الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
617 - بَابُ تَخْيِيرِ المُسْتَحَاضَةِ فِي الجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ وَالغُسْلِ لَهُمَا، أَوِ الاغْتِسَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الطُّهْرِ
3418 -
حَدِيثُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ:
◼ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ! قَالَ:((أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ)). قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ! قَالَ: ((فَتَلَجَّمِي))، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: ((فَاتَّخِذِي ثَوْبًا))، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا! !
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ، أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ [مِنَ الْآخَرِ]، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ))، فَقَالَ: ((إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ [رَكَضَاتِ] الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ- أَوْ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ- فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي. فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ؛ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً- أَوْ: ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا- وَصُومِي وَصَلِّي؛ فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ. وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي [كُلَّ شَهْرٍ]، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ.
فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حِينَ تَطْهُرِينَ،
وَتُصَلِّينَ (وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ)).
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ)).
[الحكم]:
مختلف فيه:
فضَعَّفه أبو حاتم، وابن المنذر، والدَّارَقُطْنِيّ، وابن منده، وابن حزم، وابن عبد البر. وهو ظاهر صنيع أبي داود، والخطابي، والبيهقي، والمنذري، وابن رجب.
واختلفت الرواية عن أحمد، والأكثر على أنه ضَعَّفه ولم يأخذ به. وقيل: إنه رجع إلى تقويته وأَخَذ به.
بينما حَسَّنه: البخاري، والطبري، والبغوي، والطوسي، وابن عبد الهادي، والألباني. وهو ظاهر صنيع ابن القطان، وابن سيد الناس، وابن القيم، وابن دقيق، وابن الملقن.
وصححه: الترمذي، وعبد الحق، والنووي، وأحمد شاكر.
والراجح: ضعفه.
[اللغة]:
قال ابن الأثير: " (رَكْضَة من الشيطان) الرَّكْضَة: الدفعة، أي: إن الشيطان قد حَرك هذا الدم، وليس بدم حيض معتاد. قال الخطابي: معناه: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقًا إلى التلبيس عليها في أمرها وشأن دينها، ووقت طهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك، فصار في التقدير: كأنه ركضة نالتها من رَكَضَاته.
وقوله: ((أثُج ثَجًّا)): ثَججتُ الماءَ أثُجُه ثَجًّا: إذا أسلتَه وأجريتَه بكثرة. أرادت: أن دمها يجري جريًا كثيرًا.
وقوله ((الميقات)): الوقت المعهود للحيض. وهو (مِفعَال) من الوقت.
وقوله: ((تَلَجَّمِي)): التَّلَجُّم: كالاستثفار، وهو أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة توثق طرفيها في شيء آخر قد شدته على وسطها، بعد أن تحتشي قطنًا، فتمنع بذلك الدم أن يجري أو يقطر". (جامع الأصول 7/ 367).
وقال أيضًا: (الكُرسُف): القُطن، وقد جعله وصفًا للثياب وإن لم يكن مُشتَقًّا؛ كقولهم:(مررت بحَيةٍ ذرَاع)، و (إبلٍ مائة) ونحو ذلك. (النهاية 4/ 295).
وقال ابن دقيق العيد: "قوله (أنعت)؛ أي: أصفُ. والنعت: وصف الشيء بما فيه من حُسن. ولا يقال في القبح إلا أن يتكلف متكلف فيقول: (نعت سوء). والوصف يقال في الحسن والقبيح"(الإمام 3/ 410).
[التخريج]:
[د 287 "والزيادات والرواية له" / ت 129 "واللفظ له" / جه (622 طبعة دار إحياء الكتب العربية
(1)
، 597 / حم 27144، 27474، 27475/ ك 625/ عب 1183/ ش 1373/ أم 124/ شف 110 / حق 2190 / حرب (طهارة 547) / طب (24/ 217، 218/ 551 - 553) / تخ (1/ 316) مختصرًا جدًّا/ مث 3189، 3190/ منذ 805، 806 / حث (تهذيب التهذيب 7/ 466) / قط 834 - 838/ مقط (2/ 808)
(1)
ولم يثبته محقِّقو طبعة دار التأصيل، وهو مُثبَت في غيرها من الطبعات؛ كطبعة الرسالة، ودار الجيل، ودار الصِّديق. وقد ذكره المِزِّي في (التحفة 13/ 42 - 43).
