المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌إذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة

(وإن نوى) بتيممه (نفلا) لم يصل به فرضا، لأنه ليس بمنوي (1) وخالف طهارة الماء، لأنها ترفع الحدث (2)(أو) نوى استباحة الصلاة و (أطلق) فلم يعين فرضا ولا نفلا (لم يصل به فرضا) ولو على الكفاية (3) ولا نذرا لأنه لم ينوه (4) وكذا الطواف (5) .

(1) يعني الفرض حال تيممه، ولا تابع لمنويه، فلا يصلي به إلا نفلا.

(2)

أي والتيمم مبيح، وتقدم أنه رافع لقوله: فعنده مسجده وطهوره فتباح الفريضة بنية مطلقة، وبنية النافلة، قال الشيخ: و‌

‌إذا تيمم لنافلة صلى به الفريضة

، وهذا قول كثير من أهل العلم، وهو الصحيح وعليه يدل الكتاب والسنة والاعتبار، ومن قال: إن التراب لا يطهر من الحدث فقد خالف الكتاب والسنة، فالتيمم رافع للحدث مطهر لصاحبه، لكنه رفع مؤقت، وقال أحمد: القياس أن تجعل التراب كالماء.

(3)

كصلاة جنازة وعيد، لعدم تعيينه نية الفرضية.

(4)

لأن تعيين النية شرط، ولم يوجد في الفرض، وإنما أبيح النفل لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق.

(5)

أي ومثل الصلاة في الحكم الطواف، يعني إن نوى بتيممه نفلا لم يطف به فرضا، أو نوى وأطلق لم يطف به فرضًا ولا نذرًا.

ص: 327

(وإن نواه) أي استباحة فرض (صلى كل وقته فروضا ونوافل)(1) فمن نوى شيئا استباحه ومثله ودونه (2) فأعلاه فرض عين، فنذر (3) ففرض كفاية، فصلاه نافلة فطواف نفل (4) فمس مصحف، فقراءة قرآن، فلبث بمسجد (5)(ويبطل التيمم) مطلقا (6) .

(1) لأنها طهارة صحيحة أباحت فرضا، فأباحت ما هو مثله كطهارة الماء، قال في المبدع: والصحيح أنه يتنفل ثم يصليها وما شاء إلى خروج وقتها عن أي شيء تيمم، وقال البغوي: اتفقوا أنه يجوز أن يصلي بتيمم واحد مع الفريضة ما شاء من النوافل قبل الصلاة وبعدها.

(2)

أي فمن تيمم لفرض استباحة أي الفرض، ومثله كمجموعة وفائتة، ودونه كمنذورة ونافلة، لا ما فوقه لأنه لم ينوه، ولا هو تابع لما نواه.

(3)

أي فأعلى ما يتيمم له فرض عين، كالصلوات الخمس، فنذر صلاة، فلو تيمم لنذر لم يصل به فرض عين وهكذا، وقال الشيخ: ظاهر كلامهم لا فرق.

(4)

لم يبين محل طواف الفرض، وظاهر كلامه في المبدع يقتضي أن يكون بعد نافلة صلاة، حيث قال: ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر، وقال الشيخ: ولو كان الطواف فرضا، ونقل في شرح الإقناع والمنتهى عن الشرح والمبدع والشيخ أن طواف الفرض بعد صلاة النافلة، فيستبيح بنية صلاة النفل طواف الفرض.

(5)

قال الشارح: وإن نوى نافلة أبيح له قراءة القرآن ومس المصحف والطواف، لأن النافلة آكد من ذلك كله، لكون الطهارة مشروطة لها بالإجماع، وينبغي أن التيمم لوطء بعد اللبث، وهل النفساء مثله أو بعده؟ وسوى بينهما في الشرح.

(6)

سواء كان لصلاة أو غيرها من جنب وحائض وغير ذلك، أو عن حدث أصغر أو أكبر أو جرح أو نجاسة.

ص: 328

(بخروج الوقت) أو دخوله (1) .

(1) لانتهاء مدته كمسح الخفين، فلو تيمم لطواف أو جنازة أو نافلة وخرج الوقت بطل كالفريضة، وعنه: إن تيمم لجنازة ثم جيء بأخرى أجزأ، وإن كان بينهما وقت يمكنه التيمم تيمم، وقال الشيخ: لا يتيمم، لأن النفل المتواصل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة، قال: وعلى قياسه ما ليس له وقت محدود كمس المصحف وطواف اهـ وخروج وقت الصلاة ملازم لدخول وقت الأخرى إلا في وقت الفجر، فإذا تيمم في وقت الصبح بطل بطلوع الشمس، وكذا لو تيمم بعد الشروق بطل بالزوال وعنه: أنه رافع فيصلي به إلى حدثه لأن الله شرع التيمم حال عدم الماء فقال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فتبقى الطهارة ببقائه والرسول صلى الله عليه وسلم جعل طهارة التيمم ممتدة إلى وجود الماء فقال طهور المسلم وقال: وجعلت تربتها لنا طهورا وللنسائي بسند قوي، وضوء المسلم، فكان في عدم الماء كالوضوء، ولأنها طهارة تبيح الصلاة فلا تتقيد بالوقت كطهارة الماء، واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ وتلميذه وصاحب الفائق وغيرهم، وقال الشيخ: لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الوضوء، والقدرة على استعمال الماء، وقال: يقوم مقام الماء مطلقًا ويبقى بعد الوقت كما تبقى طهارة الماء بعده وهذا القول هو الصحيح وعليه يدل الكتاب والسنة، فإن الله جعله مطهرا كما جعل الماء مطهرا، وقال ابن القيم: لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم التيمم لكل صلاة، ولا أمر به، بل أطلق التيمم وجعله قائما مقام الوضوء، وهذا يقتضي أن يكون حكمه حكمه، إلا فيما اقتضى الدليل خلافه، وكذا قال غير واحد من أهل العلم: يصلي به ما لم يحدث، كما يصلي بالماء، وقال شيخ الإسلام أيضا، التيمم لوقت كل صلاة إلى أن يدخل وقت الأخرى أعدل الأقوال، قال مالك: لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، واستحسنه شيخنا، وقال: العمل عليه عند أكثر أهل العلم، وهو أحوط، وخروج من الخلاف، ولا مشقة فيه.

