المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌610 - باب المستحاضة إذا كانت مميزة، أو كان لها أيام معلومة - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٧

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌601 - بَابٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌602 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌603 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ الغُرُوبِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعَصْرَ. وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الفَجْرِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعِشَاءَ

- ‌604 - بَابٌ: هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ

- ‌605 - بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ ثَوْبِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ

- ‌606 - بَابُ إِصَابَةِ ثَوْبِ المُصَلِّي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ نَائِمَةٌ بِجِوَارِهِ

- ‌607 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي المُصَلِّي يَمَسُّ امْرَأَتَهُ بِيَدَيْهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌608 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَقْرَبُ الْحَائِضَ

- ‌609 - بَابٌ: هَلْ تَحِيضُ الْحَامِلِ

- ‌أَبْوَابُ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌610 - بَابُ المُسْتَحَاضَةِ إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً، أوْ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ

- ‌611 - بَابُ الاسْتِحَاضَةِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَتَطَوُّعِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌612 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌613 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوُضُوءِ للمُسْتَحَاضَةِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌614 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌615 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌616 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِ المُسْتَحَاضَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ

- ‌617 - بَابُ تَخْيِيرِ المُسْتَحَاضَةِ فِي الجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ وَالغُسْلِ لَهُمَا، أَوِ الاغْتِسَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الطُّهْرِ

- ‌618 - بَابُ مَا جَاءَ فِي البِكْرِ إِذَا ابْتُدِئَتْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ كَانَ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ فَنَسِيَتْهَا

- ‌619 - بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الحَيْضِ وَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌620 - بَابُ ذِكْرِ الأَقْرَاءِ، وَمَنْ قَالَ: الأَقْرَاءُ: الحَيْضُ

- ‌621 - بَابُ وَطْءِ المُسْتَحَاضَةِ

- ‌622 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الاسْتِحَاضَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌623 - بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَا تَفْعَلُ المَرْأَةُ إِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الحَيْضِ

- ‌624 - بَابُ الاعْتِكَافِ لِلمُسْتَحَاضَةِ

- ‌625 - بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ

- ‌أَبْوَابُ النِّفَاسِ

- ‌626 - بَابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا، وَالحَيْضَ نِفَاسًا

- ‌627 - بَابُ مُدَّةِ النِّفَاسِ

- ‌628 - بَابٌ: هَلْ تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ القُرْآنَ

- ‌629 - بَابٌ: إِذَا طَهُرَتِ النُّفَسَاءُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً، تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌630 - بَابٌ: هَلْ يَجُوزُ لِلنُّفَسَاءِ أَنْ تَدْخُلَ الحَمَّامَ

الفصل: ‌610 - باب المستحاضة إذا كانت مميزة، أو كان لها أيام معلومة

‌610 - بَابُ المُسْتَحَاضَةِ إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً، أوْ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ

.

3375 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ:

◼ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي)).

قَالَ

(1)

: وَقَالَ أَبِي: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م)، دون قول عروة فللبخاري دون مسلم.

[الفوائد]:

أولًا: اختَلف العلماء -بعد إجماعهم على صحة هذا الخبر- في المعنى الذي له أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم بترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة، وأَمْره بالصلاة عند إدبارها:

هل المراد إقبال الدم الأسود وإدباره، أم المراد: إقبال وقت عادتها وإدبارها؟

فذهب فريق من العلماء إلى أن المراد به اعتبار تميز الدم، وأن هذه المستحاضة

(1)

- أي: هشام بن عروة.

ص: 77

كان دَمُها متميزًا، بعضه أسود وبعضه غير ذلك، فرَدَّها إلى زمن دم الحيض وهو الأسود الثخين، فإذا أقبل ذلك الدم تركت الصلاة، فإذا أدبر وجاء دم غيره فإنها تغتسل وتصلي.

ودليلهم: قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)).

قال ابن القصار: "في هذا الحديث حجة لمالك والشافعي في أن المستحاضة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة أنها تعتبر الدم وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت"(شرح صحيح البخاري لابن بطال 1/ 425).

وذكر الحافظ ابن رجب: "أن أكثر الأئمة حملوا الحديث على الأول، وهو اعتبار التمييز في الدم"(فتح الباري 2/ 129).

وقال غيرهم: إنما أَمَرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تدع الصلاة قدر أيامها المعروفة عندها قبل أن تستحاض.

قال ابن رجب: "وأما على تفسير إقبال الحيضة وإدبارها بإقبال العادة وإدبارها، فتجلس ما تراه من الدم في أيام عادتها خاصة، على أي صفة كان، ولا تزيد على ذلك، فإذا انقضت مدة عادتها فهي طاهر، تغتسل وتصلي"(فتح الباري 2/ 129).

ودليلهم: قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى روايات هذا الحديث -: ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا))

(1)

، وفي رواية أخرى: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ

(1)

كما في رواية مالك ومَن تابعه، عن هشام بن عروة. وسيأتي تخريج هذه الرواية قريبًا.

ص: 78

فِيهَا))

(1)

. يريد قدر الحيضة المعلومة قبل أن تستحاض.

وهذا ما رجحه ابن رجب فقال: ((والأظهر - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ردَّها إلى العادة لا إلى التمييز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا ذَهَبَ عَنْكِ قَدْرُهَا))

وفي رواية أبي أسامة عن هشام: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي))، وقد خرجها البخاري

وهذه الرواية صريحة في ردها إلى العادة دون التمييز))، (فتح الباري، لابن رجب 1/ 437 - 439).

ثانيًا: اختُلف في قول عروة: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ))، هل هو من الحديث المرفوع أم لا.

والراجح أنه من كلام عروة، وليس بمرفوع، وسيرد تفصيل ذلك قريبًا.

ثالثًا: قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي))، وفي رواية أخرى عند البخاري - وسيأتي تخريجها قريبًا -:((فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي))، قال ابن حجر:((هذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم مَن ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال، ومنهم مَن ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم. وكلهم ثقات، وأحاديثهم في الصحيحين، فيُحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده)) (الفتح 1/ 409).

ومما يَشهد لذلك أن حماد بن زيد لما سئل عن الغسل، ولم يكن ذكره في الحديث، قال:((ذلك لا يشك فيه أحد)) (الصغرى 217).

وفي رواية يحيى القطان عند أحمد لم يذكر الغسل، لكنه قال: قلت لهشام: أَغُسْلٌ واحد، تغتسل وتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم.

(1)

كما في رواية أبي أسامة، عن هشام بن عروة. وسيأتي تخريجها عقب رواية مالك.

ص: 79

وقال ابن رجب: ((يُجمع بين الروايتين ويؤخذ بهما في وجوب غسل الدم والاغتسال عند ذَهاب الحيض)) (الفتح، لابن رجب 1/ 445).

وقد ورد الجمع بينهما في بعض الروايات كما ستراه في التحقيق.

وقد فَسَّر الثوري غسل الدم في الحديث بقوله: ((وتفسيره إذا رأت الدم بعد ما تغتسل أن تغسل الدم قط)) (مصنف عبد الرزاق 1174).

أي: ((أنها إذا اغتسلت عند فراغ حيضها المحكوم بأنه حيضها، ثم رأت دمًا، فإنها تغسل الدم وتصلي؛ فإنه دم استحاضة لا يمنع الصلاة، وإنما تغسله وتتحفظ منه فقط)) (الفتح لابن رجب 1/ 446).

ومن العلماء من أوجب عليها مع ذلك الوضوء لكل صلاة.

ومنهم من قال: تغتسل عند كل صلاة.

وسيأتي بيان ذلك في موضعه، والله أعلم.

[التخريج]:

[خ 228 "واللفظ له"، 331 مختصرًا / م 333 / د 282 / ت 126/ ن 217، 224، 363، 369، 371 / كن 273 / جه (621 دار إحياء الكتب العربية)

(1)

/ حم 25622 / عب 1174، 1175 / ش 1353 / جا 112 / بز (18/ 96، 119/ 27) / حق 563، 565 / مي 793 / عه 977، 979 / طب (24/ 357، 358، 360 - 361/ 888، 890، 893، 894، 896، 898، 899) / طس 4281 / طش 96، 2477/ سعد

(1)

ولم يثبته محقِّقو دار التأصيل، وهو مُثبَت في غيرها من الطبعات؛ كطبعة الرسالة، ودار الجيل، ودار الصِّديق. وذَكَره المِزِّي في (التحفة 13/ 42 - 43).

ص: 80

(10/ 233) / سرج 6 - 8 / منذ 801 / قناع 14/ جعد 2676 / قط 788 / هق 1566، 1567، 1569، 1576، 1586، 1645، 4141 / هقغ عقب رقم 162 / هقخ 1008 / عيل (1/ 345، 346) / خط (5/ 363) / فقط (أطراف 5897) / مكرم 135 / ضياء (موافقات 71) / نعيم (طب 427) / صحا 7794 / مسن 743 - 748 / معر 1356 / آثار 195 / نو 23 / عائشة 36 / محلى (1/ 102) / فة (1/ 239) / تمهيد (22/ 104 - 105) / حذلم (مشيخة 72) / عشم 8 / فصيب (ق 222/ أ) / تحقيق 193 / أسد (7/ 214) / حداد 351].

[السند]:

هذا الحديث مداره على عروة بن الزبير، رواه عنه ابنه هشام وغيره، ورواية هشام هي الأشهر والأصح، وقد خرجها الشيخان من طرق عنه، وها هي:

1 -

طريق أبي معاوية الضرير عن هشام:

رواه البخاري (228) قال: حدثنا محمد- هو ابن سَلَام- قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: جاءت فاطمة

الحديث، دون الزيادتين والروايتين.

وفي آخره قول هشام: وَقَالَ أَبِي: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

ورواه مسلم (333) والدَّارَقُطْنِيّ (788) والبيهقي (1645) من طريق أبي معاوية به، إلا أن مسلمًا لم يذكر قول عروة: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي

)) إلخ.

واختُلف في قوله: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي

)) إلخ، هل هو من الحديث المرفوع أم لا:

فصَوَّب البيهقي في (الكبرى عقب رقم 1644)، واللالكائي كما في (التحقيق

ص: 81

لابن الجوزي 1/ 187)، وابن رجب في (الفتح 1/ 448)، وغيرهم- أنه من قول عروة، أي: موقوفًا عليه.

بينما ذهب ابن الجوزي في (التحقيق 1/ 187)، وابن دقيق في (الإمام 3/ 288)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 39)، والكرماني في (الكواكب الدراري 3/ 81)، وابن حجر في (الفتح 1/ 332)، والمباركفوري في (التحفة 1/ 391) - إلى أنه من الحديث المرفوع.

واستدل ابن الجوزي وغيره: بما رواه الترمذي (126) عن هَنَّاد قال: حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية، عن هشام به

وفي آخره: قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

وهذا ظاهر في الرفع، إلا إن كان المراد بالقائل عروة أو هشامًا كما وقع عند غيره.

وقد رواه ابن الجوزي في (التحقيق 193) من طريق الترمذي، وساقه بلفظ: ((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ

)) إلخ، دون فصل! !

قال ابن الجوزي: ((ثم لا يمكن أن يقول هذا عروة من قِبل نفسه؛ إذ لو قاله هو، لكان لفظه: (ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) فلما قال: ((تَوَضَّئِي)) شاكل ما قبله)) (التحقيق 1/ 187).

وبنحوه في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 105)، و (الفتح لابن حجر 1/ 332)، وأقره أحمد شاكر في تحقيقه لـ (جامع الترمذي 1/ 218، 219).

وذَكَر العيني أن هذا مجرد احتمال، وقال:((فلا يقع به القطع، ولا يلزم من مشاكلة الصيغتين الرفع)) (العمدة 3/ 143).

قلنا: قد رواه إسحاق بن راهويه (563/ 20) -وعنه النسوي في (الأربعين

ص: 82

23) - عن أبي معاوية به، وفيه:((وَقَالَ أَبِي: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

وكذلك رواه عيسى بن يونس عَن هشام، وقال في آخر الحديث: وقال هشام: ((تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)) (الفتح لابن رجب 1/ 449).

ورواه ابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) من طريق الدورقي، عن أبي معاوية، وفي آخره: ((قَالَ هِشَامٌ: أَيْ: ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ

)).

وهذا يرجح ما ذهب إليه البيهقي وابن رجب، لاسيما وهو عند البخاري وغيره من رواية أبي معاوية غير مقرون بأحد.

فلو كان الكل موصولًا، لم يكن هناك حاجة لفصل هذا القول عن بقية المتن. والله أعلم.

ويبقى النظر فيما ذكره المخالف من متابعات لأبي معاوية، جاء فيها ذكر الوضوء في متن الحديث، مصرحًا برفعه. وسيأتي الكلام عنها في بابها بتخريج مستقل.

2 -

طريق زهير بن معاوية عن هشام:

رواه البخاري (331) قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير، قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)).

كذا مختصرًا، وقد رواه أبو داود (282) والبغوي في الجعديات (2676) والطبراني في الكبير (24/ 360/ 894) والبيهقي (1567) وغيرهم، من طرق عن زهير بن معاوية، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ

ص: 83

فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ

)) إلخ.

وهو عند أبي داود من رواية ابن يونس -شيخ البخاري- وغيره.

وهذا يبين أن اختصاره من قِبل البخاري.

3 -

طريق وكيع عن هشام:

رواه مسلم (333) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْب، قالا: حدثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به، نحو رواية زهير عند أبي داود.

ورواه أحمد (25622) وابن أبي شيبة (1353) وغيرهما، عن وكيع، به.

ثم رواه مسلم (333) من طريق عبد العزيز بن محمد -قرنه بأبي معاوية-، ومن طريق عبد الله بن نمير، ومن طريق جرير، ومن طريق حماد بن زيد. كلهم عن هشام، بمثل حديث وكيع وإسناده. قال:((وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذِكْره)).

والمراد بهذا الحرف هو قوله في الحديث: ((وَتَوَضَّئِي))، وسيأتي الكلام عنه في (بَابِ أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِتَجْدِيدِ الوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ )، وكذا بقية روايات هذا الحديث، ستُذكر تحت أبواب مستقلة.

