الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا جِمَاعُ أَبْوَابِ مَخَارِجِ الصَّدَقَةِ وَسُبُلِهَا الَّتِي تُوضَعُ فِيهَا
بَابُ ذِكْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِينَ يَطِيبُ لَهُمْ أَخْذُهَا، وَفَرْقِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ
1722 -
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَمَالَةٍ، فَقَالَ: " أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَإِمَّا أَنْ نُعِينَكَ عَلَيْهَا، وَإِمَّا أَنْ نَحْمِلَهَا عَنْكَ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى
⦗ص: 657⦘
مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، وَأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ "،
1723 -
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يَسْأَلُونَهُ فِي نِكَاحِ صَاحِبٍ لَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا، فَلَمَّا ذَهَبُوا قُلْتُ: أَتَاكَ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِكَ يَسْأَلُونَكَ فِي نِكَاحِ صَاحِبٍ لَهُمْ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا، وَأَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ. فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَهُمْ لَوْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا - لِشَيْءٍ قَدْ ذَكَرَهُ - كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ؛ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. أَرَاهُ أَرَادَ كِنَانَةَ بْنَ نُعَيْمٍ، إِلَّا أَنَّهُ كَنَاهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ
1724 -
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيدُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 658⦘
: يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ، وَالْفَتْقِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرِبَ اسْتَعَفَّ
1725 -
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَسْأَلُ فِي دَمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُوجِعٍ، أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، فَقَدْ وَجَبَ حَقُّكَ، وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَكَ. قَالَ: ثُمَّ أَتَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ
1726 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ شَرِيكٌ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حِبَالِ بْنِ أَبِي حِبَالٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ، وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ كَذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْهُ
1727 -
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ رَجُلَانِ، فَحَدَّثَ عَنْهُمَا، قَالَا: جِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ الصَّدَقَةَ، فَزَاحَمْنَا عَلَيْهِ النَّاسَ حَتَّى خَلَصْنَا إِلَيْهِ، فَسَأَلْنَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَرَفَعَ الْبَصَرَ فِينَا وَخَفَضَهُ، فَرَآنَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ:«إِنْ شِئْتُمَا فَعَلْتُ، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ»
1728 -
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»
1729 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ: عَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ فَقِيرٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ، أَوْ غَازٍ، أَوْ مُغْرَمٍ "
1730 -
قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْأَلُ مَسْأَلَةً، وَهُوَ عَنْهَا غَنِيُّ، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُدُوحًا، أَوْ خَدْشًا، أَوْ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا غِنَاهُ، أَوْ مَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ:«خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ حِسَابُهَا مِنَ الذَّهَبِ»
1731 -
قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،
1732 -
وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ،
1733 -
وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّهُم قَالَوا:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ عَدْلُهَا مِنَ الذَّهَبِ»
1734 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُعْطِهِ، فَتَغَيَّظَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِينَا فَيَسْأَلُنَا، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ مَا نُعْطِيهِ تَغَيَّظَ، وَإِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إِلْحَافًا
1735 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ
⦗ص: 661⦘
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأُوقِيَّةِ
1736 -
قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ:«إِنْ كَانَتْ لَكِ أُوقِيَّةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكِ الصَّدَقَةُ» قَالَ: وَالْأُوقِيَّةُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا ذَكَرَ مَيْمُونٌ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. فَقَالَتْ: بَعِيرِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَيْمُونٍ: أَأَعْطَاهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي
1737 -
قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، فَإِنَّهُ لَيَسْتَكْثِرُ مِنْ جَهَنَّمَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا ظَهْرُ الْغِنَى؟ قَالَ:«أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِكَ مَا يُغَدِّيهِمْ أَوْ يُعَشِّيهِمْ»
1738 -
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي كُلَيْبٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ
⦗ص: 662⦘
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً يَسْتَكْثِرُ بِهاَ اعَنْ غِنًى، فَقَدِ اسْتَكْثَرَ النَّارَ» فَقَالَ رَجُلٌ: مَا الْغِنَى؟ قَالَ: «غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَى الْأَحَادِيثَ قَدْ جَاءَتْ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ بِأَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ السِّدَادُ، أَوِ الْقِوَامُ مِنَ الْعَيْشِ، وَفِي آخَرَ أَنَّهُ مَبْلَغُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَفِي الثَّالِثِ أَنَّهُ الْأُوقِيَّةُ، وَفِي الرَّابِعِ أَنَّهُ الْغَدَاءُ أَوِ الْعَشَاءُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهَا قَوْمٌ، وَأَخَذُوا بِهَا.
