المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في - الأساليب والإطلاقات العربية

[أبو المنذر المنياوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المجاز

- ‌المطلب الأول: أهمية الموضوع وأسباب اختياره

- ‌المطلب الثاني: تعريف المجاز في الاصطلاح

- ‌المطلب الثالث: أقسام المجاز، وأمثلته

- ‌المطلب الرابع: تاريخ نشوء القول بالمجاز

- ‌المبحث الأول: أقوال العلماء في المجاز

- ‌المبحث الثاني: الأدلة، والمناقشات، والراجح، ووجه ترجيحه

- ‌المبحث الثالث: هل للخلاف في المجاز ثمرة

- ‌المبحث الرابع: أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وتعقيب على أشهر الأمثلة التي ذكرها بعض الأصوليين للمجاز

- ‌الأساليب العربية

- ‌1 - يسمي التقدير خلقاً

- ‌2 - المفرد إذا كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مراداً به الجمع - مع تنكيره، أو تعريفه بالألف واللام أو بالإضافة

- ‌3 - عطف الشيء على نفسه، مع اختلاف اللفظ؛ لأن تغاير اللفظين ربما نزل منزلة التغاير المعنوي

- ‌4 - كل ما علا الماء يسمى طافيًا

- ‌5 - الخيط الأبيض يطلق على الصبح، والأسود على الليل

- ‌6 - ربما أطلقت العرب لفظ النعم على خصوص الإبل

- ‌7 - إطلاق الخوف بمعنى العلم

- ‌8 - إسلام الوجه يطلق ويراد به الإذعان والانقياد التامّ

- ‌9 - عال يعول إذا جار ومال، وهو عائل

- ‌10 - يسمى النفخ روحاً

- ‌11 - الخفض بالمجاورة

- ‌12 - يطلق المسح على الغسل

- ‌13 - ربّما اسْتُعمِل التحرير في الإخراج مِن الأسر والمشقّات، وتعب الدنيا ونحو ذلك

- ‌14 - إطلاق شيطان على المتمرد

- ‌15 - يطلق المجموع مراداً بعضه

- ‌16 - يطلق لا شيء على ما لا نفع فيه

- ‌17 - القرابة إذا كانت قرابة نسب تعين التأنيث فيها، وإن كانت قرابة مسافة جاز التذكير والتأنيث

- ‌18 - يطلق اسم الفيء على الغنيمة

- ‌19 - يطلق الحرف الواحد من الكلمة، ويراد به جميع الكلمة

- ‌20 - عادة العرب قولهم: لا أستطيع أن أسمع كذا، إذا كان شديد الكراهية، والبغض له

- ‌21 - الضلال يطلق بمعنى: الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل، وبمعنى: الضلال بمعنى الهلاك والغيبة والاضمحلال، وبمعنى: الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع

- ‌22 - يطلق الهم ويراد به المحبة والشهوة

- ‌23 - إذا كان المحكوم عليه غير موجود فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الموجودي

- ‌24 - " وراء " تطلق بمعنى: أمام

- ‌26 - صدعت الشيء: أظهرته

- ‌27 - يطلق اسم الشجر على كل ما تنبته الأرض من المرعى

- ‌28 - يقال: سامت المواشي، إذا رعت في المرعى الذي ينبته الله بالمطر. وأسامها صاحبها: أي رعاها فيه

- ‌29 - يذكر وصف الأنثى باعتبار الشخص، وكذلك لا مانع من تأنيث صفة الذكر باعتبار النسمة أو النفس

- ‌31 - يطلق الوصوب على الدوام

- ‌32 - البشارة تطلق على الخبر مما يسر، وبما يسوء

- ‌33 - لفظة «جعل» تأتي لأربعة معان: اعتقد، صير، خلق، شرع

- ‌34 - رجوع الضمير إلى غير مذكور يدل عليه المقام

- ‌35 - تطلق المفاعلة بمعنى الفعل المجرد

- ‌36 - يطلق المصدر ويراد الاسم

- ‌37 - يطلق الإيحاء على الإعلام بالشيء في خفية. ولذا تطلقه العرب على الإشارة، وعلى الكتابة، وعلى الإلهام

- ‌38 - حذف الإرادة لدلالة المقام عليه

- ‌39 - يطلق اللسان ويراد به الكلام، فيؤنث، ويذكر

- ‌40 - يطلق الإذاقة على الذوق وعلى غيره من وجود الألم واللذة

- ‌41 - يطلق اللباس على المعروف، ويطلق على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال

- ‌42 - الإتيان بحرف التعليل للدلالة على العلة الغائية، والإتيان باللاّم للدلالة على ترتب أمر على أمر، كترتب المعلول على علته الغائية

- ‌43 - الفلاح يطلق على: الفوز بالمطلوب، وعلى: البقاء والدوام في النعيم

- ‌44 - المشاكلة بين الألفاظ

- ‌45 - لفظ الرؤيا يطلق على رؤية العين يقظة - أي مع إطلاقها على رؤيا المنام

- ‌46 - حذف المضاف، إن دلت عليه قرينة

- ‌47 - أمرته فعصاني. أي أمرته بالطاعة فعصى

- ‌48 - خطاب إنسان والمراد بالخطاب غيره

- ‌49 - إفراد الخطاب مع قصد التعميم

- ‌50 - إطلاق كل من اسما الفاعل واسم المفعول وإرادة الآخر

- ‌51 - حذف النعت إن دلَّ عليه الدليل

- ‌52 - يطلق لفظة الصالحة على الفعلة الطيبة

- ‌53 - تطلق لعل مضمنة معنى النهي

- ‌54 - يطلق فعيل بمعنى مفعول

- ‌55 - يطلق الأمد على الغاية

- ‌56 - تطلق الآية في اللغة العربية بمعنى العلامة، وبمعنى الجماعة، وتطلق في القرآن على الآية الشرعية، والآية الكونية

- ‌57 - يطلق الغد على المستقبل من الزمان

- ‌58 - التهديد بالصيغة التي ظاهرها التخيير

- ‌59 - الظلم وضع الشيء في غير محله

- ‌61 - أصل الارتفاق هو الاتكاء على المرفق

- ‌62 - يطلق الجن على الملائكة

- ‌63 - يطلق باض وفرخ على سبيل المثل

- ‌64 - الظن يطلق على اليقين، وعلى الشك

- ‌65 - تطلق الإرادة على المقاربة والميل إلى الشيء

- ‌66 - الرجاء يستعمل في رجاء الخير، ويستعمل في الخوف أيضاً

- ‌67 - يعبر عن انتشار بياض الشيب في الرأس، باشتعال الرأس شيبا

- ‌68 - المولى: يطلق على كل من انعقد بينك وبينه سبب يواليك وتواليه به

- ‌69 - العاقر يطلق على الذكر والأنثى

- ‌70 - السمي يطلق بمعنى: مسمى باسمه. وبمعنى: المسامي، أي المماثل في السمو، والرفعة، والشرف، وهو فعيل بمعنى مفاعل

- ‌71 - يطلق الكلام على الإشارة

- ‌72 - يطلق اسم الأخ على النظير المشابه، وعلى الصديق، والصاحب

- ‌73 - يطلق الغي على كل شر، والرشاد على كل خير

- ‌74 - يعبر عن الدوام بالبكرة والعشي، والمساء والصباح

- ‌75 - يعبر بتحلة القسم عن القلة الشديدة وإن لم يكن هناك قسم أصلاً

- ‌76 - إطلاقات الأثاث

- ‌77 - حيث كلمة تدل على المكان، كما تدل حين على الزمان، ربما ضمنت معنى الشرط

- ‌78 - السحر يطلق على كل شيء خفي سببه، ولطف، ودق

- ‌79 - يعدى التصليب بـ «في»

- ‌80 - إشباع الحركة بحرف مد يناسبها

- ‌81 - السلوى يطلق على العسل

- ‌82 - زيادة لفظة «لا» لتوكيد الكلام وتقويته في الكلام الذي فيه معنى الجحد أغلب مع أن ذلك مسموع في غيره

- ‌83 - الهمس يطلق على الخفاء، فيشمل خفض الصوت وصوت الأقدام

- ‌84 - العرب تقول: خلق من كذا. يعنون بذلك المبالغة في الاتصاف

- ‌85 - يطلق اللبوس على كل ما يلبس

- ‌86 - ما ورد من وضع الحامل حملها، وشيب الولد، ونحو ذلك يوم القيامة، كناية عن شدة الهول

- ‌87 - الهدى يستعمل في الإرشاد والدلالة على الخير، ويستعمل أيضاً في الدلالة على الشر