ص: 329

ولو كان التيمم لغير صلاة (1) ما لم يكن في صلاة جمعة (2) أو نوى الجمع في وقت ثانية من يباح له (3) فلا يبطل تيممه بخروج وقت الأولى، لأن الوقتين صارا كالوقت الواحد في حقه (4)(و) يبطل التيمم عن حدث أصغر (بمبطلات الوضوء)(5) وعن حدث أكبر بموجباته (6) .

(1) أي فيبطل بخروج الوقت، لانتهاء مدته كالمسح.

(2)

فلا يبطل بخروجه، لأنها لا تقضى، وقال ابن عقيل: لا تبطل، وإن كان الوقت شرطا كما في الجمعة.

(3)

أو تيمم لفائتة في وقت الأولى، وهذا بخلاف جمع التقديم، فإن تيممه يبطل بخروج وقت الأولى.

(4)

وهل يبطل بمجرد السلام منهما، أو يستمر إلى الوقت الثاني؟ قال الشارح: لم أر من تعرض له، والأول أقرب.

(5)

قال في الإنصاف وغيره: بلا نزاع، كخارج من سبيل، أو زوال عقل، لأنه بدل عن الوضوء فحكمه حكمه، وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه كعمامة وخف ثم خلعه لم يبطل تيممه عند أكثر الفقهاء، وقال الشارح: هو قول سائر الفقهاء، لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه، لا إن كان الحائل في محل التيمم.

(6)

كالجماع، فلو تيمم الجنب لاستباحة قراءة القرآن لم يبطل تيممه بنواقض الوضوء، وإنما يبطل بما لو أجنب في الوقت، فلو تيمم للجنابة ثم أحدث صار محدثا، لا جنبا، لأن الحدث لا ينقض أصله، وهو الغسل فلا يصير جنبا، وإنما يصير محدثا بهذا الحدث العارض.

ص: 330

لأن البدل له حكم المبدل (1) وإن كان لحيض أو نفاس لم يبطل بحدث غيرهما (2)(و) يبطل التيمم أيضا: (بوجود الماء) المقدور على استعماله بلا ضرر إن كان تيمم لعدمه (3) وإلا فبزوال مبيح من مرض ونحوه (4)(ولو في الصلاة) فيتطهر ويستأنفها (5) .

(1) أي فيبطل البدل وهو التيمم بما يبطل المبدل، وهو الطهارة بالماء، ولو تيمم للحدث وللجنابة تيمما واحدا ثم خرج منه ريح مثلا بطل تيممه للحدث، وبقي تيمم الجنابة بحاله.

(2)

كمبطلات غسل ووضوء، وأما عنهما فبحدثهما، فلو طهرت الحائض في أثناء عادتها، وتيممت لعذر لم يبطل تيممها إلا بعود الحيض في الوقت، أو بخروج الوقت.

(3)

أي الماء، قال الموفق وغيره: إجماعا، لحديث أبي ذر وغيره.

(4)

أي وإلا يكن تيمم لعدم الماء، وإنما تيمم لأجل مرض ونحوه كجرح بطل التيمم بزواله، لأن التيمم طهارة ضرورة فيزول بزوالها.

(5)

أي يبطل تيممه بوجود الماء وهو في الصلاة، فيتطهر ويستأنفها وظاهره ولو جمعة، لأنها طهارة انتهت بانتهاء وقتها، وهذا مذهب أبي حنيفة، قال ابن رشد: وهم أحفظ للأصل، لأنه أمر غير مناسب للشرع، أن يوجد شيء واحد لا ينقض الطهارة في الصلاة، وينقضها في غير الصلاة اهـ.

وعنه يمضي فيها وهي صحيحة وفاقا لمالك والشافعي وابن المنذر وغيرهم، واختاره الآجري وغيره قال الشارح، وهو أولى لقوله:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولقوله عليه الصلاة والسلام «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»

ولأن رؤية الماء ليست حدثا، غير أن وجوده مانع من ابتداء التيمم

وهو قد تيمم غير واجد للماء ودخل فيها بما أمر به، وحصل له

منها عمل بإحدى الطهارتين، فوجب أن لا يبطله لقوله:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولأنه لم يثبت في سنة ولا إجماع ما يوجب قطع صلاته، قال ابن العربي: يحرم عليه ذلك، ويكون عاصيا إن فعل.

ص: 331

(لا) إن وجد ذلك (بعدها) فلا تجب إعادتها (1) وكذا الطواف (2) ويغسل ميت ولو صلي عليه وتعاد (3) .

(والتيمم آخر الوقت) المختار (لراجي الماء)(4) أو العالم وجوده (5) .

