المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأذان (1) هو في اللغة الإعلام (2) قال تعالى: {وَأَذَانٌ - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ١

[عبد الرحمن بن قاسم]

الفصل: ‌ ‌باب الأذان (1) هو في اللغة الإعلام (2) قال تعالى: {وَأَذَانٌ

‌باب الأذان

(1)

هو في اللغة الإعلام (2) قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} أي إعلام (3) وفي الشرع إعلام بدخول وقت الصلاة، أو قربه لفجر (4) .

(1) والإقامة وما يتعلق بهما من الأحكام، لما ذكر الصلاة ذكر الأذان بعده مقدما له على الوقت، لأنه إعلام بوقتها.

(2)

مطلقا بأي شيء.

(3)

وقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أي أعلمهم به، يقال: أذن بالشيء يؤذن أذانا وتأذينا إذا علم به، فهو اسم مصدر، وأصله من الأذن بفتحتين وهو الاستمتاع لأنه يلقي في آذان الناس بصوته ما إذا سمعوه علموا أنهم نودوا إلى الصلاة، وقال ابن قتيبة من الأذن بالضم، كأنه أودع ما علمه أذن صاحبه، ثم اشتهر في عرف الشرع بالإعلام بأوقات الصلاة، فاختص ببعض ذلك، وفي العرف: من التأذين كالسلام من التسليم، شرع في السنة الأولى عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين المدينة وسبب مشروعيته لما عسر معرفة الأوقات عليهم تشاوروا في نصب علامة لها، فأريه عبد الله بن زيد في المنام، وأقره الوحي، ومؤذنوه صلى الله عليه وسلم خمسة: بلال، وابن أم مكتوم، وأبو محذورة، وسعد القرظ، وأخو صداء، وجزم النووي أنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة.

(4)

أي إعلام بدخوله في الغالب أو إعلام بقربه لصلاة الفجر ولو قال: إعلام مخصوص، يعني بالصلاة، ولم يقل: بدخول وقت الصلاة، لعم الفائتة وبين يدي الخطيب، قال الشيخ: والأذان إعلام بوقت الصلاة، ولهذا قلنا: يؤذن للفائتة كما أذن بلال، لأنه وقتها والأذان للوقت الذي يفعل فيه لا الوقت الذي وجب فيه.

ص: 427

بذكر مخصوص (1)(والإقامة) في الأصل مصدر أقام (2) وفي الشرع: إعلام بالقيام إلى الصلاة (3) بذكر مخصوص (4) وفي الحديث «المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة» رواه مسلم (5) .

(1) ويطلق أيضا على الألفاظ المخصوصة المعروفة، التي يحصل بها الإعلام على وجه مخصوص بألفاظ مخصوصة، من شخص مخصوص.

(2)

وهو متعدي قام وأقام للصلاة إقامة نادى لها.

(3)

وحقيقته إقامة القاعد والمضطجع فكأن المؤذن إذا أتى بألفاظ الإقامة أقام القاعدين وأزالهم عن قعودهم.

(4)

ويطلقان على لفظ الذكر المخصوص، وهما مشروعان بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة قال تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} وهما كلام جامع لعقيدة الإيمان، مشتمل على نوعه من السمعيات والعقليات، فأوله إثبات الذات، وما يستحقه سبحانه من الإجلال والتبجيل والتعظيم، ثم بإثبات الوحدانية لله، ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه، ثم بإثبات الرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم دعاهم إلى الصلاة التي هي عمود الإسلام، والفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، ثم ذكر ذلك بإقامة الصلاة، للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، ليدخل المصلي فيها على بينة من أمره، وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حق من يعبده، وجزيل ثوابه.

(5)

وأحمد وابن ماجه وغيرهم، عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث متواتر، والأحاديث في فضله شهيرة وأعناق بفتح الهمزة جمع

عنق، قيل: أطول رقابا متطلعون في البرزخ ليؤذن لهم في دخول الجنة، وقيل رؤساء سادة، ولابن حبان، يعرفون بطول أعناقهم يوم القيامة وعلى رواية كسر الهمزة فالمراد سرعة السير يوم القيامة، وقيل: أكثر أعمالا، وفيه أنه يستحب رفع الصوت بالأذان فهو أبلغ في الإعلام وأعظم للأجر، والأذان أفضل من الإقامة اتفاقا، وهو الإمامة أفضل منهما أو عكسه؟ صحح في الفروع الأول، وقال الشيخ: هذا أصح الروايتين واختيار أكثر الأصحاب.

ص: 428

(هما فرض كفاية)(1) لحديث «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم» متفق عليه (2) .