وللحديث طرق أخرى عند البخاري، انظرها في الروايات التالية.

وقال قال ابن منده في (صحيحه) - بعد إخراجه هذا الحديث -: "هذا حديث مشهور عن هشام بن عروة صحيح، رواه أيوب السختياني وسفيان الثوري وشعبة وزائدة وابن نمير وسعدان بن يحيى، وكلها مقبولة على رسم

ص: 84

الجماعة" (الإمام لابن دقيق 3/ 283).

[تنبيهان]:

الأول: وقع الحديث عند الإسماعيلي في (المعجم 1/ 345، 346) -ومن طريقه الخطيب في (التاريخ 5/ 363) - من طريق عنبسة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن فاطمة بنت أبي حُبَيْش، أنها قالت: يا رسول الله

فذكره.

قال الدَّارَقُطْنِيّ: ((أسنده عن فاطمة، ولم يُتابَع على ذلك)) (العلل 8/ 139).

وقال في (الأفراد): "تفرد به عنبسة بن عبد الواحد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عنها"(أطراف الغرائب والأفراد 5897).

يعني: أن عنبسة انفرد بجعله من مسند فاطمة. وهو خطأ.

ولكن يحتمل أن قولها: ((عن فاطمة))، يعني: عن شأنها وقصتها، فيكون من مسند عائشة أيضًا.

ويدل عليه أنها لم تقل: ((عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ)) أو ((قُلْتُ))، بل قالت:((عَنْ فَاطِمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ)).

فهذا الأقرب فيه أنه من مسند عائشة؛ ولذا لم نفصله بالتخريج، والله أعلم.

التنبيه الثاني:

روى النسائي في (الصغرى 207، 354) و (الكبرى 260) من طريق سهل بن هاشم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ

ص: 85

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي)).

وهذا مختصر، ولم يُسَمِّ فيه المستحاضة.

فيحتمل أنه مختصر من حديثنا هذا كما اختصر البخاري رواية زهير عن هشام (331).

ويحتمل أنه مختصر من حديث عائشة في قصة أم حبيبة. وهو ما اعتمده المزي في (التحفة 12/ 55) لأن المشهور من رواية الأوزاعي عن الزهري هو حديث عائشة في قصة أم حبيبة، فإن الأوزاعي قد روى فيه هذا القدر من المتن أيضًا، وأعله أبو داود وغيره بأنه لا يُحفظ في قصة أم حبيبة، وإنما هو محفوظ في قصة فاطمة. وسيأتي بيانه قريبًا. والله أعلم.

ص: 86

رِوَايَةُ: ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 306 "واللفظ له" / د 283 / ن 223، 370 / كن 272 / طا 157 / حب 1345 / عه 978 / طب (24/ 359/ 891) / أم 123، 3380 / شف 109 / ثو 138 / صحمن 642 / منذ 803 / مشكل 2735 / طحق 168، 170 / قط 787 / نعيم (طب 427، 428) / هق 1554، 1568، 1585 / هقع 2162 / معكر 1579 / مالك 13 / مطغ 742 / بغ 324 / إمام (3/ 282)].

[السند]:

قال البخاري (306): حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ

)) الحَدِيثَ.

[تنبيه]:

الحديث رواه مالك في (الموطأ 157) - ومن طريقه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به، بهذا السياق.

ص: 87

وقد أشار الدَّارَقُطْنِيّ إلى تفرد مالك برواية: ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا)).

فبعد أن ذكر مَن رواه عن هشام، وهم يَزيدون على الأربعين رجلًا، قال:((واتفقوا في متنه أيضًا على قوله: (وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)، إلا أن مالكًا قال:(فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا))) (العلل 8/ 139).

قلنا: مالك إمام حافظ كبير. وقد قال النسائي: ((حديث مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أصح ما يأتي في المستحاضة)) (السنن الكبرى عقب رقم 273).

وقال ابن منده في (صحيحه) - بعد إخراج هذا الحديث من رواية مالك -: "هذا إسناد مجمع على صحته"(الإمام لابن دقيق العيد 3/ 283).

ومع ذلك، لم ينفرد مالك بهذا اللفظ:

* فقد رواه أحمد في (المسائل برواية صالح 642) عن عبد الرزاق، قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني هشام بن عروة، عن عروة، أن عائشة حدثته، به بمثل لفظ مالك.

وهو في (المصنف 1175) إلا أنه لم يَسُقْ متنه، وأحال به على لفظ معمر قبله!

* ورواه أبو عَوَانة (978)، وابن المنذر (803)، والطحاوي في (المشكل 2735) و (المعاني 1/ 103)، من طريق ابن وهب قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، ومالك بن أنس، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، أن هشام بن عروة أخبرهم، عن أبيه، عن عائشة، به بلفظ ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا)).

قال ابن دقيق: ((وظاهر هذه الرواية مُوافَقة مَن ذُكر مع مالك في هذه

ص: 88

اللفظة. ويحتمل أن يكون ابن وهب جعل اللفظ لمالك، وجعل الآخر متابعًا، لم يعتبر فيه اللفظ)) (الإمام 3/ 284).

قال ابن التركماني: ((ولكن في هذا الاحتمال بُعْد)) (الجوهر 1/ 325).

قلنا: قد رواه ابن عساكر في (المعجم 1579) من طريق آخر عن الليث، به، مثله.

فبهذا يندفع الاحتمال المذكور إن كان محفوظًا عن الليث، ففي السند إليه ضعف.

* ورواه الدارمي (798)، وأبو يعلى (4486)، والطحاوي في (المشكل 2734) و (المعاني 1/ 103)، وابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) من طريق حماد بن سلمة عن هشام، به، بلفظ:((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا))، وعند أبي يعلى:((فَوْرُهَا))، وفي التمهيد:((وَقْتُهَا)).

وزاد حماد فيه رفع الوضوء؛ ولذا أفردناه بالتخريج في "بَابِ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المسْتَحَاضَةِ بالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

* ورواه الطبراني في (الكبير 24/ 359/ 891) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي مُسْتَحَاضَةٌ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ:((إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِيهَا قَدْرَهَا، ثُمَّ اغْسِلِي الدَّمَ وَصَلِّي)).

وهذا إسناد صحيح؛ لكنه غريب جدًّا، لم نجده في غير هذا الموضع!

وانظر الرواية التالية:

ص: 89

رِوَايَةُ: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ

)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 325 "واللفظ له" / منذ (808 طبعة طيبة)

(1)

/ هق 1569 / محلى (2/ 209)].

[السند]:

أخرجه البخاري - ومن طريقه ابن حزم - قال: حدثنا أحمد ابن أبي رجاء، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: سمعت هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، به.

وأحمد بن أبي رجاء هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي، يكنى أبا الوليد، ثقة، وقد تابعه جماعة:

فرواه ابن المنذر من طريق حسين بن عيسى البسطامي. والبيهقي في (السنن) من طريق محمد بن كَرَامة وهارون بن عبد الله. ثلاثتهم: عن أبي أسامة، به.

(1)

وقع هذا الحديث معلقًا في طبعة (دار الفلاح 2/ 348) تبعًا للأصل، وأثبته محقق طبعة (دار طيبة) مسندًا من النسخة الخطية الموجودة لديه من كتاب (اختلاف العلماء) لابن المنذر.

ص: 90

[تنبيه]:

قد أَعَلَّ البيهقي هذه الرواية بأن أبا أسامة خالف الجماعة بقوله: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا))، وزعم أنه كان يشك فيها أيضًا!

ثم أسند عن الإسماعيلي ما رواه من طريق محمد بن كَرَامة الكوفي: ثنا عبد الله بن نُمَيْر وأبو أسامة. ومن طريق هارون بن عبد الله: ثنا أبو أسامة ومحمد بن كُنَاسة وجعفر بن عون، عن هشام، به، نحو رواية البخاري، وفي آخره:((أو كما قال)) (السنن الكبرى 2/ 443 - 444).

وهذا ظاهره أن ابن نمير وابن كناسة وابن عون قد تابعوا أبا أسامة على هذا اللفظ.

واعترض على ذلك البيهقي فقال: ((وأنا أظن أن الحديث على لفظ أبي أسامة، فقد روينا عن غيره على اللفظ الذي رواه الجماعة عن هشام، وقد رُوي عن أبي أسامة على اللفظ الذي رواه الجماعة في إقبال الحيض وإدباره)) (الكبرى عقب رقم 1569).

ثم أسنده البيهقي (1570) من طريق الدَّارَقُطْنِيّ - وهو في (سننه 788) - عن المَحاملي، ثنا ابن كرامة، ثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة

فذكره بلفظ: ((لَيْسَ ذَلِكِ بِالحَيْضِ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الَحيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

قال البيهقي: ((وهذا أَوْلى أن يكون محفوظًا لموافقته رواية الجماعة، إلا أنه قال: (فَاغْتَسِلِي) وقد قاله أيضًا ابن عيينة بالشك))! (السنن الكبرى عقب رقم 1570).

وقال أيضًا: ((واختُلف فيه على أبي أسامة: فقيل عنه كما قالت الجماعة.

ص: 91

وقيل عنه: ((لَا، إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)). ورُوي عنه أنه قال في آخره: ((أو كما قال))، وفي ذلك دلالة على أنه كان يشك فيه. والصحيح رواية الجماعة)) (المعرفة 2166 - 2167)، وانظر:(السنن الكبرى عقب رقم 1576).

هكذا أَعَلَّ البيهقي رواية أبي أسامة التي خرجها البخاري في (الصحيح)! ، ولم يُصِبِ في ذلك، وقد فاته أنه مُتابَع كما سيأتي.

بل رواية مالك مُؤيِّدة لروايته، ويشهد لها أيضًا حديث أم سلمة وغيره كما سيأتي في الباب.

على أن روايته صحيحة بغضِّ النظر عن المتابعات والشواهد.

وسنناقش إعلال البيهقي لها في عدة نقاط:

الأولى: ادعاؤه بأن لفظ حديث أبي أسامة مخالف لرواية الجماعة عن هشام.

وليس الأمر كذلك؛ ولذا تعقبه ابن التركماني، وبَيَّن أن إقبال الحيضة محمول على وجود الدم في أول أيام العادة، وإدبارها محمول على انقضاء أيام العادة. قال:((وفي قوله: ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا)) إشارة إلى ذلك؛ إذ الأشبه أنه يريد قدر أيامها)) (الجوهر النقي 1/ 324 - 326).

قلنا: وقوله: ((فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا)) هي رواية الإمام مالك، وهو مَن هو، وقد سبق قول النسائي في ترجيحها.

وإذا أمكن الجمع بين الروايات بلا تكلف، فهو أَوْلى من إهدار بعضها، لا سيما والشواهد تؤيد هذه الرواية التي أهدرها البيهقي كما سيأتي في الباب.

ص: 92

الثانية: ما ذكره من شك أبي أسامة في رواية: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا))، بدليل قوله في آخرها:((أو كما قال)).

وجوابه: أن جزمه بأن صاحب هذا القول هو أبو أسامة- عَري عن الدليل.

ولذا تعقبه ابن التركماني قائلًا: ((قد قرن مع أبي أسامة في هذا الإسناد جماعة، وفيه أيضًا هشام، فلا أدري من أين للبيهقي أن أبا أسامة هو المتعين لكونه شك فيه؟ ! ثم الأظهر أن الشك ليس براجع إلى قوله: ((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا)) بل هو راجع إلى قوله: ((ثُمَّ اغْتَسِلِي)) لقربه)) (الجوهر 1/ 325، 326).

الثالثة: ما ذكره من الاختلاف على أبي أسامة في لفظه، وأن الأَوْلى أن يكون محفوظًا عنه الرواية التي فيها:((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)) لموافقتها رواية الجماعة عن هشام.

وجوابه: أن الاختلاف المذكور ليس هو في الحقيقة على أبي أسامة، وإنما هو اختلاف على محمد بن عثمان بن كرامة أحد من رواه عن أبي أسامة.

فالحديث قد رواه البخاري (325) عن أحمد بن أبي رجاء.

ورواه ابن المنذر (808 طيبة) من طريق حسين البِسطامي.

ورواه الإسماعيلي - وعنه البيهقي (1569) - من طريق هارون بن عبد الله الحَمَّال.

ثلاثتهم - وهم ثقات من أصحاب الصحيح - عن أبي أسامة، به بلفظ:((دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

ص: 93

واختُلف عن ابن كرامة:

فرواه الإسماعيلي - ومن طريقه البيهقي (1569) - عن عبد الله بن محمد بن ياسين، عن ابن كرامة، عن أبي أسامة، بمثل رواية البخاري.

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (788) - ومن طريقه البيهقي (1570) - عن الحسين المحاملي، ثنا ابن كرامة، ثنا أبو أسامة، به، بلفظ:((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)). فلم يذكر قوله: ((قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا)).

وابن ياسين والمحاملي ثقتان، بل أوثق من شيخهما ابن كرامة.

وفي مثل هذا إن لم نحمل على ابن كرامة نفسه، فلا مناص من ترجيح رواية ابن ياسين؛ لموافقتها رواية الجماعة عن أبي أسامة؛ فهذا هو المحفوظ عنه، خلافًا لما ادعاه البيهقي.

على أن رواية أبي أسامة عند الدَّارَقُطْنِيّ مقرونة برواية القطان، وقد ميز بينهما في الجزء الأخير من المتن فقط، وجمع في أوله بين سياقتيهما.

وفي الجمع بين روايات الرواة ربما حُملت سياقة أحدهم على سياقة الآخر.

كما يحتمل حدوث سقط أو اختصار سهوًا أو عمدًا.

فإن كان قد حدث بعض ذلك مع قوله: ((قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا))، فحينئذٍ لا يكون ثمة اختلاف أصلًا! كما أنه لا اختلاف بين روايته ورواية الجماعة. والله أعلم.

الرابعة: ما ذهب إليه البيهقي من أن الحديث عند الإسماعيلي على لفظ

ص: 94

أبي أسامة دون مَن ذُكر معه، فابن نمير وابن كناسة وابن عون إنما تابعوه على أصل الحديث دون سياقته.