(1) أي الصلاة ولو كان الوقت باقيا إجماعا، حكاه ابن المنذر وغيره لحديث الذين أعاد أحدهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، وتيمم ابن عمر وصلي العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة رواه مالك وغيره، واحتج به أحمد، وذكر أبو الزناد عن أبيه عمن أدرك من الفقهاء السبعة وغيرهم أن من تيمم وصلى، ثم وجد الماء في آخر الوقت، فلا إعادة عليه، بل ولا تستحب الإعادة، لقوله: أصبت السنة.

(2)

أي ومثل الصلاة فيما تقدم الطواف ويأتي.

(3)

أي يغسل ميت يمم لعدم ماء وجوبا، ولو صلي عليه، ولم يدفن حتى وجد الماء، وتعاد الصلاة عليه، وإن كانت الأولى بوضوء، والمعادة بتيمم، ومن تيمم لقراءة ووطء ونحوه ثم وجد الماء استعمله، قال في الفروع: وفاقا.

(4)

في الوقت بحيث يدرك الصلاة كلها قبل خروج الوقت المستحب، ذكره أبو الخطاب وهو ظاهر الخرقي.

(5)

فتأخير آخر الوقت أولى، قال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافا، لأن الطهارة بالماء فريضة، والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى، وللخروج من الخلاف، فقد قيل: لا يجوز إلا عند ضيق الوقت وهو مذهب مالك

واختاره الشيخ، وفي الاختيارات: من أبيح له التيمم فله أن يصلي به أول الوقت، ولو علم وجوده آخر الوقت، وفيه أفضلية، وقاله غير واحد من العلماء، لقوله أصبت السنة، فإن فيه من الفقه كما قال الخطابي وغيره: أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم أول الوقت، كالمتطهر بالماء، وهو أحد قولي الشافعي.

ص: 332

ولمن استوى عند الأمران (أولى)(1) لقول علي رضي الله عنه في الجنب: (يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت، فإن وجد الماء وإلا تيمم)(2)(وصفته) أي كيفيته التيمم (أن ينوي) كما تقدم (3)(ثم يسمي) فيقول: بسم الله (4) .

(1) أي استوى عنده احتمال وجود الماء وعدمه، فالتأخير أفضل من التيمم أول الوقت، وظاهر كلام الإمام أحمد أنه لو استوى الأمران عنده أن التقديم فضل، وهو أحد الوجهين، وظاهر كلام كثير من الأصحاب، وذكر في الإنصاف أنه الأولى وإن تيمم وصلى أول الوقت أجزأه بلا نزاع.

(2)

يتلوم: يتأنى ويمكث وينتظر ما بينه وبين آخر الوقت المختار، فإن وجد الماء ففي الوقت المختار استعمله وإلا تيمم، وعلم منه أن التقديم لمتحقق العدم أو ظان عدم وجوده أفضل، لتحقق فضيلته دون فضيلة الوضوء، قال في الإنصاف: وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به كثير منهم، ولو جمع بين الصلاتين بتيمم ثم دخل وقت الثانية، وهو واجد الماء صحت قال غير واحد: في الأصح.

(3)

أي أن ينوي استباحة ما يتيمم له كفرض الصلاة من الحدث الأصغر والأكبر ونحوه هذا المذهب، وتقدم عنه أنه يصح بنية رفع الحدث، وفاقا لأبي حنيفة للأخبار.

(4)

لا يقوم غيرها مقامها للخبر، ولأنها طهارة عن حدث، فشرع اسم الله

عليها كالوضوء، والمراد كما أن النص ورد في الوضوء ألحقنا به التيمم، لا أنه بالقياس، وأن أحدا خالف في التيمم.

ص: 333

وهي هنا كوضوء (1)(ويضرب التراب بيديه (2) مفرجتي الأصابع) ليصل التراب إلى ما بينها بعد نزع نحو خاتم (3) ضربة واحدة (4) .

(1) يعني تجب مع الذكر، وتسقط مع السهو.

(2)

أو غير التراب مما فيه غبار طهور، كلبد وبساط، أو حصير ونحوه مما تقدم، أو رمل أو سباخ ونحوهما على القول المختار.

(3)

وجوبا ليصل التراب إلى ما تحته، ذكر ذلك متأخروا أصحاب الأئمة، وبعضهم ذكره سنة، وقال بعضهم: أو يحركه إن شق نزعه، ولم أره للمتقدمين ولا ورد الأمر به، وتقدم خبر ضعيف في الوضوء.

(4)

على الصحيح من المذهب، وهو المسنون والواجب، قاله في الإنصاف، وفي المبدع: والمنصوص ضربة واحدة، وهي الواجب بلا نزاع، لحديث عمار قال في التيمم ضربة واحدة للوجه واليدين رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، وفي الصحيحين: ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه، وعن أبي الجهيم: وضع يديه على الجدار فمسح بوجهه وكفيه وقيل لأحمد: التيمم ضربة واحدة؟ قال: نعم للوجه والكفين، ومن قال ضربتين فإنما هي شيء زاده، يعني لا يصح، وقال الحافظ في الأحاديث الواردة في صفة التيمم: لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما ضعيف، وقال الشيخ: العمل بالضعيف إنما يشرع في عمل قد علم أنه مشروع في الجملة، فإذا رغب في بعض أنواعه بخبر ضعيف عمل به، أما إثبات سنة فلا اهـ وإن مسح بضربتين بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه جاز، وتكره الزيادة عليهما لعدم وروده.