مختصرًا/ تخث (السفر الثاني 3976 هـ) / طوسي 108/ مشكل 2717، 2718/ صحا 7567/ هق 1624، 1625، / هقع 2189، 2194/ هقغ 169/ هقش (1/ 138 - 142) / هقخ 1013، 1014/ نعيم (طب 430) / محلى (2/ 193) / تمهيد (16/ 62 - 64) / بغ 326/ كر (43/ 504 - 506) / تحقيق 301/ أسد (7/ 71، 72) / حبيب (موطأ 1/ 210)].
[التحقيق]:
قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب وغيره، قالا: ثنا عبد الملك بن عمرو، ثنا زهير بن محمد - الخراساني - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، به.
ورواه الترمذي: عن محمد بن بشار قال: عن أبي عامر العَقَدي عبد الملك بن عمرو، عن زهير بن محمد، به.
ورواه أحمد وابن راهويه وغيرهما عن عبد الملك، عن زهير بن محمد، به
(1)
.
وتوبع عليه زهير:
فرواه عبيد الله بن عمرو الرَّقِّي وشَريك وابن جريج وعمرو بن ثابت
(1)
قال إسحاق: ((قد روى هذا الحديث: ابن جريج، وشريك، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وجرير بن حازم، والنعمان بن راشد. كلهم عن عبد الله بن محمد بن عقيل بهذا الإسناد، وليس في جميع من رواه أثبت عندي في هذا الحديث (من) زهير بن محمد)) (مسائل حرب - كتاب الطهارة، ص 269).
وإبراهيم بن محمد الأسلمي، عن ابن عقيل، به، كما في مراجع التخريج.
إلا أن ابن جريج أخطأ في سنده، كما أخطأ ابن ثابت في بعض متنه، وسيأتي بيان خطئه لاحقًا.
فأما خطأ ابن جريج: فرواه عبد الرزاق (1183) - ومن طريقه ابن ماجه (622 طبعة دار إحياء الكتب العربية) وابن المنذر (805)، والطبراني (24/ 551)، وابن أبي عاصم (3189) -: عن ابن جريج، عن ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمر بن طلحة
(1)
عن [أم حبيبة] ابنة جحش، به، مطولًا.
ثم رواه عبد الرزاق برقم (1158) عن ابن جريج، عن عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمر
(2)
بن طلحة، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ:((أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَجَلَ حَيْضَتِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ- أَوْ: سَبْعَةً)). كذا مختصرًا جدًّا.
وقد أخطأ ابن جريج في قوله: (عمر بن طلحة)، والصواب:(عمران بن طلحة).
ولذا قال البخاري - عقب ذكر رواية ابن جريج -: ((والأول أصح))
(1)
- سقط من مطبوعة الطبراني! كما عدله محقق المصنف (طبعة المكتب الإسلامي)، وتبعه محققو التأصيل إلى:(عمران) ظنًّا منهم أنه خطأ من النساخ! وكذا وقع في طبعتي ابن المنذر: (عمران)! والمعروف أن ابن جريج أخطأ فيه وسماه (عمر) كما في أصل المصنف، وعنه ابن ماجه وابن أبي عاصم.
(2)
عدله محققو التأصيل أيضًا إلى (عمران)، وقالوا بالحاشية:"في الأصل (عمر)، والصواب ما أثبتناه كما في مصادر التخريج".
(التاريخ الكبير 1/ 316)، يعني: عمران.
وقال الترمذي: ((ابن جريج يقول: (عمر بن طلحة)، والصحيح (عمران بن طلحة))).
وفي تكنيته حَمْنة بأم حبيبة نظر أيضًا، وإن قال البيهقي:((وأما حمنة بنت جحش فقد قال علي بن المديني: هي أم حبيبة، كانت تكنى بأم حبيبة، وهي حمنة بنت جحش)). ثم قال: ((وخالفه يحيى بن معين، فزعم أن المستحاضة أم حبيبة بنت جحش تحت عبد الرحمن بن عوف، ليست بحمنة)) (السنن الكبرى عقب رقم 1625).
وقول ابن معين أقرب إلى الصواب، وليس هنا موضع بسطه.
والخلاصة: أن الحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو علته؛ فقد اختَلف فيه النقاد، والجمهور على تليينه كما بيَّنَّاه في غير ما موضع؛ ولذا اختلف النقاد في حديثه هذا: فمنهم مَن قَبِله، ومنهم مَن رده.
فأما مَن قَبِله، فعلى رأسهم البخاري والترمذي:
قال الترمذي: ((سألت محمدًا - يعني: البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن)) (السنن عقب الحديث).
لكنه ذكر في (العلل 74) أن البخاري قال: ((حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا))، ونقله البيهقي في (الكبرى عقب رقم 1625).
