الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يَأْخُذُ الْعَاشِرُ مِنْ صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ
حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: بَعَثَ إِلَيَّ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتُ لَأَرَى أَنِّي لَوْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَعَضَّ عَلَى حَجَرِ كَذَا وَكَذَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي لَفَعَلْتَ، اخْتَرْتُ لَكَ عَيْنَ عَمَلِي فَكَرِهْتَهُ، إِنِّي أَكْتُبُ لَكَ سُنَّةَ عُمَرَ. قُلْتُ: اكْتُبْ لِي سُنَّةَ عُمَرَ. فَكَتَبَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ
1658 -
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الْعُشْرِ، «فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ»
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ:«أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِثْلَ مَا آخُذُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ، وَمِنْ نَصَارَى أَهْلَ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ عَامِلًا عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ
⦗ص: 641⦘
. قَالَ: فَكُنَّا نَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ الْعُشْرَ
حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَأَبُو نُوحٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، وَسَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ «يَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ مِنَ الزَّيْتِ وَالْحِنْطَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ؛ لِكَيْ يَكْثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَيَأْخُذُ مِنَ الْقِطْنِيَّةِ الْعُشْرَ»
وَحَدَّثَنِي ابْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الدِّمَشْقِيِّ، وَكَانَ عَلَى جَوَازِ مِصْرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَيْهِ: مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَاكْتُبْ لَهُمْ بِمَا تَأْخُذُ كِتَابًا إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْحَوْلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ رُزَيْقٌ، وَأَهْلُ الشَّامِ وَمِصْرَ يَقُولُونَ زُرَيْقٌ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ رُزَيْقِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، مِثْلَ ذَلِكَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ جَدِّي زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ عَلَى الْعُشُورِ، فَمَرَّ نَصْرَانِيُّ بِفَرَسٍ قَوَّمَهُ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَنَا أَلْفَيْنِ وَأَخَذْتَ الْفَرَسَ، وَإِنْ شِئْتَ أَعْطَيْنَاكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا
⦗ص: 642⦘
1666 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي الْعُشْرِ مَا فَعَلَ لِمَا أَعْلَمْتُكَ مِنْ مُصَالَحَتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ لَمْ يَكُنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ دَهْرَ أَبِي بَكْرٍ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ بِلَادُ الْعَجَمِ فِي زَمَنِ عُمَرَ؛ فَلِهَذَا كَانَ الَّذِي كَانَ
1667 -
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:«أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْعُشْرَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ»
1668 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ يَتَأَوَّلُ عَلَى عُمَرَ فِيهِ شَيْئًا غَيْرَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ: لِمَ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَقَرَّهُمْ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ
1670 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصُّلْحِ أَشْبَهُ بِعُمَرَ وَأَوْلَى، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مَالِكٌ نَفْسُهُ.
1671 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاشِرِ، فَإِنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَةً أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ
1672 -
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
⦗ص: 643⦘
1673 -
قَالُوا: فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِي، وَحَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ.
1674 -
قَالُوا: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّامِتُ، وَالْمَتَاعُ، وَالرَّقِيقُ، وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَأَمَّا إِذَا مَرَّ بِالْفَوَاكِهِ وَأَشْبَاهِهَا الَّتِي لَا تَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ.
1675 -
قَالُوا: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي السَّنَةِ، وَإِنْ مَرَّ بِهِ مِرَارًا. هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ
1676 -
وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ مِنْ هَذَا قَوْلًا مِنْ هَؤُلَاءِ. قَالَ: إِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْمَالِ عَلَى الْعَاشِرِ لِتِجَارَةٍ، أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مِائَتَيْنِ. قَالَ: وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ قَوْلَهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْعُشْرِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ إِنْ مَرَّ بِفَاكِهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ أَوْ لَا يَبْقَى، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ.
1677 -
قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ مَرَّ بِمَالِهِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا
⦗ص: 644⦘
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَهَا وُجُوهٌ.
1678 -
فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: لَا يُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالصَّدَقَةِ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عُمَرَ حِينَ سَمَّى مَا يَجِبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الَّتِي تُدَارُ لِلتِّجَارَاتِ إِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَذَا. وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي أَدْنَى مَبْلَغِ الْمَالِ وَقْتًا. قَالُوا: ثُمَّ رَأَيْنَاهُ قَدْ ضَمَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، فَلِهَذَا حَمَلَنَا وَقْتَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الزَّكَاةِ إِذْ كَانَ لِأَدْنَى الزَّكَاةِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَأَخَذْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَا، وَأَلْغَيْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ.
1679 -
وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي تَرْكِ النَّظَرِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، وَأَخْذِهِمْ مِمَّا دُونَهَا قَالُوا: إِنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَبْلَغِهَا وَإِلَى حَدِّهَا، إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَدْنَى مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ، وَعَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا؟ قَالُوا: فَكَذَلِكَ مَا مَرُّوا بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ، يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا كَانَتْ، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا.
1680 -
وَأَمَّا سُفْيَانُ فِي تَوْقِيتِهِ الْمِائَةَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهَا، وَيُتْرَكَ مِمَّا دُونَهَا، فَمَذْهَبُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْمُوَظَّفَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هُوَ الضِّعْفُ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ
⦗ص: 645⦘
مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ، جَعَلَ فَرْعَ الْمَالِ عَلَى حَسَبِ أَصْلِهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةً، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ؛ لِيُوَافِقَ الْحُكْمُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَسْقَطَ مَا دُونَ الْمِائَةِ، كَمَا عَفَا لِلْمُسْلِمِينَ عَمَّا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، فَصَارَتِ الْمِائَةُ لِلذِّمِّيِّ كَالْمِائَتَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ سَوَاءً. فَهَذَا رَأْيُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا وَقَّتَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: إِذَا مَرَّ أَحَدُهُمْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ. وَقَوْلُ سُفْيَانَ هُوَ عِنْدِي أَعْدَلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَأَشْبَهُهَا بِالَّذِي أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ إِلَى زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. فَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ إِنَّمَا هِيَ مَعْدُولَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الزَّكَاةِ. وَهُوَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ تَفْسِيرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا فِي هَذَا مُفَسِّرٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ. فَهَذَا مَا فِي تَوْقِيتِ أَدْنَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُقُوقُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ.