ص: 334

ولو كان التراب ناعما فوضع يديه عليه وعلق بهما أجزأه (1)(يمسح وجهه بباطنهما) أي بباطن أصابعه (2)(و) يمسح (كفيه براحتيه) استحبابا (3) فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره أو عكس صح (4) واستيعاب الوجه والكفين واجب (5) سوى ما يشق وصول التراب إليه (6) .

(1) أي من غير ضرب لنعومة التراب، بكونه محكم الدق، ونشوبه في يديه بمجرد الوضع، فإن علق بيديه تراب كثير جاز نفخه، لقوله: ثم نفخ فيهما وإن كان خفيفا كره، فإن ذهب ما عليهما بالنفخ أعاد الضرب، ليحصل المسح بتراب.

(2)

فإن بقي من الوجه شيء لم يصل التراب إليه أمر يده عليه.

(3)

لحديث عمار، ولا يجب ذلك، لأن فرض الراحتين قد سقط بإمرار كل واحد على ظهر الكف، وعبارة المنتهى، ويمسح ظاهر كفيه براحتيه، والراحتان واحدتهما راحة، وهي بطن اليدن وقيل اليد كلها، وجمعها راحات.

(4)

فيهما حيث استوعب محل الفرض بالمسح، ولو عكس بحيث مسح وجهه بيساره ويساره بيمينه وقال الشيخ: ولا يجب فيه ترتيب، بل إذا مسح وجهه بباطن راحتيه أجزأ ذلك عن الوجه والراحتين، ثم يمسح ظهور الكفين بعد ذلك، فلا يحتاج إلى أن يمسح راحتيه مرتين.

(5)

لقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} ولا يوصل المسح إلى المرفقين: كما قال أحمد: من قال إن التيمم إلى المرفقين فإنما هو شيء زاده من عنده.

(6)

كالفم والأنف وباطن الشعور الكثيفة، ولا يجب مسح ما تحت الشعر الخفيف من الوجه، قطع به في المغني والشرح، وصوبه في الإنصاف.

ص: 335

(ويخلل أصابعه) ليصل التراب إلى ما بينهما (1) ولو تيمم بخرقة أو غيرها جاز (2) ولو نوى وصمد للريح حتى عمت محل الفرض بالتراب (3) أو أمره عليه ومسحه به صح (4) لا إن سفته الريح بلا تصميد فمسحه به (5) .

(1) قياسا منهم له على الوضوء.

(2)

لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض، فكيفما حصل جاز كالوضوء.

(3)

وأمره بيديه أو بشيء يتبع التراب صح، وإلا فلا، لأن مرور التراب على الوجه لا يسمى مسحا، جزم به في الفائق وغيره، واختاره الموفق وغيره، وصوبه في تصحيح الفروع.

(4)

أي أمر محل الفرض على التراب ومسحه به صح، والمسح راجع إلى المسألتين إلى تصميده الأعضاء للريح، وإمراره الأعضاء على التراب، فلا بد من المسح فيهما.

(5)

أي سفت الريح التراب على المحل الذي يجب مسحه في التيمم من غير نية، ويسن إتيانه بالشهادتين مع ما بعدهما إذا فرغ من تيممه، كما سبق في الوضوء.

ص: 336

باب إزالة النجاسة (1)

الحكمية (2) أي تطهير مواردها (3) .

(1) أي باب بيانها وبيان أحكامها، وتطهير محالها، وما يعفى عنه منها، وما يتعلق بذلك، والإزالة التنحية يقال: أزلت الشيء إزالة، زلته وزيلته زيالا، بمعنى، والنجاسة اسم مصدر، وجمعها أنجاس والنجس هو المستقذر المستخبث و (ننجس ينجس) صار قذرا خلاف طهر، وشرعا: قذر مخصوص، وهو ما يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم والخمر، وفي الاصطلاح كل عين حرم تناولها مع إمكانه لا لحرمتها ولا استقذارها، ولا لضرر في بدن أو عقل، وحيث كانت النجاسة لغة تعم الحقيقة والحكمية، وعرفا تختص بالأولى، فسرها الشارح بالحكمية وقدموا (باب إزالة النجاسة) على (باب الحيض والنفاس) مع أنهما من موجبات الغسل فلهما تعلق بما قبل من طهارة الحدث، وهم لا يقطعون النظير عن نظيره إلا لنكتة لأن إزالة النجاسة واجبة على الذكر والأنثى، والطهارة من الحيض والنفاس خاصة بالأنثى وما كان مشتركا بينهما فالاعتناء به أشد مما هو مختص بالأنثى.

(2)

أي الطارئة على عين طاهرة، وهي التي يمكن تطهيرها، احترازا عن العينية، وهي كل عين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة فإنها لا تطهر بحال، وإنما شرع تطهير ما طرأ عليها وسميت عينيه لأنها تدرك بحاسة البصر، وإن لم تكن مختصة به، تطلق على الإدراك بالشم والذوق، وهي منحصرة في الحيوان وما تولد من فضلاته وميتته وسميت الحكمية حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس، فلا يشاهد لها عين، ولا يدرك لها طعم ولا رائحة، مع وجود ذلك فيها تحقيقا أو تقديرا.

(3)

أي موارد النجاسة على عين طاهرة، ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء

على المذهب قال الخطابي: إنما تزال النجاسة بالماء دون غيره من المائعات، وهو قول الجمهور اهـ وإزالتها بالماء هو الأصل في التطهير، لوصفه به في الكتاب والسنة، فتزول بالماء حسا وشرعا، وذلك معلوم بالضرورة من الدين وبالنص والإجماع، وأما القول بتعيينه وعدم الاجتزاء بغيره، فيرده حديث مسح النعل وغيره، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير بالماء، وعنه: تزال بكل مائع طاهر مزيل للعين والأثر، أشبه الماء كالخل وماء الورد، اختاره ابن عقيل والشيخ صاحب الفائق، وفاقا لأبي حنيفة، وأما ما لا يزيل كاللبن والدهن فلا خلاف أن النجاسة لا تزال به.

