الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْعُشْرِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ، وَتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّفَّاحِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ، قَالَ: صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ بَنِي تَغْلِبَ بَعْدَمَا قَطَعُوا الْفُرَاتَ، وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ، عَلَى أَنْ لَا يَصْبُغُوا صَبِيًّا، وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِمُ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا، فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ. قَالَ: فَكَانَ دَاوُدُ يَقُولُ: لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ، قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ السَّفَّاحِ، عَنِ ابْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوِ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عُرْبٌ يَأْنَفُونَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ، إِنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ وَمَوَاشٍ، وَلَهُمْ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تُعِنْ عَدُوَّكَ عَلَيْكَ بِهِمْ. قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ ضَعَّفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ، وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ
1697 -
قَالَ: قَالَ مُغِيرَةُ: فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: «لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لَيَكُونَنَّ لِي فِيهِمْ، لَأَقْتُلَنَّ مُقَاتِلَهُمْ، وَلَأَسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ، فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، بَرِئَتْ مِنْهُمُ الذِّمَّةِ حِينَ نَصَّرُوا أَوْلَادَهُمْ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَا نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إِلَّا الْجِزْيَةَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمُ الْمَوَاشِي، يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْخَرَاجُ، فَيُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الصَّدَقَةِ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَكَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَهُوَ الضِّعْفُ عَلَى صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْفَيْءِ
⦗ص: 651⦘
. وَكَانَ لِعُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ حُكْمَانِ.
1699 -
أَحَدُهُمَا: حَقْنُهُ دِمَاءَهُمْ لَمَّا أَعْطَوْهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَهُمْ عُرْبٌ، وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ أَوِ الْقَتْلَ، فَكَانَ قَبُولُهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي مَا نَرَى لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا انْتِحَالُهُمُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَالْآخَرُ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَتَأَوَّلَهُ فِيهِمْ
1700 -
يُحَدَّثُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى سَيَمْنَعُ الدِّينَ بِنَصَارَى مِنْ رَبِيعَةَ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ» - مَا تَرَكْتُ عَرَبِيًّا إِلَّا قَتَلْتُهُ أَوْ يُسْلِمَ فَلِذَلِكَ رَضِيَ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ دِمَائِهِمْ. فَهَذَا أَحَدُ حُكْمَيْهِ.
1701 -
وَأَمَّا الْآخَرُ، فَإِنَّهُ حِينَ دَرَأَ عَنْهُمُ الْقَتْلَ، وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْأَمْوَالَ، لَمْ يَجْعَلْهَا جِزْيَةً كَسَائِرِ مَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَكِنْ جَعَلَهَا صَدَقَةً مُضَاعَفَةً، وَإِنَّمَا اسْتَجَازَهَا فِيمَا نَرَى وَتَرَكَ الْجِزْيَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ نِفَارِهِمْ وَأَنَفِهِمْ مِنْهَا، فَلَمْ يَأْمَنْ شِقَاقَهُمْ وَاللِّحَاقَ بِالرُّومِ، فَيَكُونُوا ظَهِيرًا لَهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِسْقَاطِ ذَلِكَ الِاسْمِ عَنْهُمْ، مَعَ اسْتِبْقَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ، وَاسْتَوْفَاهَا مِنْهُمْ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ حِينَ ضَاعَفَهَا عَلَيْهِمْ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ رَتْقُ مَا خَافَ مِنْ فَتْقِهِمْ مَعَ الِاسْتِبْقَاءِ لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فِي
⦗ص: 652⦘
رِقَابِهِمْ. وَكَانَ مُسَدَّدًا.
1702 -
كَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى ضَرَبَ بِالْحَقِّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ.
1703 -
وَكَقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ: مَا رَأَيْتُ عُمَرَ قَطُّ إِلَّا وَكَأَنَّ مَلَكًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ يُسَدِّدُهُ
1704 -
وَمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ
1705 -
وَكَقَوْلِ عَائِشَةَ فِيهِ: كَانَ وَاللَّهِ أَحْوَزِيًّا، نَسِيجَ وَحْدِهِ، وَقَدْ أَعَدَّ لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا. فَكَانَتْ فَعْلَتُهُ هَذِهِ مِنْ تِلْكِ الْأَقْرَانِ الَّتِي أَعَدَّ، فِي كَثِيرٍ مِنْ مَحَاسِنِهِ لَا تُحْصَى.