(1) أي الأذان والإقامة، قال الشيخ: هما فرض كفاية، فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوهما، وقد أطلق طائفة من العلماء أن الأذان سنة، وكثير منهم يطلقون القول بالسنية على ما يثاب فاعله شرعا، ويعاقب تاركه شرعا، فالنزاع لفظي اهـ وفرض الكفاية ما يلزم جميع المسلمين إقامته، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين، وفرض العين ما يلزم كل واحد إقامته بعينه، ولا يسقط عن البعض، وفرض الكفاية أفضل من فرض العين، ومن حيث أن فاعله يسد مسد الأمة، ويسقط الحرج عن الأمة، وفرض العين قاصر عليه، ولم يقل: فرضا بالتثنية للتطابق، لأنه مصدر، أو لأنهما كالشيء الواحد، أو على تقدير مضاف مثني مضاف إلى متضمنه يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد.

(2)

من حديث مالك بن الحويرث والأمر يقتضي الوجوب، وعن أبي الدرداء مرفوعا، «ما من ثلاثة لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل الشاة القاصية» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم، ولحديث عبد الله بن زيد وغيره، وقال ابن رشد: والأمر بالأذان منقول بالتواتر، والعلم به حاصل ضرورة، ولا يرده إلا كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة، فكانا فرضا كالجهاد.

ص: 429

(على الرجال) الأحرار (1)(المقيمين) في القرى والأمصار (2) لا على الرجل الواحد (3) ولا على النساء (4) ولا على العبيد ولا على المسافرين (5) .

(1) إذ فرض الكفاية لا يلزم رقيقا في الجملة.

(2)

القرية الضيعة والمحلة والدار والمصر الجامع، أو كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا وجمع الناس، وتقع على المدن وغيرها، والأمصار أكبر، وربما توسع فيها فأطلقت على المدينة وما يليها من البلاد.

(3)

أي ليس الأذان والإقامة فرض كفاية على الرجل، بل على اثنين فأكثر، والجمع في قول الماتن غير مقصود حقيقة، وهو كذلك جريا على أن أقل الجمع اثنان قال في الفروع: وهما أفضل لكل مصل، إلا لكل واحد ممن بالمسجد، فلا يشرع، بل حصل له الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم.

(4)

أي وليس الأذان والإقامة فرض كفاية على النساء، وكذا الخناثي لما روى البخاري عن أسماء بنت يزيد مرفوعا ليس على النساء أذان ولا إقامة وروي عن عمر وغيره، قال الشارح وغيره: لا نعلم عن غيرهم خلافهم، لأن الأذان شرع له رفع الصوت، ولا يشرع لهما، ولا يصحان منهن، وقال الوزير: اتفقوا على أنهما لا يشرعان لهن، ولا يسنان، إلا الشافعي في الإقامة فقال: تسن، لقصة عائشة، وعنه: يستحبان لهن، وعن الإقامة.

(5)

أي وليس الأذان والإقامة فرضا على العبيد، يعني المماليك ولا على المسافرين وعنه فرض كفاية مطلقا كالجهاد لحديث مالك وغيره، واستظهره في المبدع وغيره ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يدعهما حضرا ولا سفرا ولأنهما من أعلام الدين الظاهرة، وهو ظاهر إطلاق طائفة من الأصحاب، وقال ابن المنذر: واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر، لأمره عليه الصلاة والسلام مالكا ومداومته صلى الله عليه وسلم هو أصحابه وقال السامري: لا فرق بين المصر والقرى، والحاضرين والمسافرين والواحد والجماعة.

ص: 430

(للصلوات) الخمس (المكتوبة) دون المنذورة، المؤداة دون المقضيات (1) والجمعة من الخمس (2) ويسنان لمنفرد (3) وسفرا (4) .

(1) فلا يشرع الأذان ولا الإقامة لمنذورة ولا مقضية، ولا نافلة ولا جنازة ولا عيد، لأن المقصود منهما الإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة، على الأعيان، والقيام إليها، وقال النووي: لا يشرعان لغير المكتوبات الخمس، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، قال: ونقل عن معاوية وعمر بن عبد العزيز أنهما قالاهما سنة في صلاة العيدين، وهذا إن صح محمول على أنه لم يبلغهما فيه السنة، وكيفما كان هو مذهب مردود، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيدين غير مرة ولا مرتين، بلا أذان ولا إقامة، من حديث جابر وغيره، قال الشيخ وغيره، لا ينادي للعيد والاستسقاء، وقاله طائفة من أصحابنا.

(2)

إشارة إلى أنه لا اعتراض عليه في تقييده للصلوات الخمس، إذ هي خمس يومها وليس شرطا للصلاة فتصح بدونهما، قال علقمة، صلى بنا عبد الله بلا أذان ولا إقامة، قال الشارح: لا أعلم أحدا خالف إلا عطاء والأوزاعي، وعنه: واجبان للجمعة لاشتراط الجماعة لها.

(3)

لخبر عقبة عجب ربك من راعي غنم يؤذن للصلاة ويصلي، الحديث رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وفي الموطأ عن ابن المسيب من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك، وعن شماله ملك، فإذا أذن وأقام الصلاة صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال.

