الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الخامسة والعشرين من عمره كان محمد صلى الله عليه وسلم قد اجتاز تجربة زواجه الأول وكانت تجربة ناجحة لعبت دورا كبيرا في حياته قبل البعثة وبعدها على السواء. وكان محمد قد اختير بوساطة عمه أبي طالب، من قبل السيدة خديجة ذات الشرف والمال في قريش ليكون أمينا لتجارتها إلى الشام برفقة خادمها ميسرة لما كانت قد سمعته عن محمد «من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه» .
وقد وافق محمد على القيام بالمهمة لقاء أجر غير زهيد قررت خديجة منحه إياه لدى عودته رابحا من الشام. ولقد عاد بعدئذ مضاعفا، بصدقه وأمانته ونشاطه ربح التجارة التي كلف بإدارتها، فأعجبت خديجة به، وزادها إعجابا وتقديرا ما حدثها به خادمها ميسرة عن أخلاق محمد وصفاته. وعلى عادة العرب في الوضوح والصراحة وعدم الالتواء، بعثت إليه من يقول له: إني قد رغبت فيك لقرابتك وشرفك في قومك، وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك. ثم عرضت عليه الزواج. وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، كل قومها كان حريصا على خطبتها لو يقدر على ذلك «1» .
استشار محمد صلى الله عليه وسلم أعمامه فخرج معه عمه حمزة رضي الله عنه ودخل على خويلد بن أسد فخطب ابنته لابن أخيه، فوافق الأب وتم الزواج المبارك، فكان من ثماره أبناء رسول الله كلهم إلا إبراهيم، وهم: القاسم، وكان صلى الله عليه وسلم يكنى به، وعبد الله (الذي يلقب بالطاهر والطيب) وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة. وقد توفي القاسم وعبد الله قبل مبعثه، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن إلى المدينة
«2»
.
[2]
إن الإطار التاريخي لسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم، منذ مولده حتى وفاته، يضم حشدا كبيرا من الروايات، يكثر ويتكاثف في مرحلة ويقل ويتباعد طيلة الأربعين سنة التي سبقت مبعثه في غار حراء، فلا يكاد يغطي سوى مساحات قليلة من هذه
(1) ابن هشام ص 37- 38 ابن سعد 1/ 1/ 82- 85 البلاذري: أنساب 1/ 97- 99: اليعقوبي 2/ 15- 16.
(2)
ابن هشام ص 38 الطبري: تاريخ 2/ 280- 282 ابن سعد 1/ 1/ 85 ابن الأثير: الكامل 2/ 39- 40 ابن كثير: البداية 2/ 293- 295 المقدسي 4/ 138- 139 وانظر erhel eid:regnerpS 831- 1; tic.pO:inateaC des Mohammed 1 -194.:
السنين الطويلة ولا يكاد يرسم سوى خطوط عريضة عن طفولة وشباب الرجل الذي قدّر له أن يعيد صياغة الحياة الدنيا بما ينسجم ونواميس الكون.. وتلك هي الصعوبة الكبرى في تاريخ الرجال الكبار في حياة البشرية. إن اهتمام الناس بأبطالهم يقتفي أثر النواميس الطبيعية ذاتها، فحيثما تجمعت الأضواء في جانب حيثما زادت الظلال المجاورة عتمة وخفاء.. وما أن يبرز البطل فجأة على مسرح الأحداث حتى تسلط عليه الأضواء فلا يتبقى من سيرته أية مساحة غير معرضة للإنارة والتلوين.. لكنه قبل أن يظهر.. قبل أن يجيء من وراء الكواليس، يحيطه الغموض، ويصعب على الناظرين تمييز جل مساحات حياته مهما امتدت سنوّ هذه الحياة..
إن أربعين سنة من حياة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم هي الأرضية التي أقيمت عليها نبوته الشامخة.. ترى ما الذي قدمته لنا الروايات عن أمداء هذه الأرضية؟ ..
النسب الأصيل لأمه وأبيه في بيئة (ترفض) الهجناء والمختلطين.. اليتم السريع للأب والأم ولما يتجاوز المولود عهد طفولته.. الفقر والحرمان في صحراء تزيد نار الفقر والحرمان اشتعالا.. رحلتان بعيدتان إلى الشام إحداهما صبيا برفقة عمه أبي طالب والآخرى شابا مسؤولا عن تجارة للسيدة خديجة.. الإسهام الحريص في عدد من الأحداث المهمة التي شهدتها مكة: حرب الفجار، حلف الفضول، بناء الكعبة.. الزواج بالسيدة خديجة بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام..
