الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
نذر الانحلال والتفكك
- 1 -
في فترة قصيرة لا تتجاوز نصف القرن، تقلبت الأندلس بين مرحلتين متباينتين كل التباين. فهي في منتصف القرن الرابع الهجري وحتى أواخر هذا القرن، تبلغ ذروة القوة والتماسك، في ظل رجال عظام مثل عبد الرحمن الناصر والحكم المستنصر، والحاجب المنصور؛ ثم هي منذ أوائل القرن الخامس، تنحدر فجأة إلى معترك لا مثيل له، من الاضطراب والفتنة والحرب الأهلية المدمرة، لتخرج من هذه الغمار بعد فترة قصيرة، أشلاء لا تربطها أية رابطة مشتركة.
وإنه لمنظر مروع مؤس معاً، ذلك الذي تقدمه إلينا الأندلس في تلك الفترة العصيبة من تاريخها، منظر القواعد والمدن الأندلسية، التي كانت من قبل تلتئم في عقد منتظم واسطته مدينة قرطبة العظيمة، وتسطع في ظل حكومة الخلافة القوية، وتلتف حول عرش الخلفاء المؤثل، وهي تغدو حبات متفرقة منفردة حائرة، تقوم في كل منها حكومة محلية هزيلة، على رأسها متغلب من أهل العصبية أو الرياسة، يسيطر على أقدارها لحساب نفسه. ثم هي بعد ذلك كله، تخوض غمار سلسلة لا نهاية لها من الفتن والحروب الأهلية الصغيرة، وتنسى في خلال هذه الفترة الخطيرة المؤسية من حياتها أو تتناسى، قضية الأندلس الكبرى، قضية الحياة والموت، أو بعبارة أخرى قضية الصراع ضد العدو الخالد - أعني اسبانيا النصرانية -.
بيد أن انتثار شمل الأندلس على هذا النحو لم يكن سوى نتيجة طبيعية للعوامل السياسية والاجتماعية التي توالت في الحقبة السابقة. بل نستطيع أن نرجع هذه العوامل إلى بداية قيام الدولة الأموية ذاتها، أعني إلى عهد عبد الرحمن الداخل.
فقد رأينا هذا الزعيم القوي، بعد أن استولى على تراث الأندلس، واستتب له الأمر، يعمل بكل ما وسع للاستئثار بالسلطة، وإخماد النزعة القبلية، وتحطيم الزعامات والرياسات العربية المحلية. وقد حذا خلفاؤه من أمراء بني أمية حذوه
في تتبع العصبية العربية والقضاء عليها. وقد بلغ هذا الصراع بين السلطة المركزية، وبين المنتزين عليها، ذروته في أواخر القرن الثالث الهجري، إبان اضطرام الفتنة الكبرى، وتفاقم ثورة المولدين والعرب، في عهد الأمير عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن (275 - 300 هـ)، حينما اندلع لهيب الثورة، في كل ناحية من نواحي الأندلس، وظهر الزعماء العرب والبربر في معظم النواحي، واستقلت معظم الكور والمدن الكبيرة عن قرطبة. وقد استطاع عبد الله أن يخمد الثورة في كثير من النواحي، وأن ينقذ سلطان بني أمية من الخطر الداهم، ثم جاء من بعده عبد الرحمن الناصر، فأتم المهمة، وقضى على جذور الفتنة من أساسها، وعمل على تدعيم سلطانه بكل الوسائل، فاشتد في مطاردة القبائل والأسر العربية ذات البأس والعصبية، وقضى على رياستها وزعامتها المحلية، ومال إلى اصطناع الموالي والصقالبة، وأولاهم النفوذ والثقة، فاستأثروا في عهده بأرفع المناصب في القصر وفي الحكومة والجيش، وكان من جراء ذلك أن انصرفت القبائل العربية عن الولاء له، وكان تخاذلها في نصرته يوم موقعة الخندق الشهيرة (327 هـ)، يرجع من وجوه كثيرة، إلى سخط الزعماء العرب لسياسته، في إذلالهم وسحق نفوذهم ومكانتهم.