(4)

بالنصب أي ويسنان سفرا، واستظهر غير واحد الفرضية لحديث مالك ابن الحويرث «إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما» متفق عليه.

ص: 431

ولمقضية (1)(يقاتل أهل بلد تركوهما) أي الأذان والإقامة (2) فيقاتلهم الإمام أو نائبه، لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة (3) .

(1) لحديث عمرو بن أمية الضميري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فنام عن الصبح، ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة، رواه أبو داود وغيره، ولمسلم وغيره نحوه، إلا أنه لا يرفع صوته في القضاء إن خاف تلبيسا وكذا في غير وقت الأذان المعهود له عادة، وكذا في بيته البعيد عن المسجد، بل يكره لئلا يضيع من يقصد المسجد ويسنان لجماعة ثانية في غير الجوامع الكبار، وإن كان في بادية رفع صوته بالأذان لأمن من اللبس، ولما رواه البخاري وغيره إذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوتك جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد لك يوم القيامة.

(2)

إجماعا وإن قلنا إنهما سنة، واختاره الشيخ، وقال: النزاع لفظي، فإن كثيرا يطلق السنة على ما يعاقب تاركه، وأما من زعم أنهما سنة بمعنى أنه لا إثم على تاركهما ولا عقوبة فهذا خطأ فإن الأذان شعار دار الإسلام الذي استحل أهل الدار بتركه اهـ وظاهره أنهم لو تركوا أحدهما لا يقاتلون.

(3)

فلا يجوز تعطيلهما فيقاتلون على تركهما حتى يفعلوهما، لما يلزم من الاجتماع على تركه من استخفافهم بالدين، يخفض أعلامه الظاهرة، وهكذا حكم شعائر الإسلام الظاهرة، وإن كانوا مستقيمين على دين الإسلام، فإن موجب القتال أعم من أن يكون لأجل الردة، قال الحجاوي: هو أولى من قول بعضهم، إن اتفق أهل بلد، لأن الحكم منوط بالترك لا بالاتفاق، وقال عثمان: إن كان مراده أنهم لا يقاتلون باتفاق لا ترك معه، كما لو اتفقوا قبل الزوال، فظاهره أنهم لا يقاتلون قبل الترك، لكن الظاهر أنه لا بد من ترك متفق عليه، فلا يكفي أحدهما في جواز المقاتلة لما ثبت في الصحيح وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلق استحلال الدار بتركه، فإنه إذا لم يسمع أذانا أغار عليهم والشعائر جمع شعار أو شعارة بفتح أوله أو كسره، أي علامات، الواحد شعيرة، والمراد هنا أنهما من أجل علامات الإسلام، وهو الصلاة بظهور أجل صفاتها الظاهرة وهو الاجتماع لها.

ص: 432

وإذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبا أجزأ عن الكل (1) وإن كان واحدا وإلا زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب، أو دفعة واحدة بمكان واحد (2) ويقيم أحدهم (3) وإن تشاحوا أقرع (4) وتصح الصلاة بدونهما، لكن يكره (5) .

(1) كسائر فروض الكفاية، ولا عبرة بما قل، لأنه قد يعرض ما لا يحصل معه ذلك كالريح.

(2)

أي وإن كان من يحصل به الإعلام واحدا، وإلا يحصل الإعلام بواحد زيد بقدر الحاجة، ويكون كل واحد في جانب من البلد، أو دفعة من جماعة بقدر الحاجة في مكان واحد، لأن المقصود بالأذان الإعلام، قال الشيخ: وأما المؤذنون الذين يؤذنون مع المؤذن الراتب يوم الجمعة في مثل صحن المسجد فليس أذانهم مشروعا باتفاق الأئمة، بل ذلك بدعة منكرة اهـ ودفعة بالضم جمعها دفع، اسم لما يدفع بمرة.

(3)

إن حصلت به الكفاية، وإلا أقام من يكفي ويقدم من أذن أولا إن كان.

(4)

أي ضربت القرعة بينهما، والقرعة حيلة شرعية، يتعين بها سهم الإنسان ونصيبه والشح البخل مع حرص، و (تشاح الرجلان في الأمر) لئلا يفوتهما، و (عليه) أراد كل منهما أن يستأثر به.

(5)

ظاهر الكراهة بتركهما معا، فلو ترك أحدهما انتفت والمنقول عنه صلى الله عليه وسلم الجمع بينهما، أو الاقتصار على الإقامة، ونص أحمد: أو اقتصر مسافر أو منفرد على الإقامة، قال المجد: وإن اقتصر المسافر أو المنفرد على

الإقامة جاز من غير كراهة نص عليه، وجمعها أفضل اهـ أما الاقتصار على الأذان فلم ينقل عن أحد، وقيل: ينبغي التحريم كترك من وجب عليه الواجب، إذ لا فرق بين فرض الكفاية والعين قبل الفعل.

