المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانىموقعة الزلاقة - دولة الإسلام في الأندلس - جـ ٢

[محمد عبد الله عنان]

فهرس الكتاب

- ‌العصر الثانيدُوَل الطَّوَائِف مُنْذ قيامِهَا حَتّى الفتحْ المرابِطي

- ‌مقدمةالطبعة الأولى

- ‌تصدير

- ‌تمهيدنذر الانحلال والتفكك

- ‌الكِتابُ الأوّلقرطبة ودول الطوائفْ في الأندلس الغربية والوسطى

- ‌الفصل الأوّلدولة بني جهور في قرطبة

- ‌الفصل الثانيبنو عباد ومملكة إشبيلية

- ‌الفصل الثالِثبنو عباد ومملكة إشبيلية

- ‌الفصل الرّابعبنو الأفطس ومملكة بطليوس

- ‌الفصل الخامِسُمملكة بني ذى النون في طليطلة

- ‌الكِتابُ الثانيالدّول البربريَّة في جنوبيِّ الأندلس

- ‌الفصل الأوّلدولة بني مناد البربرية في غرناطة ومالقة

- ‌الفصْل الثاني الإمارات البربرية الأخرى

- ‌الكتابُ الثالِثدول الفتيان الصقالبة وخلفائهم في شرقيّ الأندلس

- ‌الفصْل الأوّل مملكة ألمرية

- ‌الفصل الثانِيمملكة مرسية

- ‌الفصل الثالِثمملكة دانية والجزائر

- ‌الكتاب الرابعدول الطوائف في منطقة بلنسية

- ‌الفصْل الأوّل مملكة بلنسية

- ‌الفصل الثانِيمملكة بلنسية

- ‌الفصل الثالِثإمارة شنتمرية الشرق

- ‌الفصل الرابعإمارة ألبونت

- ‌الكتاب الخامِسدول الطوائف في الثغر الأعلى

- ‌الفصْل الأوّلمملكة سرقسطة

- ‌الفصل الثانيمملكة سرقسطة

- ‌الكتِاب السادسموقعة الزلاّقة والفتح المرابطيّ

- ‌الفصْل الأوّلنشأة المرابطين

- ‌الفصل الثانِىموقعة الزلاّقة

- ‌الفصل الثالِثالفتح المرابطي

- ‌الفصل الرّابعالفتح المرابطي

- ‌الكِتابُ السابعالممالك الإسبانية النصرانيّة خلال القرن الحادي عشر الميلاديّ

- ‌الفصل الأوّلالمملكة الإسبانية الكبرى

- ‌الفصل الثانِيإسبانيا النصرانية عقب وفاة فرناندو الأول

- ‌الفصل الثالِثالنصارى المعاهدون

- ‌ثبت المراجع

الفصل: ‌الفصل الثانىموقعة الزلاقة

‌الفصل الثانِى

موقعة الزلاّقة

مسير يوسف بن تاشفين وجيشه إلى إشبيلية. المعتمد بن عباد يقدم الضيافات والمؤن. لقاء الملكين. زيارة يوسف لإشبيلية. كتبه إلى ملوك الطوائف للمشاركة في الجهاد. مقدم أميرى غرناطة ومالقة ومعز الدولة بن صمادح في قواتهم. مسير الجيوش المرابطية والأندلسية إلى بطليوس. مسيرها إلى سهل الزلاقة. ألفونسو السادس ومبادرته إلى التأهب للقاء المرابطين. استعانته بسائر ملوك النصارى. مسيره إلى الجنوب للقاء المسلمين. مواقع الفريقين. عدد قوات المسلمين والنصارى. الجيش الإسلامي وأقسامه. كتاب يوسف إلى ألفونسو. رد ألفونسو ورد يوسف عليه. بداية المعركة. عنف هجوم النصارى. ثبات المعتمد بن عباد وجند إشبيلية. مهاجمة ألفونسو للمرابطين. اندفاع المرابطين لإنجاد إخوانهم. تغير وجه المعركة. مهاجمة النصارى لمعسكر المرابطين. تطويق قوات لمتونة وصنهاجة للنصارى. المعركة الهائلة. تمزق صفوف القشتاليين. اشتداد هجوم المرابطين من الناحيتين. كثرة القتل بين النصارى. نزول حرس يوسف الأسود إلى المعركة. جرح ألفونسو وفراره. تقدير خسائر الفريقين. مسير ألفونسو في فلوله إلى طليطلة. مبالغة الرواية الإسلامية في تقدير خسائر النصارى. ذيوع أنباء النصر في الأندلس والمغرب. رسالة يوسف عن الفتح. لقب أمير المسلمين وهل اتخذه يوسف عقب الزلاقة. إحجام يوسف عن مطاردة النصارى وبواعثه. عود الجيوش الأندلسية إلى قواعدها. الثناء على المعتمد بن عباد وثباته. تنويه أمير المسلمين ببطولته. يوسف يتلقى نبأ وفاة ولده. إسراعه بالعود إلى المغرب. ما يقال في بواعث هذه الحركة. نصر الزلاقة وطابعه. المعنى الصليبي الذي ينطوي على لقاء المسلمين والنصارى. دعوة ألفونسو عقب هزيمته إلى إنشاء جبهة نصرانية. شعور المؤرخين المسلمين بخطورة الموقعة وصبغتها الصليبية. ما قيل حولها من الأساطير. أثر الزلاقة ونتائجها الحاسمة. انتعاش قوى الأندلس. تحرر ملوك الطوائف من نير قشتالة. ارتداد سيل الجيوش النصرانية عن الأندلس. الإسلام يغنم في اسبانيا حياة جديدة.