فيمكن أن يقال: هذا نقض لتحسينه، أي: هو حسن لولا كذا. وإلا فكيف يحسنه مع عدم علمه بثبوت السماع من عدمه؟ وعلى هذا فيكون قد اضطربت
الرواية عنه، إلا إن قلنا: المراد تحسينه رغم عدم تحقق السماع لقرائن تُرجِّح ذلك عنده.
وقد أنكر ابن سيد الناس قول البخاري هذا، وشك في صحته، فقال: ((وهذا القول عن البخاري لا أعلم له وجهًا!
إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومئة
…
وهو تابعي، سمع أبا أَسِيد الساعدي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة، رضي الله عنهم.
وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ، رضي الله عنهم.
فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقِدَمه؟ ! وأين ابن طلحة من هؤلاء في القِدَم؟ ! وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة؟ ولو توقف عن القول بسماعه من ابن طلحة، معللًا ذلك بعلة غير القِدم أو غير معلل له بعلة؛ لما توجه إنكاره. وفي صحة هذا عن البخاري عندي نظر)) (النفح الشذي 3/ 137).
قال ابن المُلقِّن: ((لكن قد نقله عنه مثل هذا الإمام - (يعني: الترمذي) -، وجوابه ما سلف))، وهو ما سبق من المعاصرة وإمكان اللقاء (البدر 3/ 63).
ولهذا قال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي: ((وأما العلة الأخرى التي نقلها البيهقي عن الترمذي عن البخاري، في الشك في سماع ابن عقيل من إبراهيم بن محمد بن طلحة؛ فإنها علة لا تقوم لها قائمة)).
وكأنه لذلك لم يبالِ الترمذي بهذا، وجزم بصحته، فقال: ((هذا حديث حسن
صحيح)) (السنن عقب رقم 129).
وكذا نقل الترمذي عن الإمام أحمد أنه قال: ((هو حديث حسن صحيح))! (السنن عقب رقم 129).
وقال أيضًا: ((وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح)) (العلل الكبير 74).
ونَقَل حرب عن أحمد أنه قال: ((نذهب إليه، ما أَحْسَنَه من حديث! ))، نقله ابن رجب في (الفتح 2/ 64).
ولكن المشهور عن أحمد خلاف ذلك:
فروى عنه أبو داود أنه قال: ((في نفسي منه شيء)) (السنن 2/ 240/ حاشية رقم 13)، و (المسائل 160).
قال ابن سيد الناس: ((فالجواب عنه أن الترمذي قد صححه، ونقل عن أحمد تصحيحه نصًّا، والذي ذكره أبو داود لم يعين فيه الحديث عن أحمد، وإنما هو شيء وقع له، ففَسَّر به كلام أحمد، ولن يستويا في رتبة أبدًا، وقد يكون ذلك كله، فيكون أحمد أولًا كان في نفسه منه شيء، ففهمه أبو داود ونقله عنه، ثم زال ما في نفسه منه وظهرت له صحته، فنقل ذلك عنه البخاري والترمذي ومَن نقله؛ فاندفعت الشُّبه المذكورة عن هذا الخبر)) (النفح الشذي 3/ 142).
وقال بعضهم: ((لعله يريد أن في نفسه شيئًا من جهة الفقه والاستنباط والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحًا ثابتًا عنده من جهة الإسناد)) (مرعاة المفاتيح 2/ 266).
قلنا: هذا يَرُده النص التالي:
فقد ذَكَر ابن هانئ أنه قيل لأحمد: ((حديث حَمنة عندك قوي؟ )) قال: ((ليس هو عندي بذلك، حديث فاطمة
(1)
أقوى عندي وأصح إسنادًا منه)) (مسائل أحمد برواية ابن هانئ 1/ 33 رقم 164).
ولذا قال ابن رجب: ((والمعروف عن الإمام أحمد أنه ضَعَّفه ولم يأخذ به، وقال: (ليس بشيء)، وقال مرة:(ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصح منه وأقوى إسنادًا)، وقال مرة:(في نفسي منه شيء)، ولكن ذَكَر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة والأخذ به. والله أعلم)) (الفتح 2/ 64).
وقال في موضع آخر: ((قد اختَلف قول الإمام أحمد فيه: فنَقَل عنه أكثر أصحابه أنه ضَعَّفه. وقيل: إنه رجع إلى تقويته والأخذ به. قاله أبو بكر الخلال)) (الفتح 2/ 162).