ولم يحد المنصور بن أبي عامر، حين استولى على السلطان، عن هذه السياسة في تدعيم الحكومة المركزية، وسحق كل سلطة محلية. وبالرغم من أنه ينتمي إلى بيت من أكرم البيوتات العربية، فإنه عمل على سحق العصبية العربية، وعمل في نفس الوقت على سحق عصبية الفتيان الصقالبة، ولم يستبق منهم إلا أقلية مخلصة. وآثر أن يعتمد في الجملة على ولاء البربر، فكان منهم معظم قادة الجيش، وكان منهم خلفاء المنصور وعماله في المغرب. وفضلا عن ذلك فقد كان من جراء نظام الطغيان المطلق الذي فرضه المنصور على الأندلس، قرابة ثلاثين عاماً، أن توارت معظم الزعامات والعناصر النابهة في المجتمع الأندلسي من الميدان، ولكنها لبثت في مكانها وعزلتها، ترقب فرص الظهور والعمل.
ومن جهة أخرى فقد كان هذا النظام المطلق، الذي فرضه المنصور على الأمة الأندلسية، يخفي في ثنياته كثيراً من عوامل الهدم والانتقاض. فقد كانت سائر العناصر التي تعاونت في إقامته وتدعيمه، يتربص بعضها ببعض، ويخشى كل منها على مركزه وسلطانه. وكانت ثمة معارك خفية تجري بين البربر
وخصومهم من الصقالبة، في القصر وفي الحكومة. وكان بنو أمية يميلون إلى الصقالبة مواليهم القدماء، ويكرهون البربر، إذ كانوا سنداً للمنصور في استلاب سلطانهم، وكانت البطون العربية تكره هؤلاء وهؤلاء، ولكنها ترى في البربر خصمها الأساسي، وهو من آثار الخصومة القديمة، التي لبثت تضطرم بين العنصرين منذ عصر الفتح.
وهكذا اجتمعت هذه العوامل لتحدث أثرها في الوقت الملائم، واجتمعت في ظلها العناصر الناقمة من سائر الطبقات. فلما وقع الانفجار، وانهارت دعائم الطغيان العامري، ظهرت في ميدان النضال ثلاث قوى: بنو أمية يلتفون حول علم خلافتهم وتراث بيتهم المغصوب. وطوائف البربر تحاول الاحتفاظ برياستها وامتيازاتها. والأسر العربية التي اضطهدت وأبعدت عن الميدان، تحاول استرداد مكانتها وزعامتها القديمة. وظهرت إلى جانب هذه القوى الثلاث، طائفة أقل شأناً، ولكنها استطاعت أن تنتزع نصيبها من أسلاب السلطة، وهي طائفة الفتيان الصقالبة أو الفتيان العامريين.
ولم يصمد بنو أمية في ميدان النضال طويلا. ذلك أنه لم تكن لهم، بعد العوامل الأدبية، التي جمعت بعض طوائف الشعب تحت لوائهم، قوة مادية يعتد بها، ومن ثم فإنه لم تمض بضعة أعوام (399 - 407 هـ) تولى الخلافة خلالها محمد ابن هشام المهدي، فسليمان المستعين، فهشام المؤيد، ثم سليمان للمرة الثانية، حتى استطاع بنو حمود البربر أن ينتزعوا الخلافة، وأن يتزعموا حكومة قرطبة لفترة قصيرة. ثم تطورت الحوادث بسرعة، وعاد بنو أمية فاستردوا الخلافة، وحكموا في قرطبة عدة أعوام أخرى (414 - 422 هـ)، وتولى الخلافة منهم المرتضى. فالمستظهر. فالمستكفي بالله. فهشام المعتد بالله، وهو آخرهم. وبخلعه في أواخر سنة 422 هـ (1031 م) تختتم الدولة الأموية رياستها في الأندلس بصورة نهائية، بعد أن دامت منذ قيام عبد الرحمن الداخل في سنة 138 هـ (756 م) مائتين وأربعة وثمانين عاماً.