نزل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ثغر الجزيرة الخضراء، في يوم الخميس منتصف ربيع الأول سنة 479 هـ (30 يونيه 1086 م)، وجيوشه الجرارة تحيط بها من كل صوب. وما كاد يطأ بقدميه أرض الأندلس، حتى سجد لله شكراً، ثم أخذ في تحصين الجزيرة، وإصلاح أسوارها وأبراجها، ورتب لها حامية خاصة من جنده، ثم سار في قواته صوب إشبيلية.

وبعث المعتمد بن عباد ولده عبد الله لاستقبال يوسف بالجزيرة، ورتب تقديم المؤن والأطعمة والضيافات للجيش المرابطي، على طول الطريق إلى

ص: 320

إشبيلية، واستعد لذلك استعداداً عظيماً سر به يوسف. ولما اقترب يوسف من إشبيلية خرج المعتمد إلى لقائه في وجوه أصحابه وفرسانه، وتعانق الملكان، وأبدى كل منهما لأخيه منتهى المودة والإخلاص، وتضرعا إلى الله أن يجعل جهادهما خالصاً لوجهه، وقدم ابن عباد إلى أمير المسلمين جليل الهدايا والتحف، وقدم المؤن والضيافات الكافية لسائر الجيش القادم، وقرت عينه بما رآه من ضخامته وروعة استعداده، وأيقن ببلوغ النصر المنشود. وفي اليوم التالي سار أمير المسلمين إلى إشبيلية، تلاحقه قواته، وأقام هناك ثلاثة أيام. وكان يوسف قد كتب في أثناء ذلك إلى سائر ملوك الطوائف، يدعوهم إلى اللحاق به، والمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وكان أول من لبى دعوته منهم عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة وأخوه تميم صاحب مالقة، واعتذر المعتصم بن صمادح صاحب ألمرية بضعفه وكبر سنه، وتوجسه من عدوان النصارى في حصن لييط (أليدو)، وبعث ابنه معز الدولة في فرقة من جنده. ثم سار أمير المسلمين في جيوشه الجرارة، ومعه ابن عباد في قوات إشبيلية، وقرطبة، وقصدوا إلى بطليوس، فلقيهم أميرها عمر المتوكل على مقربة منها، وقدم إليهم المؤن والضيافات الواسعة، وأنفق أمير المسلمين أياماً في بطليوس ينتظر وفود الرؤساء من سائر أقطار الأندلس، بعد أن علم وتأكد لديه أن كل واحد منهم مشغول بمدافعة النصارى (1). ولم يلحق به منهم سوى عبد الله وأخيه تميم ومعز الدولة. وانتظمت القوات الأندلسية إلى وحدة قائمة بذاتها يتولى قيادتها ابن عباد، واحتلت المقدمة، واحتلت الجيوش المرابطية المؤخرة، وانتهت الجيوش الإسلامية المتحدة في سيرها إلى سهل يقع شمالي بطليوس على مقربة من حدود البرتغال الحالية، ويمتد مصعداً نحو قورية، وتسميه الرواية العربية بالزلاقة (2).

وكانت أنباء عبور المرابطين إلى شبه الجزيرة، قد وصلت إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة، وهو محاصر لسرقسطة، وذلك في أواخر يوليه أو أوائل أغسطس 1086 م (جمادى الأولى سنة 479)، فترك الحصار على عجل،

(1) راجع رسالة يوسف إلى المعز بن باديس السابقة الذكر.

(2)

راجع الحلل الموشية ص 33 و 34، والروض المعطار ص 87 - 90، وسهل الزلاقة يعرف بالإسبانية Sagrajas، وهو يقع على قيد ثلاثة مراحل من شمال بطليوس إلى يسار نهر جريرو، أحد أفرع وادي يانة.

ص: 321

وتنفس مخنق المستعين بن هود صاحب سرقسطة، وبعث ألفونسو إلى سانشو راميرز ملك أراجون يستدعيه لإنجاده، وكان يومئذ قائماً بحصار طرطوشة، وبعث كذلك إلى أمراء ما وراء البرنيه، وحشد كل ما استطاع حشده من قوات جليقية وأشتوريش وبسكونية (نافار)، واستدعى قائده ألبار هانيس بقواته من بلنسية، وتقاطر إليه سيل من الفرسان المتطوعة من جنوبي فرنسا وإيطاليا.