الرفض الحاسم لقيم الوثنية وعاداتها وأخلاقياتها وتقاليدها.. ثم فترات من العزلة والتأمل في غار حراء بعيدا عن صخب مكة وضجيجها.
وبين هذه الأحداث المرئية الأبعاد جميعا لمحات غير مرئية الأبعاد، ذات دلالة عميقة، أكدتها الروايات والأسانيد، جاءت بمثابة إرهاصات أولية عن أن هذا الإنسان سيلعب دوره في القضية الكبرى في تاريخ البشرية، قضية الحوار المفتوح بين السماء والأرض.. الخير العميم الذي راح يتدفق في مضارب مرضعته حليمة بعد إعسار وجفاف، شق صدره واستخراح علقة سوداء من قلبه قبل أن يتفتح وعيه على الحياة.. إشارات أولى عن نبوته تصدر عن الراهب (بحيرى) على تخوم الشام.. ولن نذكر هنا أية واقعة أخرى لعب الخيال الشعبي والإسرائيلي دورا بارزا فيها.
تلك هي النقاط الأساسية التي لم يتمكن (باحث) لحدّ الآن أن يعثر على ما
يفوقها أهمية أو ما يضيف إليها حقائق أخرى، ولن نلقي اللوم على رواتنا ومؤرخينا فتلك هي كما قلنا طبيعة التاريخ، فالأبطال- أنبياء وغير أنبياء- يظلون مجهولين يتحركون في مناطق الظلال لكي ما يلبثوا أن ينتقلوا فجأة لأداء أدوارهم حيث تسلط الأضواء.. ولنا أن نحمد الله سبحانه على أن هيأ لنا هذا القليل عن هذه المرحلة الطويلة الأساسية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذه القلة- على ندرتها- يمكن أن تقدم لنا الكثير إذا ما استنطقناها بالأسلوب العلمي الهادىء الرصين، بعيدا عن ضجيج النزعات الخطابية والإنشائية والتهويلية.
إن البطل في التاريخ، نبيا أو غير نبي، لكي يلعب دوره الحاسم، لا بدّ أن يستكمل شرطين أساسيين أحدهما يتعلق بتكوينه الذاتي الخاص، والآخر بالعالم الذي يضطرب فيه عبر دوائره التي تبدأ بعلاقاته الضيقة ثم تتسع عبر الإقليم والوطن والجماعة والشعب والأمة، لكي تشمل العالم كله.. ومن ثم فإن أي حوار ينفتح بين الإنسان والعالم سوف لن يبعث أبطالا إن لم يكن كلا القطبين مهيأ لإنجاح ذلك الحوار.. وهكذا فإن أية دراسة عن حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وبعده، سوف لن تتوغل في فهم هذه الحياة، توغلا كافيا، إن لم تضع في حسبانها هذين الطرفين، وتتمعن فيهما عن كثب بقدر ما تسعفها الوقائع والأحداث.
فأما ما يتعلق بالجانب الذاتي لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فيبدو أن الظروف (البيئية) و (الوراثية) التي تسهم معا في تكوين الإنسان وتمنحه صفاته الخلقية والخلقية، وتصوغ بنيانه الجسدي والنفسي، وتحدد قدراته العقلية واستجاباته العاطفية قد اجتمعت لكي تجعل من محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان المهيّأ لتحمل المسؤولية التي أنيطت به بعد أربعين سنة من ميلاده.. أربعة عقود في حياة الإنسان المحدودة، تمثل امتدادا زمنيا طويلا أريد به أن يستكمل محمد الإنسان كل مساحات تكوينه الذاتي ونضجه البشري قبل أن يتاح له أول لقاء مع الوحي الأمين، وما أصعب اللقاء الأول بين ممثلي السماء والأرض، وما أشق الحوار!!
طيلة هذه العقود الأربعة ومحمد صلى الله عليه وسلم يأخذ ويتلقى ويجابه ويهضم ويتمثل شتى المؤثرات الوراثية والبيئية لكي يحولها إلى خلايا تبني كيانه وسمات مادية وروحية تهيئة لليوم العظيم. فعن (أصالة) أبيه وأمه أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في دمه وأعصابه أصالة الشخصية ووضوحها ونقائها، وكسب على المستوى الاجتماعي
احتراما وتقديرا في بيئة كانت تستهجن مجهولي الأنساب وتحتقر الخلطاء. ومن مرارة اليتم ووحشة العزلة وانقطاع معين العطف والحنان، قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل، والإرادة النافذة، والتحدي الذي لا تنكسر له قناة. وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيدا عن ترف الغنى وميوعة الدلال واتكالية الواجدين. وعبر رحلته الأولى إلى الشام في رعاية عمه، فتح محمد صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطا وقلقا، والجماعات العربية التي فصلتها عن شقيقاتها في الصحراء الأم، سلطات أجنبية أحكمت قبضتها على الأعناق، وساقت الشيوخ والأمراء العرب إلى ما تريد هي وتهوى لا ما يريدون ويهوون.
