذلك، صيانة له عن المحال المستخبثة.

ص: 128

غير مصحف فيحرم (1) إلا لحاجة (2) لا دراهم ونحوها وحرز للمشقة (3) .

(1) قطعا من غير حاجة، ولا يتوقف في تحريمه عاقل، وبعض المصحف كالمصحف وهو بضم الميم ويأتي.

(2)

أي فلا يكره دخوله بما فيه ذكر الله، إذا لم يجد من يحفظه، وخاف ضياعه.

(3)

تعليل لمحذوف أي فلا يكره ولو كان فيها يعني الدراهم ونحوها كالدنانير أو الحرز شيء فيه ذكر الله، أو القرآن صرح به أحمد وغيره للمشقة وجزم به جماعة، وقال الشيخ: الدراهم إذا كتب عليها لا إله إلا الله، وكانت في منديل أو خريطة ويشق عليه مسكها يجوز أن يدخل بها بيت الخلاء، وقال في تصحيح الفروع، ظاهر كلام أحمد أن حمل الدراهم كغيرها في الكراهة، وذكر ابن رجب أن أحمد نص على كراهة ذلك، واختلف العلماء في جواز تعليق التمائم من القرآن، وأسماء الله فقيل يجوز، ولا حجة لذلك، وقال أكثر أهل العلم: لا يجوز هو الصواب لوجوه أحدها عموم النهي، كقوله عليه الصلاة والسلام «إن الرقي والتمائم والتولة شرك» ، وقوله:«من تعلق تميمة فقد أشرك» ، وغير ذلك من الأحاديث، ولم يجئ مخصص، والثاني سد الذريعة، والثالث امتهانة والرابع كونه صلى الله عليه وسلم رقى ورقي، ولم يأمر به ولم يرد ما يدل على إجازته له، ولا فعله هو ولا أصحابه مع توفر الدواعي، والحرز العوذة، جمعه أحراز، وهو في الأصل بالسين.

ص: 129

ويجعل فص خاتم احتاج للدخول به بباطن كف يمنى (1)(و) يكره استكمال (رفع ثوبه قبل دنوه) أي قربه (من الأرض) بلا حاجة (2) فيرفع شيئا فشيئا (3) ولعله يجب إن كان ثم من ينظره قاله في المبدع (4)(و) يكره (كلامه فيه) ولو برد سلام (5) .

(1) إذا كان مكتوبا عليه اسم الله نص عليه لئلا يلاقي النجاسة أو يقابلها والخاتم بفتح التاء: حلي يجعل للأصبع، وفصه ما ركب فيه من ياقوت وغيره.

(2)

إلى ذلك، جزم به الشيخ وغيره لما روى أبو داود عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) ولأن ذلك أستر له.

وقال النووي وغيره: يستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض بالاتفاق، وإذا قام أسبل عليه قبل انتصابه، وهذا كله فيما إذا بال قاعدا وهو السنة، ودنوه إشارة إلى أن محله إذا بال قاعدا، واختلفوا في البول قائما.

وقال ابن المنذر وغيره: البول جالسا أحب إلي، وقائما مباح، وكل ذلك ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما)، وقال الشيخ: السنة أن يبول قاعدا، ولا يكره قائما إن أمن تلوثا.

(3)

صفة مصدر أي يرفع قليلا قليلا وإن خاف تنجسه رفع قدر حاجته.

(4)

أي ولعل الرفع شيئا فشيئا يجب، والسدل كذلك بقدر الحاجة، فإنه يحرم كشف عورته بلا حاجة، وغير حال البول مثله وأولى قال الشيخ: يجب ستر عورته، ويجوز كشفها بقدر الحاجة، كما يكشف عند التخلي.

(5)

أي في الخلاء، لما روي أحمد وأبو داود وغيرهما بإسناد حسن عن أبي

سعيد مرفوعا «لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتيهما يتحدثان فإن الله يمقت على ذلك» ، ونحوه للحاكم وصححه، ولمسلم عن ابن عمر قال:(مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل فسلم عليه وهو يبول) ، فلم يرد عليه، قال أبو داود: يروى أنه تيمم ورد ويكره السلام عليه ولا يجب رده.

ص: 130

وإن عطس حمد بقلبه (1) ويجب عليه تحذير ضرير وغافل عن هلكة (2) وجزم صاحب النظم بتحريم القراءة في الحش وسطحه (3) وهو متوجه على حاجته (4)(و) يكره (بوله في شق) بفتح الشين (5) .

(1) أي المتخلي وأجاب المؤذن بقلبه، ويكره بلفظه، وعنه لا يكره لحديث:(كان يذكر الله على كل أحيانه) قال الشيخ: يجيب المؤذن في الخلاء كأذكار المخافتة.