واعتزم ألفونسو أن يلقي الأعداء في أرضهم حتى لا تخرب بلاده إذا وقعت به الهزيمة، وسار على رأس القوات النصرانية المتحدة إلى الجنوب للقاء المسلمين، وهو واثق من تفوق قواته في العدد والعدة، والكفاية الفنية، ولم تصله أنباء دقيقة عن حالة الجيش الإسلامي (1).

واستقرت الجيوش النصرانية، في مكان يبعد نحو ثلاثة أميال عن المعسكر الإسلامي، يفصل بينها وبين المسلمين فرع وادي يانة الممتد شمالا في اتجاه نهر " التاجُه " والذي يسمى اليوم " جريرو ". وجعل ألفونسو على مقدمة جيشه، قائده ألبار هانيس، وكانت تتألف في معظمها من جنود أراجون، والمتطوعة. وقد اختلفت الرواية في تقدير قوات المسلمين والنصارى. وتقدر بعض الروايات العربية جيش النصارى بثمانين ألف مقاتل، ويقدرها البعض الآخر بخمسين ألفاً أو أربعين ألفاً. وأما الجيش الإسلامي، فيقدره البعض بثمانية وأربعين ألفاً، والبعض الآخر بعشرين ألفاً، على أنه يبدو من الروايات المختلفة أن النصارى كانوا يفوقون المسلمين في العدد (2). وكان الجيش الإسلامي، ينقسم حسبما قدمنا إلى وحدتين كبيرتين: قوات الأندلس، وتحتل المقدمة ويقودها المعتمد بن عباد، ويقود منها المتوكل بن الأفطس قوات الميمنة، ويشغل أهل شرقي الأندلس الميسرة، وأما القوات المرابطية، فكانت تحتل المؤخرة، وتنقسم إلى قسمين، يضم الأول فرسان البربر من سائر القبائل، ويتولى قيادته داود بن عائشة أبرع قواد البربر، ويتولى يوسف قيادة الجيش الإحتياطي المؤلف من نخبة أنجاده المرابطين من لمتونة وصنهاجة وغيرهما من القبائل البربرية.

ولبث الجيشان الخصيمان، كل منهما تجاه الآخر لا يفصلهما سوى النهر،

(1) R.M.Pidal: La Espana del Cid، p. 331 & 332

(2)

راجع الحلل الموشية ص 38، وابن الأثير ج 10 ص 52، ونفح الطيب ج 2 ص 528، والمعجب للمراكشي ص 71.

ص: 322

مدى أيام ثلاثة، والرسل تتجاوب بينهما. وكتب يوسف قبيل المعركة إلى ملك قشتالة، عملا بأحكام السنة كتاباً يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام، أو الجزية أو الحرب (1)، ومما جاء فيه:" بلغنا يا أدفونش، أنك دعوت إلى الاجتماع بنا، وتمنيت أن تكون لك سفن تعبر فيها البحر إلينا، فقد عبرنا إليك، وقد جمع الله في هذه الساحة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ".

فاستشاط ألفونسو لذلك الخطاب غضباً، ورد على أمير المسلمين بكتاب غليظ يفيض بالوعيد، فاكتفى يوسف بأن رد إليه كتابه ممهورا بتلك العبارة، " الذي يكون ستراه "(2).

وحاول ألفونسو خديعة المسلمين في تحديد يوم الموقعة، فكتب إلى المعتمد ابن عباد، يوم الخميس، يقول له إن غدا يوم الجمعة، وهو عيدكم، وبعده السبت يوم اليهود، وهم كثير في محلتنا، وبعده الأحد وهو عيدنا، فيكون اللقاء بيننا يوم الاثنين، فأدرك ابن عباد ويوسف خديعته، وجاءت طلائع المعتمد في الليل تنبىء أن معسكر النصارى في حركة وضوضاء وجلبة أسلحة، مما يدل على استعداد القوم لبدء القتال. ومن ثم فقد لبث المسلمون على أهبتهم حذرين متحفزين (3).

وقد حدث في الواقع ما توقعه المسلمون، فإنه ما كاد يتنفس صبح اليوم التالي، وهو يوم الجمعة 12 رجب سنة 479 هـ (23 أكتوبر سنة 1086 م)(4)،

(1) راجع رسالة يوسف إلى المعز بن باديس السابقة الذكر.

(2)

الحلل الموشية ص 35 و 38، ونفح الطيب ج 2 ص 527، وابن الأثير ج 10 ص 52

(3)

الحلل الموشية ص 39، والروض المعطار ص 92. وهذا ما يقرره يوسف نفسه في خطابه عن الموقعة إلى المغرب (راجع روض القرطاس ص 97).