وفي رحلته الثانية إلى الشام، مسؤولا عن تجارة السيدة خديجة، تعلم الرسول الكثير الكثير، عمّق في حسّه معطيات الرحلة الأولى وزاد عليها إدراكا أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب، والسيّد والمسود، وإفادة أغنى من كل ما يتعلمه الذين يرحلون من مكان إلى مكان فيتعلمون من رحيلهم طبائع الجماعات والشعوب، وكنه العلاقات بينها واختلاف البيئات والأوضاع.. ويزدادون مرونة وقدرة على التعامل المنفتح الذي لا ينقطع له خيط مع شتى الطبائع، وفهما لما يتطلبه الإنسان في عصر من العصور بعد اطلاع مباشر على عينات من هذا الإنسان في سعادته وهنائه، أو في تعاسته وشقائه.. وفوق هذا وذاك فقد أتيح للرسول في رحلته هذه تنمية وامتحان قدراته الخاصة التي تعلمها أيام الرعي صبيا، وها هو الآن (يدير) تجارة لسيدة تملك الكثير، فيعرف كيف يحيل القليل كثيرا، ويصمد إزاء إغراء الذهب والفضة أمينا لا تلحق أمانته ذرة من غبار.. قديرا على الارتفاع فوق مستويات الإغراء إلى آخر لحظة.
ثم يجيء إسهامه في القضايا الكبرى التي عاشتها مكة آنذاك، متنوعا شاملا مغطيا شتى مساحات العمل البشري الجماعي، وكأنه أريد له أن يجرب كل شيء، أن يسهم عاملا في كل اتجاه، وأن يا بني عبر نشاطاته المتنوعة جميعا شخصية قادرة على التصدي لكل مشكلة، والإسهام الإيجابي الفعال في كل ما من شأنه أن يعيد حقا أو يقيم عدلا.. في حرب الفجار مارس الرسول صلى الله عليه وسلم شؤون القتال، وفي حلف الفضول شارك في تجربة السياسة والحكم، وفي بناء الكعبة
أعرب عن بداهته المثيرة للإعجاب في حل المشاكل التي تلعب فيها المعتقدات والقيم والمقدسات دورا كبيرا.. وخلال هذا وذاك يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم فيمارس في أعقاب زواجه ذاك، كبرى التجارب الاجتماعية في حياة الإنسان، وينجح في التجربة، ومن وراء نجاحه ذاك تقف السيدة البرّة التي وضعها الله في طريق رسوله لكي تكون سنده النفسي Caetani:Op.cit ;1 -138 Sprenger:die lehre
السنين الطويلة ولا يكاد يرسم سوى خطوط عريضة عن طفولة وشباب الرجل الذي قدّر له أن يعيد صياغة الحياة الدنيا بما ينسجم ونواميس الكون.. وتلك هي الصعوبة الكبرى في تاريخ الرجال الكبار في حياة البشرية. إن اهتمام الناس بأبطالهم يقتفي أثر النواميس الطبيعية ذاتها، فحيثما تجمعت الأضواء في جانب حيثما زادت الظلال المجاورة عتمة وخفاء.. وما أن يبرز البطل فجأة على مسرح الأحداث حتى تسلط عليه الأضواء فلا يتبقى من سيرته أية مساحة غير معرضة للإنارة والتلوين.. لكنه قبل أن يظهر.. قبل أن يجيء من وراء الكواليس، يحيطه الغموض، ويصعب على الناظرين تمييز جل مساحات حياته مهما امتدت سنوّ هذه الحياة..
إن أربعين سنة من حياة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم هي الأرضية التي أقيمت عليها نبوته الشامخة.. ترى ما الذي قدمته لنا الروايات عن أمداء هذه الأرضية؟ ..
النسب الأصيل لأمه وأبيه في بيئة (ترفض) الهجناء والمختلطين.. اليتم السريع للأب والأم ولما يتجاوز المولود عهد طفولته.. الفقر والحرمان في صحراء تزيد نار الفقر والحرمان اشتعالا.. رحلتان بعيدتان إلى الشام إحداهما صبيا برفقة عمه أبي طالب والآخرى شابا مسؤولا عن تجارة للسيدة خديجة.. الإسهام الحريص في عدد من الأحداث المهمة التي شهدتها مكة: حرب الفجار، حلف الفضول، بناء الكعبة.. الزواج بالسيدة خديجة بعد عودته من رحلته الثانية إلى الشام..