- ‌88 - يطلق على الأرض أنها اهتزت لاهتزاز ما بها من نبات

- ‌89 - إسناد جميع الأعمال إلى اليد

- ‌90 - الإشارة إلى القريب إشارة البعيد

- ‌91 - تزحلق اللام عن محلها الأصلي

- ‌92 - اليد تطلق على العضو إلى المرفق، وإلى المنكب

- ‌93 - تسمية الشيء باسم ما يحل فيه

- ‌94 - يطلق الإحرام على الدخول في أي حرمة لا تهتك زمانية، أو مكانية، أو غير ذلك

- ‌95 - الأيام تطلق على ما يشمل الليالي

- ‌96 - السعي يطلق على العمل في الأمر لإفساده، وإصلاحه

- ‌97 - معاني الفتنة في القرآن

- ‌98 - يسمي انطواء القلب على الأمور الخبيثة: مرضاً

- ‌99 - تطلق القلة، ويراد بها العدم

- ‌100 - يطلق النكاح على الوطء

- ‌101 - إطلاق المسبب وإرادة سببه، وإطلاق السبب وإرادة المسبب

- ‌102 - يطلق المحصنات على العفائف

- ‌103 - يطلق الرمي على رمي الشخص لآخر بلسانه بالكلام القبيح

- ‌104 - يطلق على سليمات الصدور، نقيّات القلوب، اسم البله مدحاً لا ذماً

- ‌105 - يطلق النشور على الإحياء بعد الموت، وعلى الحياة بعد الموت

- ‌106 - يأتي الفعال بمعنى المفعول

- ‌107 - تستعمل جاء وأتى بمعنى: فعل

- ‌108 - أفكه بمعنى قلبه

- ‌109 - إذا أرادوا تخصيص شيء بالفضيلة، دون غيره جاءوا بصيغة التفضيل، يريدون بها خصوص ذلك الشيء بالفضل

- ‌110 - بورا، اسم مصدر يقع على الجماعة، وعلى الواحد

- ‌111 - رجوع الإشارة، أو الضمير بالإفراد مع رجوعهما إلى متعدّد باعتبار المذكور

- ‌112 - يطلق الموت على النوم

- ‌113 - تطلق مرج بمعنى: أرسل وخلى، وبمعنى: خلط

- ‌114 - عود الضمير إلى اللفظ وحده، دون المعنى

- ‌115 - بات الرجل يبيت، إذا أدركه الليل، نام أو لم ينم

- ‌116 - كل صوت غير عربيّ تسميه العرب أعجم، ولو من غير عاقل

- ‌117 - الجناح يطلق لغة حقيقة على يدّ الإنسان وعضده وإبطه

- ‌118 - تطلق العرب خفض الجناح كناية عن التواضع، ولين الجانب

- ‌119 - إسناد صفات الذات لبعض أجزائها

- ‌120 - يضاف الموصوف إلى صفته

- ‌121 - حذف المنادى مع ذكر أداة النداء

- ‌122 - يحذف الأول لدلالة الثاني عليه

- ‌123 - زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل

- ‌124 - الإتيان بأداة الترتيب لمجرد الترتيب الذكرى فقط، دون إرادة ترتيب الصفات أو الموصوفات

- ‌125 - من للعالم

- ‌126 - يطلق اللازب واللاتب واللازم، بمعنى واحد

- ‌127 - الذي تأتي بمعنى الذين

- ‌128 - يقال حاق به المكروه يحيق به حيقاً وحيوقاً، إذا نزل به وأحاط به، ولا يطلق إلا على إحاطة المكروه خاصة

- ‌129 - النعت بالمصدر

- ‌130 - يطلق الجزء مراداً به البنات

- ‌131 - إن كان بمعنى ما كان

- ‌132 - يطلق الفعيل وصفاً بمعنى المفعل

- ‌133 - يطلق المثل، على الذات نفسها

- ‌134 - يعرضون على النار: معناه يباشرون حرها كقول العرب: عرضهم على السيف إذا قتلهم به

- ‌135 - قلب الفاعل مفعولاً، والمفعول فاعلاً

- ‌136 - يسند الفعل إلى ما هو له أصالة لملابسته له

- ‌137 - الفعال يأتي كثيراً، بمعنى التفعيل

- ‌138 - لفظة "اليدين" التي أضيفت إليها لفظة "بين" يكون المراد: " أمامه

- ‌139 - تطلق الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة بعضها على بعض