(4)

تختلف الرواية الإسلامية في تحديد تاريخ المعركة، فيقول ابن خلكان (نقلا عن البياسي) إنها كانت يوم الجمعة 15 رجب سنة 479 هـ (ج 2 ص 484) ويتفق ابن الأثير معه في السنة، ولكنه يقول إنها كانت في أوائل رمضان (ج 10 ص 53). ويقول المراكشي إنها كانت في رمضان سنة 480 هـ (ص 72). ولكن ورد في روض القرطاس (ص 96)، وفي الحلل الموشية (ص 40 و 41) أنها كانت يوم الجمعة 12 رجب سنة 479 هـ. وهذا هو التاريخ الصحيح، وهو الذي يذكره يوسف بن تاشفين في خطابه بالفتح إلى عدوة المغرب، حيث يقول في ختامه " وكانت هذه النعمة العظيمة والمنة الجسيمة يوم الجمعة الثاني عشر لرجب سنة تسع وسبعين وربعمائة =

ص: 323

حتى زحف النصارى وابتدأ القتال، واشتبك الجيشان في معركة عامة، فهجمت مقدمة القشتاليين والأرجونيين التي يقودها ألبارهانيس، على مقدمة المسلمين المؤلفة من القوات الأندلسية، والتي يقودها ابن عباد. وكان هجوماً عنيفاً ردها عن مواقعها، واختل نظامها فارتد معظمها نحو بطليوس. ولم يثبت في وجه المهاجمين سوى المعتمد وفرسان إشبيلية، فقاتلوا النصارى بشدة، وأثخن أميرهم الباسل جراحاً، وتفرق معظمهم من حوله، وكثر القتل في جند الأندلس، وكادت تدور عليهم الدائرة، دون أن يتقدم لإنجادهم أحد. وفي الوقت نفسه كان ألفونسو قد هاجم مقدمة المرابطين، التي يقودها داود بن عائشة، وردها أيضاً عن مواقعها. ففي تلك الآونة العصيبة، دفع يوسف بقوات البربر التي يقودها أبرع قواده، وهو سير بن أبي بكر اللمتوني لإنجاد الأندلسيين والمرابطين معاً، ونفذ بقواته إلى قلب النصارى بشدة، وسرعان ما تغير وجه المعركة، واسترد الأندلسيون والمرابطون ثباتهم، وعاد الفارون إلى صفوفهم. واضطرمت المعركة في هذا الجناح رائعة، ترجح بها كفة المسلمين، وكان ألفونسو، في ذلك الوقت قد تقدم في هجومه، حتى صار أمام خيام المرابطين، واقتحم الخندق الذي يحميها، ولكن حدث في نفس الوقت، أن لجأ يوسف إلى خطة مبتكرة، إذ تقدم في قواته الاحتياطية من لمتونة وصنهاجة، وتجاوز النصارى المهاجمين، وقصد إلى المعسكر النصراني ذاته، وهاجمه بشدة، وكانت تحرسه قوة ضعيفة، ففتك بها، ووثب إلى مؤخرة القشتاليين، وأثخن فيهم من الوراء، وطبوله تضرب حول جيشه فيشق دويها الفضاء، ثم أضرم النار في محلة القشتاليين، فارتفعت ألسنتها في الهواء، فلما علم ألفونسو بما حل بمعسكره، ارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك، فاصطدم بمؤخرة المرابطين، ووقعت بين قوات العاهلين معركة هائلة، مزقت فيها صفوف القشتاليين ولم يستطع الملك النصراني أن يصل إلى محلته إلا بعد خسائر فادحة، وهنالك استؤنفت المعركة، ويوسف فوق فرسه يصول ويجول، ويحث جنده على

= موافق الثالث والعشرين لشهر أكتوبر العجمي (روض القرطاس ص 98). وهذا التاريخ نفسه أعني 23 أكتوبر سنة 1086، هو الذي تضعه الرواية النصراية للموقعة. والظاهر أن أصحاب التواريخ المخالفة لم يطلعوا على كتاب يوسف بالفتح.

وراجع أيضاً: Dozy: Histoire، V.III.p. 129 & notes

ص: 324

الثبات، ويرغبهم في الاستشهاد، ودوي الطبول من حوله يصم الآذان. وينوه الأستاذ بيدال بتأثير وقع الطبول وضجيجها في اضطراب القشتاليين، ويقول إنه لم يسبق من قبل أن عرفت الجيوش الإسبانية، مثل هذا الضجيج الذي تهتز له الأرض، ومن جهة أخرى، فقد عمد المرابطون إلى القتال في صفوف متراصة متناسقة ثابتة، وهي أيضاً خطة جديدة لهم في القتال، ولم يكن للفرسان النصارى عهد بمثلها، إذ كانوا معتادين على القتال الفردي. ومن ثم فقد ألفوا أنفسهم بالرغم من تفوقهم في السلاح، عاجزين عن مناهضة هذه الصفوف المتراصة التي تفوقهم بكثافتها وعديدها (1).