الرفض الحاسم لقيم الوثنية وعاداتها وأخلاقياتها وتقاليدها.. ثم فترات من العزلة والتأمل في غار حراء بعيدا عن صخب مكة وضجيجها.
وبين هذه الأحداث المرئية الأبعاد جميعا لمحات غير مرئية الأبعاد، ذات دلالة عميقة، أكدتها الروايات والأسانيد، جاءت بمثابة إرهاصات أولية عن أن هذا الإنسان سيلعب دوره في القضية الكبرى في تاريخ البشرية، قضية الحوار المفتوح بين السماء والأرض.. الخير العميم الذي راح يتدفق في مضارب مرضعته حليمة بعد إعسار وجفاف، شق صدره واستخراح علقة سوداء من قلبه قبل أن يتفتح وعيه على الحياة.. إشارات أولى عن نبوته تصدر عن الراهب (بحيرى) على تخوم الشام.. ولن نذكر هنا أية واقعة أخرى لعب الخيال الشعبي والإسرائيلي دورا بارزا فيها.
تلك هي النقاط الأساسية التي لم يتمكن (باحث) لحدّ الآن أن يعثر على ما
يفوقها أهمية أو ما يضيف إليها حقائق أخرى، ولن نلقي اللوم على رواتنا ومؤرخينا فتلك هي كما قلنا طبيعة التاريخ، فالأبطال- أنبياء وغير أنبياء- يظلون مجهولين يتحركون في مناطق الظلال لكي ما يلبثوا أن ينتقلوا فجأة لأداء أدوارهم حيث تسلط الأضواء.. ولنا أن نحمد الله سبحانه على أن هيأ لنا هذا القليل عن هذه المرحلة الطويلة الأساسية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذه القلة- على ندرتها- يمكن أن تقدم لنا الكثير إذا ما استنطقناها بالأسلوب العلمي الهادىء الرصين، بعيدا عن ضجيج النزعات الخطابية والإنشائية والتهويلية.
إن البطل في التاريخ، نبيا أو غير نبي، لكي يلعب دوره الحاسم، لا بدّ أن يستكمل شرطين أساسيين أحدهما يتعلق بتكوينه الذاتي الخاص، والآخر بالعالم الذي يضطرب فيه عبر دوائره التي تبدأ بعلاقاته الضيقة ثم تتسع عبر الإقليم والوطن والجماعة والشعب والأمة، لكي تشمل العالم كله.. ومن ثم فإن أي حوار ينفتح بين الإنسان والعالم سوف لن يبعث أبطالا إن لم يكن كلا القطبين مهيأ لإنجاح ذلك الحوار.. وهكذا فإن أية دراسة عن حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وبعده، سوف لن تتوغل في فهم هذه الحياة، توغلا كافيا، إن لم تضع في حسبانها هذين الطرفين، وتتمعن فيهما عن كثب بقدر ما تسعفها الوقائع والأحداث.
فأما ما يتعلق بالجانب الذاتي لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة فيبدو أن الظروف (البيئية) و (الوراثية) التي تسهم معا في تكوين الإنسان وتمنحه صفاته الخلقية والخلقية، وتصوغ بنيانه الجسدي والنفسي، وتحدد قدراته العقلية واستجاباته العاطفية قد اجتمعت لكي تجعل من محمد صلى الله عليه وسلم الإنسان المهيّأ لتحمل المسؤولية التي أنيطت به بعد أربعين سنة من ميلاده.. أربعة عقود في حياة الإنسان المحدودة، تمثل امتدادا زمنيا طويلا أريد به أن يستكمل محمد الإنسان كل مساحات تكوينه الذاتي ونضجه البشري قبل أن يتاح له أول لقاء مع الوحي الأمين، وما أصعب اللقاء الأول بين ممثلي السماء والأرض، وما أشق الحوار!!
