المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل التاسع الصراع ضد اليهود   ‌ ‌[1] كما هو الحال بشأن النصارى، فإن - دراسة في السيرة

[عماد الدين خليل]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول محمد صلى الله عليه وسلم بين الميلاد والنبوّة

- ‌[1]

- ‌«2»

- ‌الفصل الثاني الدعوة في عصرها المكي

- ‌[1]

- ‌«2»

- ‌[3]

- ‌[4]

- ‌[5]

- ‌الفصل الثالث مسائل من العصر المكي

- ‌[1]

- ‌«2»

- ‌«3»

- ‌[4]

- ‌الفصل الرابع تحليل للهجرة

- ‌[1]

- ‌«2»

- ‌[3]

- ‌[4]

- ‌الفصل الخامس دولة الإسلام في المدينة

- ‌[القواعد الأولى لدولة الإسلام في المدينة]

- ‌أولا: المسجد:

- ‌ثانيا: الصحيفة:

- ‌ثالثا: المؤاخاة:

- ‌رابعا: الجيش:

- ‌الفصل السادس الصراع مع الوثنية (المرحلة الأولى)

- ‌السرايا

- ‌[منجزات السرايا]

- ‌1- الاستطلاع:

- ‌2- القتال:

- ‌3- الكتمان:

- ‌4- الحصار الاقتصادي:

- ‌معركة بدر الكبرى

- ‌[أسباب انتصار المسلمين في معركة بدر الكبرى]

- ‌القيادة الموحدة:

- ‌التعبئة الجديدة:

- ‌العقيدة الراسخة:

- ‌المعنويات العالية:

- ‌معركة أحد

- ‌معركة الخندق

- ‌الفصل السابع الصراع مع الوثنية (المرحلة الثانية)

- ‌صلح الحديبية

- ‌فتح مكة

- ‌عام الوفود وتصفية الوجود الوثني

- ‌الفصل الثامن العلاقات بين الإسلام والجبهة البيزنطية- النصرانية

- ‌[1]

- ‌«2»

- ‌[3]

- ‌[4]

- ‌[5]

- ‌[6]

- ‌[7]

- ‌[8]

- ‌الفصل التاسع الصراع ضد اليهود

- ‌[1]

- ‌[2]

- ‌[3]

- ‌[4]

- ‌[5]

- ‌[6]

- ‌[7]

- ‌[8]

- ‌الفصل العاشر حركة النفاق في العصر المدني

- ‌[1]

- ‌[2]

- ‌[3]

- ‌[4]

- ‌[5]

- ‌قائمة بأهم المصادر والمراجع

- ‌المصادر (القديمة)

- ‌المراجع (الحديثة)

- ‌المراجع الأجنبية

الفصل: ‌ ‌الفصل التاسع الصراع ضد اليهود   ‌ ‌[1] كما هو الحال بشأن النصارى، فإن

‌الفصل التاسع الصراع ضد اليهود

[1]

كما هو الحال بشأن النصارى، فإن العلاقات بين المسلمين واليهود ترجع في بداياتها الأولى إلى السنين التي شهدت طفولة محمد صلى الله عليه وسلم، بما تضمنته كتب اليهود ومصادرهم الدينية من تأكيد على النبوة الجديدة والأخيرة في تاريخ النبوات، وإن لم تصرّح جميعا ماذا سيكون هذا النبي: يهوديا أم غير يهودي؟.

عن زيد بن أسلم قال: بلغنا أن عبد الله بن سلّام كان يقول إن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: «يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لس بفظ ولا غليظ ولا صخب بالأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملّة المتعوّجة بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا» . فبلغ ذلك كعب الأحبار فقال: صدق عبد الله بن سلام إلا أنها بلسانهم:

«أعينا عموميين وآذانا صموميين وقلوبا غلوفيين» «1» . وفي البلاذري عن عبد الله بن سلّام أن أباه كان يردد: إن كان النبي القادم الذي يجدون صفاته في كتبهم من ولد هارون اتبعته وإلا فلا «2» ..

ونقرأ في التوراة، سفر حجّي، الإصحاح الثاني « (6) لأنه هكذا قال رب الجنود هي مرة بعد قليل فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة (7) وأزلزل

(1) ابن سعد: طبقات 1/ 2/ 87 وانظر المصدر نفسه ص 88- 89 للاطلاع على مزيد من الروايات بهذا الصدد.

(2)

أنساب الأشراف 1/ 266، وانظر المصدر نفسه ص 286.

ص: 265

كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت عدلا قال رب الجنود» . وقد جاء في حاشية الأصل العبري «مشتهى كل الأمم حمدوت، أي الذي تحمده كل الأمم» . فالتوراة إذن صرحت باسم محمد (حمدوت) ، ولكن الترجمة أبعدت لفظة محمد لتضع مكانه مرادفا يصرف الذهن عن الاسم الحقيقي هو (مشتهى كل الأمم) . وفي سفر التثنية الإصحاح 18، فقرة 15 نقرأ «يقيم لك- لموسى- الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلك له تسمعون» ، ويقول في الفقرة 18 «أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به» ، وهي عبارة مجملة فسرها اليهود بمجيء رسول منهم لا من ولد إسماعيل. وكأن الله تعالى جعل هذه العبارة مجملة وألهمهم هذا التفسير، حفظا لهذه البشارة، لأنهم لو عرفوا أن الرسول المبشر به سيكون من ولد إسماعيل لأخفوها أو محوها. وقد أثبتت الأيام أن الرسول المبشر به هو محمد صلى الله عليه وسلم «1» .