1683 -
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ، وَمَا كَانَ مِنَ اخْتِيَارِ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ قَبُولَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَالَّذِي كَانَ مِنْ إِنْكَارِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ ذَلِكَ، وَقَوْلِهِمْ
⦗ص: 646⦘
: إِنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ. فَإِنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَأَقُولُ: إِنْ كَانَ لَهُ شُهُودٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دَيْنِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ، فَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ فِي عُنُقِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُحْصَى أَهْلُ هَذَا الْحَقِّ، فَيُقْدَرُ عَلَى قَسْمِ مَالِ الذِّمِّيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْغَرِيمِ بِالْحِصَصِ، وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَقَدْ عُلِمَ حَقُّ الْغَرِيمِ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ أَوْلَى بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دَيْنُ هَذَا الذِّمِّيِّ إِلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ يُرِيدُ إِبْطَالَهُ بِالدَّعْوَى، وَلَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ فِي ذَلِكَ كَمَا يُؤْتَمَنَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى زَكَاتِهِمْ فِي الصَّامِتِ، إِنَّمَا هَذَا فَيْءٌ، وَحُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ الصَّدَقَةِ.
1684 -
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَمَرِّهِ عَلَى الْعَاشِرِ مِرَارًا فِي السَّنَةِ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فِيهِ إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا، إِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى مِصْرٍ آخَرَ سِوَاهُ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا عَنِ الْإِمَامَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ كَفَتْنَا النَّظَرَ فِيهِ
1685 -
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، فَأَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَامِلَكَ يَأْخُذُ مِنِّي الْعُشْرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ:«لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِنَّمَا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً» . ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ، قَدْ كَتَبْتُ لَكَ فِي حَاجَتِكَ
1686 -
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
⦗ص: 647⦘
إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنْ يَأْخُذَ الْعُشُورَ، ثُمَّ يَكْتُبَ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْمَالَ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ زَكَاةً سَنَةً وَاحِدَةً، وَيَأْخُذَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ إِنْ مَرَّ بِهِ
1687 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَلَ بَيْنَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَالُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي مَرَّ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا مِنْ رِبْحِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَزِمَهُ قَدْ قَضَاهُ، فَلَا يُقْضَى حَقٌّ وَاحِدٌ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَرَّ بِمَالٍ سِوَاهُ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ جَدَّدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِرَارًا إِذَا كَانَ قَدْ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِمَالٍ سِوَى الْمَالِ الْأَوَّلِ لَأَنَّ المَالَ الْأَوَّلَ لَا يُجْزِي عَنِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِمَالٍ لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ إِنْ مَرَّ بِمَالٍ آخَرَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ مَالِهِ هَذَا أَيْضًا؟ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْأُولَى لَا تَكُونُ قَاضِيَةً عَنِ الْمَالِ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ.
1688 -
فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ، فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِذَا انْصَرَفَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ بِمَالِهِ ذَلِكَ، أَوْ بِمَالٍ سِوَاهُ، أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ كُلَّمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا عَادَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْتَأْنِفًا لِلْحُكْمِ، كَالَّذِي لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
⦗ص: 648⦘
1689 -
وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدَّعِي مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، أَوْ قَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ: إِذَا مَرَّ بِجَوَارٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرُ قِيمَتِهِنَّ.
1690 -
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَإِنِ ارْتَابَ الْعَاشِرُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُسْلِمُ أَوِ الذِّمِّيُّ أَوِ الْحَرْبِيُّ، فَأَرَادَ إِحْلَافَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ سُفْيَانَ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُسْتَحْلَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ فِي زَكَاتِهِمْ.
1691 -
وَقَالَ غَيْرُ سُفْيَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يُسْتَحْلَفُونَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ، كُلُّ شَيْءٍ صُدِّقَ فِيهِ هَؤُلَاءِ صُدِّقَ فِيهِ الْآخَرُونَ.
1692 -
وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَقْبَلُ لِلذِّمِّيِّ قَوْلًا وَلَا يَمِينًا، وَكَيْفَ تُقْبَلُ يَمِينُهُ وَهُوَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؟ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْإِحْلَافِ قَدِيمًا
1693 -
فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، وَهُوَ عَلَى السِّلْسِلَةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ بِسَفِينَتِي فَحُبِسَتْ، ثُمَّ اسْتَحْلَفَنِي أَنَّهُ مَا فِي سَفِينَتِي إِلَّا مَا سَمَّيْتُ مِنَ الطَّعَامِ
1694 -
قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ السَّرَّاجِ، قَالَ
⦗ص: 649⦘
: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ، قَالَ: مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ بِالسِّلْسِلَةِ، وَهُوَ عَلَى الْعُشُورِ بِالْقَنْطَرَةِ، وَهُوَ يُحَلِّفُ النَّاسَ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ مَعْقِلٍ، لِمَ تُحَلِّفُ النَّاسَ؟ تُلْقِيهِمْ فِي النَّارِ، هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. فَقَالَ:«إِنِّي إِنْ لَمْ أَفْعَلْ لَمْ يُعْطُونِي شَيْئًا» . فَقُلْتُ: وَمَا عَلَيْكَ؟ خُذْ مَا أَعْطَوْكَ