(2)

بأن يحذره عن بئر أو حية أو نحوهما، لأنه موضع ضرورة، فاستثني مما تقدم، ولأن حفظ المعصوم أهم.

(3)

الحش مثلثة البستان، ويكنى به عن الذي يتغوط فيه، وجمعه حشوش وحشون وفي الحديث:«إن هذه الحشوش محتضرة» والسطح مصدر، ظهر البيت وأعلى كل شيء، وصاحب النظم هو محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي الحنبلي، له النظم المشهور نحو ستة آلاف بيت، والآداب وغيرهما توفي سنة ستمائة وتسع وتسعين.

(4)

وقاله في الفروع أي أن القول بالتحريم متوجه، إذا كان المتخلي جالسا على حاجته بهذا القيد وصوب في الإنصاف لا إن لم يكن على حاجته أو كان على سطحه.

(5)

واحد الشقوق، وهو الثقب والخرم الواقع في الشيء، والصدع والموضع المشقوق.

ص: 131

(ونحوه) كسرب وهو ما يتخذه الوحش والدبيب بيتا في الأرض (1) ويكره أيضا بوله في إناء بلا حاجة (2) ومستحب غير مقير أو مبلط (3) ومس فرجه أو فرج زوجته ونحوها (بيمينه)(4) .

(1) قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه، ولحديث أبي قتادة، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجُحر) قال قتادة يقال: إنها مساكن الجن، رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة، وخشية خروج دابة من الأرض فتؤذيه فينبغي اتقاؤه وقال ابن القيم وغيره: لأنه ذريعة إلى خروج حيوان يؤذيه وقد يكون من مساكن الجن فيؤذيهم بالبول، فربما آذوه والجحر هو الثقب أيضا، والثقب لما يقل ويصغر، وهو الخرق النازل في الأرض المستدير ويسمى السرب بفتحتين، وهو الشق المستطيل والحفرة في الأرض عبارة عن الثقب وهو جحر الوحش ويقال للضب أيضا واليربوع والفأرة والحية والنملة وسائر الحشرات.

(2)

لا خلاف في جوازه لحديث أميمة كان له عليه الصلاة والسلام قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه، رواه أبو داود وغيره، فتقييده بالحاجة لا حاجة إليه.

(3)

أي يكره بوله في مستحم، وهو الموضع الذي يغتسل فيه، أو يتوضأ فيه لئلا يصيبه من البول شيء حال الغسل، سمي المستحم باسم الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به، ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان استحمام، واستثني المقير، وهو المطلي بالقار، والقار شيء أسود يطلى به السفن والإبل، أو هو الزفت، واستثني أيضا المبلط أي المفروش بالبلاط، وهو صفائح الحجارة الملساء، أي فإن كان مقيرا أو مبلطا فلا كراهة وكذا المجصص والمفروش بالإسمنت ونحوها.

(4)

تشريفا وصيانة لها عن الأقذار، وللخبر الآتي في البول ونحوه، ونحو زوجته أمته، ومن دون سبع قياسا على فرجه، وفي المبدع: وظاهره اختصاص النهي بحالة البول، قال ابن منجا، إنما لم يذكره المؤلف لوضوحه.

ص: 132

(و) يكره (استنجاؤه واستجماره بها) أي بيمينه (1) لحديث أبي قتادة «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه» متفق عليه (2) واستقبال النيرين أي الشمس والقمر، لما فيهما من نور الله تعالى (3) .

(1) لغير ضرورة كقطع يده، وحاجة كجرحها، وإلا فلا يكره، صرح به في الإنصاف وغيره، والاستنجاء باليسار أن يغسل بها، ويصب باليمين، قال الحافظ، أما إذا باشر الماء بها فحرام غير مجزئ بلا خلاف، واليسرى في ذلك كاليمنى اهـ وبالحجر إن كان غائطًا أخذ الحجر بيساره فمسح به دبره، وإن كان بولا والحجر كبير أمسك ذكره بشماله، ومسحه عليه أو صغير جعله بين عقبيه أو إبهامي رجليه فإن عسر حمله بيمينه ومسح الذكر عليه بيساره، قال في المبدع، وبكل حال تكون اليسرى هي المحركة، لأن الاستجمار إنما يحصل بالمتحركة.

وقال المجد: يتوخى الاستجمار بجدار أو موضع نات من الأرض، أو حجر ضخم لا يحتاج إلى إمساكه، فإن اضطر إليه جعله بين عقبيه، أو بين أصابعه، وتناول ذكره بشماله، فمسحه فإن لم يمكنه أمسك الحجر بيمينه، ومسح بشماله، وصححه هو والزركشي وغيرهما، وفي الصحيحين عن عائشة قالت:(كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، ويده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) .