وورد في سفر التثنية- أيضا- 33/ 3 «جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ في جبل فاران» ، وتلك هي الرسالات الثلاث لموسى والمسيح ولمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا مصداق قوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ لأن منبت التين والزيتون مهجر إبراهيم ومولد عيسى عليه السلام، وطور سيناء مكان مناجاة الله تعالى لموسى، وفاران في مكة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم «2» .

هذا فضلا عن الروايات التاريخية العديدة التي تحمل إرهاصات مجيء الرسول الجديد وصفاته. فعن عاصم بن عمرو بن قتادة عن رجال من قومه قالوا:

«إنما دعانا إلى الإسلام ما كنا نسمع من يهود أنه قد تقارب زمان نبي يبعث فيقتلكم قتل عاد وأرم» . وعن سلمة بن سلامة الذي شهد بدرا قال: كان لنا جار من يهود بني عبد الأشهل، أشار بيده إلى مكة واليمن وقال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، قالوا: من يراه؟ فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال: إن يستكمل هذا الغلام عمره يدركه. قال سلامة: والله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا. وهذا ابن الهيبان من يهود الشام خرج من الشام إلى الحجاز، وحل في

(1) إبراهيم خليل أحمد: محمد بين التوراة والإنجيل والقرآن، المقدمات ص 22.

(2)

سورة التين، الآيات: 1- 3. المرجع السابق ص 26- 27، وانظر عن بشارات التوراة الآخرى بالتفصيل: نفس المرجع ص 33- 43 وسفر أشعيا، الإصحاح 42، فقرة 1 وما بعدها وسفر التثنية 18/ 15 و 18/ 18. وعن آثار محمد وأصحابه انظر: سفر المزامير 1/ 11/ 22- 23 وسفر دانيال 1/ 31- 45.

ص: 266

بني قريظة ثم توفي قبل البعثة بسنتين، ولما شعر أنه ميت لا محالة قال: يا معشر يهود ما ترون أخرجني من (الشام) إلى أهل البؤس والجوع (الحجاز) ؟ قالوا: أنت أعلم، قال: إنما قدمت هذه الأرض أتوكف- أتوقع- خروج نبي قد أظل زمانه، وهذه أرض مهاجره، وكنت أرجو أن يبعث فأتبعه «1» .

من أجل ذلك راح اليهود يعلنون، بين الحين والحين، عن قرب ظهور النبي الأخير، ويتباهون بذلك، ويهددون بالانتماء إليه، ويتوعدون مخالفيهم، من أجل مزيد من السيطرة والإذلال واحتكار المقدرات المادية والمعنوية لمئات الآلاف من العرب المحيطين بهم كجزيرة منقطعة «2» . ولم يكن الكثيرون من أحبار اليهود يتوقعون أن النبي الجديد سيجيء هذه المرة من سلالة أخرى غير السلالة اليهودية المعروفة، وأنه بانتمائه العربي سيشكل خطرا ماحقا على وجودهم المستغل، وبدعوته العالمية المفتوحة سيكتسح تجمعاتهم القومية المغلقة، وبمبادئه العادلة الواضحة سيفضح طقوسهم وأسرارهم التي يرتزقون منها ويضمنون بقاءهم في المراكز العليا لبني قومهم.

وما أن حان الموعد، وحلّ الأجل المضروب في التوراة والإنجيل، ولم يظهر في اليهود النبي الذي ظنوه منهم، وولد محمد صلى الله عليه وسلم يحمل علامات نبوته المادية والأدبية، حتى بدأ اليهود يتخوفون من أن تخطىء ظنونهم، وألاتكون النبوة فيهم فيصابون بخسارتين.. وأصبح الطفل الذي سيبعث إلى العالم في خطر دائم من مكر اليهود وعرقيتهم التي تتيح لهم اتخاذ أي أسلوب، مهما كان دنيئا، لوقف كل ما يتهدد مصالحهم ووجودهم، حتى لو كان هذا الأسلوب القتل والغيلة. وهذا هو الذي يفسر لنا تحذير الراهب النصراني بحيرا لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت، ليبغنّه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم» «3» .

إن قصة بحيرا، إذا ما أسقطها النقد من الحساب، فإن دلالة واحدة فيها

(1) انظر: محمد رواس قلعجي: محمد في الكتب المقدسة (مجلة حضارة الإسلام عدد 1- 2 سنة 8) وانظر ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 308- 310 وابن هشام ص 42 والطبري تاريخ 2/ 295 وانظر كذلك رواية حسان ابن ثابت في ابن هشام ص 28.

(2)

انظر الطبري: تاريخ 2/ 354.

(3)

ابن هشام ص 36.

ص: 267