1739 -
فَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ فِي السِّدَادِ وَالْقِوَامِ، فَهُوَ أَوْسَعُهَا جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا مَبْلَغَ مِنَ الزَّمَانِ يَنْتَهِي إِلَيْهِ سِدَادُهُ وَقِوَامُهُ. وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عُقْدَةٌ، تَكُونُ غَلَّتُهَا تُقِيمُهُ وَعِيَالَهُ سَنَتَهُمْ. يَقُولُ: فَإِذَا مَلَكَ تِلْكَ الْعُقْدَةَ، فَهُنَاكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا أُحِبُّ هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ.
1740 -
وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، فَإِنَّهُ أَضْيَقُهَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ مَلَكَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، لَا يَمْلِكُ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا غَيْرَهُ، فَالصَّدَقَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَعْطَاهُ رَجُلٌ زَكَاةَ مَالِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ، مَا أَجْزَتِ الْمُعْطِيَ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى غَنِيًّا، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ فِيمَا نَرَى عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ سَأَلَ مَسْأَلَةً لِيَسْتَكْثِرَ بِهَا. يَقُولُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَأْنُ هَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَنَالَ مِنْهَا قَدْرَ مَا يَكُفُّهُ
⦗ص: 663⦘
وَيَعُفُّهُ، ثُمَّ يُمْسِكَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا إِزَادَتَهُ وَطُعْمَتَهُ أَبَدًا، فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا لَا يَمْلِكُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ، أَلَا تَرَاهُ صلى الله عليه وسلم قَدِ اشْتَرَطَ الِاسْتِكْثَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ؟ وَهَذَا كَالْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ
1741 -
قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَأَلَ مِنْ غَيْرِ فَقْرٍ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الْجَمْرَ»
1742 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ مَالَهُ، فَهُوَ رَضْفٌ مِنْ جَهَنَّمَ يَتَلَقَّمُهُ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ، وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَى الْمَعْنَى إِنَّمَا دَارَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلتَّكَثُّرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالِاغْتِنَامِ لَهَا، فَإِنَّمَا هُوَ تَغْلِيظٌ عَلَى السَّائِلِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَاهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِأَكْثَرَ مِنْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ، فَإِنَّهُ مُجْزِئٌ عَنِ الْمُعْطِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَعَلَى هَذَا أَمْرُ النَّاسِ، وَفُتْيَا الْعُلَمَاءِ.
⦗ص: 664⦘
1743 -
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ فِي تَوْقِيتِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَحَدِيثُ الْأَسَدِيِّ فِي الْأُوقِيَّةِ، فَإِلَى هَذَيْنِ انْتَهَى وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَبَيْنَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَوْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ.
1744 -
فَكَانَ سُفْيَانُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا يَرَى أَنْ يُعْطَاهَا مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَصَاعِدًا.
1745 -
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِيمَا أَعْلَمُ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْأَسَدِيِّ فِي الْأُوقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَيْضًا.
1746 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَقِّتُ فِي ذَلِكَ وَقْتًا. وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ قَوْلِهِ.