(2)

أبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ: توفي بالكوفة كبر عليه علي ستًا، وقال الواقدي: بالمدينة سنة أربع وخمسين، ومسكت بالشيء أخذت به، وأمسكته بيدي إمساكا قبضته باليد، والمسح إمرار اليد على الشيء السائل، أو المتلطخ لإذهابه، كالتمسيح والمسح ولحديث (نهانا أن نستنجي باليمين) .

(3)

سميا بالنيرين يعني المنيرين لاستنارتهما من بين سائر الكواكب وأورد

بعض الفقهاء في كراهة استقبالهما حديثا، قال في المبدع: روي أن معهما ملائكة وأن أسماء الله مكتوبة عليهما، وأنهما يلعنانه وغير ذلك قال النووي والحافظ، إنه باطل لا أصل له.

وقال ابن القيم: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك كلمة واحدة، لا بإسناد صيح ولا ضعيف ولامرسل ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع اهـ فكراهة استقبالهما لا أصل له.

قال في الإنصاف، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، وفي حديث أبي أيوب الآتي دلالة ظاهرة على جواز استقبالهما واستدبارهما إذ لا بد أن يكونا أو أحدهما في الشرق أو الغرب.

ص: 133

(ويحرم استقبال القبلة واستدبارها) حال قضاء الحاجة (1)(في غير بنيان)(2) لخبر أبي أيوب مرفوعا (3)«إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا» متفق عليه (4) .

(1) إجماعا للأحاديث الآتية وغيرها.

(2)

لحديث ابن عمر (إنما نهى عن هذا في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) ، رواه أبو داود.

وقال الشيخ: هذا المنصور عند الأصحاب، وعنه يحرم الاستقبال والاستدبار في الفضاء والبنيان، جزم به في الوجيز وغيره، واختاره أبو بكر عبد العزيز والشيخ وابن القيم وصاحب الفائق وغيرهم، ولصحة أحاديث النهي.

قال ابن القيم: لا فرق بين الفضاء والبنيان لبضعة عشر دليلا، وهو أصح المذاهب في هذه المسألة وليس مع من فرق ما يقاومها ألبتة.

(3)

إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو أيوب هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، من أكابر الصحابة، نزل عليه النبي صلى الله عليه وسلم حال قدومه المدينة، مات غازيا سنة خمسين بالروم.

(4)

القبلة هي الكعبة، وأمره بالتشريق أو التغريب خطاب منه لأهل المدينة

ومن جري مجراهم أن يتوجهوا إلى المشرق أو المغرب، وأما من كان في جهة الشرق أو الغرب فإنه يتحول إلى الجنوب أو الشمال، ولمسلم من حديث أبي هريرة «إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» ومن حديث سلمان لقد نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، قال الحافظ: جاء النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في غير ما حديث صحيح تغني شهرته عن ذكره، لكونه نهيًا مجردًا، قال الشيخ: والأحاديث دلت على المنع من استقبالها أو استدبارها ببول أو غائط وهذه الحال تتضمن أمرين (أحدهما) بخروج الخارج المستقذر. (والثاني) كشف العورة اهـ ولأن جهة القبلة أشرف الجهات فصينت عن ذلك.

ص: 134

ويكفي انحرافه عن جهة القبلة (1) وحائل ولو كمؤخرة الرحل (2) ولا يعتبر القرب من الحائل (3) .

(1) أي انحراف المتخلي ولو يسيرا يمنة أو يسرة وقال في الإنصاف ظاهر كلامه لا يكفي الانحراف وهو ظاهر كلام المجد والشيخ تقي الدين وغيرهما والانحراف اليسير في الصلاة لا يضر، فلا يكفي هنا، فينبغي الانحراف كثيرا اهـ ومع النسيان ينحرف ويستغفر، الله عز وجل يعني مما أتوه غلطا وسهوا، وذلك في مراحيض قد بنيت نحو الكعبة

(2)

أي ويكفي حائل بينه وبين القبلة من دابة وجدار ونحوه، وإرخاء ذيل ونحوه، ولو كان الحائل كمؤخرة الرحل بضم فسكون، ومنهم من يشدد الحاء وهي لغة قليلة في آخرة الرحل وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب، والرحل للبعير، وهو أصغر من القتب أي فيكفي الاستتار به لحصول الستر به لأسافله.

