الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكلمت بها العرب، وهي حقيقة في معناها، لا تجوز فيها (1)، ولهذا فقد أنكر المانعون كون الخلاف لفظيا (2)، لأنهم لم يسلموا أصلا بصحة التقسيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع، محدث لم ينطق به السلف، والخلف فيه على قولين وليس النزاع فيه لفظيا، بل يقال: نفس هذا التقسيم باطل، لا يتميز هذا عن هذا، .. "(3).
المبحث الرابع: أثر القول بالمجاز على النصوص الشرعية وتعقيب على أشهر الأمثلة التي ذكرها بعض الأصوليين للمجاز
.
لقد كان للقول بالمجاز على إطلاقه أثر عظيم وخطير على الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه حيال النصوص الشرعية حيث يجب إثباتها على حقيقتها دون تحريف لها عن معانيها الحقيقية لاسيما فيما يتعلق بالأسماء والصفات، وقد سبق أن أوردت في حجج منكري المجاز ومناقشتهم للمثبتين له شيئا من ذلك بما يغني عن الإعادة.
وقد ذكر الأصوليون عددا من الأمثلة من القرآن على إثبات المجاز وحيث إن كثيرا منها يتعلق بصفات الباري جل وعلا، فإن ادعاء المجاز فيها يقتضي نفي حقيقتها، وتعطيل دلالتها على إثبات صفات الكمال لله عز وجل، التي أثبتها لنفسه في كتابه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وسار عليها سلف هذه الأمة، وقد عرف عن بعضهم سلوكه مذهب الأشاعرة في العقيدة، لذا فقد وقعوا في تأويل بعض النصوص عن حقيقتها، بدعوى المجاز، ولاسيما في آيات الصفات وتلك عقيدة المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة في إثباتهم الصفات لله، كما جاءت، وإقرارها كما وردت، بدون تأويل، ولا تعطيل، ولا نفي لحقيقتها، ولا ادعاء كونها مجازا.
وإليك بعض الأمثلة (4) التي ذكروها -عفا الله عنهم- تعد شواهد من كلامهم تبين خطورة القول بالمجاز في هذا المجال:
(1) - كذا بالأصل، ولعل الصواب: لا تجوز نفيها.
(2)
- انظر: 1/ 46 من الإحكام للآمدي حيث جعله كذلك.
(3)
- 7/ 113 من الفتاوى، وانظر 2/ 243 من مختصر الصواعق لابن القيم.
(4)
- وقد اقتصرت على ذكر مثالاً واحداً مما ذكر د. السديس، خشية الإطالة.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ .. } الآية.
هذا المثال ذكره بعضهم لإثبات المجاز في القرآن، مع اختلافهم في معنى إيذاء الله تعالى.
فيرى بعضهم أن معنى إيذاء الله: إيذاء رسوله (1).
ويرى آخرون أن معنى إيذاء الله: إيذاء أوليائه (2).
والذي اضطرهم إلى هذا التأويل الواضح ادعاؤهم المجاز فيها.
والحق: أن كلا التفسيرين ليس صحيحا، بل تحمل الآية على حقيقتها، وتجرى على ظاهرها، ويكون المعنى الصحيح لإيذاء الله: الكفر به، ومخالفة أوامره، وارتكاب زواجره، واتخاذ الأنداد والشركاء له، وتكذيب رسله عليهم الصلاة والسلام (3)، ويدل على ذلك المعنى حديث "ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، ويجعلون له أندادا، وهو مع ذلك يعافيهم ويرزقهم"(4).
وأما تفسير من أوله بأنه إيذاء رسوله فهو مردود، بما ذكر، ثم إن الله نص في الآية نفسها على إيذاء الرسول بعد ذكره إيذاءه، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} فيكون الكلام على هذا القول مكرراً، وهذا محال؛ لمنافاته الأسلوب الصحيح، والتعبير السليم، الذي جرى عليه كتاب الله.
وأما تفسير من قال بأنهم يؤذون أولياءه فهو غير صحيح من جهتين:
الأولى: ما ذكر سابقا من المعنى الصحيح في الآية.
الثانية: أن الآية نفسها فيها ذكر للرسول، وللمؤمنين والمؤمنات وهم أولياء الله، فيكون في الكلام تكرار لا يليق بكتاب الله، ولو قيل به لحصل المحظور، وهو
(1) - 1/ 105 من المستصفى، ص64 من الروضة.
(2)
- 1/ 105 من المستصفى، 2/ 696 من العدة.
(3)
- انظر: 3/ 517 من تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط/دار الفكر، 7/ 237 من تفسير القرطبي، ص60 من مذكرة الشنقيطي.
(4)
- أخرجه البخاري (5/ 2262)(5748)، ومسلم (4/ 2160)(2804) من حديث أبي موسى رضي الله عنه.