الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوله: " وَالْعلَّة هِيَ: الجالبة للْحكم " زِيَادَة إِيضَاح لاتباع الحكم الْعلَّة فِي الْوُجُود والعدم، لِأَنَّهَا إِذا وجدت: وجد فَكَانَت جالبة لَهُ، وَهُوَ مجلوب لَهَا. وَالله أعلم.
[الأَصْل فِي الْأَشْيَاء]
قَالَ: (وَأما الْحَظْر وَالْإِبَاحَة: فَمن النَّاس من يَقُول: إِن أصل الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة، فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة: يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَظْر، وَمن النَّاس من يَقُول: بضد ذَلِك وَهُوَ: أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع، [وَمِنْهُم من قَالَ بالتوقف] وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ) .
أَقُول: لما فرغ من بَيَان الْقيَاس: شرع فِي بَيَان الْبَيَان الْحَظْر وَالْإِبَاحَة، وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع عشر، وَكَانَا بَابَيْنِ فِي الأَصْل كالناسخ والمنسوخ، وَإِنَّمَا جمع بَينهمَا هُنَاكَ وَهنا؛ لِأَن الْكَلَام مُتَعَلق بهما - مَعًا - ومتردد بَينهمَا؛ لِأَن الْعلمَاء قد اخْتلفُوا فِي أصل الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرْع بحله، أَو حرمته، هَل تحمل على الْإِبَاحَة، أَو الْحَرَام أَو التَّوَقُّف؟
فَذهب أَبُو حنيفَة وَأَبُو الْعَبَّاس، وَأَبُو إِسْحَاق من الشَّافِعِيَّة، ومعتزلة الْبَصْرَة إِلَى الْإِبَاحَة؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى خلق الْأَشْيَاء لأجلنا، ولأغراضنا، وَمَا كَانَ لنا فَهُوَ مُبَاح؛ لِأَنَّهُ لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مفْسدَة، وَلَا ضَرَر على مَالِكه، وَهُوَ الله - تَعَالَى -؛ قِيَاسا على الشَّاهِد، وَهُوَ الِانْتِفَاع بالاستظلال بجدار الْغَيْر، والاقتباس من ناره؛ إِذْ لَا ضَرَر على مَالِكهَا. فَكَذَا هُنَا.
وَذهب ابْن أبي هُرَيْرَة من الشَّافِعِيَّة، وَبَعض الشِّيعَة ومعتزلة
بَغْدَاد إِلَى الْحُرْمَة، لِأَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه قَبِيح؛ لِأَن الْأَشْيَاء - كلهَا - ملك الْبَارِي - تَعَالَى - فَلَا يجوز لأحد أَن يتَنَاوَل شَيْئا حَتَّى يرد الشَّرْع بِهِ كَمَا هُوَ فِي الشَّاهِد فِي حق الْمَخْلُوق.
وَذهب أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو بكر الصَّيْرَفِي إِلَى التَّوَقُّف من غير تَحْرِيم، وَلَا إِبَاحَة قبل وُرُود الشَّرْع.