الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الصلاة
(1)
الشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه، ولا يلزم أن يوجد عند وجوده (2)(شروطها) أي ما يجب لها (قبلها) أي تتقدم عليها وتسبقها، إلا النية فالأفضل مقارنتهما للتحريمة (3) .
(1) أجمع الأئمة على أن للصلاة شرائط لا تصح إلا بها، وهي التي تقدمها، ويأتي تفصيلها، والشروط جمع شرط، كفلوس جمع فلس، والشرائط جمع شريطة، كفرائض جمع فريضة، والأشراط واحدها شرط، وهو لغة العلامة، سمي شرطا، لأنه علامة على المشروط، ومنه (فقد جاء أشراطها) أي علاماتها.
(2)
هذا هو المشهور فإذا عدمت الشروط أو بعضها عدمت الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود الصلاة، ويقال: تعليق أمر بأمر كل منهما في المستقبل، يعني إذا وجد الشرط صحت الصلاة، ويعبر عنه أيضا بإلزام الشيء والتزامه وهو عقلي كالحياة للعلم، ولغوي كإن دخلت الدار فأنت طالق، وشرعي وهو ما يتوقف عليه صحة مشروطة إن لم يكن عذر، كالطهارة للصلاة، ولا يدخل فيه ولا يؤثر فيه، ولا يوصل إليه في الجملة، والشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف، والشرط والفرض يشتركان في توقف الماهية عليهما، ويفترقان في أن الشرط يكون خارج الماهية، والفرض داخلها، وأيضا فالشرط يجب استصحابه في الماهية من أولها إلى آخرها، والفرض ينقضي ويأتي غيره، واعتبر ذلك بغسل الوجه ونحوه.
(3)
قال المنقح ويأتي فلا يجب تقديمها على الصلاة بل ولا يستحب.
ويجب استمرارها أي الشروط فيها (1) وبهذا المعنى فارقت الأركان (2)(منها) أي من شروط الصلاة الإسلام والعقل والتمييز وهذه شروط في كل عبادة (3) إلا التمييز في الحج ويأتي (4) ولذلك لم يذكرها كثير من الأصحاب هنا (5) ومنها (الوقت)(6) .
(1) أي في الصلاة إلى انقضائها، وتعبيره بـ (أي) ينبئ أن العبارة من المتن ولم أره فيه.
(2)
أي بوجوب استمرار الشروط فيها فارقت الشروط الأركان، لأنه لا يجب استمرار الأركان فيها.
(3)
من صلاة كما تقدم، وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، فكملت الشروط تسعة، وزادها أتباع الأئمة وقسموها قسمين: شروط وجوب، وشروط صحة.
(4)
في كتاب المناسك، فإنه يصح ممن لم يميز ولو أنه ابن ساعة.
(5)
فكذلك لم يذكرها الماتن تبعا للمقنع، ونظرا إلى أنها شروط للنية، فهي شروط للشرط لابتدائه.
(6)
مأخوذ من التوقيت، وهو التحديد (ووقت الشيء يوقته ويقته) إذا بين حده، وكل شيء له حد وغاية، فهو موقت، ووقت الله الصلاة توقيتا حد لها وقتا من الزمان، قال في الإنصاف، واعلم أن الصلاة إنما تجب بدخول الوقت بالاتفاق، وإذا دخل وجبت، وإذا وجبت وجبت شروطها المتقدمة عليها، كالطهارة وغيرها اهـ والمراد الوقت للصلاة المكتوبة خاصة، فأما ما سواها فمنها ما يصح في كل وقت كركعتي الطواف والفوائت، ومنها ما لا يصح في أوقات كالنوافل المطلقة، ومنها ما هو موقت أيضا كالرواتب والضحى، ومنها ما يتعلق بأسباب كصلاة الكسوف، والاستسقاء ومعنى كون الوقت شرطا للصلاة أن الصلاة لا تصح قبله.
قال عمر: الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به (1) وهو حديث جبرئيل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال: «يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك» (2) .
(1) وأجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتًا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} أي مفروضا في الأوقات، والمفروض هو المقدر المحدود، فإن التوقيت والتقدير والتحديد والفرض ألفاظ متقاربة، والمراد الوقت الذي عينه الله لأداء هذه العبادة، وهو القدر المحدود للفعل من الزمان، ويأتي في مواضعه.
(2)
أي والوقت الذي أجمله عمر مفصل حديث جبرئيل، وقال بعضهم صوابه وهو ما في حديث جبريل، والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس:«أمني جبرئيل عند البيت مرتين» ، يعني في أول الوقت وفي آخره:«ثم قال: الوقت ما بين هذين الوقتين» ، ولأحمد وغيره من حديث جابر قال قم فصل، فذكر نحوه، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت، قال البخاري والشيخ وغيرهما: هو أصح شيء في المواقيت، وسيأتي وأصله في الصحيحين أن جبرئيل نزل فصلى ثم صلى، الحديث ثم قال: بهذا أمرت، وبين ابن إسحاق وغيره أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلوات، وهي ليلة الإسراء وإمامة جبرئيل به صلى الله عليه وسلم بلغت حد التواتر، قال ابن عبد البر: لم يختلف أن جبرئيل هبط صبيحة الإسراء عند الزوال فعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ومواقيتها وهيئتها، وفي الباب أحاديث، منها حديث بريدة في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة، فصلى يومين أول الوقت وآخره ثم قال:«صلاتكم بين ما رأيتم» ، رواه مسلم، وله نحوه عن عمرو بن شعيب وعبد الله بن عمر وغيرهما.
فالوقت سبب وجوب الصلاة (1) لأنها تضاف إليه (2) .