وقد تعقبه ابن التركماني في (الجوهر 1/ 326) بما لا طائل وراءه.

والحق في هذا مع البيهقي، فرواية ابن نمير عند مسلم (333)، ورواية ابن عون عند الدارمي (793) وأبي عوانة (977) وابن الجارود (112)، وغيرهم. ورواية ابن كناسة عند ابن المنذر (801) وأبي نعيم في (المعرفة 7794) و (الطب 427) و (المستخرج 743)، وابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) وغيرهم. كلهم عن هشام به بلفظ:((إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)).

فروايتهم عند الإسماعيلي محمولة على رواية أبي أسامة كما ذكره البيهقي. والله أعلم.

ولكن فاته أن أبا أسامة قد توبع من قِبل غيرهم:

تابعه أبو حمزة السكري عند (ابن حبان)، وأبو عوانة أيضًا عند (ابن حبان) وغيره، ويحيى بن سُليم الطائفي عند (السراج)، وحَجاج بن أرطاة عند (الطبراني)، وأبو حنيفة عند (الطبراني) وغيره. لكنهم زادوا في الحديث ذكر الوضوء؛ ولذا خرجنا روايتهم تخريجًا مستقلًّا في "بَابِ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

ص: 95

رِوَايَةُ: ((فَاغْتَسِلِي)) بَدَلَ ((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 320 "واللفظ له" / حمد 93 / بز 71 / طب (24/ 358/ 889) / طش 96 / عدني (إمام 3/ 285) / سراج (إمام 3/ 285) / معيل (إمام 3/ 285) / قط 788 / محلى (2/ 162) / هق 1570، 1575 / تمهيد (16/ 61 - 62)، (22/ 104)].

[السند]:

قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، به.

هشام هو ابن عروة. وسفيان هو ابن عيينة. وعبد الله هو المسندي، وقد توبع:

فرواه ابن أبي عمر العدني في (مسنده) -كما في (الإمام 3/ 285) -، ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1575).

وأخرجه السراج في (مسنده)، والإسماعيلي في ((صحيحه) - كما في (الإمام 3/ 285) - من طريق محمد بن الصباح، كلاهما عن سفيان، به، نحو رواية المسندي.

ولكن قال البيهقي: ((وكان ابن عيينة يشك في ذكر الغسل فيه)) (السنن

ص: 96

الكبرى عقب رقم 1575).

واعتمد في ذلك على ما رواه الحميدي في (المسند 193) - ومن طريقه البيهقي (1556) وابن عبد البر في (التمهيد 2/ 104، 16/ 61) - قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، وفيه:((وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)) أو قال: ((اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)).

قلنا: هذا الشك إنما هو من قِبل الحميدي، وليس من قِبل ابن عيينة.

فقد رواه ابن منده في صحيحه -كما في (شرح ابن ماجه 3/ 285) - من طريق الحميدي بلفظ: ((اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي)).

بينما رواه الطبراني في (الكبير 24/ 358/ 889) من طريق الحميدي بلفظ: ((فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

فتبين بهذا أن الحميدي كان يرويه مرة بلفظ ((اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)) ومرة بلفظ: ((فَاغْتَسِلِي)) ومرة يَجمع بينهما شاكًّا في أيهما سمع.

والصحيح عن ابن عيينة ما رواه عنه المسندي ومَن تابعه بلا شك، وهو لفظ ((فَاغْتَسِلِي))، خلافًا لما ذهب إليه ابن منده حيث قال:((والأول أصح من حديث ابن عيينة)).

وقد تعقبه ابن دقيق في (الإمام 3/ 285) برواية الجماعة عن سفيان. وبها تعقب ابن التركماني على البيهقي في نسبته الشك إلى ابن عيينة، (الجوهر النقي 1/ 325).

وقد تابع ابنَ عيينة على لفظة الاغتسال جماعةٌ، منهم:

1 -

أبو أسامة، عند البخاري (325)، وتقدمت روايته.

ص: 97

2 -

أبو حمزة، عند ابن حبان (1349)، إلا أنه زاد فيه الوضوء؛ ولذا سيأتي مستقلًّا في بابه.

3 -

والثوري، عند البزار (ج 18/ رقم 71): عن محمد بن عبد الملك الواسطي، عن يزيد بن هارون، عن سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، به، بمثل رواية ابن عيينة.

ولكن رواه الطبراني في (الكبير 24/ 357/ 888) عن الدَّبَري عن عبد الرزاق. ورواه الطوسي في (الأربعين 7) عن عبيد الله بن موسى. كلاهما: عن الثوري عن هشام به بلفظ: ((اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)).

4 -

أبو حنيفة النعمان، عند أبي يوسف في (الآثار 197)، والطحاوي في (المشكل 2732) وغير ذلك. ولكنَّ أبا حنيفة ضعيف في الحديث، وزاد فيه الوضوء لكل صلاة. وسيأتي الكلام على هذه الزيادة في بابها - إن شاء الله -.

5 -

عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عند الطبراني في (مسند الشاميين 96)، ولكن في السند إليه ضعف.

6 -

يحيى القطان، عند ابن حزم في (المحلى 2/ 162) بإسناد رجاله ثقات.

ولكن رواه أحمد (25622) عن يحيى القطان، عن هشام، به، بلفظ:((اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)).

وكذا رواه جماهير أصحاب هشام بن عروة: مالك، وابن المبارك، وعبدة بن سليمان، وزهير، ووكيع، والحمادان، وخالد بن الحارث، وأيوب، وجعفر بن عون، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وسعيد الجُمَحي،

ص: 98

ومعمر، وابن جريج، وزائدة، وغيرهم.

قال ابن حجر: ((وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم مَن ذكر غسل الدم ولم يذكر الاغتسال، ومنهم مَن ذكر الاغتسال ولم يذكر غسل الدم. وكلهم ثقات، وأحاديثهم في الصحيحين، فيُحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده)) (الفتح 1/ 409).

وقد فسر الثوري غسل الدم في الحديث بقوله: ((وتفسيره إذا رأت الدم بعد ما تغتسل أن تغسل الدم فقط)) (مصنف عبد الرزاق 1174).

وقد جَمَع بعضهم بين الأمرين فقال: ((فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي))، كما سيأتي في الرواية التالية.

وكذا جَمَع بينهما الأوزاعي في حديثه، عن يحيى الأنصاري، عن هشام

(1)

بلفظ: ((اغتسلي، واغسلي عنك الدم، وصلي)).

[تنبيه]:

ذكر النووي في (خلاصة الأحكام 420، 576) أن رواية ((فاغتسلي وصلي))، في هذا الحديث من المتفق عليه! .

وليس كذلك، فلم يخرج مسلم رواية الغسل في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، فالحديث عند بلفظ:((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي))، كما تقدم في أول رواية.

وإنما أخرج مسلم رواية الغسل في قصة أم حبيبة بنت جحش. وهو حديث آخر.

(1)

- لكنه جعله من رواية عروة عن فاطمة بنت قيس. وسيأتي تخريجه فيما بعد.

ص: 99

رِوَايَةُ: ((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ اغْتَسِلِي)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ اغْتَسِلِي)).

[الحكم]:

إسناده صحيح؛ لكن المحفوظ بذكر (غسل الدم) فقط. ورواه بعضهم بذكر (الاغتسال) دون (غسل الدم)، كما تقدم.

[التخريج]:

[قط 788 / تمهيد (22/ 104)].

[السند]:

قال ابن عبد البر: حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم (وهو الكَتَّاني)، قال: حدثني الحسين بن إسماعيل المحاملي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات، إلا أن المحفوظ عن أبي معاوية بذكر غسل الدم فقط، كما عند البخاري (228)، وغيره.

وكذا رواه جماهير أصحاب هشام بن عروة. ورواه بعضهم بذكر الاغتسال بدل غسل الدم، كما تقدم بيانه. والله أعلم.

ص: 100

3376 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، [فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، ] فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ)).

[الحكم]:

مختلف فيه، والراجح صحته، وهو ظاهر صنيع: الشافعي، وأحمد، وابن عبد البر، وابن القيم، وابن التركماني، والسيوطي. وصرَّح بصحته: النووي، وابن الملقن، والألباني. وحسنه: ابن الصلاح.

بينما أعله: أبو إسحاق الحربي، والنسائي، والبيهقي. وأقرّهم: المنذري، وابن دقيق، وابن رجب.

[اللغة]:

قوله: ((تستثفر)) هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها، فتمنع بذلك سيل الدم.

وهو مأخوذ من ثَفَر الدابة الذي يُجعل تحت ذَنَبها. (النهاية 1/ 214)، (تاج العروس 10/ 327 و 11/ 376 و 14/ 202).

[الفوائد]:

1 -

قال ابن عبد البر - معلقًا على هذا الحديث -: "معناه عند جميع العلماء أنها كانت امرأة لا ينقطع دمها ولا ترى منه طهرًا ولا نقاء، وقد زادها ذلك على أيامها المعروفة لها وتمادى بها فسألت عن ذلك لتعلم هل حكم

ص: 101

ذلك الدم كحكم دم الحيض أو هل هو حيض أو غير حيض؟ فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواب منعها به من الصلاة في أيام حيضتها، فبان بذلك أن الحائض لا تصلي، وهذا إجماع، وأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي إذا خلفت ذلك" (التمهيد 16/ 67).

2 -

قال ابن دقيق: ((دل هذا الحديث على أن الحوالة على الأيام والليالي كان لفاطمة بنت أبي حبيش. وذلك خلاف ما قيل: إن حديث فاطمة في مستحاضة مُميِّزة، وحديث الحوالة على الليالي والأيام في مستحاضة غير مميزة، فتنبه لذلك.

واعلم أن حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها في حديث فاطمة- لا ينافي هذا -والله عز وجل أعلم- فإن قوله:((فَإِذَا أَقْبَلَتْ))، و ((إِذَا أَدْبَرَتْ)) لا يمتنع أن يراد به اعتبار أيام الحيض)) (الإمام 3/ 293، 294).

وقال الشنقيطي: ((وللحديث شواهد متعددة تُقوي رجوع النساء إلى عادتهن في الحيض)) (الأضواء 2/ 232).

[التخريج]:

[د 274 "واللفظ له"، 275، 277 / ن 213، 358، 359/ كن 265/ جه 593/ طا 158/ حم 26510، 26716 / مي 799 / عب 1191/ ش 1355/ عل 6894/ طب (23/ 270/ 575، 576)، (23/ 271/ 578)، (23/ 272/ 583)، (23/ 293/ 649)، (23/ 385/ 917 - 920)"والزيادة له ولغيره" / عبحم (مغلطاي 3/ 95) / منذ 804، 807 / جا 113/ مشكل 2720 - 2723، 2725، 2726/ مأسد (تمهيد 16/ 58 - 59) / موهب (مغلطاي 3/ 96) / هق 1596، 1597، 1599 - 1602 / هقع 2170، 2172، 15199 / هقخ 1012 / شف 108،

ص: 102

111/ قط 793، 795، 843، 844 / حق 1844، 1845 / سرج 434، 437 / بغ 325 / أم 125، 3687 / حل (9/ 35، 156) / تمهيد (16/ 59 - 60) / ثو 139 / مطغ 722، (ص 547) / طحق 172/ كر (72/ 224) / إمام (3/ 297، 298) / حمام 98].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الأخيرة:

رِوَايَةُ ((تَنْتَظِرُ أَيَّامَ قُرْئِهَا- أَوْ: أَيَّامَ حَيْضِهَا-)) بِالشَّكِّ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ اسْتُحِيضَتْ، وَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ لَهَا، فَتَخْرُجُ وَهِيَ عَالِيَةُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((تَنْتَظِرُ أَيَّامَ قُرْئِهَا - أَوْ: أَيَّامَ حَيْضِهَا- فَتَدَعُ فِيهِ الصَّلَاةَ، وَتَغْتَسِلُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ، وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

مختلف فيه، والراجح صحته بلفظ ((أَيَّامَ حَيْضِهَا)) بلا شك كما سبق.

[التخريج]:

[د 278 مختصرًا/ حم 26740 واللفظ له/ طب (23/ 270/ 575) / قط 795/ هق 1603/ تمهيد (16/ 58)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الأخيرة.

ص: 103

رِوَايَةٌ بِلَفْظِ ((قَدْرَ أَقْرَائِهَا- أَوْ: قَدْرَ حَيْضَتِهَا-)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((إِنَّهُ لَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ)). وَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا- أَوْ: قَدْرَ حَيْضَتِهَا- ثُمَّ تَغْتَسِلَ، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ بِثَوْبٍ وَصَلَّتْ.

[الحكم]:

مختلف فيه، والراجح صحته بلفظ ((قَدْرَ حَيْضَتِهَا)) كما سبق.

[التخريج]:

[حمد 304 "واللفظ له" / مشكل 2723 / هق 15482 / هقع 15198 معلقًا / استذ 3612 / تمهيد (16/ 57)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية التالية:

ص: 104

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ:((تَنْظُرُ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

متنه صحيح بما سبق، وهذه الرواية إسنادها ضعيف.

[التخريج]:

[هق 1604].

[التحقيق]:

هذا الحديث يرويه عن أم سلمة اثنان: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار.

ورواية سليمان هي المحفوظة والأشهر، ويرويها عنه ثلاثة: نافع وأيوب وقتادة.

واختُلف على نافع في سنده:

فمِن أصحابه مَن جعله من حديث سليمان عن أم سلمة.

ومنهم من زاد فيه رجلًا مجهولًا بين سليمان وأم سلمة.

ومنهم مَن اختلف عليه في ذلك.

والراجح أن الحديث محفوظ عن سليمان بن يسار على الوجهين، أَخَذه عن أم سلمة بواسطة رجل لم يُسَمَّ، ثم سمعه منها بلا واسطة.

واختُلف على أيوب في وصله وإرساله، وهذا من قِبل أيوب على الراجح، حَدَّث به مرة موصولًا، وأرسله مرة أخرى، فالوجهان محفوظان عنه.