(3)

كما لو كان في بيت وفي الفروع يتوجه كسترة صلاة، وتقدم أنه لا فرق بين الفضاء والبنيان، فلا فرق بين حائل ولا غيره، ولا قرب ولا بعد، ولو كان هناك فرق لكانت الجبال والمسافات كافية، وسقط النهي العام المتواتر.

ص: 135

ويكره استقبالها حال الاستنجاء (1)(و) يحرم (لبثه فوق حاجته)(2) لما فيه من كشف العورة بلا حاجة (3) وهو مضر عند الأطباء (4)(و) يحرم (بوله) وتغوطه في طريق مسلوك (5)(وظل نافع)(6) ومثله متشمس بزمن الشتاء، ومتحدث الناس (7) .

(1) قاله في الفروع والمبدع وغيرهما، وقال في الإنصاف: يتوجه التحريم.

(2)

في الخلاء، واللبث بفتح اللام مصدر، وبضمها اسم مصدر، يقال لبث في المكان لبثا ولبثا مكث وأقام.

(3)

وكشف العورة بلا حاجة قد حكي الإجماع على تحريمه.

(4)

يعني إطالة اللبث أنه يدمي الكبد، ويورث الباسور.

(5)

الطريق السبيل تذكر وتؤنث وجمعه أطرق وطرق وسلك الطريق دخله وسار فيه، لحديث أبي هريرة مرفوعا اتقوا «اللاعنين قالوا: وما اللاعنان؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم» ، رواه مسلم وغيره، أي اتقوا الأمرين الجالبين للعن، الباعثين الناس عليه فإنه سبب للعن من فعله في هذا الموضع، فنسب إليهما بصيغة المبالغة، وعن أبي هريرة مرفوعا، «من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ، رواه البيهقي والطبراني، وله أيضا «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنة الله» .

(6)

أي مستظل الناس الذي يستظلون به، ويعتادون الجلوس فيه، أويتخذونه مقيلا ومناخا، للحديث السابق، وإضافة الظل إليهم دليل على إرادة المنتفع به، وليس كل ظل يحرم القعود عنده لقضاء الحاجة، فقد قضاها صلى الله عليه وسلم تحت حائش ومعلوم إن له ظلا، وفي الحديث (وكان أحب إليه حائش نخل، أو حائط) ، والحائش النخل المتلف.

(7)

لأنهما في معناه، والمراد الحديث المباح، أما المكروه أو المحرم فلا

يكره، بل يندب أن يفرقهم ما استطاع، إذا كان الحديث بنحو غيبة وهذا في المتحدث المملوك أو المباح، أما إذا كان ملك الغير فيحرم، حيث علم أنه لا يرضى به أو لم يؤذن له، وقال ابن القيم: وإن اجتاز بحرث غيره في الطريق ودعته الحاجة إلى التخلي فيه فله ذلك وإذا لم يجد موضعا سواه، إما لضيق الطريق، أو لتتابع المارين فيها.

ص: 136

(وتحت شجرة عليها ثمرة) لأنه يقذرها (1) وكذا في موارد الماء (2) وتغوطه بماء مطلقا (3) .

(1) لما رواه الطبراني وغيره من النهي عن قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة وضفة النهر الجاري، من حديث ابن عمر بسند ضعيف، وسواء كانت الثمرة تؤكل أو لا صيانة لها عن التلويث، ولعموم النهي، لأنه يفسدها وتعافها النفس، وعدم احترام لها، فإن لم يكن عليها ثمرة لم يحرم، إن لم يكن ظلا نافعا، ويحرم تغوط ونحوه على ما نهي عن استجمار به، لحرمته كطعام لا على ما نهي عن استجمار به لنجاسته أو ملاسته.

(2)

أي مجاريه ومشارعه، والطرق إليه، أحدها مورد، لحديث معاذ مرفوعا، «اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد، وقارعة الطريق والظل» رواه أبو داود وابن ماجه وقال: مرسل والبيهقي وقال النووي: إسناد جيد، واتقاؤها متفق عليه، وعن ابن عباس نحوه رواه أحمد وفيه ضعف، والملاعن جمع ملعنة، وهي الفعلة التي يلعن فاعلها، كأنها مظنة اللعن ومحل له لأن الناس إذا مروا به لعنوا فاعله أو سميت بذلك لأنها سبب اللعن.