وهكذا اختفت القوة الأولى - أعني بني أمية - من ميدان النضال بسرعة، وقد كان واضحاً منذ البداية، أنها لم تكن قوة ذات شأن، ولم تكن سوى رمز تحيط به هالة باهتة من الجلال القديم، ومن الاعتبارات الشرعية والأدبية.
ولم تحقق ظفرها القصير المضطرب، إلا بالاعتماد على قوى وعناصر أخرى، ذات
ولاء مريب قلَّب. وتركت بعد اختفائها من الميَدان القوتين الأخريين، وهما البربر والعصبية العربية، وجهاً لوجه.
واستطاع البربر بزعامة بني حمود، أن يسيطروا زهاء ثلث قرن، على المثلث الجنوبي في شبه الجزيرة الإسبانية، وأن يقيموا لهم ملكاً وخلافة، آناً بقرطبة وإشبيلية، ثم بمالقة والجزيرة. وكانت إمارة باديس بن حبوس الصنهاجي بغرناطة، تحمي الجناح الشمالي الغربي، لتلك الخلافة البربرية، فلما انتهت دولة بني حمود سنة 449 هـ (1057 م) كان البربر أثناء ذلك، وبعد أن خسروا معركة قرطبة، قد بسطوا سلطانهم على معظم القواعد الواقعة جنوبي نهر الوادي الكبير، وامتداده لنهر شنيل، مثل قرمونة وإستجة ومورور، وأركش، ورندة، ومالقة، وأن ينتزعوا الرياسة في نفس الوقت، في بعض المناطق الشرقية والغربية الشمالية، على نحو ما نفصل بعد.
وأسفر النضال بين هذه القوى الخصيمة، بعد فوز البربر برياسة المناطق التي سبق ذكرها، عن فوز الأسر العربية، بمعظم القواعد الأندلسية الكبرى، مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة وبلنسية ومرسية وألمرية. واستطاع الفتيان العامريون أن يبسطوا سلطانهم على معظم المناطق الشرقية وعلى ألمرية لفترة قصيرة.
- 2 -
وأضحت الأندلس في أواخر النصف الأول من القرن الخامس الهجري، تقدم إلينا ذلك المنظر المدهش الذي أشرنا إليه فيما تقدم: منظر الصرح الشامخ، الذي انهارت أسسه، وتصدع بنيانه، وقد اقتصت أطرافها، وتناثرت أشلاؤها، وتعددت الرياسات في أنحائها، لا تربطها رابطة، ولا تجمع كلمتها مصلحة مشتركة؛ لكن تفرق بينها بالعكس، منافسات وأطماع شخصية وضيعة، وتضطرم بينها حروب أهلية صغيرة، والأندلس خلال ذلك كله تفقد مواردها وقواها القديمة تباعاً، ويحدق بها خطر الفناء من كل صوب.
هذه الدول الصغيرة، المتخاصمة المتنابذة، التي قامت على أنقاض الدولة الأندلسية الكبرى، تعرف بدول الطوائف، ويعرف رؤساؤها بملوك الطوائف وهم ما بين وزير سابق، وقائد من ذوي النفوذ والصحب، وحاكم لإحدى المدن، وشيخ للقضاء، وزعيم من ذوي المال والحسب. وقد ظهروا جميعاً إبان
الفتنة، وبسط كل سلطانه، على ما أتيح له من المدن والأراضي، وأخذ يعمل على تدعيم ذلك السلطان وتوسيعه، وتأسيس الملك لبنيه.