ص: 433

(وتحرم أجرتهما) أي يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، لأنهما قربة لفاعلهما (1)(لا) أخذ (رزق من بيت المال) من مال الفيء (لعدم متطوع) بالأذان والإقامة (2) .

(1) وكذا يحرم دفعها، وفاقا لأبي حنيفة لقوله عليه الصلاة والسلام لعثمان ابن أبي العاص واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا، رواه أحمد والترمذي وحسنه وقال: العمل عليه عند أهل العلم اهـ فإن فعل فسق ولم يصح وقال مالك: يؤجر نفسه في سوق الإبل أحب إلي من أن يعمل لله بإجارة، وقال بعضهم: لأن أطلب الدنيا بالدف والمزمار أحب إلي من أن أطلبها بالدين وقيل: يجوز مع الفقر لا مع الغنى، واختاره الشيخ: وقال: وكذا كل قربة، والأجر العوض المسمى في مقدار الإجارة.

(2)

الرزق بفتح الراء وسكون الزاي العطاء، والجمع الأرزاق، وهو ما ينتفع به، ولو محرما، والأرزاق نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم، أي لا أخذ رزق من بيت المال، لأنه المعد للمصالح، فلا يحرم الأخذ منه لمؤذن ومقيم، وكذا إمام ونحوه، لعدم متطوع أي متبرع بالأذان والإقامة ونحوهما، من (تطوع بالشيء) تبرع به وتنفل، قال في المغنى والشرح: لا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه اهـ لأن بالمسلمين حاجة إليه، وقد أجرى السلف أرزاقهم من بيت المال من المؤذنين والأئمة والقضاة والعمال وغيرهم، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، وكان عمر وغيره يعطونهم منه، وجرت العادة أيضا بين المسلمين بجواز أخذ من يؤم ويؤذن وغيرهم من الأحباس الموقوفة على ذلك من غير اختلاف منهم.

ص: 434

فلا يحرم كأرزاق القضاة والغزاة (1) .

(و) سن أن (يكون المؤذن صيتا) أي رفيع الصوت (2) لأنه أبلغ في الإعلام (3) زاد في المغنى وغيره: وأن يكون حسن الصوت، لأنه أرق لسامعه (4)(أمينا) أي عدلا (5) لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها (6) .

(1) أي فلايحرم أخذ الرزق عليهما، كما لا تحرم أرزاق القضاة، وأرزاق الغزاة، بضم الغين جمع غاز، ولا يجوز بذل الرزق مع وجود المتطوع ويجوز أخذ الجعالة.

(2)

والصوت مصدر من صات يصوت، وهو في العرف جرس الكلام، وجمعه أصوات، ويقال لقوي الصوت: صيت، بتشديد الياء وكسرها.

(3)

المقصود بالأذان، ولقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك، ولكونه أعظم للأجر، ففي الصحيح إذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة وللخمسة إلا الترمذي المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وغير ذلك.

(4)

لما روى ابن خزيمة وصححه عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعجبه صوته فعلمه الأذان.

(5)

ظاهرا وباطنا، ولو عبدا، ويستأذن سيده، وأما مجرد العدالة الظاهرة فشرط وقال الوزير: تستحب حريته اتفاقا.

(6)

كصيام وفطر، لما روى البيهقي من حديث أبي محذورة، أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون قال الشيخ: ويعمل بقول المؤذن في دخول

الوقت مع إمكان العلم بالوقت، وهو مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين، وكما شهدت به النصوص، وقال ابن القيم: أجمع المسلمون على قبول أذان المؤذن الواحد، وهو شهادة منه بدخول الوقت، وقال النووي: يجوز للأعمى والبصير في الصحو والغيم اعتماده، قال: وقال البندنيجي: ولعله إجماع المسلمين، ومؤتمن لأنه يؤذن على موضع عال، فلا يؤمن منه النظر إلى العورات.

ص: 435

(عالما بالوقت) ليتحراه فيؤذن في أوله (1)(فإن تشاح فيه اثنان) فأكثر (2)(قدم أفضلهما فيه) أي فيما ذكر من الخصال (3)(ثم) إن استووا فيها (4)(قدم أفضلهما في دينه وعقله) لحديث ليؤذن لكم خياركم رواه أبو داود وغيره (5)(ثم) إن استووا قدم (من يختاره) أكثر (الجيران)(6) .

(1) لأنه إذا لم يكن عارفا به لا يؤمن من الخطأ، وإن كان أعمى وله من يعلمه بالوقت لم يكره نص عليه، لفعل ابن أم مكتوم، وحديث مالك بن الحويرث يدل على أنه لا يشترط في المؤذن غير الإسلام لقوله: أحدكم.