(1) أي سبب نفس الوجوب، إذ سبب وجوب الأداء الخطاب، والسبب الجزء المتصل بالأداء لا كله، وفي الإنصاف، السبب قد يجتمع مع الشرط، وإن كان ينفك عنه، فهو هنا سبب الوجوب، وشرط للصحة، بخلاف غيره من الشروط فإنها شروط للصحة فقط، وأجمعوا على أنها تجب بأول الوقت، لقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} إلا أبا حنيفة فقال: تجب بآخره، وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر: كيف بك إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها أي أول وقتها، كما هو المنقول عن أولئك الأمراء، قال له: صل الصلاة لوقتها، أي لأول وقتها، وأجمعوا على فضيلة الإتيان بها أول الوقت في الجملة لهذه الآية وقوله:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «سأل أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها» ، وفي رواية لوقتها، ولأبي داود والترمذي والحاكم وصححاه، أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، وأصل طلب المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها قطعي، قال ابن بطال: البدار إلى الصلاة في أول وقتها أفضل من التراخي، لأنه شرط، وجاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها قوله: أول الوقت رضوان الله، وقال الشيخ: الصلاة في وقتها فرض، والوقت أوكد فرائض الصلاة، وهي أحب الأعمال إلى الله إذا أقيمت لوقتها المستحب، قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها، ويأتي قوله رحمه الله: أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع، ولا ريب أن فعلها أوله هو اختيار النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه، فكانوا يصلون في أول الوقت، ولم يكونوا يختارون إلا ما هو الأفضل، والترمذي وغيره: ما صلى صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها إلا خير مرتين، حتى قبضه الله.
(2)
أي لأن الصلاة تضاف إلى الوقت، فيقال: صلاة الظهر، وهي تدل على السببية.
وتتكرر بتكرره (1)(و) منها (الطهارة من الحدث)(2) لقوله صلى الله عليه وسلم «لايقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» متفق عليه (3) .
(و) الطهارة من (النجس)(4) فلا تصح الصلاة مع نجاسة بدن المصلي أو ثوبه أو بقعته ويأتي (5) والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة (6) .
(1) أي الصلاة تتكرر بتكرر الوقت، فكلما دخل الوقت وجبت الصلاة، وشرط للوجوب كالأداء وغيره، وبقية الشروط للأداء مع القدرة دون الوجوب.
(2)
أي ومن شروط الصلاة الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر وتقدم.
(3)
من حديث أبي هريرة أي حتى يتوضأ بالماء، أو ما يقوم مقامه، ولمسلم من حديث ابن عمر:«لا يقبل الله صلاة بغير طهور» ، فلا تصح بدونه مع باقي الشروط، والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة، وهو الإجزاء وحقيقة القبول وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولم يصل صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا متوضئا مع القدرة، وهذا مما لا يجهله عالم، ولا يسقط بجهل ولا نسيان، قال الشيخ: ومن نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا فعليه أن يعيد الصلاة بطهارة بلا نزاع اهـ، وكذا حكى غير واحد إجماع الأمة على أن من صلى محدثا مع إمكان الوضوء فصلاته باطلة.
(4)
تقدم أنه قذر مخصوص يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم والخمر.
(5)
في الشرط السابع وهو اجتناب النجاسات.
(6)
لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} ولقوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمس وهن خمسون ولقوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله، وفي حديث معاذ أخبرهم
أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وغير ذلك، وأجمع المسلمون على أن الصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس، لا نزاع بينهم في ذلك، ولا ينكره إلا كافر.
ولا يجب غيرها (1) إلا لعارض كالنذر (2)(فوقت الظهر) وهي الأولى (3) .
(1) أي غير الصلوات الخمس، لما في الصحيحين أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما افترض الله على عباده من الصلوات؟ قال:«خمس صلوات» قال: هل على غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع» ، فحلف الرجل لا يزيد عليها ولا ينقص، فقال صلى الله عليه وسلم أفلح الرجل إن صدق.
(2)
فيجب الوفاء به، وأما الوتر فسيأتي.
(3)
واشتقاقها من الظهور، لأن وقتها أظهر الأوقات، لأنه يعرف بزيادة الظل، ولأنها ظاهرة في وسط النهار، وقيل لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام، وقيل لأنها في وقت الظهيرة، أي شدة الحر، والظهر لغة الوقت بعد الزوال، وشرعا صلاة هذا الوقت، من تسمية الشيء باسم وقته، وهي الأولى، لقوله {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وتسمى الهجير، لأنها تصلي وقت الهاجرة، وهي شدة الحر، وعن أبي برزة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، أي حين تزول، ولبداءة جبرئيل بها، لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم ولبداءة النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أصحابه، فإن قيل: فرضت الصلاة ليلا، فلم لم يبدأ
بالفجر؟ قيل: يحتمل أن يكون قد وقع تصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر، ويحتمل أن الإتيان بها كان متوقفا على بيانها لأن الصلاة فرضت مجملة ولم تبين إلا عند الظهر لقوله:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولحديث جبرئيل فصلى الظهر حين زالت الشمس، ومن الأصحاب من بدأ بالفجر لأن الوسطى هي العصر، وإنما تكون الوسطى إذا كانت الفجر هي
الأولى ولقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} وغير ذلك، قال في الاختيارات، وهذا أجود، لأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وإنما تكون الوسطى إذا كانت صلاة الفجر الأولى.
(من الزوال) أي ميل الشمس إلى المغرب (1) ويستمر (إلى مساواة الشيء) الشاخص (فيئه بعد فيء الزوال)(2) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس (3) .
(1) بإجماع المسلمين حكاه غير واحد، وقال النووي: حكاه خلائق ولما تقدم، وهو الدلوك الذي أراد الله بقوله:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وميل الشمس عن كبد السماء يعرف بزيادة الظل بعد تناهي قصره، وبتحول الشمس عن خط المسامتة، وبحدوث الظل بعد عدمه، وبمضي قدر نصف القوس متمكنا بعد الشروق، وأجمعوا أنها لا تصلي قبل الزوال.
(2)
أي يمتد وقت الظهر إليه، وفاء الظل يفيء فيئا رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق، ولا يكون الفيء إلا بعد الزوال، لأنه ظل فاء من جانب المغرب، قال الجرجاني، الفيء ما ينسخ الشمس، وهو من الزوال إلى الغروب، كما أن الظل ما نسخته الشمس، وهو من الطلوع إلى الزوال، وكل إنسان بقدم نفسه ستة أقدم وثلثا قدم تقريبا.