طيلة هذه العقود الأربعة ومحمد صلى الله عليه وسلم يأخذ ويتلقى ويجابه ويهضم ويتمثل شتى المؤثرات الوراثية والبيئية لكي يحولها إلى خلايا تبني كيانه وسمات مادية وروحية تهيئة لليوم العظيم. فعن (أصالة) أبيه وأمه أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في دمه وأعصابه أصالة الشخصية ووضوحها ونقائها، وكسب على المستوى الاجتماعي
احتراما وتقديرا في بيئة كانت تستهجن مجهولي الأنساب وتحتقر الخلطاء. ومن مرارة اليتم ووحشة العزلة وانقطاع معين العطف والحنان، قبس الرسول صلى الله عليه وسلم الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل، والإرادة النافذة، والتحدي الذي لا تنكسر له قناة. وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيدا عن ترف الغنى وميوعة الدلال واتكالية الواجدين. وعبر رحلته الأولى إلى الشام في رعاية عمه، فتح محمد صلى الله عليه وسلم عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطا وقلقا، والجماعات العربية التي فصلتها عن شقيقاتها في الصحراء الأم، سلطات أجنبية أحكمت قبضتها على الأعناق، وساقت الشيوخ والأمراء العرب إلى ما تريد هي وتهوى لا ما يريدون ويهوون.
وفي رحلته الثانية إلى الشام، مسؤولا عن تجارة السيدة خديجة، تعلم الرسول الكثير الكثير، عمّق في حسّه معطيات الرحلة الأولى وزاد عليها إدراكا أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب، والسيّد والمسود، وإفادة أغنى من كل ما يتعلمه الذين يرحلون من مكان إلى مكان فيتعلمون من رحيلهم طبائع الجماعات والشعوب، وكنه العلاقات بينها واختلاف البيئات والأوضاع.. ويزدادون مرونة وقدرة على التعامل المنفتح الذي لا ينقطع له خيط مع شتى الطبائع، وفهما لما يتطلبه الإنسان في عصر من العصور بعد اطلاع مباشر على عينات من هذا الإنسان في سعادته وهنائه، أو في تعاسته وشقائه.. وفوق هذا وذاك فقد أتيح للرسول في رحلته هذه تنمية وامتحان قدراته الخاصة التي تعلمها أيام الرعي صبيا، وها هو الآن (يدير) تجارة لسيدة تملك الكثير، فيعرف كيف يحيل القليل كثيرا، ويصمد إزاء إغراء الذهب والفضة أمينا لا تلحق أمانته ذرة من غبار.. قديرا على الارتفاع فوق مستويات الإغراء إلى آخر لحظة.
ثم يجيء إسهامه في القضايا الكبرى التي عاشتها مكة آنذاك، متنوعا شاملا مغطيا شتى مساحات العمل البشري الجماعي، وكأنه أريد له أن يجرب كل شيء، أن يسهم عاملا في كل اتجاه، وأن يا بني عبر نشاطاته المتنوعة جميعا شخصية قادرة على التصدي لكل مشكلة، والإسهام الإيجابي الفعال في كل ما من شأنه أن يعيد حقا أو يقيم عدلا.. في حرب الفجار مارس الرسول صلى الله عليه وسلم شؤون القتال، وفي حلف الفضول شارك في تجربة السياسة والحكم، وفي بناء الكعبة
أعرب عن بداهته المثيرة للإعجاب في حل المشاكل التي تلعب فيها المعتقدات والقيم والمقدسات دورا كبيرا.. وخلال هذا وذاك يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم فيمارس في أعقاب زواجه ذاك، كبرى التجارب الاجتماعية في حياة الإنسان، وينجح في التجربة، ومن وراء نجاحه ذاك تقف السيدة البرّة التي وضعها الله في طريق رسوله لكي تكون سنده النفسي
واليقيني الأول في السنين الصعبة الطويلة التي تطيش معها ألباب الثائرين الذين بعثوا لتغيير العالم والانقلاب على الأوضاع والمألوفات.
هكذا تبدو حياة رسولنا الكريم قبل مبعثه، سلسلة مترابطة الحلقات، منطقية التعاقب من التجارب والخبرات في شتى المساحات: عائلية ونفسية واقتصادية وحركية وحربية وسياسية ودينية واجتماعية. أما البعد الأخلاقي في حياة الرسول المديدة هذه فيتمثل واضحا نقيا في انسلاخه الحاسم عن كل ممارسات الجاهليين اللاأخلاقية التي كانت تعج بها الحياة العربية في المدينة والصحراء: شربا للخمر واستمراء للزنى ولعبا للميسر وتصعيدا للربا وتهافتا على مال اليتيم ووأدا للبنات وظلما للذين لا يقدرون على ردّ الظلم، واستعبادا محزنا للذين لا يعرفون طعم الحرية.. ممارسات شتى لا يحصيها العدّ، كانت تجري على مسرح الجزيرة العربية، وممثلتها مكة، ليل نهار.. ويغدو من تعاقبها وتكرارها أن تصبح إلفا وعادة، ثم تتجاوز هذا لكي ما تلبث أن تصبح مفاخر ومكرمات يتبارى العرب في الإتيان بالمزيد المزيد منها.. ومحمد صلى الله عليه وسلم بعيد عن هذا كله، منسلخ منه.. ولقد منحه موقفه النبيل هذا نظافة وطهرا لم يعرفهما إنسان قط، وعلمه في الوقت نفسه كيف يكون الرفض والتمرد على الوضع الدنيء، الوضع اللا إنساني مهما حمّل هذا الوضع من تبريرات انتقلت به من كونه إثما وفسقا وفجورا إلى مرتبة الإلف والعادة، ثم إلى مصاف القيم والمفاخر والمعتقدات.