ص: 337

(يجزئ في غسل النجاسات كلها)(1) ولو من كلب أو خنزير (2)(إذا كانت على الأرض) وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور (3)(غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة)(4) .

(1) أي الحكمية مائعة كانت أو ذات جرم، لإمكان تطهيرها، لا العينية وقال الشافعي: إزالة النجاسة فرض، ما عدا ما يعفى عنه منها، وقال مالك: ليس بفرض، والأحاديث حجة عليه، كحديث صاحبي القبرين، والأمر بالاستجمار.

(2)

وهو حيوان سمج الشكل خبيث قذر في الغاية: قيل: إنه حرم على لسان كل نبي.

(3)

أي بالأرض من الحيطان جمع حائط اسم فاعل، سمي به لأنه يحوط ما فيه، والأحواض جمع حوض مجمع الماء، والصخور جمع صخر الحجر الصلب، ومنها الأجرنة الصغار المبنية أو الكبار مطلقا، والأجرنة جمع جرن بالضم منقورة يتوضأ منها.

(4)

بماء طهور لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي، وغير ذلك، ولم يشترط لتطهيرها عدد لأنها مصاب الفضلات.

ص: 338

ويذهب لونها وريحها (1) فإن لم يذهبا لم تطهر، ما لم يعجز (2) وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول (3) لعدم اعتبار النية لإزالتها (4) وإنما اكتفي بالمرة دفعا للحرج والمشقة (5) .

(1) بمكاثرتها بالماء وعليها، ولو لم ينفصل الماء الذي غسلت به، لأنه عليه الصلاةوالسلام لم يأمر بإزالة الماء عنها.

(2)

أي فإن لم يذهب لون النجاسة وريحها لم تطهر ما لم يعجز عن إزالتهما أو إزالة أحدهما، فتطهر كغير الأرض، لحديث أبي هريرة أن خولة قالت يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، قال: إذا تطهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه، قالت: يا رسول الله إن لم يخرج أثره، قال: يكفيك الماء ولا يضرك أثره، رواه أحمد وغيره، قال في المبدع: وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة سقط كالثوب.

(3)

أي غمرت النجاسة التي على الأرض وما اتصل بها بذلك، وبالثلوج ونحو ذلك، من غمره الماء يغمره غمرا، علاه وغطاه.

(4)

أي النجاسة، وحكى البغوي وغيره إجماع المسلمين على أن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية، وقال الشيخ: طهارة الخبث، من باب التروك، لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل حصل المقصود، كما ذهب إليه أئمة المذاهب الأربعة المتبعة وغيرهم، بل لو زال الخبث بأي طريق كان حصل المقصود، فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها، لكن إذا زال الخبث بفعل العبد ونيته أثيب على ذلك.

(5)

أي بالغسلة الواحدة من غير اعتبار عدد، دفعا للحرج، أي الضيق، والمشقة أي الصعوبة والعناء والجهد.

ص: 339

لقوله صلى الله عليه وسلم «أريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء» متفق عليه (1) فإن كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرمم والدم الجاف والروث (2) واختلطت بأجزاء الأرض لم تطهر بالغسل (3) بل بإزالة أجزاء المكان (4) بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة (5)(و) يجزئ في نجاسة (على غيرها) أي غير أرض (6)(سبع) غسلات (7) .

(1) من حديث أنس قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فقال: دعوه وأريقوا: أي صبوا وفي لفظ: أهريقوا، وفي لفظ: هريقوا على بوله سجلا، بفتح المهملة وسكون الجيم الدلو لملآي، ويجمع على سجال، أو ذنوبا من ماء، والذنوب الدلو العظيمة المملوءة ماء، قال الحافظ: على الترادف أو الشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير والأول أظهر وفي الصحاح: السجل الدلو إذا كان فيه الماء وإن ملئت فهو ذنوب، ودلو بدونهما.

(2)

أي النجس، والرمم جمع رمة بالضم والكسر، واقصر عليه الجوهري العظام البالية إذا كانت تجسة.

(3)

لأن عين النجاسة لا تنقلب.

(4)

أي الذي أصابته النجاسة.

(5)

وذلك لا يحصل إلا بزوال عينها، وإن بادر البول، ونحوه وهو رطب فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر، وإن جف فأزال ما عليه الأثر من التراب فلا، إلا أن يقلع ما يتيقن به زوال ما أصابه البول ونحوه.

(6)

ونحوها كصخر وحيطان.

(7)

منقية وإلا فيزيد حتى ينقي النجاسة.

ص: 340

(إحداها) أي إحدى الغسلات، والأولى أولى (1) .

(بتراب) طهور (2)(في نجاسة كلب وخنزير) وما تولد منهما أو من أحدهما (3) لحديث: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب» ، رواه مسلم، عن أبي هريرة مرفوعا (4) .

(1) أي بأن يجعل التراب فيها، لكثرة رواتها وحفظهم، وليأتي الماء بعده فينظفه جزم به في المغني والشرح وغيرهما، وصوبه، في الإنصاف.

(2)

لا طاهر قياسا منهم له على الماء، وتقدم في قوله: طيبا أي طاهر ضد النجس.