واشتد هجوم المرابطين في نفس الوقت بقيادة سير بن أبي بكر على مقدمة القشتاليين التي يقودها ألبارهانيس، واستردت جيوش الأندلس كل إقدامها وشجاعتها، وكثر القتل من الجانبين في صفوف القشتاليين. وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف بحرسه الأسود، وقوامه أربعة آلاف مقاتل إلى قلب المعمعة، واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة، وأن يطعنه بخنجره في فخذه طعنة نافذة. وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب، وأدرك ألفونسو وقادته وفرسانه أنهم يواجهون الموت، إذا استمروا في موقفهم، وعندئذ بادر ألفونسو في فل من صحبه وأشرافه إلى التراجع، والاعتصام بتل قريب حتى دخل الليل، فسار وصحبه تحت جنح الظلام، وتقدر الرواية من أفلت مع ملك قشتالة بنحو أربعمائة أو خمسمائة فارس، معظمهم جرحى. وكانت صفوف النصارى قد مزقت عندئذ في كل ناحية شر تمزيق، وتعالت أكوام الأشلاء والجرحى، وطورد الفارون في كل مكان، وهلك كثيرون منهم أثناء المطاردة، ولم ينقذ البقية الباقية من النصارى سوى دخول الظلام، وأمر يوسف بوقف المطاردة.

وأمضى المسلمون الليل في ميدان الحرب، يرقبون حركات النصارى، وفي صباح اليوم التالي أخذت فرسانهم في مطاردة المتخلفين، وعمدت قوة أخرى إلى جمع الأسلاب وكانت عظيمة وافرة. ويشير يوسف في رسالته بالفتح إلى المعز بن باديس، إلى وفرة الغنائم من الخيل والبغال والحمير والثياب والأوبار

(1) راجع روض القرطاس ص 95، والحلل الموشية ص 42، وراجع أيضاً: R.M.Pidal: ibid ; p. 335 & 339

ص: 325

ويقول لنا إن الفارس الواحد كان يربط معه خمسة أفراس أو أزيد.

وتقول الرواية الإسلامية، إنه لم ينج من الجيش النصراني سوى خمسمائة فارس أو أقل، هم الذين فروا مع ملك قشتالة. وتابع ملك قشتالة فراره مع فلوله ولم يتوقف إلا عند قورية، على بعد عشرين مرحلة من ميدان الموقعة.

وتضيف الرواية إلى ذلك أن معظم أولئك الفرسان الفارين كانوا مثخنين بالجراح، فمات معظمهم في الطريق، ولم يصل منهم إلى طليطلة مع مليكهم سوى مائة (1).

وهذا هو نفس ما يقرره يوسف في خطاب الفتح الرسمي الذي بعث به إلى المغرب حيث يقول: " وتسلل ألفنش تحت الظلام فاراً لا يهدى ولا ينام، ومات من الخمسمائة فارس الذين كانوا معه بالطريق أربعمائة فلم يدخل طليطلة إلا في مائة فارس "(2). بيد أنه في رسالته التي بعث بها إلى المعز بن باديس، والتي يصف لنا فيها معركة الزلاقة تفصيلا ولاسيما الدور الذي قام به مع جنده، يقول لنا، إنه علم أن الذي انقطع به ألفونسو من عسكره يبلغون نحو ألفي رجل، قد أثخن معظمها جراحة، وأنهم انتظروا حتى دخول الليل، ثم لجأوا إلى الفرار. ثم تقول الرواية الإسلامية أيضاً إن المسلمين لم يخسروا في المعركة سوى نحو ثلاثة آلاف (3)، ويقول لنا يوسف في رسالته إنه قُتل من أكابره نحو العشرين، هذا في حين أن النصارى قد هلك معظمهم. وتذهب في تقدير خسائر النصارى إلى حد قولها إنهم بلغوا نحو ثلاثمائة ألف (4). بيد أن هناك أقوالا أكثر اعتدالا، فيروى مثلا أن أمير المسلمين أمر بقطع رؤوس القتلى من النصارى فقطعت وجمعت، فاجتمع منها تل عظيم، أذن من فوقه للصلاة، واجتمع منها بين يدي المعتمد بن عباد أربعة وعشرين ألفاً، وأن رؤوس القتلى التي وزعت على قواعد الأندلس بلغت أربعين ألفاً، وأنه أرسل إلى المغرب أربعين ألفاً أخرى، لتوزع على قواعده. ويقول لنا صاحب روض القرطاس إن الروم (القشتاليين) وكانوا ثمانين ألف فارس، ومائتي ألف راجل، فقتلوا أجمعين ولم ينج منهم إلا ألفنش في مائة فارس، ومن الغريب أن هذه الأرقام نفسها هي التي وردت

(1) روض القرطاس ص 96.

(2)

روض القرطاس ص 98.

(3)

روض القرطاس ص 96.

(4)

الحلل الموشية ص 43.

ص: 326

خريطة: موقعة الزلاّقة.

