الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - عادة العرب قولهم: لا أستطيع أن أسمع كذا، إذا كان شديد الكراهية، والبغض له
(1).
[قوله تعالى: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ}
…
المعنى ما كانوا يستطيعون السمع أي لشدة كراهيتهم لكلام الرسل على عادة العرب في قولهم: لا أستطيع أن أسمع كذا إذا كان شديد الكراهية والبغض له ويشهد لهذا القول قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} وقوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسْمَعُواْ لِهذا الْقُرْآنِ} وقوله {وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِمْ} .] (2).
21 - الضلال يطلق بمعنى: الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل، وبمعنى: الضلال بمعنى الهلاك والغيبة والاضمحلال، وبمعنى: الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع
.
[وقد قدمنا أن الضلال يطلق في القرآن واللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الأول: الضلال بمعنى الذهاب عن طريق الحق إلى طريق الباطل. كالذهاب عن الإسلام إلى الكفر. وهذا أكثر استعمالاته في القرآن. ومنه قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّآلِّينَ} ، وقوله:{وَلَا تَتَّبِعُواْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ} .
الثاني: الضلال بمعنى الهلاك والغيبة والاضمحلال، ومنه قول العرب: ضل السمن في الطعام إذا استهلك فيه وغاب فيه. ومنه بهذا المعنى قوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي غاب واضمحل، وقوله هنا:{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} أي بطل
(1) - ونوع المجاز هنا عند القائلين به هو المجاز في مفرد، ويسمى اللغوي، من نوع إطلاق المسبب على السبب أي أنهم بسبب شدة كرايتهم، وبغضهم للحق ما كانوا يستطيعون سماعه، ومثل له السيوطي أيضاً بقوله تعالى:{وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً} (غافر: 13)، وقوله:{قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً} (الأعراف: 26)، أي مطراً يتسبب عنه الرزق، واللباس، وقوله تعالى:{لا يَجِدُونَ نِكَاحاً} (النور: 33) أي مؤنة من مهر، ونفقة، وما لابد للمتزوج منه. وانظر الإتقان (3/ 113)، وأسرار البيان (ص/121).
(2)
- (3/ 15)(هود/20).
واضمحل، وقول الشاعر:
ألم تسأل فتخبرك الديار
…
...
…
عن الحي المضلل أين ساروا
أي عن الحي الذي غاب واضمحل، ومن هنا سمي الدفن إضلالاً؛ لأن مآل الميت المدفون إلى أن تختلط عظامه بالأرض، فيضل فيها كما يضل السمن في الطعام. ومن إطلاق الضلال على الدفن قول نابغه ذبيان:
فآب مضلوه بعين جلية
…
...
…
وغودو بالجولان حزم ونائل
فقوله «مضلوه» يعني دافنيه في قبره.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُواْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى الاٌّرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ} . فمعنى {ضَلَلْنَا فِى الاٌّرْضِ} أنهم اختلطت عظامهم الرميم بها لغابت واستهلكت فيها.
الثالث: الضلال بمعنى الذهاب عن علم حقيقة الأمر المطابقة للواقع، ومنه بهذا المعنى قوله تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى} أي ذاهباً عما تعلمه الآن من العلوم والمعارف التي لا تعرف إلا بالوحي فهداك إلى تلك العلوم والمعارف بالوحي. وحدد هذا المعنى قوله تعالى عن أولاد يعقوب: {قَالُواْ تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} أي ذهابك عن العلم بحقيقة أمر يوسف، ومن أجل ذلك تطمع في رجوعه إليك، وذلك لا طمع فيه على أظهر التفسيرات وقوله تعالى:{فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا} أي نذهب عن حقيقة علم المشهود به بنسيان أو نحوه، بدليل قوله {فَتُذَكّرَ أَحَدُهُمَا الاْخْرَى} ، وقوله تعالى:{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى فِى كِتَابٍ لَاّ يَضِلُّ رَبِّى وَلَا يَنسَى} ومن هذا المعنى قول الشاعر:
وتظن سلمى أنثى أبغى بها
…
...
…
بدلاً أراها في الضلال تهيم
فقوله «أراها في الضلال» أي الذهاب عن علم حقيقة الأمر حيث تظنني أبغى بها بدلاً، والواقع بخلاف ذلك] (1).
(1) - (4/ 209: 211)(الكهف/103: 105)، وانظر (3/ 46: 48) (يوسف/8)، (6/ 371: 373) (الشعراء/20).