(3)

قليلا كان أو كثيرا جاريا أو غير جار لأنه يقذره ويمنع الناس الانتفاع به، بخلاف البول فلا يكره إلا في الراكد لحديث «لا يبولن أحدكم في الماء الراكد» متفق عليه، ويرد على إطلاقه الماء الكثير، كالبحار والأنهار الكبار، والماء القليل في المطاهر المعد لذلك فإنه لا يكره تغوطه فيه وعبارة الإقناع:

ويحرم بوله وتغوطه على ما نهي عن الاستجمار به، كروث وعظم، وعلى ما يتصل بحيوان كذنبه ويده ورجله، ويد المستجمر، وعلى ماله حرمة كالمطعوم، وعلى قبور المسلمين وعلى علف دابة ونحوها اهـ ولأبي داود عن مكحول:(نهى سول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال بأبواب المساجد) .

ص: 137

(ويستجمر) بحجر أو نحوه (1)(ثم يستنجي بالماء) لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وغيره من حديث عائشة وصححه الترمذي (2) فإن عكس كره (3) ويجزئه الاستجمار حتى مع وجود الماء (4) .

(1) كخشب وخرق وتراب ونحو ذلك، ويجزئه عند الجمهور كما سيأتي.

(2)

ورواه النسائي ولفظه (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله) ، واحتج به أحمد ولفظ الترمذي بدل يتبعوا (يستطيبوا بالماء)، وقال: العمل عليه عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، يستحبون الاستنجاء بالماء، ورأوه أفضل اهـ ولأنه أبلغ في الإنقاء، لأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده، والماء يزيل ما بقي، وقد أثنى الله على أهل مسجد قباء فقال:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قالوا: (إنا نتبع الحجارة الماء) رواه البزار.

(3)

نص عليه وذلك بأن استنجى بالماء ثم استجمر لأنه لا فائدة فيه.

(4)

في قول أكثر أهل العلم لحديث جابر مرفوعا «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه» رواه أحمد وأبو داود، وصححه الدارقطني ويجزئ بضم أوله، مهموز الآخر، أي يخرج عن العهدة الاستجمار بكل جامد منق، وأجزأني الشيء كفاني، قال الشيخ وغيره، الاستجمار بالأحجار وتواترت به السنة، وأجمع المسلمون على جواز الاجتراء به، ولا يكره الاقتصار

عليه على الأصح، وقال الشارح وغيره، يجزئ الاستجمار بثلاثة أحجار إذا حصل الإنقاء بغير خلاف علمناه للنص والإجماع.

ص: 138

لكن الماء أفضل (1)(إن لم يعد) أي يتجاوز (الخارج موضع العادة)(2) مثل أن ينتشر الخارج على شيء من الصفحة (3) أو يمتد إلى الحشفة امتدادا غير معتاد، فلا يجزئ فيه إلا الماء (4) كقبلي الخنثى المشكل (5) .

(1) أي من الحجر لأن الماء يزيل العين، ولحديث أبي هريرة في قوله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال: (يستنجون بالماء)، قال الشيخ: المشهور على أن الاقتصار على الماء أفضل، ولو مع مباشرة النجاسة نص عليه وهو قول أكثر الفقهاء لحديث أنس «فيستنجى بالماء» متفق عليه.

(2)

المستمرة وهو ما عاد إليه مرة بعد أخرى.

(3)

يعني باطن الألية المستتر بالانطباق عند القيام.

(4)

للمتعدي فقط، لأن الأصل وجوب إزالة النجاسة بالماء، وإنما رخص في الاستجمار لتكرر النجاسة على المحل المعتاد فإذا جاوزوه خرج عن حد الرخصة وحده الشيخ: بأن ينتشر الغائط إلى نصف باطن الألية فأكثر، والبول إلى نصف الحشفة فأكثر، وإذًا يتعين الماء، وصرح به ابن عقيل وغيره، وفي الاختيارات ويجزئ الاستجمار ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين لعموم الأدلة، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك تقدير.

(5)

أي وكذا الخارج من أحدهما فلا يجزئ فيه إلا الماء، لأن الأصلي منهما غير معلوم، والاستجمار لا يصح إلا في أصلي، قال النووي: والمشكل أن يكون له فرج المرأة وذكر الرجل، أو لا يكون له واحد منهما، بل له ثقبة يخرج منها الخارج، ولا تشبه واحدا منهما.

ص: 139

ومخرج غير فرج (1) وتنجس مخرج بغير خارج (2) ولا يجب غسل نجاسة وجنابة بداخل فرج ثيب (3) ولا داخل حشفة أقلف

غير مفتوق (4) ويشترط للاستجمار بأحجار ونحوها كخشب وخرق (5) .

(1) سواء تنجس بخارج منه أو بغيره، فلا يجزئ فيه إلا الماء، ولو انسد المخرج المعتاد، لأنه نادر فلا يثبت له أحكام الأصلي، من انتقاض وضوء بلمس، ومن تعلق أحكام الوطء بالإيلاج فيه ونحو ذلك.