(3)
لقوله عليه الصلاة والسلام وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله رواه مسلم، أي ويستمر وقت الظهر حتى يصير ظل كل رجل مثله، ولأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم حين زالت الشمس في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله، وقال: الوقت فيما بين هذين الوقتين، فتضبط ما زالت عليه الشمس من الظل، ثم تنظر الزيادة عليه. فإذا بلغت قدر الشاخص فقد انتهى وقت الظهر، وفي صحيح مسلم ووقت الظهر
إذا زالت الشمس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر، وله من حديث أبي موسى في اليوم الأول حين زالت الشمس، وفي اليوم الثاني أخرها حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس.
اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل من جانب المغرب، ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء وهي مسألة الاستواء انتهى نقصانه (1) فإذا زاد أدنى زيادة فهو الزوال (2) ويقصر الظل في الصيف (3) لارتفاعها إلى الجو (4) ويطول في الشتاء (5) .
(1) أي الظل، والوسط في الأصل اسم للمكان الذي يستوي إليه المساحة من الجوانب في المدور، ومن الطرفين في المطول، كمركز الدائرة وقوله: إعلم كلمة يؤتي بها للاعتناء بما بعدها.
(2)
أي فإذا زاد الظل الذي فاء بعد قيام الشمس فهو الزوال، وهو وقت الظهر والظل أصله الستر، وظل الليل سواده، وظل الشمس ما ستر به الشخوص من مسقطها، وظل النهار لونه إذا غلبته الشمس، وقال: رؤبة كل موضع تكون في الشمس فتزول عنه فهو ظل وفيء، وقال ابن قتيبة: الظل يكون غدوة وعشية، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال.
(3)
وأقصره في النصف من حزيران والصيف ثلاثة أشهر، ودخوله عند حلول الشمس رأس الحمل، وهو عند العرب الربيع، والذي يليه القيظ، وقال بعضهم: هو القيظ، وعند العامة هو الصيف، ولعله المراد، فكلما طال النهار قصر الظل، وإذا قصر النهار طال الظل.
(4)
أي كبد السماء، والجو ما بين السماء والأرض.
(5)
لمسامتتها للمنتصب.
ويختلف بالشهر والبلد (1)(وتعجيلها أفضل)(2) وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب أول الوقت (3) .
(1) اختلافا كثيرا طولا وقصرا، وانعداما بالكلية، فيقصر الظل جدا في كل بلد تحت وسط الفلك، ويطول في ضد ذلك، وفاقد وقتها كبلغار مكلف بهما فيقدر لها كما يقدر في أيام الدجال، لما ثبت في صحيح مسلم قال: فاقدروا له، وأيام الدجال وأربعون يوما، يوم كسنة، فيصلي فيه صلاة سنة، ويوم كشهر، فيصلي فيه صلاة شهر، ويوم كجمعة فيصلي فيه صلاة جمعة، وباقي الأيام كأيامنا فيقدر في الثلاث الأول، مقدار الوقت، فكذا في بلغار ونحوها فإنه يطلع الفجر في بلغار قبل غروب الشفق في أربعينية الشتاء، وأفتى السرخسي والبلقاني بسقوطه عنهم، وأفتى غيرهما بوجوبه، وهو أوجه قياسا على أيام الدجال، قال الشيخ: والمواقيت التي علمها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمها النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، حين بين مواقيت الصلاة، وهي التي ذكرها العلماء في كتبهم، هي في الأيام المعتادة، فأما ذلك اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسنة قال:«اقدروا له قدره» ، فله حكم آخر، تكون فيه الصلاة بقدر الأيام المعتادة. لا ينظر فيه إلى حركة الشمس، لا بزوال ولا بغروب ولا مغيب شفق ونحو ذلك كما في قوله:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا *} أي على مقدار البكرة والعشي في الدنيا، واليوم المراد به اليوم والليلة.
(2)
لقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ولحديث كان يصلي الهجير حين تدحض الشمس، وحديث يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما فتعجيلها مستحب بغير خلاف، حكاه غير واحد، في غير شدة حر، وقال الترمذي: هو الذي اختاره أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
(3)
لها أو لغيرها مما يسن تعجيلها والتأهب الاشتغال بأسباب الصلاة، كطهر وأذان وستر ونحوه، من حين دخول الوقت، لأنه لا يعد إذا متوانيا.
(إلا في شدة حر) فيستحب تأخيرها إلا أن ينكسر (1) لحديث «أبردوا بالظهر» (2)(ولو صلى وحده) أو في بيته (3) .
(1) يعني الحر، ويتسع الظل في الحيطان، وقال ابن منجا: الأرجح أنه سنة وفي حديث أبي ذر قال: أبرد حتى رأينا في التلول وقال النووي وغيره: الإبراد أن يؤخر الصلاة قليلا بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشيء فيه القاصد إلى الصلاة فيصلي في آخر الوقت، ولا يجاوز بالإبراد نصف الوقت.
(2)
رواه البخاري وغيره، من حديث أبي سعيد، ورواه الجماعة من حديث أبي هريرة «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» ، وهو حديث متواتر رواه بضعة عشر صحابيا، وأبردوا أي أخروها إلى أن يبرد الوقت، أي الزمان الذي يتبين فيه انكسار شدة الحر، فيوجد فيه برودة، والباء للتعدية، أي أدخلوا صلاة الظهر في البرد، وهو سكون شدة الحر، ويقال: أبرد إذا دخل في البرد، أمر استحباب، وقيل إرشاد، وقيل: بل للوجوب، حكاه القاضي وغيره، والجمهور على الاستحباب، وفيح جهنم شدة حرها، وغليانها، وانتشار لهبها، ووهجها نعوذ بالله منها، ومفهومه أن الحر إذا لم يشتد لم يشرع الإبراد وهو ظاهر، واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله أمر بالإبراد، فمنهم من قال: هو حصول الخشوع فيها، فلا فرق بين من يصلي وحده وفي جماعة، ومنهم ن قال: خشية المشقة على من بعد عن المسجد بمشيه في الحر، فيختص بالصلاة في مساجد الجماعات، التي تقصد من الأمكنة المتباعدة، ومنه من قال: هو نفس توهج النار، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة، ومنهم من قال: خشية المشقة على من بعد عن المسجد بمشيه في الحر، فيختص بالصلاة في مساجد الجماعات، التي تقصد من الأمكنة المتباعدة، ومنهم من قال: هو نفس توهج النار، فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة، قال ابن رجب، هو المقدم وثبت من حديث أبي ذر الإبراد، وكانوا مجتمعين، قال الحافظ: والحكمة دفع المشقة، لكونها قد تسلب الخشوع، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب، فإنها تسجر فيها جهنم.