(3)

أو شيء من أجزائهما أو أجزاء ما تولد منهما، وهما نجسان وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، وحكى ابن المنذر وغيره الإجماع على نجاسة الخنزير اهـ وما تولد منهما نجس، وسؤرهما وسؤر ما تولد منهما نجس، وعرقه وكل ما خرج منه، لا يختلف المذهب فيه، قاله الشارح، وقال الزركشي: جميع فضلاته نجسة وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، ورجح الشيخ طهارة شعورهما، قال: فإذا كان رطبا وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين وفي النكت للنووي على التنبيه على قوله: وماتولد منهما قال: فقال بعض الناس، لو قال: وما تولد من أحدهما كان أصوب وأعم، وليس المراد كما توهم القائل، بل معنى قوله: وما تولد منهما، على سبيل البدل، تارة يتولد من الكلب وحيوان آخر أي حيوان كان وتارة يتولد من الخنزير وحيوان آخر أي حيوان كان، لا أن المراد بالمتولد منهما أن يكون منحصرا في ولد الكلب من الخنزير أو بالعكس اهـ وعليه فلا حاجة لقوله: أو من أحدهما.

(4)

ورواه البخاري وغيره. وفي رواية لمسلم ثم ليغسله سبع مرات، وله

أيضا طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب قال الحافظ: ولغ يلغ بالفتح إذا شرب بطرف لسانه فحركه، وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء أو غيره من كل مائع فيحركه، وقاله ابن الأعرابي وغيره، وقال صاحب المطالع: الشرب أعم من الولوغ، فكل ولوغ شرب ولا عكس، وقال أبو زيد: ولغ الكلب بشرابنا ومن شرابنا: وقال الشيخ: يلغ بلسانه شيئا فشيئا فلا بد أن يبقى في الماء من ريقه فيكون محمولا، والماء يسيرا فيراق لأجل كون الخبث محمولا، ويغسل الإناء الذي لاقى ذلك الخبث، قال النووي: ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره، ولا بين الكلب البدوي والحضري، والخنزير حكمه حكم الكلب في هذا كله، عند جماهير العلماء، إلا أنه لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قوي في الدليل اهـ وأصل الغسل معقول المعنى، وهو غسل النجاسة، وظاهر الخبر وغيره العموم في الآنية ونحوها كالثياب والفرش، لا الأرض وما اتصل بها فتكاثر، وقال العراقي: خرج مخرج الغالب لا للتقييد اهـ، وفيه دلالة ظاهرة على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب، وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين، إلا أبا حنيفة وأصحابه، فحملوا السبع على الندب، وأما الخنزير فهو شر من الكلب لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه وتقدم أنه خبيث قذر حرم على لسان كل نبي، فالحكم فيه من طريق التنبيه، وإنما لم ينص الشارع عليه والله أعلم، لأن العرب لم يكونوا يعتادونه، بخلاف الكلب، ومن منع قياسه على الكلب فلعدم ثبوت العلة، فالوقوف مع النص أولى، وفي نجاسة ولوغ الكلب من اللزوجة ما لا يوجد في غيره، وقال النووي: الراجح من حيث الدليل أنه يكفي في الخنزير غسلة واحدة بلا تراب، وبهذا قال أكثر العلماء، وهو المختار، لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع، ومالك يقول بطهارته حيا، وليس لنا دليل على نجاسته في حال حياته، وقال أبو حنيفة: يغسل كسائر النجاسات.

ص: 341

ويعتبر ما يوصل التراب إلى المحل (1) ويستوعبه به (2) إلا فيما يضر فيكفي مسماه (3)(ويجزئ عن التراب أشنان (4) ونحوه) كالصابون والنخالة (5) .

(1) وفي بعض النسخ: مائع والمراد الماء كما نبه عليه الحجاوي، وعبارة الإقناع، ويعتبر مزجه بماء يوصله إليه، فلا يكفي مائع غير الماء اهـ، ولا يكفي ذر التراب، وفي الفروع، يحتمل أن يكفي ذره، ويتبعه الماء، وهو ظاهر كلام جماعة، قال: وهو أظهر، وصوبه في الإنصاف، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على الماء، أو يؤخذ الماء الكدر فيغسل به، فالمراد خلط التراب بالماء حتى يتكدر.

(2)

أي ويعم المحل به بأن يمر التراب مع الماء على جميع أجزاء المحل المتنجس صرح به أبو الخطاب.

(3)

أي أقل شيء يسمى ترابا يوضع في ماء إحدى الغسلات، وتقدم أن الأولى أولى.

(4)

بضم الهمزة وكسرها، فارسي معرب، وهمزته أصلية، وهو بالعربية حرض، تغسل به الأيدي على إثر الطعام، وقال أبو زياد: هو دقاق الأطراف، وشجرته ضخمة وهو الذي يغسل الناس به الثياب، قال: ولم نر أنقى وأشد بياضا من حرض ينبت باليمامة.

(5)

الصابون معرب سابون بالفارسية، مطبوخ مركب من الزيت والقلي، يغسل به القطعة منه صابونة والنخالة هي ما بقي في المنخل مما ينخل من شعير وبر وغيرهما، وهي قشرة لابسة للحبوب، تستخرج بالقشر والطحن، وليست من المطعوم إلا للبهائم، فيجوز استعمالها في غسل نحو الأيدي، وكذا استعمال ملح، وبطيخ، وباقلا وغيرها مما لو قوة الجلاء، واختاره الشيخ وغيره، لحديث الغفارية وغيره، وقال الخطابي وغيره، فيه جواز استعمال الملح وهو مطعوم، فيجوز غسل الثوب بالعسل والخل اهـ ولأن الصابون والنخالة ونحوهما أبلغ في الإزالة من التراب، جزم به وصححه غير واحد، قال الشيخ: وهو أقوى لوجوه، والنص على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه.