(2)

منه أو به وجف قبل استجمار فلا يجزئ فيه إلا الماء.

(3)

فلا تدخل يدها ولا أصبعها مهما أمكن بل ما ظهر فقط نص عليه واختاره المجد والشيخ وغيرهما، وصححه في تصحيح الفروع وغيره.

(4)

الأقلف بين القلفة، وهو الذي لم يختن، بخلاف المفتوق مشقوق القلفة فيجب غسلها، لعدم المشقة فيه، جزم به غير واحد.

(5)

وتراب ونحو ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام «بثلاثة أحجار أو بثلاثة أعواد أو بثلاث حثيات من تراب» ، رواه الدارقطني، وللبيهقي عن طاوس نحوه.

وروي عن مولى ابن عمر قال: (كان إذا بال قال: ناولني شيئا استنجي به فأناوله العود والحجر، أو يأتي حائطا يتمسح به، أو يمسه الأرض، ولم يكن يغسله) وقال: إنه أصح ما في الباب وأعلاه اهـ ولقوله «بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع» ، ولنهيه «أن يستنجى بعظم أو روث» فلولا أنه أراد الحجر وما في معناه، لما كان للاستثناء معنى ولا حسا.

وقال الشيخ: أمر بالاستجمار بثلاثة أحجار. فمن لم يجد فثلاث حثيات

من تراب، وأمره بالاستجمار بالأحجار، لم يخص الحجر، إلا لأنه كان

الموجود غالبا، لا لأن الاستجمار بغيره لا يجوز، بل الصواب قول

الجمهور في جواز الاستجمار بغيره، كما هو أظهر الروايتين عن أحمد لنهيه عن الاستجمار بالعظم والروث، وقال أبو حامد هو قول كافة العلماء، إلا داود وقال أبو الطيب: مذهبه الجواز، وقال الشارح: هو قول أكثر أهل العلم، وقال ابن القيم: فلو ذهب معه بخرقة وتنظف أكثر من الأحجار، أو بقطن أو صوف أو خز ونحو ذلك جاز، وليس للشارع غرض في غير التنظيف والإزالة، فما كان أبلغ في ذلك كان مثل الأحجار في الجواز وأولى.

ص: 140

(أن يكون) ما يستجمر به (طاهرا) مباحا (1)(منقيا (2) غير عظم وروث) ولو طاهرين (3) .

(1) فلا يصح بنجس وفاقا للشافعي، لما رواه البخاري «ولا تأتني بعظم ولا روث» ولحديث ابن مسعود (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال «هذا رجس» ) أي نجس رواه البخاري ولأنه إزالة النجاسة أشبه الغسل ولا يصح بمغصوب أو ذهب أو فضة، لأنه رخصة فلا يستباح بها، وعنه يصح وفاقا، واختاره الشيخ، وهو ظاهر كلام الموفق، لأنه لم ينه عنه لكونه لا ينقي بل لإفساده.

(2)

اسم فاعل من أنقى فلا يجزئ بأملس من نحو زجاج إذا المقصود الإنقاء، ولا يحصل به لعدم حصول المقصود منه، ولا يجزئ بشيء رخو، وندي ورطب لامتزاجه بالخارج فيزيد المحل نجاسة. ويجزئ الاستجمار بعده بمنق.

(3)

أي العظم والروث، فلا يجزئ لحديث «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن» رواه مسلم والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وعن أبي هريرة (نهى أن يستنجى بعظم أو روث)، وقال:«إنهما لا يطهران» رواه ابن خزيمة وغيره، وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إسناده جيد، وقال الشيخ: الاستنجاء بالرجيع لا يجوز بحال، إما لنجاسته، وإما لكون علفا لدواب إخواننا من الجن، وقد تنازع العلماء إذا استجمر بأقل من ثلاثة أحجار، أو استجمر بمنهي عنه كالروث والرمة واليمين هل يجزئه؟ والصحيح أنه إذا استجمر بأقل من ثلاثة أحجار فعليه تكميل المأمور به، وأما إذا استجمر بالعظم واليمين فإنه قد يجزئه، فإنه قد حصل المقصود بذلك، وإن كان عاصيا، والإعادة لا فائدة فيها، ولكن يؤمر بتنظيف العظم مما لوثه به، قال الزركشي، وهو جيد والروث للفرس والبغل والحمار والخثي بكسر فسكون للبقر والفيل، والبعر للإبل والغنم والأرانب، والعذرة للإنسان.