(3)
هذا المذهب اختاره المصنف والشارح والخرقي، وهو مذهب أبي حنيفة
وابن المنذر وغيرهم، لظاهر الأخبار، قال الشيخ: أهل الحديث يستحبون تأخير الظهر مطلقا، سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين، وبذلك جاءت السنة الصحيحة التي لا دافع لها، وكل من الفقهاء يوافقهم أو الأغلب اهـ وليس المراد أن يترك الجماعة ويصلي وحده، إذ لا يترك واجب لمسنون، وإنما المراد المعذور لمرض ونحوه.
(أو مع غيم لمن يصلي جماعة) أي ويستحب تأخيرها مع غيم إلى قرب وقت العصر لمن يصلي جماعة (1) لأنه وقت يخاف فيه المطر والريح: فطلب الأسهل بالخروج لهما معا (2) وهذا في غير الجمعة فيسن تقديمها مطلقا (3)(ويليه) أي يلي وقت الظهر (وقت العصر) المختار (4) .
(1) وعنه لا تؤخر لغيم، وفاقا لمالك والشافعي.
(2)
كذا علله القاضي بذلك، وظاهر الخرقي وغيره سنية تعجيل الظهر في غير شدة الحر، إذا غلب على ظنه دخول الوقت، وقوفا مع النص، وما روي عن أحمد يحمل على أنه أراد بالتأخير ليتيقن دخول الوقت، ولا يصلي مع الشك، كما نقل عنه أبو طالب، قال: يوم الغيم يؤخر الظهر حتى لا يشك أنها قد حانت ويعجل العصر.
(3)
فلا يؤخرها في حر أو غيم إجماعا، لحديث ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة، وحديث: كنا نجمع إذا زالت الشمس متفق عليهما.
(4)
وهو اللذي يجوز تأخير الصلاة إلى آخره من غير عذر، سمي بذلك لأرجحيته على ما بعده، أو لاختيار جبرئيل إياه أو لأن فعلها فيه موكول إلى اختيار المكلف، والعصر الزمان، أو الغداة، أو العشي، ومنه سميت صلاة العصر، أو لأنها تصلي عشية وقيل من طرف النهار، والعرب تسمي كل طرف من النهار عصرا، وقيل لانعصار النهار للفراغ، والشمس للغروب.
من غير فصل بينهما (1) ويستمر (إلى مصير الفيء مثليه بعد في الزوال) أي بعد الظل الذي زالت عليه الشمس (2)(و) وقت (الضرورة إلى غروبها) أي غروب الشمس فالصلاة فيه أداء (3) .
(1) ولا اشتراك وفاقا للشافعي، فلا يقال: وقت العصر لا يدخل إلا بعد زيادة يسيرة عن خروج وقت الظهر، ولا أن آخر وقت الظهر أول وقت العصر لما في صحيح مسلم ووقت الظهر ما لم تحضر العصر.
(2)
أي يمتد الوقت المختار للعصر إلى ذلك، وهو مذهب مالك والشافعي وجماهير العلماء، لأن جبرئيل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم حين صار ظل كل شيء مثله في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وقال:«الوقت فيما بين هذين الوقتين» ، وعنه إلى اصفرار الشمس، صححه الشارح وغيره، واختارها المجد، لحديث «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» ، رواه مسلم، وله من حديث أبي موسى وهو متأخر، والعمل بالمتأخر متعين قال: ثم أخر العصر يعني في اليوم الثاني حتى انصرف منها والقائل يقول قد احمرت الشمس، وفي حديث أبي هريرة «وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس» ، قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن من صلاها والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها، ثم يدخل وقت الضرورة قال شيخ الإسلام: وهو الصحيح، وعليه تدل الأحاديث الصحيحة المدنية.
(3)
وهو إنما يباح تأخير الصلاة إليه مع العذر، ومتى فعلها فيه فهو مدرك لها أداء في وقتها لعذر أو غيره، قال في المبدع وغيره، وعليه أكثر العلماء، لقوله:«من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» ، متفق عليه وحينئذ فلا فرق بين المعذور وغيره، إلا في الإثم وعدمه، ولا يختص بالعصر والصبح، بل الحكم كذلك في جميع الصلوات، لما في صحيح مسلم «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» .
لكن يأثم بالتأخير إليه لغير عذر (1)(ويسن تعجيلها) مطلقا (2) وهي الصلاة الوسطى (3) .
(1) أي إذا أخرها إلى وقت الضرورة أثم لغير عذر، ولعذر فلا إثم، وقال الشيخ: نقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار، من أن الوقت وقتان: وقت اختيار وهو خمس مواقيت، ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت اهـ وسمي بالضرورة لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة أو نوم أو إغماء أو جنون أو حيض ونحو ذلك.
(2)
مع حر وغيم وغيرهما لحديث ويصلي العصر فيرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية متفق عليه، ولهما عن رافع بن خديج قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فننحر جزورا فنقسم عشر قسم، فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغرب الشمس ولغيرهما من الأحاديث، وهو مذهب أكثر الصحابة والتابعين، ومالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء، ويأتي الأمر بالتبكير لها في الغيم، ففي الصحو أولى.
(3)
يعني الفضلى، مؤنث الأوسط، والوسط الخيار، فالمعنى لثبوت الفضل فيها، ونص عليها تعالى بيانا لفضلها، وتأكيدا على الحض على المحافظة عليها فقال:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} وثبت أنها العصر، ففي صحيح مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وللترمذي وصححه الصلاة الوسطى صلاة العصر، قال الترمذي: وهو قول أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم، قال في الإنصاف: بلا خلاف عن الإمام والأصحاب، وقال الشيخ: قد ثبت بالنصوص الصحيحة أنها العصر، وهذا أمر لا يشك فيه من عرف الأحاديث المأثورة، ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث وغيرهم اهـ وقال ابن رشد: الأحاديث بذلك متواترة والعلم به حاصل ضرورة اهـ ويستحب جلوسه في مصلاه بعد العصر إلى غروب الشمس، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس، وهو أوكد لفعله صلى الله عليه وسلم.