وليس أبلغ تعبيراً في وصف حال الأندلس عقب الفتنة وقيام دول الطوائف من تلك النبذة التي يقدمها إلينا ابن الخطيب حين يقول:
وذهب أهل الأندلس من الانشقاق والانشعاب والافتراق، إلى حيث لم
يذهب كثير من أهل الأقطار، مع امتيازها بالمحل القريب، والخطة المجاورة لعبّاد الصليب، ليس لأحدهم في الخلافة إرث، ولا في الإمارة سبب، ولا في الفروسية نسب، ولا في شروط الإمامة مكتسب. اقتطعوا الأقطار، واقتسموا المدائن الكبار، وجبوا العمالات والأمصار، وجندوا الجنود، وقدموا القضاة، وانتحلوا الألقاب، وكتبت عنهم الكتاب الأعلام، وأنشدهم الشعراء، ودونت بأسمائهم الدواوين، وشهدت بوجوب حقهم الشهود، ووقفت بأبوابهم العلماء، وتوسلت إليهم الفضلاء، وهم ما بين محبوب، وبربري مجلوب، ومجند غير محبوب، وغفل ليس في السراة بمحسوب، ما منهم من يرضى أن يسمى ثائراً، ولا لحزب الحق مغايراً، وقصارى أحدهم يقول:"أقيم على ما بيدي، حتى يتعين من يستحق الخروج به إليه"، ولو جاءه عمر بن عبد العزيز لم يقبل عليه، ولا لقي خيراً لديه. ولكنهم استوفوا في ذلك آجالا وأعماراً، وخلفوا آثاراً، وإن كانوا لم يبالوا اغترارا، من معتمد ومعتضد ومرتضى وموفق ومستكف ومستظهر ومستعين ومنصور وناصر ومتوكل، كما قال الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس
…
ألقاب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها
…
كالهر يحكي انتفاخاً صَوْرَة الأسد (1)
وما أشار به ابن حيان، معاصر الفتنة التي أسفرت عن قيام دولهم ومؤرخها.
إلى تلك الفتنة، وإلى هاته الدول بأسلوبه القوي اللاذع، إذ يقول في مقدمة تاريخه الكبير:
" فركبت سنن من تقدمني، فيما جمعت من أخبار ملوك هذه الفتنة البربرية، ونظمته وكشفت عنه، وأوعيت فيه ذكر دولهم المضطربة، وسياستهم المنفرة،
(1) أعمال الأعلام (طبع بيروت) ص 144. وقائل هذين البيتين هو أبو الحسن بن رشيق القيرواني. وتروي الشطرة الثانية من البيت الأول بصورة أخرى هي: " أسماء مقتدر فيها ومعتضد "(المعجب للمراكشي ص 4).
وأسباب كبار الأمراء المنتزين في البلاد عليهم، وسبب انتقاض دولهم، حال فحال بأيديهم، ومشهور سيرتهم وأخبارهم، وما جرى في مددهم وأعصارهم، من الحروب والطوائل، والوقائع والملاحم، إلى ذكر مقاتل الأعلام والفرسان، ووفاة العلماء والأشراف، حسب ما انتهت إليه معرفتي ونالته طاقتي " (1).
ونستطيع القول بأن تمزق الأندلس على هذا النحو، كان ضربة، لم تنهض الأندلس من آثارها قط، بل كان بداية عهد الانحلال الطويل الذي لبثت تتقلب فيه بعد ذلك زهاء أربعة قرون أخرى. وبالرغم من أن عهد الطوائف الحقيقي لم يطل أكثر من سبعين عاماً، وبالرغم من أن الأندلس، قد التأم شملها بعد ذلك في ظل المرابطين ثم الموحدين من بعدهم، وبالرغم من أنها استطاعت أن تسترد تفوقها العسكري القديم في شبه الجزيرة الإسبانية في فترات قصيرة: بالرغم من ذلك كله، فإن الأندلس لم تستطع أن تسترد وحدتها الإقليمية القديمة، ولا تماسكها القديم قط، بل لبثت بالعكس، خلال صراعها الطويل مع اسبانيا النصرانية، تفقد قواها ومواردها تباعاً، وتنكمش رقعتها الإقليمية تدريجياً. حتى إذا كان منتصف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، رأينا رقعة الوطن الأندلسي، ترتد إلى ما وراء نهر الوادي الكبير، وتنحصر في مملكة غرناطة الصغيرة، ورأينا قواعد الأندلس القديمة الكبرى مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة وبلنسية ومرسية وغيرها، تغدو مدناً إسبانية نصرانية، ويغدو ميزان القوى في شبه الجزيرة الإسبانية بيد مملكة قشتالة الكبرى.