ص: 141

(وطعام) ولو لبهيمة (1)(ومحترم) ككتب علم (2)(ومتصل بحيوان) كذنب البهيمة (3) وصوفها المتصل بها (4) ويحرم الاستجمار بهذه الأشياء (5) وبجلد سمك أو حيوان مذكى مطلقا (6) أو حشيش رطب (7) .

(1) لما تقدم من النهي عن طعام الجن، فطعام الإنس أولى وقال الشيخ: الاستجمار بطعام الآدميين وعلف دوابهم أولى بالنهي عنه من طعام الجن وعلف دوابهم.

(2)

شرعي تعظيما وما فيه ذكر الله تعالى قال في الإنصاف: هذا لا شك فيه، ولا نعلم ما يخالفه، وقيل وكتب مباحة كالعروض ونحوه، وصريح كلامهم أن الحروف ليست محترمة لذاتها.

(3)

وكيدها، ورجلها.

(4)

لأن له حرمة، فهو كالطعام.

(5)

المستثناة كلها، للنهي عن الاستجمار بها من غير وجه.

(6)

دبغ أولا ويحتمل أيضا أن معناه سواء يؤكل أم لا متصلا، أم لا.

(7)

لأنه زاد البهائم، فهو أولى من الروث الذي هو علف بهائم الجن، كما تقدم ولا يحصل به الانقاء، ومفهومه أن اليابس يصح، وهو مقيد بما إذا لم يكن طعاما وإلا فلا لوجود العلة والحكم يدور مع علته.

ص: 142

(ويشترط) للاكتفاء بالاستجمار (ثلاثة مسحات منقية (1) فأكثر) إن لم يحصل بثلاث، ولا يجزئ أقل منها (2) ويعتبر أن تعم كل مسحة المحل (3) ولو كانت الثلاث بحجر ذي شعب، أجزأت إن أنقت (4) وكيفما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ (5) وهو أن يبقي أثر لا يزيله إلا الماء (6) .

(1) أي منظفة، ونقي بالكسر نقاوة بالفتح فهو نقي أي نظيف، والتنقية التنظيف ولأحمد «إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا» وعن سلمان «نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار» رواه مسلم وهذا نص صحيح صريح في أن استيفاء الثلاث لا بد منه وذلك إن لم يستعمل الماء فإنه لا بد من الثلاث الأحجار أو ما يقوم مقامها واشتراط الإنقاء مجمع عليه حكاه النووي وغيره.

(2)

أي الثلاث مسحات، للأخبار، قال الشيخ: عليه تكميل المأمور به، وإن أنقى بدونه اهـ، وإن لم ينق كرر، لأن الغرض إزالة النجاسة فيجب التكرار إلى أن تزول ليحصل المقصود ولأحمد «إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات نصف الحشفة والألية» ، وصوب النووي وغيره وجوب الثلاث.

(3)

لأنها إن لم تكن كذلك لم تكن مسحة بل بعضها.

(4)

لما روي أحمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات» فبين أن الغرض عدد المسحات لا الأحجار، ولأنه يحصل بالشعب الثلاث ما يحصل بالأحجار الثلاثة من كل وجه، فلا فرق، وهذا إن أنقت وإلا زاد حتى ينقي، والشعب الأطراف، والشعبة الطائفة والقطعة من الشيء، قال ابن عقيل: لو مسح بالأرض أو الحائط في ثلاثة مواضع فهو كالحجر الكبير، ولا يكرره في موضع واحد خشية التلويث.

(5)

أي: وأي صفة حصل بها الإنقاء كفى، لأن المقصود إزالة النجاسة.

(6)

قال الشيخ: علامة الإنقاء أن لايبقى في المحل شيء يزيله الحجر.

ص: 143

وبالماء عود خشونة المحل كما كان، مع السبع الغسلات (1) ويكفي ظن الإنقاء (2) ويسن قطعه أي قطع ما زاد على الثلاث على وتر (3) فإن أنقى برابعة زاد خامسة وهكذا (4) ويجب الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه (5) لكل خارج من سبيل (6) .

(1) أي كما كان قبل خروج الخارج، لزوال لزوجة النجاسة وآثارها مع السبع الغسلات، أي فلا بد من اعتبار العدد، وعنه لا يعتبر قال الشيخ: هذا المشهور، وصححه في تصحيح المحرر والفروع وغيرهما، ولم يحد الشارع في ذلك عددا ويأتي.

(2)

أي ويكفي في زوال النجاسة غلبة الظن، جزم به جماعة، لأن اعتبار اليقين هنا حرج، وهو منتف شرعا، ويسترخي قاضي الحاجة قليلا فلا يضم شرج مقعدته لئلا يبقى شيء.