(ويليه وقت المغرب)(1) وهي وتر النهار (2) ويمتد (إلى مغيب الحمرة) أي الشفق الأحمر (3) .
(1) مصدر غربت الشمس غروبا، ويطلق على وقت الغروب ومكانه، فسميت هذه الصلاة باسم وقتها، وتسمى صلاة الشاهد، ولا يجوز فعلها قبل الغروب بحال، وأجمعت عليه الأمة، والمراد بالغروب غروب قرص الشمس جميعه، بحيث لا يرى منه شيء، لا من سهل ولا من جبل، ونقل ابن المنذر وخلائق الإجماع عليه، لما في الصحيحين وغيرهما إذا غربت وتوارت بالحجاب، ولغير من الأحاديث ويتحقق بإقبال ظلمة الليل من المشرق، لقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم، وفي المبدع: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع من رءوس الجبال، وإقبال الظلام من المشرق.
(2)
لاتصالها به، كأنها فعلت فيه، لحديث عقبة فإنها وتر النهار، رواه أحمد وغيره أي فرضت وترا للنهار، ثلاثا من أول الأمر، وهي ثلاث ركعات حضرا وسفرا بإجماع المسلمين.
(3)
وفاقا لأبي حنيفة، والصحيح عند الشافعية، ورواية عن مالك، قال النووي وغيره، هذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره، وقول جمهور أهل العلم، وصححه ابن العربي وغيره، لحديث عبد الله بن عمرو ووقت المغرب ما لم يغب الشفق، وفي رواية ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، رواه مسلم وفيه: ثم أمره فأقام المغرب حين وجبت الشمس فلما كان في اليوم الثاني أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق وفي لفظ، قبل أن يغيب الشفق، ثم قال: الوقت ما بين هذين الوقتين وفي لفظ إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق ولقوله: وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي بعدها، وإنما خص منه الفجر بالإجماع، فما عداها داخل في عمومه، وبه تضافرت السنة الصحيحة، وهو أصح
الأقوال لهذه الأخبار، وخبر أبي موسى وبريدة، فلها وقتان وقت اختيار، وهو إلى ظهور الأنجم، ووقت كراهة، وهو ما بعده إلى مغيب الحمرة، والحمرة لون الأحمر، وقد تطلق على ما لونه البياض كما يقال: امرأة حمراء، وقيدوه بالحمرة لقول ابن عمر وغيره: الشفق الحمرة، وقال: الزجاج وغيره: الشفق الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وهذا هو المشهور في كتب اللغة، وذكر غير واحد أنه لم ينقل عن أئمة اللغة غيره، فالشفق بياض تخالطه حمرة، ثم تذهب ويبقى بياض خالص، بينهما زمن قليل، فيستدل بغيبة البياض على مغيب الحمرة، قال الشيخ وغيره، وما بين العشائين ثمن الليل، وما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس سبعه.
(ويسن تعجيلها (1) إلا ليلة جمع) أي مزدلفة (2) سميت جمعا لاجتماع الناس فيها (3) فيسن (لمن) يباح له الجمع (4) و (قصدها محرما)(5) .
(1) إلا لعذر قال الشيخ: باتفاق الأئمة وللترمذي وغيره وصححه عن سلمة أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب قال: وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
(2)
سميت بذلك لأنها يتقرب فيها إلى الله، أو لاقتراب الناس إلى منى من عرفات، أو لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أو لازدلاف آدم وحوى فيها، وهي ليلة النحر.
(3)
أو لاجتماع آدم هناك بحوى، أو لأن الناس يجمعون بها بين صلاتي المغرب والعشاء، والأول أجود، لوجود اجتماع الناس بها قديما.
(4)
بين المغرب والعشاء، لا من لا يباح له الجمع من مكي وغيره، عند بعضهم ويأتي ذكر ثبوت جمعهم خلفه صلى الله عليه وسلم.
(5)
أي قصد مزدلفة محرما، إن لم يوافقها وقت المغرب، فيصلي المغرب في وقتها، ولا يؤخرها لزوال العلة التي من أجلها جمع النبي صلى الله عليه وسلم.
تأخير المغرب ليجمعها مع العشاء تأخيرا (1) قبل حط رحله (2)(ويليه وقت العشاء إلى) طلوع (الفجر الثاني)(3) وهو الصادق (4) .
(1) أي جمع تأخير إجماعا، لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يفعلون ذلك، قال الشيخ وغيره: بالاتفاق، وكذا في غيم، فيستحب تأخيرها حتى يتيقن دخول الوقت، قال أحمد: يؤخرها حتى يعلم أنه سواد الليل.
(2)
لفعله عليه الصلاة والسلام بمزدلفة، بعد أن صلى المغرب أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء، متفق عليه.
(3)
أي ويلي وقت المغرب الوقت المختار للعشاء بكسر العين والمد، اسم الأول الظلام سميت بذلك لأنها تفعل فيه، ويقال لها العشاء الآخرة، تسمى بالعتمة أي شدة الظلمة، لما في الصحيح عن عائشة كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل، أو باسم عتمة الليل، وهو ظلمة أوله، ولا يكره تسميتها بالعتمة، قال الشيخ: الأشهر عندنا إنما يكره الإكثار حتى يغلب على الاسم وأن مثلها في الخلاف تسمية المغرب بالعشاء، وقيل: وكذا الفجر بصلاة الغداة، وأول وقتها مغيب الشفق، وهو الحمرة حكاه غير واحد، والأحاديث متضافرة على ذلك، ولا يلتفت إلى البياض بعدها، كما لا يلتفت في الصوم إلى البياض الذي قبل الفجر، قال ابن عمر: الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق فقد وجبت الصلاة، ولا نزاع في ذلك، وللترمذي وغيره عن النعمان أنه كان عليه الصلاة والسلام يصليها لسقوط القمر لثالثة، وهو إنما يغاب لها عند غيوبه غالبا ويمتد وقت الضرورة من نصف الليل إلى طلوع الفجر، عند الأكثيرين، لقوله ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه مسلم ويحرم إليه بلا عذر كما تقدم.