1747 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْأُوقِيَّةِ هُوَ أَعْجَبُ الْحَدِيثَيْنِ إِلَيَّ، وَأَصَحُّهُمَا إِسْنَادًا، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ غَيْرَ مُسَمًّى، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ شَاهَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَافَهَهُ بِذَلِكَ. كَذَلِكَ هُوَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ، وَحَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَدِ احْتَمَلَ الْعُلَمَاءُ حَدِيثَهُ، وَمَعَ هَذَا إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا لَهُ مُصَدِّقًا مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ
1748 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ
⦗ص: 665⦘
. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَهِيَ الْأُوقِيَّةُ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ مَعَدَّلٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَلَمَّا جَاوَزَهَا فَوَّضَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ فِي الصَّدَقَةِ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ أَبْصَرُ. أَيْ: إِنْ شِئْتَ فَتَصَدَّقِ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْأُوقِيَّةِ فَقِيرًا، وَبَعْدَهَا غَنِيًّا
1749 -
وَهَذَا مُفَسَّرٌ بِحَدِيثِهِ الْآخَرِ: " إِنَّمَا الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
1750 -
وَسَمِعْتُ يَزِيدَ يُحَدِّثُهُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
⦗ص: 666⦘
1751 -
وَحَدَّثَنِيهِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ يُحَدِّثُهُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمِنَ الْأُوقِيَّةِ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا، الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَبِهَذَا الْقَوْلِ نَقُولُ، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُوقِيَّةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَضْلًا عَنْ مَسْكَنِهِ الَّذِي يُؤْوِيهِ وَيُؤْوِي عِيَالَهُ، وَفَضْلًا عَنْ لِبَاسِهِمُ الَّذِي لَا غَنَاءَ بِهِمْ عَنْهُ، وَعَنْ مَمْلُوكٍ إِنْ كَانَتْ بِهِمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ تَكْفِيهِ، قَالَ:«يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ إِنِ احْتَاجَ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَا وَرَاءَ الْكَفَافِ مِنَ الْمَسْكَنِ وَاللِّبَاسِ وَالْخَادِمِ، مِمَّا يَكُونُ قِيمَتُهُ أُوقِيَّةً، فَلَيْسَتْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَامِتٌ أَيْضًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَتْ لَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَحْوُ هَذَا الْمَعْنَى
1753 -
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنِ اقْضُوا عَنِ الْغَارِمِينَ. فَكُتِبَ إِلَيْهِ: إِنَّا نَجِدُ الرَّجُلَ لَهُ الْمَسْكَنُ، وَالْخَادِمُ، وَالْفَرَسُ، وَالْأَثَاثُ، فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنَّهُ لَابُدَّ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مِنْ مَسْكَنٍ يَسْكُنُهُ
⦗ص: 667⦘
، وَخَادِمٍ يَكْفِيهِ مِهْنَتَهُ، وَفَرَسٍ يُجَاهِدُ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْأَثَاثُ فِي بَيْتِهِ، نَعَمْ فَاقْضُوا عَنْهُ، فَإِنَّهُ غَارِمٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَفَلَا تَرَى عُمَرَ إِنَّمَا اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ مَا يَكُونُ فِيهِ الْكَفَافُ الَّذِي لَا غَنَاءَ بِهِ عَنْهُ، فَأَرْخَصَ فِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ. وَقَوْلُ الْحَسَنِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ شَبِيهٌ بِهَذَا أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ هَذَا أَبْيَنُ تَفْسِيرًا. وَقَدْ وَجَدْنَا عَلَى مُسْتَحِلِّ الصَّدَقَةِ شَرْطًا آخَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِوَى الْغَنَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ. وَهُوَ الْقَوِيُّ أَيْضًا.
1755 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمَا، وَجَعَلَ الْغِنَى وَالْقُوَّةَ عَلَى الِاكْتِسَابِ عَدْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَوِيُّ ذَا مَالٍ، فَهُمَا الْآنَ سِيَّانِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوِيُّ مَجْدُودًا عَنِ الرِّزْقِ مُحَارَفًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدٌ فِي السَّعْيِ عَلَى عِيَالِهِ حَتَّى يُعْجِزَهُ الطَّلَبُ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ، فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ حَقًّا فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]
1756 -
قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: الْمَحْرُومُ: الْمُحَارَفُ
1757 -
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كُرْكُمٍ
⦗ص: 668⦘
، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:«السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَهْمٌ»
1758 -
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا، ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ لَمْ يَشْهَدُوا الْغَنِيمَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19]
1759 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ غَيْرُ سُفْيَانَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِمَنْ هُوَ مَالِكٌ لِأَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. قَالُوا: لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَتَأَوَّلُوا بِهَذَا أَنَّ الْحَدَّ فِيمَا بَيْنَ الْغَنَاءِ وَالْفَقْرِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَسُقُوطُهَا. وَهَذَا مَذْهَبٌ وَمَقَالٌ لَوْلَا مَا يَدْخُلُ فِيهِ.