ص: 105

وإليك البيان والتفصيل:

أولًا: طريق نافع عن سليمان بن يسار:

أ- مَن رواه عن نافع، ولم يختلف عليه في إسناده:

رواه مالك في (الموطأ 158) - وعنه الشافعي في (الأم 125، 3687) وعبد الرزاق في (المصنف 1191)، وأبو مصعب في (موطئه 172) وسويد في (موطئه 67) ومحمد بن الحسن في (موطئه 82) - عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به، بمثل السياقة الأولى.

ورواه أحمد (26716)، وإسحاق (1844)، وأبو داود (274)، والنسائي في (الصغرى 213، 359) و (الكبرى 214)، والطبراني في (الكبير 23/ 272، 23/ 385)، وغيرهم، من طرق: عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به.

وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.

بل قال النووي: ((صحيح

على شرط البخاري ومسلم)) (المجموع 2/ 415).

وأقره ابن الملقن في (البدر 3/ 121، 122)، والألباني في (صحيح أبي داود 2/ 31).

وفي صنيعهم ذلك نظر؛ فإنه ليس لنافع رواية عن سليمان في الصحيحين. كما أن سليمان ليس له رواية عن أم سلمة في صحيح البخاري.

فهو كما قلنا: رجاله رجال الشيخين، وليس على شرطهما، وإن كان صحيحًا.

ص: 106

هذا، وقد أعله بعضهم بالانقطاع؛ لأجل رواية مَن زاد فيه رجلًا مجهولًا بين سليمان وأم سلمة:

فقد رواه أبو داود (277)، وابن الجارود (113)، والدَّارَقُطْنِيّ (844)، والبيهقي في (السنن 1600)، وغيرهم، من طريق صخر بن جويرية.

ورواه أبو يعلى (6894)، والبيهقي (1601) من طريق جويرية بن أسماء.

ورواه البيهقي (1599) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة.

ثلاثتهم: عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلًا أخبره، عن أم سلمة، به.

وكل من هؤلاء الثلاثة صدوق موثق، ومع ذلك فروايتهم هذه لا تضر رواية مالك؛ فهو أوثق منهم جميعًا، بل هو أَجَلّ وأثبت مَن رواه عن نافع. وقد توبع كما سيأتي.

فأما ما رواه الطحاوي في (المشكل 2725) من طريق إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب قال: قال يحيى بن سعيد: أخبرني نافع أن سليمان بن يسار أخبره عن رجل، أخبره عن أم سلمة

الحديث بنحو رواية مالك.

فهذه الرواية لا تَثبت عن يحيى بن سعيد -وهو الأنصاري- لاسيما وقد جزم ابن الجارود في (المنتقى، ص 122) بأن يحيى رواه كما رواه مالك بلا واسطة بين سليمان وأم سلمة!

وإسحاق بن الفرات وإن كان فقيهًا موثقًا، إلا أن ابن يونس والسليماني تكلما في حديثه. وقال أبو حاتم:((ليس بمشهور))، وضَعَّفه عبد الحق (الميزان 1/ 195).

ص: 107

ويحيى بن أيوب- وهو الغافقي- مُتكلَّم فيه أيضًا، فمثله لا يُحتمل تفرده عن إمام مثل يحيى بن سعيد، وله من الأصحاب أئمة كالسفيانين وابن المبارك والقطان وابن أبي زائدة

وغيرهم، فأين هؤلاء عن رواية الغافقي هذه؟ !

وكذلك ما رواه الطحاوي في (المشكل 2724) عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه، قال: سمعت نافعًا يحدث عن سليمان بن يسار: أن أم سلمة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فاطمة بنة أبي حبيش

الحديث بنحوه.

فهذا، وإن لم يُذكر فيه الرجل المبهم إلا أنه مرسل، وهو وهم. وجرير بن حازم كان يخطئ إذا حَدَّث من حفظه. وكذلك إبراهيم بن مرزوق، عَمِيَ قبل موته فكان يخطئ ولا يرجع. فلعل أحدهما قَصَّر به، ولا يحفظ عن نافع إرساله.

ب- مَن رواه عن نافع، واختُلف عليه في سنده:

1 -

عبيد الله بن عمر العمري:

رواه عبيد الله بن عمر، واختُلف عليه فيه:

فرواه أحمد (6/ 293)، وابن أبي شيبة (1355) -وعنه ابن ماجه (593) -، والطحاوي في (المشكل 2722)، وغيرهم، من طريق ابن نمير.

ورواه ابن أبي شيبة (1355) - ومن طريقه الطبراني في (الكبير 23/ 385) - والنسائي في (الصغرى 358)، والدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 843)، من طريق أبي أسامة.

ورواه الطبراني في (الكبير 23/ 385) من طريق معتمر بن سليمان.

ص: 108

ورواه الطبراني في (الكبير 23/ 271) من طريق عبدة بن سليمان.

أربعتهم: عن عبيد الله بن عمر

(1)

، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، قالت: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: ((لَا. وَلَكِنْ دَعِي قَدْرَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي

)) الحَدِيثَ.

ولفظ ابن نمير: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَقَالَ: ((تَنْتَظِرُ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ

)) الحَدِيثَ.

وعبيد الله بن عمر العمري ثقة ثبت، بل من أثبت أصحاب نافع، وقد وافق مالكًا على إسناده حسب رواية هؤلاء الأربعة، وكلهم ثقات.

وقد خالفهم أنس بن عياض: فرواه أبو داود (276) - ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1598)، وابن عبد البر في (التمهيد 16/ 59) - عن عبد الله بن مسلمة، عن أنس عن عبيد الله، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار، أن امرأة كانت تُهراق الدماء، [فاستفتت لها أم سلمة

]، وساق الحديث بمعناه.

قال ابن عبد البر: ((فأَدْخَل بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلًا)) (التمهيد).

قلنا: بل سياقته هكذا مرسلة من حديث الرجل الأنصاري! !

وعلى كل، فرواية الجماعة مقدمة، فإن أنس بن عياض وإن كان ثقة، إلا أن كلًّا من الأربعة الذين خالفوه أوثق منه فُرَادى، فكيف وقد اجتمعوا؟ !

(1)

- تحرف عند الطبراني في (الكبير 23/ 385) إلى: ((عمير))!

ص: 109

ولذا جزم الحربي في (العلل) - كما نقله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 96) -، وابن الجارود في (المنتقى عقب رقم 113)، وأبو القاسم الجوهري في (مسند الموطأ، ص 547)، والدَّارَقُطْنِيّ في (العلل) -كما في (شرح ابن ماجه 3/ 94) -، بأن عبيد الله بن عمر رواه كما رواه مالك.

فأما البيهقي فلم يتعرض لرواية الجماعة، واقتصر على ذكر رواية أنس بن عياض، مستدلًّا بها على أن عبيد الله مخالف لمالك في إسناده! ! (السنن 1598).

وقال في (المعرفة 2173): ((رواه عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال: عن رجل من الأنصار))! !

وقد تعقبه ابن التركماني فقال: ((رواه ابن نمير وأبو أسامة عنه كرواية مالك

وأبو أسامة أَجَلّ من أنس بن عياض. وقد تابعه عبد الله بن نمير؛ فروايتهما مرجحة بالحفظ والكثرة)) (الجوهر النقي 1/ 334).

2 -

الليث بن سعد:

رواه الليث بن سعد، واختُلف عليه أيضًا:

فرواه ابن وهب في (مسنده) -كما في (شرح ابن ماجه 3/ 96) -، وأسد بن موسى في (مسنده) - كما في (التمهيد 16/ 58) -، كلاهما عن الليث، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به مثل رواية مالك.

وابن وهب وأسد إمامان ثقتان، وقد خولفا فيه:

فرواه أبو داود (275) عن قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الرملي.

ورواه الدارمي (799)، وابن المنذر (807) عن أحمد بن عبد الله بن

ص: 110

يونس.

ورواه البيهقي (في الكبرى 1597) من طريق يحيى بن بُكَيْر.

أربعتهم: عن الليث، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلًا أخبره، عن أم سلمة

به.

فزادوا فيه رجلًا بين سليمان بن يسار وأم سلمة، وكلهم ثقات، وروايتهم هي الأشهر.

ورواه الطحاوي في (المشكل 2726) عن أبي قُرة محمد بن حُميد الرُّعيني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا الليث قال: أخبرني ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، أن رجلًا من الأنصار أخبره عن أم سلمة، به.

فخالف عبد الله بن صالح جميع الرواة عن الليث، فجعله من روايته عن الزهري بدلًا من نافع.

وهو خطأ من ابن صالح؛ فإنه صدوق كثير الغلط. فأما محمد بن حميد، فقد وثقه ابن يونس.

3 -

موسى بن عقبة:

رواه موسى بن عقبة، واختُلف عليه أيضًا:

فرواه إسحاق في (مسنده 1845) - ومن طريقه السراج في (حديثه 437) - قال: قلت لأبي قرة موسى بن طارق: أذكر موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة- وذكر الحديث- قال: فأقر به، وقال: نعم.

ص: 111

كذا رواه إسحاق بن راهويه، وهو إمام كبير حافظ.

وأبو قُرة ثقة، وقد توبع:

فرواه الطبراني في (الكبير 23/ 385/ 920)، عن مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن أبيه، عن ابن أبي حازم، عن موسى بن عقبة، عن نافع، أن سليمان بن يسار أخبره، عن أم سلمة

به.

وابن أبي حازم هو عبد العزيز، صدوق، احتَج به الشيخان، والسند إليه حسن؛ فإبراهيم صدوق من شيوخ البخاري. وابنه مصعب لا بأس به وإن لم يعرفه الهيثمي والألباني؛ فقد ترجم له ابن ناصر في (التوضيح 4/ 280)، وظاهر صنيع العراقي في (محجة القرب إلى محبة العرب ص 234) أنه لا يُعَل به، وهو كذلك، فقد روى عنه ثلاثة من الأئمة، وهم: العُقيلي، والطحاوي، والطبراني، وأَكْثَرَ الأخيران عنه، لاسيما الطبراني؛ وقد وثقه الشيخ أبو الحسن السليماني في (إرشاد القاصي 1065).

وقد يُعترض على هذه المتابعة بقول ابن المنذر في (الأوسط 809): ((ورواه ابن أبي حازم، عن موسى بن عقبة، عن سليمان بن يسار، أن رجلًا أخبره عن أم سلمة، نحوه))! !

فزعم أنه زاد فيه رجلًا مبهمًا، وأسقط منه نافعًا! !

أما إسقاط نافع، فلعله من الناسخ أو سبق قلم.

وأما زيادة الرجل، فقد جزم أبو إسحاق الحربي وابن الجارود والدَّارَقُطْنِيّ- بأن موسى بن عقبة رواه عن نافع عن سليمان، أن رجلًا أخبره عن أم سلمة! (المنتقى، ص 122)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 94، 96).

ولم نقف على رواية موسى بن عقبة هذه، لا من رواية ابن أبي حازم ولا

ص: 112

من رواية غيره، إلا أن مغلطاي بعد أن استدرك على كلام الدَّارَقُطْنِيّ برواية إسحاق، قال:((والذي في سنن أبي قرة السكسكي كما قاله الدَّارَقُطْنِيّ))! ! (شرح ابن ماجه 3/ 95).

قلنا: هذا يخالف ما رواه ابن راهويه عن أبي قُرة، ولا يمكننا رد رواية إمام حافظ كابن راهويه بمجرد هذا النقل، لاسيما وقد ذكر ابن حجر في مقدمة (التهذيب ص 8)، وفي ترجمته من (اللسان 7867) ما يفيد أن لمغلطاي أوهامًا في النقل. والله أعلم.

فإن قيل: ألا يؤيد هذا النقل كلام الحربي ومَن ذُكر معه آنفًا؟ !

قلنا: يحتمل فقط، فمن الجائز أن رواية موسى بن عقبة وقعت لهم من روايةِ آخَر غير أبي قرة، فيكون الخلاف بين هذا الآخر وبين أبي قُرة. وقد ذَكَر ابن المنذر أن الذي رواه عن موسى بزيادة الرجل هو ابن أبي حازم، فلا يبعد أن تكون روايته هي التي وقعت للحربي ومَن ذُكر معه أيضًا. وإن كان كذلك، فهو مختلف فيه على ابن أبي حازم كما سبق.

والخلاصة: أن أبا قُرة وابن أبي حازم روياه عن موسى بن عقبة عن نافع، بمثل رواية مالك عن نافع. وقيل عنهما غير ذلك، ولم يَثبت بعد.

وقد خالفهما إبراهيم بن طهمان:

فرواه الطبراني في (الكبير 23/ 293/ 649) قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن، ثنا طاهر بن خالد بن نزار، ثنا أبي، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، أنه حدثه ابن مرجانة، عن أم سلمة، به، نحو لفظ مالك.

ولو صح هذا لما ضرت الواسطة، فابن مرجانة -واسمه سعيد- ثقة

ص: 113

فاضل، يَروي عن أبي هريرة وغيره من الصحابة.

ولكن الإسناد لا يصح؛ فشيخ الطبراني سعيد بن عبد الرحمن التُّسْتَري لم نجد له ترجمة، فهو مجهول الحال.

وطاهر وإن وثقه الدَّارَقُطْنِيّ وغيره، فقد ذكر ابن عَدي أن له عن أبيه إفرادات وغرائب. وقد خولف فيه:

فرواه البيهقي في (الكبرى 1602) من طريق الفسوي، ثنا عبد العزيز بن عمران، ثنا خالد بن نزار الأيلي -وكان ثقة-، ثنا إبراهيم بن طهمان -وهو ثَبْت في الحديث-، حدثنا موسى بن عقبة -وهو من الثقات، وكان مالك يملي عليه- ثنا نافع، عن سليمان بن يسار، عن مرجانة، عن أم سلمة به.

وعبد العزيز بن عمران هو الخزاعي، صدوق موثق، وقد سمى الواسطة ((مرجانة))، وهي لا تُعْرَف.

ومع أن الدَّارَقُطْنِيّ جزم في (العلل) -كما نقله مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 94) - بأن ابن طهمان رواه عن موسى، وسمى الواسطة ((مرجانة)) كما رواه عبد العزيز الخزاعي؛ إلا أنه رواه في (الأفراد) من طريق ابن طهمان به، وسمى الواسطة ((سعيد بن مرجانة)) كما جاء عند الطبراني، ثم قال الدَّارَقُطْنِيّ:((غريب من حديث نافع، عن سليمان بن يسار عنه، تَفَرَّد به موسى بن عقبة عنه بهذا الإسناد، ولم يروه عنه غير إبراهيم بن طهمان)) (أطراف الغرائب والأفراد 5944).

