الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث: المنع في القرآن وحده، وهو قول بعض العلماء منهم داود بن علي، ومن الشافعية ابن القاص، ومن المالكية ابن خويز منداد، ومن الحنابلة جمع منهم: أبو الفضل التميمي بن أبي الحسن التميمي، وأبو عبد الله بن حامد وغيرهم (1).
القول الرابع: المنع في القرآن والسنة دون غيرهما (2)، وهو قول ابن داود الظاهري.
القول الخامس: التفصيل بين ما فيه حكم شرعي وغيره، فما فيه حكم شرعي لا مجاز فيه ومالا فلا (3)، وإلى هذا التفصيل ذهب ابن حزم الظاهري.
المبحث الثاني: الأدلة، والمناقشات، والراجح، ووجه ترجيحه
.
أولا: أدلة الجمهور القائلين بجواز المجاز ووقوعه.
استدلوا بأدلة كثيرة على ذلك، أهمها:
1 -
أن الاسم في لغة العرب منقسم إلى الحقيقة والمجاز، وهذا التقسيم معتبر عند علماء العربية، ومشتهر في استعمالات العرب، والقرآن هو أصل اللغة، ومعينها، فمحال أن يأتي بخلاف ما عليه أهل اللسان العربي، من تقسيم الاسم إلى حقيقة ومجاز.
2 -
أن الأمثلة على وقوع المجاز في القرآن وغيره كثيرة جدا، وهي أشهر من أن تنكر كقوله تعالى:{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} ، {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} ، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} ، وغيرها.
(1) - كأبي الحسن الخرزي من الحنابلة، ومنذر بن سعيد البلوطي، وقد ذكر شيخ الإسلام أن له مصنفا في منع المجاز في القرآن 7/ 89 من الفتاوى.
(2)
- نسبه إليه الزركشي في البحر وقال تفرد به، انظر 3/ 185، وأورده ابن حزم في الإحكام 4/ 531.
(3)
- أورده الزركشي في البحر 3/ 185، وانظر: 4/ 531 - 532 من الإحكام لابن حزم الظاهري.
ووجه الاستدلال من هذه الآيات أنها استعملت في غير ما وضعت له أولا في أصل الوضع، فقوله "جناح الذل" الجناح حقيقة للطائر من الأجسام، والمعاني والجمادات لا توصف به، فإثباته للذل مجاز قطعا، والسؤال لأهل القرية، وليس لها، فهو مجاز بالحذف، والجدار لا إرادة له، إذ الإرادة حقيقة، من خصائص الإنسان أو الحيوان، وإنما هو كناية عن مقاربته الانقضاض لأن من أراد شيئا قاربه فكانت المقاربة من لوازم الإرادة، فتجوز بها عنها (1).
ثانيا: أدلة المانعين من وجود المجاز، ومناقشتهم للمجيزين.
سأورد هنا أدلة المانعين للمجاز سواء في اللغة أم في القرآن وحده أم في القرآن والسنة لتقاربها، وتلافيا للتكرار وفي ثناياها مناقشة المخالف ومنها:
(أ) أن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز لم يقع إلا في كلام المتأخرين، فهو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة المفضلة، ولم يتكلم في ذلك أحد من الصحابة والتابعين، ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم من أئمة المذاهب، وغيرهم، بل ولا تكلم فيه أئمة اللغة والنحو المعتبرون.
(ب) أن الذين أطلقوا كلمة المجاز من علماء السلف لم يعنوا بها ما هو قسيم الحقيقة، فأول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر ابن المثنى في كتابه "مجاز القرآن"، ولكنه لم يعن بالمجاز ما يقابل الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية.
وقال الإمام أحمد في كتابه "الرد على الجهمية" في قوله تعالى "إنا" و"نحن" ونحو ذلك في القرآن، هذا من مجاز اللغة، ومراده رحمه الله بذلك أن هذا مما يجوز استعماله في اللغة، ولم يرد أنه مستعمل في غير ما وضع له.
(جـ) أن الذين قالوا بالتقسيم مطالبون بالدليل لكون الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان، ثم بعد ذلك استعملت فيها، ثم تجوز بها عن ما وضعت له ولن يستطيعوا ذلك، لأنه ليس بإمكان أحد أن ينقل عن العرب أنه اجتمع جماعة،
(1) - انظر: 1/ 182 من شرح ابن بدران للروضة. وانظر في أدلة المجيزين: 1/ 47 من الإحكام للآمدي، 1/ 80 من التمهيد لأبي الخطاب، 1/ 182 من شرح الروضة لابن بدران، ص23 من إرشاد الفحول.
فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالتواتر استعمال العرب هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعاني،
وأي دعوى خلاف ذلك فليست صحيحة لعدم نقلها إلينا (1).
(د) أن التقسيم ذاته غير صحيح من وجوه:
(1)
أن دعوى المجاز تستلزم وضعا قبل الاستعمال، وهذا غير معلوم.
(2)
أنه يستلزم تعطيل الألفاظ عن دلالتها على المعاني، وذلك ممتنع؛ لأن الدليل يستلزم مدلوله من غير عكس.
(3)
أن التقسيم لا يدل على وجود المجاز، بل ولا على إمكانه، ولا يدل على ثبوت كل واحد من الأقسام في الخارج، ولا على إمكانها، فإن التقسيم يتضمن حصر المقسوم في تلك الأقسام وهي أعم من أن تكون موجودة، أو معدومة ممكنة، أو ممتنعة.
(4)
أن هذا التقسيم يتضمن التفريق بين المتماثلين، فإن اللفظ إذا أفهم هذا المعنى تارة، وهذا تارة، فدعوى المدعي أنه موضوع لأحدهما دون الآخر تحكم محض.
(5)
أنه يلزم منه الدور، فإن معرفة كون اللفظ مجازا متوقف على معرفة الوضع الثاني، ومستفاد منه، فلو استفيد معرفة الوضع من كونه مجازا لزم الدور الممتنع، فمن أين علم أن هذا وضع ثان للفظ؟ ومن أين علم أن وضع اللفظ لأحد معنيين سابق على وضعه للآخر؟
(6)
أن هذا التقسيم يتضمن إثبات الشيء ونفيه، فإن وضع اللفظ للمعنى هو تخصيص به، بحيث إذا استعمل فهم منه ذلك المعنى فقط، ففهم المعنى المجازي مع نفي الوضع، جمع بين النقيضين، وهو يتضمن أن يكون اللفظ موضوعا غير موضوع.
(7)
أن المجاز هو ما يصح أن يقال لقائله إنه فيه كاذب لأنه يخبر بالشيء على خلاف حقيقته فيصح أن يقال لمن قال: "رأيت أسدا يرمي": إنك كاذب، حيث
(1) - انظر: 7/ 90 - 91 من الفتاوى، ص86 - 87 من الإيمان، 2/ 243 - 244 من مختصر
الصواعق، ص62 من مذكرة الشنقيطي.
لم ير أسدا، وإنما رأى رجلا شجاعا، وهذا ظاهر في ضعف تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز.
(8)
أن هذا التقسيم لا ينضبط بضابط صحيح، ولهذا فإن عامة ما يسميه
بعضهم مجازا، يسميه غيرهم حقيقة، وكل يدعي أن اللفظ مستعمل في موضوعه،
وهذا يدل على بطلان هذا التقسيم، وتجرده من الحقيقة، وإذا بطل التقسيم بطل تقسيم التقسيم حيث قسموا كل قسم إلى أقسام وهذا ينقصه الدليل الصحيح، والنقل السليم (1).
(هـ) أن الفروق التي يفرق بها بين الحقيقة والمجاز ليست صحيحة، كقولهم: إن المجاز يصح نفيه، والحقيقة ليست كذلك، وإن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، والحقيقة ما تتبادر إلى الذهن، وإن الحقيقة ما يفيد المعنى مجردا عن القرائن، والمجاز مالا يفيد ذلك المعنى إلا مع القرينة (2).
فهذه الفروق لم تخل من مناقشات طويلة، ومستلزمات غير سديدة، ثم ما ضابط القرائن، والعلائق التي تذكر؟ كل ذلك وغيره مما ليس له برهان ساطع، وضابط واضح يدل على عدم صحة هذه الفروق، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم (3).
(ز) أن هذا الأمر يستلزم لوازم غير صحيحة، ويترتب عليه أمور غير سديدة، وما استلزم ذلك فهو مثله، فما أولت الآيات وردت الأحاديث، إلا بدعوى
(1) - انظر في بطلان التقسيم وما يترتب عليه: 7/ 96 - 106 من الفتاوى، ص92 - 104 من الإيمان، 1/ 243 - 287 من مختصر الصواعق، فقد ذكر فيه خمسين وجها على بطلانه، لما يترتب عليه من لوازم فاسدة.
(2)
- انظر في الفروق بينهما: 7/ 96 - 115 من الفتاوى، ص92 - 101 من الإيمان، 2/ 247 - 261 من مختصر الصواعق، 1/ 25 - 27 من المعتمد، 1/ 86 من التمهيد لأبي الخطاب، ص25 من إرشاد الفحول.