ولم يبق- ثمة- إلا البعد الروحي- الفكري، وهو أشد الأبعاد ثقلا وخطرا في حياة الإنسان. والروايات القليلة التي تحدثنا عن عزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بعيدا عن صخب مكة وضجيجها، حينا بعد حين، وعن انقطاعه إلى الصحراء وحيدا، متأملا، باحثا، منقبا، مقلبا وجهه في أمداء السماوات والأرض.. هذه الروايات تكفي لالتقاط الإشارة الأخيرة الحاسمة المتممة للصورة التي علينا أن نعرفها عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه.
فكما علمه الانشقاق الأخلاقي عن الوضع المكي القدرة على الرفض والتمرد، فقد جاء تغرّبه وعزلته وانقطاعه إمدادا نفسيا باتجاه آخر، لكنه متمم، وبدونه لا يمكن لإنسان ما أن يلعب دوره الحاسم الكبير.. إنه إمداد باتجاه الاندماج والاتصال، بمواجهة رفض الجاهلية والتمرد على قياداتها وأعرافها وسلطاتها.. اندماج بالكون على انفساحه.. بالعالم الجديد الذي جاء لكي ينقل البشرية إليه، بالنواميس التي سيبعث عما قريب كي يجعل الإنسان في كل مكان وزمان يعود إليها وينسجم في مساراتها المعجزة، مغادرا مواضعه المنحرفة الخاطئة التي ساقته إليها زعامات جائرة، وسلطات مستبدة وألوهيات زائفة، وأعراف وبيئات مليئة بالدنس والوحل والخطيئة، واتصال- عبر البحث والقلق والتقلب الطويل- بالسلطة الواحدة التي تشرف على الكون وتحرك الإنسان والخلائق في ساحاته الكبرى وفق خرائط غاية في الدقة والإتقان.. اتصال بالمصدر الوحيد للحيوان والأشياء، بالإرادة التي تنبثق عنها سائر الإرادات وتؤول إليها.. بالله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى..
كان محمد صلى الله عليه وسلم إذن يستكمل- دون أن يدري- بناءه النفسي واستعداداته التجريبية وخبراته التي بنتها السنون الطويلة والأعمال التي غطت كل المساحات.. كان يضع- بمشيئة الله- اللمسة الأخيرة الحاسمة، للإنسان الذي سيغدو نبيا عما قريب.. إن عزلة رسولنا وانقطاعه، واتساع مساحات هذه العزلة والانقطاع، عكسا إزاء طغيان الجاهلية، وطردا تجاه يوم الوحي، كانت بمثابة الإرهاص الأكبر والأخطر والأخير، في الوقت نفسه، إلى أن موعد القطاف قد حان، وأن هذه الشخصية التي ربتها عناية الله في مدى أربعين سنة، قد غدت على استعداد تام للتلقي، والاتصال المباشر بمبعوث الله في آخر حلقة من حلقات تعاليم السماوات للأرض!!
وإزاء هذا الهكيل المرئي من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، يقف عدد من الإشارات والأحداث، ملفتا الأنظار في ذلك الحين، وفي كل حين، إلى أن هذا الإنسان من بين كل الناس، قد اختير لأداء دور ما، لإنجاز عمل أو الانقلاب على وضع.. وأن هنالك عناية تفوق كل العنايات واهتماما يتعدى كل الاهتمامات تجاه هذا الإنسان بالذات تمهد له الطريق، وتسهم إسهاما غيبيا يندّ عن التحليل والتعليل في تكوينه النفسي الذي سيمكنه من أن يكون نبيا عما قريب.. وأن هذه
الأحداث الموثوقة التي انتزعناها من بين حشد من الأحداث والروايات الضعيفة والمكذوبة، لهي، فضلا عن كونها أسلوبا من أساليب العناية الإلهية في تربية الأنبياء والشهداء والقديسين، أشبه بالرموز المكثفة والدلالات العميقة على أبعاد الدور الذي سيلعبه هذا الإنسان.