(2)

أي من اثنين في الأذان من الشح وهو البخل مع الحرص، كل واحد منهما يريد أن لا يفوته أو يريد أن يستأثر به.

(3)

لأنه عليه الصلاة والسلام قدم بلالا على عبد الله، لكونه أندى صوتا منه، وقيس بقية الخصال عليه.

(4)

أي في الخصال المذكورة ونحوها.

(5)

فرواه ابن ماجه وغيره عن ابن عباس، وقوله: خياركم أي من هو أكثر صلاحا ليحفظ نظره عن العورات، ويبالغ في المحافظة على الأوقات.

(6)

أن المصلون أو أكثرهم، الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلتهم، ويجمعهم مسجد المحلة، والجار عند الإطلاق إنما يتناول الملاصق.

ص: 436

لأن الأذان لإعلامهم (1)(ثم) إن تساووا في الكل (2) فـ (قرعة) فأيهم خرجت له القرعة قدم (3)(وهو) أي الأذان المختار (خمس عشرة جملة)(4) لأنه أذان بلال رضي الله عنه (5) .

(1) فكان لرضاهم أثر في التقديم، ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته، ومن هو أعف عن النظر، وحكم الأكثر كالكل.

(2)

أي في الصوت والأمانة والعلم بالوقت، والدين والعقل واختيار الجيران.

(3)

لقوله عليه الصلاة والسلام لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لا يجدون إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه متفق عليه، وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد، ولأنها تزيل الإبهام، وتجعل من خرجت له كالمستحق المتعين، والقرعة السهمة، نصبها الشارع معينة للمستحق، قاطعة للنزاع، كأن المقرع يقول: اللهم قد ضاق الحق عن الجميع، وهم عبيدك، فخص بها من تشاء منهم به، ثم تلقى فيسعد الله بها من يشاء، ويحكم بها على من يشاء، وهذا سرها في الشرع، وإن قدم أحدهم بعد الاستواء لكونه أعمر للمسجد، وأتم مراعاة له، أو لكونه أقدم تأذينا، أو أبوه فلا بأس، واتفقوا على أن البصير والحر والبالغ أولى من ضدهم.

(4)

أي المختار عند أحمد، وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم خمس عشرة جملة أي كلمة، والجملة بالضم جماعة الشيء، وإنما اختيارهم له لأجل أنه الذي كان يفعل بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما.

(5)

ابن رباح الحبشي المؤذن المشهور، وهو بلال بن حمامة، وهي أمه، اشتراه أبو بكر من المشركين لما كانوا يعذبونه فأعتقه، فلزم النبي صلى الله عليه وسلم وأذن له، وشهد المشاهد كلها، مات بالشام سنة عشرين، وله ثلاث وستون أو سبعون.

ص: 437

من غير ترجيع الشهادتين (1) فإن رجعهما فلا بأس (2)(يرتلها) أي يستحب أن يتمهل في ألفاظ الأذان (3) .

(1) أي تكرير: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، بأن يخفض بهما صوته، ثم يعيدهما رافعا بهما صوته، سمي ترجيعا لرجوعه من السر إلى الجهر، والمراد بالخفض أن يسمع من بقربه، والأذان بغير الترجيع هو المشهور من حديث عبد الله بن زيد، قال: طاف بي وأنا نائم رجل، فقال: تقول الله أكبر، فذكر الأذان إلى آخره بتربيع التكبير بغير ترجيع، قال: وكان بلال يؤذن كذلك إلى أن مات، وعليه عمل أهل المدينة، وقال أحمد: هو آخر الأمرين.

(2)

لأنه فعل أبي محذورة، وعليه عمل أهل مكة، وقال الشيخ: كل منهما أذان صحيح عند جميع سلف الأمة وعامة خلفها، وكل واحد منهما سنة، سواء رجع أو لم يرجع، ومن قال: إن الترجيع واجب لا بد منه، أو إنه مكروه منهي عنه، فكلاهما مخطئ، واختيار أحدهما من مسائل الاجتهاد، والصواب تسويغ كل ما ثبت في ذلك، ومن تمام السنة في مثل هذا أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، لأن هجر ما وردت به السنة وملازمة غيره، قد يفضي إلى أن يجعل السنة بدعة، فيجب مراعاة القواعد الكلية التي فيها الاعتصام بالكتاب والسنة والجماعة، وأصح الناس في ذلك طريقة هم علماء الحديث الذين عرفوا السنة واتبعوها، والإمام أحمد رحمه الله له أصل مستمر في جميع صفات العبادات، أقوالها وأفعالها، ييستحب كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير كراهة لشيء منه، مع علمه بذلك واختياره للبعض، أو تسويته بين الجميع.

(3)

بلا نزاع لحديث إذا أذنت فترسل، والمترسل الذي يتمهل في تأذينه ويبينه بيانا يفهمه من سمعه، من غير تمطيط ولا مد مفرط، وهو من قولهم: جاء فلان على رسله، أي على هيئته غير عجل ولا متعب لنفسه، ضد المسرع، ولأن الأذان إعلام للغائبين، فالتثبت فيه أبلغ في الإعلام.