(3)
- وانظر في ذلك: 7/ 96 - 115 من الفتاوى، ص92 - 101 من الإيمان، 1/ 247 - 261 من مختصر الصواعق.
المجاز، وما عطلت الصفات العلي لله جل وعلا وحرفت إلا بدعوى المجاز، فقطع هذا الباب، وسده أسلم للشريعة، وأقوم للملة.
ثالثا: أدلة المانعين منه في القرآن ومناقشتهم للمخالفين.
من ذلك إضافة إلى ما سبق: أننا لو أثبتنا المجاز في القرآن لصح أن نطلق
على الله سبحانه اسم متجوز ومستعير وهذا لا يصح لأن أسماء الله توقيفية، كما أن
دعواهم في القرآن بضرب الأمثلة المعروفة غير صحيحة، فالآيات والأمثلة التي ذكروها لا مجاز فيها، وإنما هي أساليب استعملتها العرب، ومعان حقيقية جاءت بها اللغة، فمثلا قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فيه حذف مضاف، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب العربية معروف (1)، لأنه مما يعلم وحذف ما علم جائز كما قرره علماء العربية.
وأيضا: فإن العرب استعملت لفظ القرية ونحوه من الألفاظ التي فيها الحال والمحل، وهما داخلان في الاسم، كالمدينة والنهر، والميزاب وغيرها، وأطلقت هذه الألفاظ تارة على المحل، وهو المكان، وتارة على الحال وهو السكان، وهذا أسلوب مشهور من أساليب العربية، فيقولون: حفر النهر، يريدون المحل، وجرى النهر، وهو الماء ووضعت والميزاب وهو المحل، وجرى والميزاب وهو الماء، ونحو ذلك (2)، ونظيره هذا المثال، {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فقد جاء استعمال العرب لها تارة للمكان، وتارة للسكان، وقد جاء القرآن بذلك كله، قال تعالى:{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ، وقال في آية أخرى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} ، فالمراد بالقرية هنا السكان، وكذلك قوله تعالى:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} ، والمراد السكان.
وقد أطلق لفظ القرية، وأريد به المكان، قال تعالى:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} الآية.
(1) - انظر الأسلوب رقم (46) الآتي في رسالتنا الأساليب، والإطلاقات العربية.
(2)
- انظر: 7/ 112 - 113 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 20/ 263 من الفتاوى. والأسلوب الآتي في رسالتنا برقم (162).
فالحاصل أن العرب تطلق هذا اللفظ، وتريد به تارة المكان، وتارة السكان، والسياق هو الذي يحدد ذلك، وليس هذا اللفظ مجازا، وإنما أسلوب من أساليب العربية المعروفة (1).
وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ} ليس المراد به أن للذل جناحا، بل المراد بالآية الكريمة كما يدل عليه كلام جمع من المفسرين أنها من إضافة الموصوف إلى صفته، فيكون المعنى "واخفض لهما جناحك الذليل لهما من الرحمة"، وقد ورد ما يدل على ذلك في كلام العرب كقولهم "حاتم الجود" أي الموصوف بالجود، ووصف الجناح بالذل، مع أنه صفة الإنسان، لأن البطش يظهر برفع الجناح، والتواضع واللين يظهر بخفضه فخفضه كناية عن لين الجانب، وإضافة صفة الإنسان لبعض أجزائه أسلوب من أساليب العربية كما في هذا المثال، وكما في قوله تعالى:{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} ، والمراد: صاحب الناصية (2)، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فلا مجاز فيه من وجهين:
أحدهما: أن المراد بالإرادة هنا إرادة حقيقية، لأن للجمادات إرادة حقيقية، لا نعلمها، وإنما يعلمها الله عز وجل ومما يؤيد ذلك سلام الحجر على الرسول صلى الله عليه وسلم (3)، وحنين الجذع الذي كان يخطب عليه لما تحول عنه إلى المنبر (4)، وهذا كله ناشئ عن إرادة يعلمها الله تعالى وإن لم نعلمها، كما في قوله
(1) - انظر: 7/ 112 - 113، 20/ 463 من الفتاوى، ص108 من الإيمان، 2/ 302 - 303 من
مختصر الصواعق المرسلة.
(2)
- انظر في ذلك كله: 20/ 465 من الفتاوى، 2/ 252 من مختصر الصواعق، ص58 - 59 من مذكرة الشنقيطي، والأسلوب رقم (120) في رسالتنا الأساليب.
(3)
- يشير إلى ما رواه مسلم (4/ 1782)(2277)، وغيره عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن).