ص: 327

في خطاب الفتح الرسمي الذي بعث به يوسف إلى المغرب (1). وهذه كلها أقوال تحمل طابع المبالغة بلا ريب، وإن كانت الرواية النصرانية تجمع على أن الموقعة كانت هائلة، وأن خسائر النصارى كانت فيها ذريعة فادحة. ولا ريب أيضاً أن خسائر المسلمين كانت عظيمة، وإن كانت أقل بكثير من خسائر النصارى، وليس من المعقول أن تقتصر على ثلاثة آلاف في مثل هذه الحشود الضخمة. ذلك أنه في معركة، يطبعها من الشدة والتفاني والحماسة الدينية، ما طبعت به موقعة الزلاّقة، لابد أن تكون الخسائر فيها فادحة من الجانبين، الظافر والمغلوب.

وذاعت أنباء النصر في الحال في سائر جنبات الأندلس، وطيرت إلى سائر القواعد الأندلسية. واستبشر المسلمون في شبه الجزيرة بما آتاهم الله من عزيز نصره. وكتب يوسف بأنباء الواقعة أو بالفتح حسبما يوسم خطابه إلى بلاد العدوة، وكتب رسالته المسهبة عن الموقعة وأوصافها إلى المعز بن باديس صاحب إفريقية، وهي التي أشرنا إليها فيما تقدم غير مرة. وتجاوبت أصداء النصر في سائر مدن المغرب وإفريقية، وعم الفرح والبشر سائر الناس، فأخرجوا الصدقات، وأعتقوا الرقاب. وقيل إن يوسف اتخذ لقبه " أمير المسلمين " عقب نصر الزلاّقة (2) وأن أمراء الأندلس، حينما هنأوه بالنصر أسبغوا عليه هذا اللقب، ولكنا رأينا فيما تقدم، أنه اتخذ هذا اللقب بالمغرب قبل ذلك بأعوام عديدة. بيد أنه مما يلفت النظر أن أمير المسلمين وحلفاءه الأندلسيين، لم يحاولوا استغلال نصرهم بمطاردة العدو داخل بلاده، والزحف إلى أراضي قشتالة، بل ولم يحاولوا السير إلى طليطلة لاستردادها، وهي كانت معقد المحنة التي دفعت ملوك الطوائف إلى الاستغاثة بالمرابطين. ولو بذل المرابطون هذه المحاولة في الوقت الذي حطم فيه جيش قشتالة وفتحت حدودها، لكللت بالنجاح بلا ريب.

وقد قيل لنا في ذلك إن ابن عباد نصح لأمير المسلمين بمطاردة ملك قشتالة والقضاء على فلوله، فاعتذر يوسف عن ذلك بحجة أنه يجب انتظار ورود

(1) روض القرطاس ص 96 و 97. وراجع أيضاً أقوال الروايات الإسلامية الأخرى عن خسائر النصارى في الموقعة، في ابن خلكان ج 2 ص 484، ونفح الطيب ج 2 ص 531، وابن الأثير ج 10 ص 53.

(2)

روض القرطاس ص 96.

ص: 328

الفارين من المسلمين أولا، حتى لا يهلكهم النصارى. ونسبت في ذلك إلى كلا الرجلين نيات مريبة (1).

وعلى أي حال فقد وقف نصر المسلمين عند هذا الحد، وتفرق الجيش الإسلامي، فارتد أمراء الأندلس كل إلى بلاده. ونلاحظ فيما يتعلق بأمراء الأندلس، وموقف كل منهم خلال المعركة، أن الرواية الإسلامية تخص المعتمد ابن عباد بتقديرها وثنائها. فقد انكشفت سائر القوات الأندلسية الأخرى في بداية المعركة: قوات بطليوس وغرناطة وألمرية، وارتدت منهزمة صوب بطليوس، ولم تعد إلى الميدان إلا حينما لاحت طوالع النصر. ولكن المعتمد ثبت أمام القشتاليين حسبما أسلفنا، وأبلى وجنده الإشبيليون خير البلاء، واثخن جراحاً ولم يغادر ميدان المعركة، حتى تداركته النجدات المرابطية (2). وينوه أمير المسلمين بثبات المعتمد وبطولته في ذلك اليوم في خطابه بالفتح إلى المغرب إذ يقول:" ولم يثبت فيهم (أي رؤساء الأندلس) غير زعيم الرؤساء والقواد أبو القاسم المعتمد بن عباد، فأتى إلى أمير المسلمين وهو مهيض الجناح، مريض عنة وجراح، فهنأه بالفتح الجليل والصنع الجميل "(3). وينوه بذلك أيضاً في رسالته إلى المعز بن باديس ويذكر المعتمد فيها بعطف وإجلال، ويثنى عليه الثناء الجم. بيد أنه مما كدر صفو هذا النصر، أن تلقى أمير المسلمين في نفس هذا اليوم ذاته، نبأ وفاة ولده وولي العهد الأمير أبي بكر، وكان قد استخلفه في مراكش وتركه مريضاً بسبتة، فقرر العودة فوراً إلى المغرب، ويؤكد لنا صاحب روض القرطاس أنه لولا ذلك المصاب ما عاد يوسف بمثل هذه السرعة (4). بيد أنه قيل في ذلك إن إسراع يوسف بالعود، لم يكن راجعاً إلى وفاة ولده، بل كان يرجع بالأخص إلى استيائه وتبرمه بما شهده من أحوال أمراء الأندلس، وخلافاتهم فيما بين أنفسهم وفيما بينهم وبين شعوبهم (5). ومن ثم فقد عاد أمير المسلمين في قواته إلى إشبيلية فاستراح بظاهرها أياماً، ثم قفل راجعاً إلى المغرب، تاريكاً من جنده ثلاثة آلاف رهن تصرف المعتمد.