ص: 438

ويقف على كل جملة (1) وأن يكون قائما (2)(على علو) كالمنارة (3) لأنه أبلغ في الإعلام (4) .

(1) فيكون التكبير في أوله أربع جمل، والتكبير في آخره جملتين، فيقف على كل تكبيرة، لأن التكبيرة الثانية إنشاء ثان، لا توكيد فيقول: الله أكبر، ويقف وكذلك التكبيرات الباقية، قال النخعي: شيئان مجزومان لا يعربان الأذان والإقامة، وقال الشيخ: ومن الناس من يجعل التكبيرات الأربع جملتين، يعرب التكبيرة الأولى في الموضعين، وهو صحيح عند جميع سلف الأمة وعامة خلفها، سواء ربع في أوله أو ثناه، وقال: المراد الجملة النحوية المركبة من مبتدأ وخبر، فيكون التكبير في الأذان في أوله وآخره ست.

(2)

أي يسن أن يؤذن قائما، وحكى ابن المنذر وغيره إجماع من يحفظ عنه أنه من السنة، ويكره من قاعد وماش لغير عذر، وميل الشيخ إلى عدم إجزاء أذان القاعد، والعلماء كافة على أنه لا يجوز قاعدا، ذكره القاضي عياض وغيره، وكرهه أهل العلم لمخالفة ما عليه السلف، ولا يكرهان لمسافر راكبا وماشيا، لأنه عليه الصلاة والسلام أذن في السفر على راحلته، صححه الترمذي، ولا يشرع بغير العربية، لعدم وروده، قال في الإنصاف، مطلقا على الصحيح من المذهب.

(3)

لما روى أبو داود أن بلالا يؤذن الفجر على بيت امرأة من بني النجار من أطول بيت حول المسجد، والعلو المرضع العالي، وعلو الشيء أرفعه والمنارة مفعلة بفتح الميم، والجمع المناور بالواو، ومن قال: مناير فقد شبه الأصلي بالزائد وهو شاذ، ويقال لها أيضا المئذنة وجوز إبدال الهمزة ياء، ولم تكن المنارة في زمنه صلى الله عليه وسلم وقالت أم زيد بنت ثاتب: كان بيت أطول بيت حول المسجد، فكان بلال يؤذن فوقه، من أول ما أذن إلى أن بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده، فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد، وقد رفع له شيء فوق ظهره، وبنا سلمة المنابر للأذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك.

(4)

ومن أذن لنفسه أو جماعة حاضرين لا يسن له المكان العالي لعدم الحاجة إليه.

ص: 439

وأن يكون (متطهرا) من الحدث الأصغر والأكبر (1) ويكره أذان جنب (2) وإقامة محدث (3) وفي الرعاية: يسن أن يؤذنه متطهرا من نجاسة بدن وثوبه (4)(مستقبل القبلة)(5) لأنها أشرف الجهات (6)(جاعلا إصبعيه) السبابتين (في أذنيه)(7) .

(1) أي يستحب كونه في الأذان والإقامة متطهرا من الحدثين إجماعا، لحديث أبي هريرة لا يؤذن إلا متوضئ رواه الترمذي وغيره، إلا أن الصحيح وقفه قال في الإنصاف وغيره: ولا تجب الطهارة الصغرى له بلا نزاع.

(2)

قال الشيخ: للخلاف في صحته، ولو بمسجد لحصول المقصود، والتحريم بمعنى آخر، ولا يكره نص عليه، وفي الفروع، ويصح وفاقا على الأصح، ووجه أن الجنابة أحد الحدثين فلم تمنع صحته كالآخر.

(3)

بلانزاع للفصل بين الإقامة والصلاة بالوضوء.

(4)

قياسا على الطهارة من الحدثين.

(5)

لأن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة قال ابن المنذر، أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبلة بالأذان، فإن أخل كره وصح، ويستثنى المسافر الراكب أو الماشي فإلى جهة سيره.

(6)

ولأن استقبالها هو المنقول سلفا وخلفا، ومستحب في كل طاعة إلا بدليل كالخطبة.

(7)

وفاقا لحديث أبي جحيفة: أن بلالا وضع إصبعيه في أذنيه، رواه أحمد والترمذي وصححه، وقال: العمل عليه عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، وسميا سبابتين لتحريكهما وقت السب، وقيل: لا يتعينان وهما أولى.

ص: 440

لأنه أرفع للصوت (1)(غير مستدير)(2) فلا يزيل قدميه في منارة ولا غيرها (3)(ملتفتا في الحيعلة يمينا وشمالا)(4) أي يسن أن يلتفت يمينا حي على الصلاة، وشمالا حي على الفلاح (5) .