وسواء كانت الواسطة مرجانة أو ابن مرجانة، فذِكرهما في الإسناد غير محفوظ، لم يروه سوى ابن نزار عن ابن طهمان، ولكل منهما غرائب. وكأن الدَّارَقُطْنِيّ في كلامه السابق يَحمل على ابن طهمان.

ص: 114

وعلى كلٍ فالأَولى بالصواب عن موسى بن عقبة ما رواه عنه أبو قُرة وابن أبي حازم بمثل رواية مالك سندًا ومتنًا. والله أعلم.

4 -

الحَجاج بن أرطأة:

رواه الحَجاج بن أرطأة، واختُلف عليه في وصله وإرساله:

فرواه أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان عنه، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة به موصولًا.

وخالفه يزيد بن هارون، فرواه عنه عن نافع عن سليمان: أن امرأة

به مرسلًا.

والحَجاج ضعيف، وقد زاد في متنه الوضوء لكل صلاة! ولذا أفردناه بالتخريج في (باب وضوء المستحاضة لكل صلاة).

وخلاصة ما سبق: أن مالكًا وعبيد الله بن عمر قد اتفقا على روايته عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة بلا واسطة.

ويمكن أن يضاف إليهما جرير، وهو ما جزم به الحربي، وزاد معهم حَجاجًا!

وخالفهم صخر بن جُويرية، وجويرية بن أسماء، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة؛ فرووه عن نافع، عن سليمان بن يسار، أن رجلًا أخبره، عن أم سلمة.

فزادوا فيه رجلًا مجهولًا بين سليمان وأم سلمة.

واختُلف في ذلك على الليث بن سعد وموسى بن عقبة، والأشهر عن الليث موافقة صخر ومن معه، وهو ما جزم به الحربي. والأقرب عن موسى موافقة مالك وعبيد الله. ويحتمل العكس، وبه جزم الحربي والدَّارَقُطْنِيّ.

ص: 115

ومالك أثبت هؤلاء عامة، وفي نافع خاصة، فهو رأس المتقنين وكبير المتثبتين، وذَكَر أكثر النقاد أنه أثبت أصحاب نافع، ويليه عبيد الله بن عمر، وهو موافق لمالك، وكفى باتفاق هذين حجة! !

فكيف وقد روى بعض الثقات عن الليث وموسى بن عقبة مثل قولهما؟ !

بل كيف، وقد تابع أيوبُ شيخَهما نافعًا على هذا الوجه -كما سيأتي-؟ !

فإما أن يُجمع بين الوجهين بأن سليمان بن يسار أخذه عن أم سلمة بواسطة رجل لم يُسَمَّ، وسمعه أيضًا منها بلا واسطة كما سيأتي عن بعض أهل العلم، فحَدَّث به نافع على الوجهين.

وإما أن ترجح رواية مالك ومَن معه؛ لتثبتهما ومكانتهما من نافع.

فالحديث ثابت على أية حال.

وهو ظاهر صنيع الإمام أحمد، فقد احتج به كما في (المسائل برواية صالح 1/ 233)، وقال أيضًا:((في الحيض ثلاثة أحاديث: اثنان ليس في نفسي منهما شيء: أحدهما: حديث هشام، عن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش. والثاني: حديث نافع عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة))، نقله ابن عبد البر في (الاستذكار 3616 - 3618)، والسيوطي في (تنوير الحوالك، ص 80)، وأقرَّاه.

بل رواه عنه أبو داود وأقره، فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ((في الحيض حديثان، والآخر في نفسي منه شيء)). قال أبو داود: ((يعني أن في الحيض ثلاثة أحاديث هي أصول هذا الباب، أحدها: حديث مالك عن نافع عن سليمان بن يسار. والآخر: حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. والثالث: الذي في قلبه منه شيء هو حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه

ص: 116

ابن عقيل)) (التمهيد 16/ 61).

وعلى هذا، فذِكر أبي داود اختلاف الرواة في سند الحديث ليس إعلالًا منه له كما زعمه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 93)، لاسيما وقد بدأه أبو داود بذكر رواية مالك، وأنهاه بذكر رواية وهيب، وهما متفقان على وصله دون ذكر الرجل المبهم.

ولذا قال أبو الحسن المباركفوري: ((ورجح أبو داود رواية من قال: عن سليمان بن يسار عن أم سلمة)) (مرعاة المفاتيح 2/ 261).

وكذلك أشار ابن عبد البر إلى تصحيحه؛ حيث قال عقب كلام أبي داود السابق: ((أما حديث نافع عن سليمان بن يسار فقد مضى في هذا الباب مجوَّد الإسناد، والحمد لله)) (التمهيد 16/ 61).

وقال أيضًا - بعد ذكره جملة من أحاديث الاستحاضة والاختلاف فيها -: ((لهذا الاختلاف ومثله عن عروة - والله أعلم - ضَعَّف أهل العلم بالحديث ما عدا حديث هشام بن عروة وسليمان بن يسار من أحاديث الحيض والاستحاضة)) (التمهيد 16/ 67).

وقال ابن الصلاح: "حديث المرأة التي استفتت لها أم سلمة رضي الله عنها حديث حسن"(شرح مشكل الوسيط 1/ 277).

وفي مقابل هؤلاء، قد رجح جماعة من الأئمة الوجه الذي زيد فيه الرجل المبهم، وأعلوا الوجه الآخر بالانقطاع، وقالوا: سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.

ولذا ذَكَر ابن المنذر أن هذا الخبر مختلف في ثبوته، ثم قال: ((وأما الفرقة التي نفت القول بخبر أم سلمة

فإنهم دفعوا خبر سليمان بن يسار بأن قالوا: خبر سليمان بن يسار خبر غير متصل، لا يصح من جهة النقل؛ وذلك أن غير

ص: 117

واحد من المحدثين أدخل بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلًا اسمه مجهول، والمجهول لا يجوز الاحتجاج بحديثه؛ إذ هو في معنى المنقطع الذي لا تقوم به الحجة)) (الأوسط 2/ 351).

وإليك أقوال هؤلاء الأئمة المشار إليهم:

قال النسائي: ((حديث سليمان عن أم سلمة لم يسمعه من أم سلمة؛ بينهما رجل)) (السنن الكبرى 2/ 198).

وقال أبو إسحاق الحربي: ((لم يسمعه سليمان من أم سلمة؛ بينهما رجل مجهول، لم يُسَمَّ)) (إكمال تهذيب الكمال 6/ 104)، و (شرح ابن ماجه 3/ 96).

وقال الطحاوي: ((قال قائل: هذا حديث فاسد الإسناد)) (المشكل 7/ 150).

وظاهر صنيع الطحاوي أنه أقر قول هذا القائل الذي لم يسمه، وقد نَسَب مغلطاي هذا الكلام للطحاوي نفسه! وزاد فيه:((لم يسمعه سليمان من أم سلمة، إنما حدثه عنها به رجل مجهول)) (شرح ابن ماجه 3/ 94).

وقال البيهقي: ((سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة، إنما سمعه من رجل أخبره عن أم سلمة)) (المعرفة 2/ 151)، و (الخلافيات 3/ 319)، و (السنن عقب رقم 1596).

وقال ابن الأثير: ((سليمان بن يسار لم يسمعه عن أم سلمة، إنما سمعه من رجل من أم سلمة، كما ذكره أبو داود)) (شرح مسند الشافعي 1/ 317).

وقال ابن رجب: ((فتَبَيَّن بهذا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة)) (فتح الباري 2/ 59).

وقال المنذري: ((لم يسمعه سليمان)) (البدر المنير 2/ 122)، و (التلخيص

ص: 118

1/ 299).

كذا نقلاه عن المنذري، والذي في (مختصر أبي داود 1/ 178، 179)، أنه سكت عنه، ولم يتكلم إلا على رواية الليث التي ذكر فيها رجلًا بين سليمان وأم سلمة قائلًا:((وفي إسناد هذه الرواية رجل مجهول)).

فتعقبه مغلطاي قائلًا: ((وما عَلِم - غفر الله له- أن الحديث كله معلول بما رَمَى به هذه الرواية، لاسيما وهو على كتاب أبي داود يتكلم، وأبو داود هو المعلل للحديث! نُبيِّن لك ذلك بسوق لفظه

)) فساق طرقه من عند أبي داود، ثم قال:((فهذا كما يرى أبو داود من أن الحديث من طرقه كلها منقطع فيما بين سليمان وأم سلمة، وأنه لم يسمعه منها، فتخصيص بعض ألفاظه بعلة هي شاملة له كله- لا وجه له)) (شرح ابن ماجه 3/ 93، 94).

وقوله: ((وأبو داود هو المعلل للحديث))، وزعمه بأن ((الحديث من طرقه كلها منقطع)) فيه نظر كما سبق بيانه.

ثم قال مغلطاي: ((وهذا هو الاصطلاح الحديثي، فإن الحكم للزائد؛ ولهذا فإن أبا عمر لما ذكر حديث مالك قال: ((رواية الليث هي الصواب))! ! (شرح ابن ماجه 3/ 94).

قلنا: قول أبي عمر ابن عبد البر هذا لم نجده، بل الثابت عنه خلافه كما سبق.

وقوله: ((فإن الحكم للزائد)) إنما أخذه مغلطاي من ابن دقيق العيد، حيث قال:((مقتضى عادتهم في مثل هذا أن يُحكم بالزائد، وذلك يقتضي أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة، وإنما سمعه من رجل عنها، والرجل مجهول، فيكون ذلك علة في الحديث))! (الإمام 3/ 300).

ص: 119

قلنا: الذي عليه أئمة النقد: عدم اطراد حكم كلي في هذا، بل هو دائر مع الترجيح، فتارة يترجح هذا، وتارة يترجح ذاك، ويكون الترجيح تارة بالعدد وتارة يكون بالصفات.

وكل هذا ما لم يمكن الجمع بين الوجهين كما أشار إليه ابن دقيق نفسه عند كلامه على المضطرب في (الاقتراح ص 22 - 23).

وهنا يمكن الجمع بما ذكره الرافعي حيث قال -بعد أن بَيَّن سماع سليمان من أم سلمة عند البخاري وغيره-: ((يجوز أن يكون قد سمعه منها، وسمعه من رجل عنها)) (شرح مسند الشافعي 4/ 78).

قال ابن الملقن: ((وهو جمع حسن، وبه يتفق الاختلاف المذكور)) (البدر 3/ 124).

وبنحو هذا الجمع الذي ذكره الرافعي جَمَع ابن التركماني في (الجوهر 1/ 333)، وابن الملقن في (تحفة المحتاج 1/ 240)، والسيوطي في (الشافي، ص 546)، والألباني في (صحيح أبي داود 2/ 32).

وقال الألباني أيضًا: ((فقول البيهقي: (إن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة! ) غير قوي؛ وإن كان احتج على ذلك برواية الليث وغيره عن نافع؛ مثل رواية أنس بن عياض عن عبيد الله، وقد اختُلف فيه على الليث أيضًا

فترجيح ما اختُلِف فيه على ما لم يُختلَف فيه- مما لا يخفى ضعفه؛ لا سيما وأن سليمان بن يسار ثقة جليل، أحد الفقهاء السبعة، ولم يُعْرَف بتدليس، وقد أدرك أم سلمة حتمًا؛ فحديثه عنها محمول على الاتصال)) (صحيح أبي داود 2/ 32).

قلنا: نعم، قد أدركها وسمع منها كما نص عليه البخاري وغيره، ولم يَنْفِ

ص: 120

أحد سماعه منها. والذين أعلوا روايته لهذا الحديث عنها بالانقطاع ليس في كلامهم نفي سماعه منها مطلقًا، بل مقصودهم نفي السماع في هذا الحديث خاصة. والله أعلم.

ومراد الشيخ بـ ((ما لم يُختلَف فيه)) طريق أيوب. وليس الأمر كما قال، فقد اختُلف فيه على أيوب أيضًا، وإن كان لا يضر، كما تراه فيما يلي:

ثانيًا: طريق أيوب السَّختياني عن نافع:

رواه أيوب السختياني، واختُلف عليه في وصله وإرساله:

فرواه ابن عُلَيَّة كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف)، وعبد الوارث كما عند الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن)، وحماد بن زيد كما عند الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن)، وغيره.

ثلاثتهم: عن أيوب، عن سليمان بن يسار: أن فاطمة

به مرسلًا، وسيأتي تخريجه.

فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ قد أرسلوه، وهم أثبت أصحاب أيوب، ولكن قد خالفهم مثلهم عددًا وحفظًا، فوصلوه:

فرواه أحمد (26740)، والبيهقي (1603) من طريق جعفر بن محمد بن شاكر. كلاهما - (أحمد وجعفر) - عن عفان بن مسلم.

ورواه أبو داود (278) عن موسى بن إسماعيل التبوذكي.

ورواه الطبراني (23/ 270/ 575)، والدَّارَقُطْنِيّ (795) من طريق معلى بن أسد

(1)

.

(1)

- تحرف عند الطبراني إلى: ((معلى بن راشد))! كما تحرف عنده ((وهيب)) إلى ((وهب))!

ص: 121

ثلاثتهم: عن وُهَيْب بن خالد، قال: حدثنا أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، أن فاطمة استحيضت

الحديث بلفظ السياقة الثانية، وفيه الشك بين لفظ القرء والحيض

(1)

إلا أن أبا داود اختصره، وقال معلى:((أيام حيضها))، ولم يشك.

وإسناده صحيح كما قاله الألباني في (الإرواء 7/ 200)، بل قال في (صحيح أبي داود 2/ 35):((هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين))!

وليس لأيوب عن سليمان رواية في الصحيحين أو أحدهما، فالحديث صحيح فقط، نعم، رجاله ثقات رجال الشيخين.

وقد رواه ابن الجوزي في (التحقيق 299) من طريق الدَّارَقُطْنِيّ، فأرسله! !

