الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ، وَإِخْرَاجِهَا قَبْلَ أَوَانِهَا
1885 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَتَى الْعَبَّاسَ يَسْأَلُهُ صَدَقَةَ مَالِهِ، فَقَالَ: قَدْ عَجَّلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ. فَرَفَعَهُ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«صَدَقَ عَمِّي، قَدْ تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»
⦗ص: 703⦘
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كَانَ هُشَيْمٌ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ حُدِّثْتُ بِذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا أَحْفَظُهُ مِنْهُ
1886 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثُونَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»
1887 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: أَأُخْرِجُ زَكَاةَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ضَرْبَةً؟ فَلَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا
1888 -
قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ.
1889 -
قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُمَا «كَانَا لَا يَرَيَانِ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ بَأْسًا، إِذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعًا»
1890 -
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ «لَا يَرَى بِتَعْجِيلِهَا بَأْسًا، إِذَا وَجَدَ لَهَا مَوْضِعًا»
1891 -
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ حِلِّهَا
⦗ص: 704⦘
، فَقَالَ:«قَدِّمْ، وَلَا تُؤَخِّرْ»
1892 -
وَعَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: " أُخْرِجُ زَكَاةَ مَالِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ سَنَتَيْنِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا هِيَ الْمَعْمُولُ بِهَا عِنْدَنَا، أَنَّ تَعْجِيلَهَا يَقْضِي عَنْهُ، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ مُحْسِنًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا ارْتَابَ بِهِ غَيْرَ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَكِنْ إِمْسَاكٍ عَنْهُ.
1893 -
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرَاهُ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَيُشَبِّهُهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ
1894 -
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى وَقُوفَ مَنْ وَقَفَ فِي هَذَا أَنَّهُ أَشْبَهَ الزَّكَاةَ بِالصَّلَاةِ، إِذْ كَانَتْ لَا تَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَأَشْفَقَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ. وَالَّذِي عِنْدَنَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا أَوْقَاتٌ وَحُدُودٌ مَعْلُومَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيُحَدِّثُهُ عَنْ جِبْرِيلَ عليه السلام أَنَّهُ أَمَّهُ فِيهَا، وَحَدَّهَا لَهُ، فَلَيْسَتْ تُتَعَدَّى تِلْكَ الْأَوْقَاتُ بِتَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ؟
1895 -
وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَقَّتَ لِلزَّكَاةِ يَوْمًا مِنَ الزَّمَانِ مَعْلُومًا، إِنَّمَا أَوْجَبَهَا فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ عَلَيْهِمُ اسْتِفَادَةُ الْمَالِ، فَيُفِيدُ الرَّجُلُ نِصَابَ الْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ
⦗ص: 705⦘
، وَيَمْلِكُهُ الْآخَرُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَيَكُونُ لِلثَّالِثِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُمَا، ثُمَّ شُهُورُ السَّنَةِ كُلُّهَا. وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي اسْتَفَادَهُ فِيهِ مِنْ قَبْلُ، فَاخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُهُمْ فِي مَحِلِّ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ؛ لِاخْتِلَافِ أَصْلِ الْمِلْكِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّكَاةِ يَوْمٌ مَعْلُومٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّمَا وُجُوبُهَا عَلَى النَّاسِ مَعًا فِي مِيقَاتٍ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا أَفْتَتِ الْعُلَمَاءُ بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مَحِلِّهَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، مَعَ الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ.
1896 -
وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَعَلَيْهِ النَّاسُ، إِلَّا مَا ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَهْلِ الْحِجَازِ.
1897 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ تَأْخِيرُهَا إِذَا رَأَى ذَلِكَ الْإِمَامُ فِي صَدَقَةِ الْمَوَاشِي، لِلْأَزْمَةِ تُصِيبُ النَّاسَ، فَتَجْدِبُ لَهَا بِلَادُهُمْ، فَيُؤَخِّرُهَا عَنْهُمْ إِلَى الْخِصْبِ، ثُمَّ يَقْضِيهَا مِنْهُمْ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، كَالَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ. وَقَدْ يُؤْثَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ فِيهِ حُجَّةٌ لِعُمَرَ فِي صَنِيعِهِ ذَلِكَ
1898 -
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلْمِزُ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَتَصَدَّقُوا. قَالَ: فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَذَّبَ عَنِ اثْنَيْنِ، عَنِ الْعَبَّاسِ وَخَالِدٍ، وَصَدَّقَ عَلَى ابْنِ جَمِيلٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا نَقَمَ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَإِنَّهُمْ يَظْلِمُونَ خَالِدًا، إِنَّ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -
⦗ص: 706⦘
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَعَتَادَهُ - قَالَ: وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَزِيدُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. كَذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنْهُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَصَدَقْتُهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا - يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ أَخَّرَهَا عَنْهُ، ثُمَّ جَعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ، فَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَدْ تَعَجَّلَ زَكَاتَهُ مِنْهُ، وَفِي هَذَا أَنَّهُ أَخَّرَهَا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا قَدْ كَانَا.
1899 -
وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَأَمَّا صَدَقَةُ الْعَبَّاسِ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا. فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظَ، فَهُوَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ يَزِيدَ وَهُشَيْمٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا فِي تَعْجِيلِهَا قَبْلَ حِلِّهَا، وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ، إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَحُسْنِ النَّظَرِ مِنَ الْإِمَامِ. فَهَذَا مَا فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ مِنَ الْعِلْمِ.
1900 -
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَالِدٍ أَنَّهُ قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ فِيهِ ثَلَاثَ سُنَنٍ. إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهَا تَمْثُلُ قِصَّةَ الْعَبَّاسِ فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عِنْدَ انْصِرَافِ السَّاعِي إِلَيْهِ
⦗ص: 707⦘
، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُبْعَثُ السُّعَاةُ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ قَبِلَ الْأَدْرَاعَ وَالْأَعْبُدَ عِوَضًا مِنَ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَبِيدَ وَالدُّرُوعَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَهَا مَكَانَ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي، أَوْ غَيْرِهَا، كَالَّذِي ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا هَذَا، كَأَخْذِ الْمَالِ مَكَانَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأَصْلَحَ لِلْمَأْخُوذِ لَهُ. وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ جَعَلَ صَدَقَتَهُ كُلَّهَا فِي سَبِيلٍ وَاحِدَةٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْهَا فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَحَسَّنَهُ، كَالَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ دَفْعِهِ إِيَّاهَا مَرَّةً إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَأُخْرَى إِلَى الْغَارِمِينَ، وَثَالِثَةً إِلَى الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَهَذِهِ رَابِعَةٌ فِي السَّبِيلِ، وَكَذَلِكَ الْأَصْنَافُ كُلُّهَا