(1) راجع الروض المعطار ص 93.

(2)

روض القرطاس ص 95، والحلل الموشية ص 42، والروض المعطار ص 92.

(3)

روض القرطاس ص 97.

(4)

روض القرطاس ص 98.

(5)

كتاب التبيان أو مذكرات الأمير عبد الله ص 107.

ص: 329

ويعلق العلامة المستشرق الأستاذ كوديرا على ذلك بقوله: " إنه كان من حسن الطالع بالنسبة للنصارى أن يوسف الظافر في الزلاقة، قد تلقى عقب نصره نبأ وفاة ولده الأمير أبي بكر سير، واضطر أن يعود إلى مراكش تاركاً فكرة مطاردة الجيش المنهزم، واجتناء الثمرة التي يمكن أن تجني من مثل هذا النصر العظيم، وهي الاستيلاء على طليطلة. وهي فكرة كانت تبدو طبيعية ولكنها لم تكن قد استقرت في ذهنه بصورة عملية، وذلك بالرغم مما يقوله لنا المؤرخون العرب من أنه لولا موت ابنه لما غادر الأندلس بهذه السرعة. وبالرغم من أن المؤرخين يؤكدون أن هزيمة ألفونسو السادس كانت مروعة. وأنه استطاع الفرار بمنتهى المشقة، مع نفر قليل من صحبه، فإن قواته لم تتضعضع، كما يتصور، بدليل أنه لم يمض سوى قليل، حتى غدا في ظروف تسمح له بالهجوم، ولكن الحظ كان ضده دائماً "(1).

* * *

وقد كان يوم الزلاّقة من أيام الإسلام المشهودة في انتصاره على النصرانية.

ومن الواضح أن لقاء الإسلام والنصرانية في سهول الزلاقة، إنما هو صفحة من سيرة الحروب الصليبية التي كانت اسبانيا أول مهاد لها. والتي اضطرمت بعد ذلك بقليل في المشرق، في الوقت الذي كانت تضطرم فيه في اسبانيا. فموقعة الزلاقة تعني في الواقع أكثر من هزيمة لملك قشتالة، وأكثر من ظفر للمرابطين وحلفائهم الطوائف. ذلك أن فورة المرابطين الدينية، التي اجتاحت بوادي المغرب ومدنه في فترة قصيرة، ثم عبرت البحر إلى اسبانيا لنصرة الدول الإسلامية بادىء ذي بدء، وانتزعتها من الطوائف بعد ذلك، كانت عنيفة رائعة، توجست النصرانية منها، واستشفت في اضطرامها ذلك الخطر الداهم الذي كان غير مرة ينذر بمناهضة النصرانية فيما وراء اسبانيا. وقد جاشت اسبانيا المسلمة بمثل هذه الفورة بعد موقعة بلاط الشهداء وخلاص النصرانية على يد كارل مارتل (سنة 732 م) مرتين: الأولى في عهد الناصر لدين الله، والثانية في عهد الحاجب المنصور، وفي كلتا المرتين، رُدت اسبانيا النصرانية إلى ما وراء الجبال الشمالية ونفذ الإسلام إلى قاصية اسبانيا.

(1) F.Codera: Decadencia y Desparicion de los Almoravides en Espana (Zaragoza 1899) p. 243

ص: 330

وإن تصرف ألفونسو ملك قشتالة عقب الموقعة، ليؤكد هذا المعنى الصليبي، الذي ينطوي عليه لقاء الزلاقة. فهو قد شعر بأن ذلك التحالف بين الإسلام في إفريقية والأندلس، يوشك أن يقضى على اسبانيا النصرانية، وأنه لابد أن يقابله حلف بين قوى النصرانية، ومن ثم فقد بعث برسله وكتبه إلى الملوك والأمراء النصارى فيما وراء البرنيه، يهيب بهم ويحذرهم من الخطر الداهم، وينذرهم بأنهم إذا لم يتداركوه بالعون، فإنه سوف يضطر إلى الصلح مع المسلمين، وسوف يتركهم أحراراً في عبور البرنيه. وقد ألفت صيحة ألفونسو صداها في فرنسا، وفي مختلف الإمارات الفرنجية التي حولها، وبادر أمير برجونية الدوق أودو، وهو صهر ألفونسو، إذ كانت عمته الملكة كونستانس، بحشد الأمداد، وشاركه في ذلك الكونت دي سان جيل أمير تولوشة. وهرع إلى التطوع فرسان من نورماندي وبواتو، ومن سائر أنحاء فرنسا. وسارت بالفعل قوى الأمداد صوب اسبانيا. ولكن ألفونسو حين علم بأن يوسف بن تاشفين قد عبر البحر في معظم قواته عائداً إلى المغرب، بعث إلى الأمراء الفرنج يشكرهم، وينبئهم برحيل المرابطين، وأنه لم تعد ثمة ضرورة لمقدمهم (1).