وكذلك قال ابن حجر في (الإتحاف 18/ 114) أن إسناد وهيب عند الدَّارَقُطْنِيّ مثل إسناد عبد الوارث المرسل! !

وهذا وهمٌ، وسببه أن الدَّارَقُطْنِيّ لما ساقه من طريق مُعَلّى، قال:((نا وهيب (ح) وحدثنا .. ))، فساق طريق حماد بن زيد المرسل، فظن ابن الجوزي وابن حجر أن طريق وهيب كذلك!

وفاتهما أن الدَّارَقُطْنِيّ قال قبله -عقب طريق عبد الوارث المرسل-: ((رواه وهيب، عن أيوب، عن سليمان، عن أم سلمة بهذا، وقال: ((تَنْتَظِرُ أَيَّامَ حَيْضِهَا فَتَدَعُ الصَّلَاةَ)))).

(1)

- وقع عند البيهقي الجمع بينهما بالواو بدل ((أو))، والظاهر أنه تحريف؛ فقد جزم البيهقي في موضع آخر من (السنن عقب رقم 15482) بأن وهيبًا رواه بالشك، وهو الموافق لما في (المسند).

ص: 122

ثم أسنده إلى ((وهيب))، ولم يذكر ما فوقه، وإنما أخذ في ذكر طريق حماد، ولا يعني هذا أنهما متفقان، فهذا يتنافى مع كلامه السابق. وإنما لم يُتِم سند وهيب لأنه ذكر بقيته قبل، فلم يكن ثمة حاجة لإعادته. كما خص ذاك الجزء من متن وهيب بالذكر؛ لأن عبد الوارث وحمادًا ذكراه في حديثهما المرسل بلفظ:((أَقْرَائِهَا))، فبَيَّن الدَّارَقُطْنِيّ أن وهيبًا مخالف لهما في سنده ولفظه.

ووهيب ثقة ثبت حافظ، قَدَّمه ابن مهدي على ابن عُلَيَّة، وقد توبع:

فرواه الطبراني في (المعجم الكبير 23/ 385/ 919) من طريق علي بن المديني.

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (793) من طريق أبي عبيد الله المخزومي.

كلاهما عن سفيان- وهو ابن عيينة-، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة

الحديث، أحاله الطبراني على لفظ مالك!

ولفظ الدَّارَقُطْنِيّ: ((أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض

))، وساق الحديث بنحو رواية مالك، إلا أنه قال فيه:((فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، فَلْتَغْسِلْ، وَلْتَتَوَضَّأْ، وَلْتَسْتَثْفِرْ، ثُمَّ تُصَلِّي)).

وذِكر الوضوء في متنه مما تفرد به أبو عبيد الله المخزومي، وهو غير محفوظ في هذا الحديث كما بيَّنَّاه في (باب وضوء المستحاضة).

والمشهور عن ابن عيينة بنحو سياقة وهيب:

فرواه الحميدي (304) -ومن طريقه ابن عبد البر في (التمهيد 16/ 57) و (الاستذكار 3612) - عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا أيوب السَّختياني، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، بلفظ السياقة الثالثة، وفيها: ((تَدَعُ

ص: 123

الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا- أَوْ: قَدْرَ حَيْضَتِهَا-)). كذا بالشك بين لفظ القرء والحيض كما رواه وهيب.

ورواه البيهقي في (الكبرى 15482) من طريق إبراهيم بن بشار، نا سفيان، بنحوه، إلا أنه قال:((فسألت لها أم سلمة))، وفيه:((فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَأَيَّامَ حَيْضِهَا .. )) الحديث.

قال البيهقي: ((كذا وجدت، والصواب: ((أَيَّامَ أَقْرَائِهَا- أَوْ: أَيَّامَ حَيْضِهَا-))، بالشك. وكذلك رواه وهيب عن أيوب)) (عقب رقم 15482).

ورواية وهيب تقدمت، واتفاقه هو وسفيان على ذكر الشك يدل على أن الشك في لفظه من شيخهما أيوب.

وقد صرح بهذا الشافعي في روايته عن ابن عيينة:

فرواه الطحاوي في (المشكل 2723) من طريق الشافعي قال: قال: سفيان، عن أيوب

(1)

، به، وفيه:((تَدَعُ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ- أَوْ: أَيَّامَ أَقْرَائِهَا))، الشك من أيوب، لا أدري هذا قال، أو قال هذا.

وقد علقه البيهقي عن الشافعي، فقال: ((وفي رواية حرملة قال: قال الشافعي: وزعم إبراهيم بن إسماعيل ابن عُلَيَّة أن الأقراء: الحيض. واحتج بحديث سفيان

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في امرأة استحيضت أن تدع الصلاة أيام أقرائها.

قال الشافعي: ((وما حَدَّث سفيان بهذا قط، إنما قال سفيان: عن أيوب، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تَدَعُ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ)) أو قال: ((أَيَّامَ أَقْرَائِهَا)). الشك من أيوب، لا

(1)

- أُقحِمَ في الإسناد بين أيوب وسليمان: ((عن نافع))! ! وهو مخالف لسائر المراجع.

ص: 124

ندري قال هذا أو هذا، فجعله هو أحدهما على ناحية مما يريد، وليس هذا بصدق

(1)

.

وقد أخبرناه مالك، عن نافع

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الذِي أَصَابَهَا

إلخ)) (المعرفة 15197 - 15199)، و (السنن الكبرى عقب رقم 15481).

قلنا: إذا ثبت أن الشك من أيوب، فالأَوْلى بأن يكون محفوظًا من اللفظين المشكوك في أيهما قد قيل- هو اللفظ الذي يوافق ما رواه نافع -كما أشار إليه البيهقي في (الكبرى عقب رقم 15482) - لأنه هو الذي اتفقا عليه، ولأن نافعًا أخص بسليمان من أيوب.

وبهذا جزم الشافعي، فقال:((ونافع أحفظ عن سليمان من أيوب، وهو يقول مثل أحد مَعْنَيَيْ أيوب اللذين رواهما)) (السنن الكبرى عقب رقم 15482)، و (المعرفة 11/ 185).

وصنيع الشافعي هذا يقتضي صحة الحديث عنده، وإلا لما لجأ إلى الترجيح، ولا ريب في ذلك، فالشافعي هو القائل:((ما بعد كتاب الله كتاب أصح من كتاب مالك))، أسنده عنه ابن عساكر في (المغطا/ ص 36)، وذكره القاضي عياض في (ترتيب المدارك 2/ 70)، وذكر نحوه عن ابن مهدي أيضًا.

وقد أقر البيهقي صنيع الشافعي، ولم يَرُد الحديث بالانقطاع كما فعله في موضع آخر من الكتاب عند كلامه على طريق نافع.

(1)

- في (المعرفة ط/ قلعجي): ((يَصْدُقُ))، والمثبت من (السنن الكبرى).

ص: 125

بينما تعقب ابن القيم الشافعي في (الزاد 5/ 572، 573)، بكلام فيه نظر من وجوه كما ستراه في باب (الأقراء).

والخلاصة: أن وهيب بن خالد -وهو ثقة ثبت حافظ- وابن عيينة -وهو إمام ثقة حافظ حجة- قد روياه عن أيوب، واتفقا على وصله.

وذَكَر الحربي أن ابن أبي عروبة -وهو ثقة حافظ- قد وصله أيضًا، فقال:((رواه عن أيوب خمسة، لم يقل: ((عن أم سلمة)) إلا وهيب وابن أبي عروبة)) (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 96).

وقد فاته ابن عيينة! إلا أننا نخشى أن يكون ذِكر ابن أبي عروبة تحريف، وأن صوابه:((ابن عيينة))، لاسيما ولم نجد مَن أسند رواية ابن أبي عروبة هذه ولا مَن ذكرها إلا في هذا الموضع من (شرح ابن ماجه) وطبعته مليئة بالتحريف. والله أعلم.

وعلى كل، فاتفاق ابن عيينة ووهيب وحده يمنع من ترجيح المرسل على الموصول، لاسيما وقد توبع شيخهما على هذا الوجه، تابعه الإمام نافع من رواية الإمام مالك وعبيد الله بن عمر، وهما أثبت أصحاب نافع كما سبق.

والصواب في مثل هذا أن يُحمل الخلاف على أن أيوب قد رواه على الوجهين، حَدَّث به مرة موصولًا، ثم احتاط فأرسله، فالوجهان محفوظان عنه من رواية أصحابه الثقات.

وهذا أَوْلى من تخطئة الحفاظ، لاسيما وقد عُرِف ذلك عن أيوب وغيره من أصحاب ابن سيرين، وكذا حماد بن زيد، كان من مذهبهم أن يقصروا بالحديث، كما ذكرناه في موضع آخر. والله أعلم.

وقد أعلَّه البيهقي بشيء آخر، فقال: ((رواه أيوب السَّختياني عن سلميان بن

ص: 126

يسار عن أم سلمة، إلا أنه سمى المستحاضة في الحديث فقال:(فاطمة بنت أبي حبيش)

وحديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في شأن فاطمة بنت أبي حبيش- أصح من هذا. وفيه دلالة على أن المرأة التي استفتت لها أم سلمة غيرها. ويحتمل -إن كانت تسميتها صحيحة في حديث أم سلمة- أن كانت لها حالتان في مدة استحاضتها: حالة تميز فيها بين الدمين فأفتاها بترك الصلاة عند إقبال الحيض وبالصلاة عند إدباره. وحالة لا تميز فيها بين الدمين فأمرها بالرجوع إلى العادة. ويحتمل غير ذلك. والله أعلم)) (السنن الكبرى عقب رقم 1603).

قلنا: جَعَل الحديثين متنافيين؛ ولذا ذهب إلى الترجيح أو القول بتعدد حال المرأة.

وقد تعقبه ابن التركماني قائلًا: ((الأصل ألا يتعدد الحال، ولا تَنافي بين الروايتين حتى يُحمل على ذلك، بل رواية الإقبال والإدبار أيضًا تُحمل على الرجوع إلى العادة، فالإقبال وجود الدم في ابتداء أيامها، والإدبار في انتهائها كما مر)) (الجوهر 1/ 335).

بل قد ثبت في بعض روايات حديث عائشة في الصحيح- التصريحُ برد المرأة إلى أيام العادة. وهو ما صوبه ابن رجب وغيره.

وبهذا يظهر جليًّا موافقة حديث عائشة حديث أم سلمة كما بيَّنَّاه فيما سبق، فانتفت بذلك العلة المذكورة. والله أعلم.

ثالثًا: طريق قتادة عن نافع:

رواه الطبراني في (الكبير 23/ 270/ 576) قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عُبَادة بن زياد، ثنا أبو مريم، عن قتادة، عن سليمان بن

ص: 127

يسار، نحوه.

أي: نحو حديث وهيب الذي أسنده قبله، وقد سبق.

وهذا الإسناد ضعيف جدًّا؛ فأبو مريم هذا هو عبد الغفار بن القاسم الأنصاري، رافضي متهم، كما في (اللسان 4853).

ولكن جزم أبو نعيم في (المعرفة ص 3414) بأن قتادة رواه عن سليمان، عن أم سلمة، أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت

فذكر الحديث.

بينما جزم الدَّارَقُطْنِيّ -كما في (شرح ابن ماجه 3/ 95) - بأن قتادة رواه عن سليمان: أن فاطمة بنت أبي حبيش

أسنده عنها! !

وعلى كل، فقتادة لم يسمع من سليمان بن يسار. قاله أحمد وابن معين (المراسيل لابن أبي حاتم 627، 631).

رابعًا: طريق أبي سلمة عن أم سلمة:

رواه البيهقي في (الكبرى 1604) من طريق إسحاق بن محمد الفَرْوي، ثنا عبد الله بن عمر، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن أم سلمة، بلفظ السياقة الرابعة.

وهذا إسناد ضعيف؛ فيه: عبد الله بن عمر، أبو عبد الرحمن العمري، ضعيف كما في (التقريب).

وبقية رجاله ثقات سوى إسحاق الفروي متكلم فيه، وهو صدوق ساء حفظه، وقد خولف في لفظه:

فرواه أحمد والحاكم والطبراني: عن سُرَيْج بن النعمان، عن العمري، به، بلفظ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ [بِنْتُ قَيْسٍ] رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ!

ص: 128

فَقَالَ: ((لَيْسَ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ، إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، لِتَقْعُدْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، وَلْتُصَلِّ)). والزيادة للحاكم.

ويحتمل أن يكون هذا الاختلاف من قِبل العمري نفسه؛ فإنه ضعيف كما سبق.

ومع ذلك، قال الألباني:((هذا إسناد صحيح على شرط مسلم! لكن عبد الله بن عمر -وهو العمري- سيئ الحفظ، غير أنه صحيح الحديث في المتابعات)) (صحيح أبي داود 2/ 37).

قلنا: كلا، فليس هو على شرط مسلم، كما أن العمري لم يُتابَع، بل تفرد بهذا الإسناد والمتن، وقد خرجناه بهذا اللفظ الثاني في (باب الأقراء)، فانظره هناك.

هذا، وقد صح الحديث من طريق نافع وأيوب عنه. وكفى بهذا الحديث جلالة إخراج مالك له في موطئه.

وقد قال أبو زرعة: ((لو حلف رجل بالطلاق على أحاديث مالك التي بالموطأ أنها صحاح كلها، لم يحنث)) (ترتيب المدارك 2/ 76).

وبالفعل، قد وسم غير واحد موطأ مالك بالصحيح، وسبق قول الشافعي في ذلك. وانظر:(النكت لابن حجر 2/ 276 - 281).

[تنبيهات]:

الأول: ذَكَر ابن الملقن في (البدر 3/ 122) أن ابن القطان قال في (الوهم والإيهام) عن هذا الحديث: ((هذا حديث مرسل فيما أرى)).

وهذا خطأ، فابن القطان إنما قال ذلك في حديث آخر، وهو حديث زينب

ص: 129

بنت أم سلمة: ((أن امرأة كانت تهراق الدم، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف)) (بيان الوهم والإيهام 2/ 549).