ص: 343

ويحرم استعمال مطعوم في إزالتها (1) .

(و) يجزئ (في نجاسة غيرهما) أي غير الكلب والخنزير أو ما تولد منهما أو من أحدهما (2)(سبع) غسلات (3) بماء طهور (4) ولو غير مباح (5) إن أنقت، إلا فحتى تنقي (6) مع حت وقرص لحاجة (7) .

(1) كدقيق لأن فيه إفسادا للطعام المحتاج إليه، قاله الشيخ، قال في الفروع: ويؤخذ من كلام غيره معناه، وقاله أبو البقاء وغيره، وفي المستوعب: يكره أن يغسل جسمه بشيء من الأطعمة، مثل دقيق الحمص والعدس والباقلا ونحوه.

(2)

وغير أجزائهما وأجزاء ما تولد منهما.

(3)

هذا المشهور وعنه ثلاث وعنه تكاثر بالماء حتى تذهب عينها ولونها، من غير عدد وفاقا، لقوله صلى الله عليه وسلم اغسليه بالماء، ولم يذكر عددا وقال في دم الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء، ولم يذكر عددا واختاره الشيخ، وحكاه هو وغيره عن جمهور العلماء.

(4)

لأنها طهارة مشترطة فأشبهت طهارة الحدث، وتقدم قول الشيخ: إن الخبث إذا زال بأي طريق كان حصل المقصود.

(5)

أي ولو كان الماء الذي يزال به النجاسة مغصوبا، لأن إزالتها من التروك التي لا تحتاج إلى نية.

(6)

أي إن أنقت المحل المتنجس، فإن لم تنق المحل المتنجس زاد حتى تنقي المحل في كل النجاسات.

(7)

إلى ذلك ولو في كل مرة، إن لم يتضرر المحل بالحت أو القرص فيسقط

والحت أن يحك بعود أو حجر، والحت والحك والقشر سواء، والقرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار، دلكا شديدا، ليتحلل بذلك، ويخرج به ما تشرب الثوب ونحوه منه، مع صب الماء عليه، حتى تزول عينه وأثره، وبابهما قتل، وقال النووي: اقرصيه قطعيه واقلعيه بظفرك.

ص: 344

وعصر مع إمكان كل مرة خارج الماء (1) فإن لم يمكن عصره فبدقه وتقليبه (2) أو تثقيله كل غسلة (3) حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء (4) .

(1) أي ومع عصر لاستخراج ما فيه، مع إمكان العصر كل مرة من الغسلات يعصره خارج الماء ليحصل انفصال الماء عنه، وعصر الثوب: استخرج ماءه بليه، وإلا فغسله واحدة يتمم عليها ما بقي، ويطهر وفاقا، وقيل: يطهر وإن عصره داخل الماء، وصوبه في تصحيح الفروع.

(2)

فيما يمكن تقليبه ولا يمكن عصره، كجلد بعير، أو يضره العصر كحرير، فبرفعه من الماء مع إمرار اليد عليه.

(3)

مما يفصل الماء عنه، فالمغسولات على ثلاثة أنحاء: ما يمكن عصره فلا بد من عصره، والثاني ما لا يمكن عصره ويمكن تقليبه فلا بد من تقليبه، والثالث ما لا يمكن عصره ولا تقليبه فلا بد من دقه وتثقيله، وعصر كل ثوب ونحوه على قدر الإمكان، بحيث لا يخاف عليه الفساد، وما يمكن عصره إذا غسل في غدير أو صب عليه ماء كثير أو جرى عليه الماء طهر مطلقا بلا شرط عصر.

(4)

دفعا للحرج والمشقة، ولقيامه مقام العصر لتعذره، ولا يكفي تجفيفه بدل العصر، ولا يعتبر في العدد تحريكه في الماء وخضخضته على القول بالعدد والعصر، ويكفي على القول بالاجتزاء بأي طريق زال به الخبث، سواء كان بتحريكه أو خضخضته أو تمر عليه الجرية، ونحو ذلك مما تزول به النجاسة، لحصول المقصود.

ص: 345

ولا يضر بقاء لون أو ريح أو لهما عجزا (1)(بلا تراب) لقول ابن عمر: أمرنا بغسل الأنجاس سبعا (2) فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم قاله في المبدع وغيره (3) .

(1) أي عن إزالتهما للمشقة، ويحكم بطهارة المحل على الصحيح من المذهب وفاقا، لقوله ولايضرك أثره، وذكر الشيخ وغيره: أو يغير المحل، ويضر بقاء الطعم، لدلالته على بقاء العين، ولسهولة إزالته، ومن صور بقاء اللون المعجوز عن إزالته ما لو صبغ الثوب في نجاسة ثم غسل، فإنه يطهر ولا يضر بقاء اللون، لأنه عرض والنجاسة لا تخالط العرض، والماء يخالط العين، فإذا زالت العين التي هي محل النجاسة زالت النجاسة بزوالها، جزم به في الفصول وغيره.

(2)

كذا ذكره صاحب المبدع وغيره، وذكر القاضي أنه رواه أبو موسى عنه.

(3)

لو صح لأن هذه الصيغة في اصطلاح أهل الحديث من الصيغ التي لها حكم الرفع على الصحيح، قاله الحافظ وغيره، وصاحب المبدع هو برهان الدين إبراهيم بن محمد الأكمل المتوفى سنة 884 هـ.