(4)
أي الفجر الثاني هو الفجر الصادق، لأنه صدق عن الصبح.
(وهو البياض المعترض) بالمشرق ولا ظلمة بعده (1) والأول مستطيل أزرق (2) له شعاع ثم يظلم (3) .
(وتأخيرها) إلى أن يصليها في آخر الوقت المختار وهو (ثلث الليل أفضل إن سهل)(4) .
(1) يطلع بعد مغيب الأول، يملأ الأفق بياضه، وهو عمود الصبح، وبطلوعه يدخل النهار، وذلك أن على قرض الشمس دائرتين حمراء، وقبلها بيضاء، أول ما يطلع البيضاء، ثم الحمراء، ثم القرص، والأحكام تتعلق بالبيضاء، وهي دائرة لكن لاتساعها تظهر كأنها خط مستقيم من الجنوب إلى الشمال، ويسمى الفجر المعترض، والصادق والمستطير، أي المنتشر الشائع، شبه بالطائر يفتح جناحيه.
(2)
وهو الكاذب ولدقته يقال له ذنب السرحان، وهو المستطيل من المشرق إلى المغرب، يسمى كاذبا، لأنه يقل ويتلاشى، أو لأنه يغر من لا يعرفه.
(3)
الشعاع المترقرق غير الضوء، وشعاع الشمس الذي تراه كأنه حبال مقبلة عليك إذا نظرت إليها، أو الذي ينتشر من ضوئها.
(4)
لقوله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، صححه الترمذي، وقال: هذا الذي اختاره أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، ولأن جبرئيل صلاها بالنبي صلى الله عليه
وسلم في اليوم الأول حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين، ولحديث أبي موسى وهو متأخر، وعنه: يمتد إلى نصف الليل، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد القولين للشافعي، لحديث ابن عمرو ووقت العشاء إلى نصف الليل، رواه مسلم، ولحديث أبي هريرة قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، وحديث أنس: أخرها إلى نصف الليل، ثم صلى وقال: إنكم في صلاة ما انتظرتموها متفق عليه، قال الشيخ: ولو قيل بتحديد
وقت العشاء إلى نصف الليل تارة، وإلى ثلثه أخرى من هذا الباب يعني ثلث الليل الذي ينتهي بطلوع الفجر، ونصف الليل الذي ينتهي بطلوع الشمس لكان متوجها.
فإن شق ولو على بعض المأمومين كره (1) ويكره النوم قبلها (2) والحديث بعدها (3) إلا يسيرا أو لشغل (4) أو مع أهل ونحوه (5) .
(1) نص عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الأمر بتأخيرها، كراهية المشقة، وكان يأمر بالتخفيف رفقا بهم، ولأن العادة الغالبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه هي التقديم، فإذا تقدموا فالأفضل التقديم دفعا للمشقة، قاله الشيخ وغيره، وقال أحمد: تأخيرها بقدر أن لا يشق على المأمومين، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم تأخيرها مخافة المشقة.
(2)
للخبر، ولئلا يستغرق النائم حتى تفوته، أو يفوته وقت اختيار وقتها أو يترخص الناس فينامون عن إقامتها جماعة.
(3)
أي ويكره الحديث بعدها، يعني بعد العشاء الآخرة، لحديث كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها متفق عليه والمراد التحادث مع الناس، فيشتغل عن قيام آخر الليل، أو صلاة الصبح، أو لينام عقب تكفير الخطيئة بالصلاة فتكون خاتمة عمله.
(4)
للأخبار ولأنه خير ناجز ومصلحة راجحة فلا يترك لتوهم مفسدة، وأخرج الضياء من حديث عائشة لا سمر إلا لثلاثة: مصل أو مسافر، أو عروس.
(5)
كضيف أو ما فيه مصلحة للمسلمين فلا يكره، لما في صحيح مسلم تحدث مع أهله ساعة ثم رقد ولحديث عمر: كان يسمر عند أبي بكر في الأمر من
أمور المسلمين وأنا معه، حسنه الترمذي أو السمر في علم قال الترمذي
رخص بعضهم إذا كان في معنى العلم، وما لا بد منه من الحوائج، وأكثر الحديث على الرخصة، وقال النووي: اتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها، إلا ما كان في خير اهـ والشغل يشمل العلم، بل هو من أهم ما يشتغل به.
ويحرم تأخيرها بعد ثلث الليل بلا عذر (1) لأنه وقت ضرورة (2)(ويليه وقت الفجر)(3) من طلوعه (إلى طلوع الشمس (4)
(1) كحائض تطهر ومجنون يفيق أو غير ذلك.
(2)
أي ما بعد ثلث الليل على ما ذكر، أو ما بعد نصفه على القول الراجح، ولا يجوز تأخير وقت صلاة لها وقت اختيار ووقت ضرورة أو بعضها إلى وقت الضرورة لغير عذر، وتقدم.
(3)
الفجر مصدر وهو ضوء النهار، أو حمرة الشمس في سواد الليل، وهو في آخر الليل كالشفق في أوله، سمي به لانفجار الصبح، وقد أفجرنا من الفجر كما تقول أصبحنا من الصبح، أو لأنه انصداع ظلمة من نور، وبه سمي الوقت عند ظهوره، وتسمى الصبح، والصباح أول النهار، وقيل: مأخوذ من الحمرة التي فيها، كصباحة الوجه من الحمرة التي فيه، وتسمى صلاة الغداة، والغداة أول النهار، وهي ركعتان حضرا وسفرا إجماعا، ومن الصلوات النهار في قول العلماء كافة.