1706 -
فَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى صَدَقَةً فَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ؛ لِمَا أَعْلَمْتُكَ، وَلَا يُوضَعُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، إِنَّمَا مَوْضِعُهَا مَوْضِعُ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَيْفَ كَانَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَجَمِ فِيهَا.
1707 -
وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَصَّ عَرَبَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ دُونَ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَرْضَ مِنْ سَائِرِهِمْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْقَتْلِ، وَعَمَّ الْعَجَمَ مِنْ ذَوِي الْكُتُبِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَهُمُ الْمَجُوسُ.
1708 -
فَقَالَ قَائِلُونَ: لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ إِلَّا وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ. وَتَأَوَّلُوا
⦗ص: 653⦘
قَوْلَهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
1709 -
وَرَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ.
1710 -
وَقَدْ عَرَفْنَا الْوَجْهَ الَّذِي رُوِيَ هَذَا مِنْهُ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ يُحْتَجُّ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ، وَالَّذِي عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَبَائِحَهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتَهُمْ، وَلَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِلْكِتَابِ، وَلَا بَيْنَ حُكْمِ اللَّهِ وَبَيْنَ حُكْمِ رَسُولِهِ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ يَحْكُمُ بِحُكْمٍ يَدُلُّ الْكِتَابُ عَلَى شَيْءٍ سِوَاهُ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ هِيَ الْمُفَسِّرَةُ لِلتَّنْزِيلِ، وَالْمُوَضِّحَةُ لِحُدُودِهِ وَشَرَائِعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الْحُدُودَ، فَقَالَ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَجَعَلَهُ حُكْمًا عَامًّا فِي الظَّاهِرِ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى، ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّيِّبَيْنِ بِالرَّجْمِ؟ وَلَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْآيَةِ الْبِكْرَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
1711 -
وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ، فَقَالَ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَكَانَتِ الْآيَةُ شَامِلَةً لِكُلِّ وَلَدٍ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، لَمْ يَكُنْ هَذَا خِلَافَ التَّنْزِيلِ، وَلَكِنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِالْمُوَارَثَةِ أَهْلَ الدِّينِ الْوَاحِدِ، دُونَ أَهْلِ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ.
1712 -
وَكَذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ الْوُضُوءَ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
⦗ص: 654⦘
، ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَرَ بِهِ، فَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا عَنَى بِغُسْلِ الْأَرْجُلِ إِذَا كَانَتِ الْأَقْدَامُ بَادِيَةً لَا خِفَافَ عَلَيْهَا. وَكَذَلِكَ شَرَائِعُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا إِنَّمَا نَزَلَتْ جُمَلًا، حَتَّى فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ.
1713 -
فَعَلَى هَذَا كَانَ أَخْذُهُ صلى الله عليه وسلم الْجِزْيَةَ مِنَ الْعَجَمِ كَافَّةً، إِنْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أَوْ لَمْ يَكُونُوا، وَتَرْكُهُ أَخْذَهَا مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَدْلَلْنَا بِفِعْلِهِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا شَرْطُ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْجِزْيَةِ، إِنَّمَا كَانَتْ خَاصَّةً لِلْعَرَبِ، وَأَنَّ الْعَجَمَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
1714 -
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِهَا مِنَ الصَّابِئِينَ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ يَشْهَدُ لَهُمُ الْقُرْآنُ بِكِتَابٍ، وَإِنَّمَا نَرَى النَّاسَ فَعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَجَازُوهُ اسْتِنَانًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ الْمَجُوسِ، وَتَشْبِيهًا بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ عَلَى كَرَاهِيَةِ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حَدِّ الْمَجُوسِ. وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ أَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، فَحَدَّثَهُ رَجُلٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّابِئِينَ:«هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ» فَقَالَ الْحَكَمُ: أَلَيْسَ قَدْ كُنْتُ أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ؟
حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ
⦗ص: 655⦘
مُجَاهِدٍ، قَالَ: الصَّابِئُونَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ
1717 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كُلُّ دِينٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ سِوَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهُمْ مَجُوسٌ يَقُولُ: أَحْكَامُهُمْ كَأَحْكَامِهِمْ.
1718 -
وَهُوَ قَوْلُ أَيْضًا مَالِكٍ.
1719 -
وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَأَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُ الصَّابِئِينَ بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِ
1720 -
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: هُمْ كَالنَّصَارَى
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الصَّابِئِينَ، أَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ هُمْ، وَطَعَامُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ حِلٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ أَنَّهُمْ كَالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُصَدِّقُهُمْ عَلَى كِتَابٍ