الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَامِسَة: النّسخ إِلَى مَا هُوَ أثقل، مثل: الْكَفّ عَن قتال الْكفَّار أَولا، ثمَّ نسخ ذَلِك بأثقل مِنْهُ، وَهُوَ: وجوب قِتَالهمْ.
السَّادِسَة: النّسخ إِلَى مَا هُوَ أخف، مثل: أمره تَعَالَى إِبْرَاهِيم بِذبح وَلَده، ثمَّ نسخ بِالْفِدَاءِ.
وَكَذَا تَكْلِيف مُسلم وَاحِد بِعشْرَة بِآيَة الْمِائَة للمائتين وَالله أعلم.
[مسَائِل النّسخ بَين الْكتاب وَالسّنة]
قَالَ: (وَيجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب، وَنسخ السّنة بِالْكتاب وَالسّنة، وَنسخ الْمُتَوَاتر بالمتواتر وَنسخ الْآحَاد بالآحاد والمتواتر، وَلَا يجوز نسخ الْكتاب بِالسنةِ،
والمتواتر بالآحاد، لِأَن الشَّيْء ينْسَخ بِمثلِهِ أَو بِمَا هُوَ أقوى مِنْهُ) .
أَقُول: لما بَين النّسخ لُغَة وَاصْطِلَاحا شرع فِي تقسيمه، فَقَالَ:
يجوز نسخ الْكتاب بِالْكتاب، وَلَا شكّ فِي ذَلِك، وَلَا خلاف بَينهم فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَا سبق فِي عدَّة الْوَفَاة؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أوجب عَلَيْهَا سنة، ثمَّ خففها إِلَى أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة وَلم يُخَالف فِي ذَلِك إِلَّا الْيَهُود وَقَالُوا: يَسْتَحِيل أَن يكون آمرا ناهيا فِي حكم وَاحِد.
قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِك بمستحيل عقلا، وَلَا نقلا، لِأَنَّهُ لَهُ الْفِعْل الْمُطلق يحكم كَيفَ يَشَاء لَا يسْأَل عَمَّا يفعل، وَقد قَالَ تَعَالَى:{مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا} [الْبَقَرَة الْآيَة: 106] .
وَلَا شكّ: أَن آدم عليه السلام زوج الْأَوْلَاد بالأخوات، ثمَّ نسخ ذَلِك.
وَأما نسخ الْكتاب بِالسنةِ فَذهب الشَّيْخ رحمه الله إِلَى أَنَّهَا لَا تنسخ؛ إِذْ
الْقوي لَا ينْسَخ بأضعف مِنْهُ.
وَذهب الْأَكْثَرُونَ إِلَى جَوَازه كَجلْد الزَّانِي بِالْكتاب فنسخ بِالرَّجمِ للمحصن؛ لِأَنَّهُ عليه السلام رجم ماعزاً وَغَيره، ورجمت الصَّحَابَة بعده؛ لِئَلَّا [يُقَال] : كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ عليه السلام.
وَأما نسخ السّنة بِالْكتاب - وَهَذَا أَيْضا - لَا شكّ فِيهِ، لِأَنَّهُ لما كَانَت السّنة تنسخ
بِمِثْلِهَا فبالكتاب أولى؛ مِثَال ذَلِك: نسخ التَّوَجُّه إِلَى الْكَعْبَة عَن بَيت الْمُقَدّس؛ فَإِنَّهُ عليه السلام صلى إِلَيْهِ نَحوا من سَبْعَة عشر شهرا، فَأمره الله - تَعَالَى - بالتوجه شطر الْمَسْجِد الْحَرَام.
وَأما نسخ السّنة بِالسنةِ فَجَائِز - أَيْضا - وَذَلِكَ مثل: نَهْيه عليه السلام عَن زِيَارَة الْقُبُور، ثمَّ أَمرهم - بعد ذَلِك - بالزيارة، وَقَالَ:(إِنَّهَا تذكركم الْآخِرَة) .
وَأما نسخ الْآحَاد بالآحاد فَجَائِز - أَيْضا -؛ لِأَنَّهُ نسخ بِمثلِهِ.
وَإِذا نسخ الْآحَاد بِمثلِهِ فبالتواتر أولى.
وَإِنَّمَا لم نتكلم فِي الْمُتَوَاتر والآحاد، لِأَن الْكَلَام يَأْتِي فِي بابهما - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
وَقَوله: " لَا يجوز نسخ الْكتاب بِالسنةِ " فِيهِ نظر؛ لِأَن السّنة إِذا تَوَاتَرَتْ كَانَت قَطْعِيَّة مثل الْكتاب، فَحِينَئِذٍ جَازَت أَن تكون ناسخة للْكتاب كَمَا - سبق - فِي رجم الْمُحصن.
وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة} [الْبَقَرَة الْآيَة: 180] فنسختها السّنة وَجعلت الْوَصِيَّة سنة، لَا فرضا: إِن شَاءَ أوصى من مَاله وَإِن شَاءَ ترك؛ إِذا لَا حرج.
وَالْمرَاد بِالسنةِ الناسخة للْكتاب: السّنة المتواترة.
بِخِلَاف آحَاد السّنة؛ إِذْ لم تكن ناسخة؛ لِأَن الْكتاب قَطْعِيّ، وَكَذَا السّنة المتواترة، فَلَا ينسخان بآحاد السّنة؛ لِأَنَّهُ مظنون، والظني لَا يكون نَاسِخا للقطعي وَالله أعلم.