- ‌140 - شدة الخلق تسمى حبكاً

- ‌141 - تطلق السماء على كل ما علاك

- ‌142 - يطلق اسم الذنوب، التي هي الدلو، على النصيب

- ‌143 - التنازع يطلق على كل تعاط وتناول

- ‌144 - لا تكاد العرب تطلق الكأس إلا على الإناء المملوء

- ‌145 - يطلق السموم على الريح الشديدة البرد

- ‌146 - لن يحور، بمعنى لن يرجع

- ‌147 - يطلق المنون على الموت

- ‌148 - لا تكاد العرب تطلق لفظ النجم مجرداً إلا على الثريا

- ‌149 - أمنى الرجل ومني إذا أراق المني وصبه

- ‌150 - منى الماني إذا قدر

- ‌151 - تعاطى كذا إذا فعله أو تناوله، وعاطاه إذا تناوله

- ‌152 - يطلق العقر على القتل والنحر والجرح

- ‌153 - يطلق كان بمعنى صار

- ‌154 - كل نسج أحكم ودوخل بعضه في بعض، تسمية العرب وضنا، وتسمى المنسوج به موضونا ووضينا

- ‌155 - تسمي المرأة لباساً وإزاراً وفراشاً ونعلاً

- ‌156 - تأتي أو بمعنى الواو

- ‌157 - يطلق النزول على عذاب أهل النار على سبيل التهكم والاحتقار

- ‌158 - كل شيء خلا من الناس يقال له أقوى

- ‌159 - يقال: أُتِيَ فلان إذا أظل عليه العدو

- ‌160 - القول لا يتغير بل يحكي على ما قيل أولاً

- ‌161 - الغاشية تطلق على الخير كما تطلق على الشر، بمعنى الشمول والإحاطة التامة

- ‌162 - يطلق المحل، ويراد الحال

الفصل: صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في

صرف الآية عن ظاهرها، وتأويلها على غير حقيقتها، والوقوع في التكرار الممنوع الذي يجعل المعطوف عليه بمعنى المعطوف فيكون معنى لفظ الجلالة "الله" بمعنى لفظ "الرسول" وبمعنى لفظ "المؤمنين"، وهذا غير مراد قطعاً.

والأمثلة التي ذكرها القائلون بالمجاز ليس فيها مجاز على القول الراجح وإنما هي أساليب بلاغية، تكلم بها العرب وأرادوا بها الحقيقة، وأما آيات الصفات فهي حق، تمر على ظاهرها، وتجرى على حقيقتها، نوردها كما جاءت، ونثبتها كما وردت ولا نقع فيه تأويلا أو تعطيلا بدعوى المجاز، فهذا خلاف منهج السلف أهل السنة والجماعة والله تعالى أعلم. اهـ كلام د. عبدالرحمن السديس باختصار.

‌الأساليب العربية

الأسلوب العربي هو: الطريقة (1) التي يسلكها العرب للتعبير عن أفكارهم، أو عواطفهم.

وقد بيَّن العلامة الشنقيطي (2) رحمه الله أهمية هذه الأساليب العربية في الرد على القائلين بالمجاز النافين لصفات الله عز وجل، وبيَّن أيضاً أنها حقائق تكلم بها العرب، وأنه لا يجوز نفيها، وإليك جملاً من أقواله يتضح بها المقام، والله المستعان.

قال العلامة الشنقيطي: [كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازاً فهو - عند من يقول بنفي المجاز - أسلوب من أساليب اللغة العربية.

فمن أساليبها إطلاق الأسد مثلاً على الحيوان المفترس المعروف، وأنه ينصرف إليه عند الإطلاق، وعدم التقييد بما يدل على أن المراد غيره.

ومن أساليبها إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك. ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد، والثاني يحتاج إليه؛ لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد، وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا

(1) - قال الفيومي في المصباح المنير مادة (س ل ب): [(الأُسْلُوبُ) بضم الهمزة الطريق والفن وهو على (أُسْلُوبٍ) من (أَسَالِيبِ) القوم أي على طريق من طرقهم].

(2)

- وانظر أيضاً ما سبق من كلام د. عبدالرحمن السديس.

ص: 20

بقيد يدل عليه، وكل منهما حقيقة في محله. وقس على هذا جميع أنواع المجازات.

