الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
559 -
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ - أَوْ غَيْرِهِ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى - عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ لَمَّا كَلَّمَ أَبَاهُ فِي ذَلِكَ قَالَ لَهُ:«إِنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَبِيكَ، وَإِنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْكَ»
بَابُ فَرْضِ الْعَطَاءِ لِأَهْلِ الْحَاضِرِ، وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ
560 -
حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، سَأَلُوهُ: أَنْ يَرْزُقَهُمْ: فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَرْزُقُكُمْ، حَتَّى أَرْزُقَ أَهْلَ الْحَاضِرَةِ فَمَنْ أَرَادَ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ
561 -
حَدَّثَنِي أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ مُرْ لِلْجُنْدِ بِالْفَرِيضَةِ: وَعَلَيْكَ بِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَإِيَّاكَ وَالْأَعْرَابَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْضُرُونَ مَحَاضِرَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَشْهَدُونَ مَشَاهِدَهُمْ
⦗ص: 291⦘
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ وَجْهُ هَذَا عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَرَوْا لَهُمْ فِي الْفَيْءِ حَقًّا، وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا فَرِيضَةَ لَهُمْ رَاتِبَةً تَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَالِ كَأَهْلِ الْحَاضِرَةِ الَّذِينَ يُجَامِعُونَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أُمُورِهِمْ، وَيُعِينُونَهُمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ بِأَبْدَانِهِمْ، أَوْ بِأَمْوَالِهِمْ، أَوْ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ مَعَ هَذَا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَعُونَةِ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَحُضُورِ الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ، وَتَعْلِيمِ الْخَيْرِ فَكُلُّ هَذِهِ الْخِلَالُ قَدْ خَصَّ اللَّهُ بِهَا أَهْلَ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ. فَلِهَذَا نَرَى أَنَّهُمْ آثَرُوهُمْ بِالْأَعْطِيَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَلِأُولَئِكَ مَعَ هَذَا حُقُوقٌ فِي الْمَالِ لَا تُدْفَعُ إِذَا نَزَلَتْ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَعَلَى الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُمْ وَالدَّفْعُ عَنْهُمْ بِالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، أَوْ تُصِيبُهُمُ الْجَوَائِحُ، مِنْ جُدُوبَةٍ تَحِلُّ بِبِلَادِهِمْ فَيَصِيرُونَ مِنْهَا إِلَى الْحُطَمَةِ فِي الْأَمْطَارِ وَالْأَرْيَافِ، فَلَهُمْ فِي الْمَالِ الْمَغُوثَةُ وَالْمُوَاسَاةُ، أَوْ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمُ الْفَتْقُ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ حَتَّى يَتَفَاقَمَ فِيهِ الْأَمْرُ، ثُمَّ يُقْدَرُ عَلَى رَتْقِ ذَلِكَ الْفَتْقِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحَمْلِ تِلْكَ الدِّمَاءِ بِالْمَالِ فَهَذَا حَقٌّ وَاجِبٌ لَهُمْ، فَهَذِهِ الْحُقُوقُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي تَجِبُ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: الْجَائِحَةُ، وَالْفَتْقُ، وَغَلَبَةُ الْعَدُوِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَعَلَيْهَا كُلِّهَا شَوَاهِدُ فِي التَّنْزِيلِ وَالْآثَارِ
562 -
فَأَمَّا النَّصْرُ عَلَى الْعَدُوِّ فَإِنَّ حَجَّاجًا حَدَّثَنَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ
⦗ص: 292⦘
آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَوْمَ تُوُفِّيَ عَلَى أَرْبَعِ مَنَازِلَ: مُؤْمِنٌ مُهَاجِرٌ، وَالْأَنْصَارُ، وَأَعْرَابِيٌّ لَمْ يُهَاجِرْ، إِذَا اسْتَنْصَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَصَرَهُ ، وَإِنْ تَرَكَهُ فَهُوَ إِذْنُهُ لَهُ، وَإِنْ اسْتَنْصَرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرُهُمْ "، قَالَ:" فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 72] " قَالَ: «وَالرَّابِعَةُ التَّابِعُونَ بِإِحْسَانٍ» . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: " وَقَوْلُهُ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] يَقُولُ: إِلَّا تَعَاوَنُوا وَتَنَاصَرُوا فِي الدِّينِ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا حَقُّهُمْ فِي النَّصْرِ عَلَى الْعَدُوِّ