1760 -
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ الْجِسَامَ الْعِظَامَ مِنَ الْعَقَارِ، وَالرَّقِيقِ، وَالْعُرُوضِ الَّتِي يَكُونُ الْغَنَاءُ بِأَقَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ يُوَافِقُهُ آخِرُ الْحَوْلِ، وَلَيْسَ يَحْضُرُهُ صَامِتٌ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ جَعَلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ هُوَ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْغَنَاءِ وَالْفَقْرِ أَنْ يَعُدَّ هَذَا فَقِيرًا يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ، وَيُجْزِي مُعْطِيَهُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ
⦗ص: 669⦘
، وَإِنْ بَلَغَتْ أَمْوَالُهُ تِلْكَ مِئَاتِ أُلُوفٍ فِي الْقِيمَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا يُعْلَمُ أَحَدٌ يَقُولُهُ، وَلَا يُفْتِي بِهِ. وَلَكِنَّ الْحَدَّ عِنْدَنَا فِيمَا بَيْنَهُمَا مَا قَدْ كَفَتْنَاهُ السُّنَّةُ بِالتَّحْدِيدِ وَالتَّوْقِيتِ أَنَّهُ الْأُوقِيَّةُ أَوْ عَدْلُهَا
1761 -
وَأَمَّا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْطُوا مِنَ الصَّدَقَةِ مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمًا، وَلَا تُعْطُوهَا مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمَيْنِ» فَإِنِّي سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُهُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: يَعْنِي بِالْغَنَمِ مِائَةَ شَاةٍ، وَبِالْغَنَمَيْنِ مِائَتَيْ شَاةٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَأَرَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْ أَبَاحَ الصَّدَقَةَ لِمَنْ هُوَ مَالِكٌ لِمِائَةٍ مِنَ الشَّاةِ، وَهَذَا ثَمَنُ أَوَاقِيَّ كَثِيرَةٍ. وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ، فَإِنْ يَكُنْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، فَإِنَّمَا وَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ رَأَى الْإِرْخَاصَ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ عَامَ سَنَةٍ، وَالسِّنُونُ هِيَ الْأَزْمَانُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْمَجَاعَةُ وَالْجُدُوبَةُ، فَتَجْتَاحُ أَمْوَالَ النَّاسِ وَمَوَاشِيَهُمْ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا ذَاتُ نِقْيٍ وَلَا دَرٍّ، وَكَذَلِكَ تُصْطَلَمُ الثِّمَارُ وَالْحُرُوثُ. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] . فَعِنْدَ مِثْلِ هَذَا رَأَى عُمَرُ أَنْ يُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ رَبُّ الْمِائَةِ مِنَ الشَّاةِ، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا قَالَ: مَنْ أَبْقَتْ لَهُ السَّنَةُ غَنَمًا. فَاشْتَرَطَ السَّنَةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا تُغْنِي مَغْنَى عَشْرِ شِيَاهٍ فِي الْخِصْبِ؛ لِمَا أَصَابَهَا مِنَ الْجَدْبِ وَالْعَجَفِ، فَرَخَّصَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ تَرَفُّقًا بِالنَّاسِ، وَقَدْ فَعَلَ بِهِمْ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فِي عَامِ الرَّمَادَةِ أَنَّهُ أَخَّرَ عَنْهُمُ الصَّدَقَةَ عَامَئِذٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ حَتَّى أَحْيَوْا
⦗ص: 670⦘
. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ بَلَغَ مِنْ نَظَرِهِ لَهُمْ أَنَّهُ دَرَأَ الْقَطْعَ عَنِ السُّرَّاقِ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَامِ، فَقَالَ: لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ. فَهَذَا وَجْهُ رُخْصَتِهِ لِرَبِّ مِائَةِ شَاةٍ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