وعلى هذا، فلا يمكن إثبات مجاز في اللغة العربية أصلاً، كما حققه العلامة ابن القيم رحمه الله في الصواعق. وإنما هي أساليب متنوعة بعضها لا يحتاج إلى دليل، وبعضها يحتاج إلى دليل يدل عليه، ومع الاقتران بالدليل يقوم مقام الظاهر المستغني عن الدليل، فقولك:" رأيت أسداً يرمي " يدل على الرجل الشجاع، كما أن لفظ الأسد عند الإطلاق على الحيوان المفترس. ثم إن القائلين بالمجاز في اللغة العربية اختلفوا في جواز إطلاقه في القرآن

والذي ندين به، ويلزم قبوله كل منصف محقق أنه لا يجوز إطلاق المجاز مطلقاً على كلا القولين.

أما على القول بأنه لا مجاز في اللغة أصلاً - وهو الحق - فعدم المجاز في القرآن واضح، وأما على القول بوقوع المجاز في اللغة العربية فلا يجوز القول به في القرآن. وأوضح دليل على منعه في القرآن إجماع القائلين بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه، ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر، فتقول لمن قال: رأيت أسداً يرمي، ليس هو بأسد، وإنما هو رجل شجاع، فيلزم على القول بأن في القرآن مجاز أن في القرآن ما يجوز نفيه.

ولا شك أنه لا يجوز نفي شيء من القرآن، وهذا اللزوم اليقيني الواقع بين القول بالمجاز في القرآن وبين جواز نفي بعض القرآن قد شوهد في الخارج صحته، وأنه كان ذريعة إلى نفي كثير من صفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن العظيم.

وعن طريق القول بالمجاز توصل المعطلون لنفي ذلك فقالوا: لا يد ولا استواء ولا نزول، ونحو ذلك في كثير من آيات الصفات، لأن هذه الصفات لم ترد حقائقها، بل هي عندهم مجازات، فاليد مستعملة - عندهم - في النعمة أو القدرة، والاستواء في الاستيلاء، والنزول نزول أمره، ونحو ذلك، فنفوا هذه الصفات الثابتة بالوحي عن طريق القول بالمجاز

] (1).

ثم قال رحمه الله: [فإن قالوا: هذا الذي نسميه مجازاً وتسمونه أسلوباً

(1) - انظر رسالة " منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز "(ص 35: 38).

ص: 21

آخر من أساليب اللغة يجوز نفيه على قولكم، كما جاز نفيه على قولنا. فيلزم

المحذور قولكم كما لزم قولنا.

فالجواب: أنه على قولنا بكونه حقيقة لا يجوز نفيه. فإن قولنا: رأيت أسداً يرمي - مثلاً - لا نسلم جواز نفيه؛ لأن هذا الأسد المقيد بكونه يرمي ليس حقيقة الحيوان المفترس حتى تقول: وهو ليس بأسد. فلو قلتم: فهو ليس بأسد. قلنا: نحن ما زعمنا أنه حقيقة الأسد المتبادر عند الإطلاق حتى تكذبونا، وإنما قلنا بأنه أسد يرمي، وهو كذلك هو أسد يرمي.

قال ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق ما نصه: (الوجه

السادس عشر): أن يقال: ما تعنون بصحة النفي؟ نفي المسمى عند التقييد؟ أم القدر المشترك؟ أم أمراً رابعاً؟ فإن أردتم الأول كان حاصله أن اللفظ له دلالتان، دلالة عند الإطلاق ودلالة عند التقييد، بل المقيد مستعمل في موضعه، وكل منهما منفي عن الآخر. وإن أردتم الثاني لم يصح نفيه فإن المفهوم منه هو المعنى المقيد فكيف يصح نفيه. وإن أردتم القدر المشترك بين ما سميتموه حقيقة ومجازاً لم يصح نفيه أيضاً. وإن أردتم أمراً رابعاً فبينوه لنا لنحكم عليه بصحة النفي أو عدمها. وهذا ظاهر جداً لا جواب عنه كما ترى. اهـ كلام ابن القيم رحمه الله بلفظه. وهو موضح غاية لما ذكرنا مصرح بأنه ظاهر جداً لا جواب عنه.

فإن قيل: هذا الذي قررتم يدل على عدم صحة نفي المجاز، لأن ابن القيم ساق الكلام المذكور ليبين عدم صحة نفي المجاز وإذا يرتفع المحذور الناشئ عن القول بصحة نفيه.