الثاني: وقع في المطبوع من كتاب (الإكمال لمغلطاي 6/ 104): ((وقال الربعي: هو حديث مشهور إلا أن سليمان لم يسمعه من أم سلمة)).

وكلمة (الربعي) محرفة من (البيهقي)، وعبارته بنصها في (السنن 1/ 333).

الثالث: ذَكَر المزي في (التحفة 13/ 8 - 9) أن أيوب مُتابِع لمالك في روايته عن نافع!

وهو وهمٌ كما قاله ابن حجر في (النكت 13/ 8)، وإنما هو مُتابِع لنافع في روايته عن سليمان.

ولعل سبب ذلك الوهم أن أيوب مشهور بالرواية عن نافع، بخلافه عن سليمان، حتى إن المزي لم يذكره في تلاميذ سليمان مع أنه على شرطه! !

ص: 130

3377 -

حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: ((أَنَّ فَاطِمَةَ ابنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سُئِلَ لَهَا -؟ فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ فيمَا سِوَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَسْتَثْفِرَ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّيَ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 2: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ، حَتَّى كَانَ الْمِرْكَنُ يُنْقَلُ مِنْ تَحْتِهَا وَأَعْلَاهُ الدَّمُ. قَالَ: فَأَمَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَسْأَلُ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ وَتُصَلِّي)). [فَقِيلَ لِسُلَيْمَانَ: أَيَغْشَاهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نَقُولُ فِيمَا سَمِعْنَا].

• وَفِي رِوَايَةٍ 3: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْتَفْتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، فَقَالَ:((تَدَعُ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

مرسل صحيح، وقد صح متصلًا بلفظ ((أيام حيضها)) كما سبق.

[التخريج]:

تخريج السياق الأول: [ش 1357]

تخريج السياق الثاني: [قط 795 "واللفظ له"، 796 "والزيادة له ولغيره" / ميمي 424 / هق 15481/ تمهيد (16/ 56 - 57) / تحقيق 299].

تخريج السياق الثالث: [قط 794]

[السند]:

قال ابن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن سليمان بن يسار، به.

ص: 131

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (796) من طريق ابن عُلَيَّة. وأيضًا (795) من طريق حماد بن زيد. وأيضًا (794) من طريق عبد الوارث.

ثلاثتهم عن أيوب به مرسلًا.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنه مرسل، وقد صح موصولًا بلفظ ((أيام حيضها))، كذا رواه نافع. وأيوب كان يشك في لفظه، هل هو ((أيام قرئها))، أم ((أيام حيضها))، بَيَّن ذلك وهيب وابن عيينة في حديثهما عنه. وقد بينا ذلك فيما سبق.

ورواية ابن الجوزي في (التحقيق) من طريق وهيب، وقد وهمَ في إرسالها كما بيَّنَّاه في تحقيقنا للرواية الموصولة آنفًا.

هذا، وقد ذَكَر ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 400) وابن حجر في (الدراية 1/ 89) أن الدَّارَقُطْنِيّ قال في رواته:((كلهم ثقات))، وهذا لم نجده في السنن ولا غيرها.

ص: 132

3378 -

حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ:

◼ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ- مِنْ بَنِي أَسَدِ قُرَيْشٍ- رضي الله عنها: أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا تُسْتَحَاضُ، فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ لَهَا:((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَـ[فَاغْتَسِلِي، وَ] اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح المتن. وصححه الألباني. لكن سنده منقطع، والصواب أن الحديث من مسند عائشة. والمشهور أن صاحبة القصة هي (فاطمة بنت أبي حُبَيْش)، وأن عروة إنما يرويها عن عائشة. وبهذا أعله الدَّارَقُطْنِيّ، لكن ذكر الطبراني وغير واحد أن اسم أبي حبيش (قيس).

[التخريج]:

[ن 206 "واللفظ له"، 353 "والزيادة له ولغيره" / كن 259 / طب (24/ 362/ 900) / طس 2952 / طص 230].

[السند]:

رواه النسائي في (الصغرى 206، 353)، و (الكبرى 259) قال: أخبرنا عمران بن يزيد [بن أبي جميل الدمشقي] قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله [وهو ابن سَمَاعة] العدوي، قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني هشام بن عروة، عن عروة، عن فاطمة بنت قيس، به.

ورواه الطبراني في (الكبير 24/ 362)، و (الأوسط 2952)، و (الصغير 230) عن إبراهيم بن دُحَيْم الدمشقي قال: نا عمران بن أبي جميل

(1)

، به.

(1)

- تحرف في الأوسط إلى ((حميد))، والصواب ((جميل)) كما في بقية المراجع، وبَيَّنه محققه.

ص: 133

قال الطبراني: ((لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن سماعة، تَفَرَّد به عمران بن أبي جميل)).

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله كلهم ثقات. فعمران هو ابن خالد بن يزيد بن مسلم بن أبي جميل، القرشي الدمشقي: رَوَى عنه جمع من الثقات، منهم بعض الأئمة؛ كالنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين والحسن بن سفيان

وغيرهم. انظر (الجرح والتعديل 6/ 307)، و (تهذيب الكمال في أسماء الرجال (22/ 326 - 327). وقال عنه النسائي:"لا بأس به"، وقال في موضع آخر:"ثقة"(تهذيب التهذيب 8/ 130)، وذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 498)، وقال الذهبي:"ثقة"(الكاشف 4263)، وقال ابن حجر:"صدوق"(التقريب 5153).

وابن سماعة من أصحاب الأوزاعي الأثبات، وهو من أجلهم وأقدمهم فيه.

إلا أن سماع عروة من فاطمة مختلف فيه، والأرجح أنه لم يسمع منها كما ذهب إليه البيهقي وابن القطان. وقد بينا ذلك تحت رواية الزهري عن عروة في "بَابِ الفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الحَيْضِ وَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

وعليه، فالإسناد منقطع.

والمشهور أن صاحبة القصة هي (فاطمة بنت أبي حبيش)، وأن عروة إنما

ص: 134

يرويها عن عائشة لا عن فاطمة. كذا رواه أكثر من أربعين نفسًا: (عن هشام، عن أبيه عن عائشة: بقصة فاطمة).

ولذا أَعَل الدَّارَقُطْنِيّ هذا الحديث، وحَمَل فيه على الأوزاعي، فقال: ((رواه الأوزاعي

ووَهِمَ فيه، والصحيح: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، أن فاطمة بنت أبي حبيش

)) (العلل 9/ 378).

وقال أيضًا: ((رواه الأوزاعي

ولم يذكر عائشة، ووَهِم في قوله:(بنت قيس) وإنما هي بنت أبي حبيش)) (العلل 8/ 139).

ولكن قال الطبراني عقب الحديث: ((وفاطمة بنت قيس هذه هي فاطمة بنت أبي حبيش، واسم أبي حبيش: قيس، وليست بفاطمة بنت قيس الفِهْرية التي روت قصة طلاقها)).

وكذا قال ابن الجوزي في (التلقيح ص 405)، بل وقع في بعض نسخ الصغرى:((فاطمة بنت أبي حبيش))، وكذا ذكره السيوطي في (شرحه 1/ 116)، وقال:((واسمه قيس)).

وكذا جزم المزي وتبعه ابن حجر وغيره بأن أبا حبيش اسمه قيس.

وعلى هذا، فلم يَهِمِ الأوزاعي في تسميتها.

ويبقى الوهم في إسقاطه عائشة من الإسناد؛ فذِكرها هو المحفوظ كما رواه الجم الغفير من أصحاب هشام الثقات.

[تنبيه]:

الحديث أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ في (الأفراد) في موضع عن عائشة عن فاطمة، وفي موضعين عن عروة عن فاطمة، فقال في الموضع الأول: "تفرد

ص: 135

به عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة عنها".

وقال في موضع آخر: "غريب من حديث بحر بن كنيز السقاء، عن هشام، عن أبيه، عن امرأة يقال لها فاطمة، ما كتبناه إلا عن هذا الشيخ يعني أبا علي الحسين بن إبراهيم الخلال".

وقال في موضع ثالث: "تفرد به إسحاق الأزرق، عن مسعر عن هشام، عن أبيه عنها"(أطراف الغرائب والأفراد 5897).

فأما الموضع الأول: فتقدم في إحدى التنبيهات على حديث عائشة، أن الأظهر - لدينا - أنه من مسند عائشة، لقرينة السياق، فليراجع في موضعه.

وأما الموضع الثاني: ففيه بحر السقاء وهو ضعيف واهٍ شبه المتروك، كما تقدم مرارًا.

وأما الموضع الثالث: فلم نقف على سنده إلى إسحاق الأزرق، عن مسعر. ولكن على كل حال، هو معلول لمخالفته رواية الجماعة عن هشام، فقد رواه عنه أكثر من أربعين نفسًا، كلهم (عن هشام، عن أبيه عن عائشة).

ص: 136

3379 -

حَدِيثُ عُرْوَةَ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: اسْتَفْتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: ((إِنِّي مُسْتَحَاضَةٌ

))، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

[الحكم]:

صحيح المتن. وهذا مرسل ضعيف الإسناد.

[التخريج]:

[عيل (1/ 345) / خط (5/ 363)].

[السند]:

رواه الإسماعيلي في (معجم شيوخه) - ومن طريقه الخطيب في (تاريخ بغداد) - قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الختلي، حدثنا القُطَعي- يعني محمد بن يحيى- حدثنا عاصم بن هلال، حدثنا أيوب السَّختياني، عن هشام بن عروة، عن أبيه. به ولم يَسُقْه بتمامه، وقد مرّ لفظه كاملًا.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف؛ فيه - مع إرساله - عاصم بن هلال، مختلف فيه، وقال ابن حجر:((فيه لِين)) (التقريب 3081).

قلنا: وهو كذلك، لاسيما في أيوب، فقد قال أبو زرعة:((حَدَّث عن أيوب بأحاديث مناكير)).

وهذا منها بلا شك، فأيوب إنما يرويه عن هشام عن أبيه عن عائشة: أن فاطمة، به. هكذا رواه أبو عوانة (979) من طريق عبد الوارث، والطبراني في (الكبير 24/ 361) و (الأوسط 4281) من طريق ابن عُلَيَّة، كلاهما عن أيوب، به.

ص: 137

وبهذا جزم الدَّارَقُطْنِيّ في (العلل 8/ 138)، وأبو نعيم في (المعرفة 7794).

فأخطأ عاصم، وأسقط منه عائشة، وأرسله عن عروة.

وانظر الكلام في سماع عروة من فاطمة تحت رواية الزهري عن عروة في "بَابِ الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الحَيْضِ وَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

ص: 138

3380 -

حَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ- أَوْ: أَسْمَاءَ- بِالشَّكِّ:

◼ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ [أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]، أَوْ أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، [تَعْنِي: عَنِ الْحَيْضِ]، ((فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ)).

[الحكم]:

صحيح المتن بشواهده، وإسناده ضعيف. وأعله: البيهقي، وابن عبد البر، ومغلطاي.

بينما صححه الألباني. وهو ظاهر صنيع ابن القيم، وابن دقيق.

[التخريج]:

[د 281 واللفظ له / تخث (السِّفر الثاني 3605) والزيادتان له/ هق 1593].

[السند]:

رواه أبو داود (281) -ومن طريقه البيهقي (1593) - قال: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، عن سهيل - يعني ابن أبي صالح -، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، به.

ورواه ابن أبي خيثمة في (التاريخ 3605) عن أبيه زهير، قال: حدثنا جرير، عن سهيل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة، به، بالشك أيضًا.

فمداره بهذه السياقة على جرير - وهو ابن عبد الحميد -، به.

ص: 139

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله - إلى صحابيته - ثقات رجال الشيخين، سوى سهيل، فمن رجال مسلم.

ولذا قال الألباني: ((إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح)) (صحيح أبي داود 2/ 41).

قلنا: لكنْ سهيل وإن كان من رجال مسلم، فهو مُختلَف فيه، وثقه جماعة وتكلم فيه آخرون من قِبل حفظه.

وغالب أحاديثه عند مسلم في الشواهد، ولم يُخرِّج له شيئًا عن الزهري؛ لأنه ليس من أصحابه المعنيين بحديثه، فتَفَرُّده عن الزهري غير مقبول، لاسيما وقد اختُلف عليه فيه:

فرواه جرير بن عبد الحميد، عن سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن فاطمة- أو: أسماء- بالشك، كما سبق.

قال ابن القطان: ((فإنه مشكوك في سماعه إياه من فاطمة أو من أسماء)) (بيان الوهم 2/ 459).

ورواه خالد بن عبد الله الواسطي وعمران بن عبيد الضبي وأبو عوانة وعلي بن عاصم، عن سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس، أنها قالت: ((يا رسول الله، إن فاطمة استحيضت

))، فجعلوه من حديث أسماء بلا شك.

وهذا يَرُد ما ذهب إليه ابن دقيق في (الإمام 3/ 191) من أن الشك فيه إنما هو من قِبل عروة نفسه!

وفي حديث خالد ومَن تابعه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ((تَغْتَسِلُ لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ

ص: 140

غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأُ فيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)).

وسيأتي تخريج هذا السياق في "بَابِ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِ المُستَحَاضَة بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

وذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ الاختلاف في سنده في (العلل 8/ 142)، ولم يرجح.

قال ابن رجب: ((في إسناده اختلاف، وقد قيل: إن الصحيح فيه: عن عروة، عن فاطمة))! ! (الفتح 2/ 57).

ولو صح هذا، لكان منقطعًا؛ لأن الراجح أن عروة لم يسمع من فاطمة كما بيَّنَّاه في غير هذا الموضع.

لكن هذا القول فيه نظر، فمن جهة الترجيح لا شك أن رواية الجماعة أَوْلى، لاسيما وخالد بمفرده أوثق من جرير، فكيف وقد توبع؟ !

ولذا قال الألباني: ((الصواب فيه أنه من رواية عروة عن أسماء بنت عميس)) (صحيح أبي داود 2/ 41، 90).

وكان قد قال قبل هذه العبارة: ((التردد المذكور في إسناده لا يُعِله)) (صحيح أبي داود 2/ 41).

قلنا: إنما يعله على القول الذي ذكره ابن رجب.