واقتصرت الحرب الصليبية عندئذ على منطقة الثغر الأعلى، حيث كان بنو هود أمراء سرقسطة، يواجهون عدوان سانشو راميرز ملك أرجوان، ومحاولاته المتوالية للاستيلاء على تُطيلة، ووشقة، وطرطوشة، وكانت طوائف المتطوعة من الفرنج تهرع إلى تلك الحملات الغازية، لتشترك فيها.

ويشعر المؤرخون المسلمون أنفسهم بخطورة موقعة الزلاّقة، وصبغتها الصليبية، فيحيطون حوادثها بطائفة من الأساطير الدينية. من ذلك ما قصه علينا يوسف نفسه في رسالته لمناسبة عبوره البحر، من المغرب إلى الأندلس، وما دعا به ربه حينما ثارت العواصف في وجه سفنه، وما تلا ذلك من هدوء العواصف والموج، وذلك حسبما فصلناه فيما تقدم (2). ومن ذلك أن ملك قشتالة حينما كان يتأهب لمحاربة المسلمين، توالت عليه الأحلام المرعبة، فرأى ذات يوم أنه يركب فيلا، قد تدلى بجانبه طبل يحدث صوتاً مرعباً كلما قرعه، وأن فقيهاً مسلماً من أهل طليطلة، فسر له ذلك الحلم بأنه نذير بهزيمته الساحقة،

(1) R.M.Pidal: ibid ; p. 310

(2)

روض القرطاس ص 92.

ص: 331

مشبهاً ذلك بما حدث عام الفيل من سحق أبرهة وقد كان يركب الفيل أيضاً (1).

ومنه مبالغات الرواية الإسلامية في فداحة خسائر النصارى، ومبالغتها في نفس الوقت في قلة خسائر المسلمين مما تقدم ذكره، إلى غير ذلك.

على أن هذه الأساطير والمبالغات لا يمكن أن تثير ذرة من الريب حول أهمية هذه الموقعة الشهيرة، ولا تنتقص من شأن نتائجها الحاسمة. فقد كان من النتائج العملية المباشرة لنصر الزلاقة، أن عادت إلى اسبانيا المسلمة روح الثقة والأمل، وأخذت قواها المتخاذلة في الانتعاش والنهوض من عثارها، وأن عادت إلى الشعب الأندلسي روح الحماسة الدينية، التي كاد يقضي عليها أمراء الطوائف بتصرفاتهم المشينة، وتراميهم على أعتاب الملوك النصارى، وتحرر أمراء الطوائف من ذلك الخزي الذي لحقهم عصراً بالخضوع لملك قشتالة، ونكلوا عن دفع المغارم التي كان يقتضيها منهم برسم الجزية. بيد أن هذه النتائج المحلية الخاصة، لا تعد شيئاً إذا قيست بالنتائج الهامة البعيدة المدى، التي ترتبت على هذا النصر الباهر. ففي سهول الزلاقة ارتد سيل النصرانية الجارف عن الأندلس المسلمة، بعد أن كان ينذرها بالمحو والفناء العاجل، وغنم الإسلام حياة جديدة في اسبانيا، امتدت إلى أربعة قرون أخرى، ومهدت السبل لسيطرة المرابطين على اسبانيا المسلمة، ومن بعدهم لخلفائهم الموحدين، وجعلت الأندلس، ولاية مغربية زهاء مائة وخمسين عاماً. وبالرغم من أن حياة اسبانيا المسلمة، لم تكن من ذلك الحين سوى صراع دائم بينها وبين اسبانيا النصرانية، فإنها قد استطاعت أن تتابع نشاطها المنتج، وتقدمها الحضاري الباهر. (2)

(1) الحلل الموشية ص 35 و 36.

(2)

راجع في تفاصيل موقعة الزلاقة: روض القرطاس ص 93 - 98، والحلل الموشية ص 33 - 46، والمعجب للمراكشي ص 70 - 73. والروض المعطار ص 76 - 94، ونفح الطيب ج 2 ص 527 - 531، وابن خلكان ج 2 ص 481 وما بعدها، وابن الأثير ج 10 ص 52 - 53. وراجع أيضاً Dozy: Histoire، V.III.p. 129-130، وكذلك R.M.Pidal.ibid ; p. 331-340

ص: 332