(3)

بكسر الواو وفتحها، لغتان مشهورتان فصيحتان، نقلهما الزجاج وغيره فبالكسر لغة أهل نجد، وبالفتح لغة أهل الحجاز، والوتر الفرد، وما لم يشفع بعدد.

(4)

أي إن انقى بسادسة زاد سابعة، لحديث «من استجمر فليوتر» متفق عليه، وليس بواجب لقوله، «من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج» رواه أبو داود.

(5)

كخرق وخشب وتراب.

(6)

معتادا كان الخارج كالبول أولا كالمذي، ولو نادرا كالدود، لقوله {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فعم كل مكان ومحل من ثوب وبدن، ولعموم الأحاديث، والقول به في الجملة قول أكثر أهل العلم، وقال في الإنصاف: أما النجس الملوث فلا نزاع في وجوب الاستنجاء منه.

ص: 144

إذا أراد الصلاة ونحوها (1)(إلا الريح)(2) والطاهر وغير الملوث (3)

(ولا يصح قبله) أي قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه (وضوء ولا تيمم)(4) لحديث المقداد المتفق عليه: «يغسل ذكره ثم يتوضأ» (5) .

(1) كمس مصحف ووجوب الشرط بوجوب المشروط قال ابن الجوزي: لا تجب الطهارة عن حدث ونجس قبل إرادة الصلاة، بل تستحب.

(2)

لأن الغسل إنما يجب لإزالة النجاسة، ولا نجاسة فيها، وقال أحمد: ليس في الريح استنجاء لا في كتاب الله ولا سنة رسوله اهـ وهو مذهب مالك وغيره، وقول فقهاء الأمصار، قاله الشيخ وغيره، وقال الشارح: لا نعلم فيه خلافا ولأنه عرض بإجماع الأصولين.

(3)

أي وإلا الخارج الطاهر كالمني، والولد العاري عن الدم، وغير الملوث أي غير الخارج النجس الملوث، كالبعر الناشف والحصا، لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة، ولا نجاسة هنا، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف، وقال: كيف يستنجي أو يستجمر من طاهر، وهذا من أشكل ما يكون.

(4)

أي لايصح وضوء قبل الاستنجاء بماء أو حجر ونحوه إذا كان على المخرج نجاسة، اختاره الأكثر، وقال الشيخ هذا الأشهر، لأنه طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليه، ولا يصح تيمم لأنه لا يرفع الحدث، وإنما تستباح به الصلاة، ولا تباح مع قيام المانع، وظاهره سواء كان التيمم عن حدث أصغر أو أكبر أو نجاسةوعنه يصح الوضوء وفاقا، وجزم به في الوجيز، قال في مجمع البحرين، هذا أقوى الروايتين، واختاره الموفق والشارح وغيرهما، وصححه في النظم والتصحيح وغيرهما، وكذا التيمم قياسا على الوضوء.

(5)

وهذا لفظ النسائي، وقال الحافظ منقطع ولفظ مسلم «يغسل ذكره ويتوضأ» ولأحمد وأبي داود ونحوه، ولفظ البخاري «توضأ واغسل ذكرك»

قال الحافظ: ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس، وفي لفظ لمسلم «اغسل ذكرك وتوضأ» وفي بعض الروايات «توضأ وانضح فرجك» ، والواو لا تقتضي الترتيب، بل لمطلق الجمع على المشهور، قال النووي: والسنة أن يستنجي قبل الوضوء، ليخرج من الخلاف ويأمن انتقاض طهره اهـ ومشروعيته قبل الوضوء والتيمم لا نزاع فيها، والمقداد هو عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود النهراني، وقيل الحضرمي، أصاب دما في قومه، فلحق بحضرموت فحالف الأسود بن عبد يغوث الكندي فقيل المقداد بن الأسود، أول فارس في الإسلام توفي سنة ثلاث وثلاثين.

ص: 145

ولو كانت النجاسة على غير السبيلين (1) أو عليهما غير خارجة منهما صح الوضوء والتيمم قبل زوالها (2) .

(1) صح الوضوء والتيمم قبل زوالها.

(2)

أي النجاسة: لأنها غير خارجة من السبيلين، لكنها مقيدة بكونها غير مانعة، وإلا فلا، والفرق بين ما إذا كانت النجاسة خارجة منه، وبين ما إذا كانت عليه غير خارجة منه، ففي الأولى موجبة للطهارة، فاشترط لصحتها زوالها مهما أمكن أثرا أو عينا فقط، بخلاف الثانية فإنها غير موجبة للطهارة فلم يشترط لصحتها زوالها، ولهذا لا يجزئ الاستجمار فيها بخلاف الأولى.

ص: 146