وعلى كلٍّ، فالحمل فيه على سهيل أَوْلى، لاسيما واللفظ الذي رواه الجماعة عنه منكر، لا يُعْرَف عن الزهري إلا من هذا الوجه، وليس بمحفوظ في قصة فاطمة، بل المحفوظ خلافه كما سبق.

وسنبين ذلك بوضوح عند تحقيق اللفظ المذكور.

ص: 141

وما ذكرناه من أولوية الحمل على سهيل هو ما ذهب إليه غير واحد من النقاد:

فقال ابن عبد البر: ((روى هذا الحديث سهيل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: (حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش، أو أسماء حدثتني أن فاطمة)، فلم يُقِم الحديث)) (التمهيد 22/ 106).

وقال البيهقي: ((رواية سهيل فيها نظر، وفي إسناد حديثه، ثم في الرواية الثانية عنه دلالة على أنه لم يحفظها كما ينبغي)) (السنن الكبير عقب رقم 1593).

وقال الشوكاني: ((في إسناده سهيل بن أبي صالح، وفي الاحتجاج بحديثه خلاف)) (نيل الأوطار 1/ 303)، و (الفتح الرباني 5/ 2599).

وخالف ابن القيم فقال: ((صرح سهيل عن الزهري عن عروة قال: (حدثتني فاطمة) وحَمْله على سهيل وأن هذا مما ساء حفظه فيه- دعوى باطلة! ! وقد صحح مسلم وغيره حديث سهيل)) (الحاشية 1/ 323، 324).

قلنا:

أولًا: إنما قال سهيل فيه: ((حدثتني فاطمة- أو: أسماء-)) بالشك كما سبق، هذه رواية جرير. وفي رواية الجماعة جعله عن أسماء بلا شك!

ثانيًا: قد سبق أن مسلمًا لم يخرج لسهيل عن الزهري شيئًا، وأنه مُتكلَّم فيه من قِبل حفظه.

هذا، وقول البيهقي:((رواية سهيل فيها نظر)) يقصد به اللفظ الذي ذكره جرير؛ لأنه يراه مخالفًا لحديث عائشة في قصة فاطمة، إذ يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أحالها على تمييز الدم. وقد بينا هناك أن الصواب أنه أحالها على الأيام، وجاء ذلك صريحًا في رواية عند البخاري كما سبق، وجاء أيضًا في حديث

ص: 142

أم سلمة، وسيأتي. وبهذا يصح لفظ جرير.

وذهل عن ذلك ابن القطان، فقال:((وفي متن الحديث ما أُنْكِرَ على سهيل، وعُدَّ مما ساء فيه حفظه، أو ظهر أثر تغيره عليه، وكان قد تغير، وذلك أنه أحال فيه على الأيام، وذلك أنه قال: ((فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الْأَيَّامَ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ))، والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم والقُرْء))! ! (بيان الوهم 2/ 459).

وتعقبه ابن القيم، فقال:((وقوله: (إنه أحال فيه على الأيام، والمعروف الإحالة على القروء والدم) كلام في غاية الفساد؛ فإن المعروف الذي في الصحيح إحالتها على الأيام التي كانت تحتسبها حيضها، وهي القروء بعينها، فأحدهما يُصَدِّق الآخر. وأما إحالتها على الدم فهو الذي يُنْظَر فيه، ولم يروه أصحاب الصحيح، وإنما رواه أبو داود والنسائي، وسأل عنه ابن أبي حاتم أباه، فضَعَّفه وقال: هذا منكر)) (الحاشية 1/ 324).

ويقصد بهذه الرواية المنكرة رواية: ((إِذَا كَانَ دَمُ الحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ)).

ومع صحة مضمون هذا التعقب، إلا أنه لا يصلح ردًّا على كلام ابن القطان؛ لأنه لا يعني هذه الرواية البتة، كيف وهو يعلها أيضًا؟ ! وقد ذكر ذلك ابن القيم نفسه!

وإنما يريد ابن القطان بالمعروف في قصتها- الرواية التي في الصحيحين بلفظ: ((فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ)).

ويرى - كغيره - أنها إحالة على تمييز الدم، بخلاف رواية سهيل هنا.

ولذا اعترضه ابن دقيق قائلًا: ((لقائل أن يقول: ليس في المعروف مناقضة لما رواه سهيل، فإن المعروف: ((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ))، ((وَإِذَا

ص: 143

ذَهَبَ قَدْرُهَا)) أو ((إِذَا أَدْبَرَتْ)).

وهذا الإقبال يحتمل أن يكون لأمر يرجع إلى صفة الدم. ويحتمل أن يكون لمجيء الأيام التي كانت تعتادها.

وإذا احتمل، فتبين برواية سهيل أحد الأمرين، فلا يعارض ولا يناقض، كيف وقد روى أيوب - وأيوب أيوب -، عن سليمان بن يسار، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ التِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ))

وهذا رَدٌّ لفاطمة إلى الأيام)) (الإمام 3/ 192).

قلنا: قد جاء التصريح برد فاطمة إلى الأيام في صحيح البخاري من حديث عائشة كما سبق. وبه تعقب مغلطاي على ابن القطان فأحسن.

قال مغلطاي معقبًا على كلام ابن القطان: ((وفيه نظر من حيث عصب الجناية برأس سهيل في الإحالة على الأيام، وليس هو بمنفرد بذلك؛ لما في صحيح البخاري

عن عائشة: ((أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ

))، وفيه: ((فَدَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ التِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا

)) الحديث، فهذا كما ترى: الإحالة على الأيام من غير روايته، فلا تَدَخُّل لسهيل في هذا السند)) (شرح ابن ماجه 3/ 103).

[تنبيه]:

ذَكَر صاحب (عون المعبود 1/ 318) أن المنذري حَسَّن هذا الحديث. ولم نجد ذلك في (المختصر 1/ 180)، بل سكت عنه!

ص: 144

3381 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي شَأْنِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ- الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- شَكَتْ إِلَى رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ [-قَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنَ دَمًا-] فَقَالَ لَهَا [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم]: ((امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي [وَصَلِّي])). فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ.

[الحكم]:

صحيح (م). وأصله متفق عليه بلفظ آخر.

[التخريج]:

[م (334/ 65) "والزيادات له ولغيره"، (334/ 66) "واللفظ له" / د 279 / ن 212، 356/ كن 258/ ..... ].

وسيأتي بتخريجه كاملًا في أول الباب التالي: (بَابُ الاسْتِحَاضَةِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ).

[السند]:

رواه مسلم (334/ 65) قال: حدثنا محمد بن رُمْح، أخبرنا الليث، (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر، عن عِرَاك، عن عروة، عن عائشة، به مع الزيادات.

ثم رواه مسلم (334/ 66) عن موسى بن قريش التميمي، حدثنا إسحاق بن بكر بن مُضَر، حدثني أبي، حدثني جعفر بن ربيعة، به، دون الزيادات.

وسيأتي برواياته كاملة في الباب التالي.

ص: 145

3382 -

حَدِيثُ بُهَيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ بُهَيَّةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تَسْأَلُ عَائِشَةَ عَنِ امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا، [فَلَا تَدْرِي كَيْفَ تُصَلِّي، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي امْرَأَةٍ فَسَدَ حَيْضُهَا، وَأُهَرِيقَتْ دَمًا، فَلَا تَدْرِي كَيْفَ تُصَلِّي، ] فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ آمُرَهَا: ((فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ [مَرَّةً] وَحَيْضُهَا مُسْتَقِيمٌ، فَلْتَعْتَدَّ بِقَدْرِ ذَلِكَ (فَلْتَقْعُدْ مِثْلَ ذَلِكَ) مِنَ [اللَّيَالِي وَ] الْأَيَّامِ، ثُمَّ لْتَدَعِ الصَّلَاةَ فِيهِنَّ- أَوْ: بِقَدْرِهِنَّ- ثُمَّ لْتَغْتَسِلْ [وَلْتُحْسِنْ

(1)

طُهْرَهَا]، ثُمَّ لْتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لْتُصَلِّ [فَإِنِّي أَرْجُو أَنَّ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يُذْهِبَهُ اللَّهُ عَنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ)). قَالَتْ: فَأَمَرْتُهَا بِفِعْلِهِ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهَا، فَمُرِي صَاحِبَتَكِ بِذَلِكَ].

[الحكم]:

إسناده ضعيف. وضَعَّفه: المنذري والألباني.

[التخريج]:

[د 284 "واللفظ له" / عل 4625 "والزيادات والرواية له ولغيره" / هق 1595، 1642/ كما (35/ 139) / ميز (4/ 605)].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو عَقِيل، عن بُهَيَّة، به.

ومداره عندهم على أبي عقيل يحيى بن المتوكل، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

(1)

- قوله: ((ولتحسن)) سقط من عند أبي يعلى، واستدركناه من (سنن البيهقي الكبرى).

ص: 146

الأولى: بُهَيَّة - مولاة عائشة - قال عنها الحافظ: "لا تُعْرَف"(التقريب 8547). وقال ابن عمار الموصلي: "أبو عَقيل صاحب بُهَيَّة، وبُهَيَّة، ليس هؤلاء بحجة"(تهذيب التهذيب 11/ 271)، وقال الجوزجاني:"سألت عنها كي أعرفها فأعياني"، وقال الأزدي:"لا يقوم حديثها"(ميزان الاعتدال 1331).

الثانية: أبو عقيل يحيى بن المتوكل ضعيف، ضَعَّفه جمهور الأئمة: أحمد وابن معين، وابن المديني، وأبو حاتم، وأبو زُرْعة، والنسائي

وغيرهم. وقال الفلاس: "فيه ضعف شديد"، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:"أحاديثه منكرة"، وقال ابن حبان:"ينفرد بأشياء ليس لها أصول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرتاب الممعن في الصناعة أنها معمولة"، وقال ابن عدي:"عامة أحاديثه غير محفوظة"، وقال ابن عبد البر:"هو عند جميعهم ضعيف"(تهذيب التهذيب 11/ 271). وقال الذهبي: "ضعفوه"(الكاشف) وقال ابن حجر: "ضعيف"(التقريب 7633).

قلنا: لاسيما حديثه عن بُهَيَّة، فقد قال الإمام أحمد:"أحاديثه عن بُهَيَّة عن عائشة منكرة، وما روى عنها إلا هو، وهو واهي الحديث".

وبه أعله المنذري، فقال:((أبو عقيل .. مديني لا يُحتج بحديثه، وقيل: إنه لم يَرْوِ عن بُهَيَّة إلا هو)) (المختصر 1/ 181).

وبهاتين العلتين ضَعَّفه الألباني في (ضعيف أبي داود 1/ 120، 121).

[تنبيه]:

الحديث دون الزيادة الأولى التي أثبتناها من عند أبي يعلى وغيره- به اختصار يُخل بالمعنى؛ إذ يوهم أن التي أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي بُهَيَّة!

ص: 147

وليس كذلك؛ وإنما هي عائشة، وقد بَيَّن ذلك الألباني في (ضعيف أبي داود 1/ 121).

ص: 148

3383 -

حَدِيثُ أَبِي مَاعِزٍ مرسلًا:

◼ عَنْ أَبِي مَاعِزٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي اسْتُحِضْتُ، قَالَ:((دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَكِ الَّتِي هِيَ أَيَّامُكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَاحْتَشِي كُرْسُفًا، وَطُوفِي بِالْبَيْتِ وَصَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح المتن دون قوله ((وَطُوفِي بِالْبَيْتِ)) وهي صحيحة المعنى. وإسناده ضعيف جدًّا.

[التخريج]:

[ش 14744]

[السند]:

أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) قال: حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الكريم، عن أبي ماعز، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ مسلسل بالعلل:

الأولى: ابن أبي ليلى وهو محمد بن عبد الرحمن، الجمهور على تليينه، وقال الحافظ:((صدوق سيء الحفظ جدًّا)) (التقريب 6081)، وانظر:(تهذيب التهذيب 9/ 302).

الثانية: عبد الكريم هو ابن أبي المخارق: ((ضعيف)) كما في (التقريب 4156).

الثالثة: أبو ماعز هذا مجهول لا يعرف، وهو أبو ماعز الأسلمي عبد الله بن سفيان - كما سيأتي في العلة الخامسة -، ولم نجد من وثقه ولا من

ص: 149

ترجم له، سوى أن مسلمًا ذكره في (المنفردات والوحدان 214) فيمن تفرد عنهم أبو الزبير، ووقع في المطبوع منه:"أبو عامر (كذا) عبد الله بن سفيان"! .

الرابعة: الإرسال؛ فأبو ماعز هذا ليس بصحابي، وهذا ظاهر، فعبد الكريم لم يسمع من أحد من الصحابة. وانظر العلة التالية.

الخامسة: المخالفة؛ فالمحفوظ عن أبي ماعز روايته هذا الخبر عن ابن عمر موقوفًا.

فقد رواه مالك في (الموطأ 1085) - وعنه عبد الرزاق في (المصنف 1205)، وغير واحد -: عن أبي الزبير المكي، أَنَّ أَبَا مَاعِزٍ الأَسْلَمِيَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سُفْيَانَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَسْتَفْتِيهِ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَقْبَلْتُ، أُرِيدُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، فَرَجَعْتُ حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ عَنِّي، ثُمَّ أَقْبَلْتُ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، هَرَقْتُ الدِّمَاءَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ:((إِنَّمَا ذَلِكِ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ اسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، ثُمَّ طُوفِي)).

ورواه أبو القاسم البغوي في (مسند ابن الجعد 2619) من طريق زهير (وهو ابن معاوية)، عن أبي الزبير، عَنْ أَبِي مَاعِزٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَوَضَّأُ، ثُمَّ أَخْرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَنْصَبُّ مِنِّي الدَّمُ حَتَّى يَسِيلَ عَلَى قَدَمِي، قَالَ:((أَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ انْطَلِقِي إِلَى بَيْتِكِ، ثُمَّ اسْتَذْفِرِي، ثُمَّ طُوفِي بِالْبَيْتِ)).

وهذا الموقوف وإن كان أصح من الرواية المرفوعة، إلا أنه ضعيف أيضًا؛ لجهالة أبي ماعز.

ص: 150