إن تدفق الخير على مضارب القبيلة التي احتضنت محمدا طفلا، بعد أيام العسر والمجاعة والجفاف، توحي- فيما توحي- إلى أن مجاعة العالم كله، وجفاف الروح الإنسانية جميعا وعسر الحضارة البشرية في تمخضها الدائم، تنتظر من يعيد توجيهها وصياغتها من جديد فيحيل الجوع شبعا وريا، وجفاف الروح امتلاء وانطلاقا، وعسر الحركة الحضارية تدفقا وإبداعا.. وأن هذا الطفل الذي تفجرت بميلاده ينابيع الخير سيكون هذا الرجل.. وأنه قد آن الأوان
…
وهذه الحادثة ستقال مرارا وتكرارا بعد أن يكبر الطفل ويفتح وعيه على الحياة، وستلعب دورها ولا ريب في صياغته النفسية وفي لفت الأنظار إلى تفرده وتميزه، والتمهيد لقبول الدور (الخاص) الذي سيلعبه بعد عدة عقود من السنين. ومن أجل مزيد من لفت النظر والتمهيد تجيء إشارات عدد من اليهود والنصارى إلى أن ظهور النبي الموعود قد حان وأن العصر الراهن بإرهاصاته إنما هو عصر النبوة الجديدة وهي إشارات الأديان السابقة جميعا، وإقرارها بصدق رسالة النبي الأخير التي أكدتها عهودهم القديمة والحديثة على السواء، ومن ثم تلعب دورها- هي الآخرى- في عملية لفت النظر والتمهيد للنبوة الجديدة كي لا تجيء فجأة دونما سوابق من إشارات وأحداث ذات دلالة وإرهاصات، وسواء على المستوى العربي الجاهلي أم على المستوى الديني اليهودي- النصراني، فإن هذه الإشارات قد جاءت وليس ثمة معذر لكل من يقول إن رسالة الرسول تنزلت مفاجأة دون مقدمات ولا تمهيد.
وأما حادثة شق الصدر، فهي ولا ريب مما يندّ عن مواضعات علمنا البشري في ميداني النفس والتشريح، لأنها- كأية تجربة أو حدث روحي- لا تخضع لمقاييس العقل والحسّ المحدودة، وكيف يخضع الكليّ المطلق للمقيد المحدود؟! يكفينا أن نلتقط منها رمزا أو دلالة تغطي مساحة ما في صورة الأربعين سنة من حياة محمد. يقول محمد الغزالي «لو كان الشر إفراز غدة في الجسم ينحسم بانحسامها، ولو كان الخير مادة يزود بها القلب كما تزود الطائرة بالوقود
فتستطيع السمو والتحليق، لقلنا: إن ظواهر هذه الآثار مقصودة، ولكن أمر الخير والشر أبعد من ذلك، بل من البديهي أنه بالناحية الروحية في الإنسان ألصق. وإذا اتصل الأمر بالحدود التي يعمل الروح في نطاقها، أو بتعبير آخر، عندما ينتهي البحث إلى ضرورة استكشاف الوسائل التي يسير بها الروح هذا الغلاف المنسوج من اللحم والدم، يصبح البحث لا جدوى منه، لأنه فوق الطاقة. وشيء واحد هو الذي نستطيع استنتاجه من هذه الآثار، أن بشرا ممتازا كمحمد صلى الله عليه وسلم لا تدعه العناية عرضا للوساوس الصغيرة التي تتناوش غيره من سائر الناس. فإذا كانت هناك (موجات) تملأ الآفاق، وكانت هناك قلوب تسرع إلى التقاطها والتأثر بها، فقلوب النبيين- بتولي الله لها- لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتز لها، وبذلك يكون جهد المرسلين في متابعة الترقي لا في مقاومة التدني، وفي تطهير العامة من المنكر لا في التطهر منه، فقد عافاهم الله من لوثاته» «1» .
وهذا يكفي.. فما دمنا بصدد تحليل المؤثرات البيئية والوراثية والغيبية في تكوين الرسول صلى الله عليه وسلم وتهيئته للرسالة، فإن حادثة شق الصدر تقف في القمة من المؤثرات جميعا، صياغة روحية- مادية لشخصية النبي الإنسان، وتهيئة من لدن العليم بمنسربات النفوس، الخبير بتعقيدات الشخصية البشرية.. لكي يكون هذا الرجل بالذات، ووفق تكوينه الموجّه هذا، قادرا على التقاط إشارة السماء ومقابلة الوحي، وتحمل المسؤولية، نبيا إلى الناس جميعا، صعدا بهم إلى القمم الشامخة التي تنقطع دونها أنفاس الرجال!!