(4)
أي وقت الفجر من طلوع الفجر، ويمتد إلى طلوع الشمس، لحديث جبرئيل، وحديث ابن عمر، وحديث أبي موسى، قال الشيخ: استعمل فقهاء الحديث في هذا الباب جميع النصوص الواردة في أوقات الجواز والاختيار، فوقت الفجر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقت الظهر من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، ووقت العصر إلى اصفرار الشمس، ووقت المغرب إلى مغيب الشفق، ووقت العشاء إلى منتصف الليل، وهذا بعينه قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم، وليس حديث في المواقيت أصح منه، وكذا صح معناه من غير وجه من فعله صلى الله عليه وسلم اهـ وقال الوزير وغيره، أجمعوا على أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني، وآخر وقتها المختار إلى أن يسفر، ووقت الضرورة إلى أن تطلع الشمس، ولفظ النووي وغيره: أجمعت الأمة، وفي المبدع: الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول من الصيف، والعشاء على العكس، قال الشيخ: ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء، والصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس.
وتعجيلها أفضل) مطلقا (1) ويجب التأخير لتعلم فاتحة أو ذكر واجب، إن أمكنه تعلمه في الوقت (2) .
(1) أي صيفا وشتاء إذا تيقنه أو غلب على ظنه، لحديث يشهدن صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس، وحديث جابر: كان يصليها بغلس متفق عليهما، وأما حديث اسفروا بالفجر، فالمراد صلوا صلاة الفجر مسفرين، أي إسفارا يتيقن معه طلوع الفجر، جمعا بينه وبين مواظبته صلى الله عليه وسلم على التغليس، أو أسفروا إلى أن يضيء الفجر، فلا يشك فيه، أو دوام الإسفار، لا ابتداؤه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن القيم: إنما المراد به الإسفار دواما لا ابتداء، فيدخل فيها مغلسا، ويخرج منها مسفرا، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم وعن أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر، ثم لم يعد إلى الإسفار، حتى مات، رواه أبو داود وابن خزيمة وقال الخازمي: إسناده ثقات، فقوله صلى الله عليه وسلم موافق لفعله، وكيف يظن به المواظبة على فعل أعظم الأجر في خلافه، قال ابن عبد البر وغيره: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغسلون ومحال أن يتركوا الأفضل، وهو مذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء.
(2)
لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن لم يمكنه تعلمه في الوقت
ولو وقت الاختيار فلا، وكذا تأخير الكل مع أمن فوات لمصلي كسوف ونحوه وأمن حدوث مانع.
وكذا لو أمره والده به ليصلي به (1) ويسن لحاقن ونحوه مع سعة الوقت (2)(وتدرك الصلاة) أداء (بـ) إدراك تكبيرة (الإحرام في وقتها)(3) .
(1) أي كما يجب التأخير لتعلم الفاتحة يجب إذا أمره والده بتأخيرها ليصلي به، ولا كراهة في ذلك لأن طاعة الوالد ألزم من الصلاة أول الوقت، لأنه سنة وطاعة الوالد واجبة، وإن أمره بتأخير لغير ذلك لم يؤخر، قال الزركشي، لو تأخر الجيران كلهم فالأولى هنا التأخير بلا خلاف.
(2)
أي ويسن تأخير الصلاة لحاقن أي محتبس البول، ونحو حاقن حاقب وتائق إلى طعام ونحوه، مع سعة الوقت، ليأتي بالصلاة على أكمل الأحوال، وإلا صلى على حسب حاله، ولا يأثم بتعجيل صلاة يستحب تأخيرها، ولا تأخير ما يستحب تعجيلها، إذا أخرها عازما على فعلها، ما لم يضيق الوقت عن فعل جميع العبادة، لصلاة جبرئيل بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الوقت وفي آخره وقوله «الوقت ما بين هذين الوقتين» ولأن الوجوب موسع فهو كالتكفير موسع في الأعيان، قال الشيخ في قوله صلى الله عليه وسلم «أفضل الأعمال عند الله الصلاة في وقتها» ، الوقت يعم أول الوقت وآخره، والله يقبلها في جميع الوقت، لكن أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع، كالظهر في شدة الحر، وكالعشاء إذا لم يشق على المأمومين.
(3)
أي وقت تلك المكتوبة هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب، ولو آخر وقت ثانية في جمع، ومعنى إدراك الأداء بناء ما خرج منها عن الوقت على تحريمه الأداء في الوقت، ووقوعه موقعه في الصحة والإجزاء، سواء في ذلك المعذور وغيره.
فإذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء (1) حتى ولو كان التأخير لغير عذر، لكنه آثم (2) وكذا وقت الجمعة يدرك بتكبيرة الإحرام ويأتي (3) .
(1) لما رواه مسلم من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك السجدة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ولأنه أدرك جزءا فاستوى فيه القليل والكثير، وعنه: لا تدرك بدون ركعة، اختارها جماعة، وهو ظاهر الخرقي ومذهب مالك واختيار الشيخ، لتخصيص الشارع الإدراك بالركعة، كما في الصحيحين من أدرك ركعة من الصبح، الحديث، وما استدلوا به تفسره الرواية الثانية لمسلم والسجدة إنما هي الركعة وقال الشيخ: تعليق الإدراك بسجدة مجردة لم يقل به أحد من العلماء وقال الحافظ في رواية من أدرك ركعة، لم يختلف على راويها في ذلك، فكان عليها الاعتماد اهـ فمن أدرك دونها لا يكون مدركا للصلاة، وهو الذي استقر عليه الاتفاق.
(2)
أي في تأخيره بلا عذر، للخلاف في وقوعه أداء، لعموم جواز تأخير بعض الصلاة عن وقتها، وذكر الزركشي وغيره اختصاص الإدراك بمن له ضرورة كحائض طهرت وصبي بلغ، ومجنون أفاق، ونائم استيقظ ومريض برأ وذمي أسلم، وطبيب فصد، وعليه من لا عذر له لا يدركها بذلك، بل تفوته بفوات وقتها المختار، وتقع منه بعد ذلك قضاء، وهو قول بعض العلماء، وهو متوجه إذ قول جبرئيل وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الوقت ما بين هذين الوقتين وقوله: ما لم تصفر الشمس، يقتضي أن ذلك ليس بوقت لها، وقوله: من أدرك ركعة، يحمل على من له عذر، ولذلك جعل الصلاة في ذلك الوقت صلاة المنافقين، وتقدم قول شيخ الإسلام والله أعلم.