- 3 -
والواقع أن تاريخ الطوائف، يبدأ منذ سقوط الدولة العامرية، في نهاية المائة الرابعة. ذلك أن قيام الخلافة الأموية، خلال الفترة القصيرة التي عاشتها في أعقاب الفتنة، لم يكن سوى حادثاً محلياً، ولم يتعد أثره الفعلي قرطبة وأرباضها.
وقد رأينا كيف استطاعت الدولة الحمُّودية، أن تقيم سلطانها في نفس الوقت في قرطبة وإشبيلية ثم مالقة والجزيرة، وكيف قامت كذلك دولة بني مناد البربرية في غرناطة، وسيطرت عناصر أخرى من البربر، في معظم القواعد الأندلسية الواقعة جنوبي الوادي الكبير. وإلى جانب هذه الدول البربرية، التي قامت منذ أوائل المائة
(1) نقله ابن بسام في الذخيرة (القسم الأول - المجلد الثاني ص 88).
الخامسة، كانت ثمة دول أو دويلات عديدة أخرى، تتكون تباعاً في معظم قواعد الأندلس الأخرى الشرقية والغربية والوسطى، في الوقت الذي كانت تقوم فيه خلافة قرطبة، بيد أنها لم تنزع ولاءها الرسمي للحكومة المركزية، ولم تتخذ طابعاً واضحاً من الاستقلال المحلي، إلا بعد سقوط الخلافة النهائي.
ونحن إذا ألقينا نظرة على الخريطة، ألفينا رقعة الوطن الأندلسي الكبرى، وقد انقسمت عقب الفتنة من الناحية الإقليمية إلى ست مناطق رئيسية: الأولى منطقة العاصمة القديمة قرطبة وما إليها من المدن والأراضي الوسطى، والثانية منطقة طليطلة أو الثغر الأوسط، والثالثة إشبيلية وغربي الأندلس وما إليها من الأراضي حتى المحيط الأطلنطي، والرابعة غرناطة وريُّه والفرنتيرة، والخامسة منطقة شرقي الأندلس أو منطقة بلنسية وما إليها شمالاً وجنوباً، والسادسة منطقة سرقسطة والثغر الأعلى. وهذا كله إلى عدد كبير من المدن والقواعد الأندلسية التي استقلت بنفسها، واعتبرت إمارات قائمة بذاتها داخل منطقة، أو أخرى، ثم اختفت تباعاً بالانضمام أو الخضوع إلى إحدى الإمارات الأخرى.
وهكذا نجد أن كل منطقة من المناطق المشار إليها، تضم من الناحية الإقليمية إمارة أو أكثر من إمارات الطوائف، وتختلف من حيث الرقعة، والأهمية السياسية، والعسكرية، والاجتماعية.
وإذا لم تكن قرطبة، من حيث رقعتها الإقليمية، ومواردها الاقتصادية والعسكرية، أهم دول الطوائف، فقد كانت من الناحية الأدبية بين دول الطوائف ذات أهمية خاصة، نظراً إلى كونها كانت مقر الخلافة، وقاعدة الحكومة المركزية، وفي وسعها من الناحية الأدبية أيضاً، أن تدعى الولاية - الاسمية على الأقل - على باقي الإمارات والمدن الأندلسية الأخرى، وهو ما ادعته حكومة قرطبة المحلية بالفعل. ومن ثم فقد رأينا لهذه الاعتبارات الأدبية والتاريخية، أن نبدأ الحديث عن دول الطوائف بالكلام عن إمارة قرطبة.