والمبدع من أنفع شروح المقنع للمتوسطين، وعن أحمد: لا يجب فيه عدد، اختاره الموفق وغيره اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، لا من قوله ولا من فعله، وأخرج أبو داود وغيره عن ابن عمر: كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرار، وغسل الثوب من البول سبع مرار، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى كانت

الصلاة خمسا، والغسل من الجنابة وغسل الثوب من البول مرة، وإطلاق الأحاديث الصحيحة المشهورة كغسل دم الحيض، وقوله: صبوا عليه ذنوبا، وغير ذلك مشهور، وقال النووي وغيره: الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين، ولا محقق من العلماء، وأما فعل كثير من الفقهاء ذلك، واعتمادهم عليه، فليس بصواب، بل قبيح جدا، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به، ولعل نقلهم هذا الخبر ونحوه على هذه الصفة سهو، وإلا فهو نص على الاجتزاء بالمرة الواحدة.

ص: 346

وما تنجس بغسلة يغسل بعدد ما بقي بعدها (1) مع تراب في نحو نجاسة كلب إن لم يكن استعمل (2)(ولا يطهر متنجس) ولو أرضا (بشمس ولا ريح)(3) .

(1) أي ما تنجس بإصابة ماء غسلة، يغسل بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة، لأنها نجاسة تطهر في محلها من الغسلات، فطهرت به في مثله، فما تنجس برابعة مثلا غسلها ثلاثا، وهكذا.

(2)

أي التراب قبل تنجس الثاني، فإن كان استعمل لم يعد في نحو نجاسة كلب وخنزير وما تولد منهما.

(3)

بل بغسل لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بغسل بول الأعرابي، ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به، و (لو) إشارة إلى أنه محل خلاف، وعنه: تطهر إذا لم يبق أثر النجاسة بها وفاقا، لأبي حنيفة وغيره، واختاره المجد وغيره.

قال الشيخ: وهو الصواب، ويجوز التيمم عليها، بل تجوز الصلاة عليها بعد ذلك، ولو لم تغسل، ويطهر غيرها بالشمس والريح أيضا نص عليه، والأمر بالصب على بول الأعرابي يحصل به تعجيل تطهير الأرض، فإذا لم يصب الماء عليها فإن النجاسة تبقى إلى أن تستحيل وفي الصحيح أن الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك، كذا أثبته الشيخ في رسائله، وذكره التركماني في بعض نسخ البخاري.

وقيل: ليس في الصحيح وتبول، ولو كانت النجاسة باقية لوجب غسله، فحيث استحالت لم تحتج إلى غسل، وحديث غسل بول الأعرابي عقب بوله، والنجاسة ظاهرة، فإذا ذهبت بالشمس أو الريح أو الاستحالة فمذهب

الأكثر طهارة الأرض، وجواز الصلاة عليها، هذا مذهب أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد، والقول القديم للشافعي، وهذا القول أظهر، جزم به الشيخ وغيره، ولم يرد نص بغسل كل ما قد كان تنجس على سبيل التعبد.

ص: 347

ولا دلك) ولو أسفل خف أو حذاء (1) أو ذيل امرأة (2) ولا صقيل بمسح (3) .

(1) الدلك المرس والدعك، ودلك الشيء: مرسه ودعكه، والنعل بالأرض مسحها، والخف واحد الخفاف معروف والحذاء بكسر الحاء المهملة والمد، وبالذال المعجمة النعل، أي لا يطهر ذلك بالدلك هذا المشهور من المذهب، وعنه: يطهر بالدلك وفاقا لأبي حنيفةوغيره، واختاره الموفق والشارح والشيخ وجماعة، للأخبار، قال في الفروع: وهي أظهر، وفي السنن وغيرها من أوجه فليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور وتباح الصلاة فيه قولا واحدا بل هو سنة، ومن وطئ رطوبة بليل لم يلزمه غسلها، ولا شمها صرح به ابن القيم وغيره، ويعفى عن يسير النجاسة على أسفل الخف أو الحذاء بعد الدلك، على القول بنجاسته قطع به الأصحاب.

(2)

ذيل كل شيء آخره، وذيل المرأة كل ثوب تلبسه إذا جرته على الأرض من خلفها، أي لا يطهر وهو المذهب وفاقا للشافعي، وعنه يطهر وفاقا لأبي حنيفة ورواية عن مالك، لحديث يطهره ما بعده رواه أهل السنن وغيرهم، وقال شيخ الإسلام: هو كالخف والحذاء، والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله: اغسليه بالماء وقوله: صبوا على بوله، فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة، ولم يأمر أمرا عاما بأن تزال النجاسة بالماء، وقد أذن بإزالتها بغير الماء في مواضع: منها الاستجمار، ومنها قوله في النعلين: ثم ليدلكها بالتراب فإن التراب لهما طهور، ومنها قوله في الذيل، يطهره ما بعده، وهذا القول هو الصواب، وجوده الزركشي وغيره.

(3)

أي لا يطهر به صقيل كسيف ومرآة وزجاج وسكين بدون غسل # فلوقطع به قبل غسل ما فيه بلل كبطيخ نجسه، ورطبا بلا بلل فيه كجبن فلا بأس، وقال الشيخ: تطهر الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة ونحوهما إذا تنجست بالمسح واختاره أبو الخطاب وغيره، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ونقل عن أحمد مثله في السكين من دم الذبيحة.

ص: 348