(1) فروى ابن ماجه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بلالا بذلك، وقال: إنه أرفع لصوتك.

(2)

أي غير مول ظهره القبلة، سواء كان على ظهر الأرض، أو في منارة، من دار الشيء يدور دورا، تحرك وعاد على ما كان عليه.

(3)

وعنه يزيل قدميه في منارة ونحوها مع كبر البلد للحاجة وفاقا، واختاره المجد وجمع، وصوبه في الإنصاف، وهو المعمول به في الأمصار، لأنه أبلغ في الأعلام.

(4)

عبر بالحيعلة تبعا للجوهري وغيره، أخذوا الحاء والياء من حي، والعين واللام من علي.

(5)

برأسه وعنقه وفاقا، وصدره حال ترسله، لحديث أبي جحيفة: وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا، يقول يمينا وشمالا، حي على الصلاة، حي على الفلاح، متفق عليه ولأبي داود لوى عنقه يمينا وشمالا، حي على الصلاة، حي على الفلاح، لا يلتفت بصدره، وإنما اختصتا بذلك، لأن غيرهما ذكر وهما خطاب لآدمي كالسلام في الصلاة يلتفت فيه دون ما عداه، وقيل: وكذا الإقامة، وجزم الآجري وغيره بعدمه فيها، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب، صححه ابن نصر الله، والمرداوي في تصحيح الفروع وغيرهما، وقال شيخ الإسلام: السنة في الإقامة أن يقولها وهو مستقبل القبلة، ولم يستثن العلماء إلا الحيعلة في الأذان وقوله حي أي هلم وأقبل إلى الصلاة، وإلى الفلاح وهو الفوز والبقاء والخلود في النعيم المقيم، ويقال للفائز مفلح، والمراد هلموا وعجلوا إلى طلب ذلك.

ص: 441

ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله (1) لأنه حقيقة التوحيد (2)(قائلا بعدهما) أي يسن أن يقول بعد الحيعلتين (في أذان الصبح) ولو أذن قبل الفجر (الصلاة خير من النوم مرتين)(3) لحديث أبي محذورة رواه أحمد وغيره (4) .

(1) أي في كل من الأذان والإقامة، قال في الإنصاف: يرفع وجهه إلى السماء في الأذان كله نص عليه، وجزم به في الفائق، واقتصر عليه الموفق والشارح، واختاره الشيخ.

(2)

أي لأن التهليل والتكبير حقيقة التوحيد، وإعلان بذكر الله عز وجل، لا يصلح إلا لله وحده، نفقد بدئ بالتكبير لله، فالله أكبر من كل شيء، وأكبر من أن ينسب إليه تعالى ما لا يليق بجلاله، وثني بتوحيده الذي خلق الخليقة لأجله، ثم ختم بلا إله إلا الله، ولم يزد على مرة إشارة إلى وحدانيته تعالى، فاستحب الإشارة له، كما تستحب بالإصبع في التشهد والدعاء، وهذا بخلاف الصلاة، إذ المستحب فيها خفض الصوت.

(3)

إجماعا مستقبلا القبلة كغيرها من كلمات الأذان، قال الشيخ: السنة أن يقولها مستقبل القبلة، وقوله: ولو أذن قبل الفجر، لقول بلال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب بالفجر، رواه أحمد وغيره، وكان بلال يؤذن بليل.

(4)

فرواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيرهم، وصححه ابن خزيمة وغيره ولفظ أحمد فإذا كان أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم، مرتين. وأخرج الترمذي حديث بلال لا تثويب في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر، وقال: وهو الذي اختاره أهل العلم، وصح عن أنس أنه قال: من السنة، واسم أبي محذورة أوس، وقيل سمرة بن معير بن سعد بن جمح، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أمره به منصرفة من حنين وتوفي سنة تسع وخمسين.

ص: 442

ولأنه وقت ينام الناس فيه غالبا (1) ويكره في غير أذان الفجر (2) وبين الأذان والإقامة (3)(وهي) أي الإقامة (إحدى عشرة) جملة بلا تثنية (4) .

(1) فسن تنبيههم بقول (الصلاة خير من النوم) .

(2)

لقول بلال: ونهاني أن أثوب في العشاء، رواه أحمد وغيره، وهو مذهب جمهور العلماء، وعمل المسلمين عليه، والعمدة ما في الصحيحين من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

(3)

لقول عمر لأبي محذورة: ويحك أمجنون؟ أما كان في دعائك الذي دعوتنا وكذا بالنداء بالصلاة بعد الأذان في الأسواق وغيرها، ومثل أن يقول: الصلاة أو الإقامة، قال الشيخ: هذا إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول، وإلا فلا ينبغي أن يكره، فإن تأخر الإمام أو أماثل الجيران فلا بأس أن يمضي إليه منبه يقول قد حضرت الصلاة ويكره قوله قبل الأذان (وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) الآية، وكذا إن وصله بعده بذكر، لأنه محدث وكذلك قوله قبل الإقامة: اللهم صل على محمد، ونحو ذلك، وما سوى التأذين قبل الفجر من التسبيح والنشيد والدعاء مما يفعله بعض المؤذنين، يرفعون أصواتهم به ليس مسنونا عند أحد من العلماء، بل من البدع المكروهة.