فالجواب: أنكم أيها القائلون بالمجاز أنتم الذين أطبقتم على جواز نفيه وتوصلتم بذلك إلى نفي كثير من صفات الله الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، زعماً منكم أنها مجاز وأن المجاز يجوز نفيه ـ فلو أقررتم بأنه لا يجوز نفيه لوقفتم على أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية وهو حقيقة في محله، وسلمتم من نفي صفات

الكمال والجلال الثابتة في القرآن .... ] (1).

(1) - انظر الرسالة السابقة (ص/70 - 71).

ص: 22

وبعد، فسوف أضرب بعض الأمثلة (1) التي يتبين بها طريقة الشنقيطي رحمه الله في الرد على القائلين بالمجاز بطرقة الأساليب العربية، حتى يتضح المقام تمام الاتضاح.

قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: [في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، هو أن يقال: كيف أوقع الإذاقة على اللباس في قوله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} . وروي أن ابن الراوندي الزنديق قال لابن الأعرابي إمامِ اللغة الأدب: هل يُذاق اللباس؟ ايريد الطعن في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} . فقال له ابن الأعرابي: لا بأس أيها النسناس هب أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما كان نبياً! أما كان عربياً؟

قال مقيده عفا الله عنه: والجواب عن هذا السؤال ظاهر، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف؛ لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم، وتحيط بها كاللباس، ومن حيث وجدانهم ذلك اللباس المعبرَّ به عن آثار الجوع والخوف، أوقع عليه الإذاقة، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة، وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز): أنه لا يجوز لأحد أن يقول إن في القرآن مجازاً، وأوضحنا ذلك بأدلته، وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازاً أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية.

وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية، فبعضهم يقول: فيها استعارة مجردة. يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له. وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع والخوف، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية، ثم ذكر الوصف، الذي هو الإذاقة ملائماً للمستعار له، الذي هو الجوع والخوف؛ لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة لكثرة الاستعمال.

فيقولون: ذاق البؤس والضر، وأذاقه غيره إياهما. فكانت الاستعارة مجردة

(1) - وسوف تأتي هذه الأمثلة، وغيرها - بمشيئة الله - في صلب الرسالة، وإنما نقلتها هنا للإيضاح، وحتى يكون القارئ على بصيرة تامة بموضوع الرسالة.

ص: 23

لذكر ما يلائم المستعار له، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة. ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل: فسكاها؛ لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى «ترشيحاً» ، والكسوة تلائم اللباس، فذكرها ترشيح للاستعارة، قالوا: وإن كانت الاستعارة المرشحة أبلغ من المجردة، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع، وبذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزداد الكلام وضوحاً.

وقال بعضهم: هي استعارة مبنية على استعارة، فإنه أولاً استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار، والذبول، والنحول اسم اللباس، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه، فصار اسم اللباس مستعاراً لآثار الجوع والخوف على أبدانهم، ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف، المعبر عنه باللباس، بجامع التعرف والاختبار في كل من الذوق بالفم، ووجود الألم من الجوع والخوف. وعليه ففي اللباس استعارة أصلية كما ذكرنا، وفي الإذاقة المستعارة لمس ألم الجوع، والخوف استعارة تبعية.

وقد ألممنا هنا بطرف قليل من كلام البيانيين هنا ليفهم الناظر مرادهم، مع أن التحقيق الذي لا شك فيه: أن كل ذلك لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وأن العرب تطلق الإذاقة على الذوق وعلى غيره من وجود الألم واللذة، وأنها تطلق اللباس على المعروف، وتطلقه على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال. كقوله:{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} ، وقول الأعشى:

إذا ما الضجيع ثنى عطفها

...

تثنت عليه فكانت لباسا

وكلها أساليب عربية، ولا إشكال في أنه إذا أطلق اللباس على مؤثر مؤلم يحيط بالشخص إحاطة اللباس، فلا مانع من إيقاع الإذاقة على ذلك الألم المحيط المعبر

باسم اللباس. والعلم عند الله تعالى.] (1).

وقال أيضاً: [البشارة: الخبر بما يسر، وقد تطلق العرب البشارة على

(1) - (3/ 344: 346)(النحل/ 112، 113).

ص: 24

الإخبار بما يسوء، ومنه قوله تعالى:{فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ومنه قول الشاعر:

وبشرتني يا سعد أن أحبتي

... جفوني وقالوا الود موعده الحشر

وقول الآخر:

يبشرني الغراب ببين أهلي

...