(3)
أي وكما تدرك الصلاة بالإحرام في وقتها، كذلك وقت الجمعة يدرك به، وأفردها بالذكر لئلا يتوهم أن أداءها كجمعتها لا يدرك إلا بركعة، ويأتي في الجمعة.
(ولا يصلي) من جهل الوقت (1) ولم تمكنه مشاهدة الدلائل (2)(قبل غلبة ظنه بدخول وقتها (3) إما باجتهاد) ونظر في الأدلة (4) أوله صنعة وجرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة (5) أو جرت عادته بقراءة شيء مقدر (6) ويستحب له التأخير حتى يتيقن (7) .
(1) فلا يدري أدخل الوقت أو لا؟
(2)
التي يعرف بها الوقت، كالزوال ونحوه، لعمى أو مانع ما، ولا مخبر عن يقين.
(3)
لأن الأصل عدم دخوله، فإن صلى مع الشك فعليه الإعادة إجماعا وإن وافق الوقت، وأجمعوا على أن العلم بدخول الوقت أو غلبة الظن على دخوله شرط في صحة الصلاة، كمن اشتبهت عليه القلة فصلى من غير اجتهاد.
(4)
الاجتهاد بذل الوسع في المجهود، وقيل: الاجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب إلى أن يحس بالعجز عن مزيد الطلب، لأن الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن، فلا يصلي قبل بذل الوسع، والنظر في الأدلة على دخول الوقت، كالزوال واصفرار الشمس.
(5)
كالصنائع الراتبة.
(6)
إلى وقت الصلاة، جاز له أن يصلي، أو صوت ديك مجرب جرت إصابته في صياحة للوقت، فيجوز اعتماده في دخول الوقت، أو ساعة، ونحو ذلك، وإن أمكنه بمشاهدة الدلائل، أو مخبر عن يقين عمل به دونه ظنه.
(7)
يعني دخول الوقت، ويزول الشك، إلا أن يخشى خروج الوقت، أو تكون صلاة العصر في يوم غيم فيستحب التبكير لحديث بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله، رواه أحمد وابن ماجه، قال الموفق وغيره: إذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن.
(أو بخبر) ثقة (متيقن) كأن يقول: رأيت الفجر طالعا، أو الشفق غائبا ونحوه (1) فإن أخبره عن ظن لم يعمل بخبره (2) ويعمل بأذان ثقة عارف (3) .
(1) كأن يقول: رأيت الشمس زالت، أو اصفرت، ويجب قبول قول الواحد، لأنه خبر ديني، فقبل فيه قول الواحد كالرواية.
(2)
لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه، وتحصيل مثل ظنه، فإن تعذر عليه الاجتهاد عمل بقول المخبر عن اجتهاد، كالأذان في الغيم، وإذا اختلف اثنان في دخول الوقت كان الأولى التأخير حتى يتفقا، أو يتيقن دخوله، لأنه قبل ذلك لا يعمل بقول من قال بدخوله، لأنه عن ظن فلا يعمل بظن غيره، فغاية ذلك أن يفيده ظنا، وقد علمت أنه مع الظن يستحب التأخير، حتى ولو قيل إن خبر المثبت مقدم فالتأخير لليقين أولى، ذكره عثمان، وذكر أنه عرضه على منصور فارتضاه.
(3)
أي يلزمه العمل بأذان ثقة عارف بأوقات الصلاة، بالزوال والتسير والساعات وغير ذلك، أو يقلد ثقة عارفا، لقوله صلى الله عليه وسلم المؤذن مؤتمن ولأن الأذان شرع للإعلام بحصول الوقت، فلو لم يجز العمل به لم تحصل فائدته ولا الحكمة التي لأجلها شرع الأذان، ولم يزل الناس يعملون به فيجتمعون للصلاة في مساجدهم فإذا سمعوا الأذان قاموا إلى الصلاة بناء على قول المؤذن، من غير مشاهدة للوقت، ولا اجتهاد فيه، من غير نكير فكان إجماعا، وكذا يعمل بأذان الثقة في الغيم وغيره، إذا كان يعرف الأوقات بالساعات أو غيرها، أو يقلد عارفا وقال الشيخ: يعمل بقول المؤذن في الوقت مع إمكان العلم بالوقت، وهذا مذهب أحمد والشافعي وسائر العلماء المعتبرين كما شهدت به النصوص، خلافا لبعض أصحابنا، وقال: قال بعض أصحابنا: لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت، وهو خلاف مذهب أحمد، وخلاف ما شهدت به النصوص، وفي المبدع: يعمل بالأذان في دارنا، وكذا في دار الحرب.
(فإن أحرم باجتهاد) بأن غلب على ظنه دخول الوقت لدليل مما تقدم (1)(فبان) إحرامه (قبله فـ) صلاته (نفل) لأنها لم تجب (2) ويعيد فرضه (3)(وإلا) يتبين له الحال (4) أو ظهر أنه في الوقت (فـ) صلاته (فرض) ولا إعادة عليه، لأن الأصل براءة ذمته (5) ويعيد الأعمى العاجز مطلقا، إن لم يجد من يقلده (6) .
(1) من نظر في الأدلة، أو تقدير الزمن بالصنعة، أو القراءة أو نحو ذلك.
(2)
أي قيل دخول الوقت، لأن المكلف إنما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها ولم يوجد.
(3)
إجماعا إذا دخل وقتها، لبقاء فرضه عليه.
(4)
أي أنه أحرم في الوقت أو قبله ففرض، لدخوله فيها على غالب ظنه.
(5)
ولأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه في وقته المشروط له.
(6)
في دخول الوقت أخطأ أو أصاب، لأن فرضه التقليد ولم يوجد، لا القادر على الاستدلال كما يستدل البصير في الغيم لأنه يساويه في الدلالة، وهو مرور الزمان وقراءة القرآن، والصنائع الراتبة ونحو ذلك، فإذا غلب على ظنه دخول الوقت جاز له أن يصلي ولا إعادة عليه، ما لم يتبين له الخطأ، وفارق الاستقبال لأنه ليس معه الأدلة التي يدرك بها جهة القبلة، وهي البصر وقال أبو بكر: يصلي على حسب حاله كالقادر على معرفة الوقت.