الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية. والدليل من القرآن العظيم على أن المراد في الآية التهديد والتخويف أنه أتبع ذلك بقوله {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا} وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف. إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم. وهذا واضح كما ترى.] (1).
59 - الظلم وضع الشيء في غير محله
.
[وقد قدمنا أن الظلم في لغة العرب: وضع الشيء في غير محله، ومن أعظم ذلك وضع العبادة في مخلوق. وقد جاء في القرآن إطلاق الظلم على النقص في قوله:{وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئًا} وأصل معنى مادة الظلم هو ما ذكرنا من وضع الشيء في غير موضعه، ولأجل ذلك قيل الذي يضرب اللبن قبل أن يروب: ظالم لوضعه ضرب لبنه في غير موضعه، لأن ضربه قبل أن يروب يضيع زبده. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
وقائلة ظلمت لكم سقائي
…
...
…
وهل يخفى على العكد الظليم
فقوله «ظلمت لكم سقائي» أي ضربته لكم قبل أن يروب. ومنه قول الآخر في سقاء له ظلمه بنحو ذلك:
وصاحب صدق لم تربني شكاته
…
...
…
ظلمت وفي ظلمي له عامداً أجر
وفي لغز الحريري في مقاماته في الذي يضرب لبنه قبل أن يروب قال: أيجوز أن يكون الحاكم ظالماً؟ قال: نعم، إذا كان عالماً.
ومن ذلك أيضاً قولهم للأرض التي حفر فيها وليست محل حفر في السابق: أرض مظلومة، ومنه قول نابغة ذبيان:
إلا الأواري لأياً ما أبينها
…
والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
وما زعمه بعضهم من أن «المظلومة» في البيت هي التي ظلمها المطر بتخلفه عنها وقت إبانه المعتاد غير صواب. والصواب هو ما ذكرنا إن شاء الله
(1) - (4/ 101)(الكهف/29).
تعالى. ولأجل ما ذكرنا قالوا للتراب المخرج من القبر عند حفره ظليم بمعنى مظلوم، لأنه حفر في غير محل الحفر المعتاد، ومنه قول الشاعر يصف رجلاً مات ودفن:
فأصبح في غبراء بعد إشاحة
…
...
…
على العيش مرود عليها ظليمها] (1).
60 -
إغاثة الكفار بماء كالمهل مع أنه من أشد العذاب (2)، وبيان إطلاقات المهل.
[قوله في هذه الآية الكريمة: {وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} يعني إن يطلبوا الغوث مما هم فيه من الكرب يغاثوا، يؤتوا بغوث هو ماء كالمهل.
والمهل في اللغة: يطلق على ما أذيب من جواهر الأرض، كذائب الحديد والنحاس، والرصاص ونحو ذلك.
ويطلق أيضاً على دردي الزيت وهو عكره. والمراد بالمهل في الآية: ما أذيب من جواهر الأرض. وقيل: دردي الزيت. وقيل: هو نوع من القطران. وقيل السم.
فإن قيل: أي إغاثة في ماء كالمهل مع أنه من أشد العذاب، وكيف قال الله تعالى:{يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ} ؟ فالجواب أن هذا من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن. ونظيره من كلام العرب قول بشر بن أبي حازم:
غضبت تميم أن تقتل عامر
…
...
…
يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
فمعنى قوله «أعتبوا بالصيلم» : أي أرضوا بالسيف. يعني ليس لهم منا إرضاء إلا بالسيف.
…
وقول عمرو بن معد يكرب:
وخيل قد دلفت لها بخيل
…
...
…
تحية بينهم ضرب وجيع
يعني لا تحية لهم إلا الضرب الوجيع. وإذا كانوا لا يغاثون إلا بماء كالمهل علم من ذلك أنهم لا إغاثة لهم البتة.] (3).
(1) - (4/ 101)(الكهف/29).
(2)
- ونوع المجاز هنا عند القائلين به هو المجاز في مفرد، ويسمى اللغوي، من نوع إطلاق الشيء، وإرادة عكسه، أو ضده، وانظر الإتقان (3/ 115).
(3)
- (4/ 104)(الكهف/29).