وعلى قدر ما تشح الروايات والأحاديث عن حياة الرسول الإنسان قبل مبعثه.. على قدر ما تزيد وتتسع لكي تمنحنا ما فيه الكفاية عن العالم الذي ولد فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أمر معروف أيضا.. إن المدى يتسع هنا لكي يحتوي في دوائره الممتدة شيئا فشيئا، عشائر وقبائل وشعوبا وأمما كانت قد مهدت بممارساتها وتوقعاتها في الوقت نفسه الطريق إلى المولد الجديد.. بالأحرى إن تاريخ العالم كله، في فترة قد تتجاوز الأربعة أو الخمسة قرون، بعد استنفاد النصرانية دورها ومهمتها، هي الساحة التي تهم الباحثين في مجال كهذا، وما أكثر
(1) فقه السيرة ص 64- 65.
الروايات والأحاديث والأبحاث عن هذه المساحات الواسعة زمانا ومكانا!! مما لا يتسع بحث خاص بالسيرة لمجرد الإشارة إليه «1» .
ومن ثم فإن كل ما يمكن أن يقال، إيجازا وتركيزا لهذا المدى الواسع، هو أن العالم كان قد فسد في القرن الذي ولد فيه الرسول، والإنسان- ثانية- كان قد ضاع.. الإنسان فردا والإنسان في جماعة.. حيثما التفتنا، أنى قلبنا وجوهنا في جهات العالم الأربع فلن نعثر إلا على الفساد والضياع. وابتداء بأعمق أعاميق النفس البشرية وانتهاء بالعالم في مداه الشامل، مرورا بالتجارب والممارسات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية، لا نجد إلّا السوس ينخر في البنيان، والعفن ينسرب عميقا في ضمائر الأشياء والتجارب والممارسات، لكي ما يلبث السوس والعفن أن يفسدا كل شيء ويدنسا كل حياة.
هكذا.. في كل ميدان، وفي أي اتجاه، لا نعثر إلا على الفساد والضياع..
إن العالم الذي بعث فيه محمد عالم في أمسّ الحاجة إلى منقذ، وهو يفسّر بوضعه الراهن ذاك لماذا جاء الرسول في ذلك العصر بالذات.. إن القرآن الكريم، تحدث فيما بعد، عن أبعاد الأزمة البشرية عندما قال: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ «2» !!
لقد جاءت هذه الآية بمثابة إنذار وبشارة في الوقت نفسه، إنذارا إلى أن هذا العفن الذي يغمر العالم إنما هو صنع أبائه أنفسهم، وأنهم يغرقون الآن إلى أذقانهم بما صنعوا!! وبشارة لكل الذين انشقوا على دنس العصر واستعلوا على عفنه وفساده، وآلوا على أنفسهم أن يتحملوا المسؤولية، وأن يسيروا وراء رسولهم بعيدا عن الحفرة التي كان العالم يختنق فيها، من أجل أن (يخرجوا) بالناس، من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله، وتلك هي قمة الحرية التي بعث الرسول لكي يمنحها للإنسان، وغاية الدور الكبير الذي يفسّر مبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر على سبيل المثال شهادات بتلر في (فتح العرب لمصر) وغوستاف لوبون في (حضارة العرب) وتاريخ العالم للمؤرخين وجيبون في (الأمبراطورية الرومانية) وهـ. ج. ولمز في (مختصر تاريخ العالم) ومكاريوس في (تاريخ إيران) وكرستنسن في (إيران في عهد الساسانيين) . وانظر بالتفصيل الفصول الأولى من كتاب الندوي (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) ومقال المؤلف (ملاحظات في الميلاد) : مجلة الوعي الإسلامي، السنة الثامنة.
(2)
سورة الروم: آية 41.
إن مهمة أي دين سماوي شامل هي أن ينقل البشرية من وضع معين إلى وضع أرقى منه وفقا للمهمة التي أنيطت بالإنسان عندما استخلفه الله على الأرض واستعمره فيها
…
وعندما انتصف القرن السادس للميلاد كانت جميع الأديان والمذاهب قد عجزت تماما، بما عانت من تمزقات وما استضافته من أجسام وقيم خاطئة غريبة، عن أداء دورها المنشود
…
وما كان لها، من ثم، إلا أن تفسح الطريق للقادم الجديد كي يأخذ على عاتقه مهمة القيادة في عملية الإعمار والتحضّر، ولقد كان محمد هذا القادم.. وبعد أربعين سنة من ميلاده تلقى رسالة الإسلام إلى العالم كله فأشار إلى الطريق الواحد لكل من يريد أن يحيا كإنسان استخلفه الله في الأرض وكرّمه على العالمين.. وإلا فإن هنالك ألف طريق!!