فقلت له ثكلتك من بشير

والتحقيق: أن إطلاق البشارة على الإخبار بما يسوء، أسلوب من أساليب اللغة العربية، ومعلوم أن علماء البلاغة يجعلون مثل ذلك مجازاً، ويسمونه استعارة عنادية، ويقسمونها إلى تهكمية وتمليحية كما هو معروف في محله] (1).

وقال أيضاً: [أطلق جل وعلا في هذه الآية الكريمة - أي قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} -، الرزق وأراد المطر، لأن المطر سبب الرزق، وإطلاق المسبب وإرادة سببه لشدة الملابسة بينهما، أسلوب عربي معروف، وكذلك عكسه الذي هو إطلاق السبب وإرادة المسبب كقوله:

أكنت دماً إن لم أرعْكِ بضرَّة

...

بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

فأطلق الدم وأراد الدية، لأنه سببها.

وقد أوضحنا في رسالتنا المسماة: منع جواز المجاز، في المنزل للتعبد والإعجاز، أن أمثال هذا أساليب عربية، نطقت بها العرب في لغتها، ونزل بها القرآن، وأن ما يقوله علماء البلاغة من أن في الآية ما يسمونه المجاز المرسل الذي يعدون من علاقاته السببية والمسببية، لا داعي إليه، ولا دليل عليه، يجب الرجوع إليه.

وإطلاق الرزق في آية المؤمن هذه على المطر جاء مثله، في غير هذا الموضع كقوله تعالى في أول سورة الجاثية {وَمَآ أَنَزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فأوضح بقوله {فَأَحْيَا بِهِ الاٌّرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أن مراده بالرزق المطر، لأن المطر هو الذي يحيي الله به الأرض بعد موتها.

وقد أوضح جل وعلا، أنه إنما سمي المطر رزقاً، لأن المطر سبب الرزق، في آيات كثيرة من كتابه، كقوله تعالى في سورة البقرة {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ

(1) - (4/ 9)(الكهف/1: 5)، وانظر أيضاً (7/ 342) (الجاثية/6: 8).

ص: 25

مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ}، والباء في قوله فأخرج به سببية كما ترى. وكقوله تعالى في سورة إبراهيم:{اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السموات وَالاٌّرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} . وقوله تعالى في سورة ق: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ}

] (1).

وفي الختام أنقل هذه العبارة للعلامة الألوسي رحمه الله للاستدلال بها على صحة كلام الشنقيطي رحمه الله في الأساليب، قال الألوسي في روح المعاني (1/ 302):[الويل: واد في جهنم يهوى به الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره، وفي بعض الروايات: إنه جبل فيها، وإطلاقه على ذلك إما: حقيقة شرعية، وإما مجاز لغوي، من إطلاق لفظ الحال على المحل، ولا يمكن أن يكون حقيقة لغوية؛ لأن العرب تكلمت به في نظمها، ونثرها قبل أن يجيء القرآن، ولم تطلقه على ذلك]. فيستفاد من مفهوم المخالفة في هذه العبارة أن العرب إن تكلمت بها على المعنى المراد، فتكون حقيقة لغوية. وهذا هو نفس مقصود العلامة الشنقيطي بالأساليب العربية، فتراه يبين بهذه الأساليب أن ما يدعون فيه المجاز إنما هو أسلوب تكلمت به العرب، فيكون حقيقة، وليس مجازاً (2).

وبعد فقد لاح لك أيها القارئ الكريم أهمية جمع هذه الأساليب، والإطلاقات العربية، مع ذكر شواهدها من القرآن، واللغة، حتى يتضح لك الجواب عما زعموا أنه من المجاز قاصدين من وراء ذلك نفي الصفات، وهو في الحقيقة حقيقة في محله، وأسلوب عربي، تكلمت به العرب.

وهذا أوان الشروع في المقصود، فالله المستعان، وعليه البلاغ، ولا حول، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي.

عفا الله - تعالى - عنه

(1) - (7/ 76)(غافر/13)، وانظر أيضاً (6/ 76)(النور/3)، (7/ 263 - 264)(الزخرف/61).

(2)

- وليس الغرض هنا مناقشة المثال الذي ذكره رحمه الله وإنما الغرض التنبيه على موطن الشاهد من كلامه.

ص: 26