563 -
وَأَمَّا فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ فَإِنَّ ابْنَ أَبِي عَدِيٍّ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، حَدَّثَنَا، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا فَقَالَ: يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرِبَ اسْتَعَفَّ
564 -
وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي
⦗ص: 294⦘
حَمَالَةٍ، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: أَنْ قَدْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، وَأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ، سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأُرَاهُ صلى الله عليه وسلم أَجَابَ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ، وَقَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ بِهَذَا الْجَوَّابِ، وَرَأَى لَهُمَا فِي الْمَالِ حَقًّا، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، لَيْسَا مِنَ الْحَاضِرَةِ، وَلَا مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ لِقَبِيصَةَ أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ؟ فَرَأَى لَهُمَا عِنْدَ حَمَالَةِ الدِّمَاءِ لِإِصِلْاحِ الْفَتْقِ، وَعِنْدَ الْجَائِحَةِ، حَقًّا فِي الصَّدَقَةِ، وَلَوْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَهُمْ وَاجِبًا مَا صَرَفَ إِلَيْهِمْ حَقَّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِلصَّدَقَةِ أَهْلًا لَا تُوضَعُ إِلَّا فِيهِمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ فَالْفَيْءُ أَوْسَعُ وَأَعَمُّ؛ لِأَنَّ آيَةَ الْفَيْءِ عَامَّةٌ وَآيَةَ الصَّدَقَةِ خَاصَّةٌ
⦗ص: 295⦘
. فَهَذِهِ الْخِلَالُ الثَّلَاثُ هِيَ الَّتِي وَجَدْنَاهَا تُوجِبُ حُقُوقَهُمْ: الْجَائِحَةُ، وَالْفَتْقُ، وَغَلَبَةُ الْعَدُوِّ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْفَاقَةَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ، وَأَرَى الْجَائِحَةَ تَرْجِعُ إِلَيْهَا وَإِلَيْهَا يَصِيرُ الْمَعْنَى، فَأَمَّا دُرُورُ الْأَعْطِيَةِ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ، وَإِجْرَاءِ الْأَرْزَاقِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ إِلَّا بِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْغَنَاءِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ شَيْءٌ كَأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِهَذَا الْقَوْلِ
565 -
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ «كَانَ لَا يُعْطِي أَهْلَ مَكَّةَ عَطَاءً، وَلَا يَضْرِبُ عَلَيْهِمْ بَعْثًا، هُمْ كَذَا وَكَذَا» ، كَلِمَةٌ لَا أُحِبُّ ذِكْرَهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَطَاءً دَارًّا، إِذْ كَانَ لَا يُغْزِيهِمْ، وَرَأْيُهُ مَعَ هَذَا الْمَعْرُوفِ عَنْهُ فِي الْفَيْءِ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِحُقُوقِ أَهْلِ الْحَضَرِ الَّذِينَ يَنْتَفِعُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ: الْأَعْطِيَةَ وَالْأَرْزَاقَ، وَأَرَادَ بِحُقُوقِ الْآخَرِينَ: مَا يَكُونُ مِنَ النَّوَائِبِ، وَأَبَيْنُ مِنْ هَذَا حَدِيثٌ لَهُ آخَرُ
566 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا زَوَّجَنِي عُمَرُ أَنْفَقَ عَلَيَّ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا، ثُمَّ قَالَ: يَا يَرْفَأُ احْبِسْ عَنْهُ، قَالَ
⦗ص: 296⦘
: ثُمَّ دَعَانِي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيْ بُنَيَّ، فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ أَرَى هَذَا الْمَالَ يَحِلُّ لِي إِلَّا بِحَقِّهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ عَلَيَّ مِنْهُ حِينَ وَلِيُتُهُ، وَعَادَ أَمَانَتِي، قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَهْرًا، وَلَنْ أَزِيدَكَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَعَنْتُكَ بِثُمْنِ مَالِي أَوْ قَالَ بِثَمَنِ مَالِي بِالْعَالِيَةِ، فَانْطَلِقْ فَاجْدُدْهُ، ثُمَّ بِعْهُ، ثُمَّ قُمْ إِلَى جَانِبِ رَجُلٍ مِنْ تُجَّارِ قَوْمِكَ، فَإِذَا ابْتَاعَ فَاسْتَشْرِكْهُ ثُمَّ اسْتَنْفِقْ وَأَنْفِقْ عَلَى أَهْلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَاهُ قَدْ قَطَعَ الْإِجْرَاءَ عَنْهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ لَرَوَيْتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْطَعُهُ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا يُبَيِّنُ هَذَا
567 -
حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ نَمِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ - لِرَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ - إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي وَجَدْتُ هَذَا يَسُبُّكَ، قَالَ: فَسُبَّهُ كَمَا سَبَّنِي، قَالَ: وَيَتَوَعَّدُكَ، فَقَالَ: لَا أَقْتُلْ مَنْ لَمْ يَقْتُلْنِي، قَالَ عَلِيٌّ: لَهُمْ عَلَيْنَا - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَسِبْتُهُ قَالَ: ثَلَاثٌ -: أَنْ لَا نَمْنَعَهُمُ الْمَسَاجِدَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا، وَأَنْ لَا نَمْنَعَهُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيهِمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَأَنْ
⦗ص: 297⦘
لَا نُقَاتِلَهُمُ حَتَّى يُقَاتِلُونَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ عَلِيًّا رَأَى لِلْخَوَارِجِ فِي الْفَيْءِ حَقًّا، مَا لَمْ يُظْهِرُوا الْخُرُوجَ عَلَى النَّاسِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسُبُّونَهُ وَيَبْلُغُونَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنَ السَّبِّ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي أُمُورِهِمْ وَمَحَاضِرِهِمْ، حَتَّى صَارُوا إِلَى الْخُرُوجِ بَعْدُ، فَكُلُّ هَذَا يُثْبِتُ أَنَّ إِجْرَاءَ الْأَعْطِيَةِ وَالْأَرْزَاقِ إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ أَهْلِ الرَّدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالذَّبِّ عَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ سِوَى ذَلِكَ، فَإِنَّمَا حُقُوقُهُمْ عِنْدَ الْحَوَادِثِ تَنْزِلُ بِهِمْ فَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْفَصْلُ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ، وَهَذَا سَبِيلُ الْفَيْءِ خَاصَّةً، فَأَمَّا الْخُمُسُ وَالصَّدَقَةُ فَلَهُمَا سُنَنٌ غَيْرُ ذَلِكَ وَسَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ حُقُوقُ أَهْلِ الْبَدْوِ فِي فَيْءِ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا حُقُوقُ بَعْضِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَعْضٍ فَغَيْرُ هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِيَ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إِنَّمَا هُوَ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ بِفَيْءٍ، فَهُوَ مَرْدُودٌ فِيهِمْ وَاجِبٌ لِفُقَرَائِهِمْ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ
⦗ص: 298⦘
وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ
568 -
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ هُشَيْمٌ: أَمَّا حُصَيْنٌ فَلَمْ يُسَمِّهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَالَ: ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ - فَقَالَ: يَا غُلَامَ بَنِي هَاشِمٍ، إِنِّي وَافِدُ قَوْمِي وَسَيِّدُهُمْ، وَإِنِّي سَائِلُكَ وَنَاشِدُكَ فَمُشْتَدَّةٌ نَشْدَتِي، فَلَا تَجِدَنَّ عَلَيَّ، بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَخَلَقَ مَنْ قَبْلَكَ وَيَخْلُقُ مَنْ بَعْدَكَ فَإِنَّهُ جَاءَتْنَا كُتُبُكَ وجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَنَذَرَ عِبَادَةَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، أَهُوَ الَّذِي أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ وَجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نُصَلِّيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ، وَجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: بِأَنْ نَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قَالَ: وَجَاءَتْنَا كُتُبُكَ وجَاءَتْنَا رُسُلُكَ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِ أَغْنِيَائِنَا فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِنَا، أَهُوَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ «نَعَمْ» . قَالَ: فَأَمَّا تِلْكَ الْهَنَاتُ - يَعْنِي الْحَوَاشِي - فَلَسْنَا سَائِلِيكَ عَنْهَا وَلَا قَارِبِيهَا ثُمَّ انْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ يَصْدُقْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَتْ سُنَّتُهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ
569 -
حَدَّثَنَا هُشَيْمُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي مَقْتَلِ عُمَرَ، قَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ
⦗ص: 299⦘
خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ فَيُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