(4)
- قال الكتاني في نظم المتناثر (ص/ 302): [حنين الجذع: أورده في الأزهار من حديث سهل بن سعد، وجابر بن عبدالله، وابن عمر، وأبي بن كعب، وبريدة، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة السمهي عشرة أنفس
…
].
تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، وأمثال ذلك كثير في الكتاب والسنة.
الثاني: أن الإرادة تطلق على معان عدة، منها: المعنى اللغوي المعروف، ومنها: مقاربة الشيء، والميل إليه فيكون معنى إرادة الجدار ميله إلى السقوط،
وقربه منه، وهذا أسلوب عربي معروف، وبه ينتفي ادعاء المجاز في الآية (1).
وأما قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} فلا مجاز فيه كذلك، بل هو من إطلاق اسم المحل على الحال فيه وعكسه، وهذا أسلوب من أساليب العربية المشهورة، وكلاهما حقيقة في محله، كما سبق نظيره في القرية، والنهر ونحوها.
فحاصل الجواب على هذه الأمثلة التي ادعي فيها المجاز أن يقال: إن ذلك أسلوب من أساليب العرب على حقيقته (2).
رابعا: ومما سبق من الأدلة والمناقشات على منع المجاز في القرآن يدخل فيها المنع في السنة لعموم كونها وحيا من الله تبارك وتعالى.
خامسا: مناقشة الجمهور لأدلة نفاة المجاز.
وقد ناقش الجمهور حجج المنكرين وأجابوا عن أدلتهم فمن ذلك:
أن القول بأن العرب لم تقسم الكلام إلى حقيقة، ومجاز، فإن أردتم أنهم لم يضعوا هذا الاصطلاح فمسلم، وإن أردتم أنه لا يوجد في كلامهم مجاز فغير مسلم بدليل ما ذكرناه من الأمثلة.
وأما قولكم إن هذا الاصطلاح حادث لم يعرف إلا بعد القرون المفضلة فغير صحيح بل قد تكلم به عدد من الأئمة منهم معمر بن المثنى مما يدل على أنه استعمال قديم وقد يطلقون عليه لفظ الاتساع.
وأما القول بأن المجاز يخل بالفهم، فنحن اشترطنا لصحة القول بالمجاز وجود القرينة التي تمنع الإخلال بالفهم، وتبين مراد المتكلم من لفظه.
(1) - انظر: 7/ 108 من الفتاوى، ص103 من الإيمان، ص59 من مذكرة الشنقيطي، والأسلوب رقم (65) في رسالتنا الأساليب.
(2)
- وبهذا أيها القارئ الكريم يتبين لك أهمية تجميع مثل هذه الأساليب، فلله الفضل والمنة.
وأما قولكم إن المجاز كذب، وأنه يصح نفيه فغير مسلم، لأنه وإن جاز نفيه فليس كذبا، لأن المنفي هو إرادة المعنى الحقيقي وليس المجازي بدليل القرينة الموضحة للمراد.
وأما دعوى أن المجاز يلزم عليه وصف الله سبحانه بأنه متجوز، ومستعير، فغير مسلم، لأن الصفات توقيفية.
تلك أهم المناقشات التي أوردها الجمهور على القائلين بنفي المجاز وإنكاره (1).
سادسا: أما التفصيل بين ما فيه حكم شرعي، وما ليس فيه فيمنع في الأحكام الشرعية لما يترتب عليه من لوازم غير صحيحة، فالأحكام الشرعية مبنية على القرآن والسنة بلفظ العرب ولغتهم، فالأيمان والنذور والمعاملات والنكاح والطلاق ونحوها لا مجاز فيها، أما ما ليس فيه حكم شرعي فالأمر فيه واسع بحمد الله، والله أعلم.
سابعا: الراجح ووجه ترجيحه.
مما سبق من عرض المذاهب، والأدلة والمناقشات، أرى صعوبة الترجيح في هذه المسألة وإن كنت أميل إلى التفصيل على حسب الضوابط الشرعية وأهمها:
(1)
ألا يكون في القرآن والسنة.
(2)
ألا يكون في الاعتقاد لاسيما صفات الله سبحانه.
(3)
ألا يكون طريقا إلى تأويل النصوص وردها والتنصل من الأحكام الشرعية.
(1) - انظر في ذلك: 1/ 31 من المعتمد لأبي الحسين البصري، 1/ 212 من فواتح الرحموت، 2/ 22 من تيسير التحرير، ص179 من التبصرة للشيرازي، 1/ 1/464 من المحصول للرازي، 1/ 50 من الإحكام للآمدي، 2/ 700 من العدة، 2/ 648،913،1094 من كتاب المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع د. عبد العظيم المطعني، ط/مكتبة وهبة بالقاهرة.