(4)

أي الإقامة المختارة لا تكرر ألفاظها مرتين مرتين، بخلاف الأذان لحديث عبد الله بن زيد وكان بلال يؤذن بذلك، ويقيم حضرا وسفرا، وعليه عمر أهل المدينة، وفي الصحيحين: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا الإقامة، قال الترمذي: وهو قول بعض أهل العلم من الصحابة والتابعين، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال البغوي: هو قول أكثر العلماء، وعن ابن عمر: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن خزيمة وغيره، وشفع الأذان وإيتار الإقامة قد بلغ حد التواتر في الجملة، ولا يخفى أن كلمة التوحيد في آخر الأذان مفردة بالاتفاق، فهو خارج عن الحكم بشفع الأذان، والحكمة في تكرير الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين، فاحتيج إلى التكرير، كما شرع فيه رفع الصوت والمحل، بخلاف الإقامة فإنها لإعلام الحاضرين، فلا حاجة إلى تكرار ألفاظها، وقوله: بلا تثنية يعني في الجملة وإلا فهو يثني قوله: قد قامت الصلاة، وقال غير واحد: الثانية منهما تأكيد للأولى.

ص: 443

وتباح تثنيتها (1)(يحدرها) أي يسرع فيها (2) ويقف عند كل جملة كالأذان (3) .

(1) لأنه فعل أبي محذورة، وعليه عمل أهل مكة، وعن أبي محذورة أنه صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة صححه الترمذي، قال الشيخ: فسواء أفرد الإقامة أو ثناها فقد أحسن واتبع السنة وبأيها أقام صحت إقامته عند عامة علماء الإسلام، ومن قال: إن إفراد الإقامة مكروه أو تثنيتها مكروه فقد أخطأ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا بإفراد الإقامة، وأمر أبا محذورة بشفعها، والضلالة حق الضلالة أن ينهى عما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأما اختيار أحدهما فمن مسائل الاجتهاد.

(2)

بلا نزاع وأصل الحدر في الشيء الإسراع، قال الجوهري وغيره: حدر في أذانه يحدر حدرا إذا أسرع، وقد روى الترمذي عن بلال وإذا أقمت فاحدر ولأبي عبيدة عن عمر نحوه، ولأن الإقامة إعلام للحاضرين فلا حاجة فيها إلى الترسل.

(3)

أي كما يقف عند كل جملة منه، وتقدم قول النخعي: شيئان مجزومان، الأذان والإقامة.

ص: 444

(ويقيم من أذن) استحبابا (1) فلو سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم، فقال أحمد: لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة (2) فإن أقام من غير إعادة فلا بأس، قاله في المبدع (3)(في مكانه) أي يسن أن يقيم في مكانه أذانه (إن سهل)(4) لأنه أبلغ في الإعلام (5) فإن شق كأن أذن في منارة أو مكان بعيد عن المسجد أقام في المسجد لئلا يفوته بعض الصلاة (6) .

(1) لقوله من أذن فهو يقيم رواه أحمد وأبو داود والترمذي، قال: وفيه ضعف، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، ولا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه إلا إن خيف فوت وقت التأذين، كما أذن زياد حين غاب بلال فأما مع حضوره فلا يجوز فإن مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أحد ليسبقهم بالأذان كالإمام وجزم بتحريمه أبو المعالي، لأن الأذان منوط بنظر المؤذن.

(2)

يعني لكان أولى، فروى عبد العزيز بن رفيع، قال: رأيت رجلا أذن قبل أبي محذورة، فجاء أبو محذورة فأذن ثم أقام، رواه الأثرم وغيره، قال في الإنصاف: ومتى جاء وقد أذن قبله استحب أن يعيده.

(3)

أي فإن أقام المؤذن من غير إعادة الأذان، لحديث عبد الله بن زيد لما أذن بلال قال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده، قال: فأقم أنت فلا فرق بينه وبين غيره قال الوزير: واتفقوا في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز.

(4)

أي يقيم الصلاة في الموضع الذي يؤذن فيه إن لم يشق عليه قال أحمد: أحب إلي أن يقيم في مكانه، ولم يبلغني فيه شيء.

(5)

أي إعلام المصلين بالقيام إلى الصلاة.

(6)

وقال في النصيحة، السنة أن يؤذن بالمنارة، ويقيم أسفل، قال في الإنصاف: وهو الصواب، والعمل عليه في جميع الأمصار والأعصار.

ص: 445