وقال الحاكم عقب إخراجه: ((قد اتفق الشيخان على إخراج حديث الاستحاضة من حديث الزهري وهشام بن عروة، عن عائشة، أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم
…
وليس فيه هذه الألفاظ التي في حديث حمنة بنت جحش. وراويه عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وهو من أشراف قريش وأكثرهم رواية، غير أنهما لم يحتجا به، وشواهده حديث الشعبي، عن قَمير امرأة مسروق، عن عائشة رضي الله عنها. وحديث أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن بُهَيَّة عن عائشة. وذِكرها في هذا الموضع يطول)) (المستدرك عقب رقم 625).
وشاهدَيْ قَمير وبُهَيَّة خرجناهما في غير هذا الموضع، وبَيَّنا ضعفهما،
(1)
- يعني: حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش الذي رواه الشيخان. وقد سبق.
وليس في متنهما ما يشهد لسياقة ابن عقيل كما زعم.
والحديث حَسَّنه الطوسي في (المستخرج 1/ 342)، والبغوي في (شرح السنة 2/ 149).
وذَكَر ابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار) عدة أحاديث من حديث ابن عقيل، فقَبِلها وصححها، وقال في حديث حمنة:((هو من أحسن الأحاديث المروية في هذا)) ذكره مُغَلْطَاي في (الإكمال 8/ 180).
وذكر عبد الحق الإشبيلي تصحيح الترمذي وأحمد، وأقرهما، (الأحكام الوسطى 1/ 217)؛ ولذا جزم مغلطاي بأنه قد صححه (الإكمال 8/ 180).
وتَعَقَّب ابن القطان تصحيحه له، حيث قال: ((ذَكر حديث حمنة، فصححه بتصحيح ابن حنبل والترمذي له، وإن كان البخاري لم يقل فيه إلا أنه حسن
…
وذَكَر أبو داود عن أحمد أنه قال: في نفسي منه شيء. والأليق -كان- بأبي محمد تحسينه لا تصحيحه؛ فإنه من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل)) (بيان الوهم والإيهام 4/ 97، 98).
وقال النووي: ((وأما حديث حمنة فصحيح))، ثم نقل كلام الترمذي (المجموع 2/ 377)، وقال أيضًا:((حسن صحيح)) (خلاصة الأحكام 1/ 238).
وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح العمدة 1/ 509).
وقال ابن عبد الهادي: ((ومَن صحح هذا الحديث أو حَسَّنه من الأئمة- أعلم ممن تَكلم فيه)). ثم قال متعقبًا ابن منده: ((فابن عقيل حسن الحديث))! (تعليقة على علل ابن أبي حاتم، ص 124).
وحَسَّنه الألباني، فقال: ((وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير ابن عقيل، وقد
تَكلم فيه بعضهم مِن قِبل حفظه، وهو في نفسه صدوق، فحديثه في مرتبة الحسن. وكان أحمد وابن راهويه يحتجان به كما قال الذهبي؛ ولهذا قال الترمذي عقب هذا الحديث:((حسن صحيح)) (الإرواء 188)، و (صحيح أبي داود 2/ 67)، و (الثمر، ص 39).
وأما مَن ردَّ هذا الحديث من العلماء تلميحًا أو تصريحًا:
فقد عَلَّق أبو داود على حديثه هذا قائلًا: سمعت أحمد يقول: ((حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء)) (السنن 2/ 240/ حاشية 13).
وقد اختَلفت الروايات عن الإمام أحمد في ذلك كما سبق، والمراد هنا تعقيب أبي داود بهذا الكلام على الحديث، وإقراره، بل قد ذَكَر مغلطاي أن أبا داود قال بعد ذلك:((وابن عقيل ضعيف)) (شرح ابن ماجه 3/ 118).
ولم نجد ذلك في المطبوع، فلعله في رواية ابن العبد، فكثيرًا ما ينقل منها زيادات لا تكون في المطبوع، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: ((سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن
…
حمنة بنت جحش، في الحيض، فوَهَّنه ولم يُقَوِّ إسناده)) (العلل 1/ 583/ 123).
وتعقبه ابن الملقن فقال: ((وأما ما ذكره ابن أبي حاتم فلم يبين سبب وهنه حتى يُبحث معه عنه)) (البدر 3/ 64).
وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ((تَفَرَّد به ابن عقيل، وليس بالقوي))، نقله الغساني في (تخريج الأحاديث الضعاف/ ص: 65 رقم: 145)، وابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 405، 406)، وليس في مطبوعة (السنن) ولا في (العلل)!
وقال ابن المنذر: ((وأما حديث ابن عقيل
…
في قصة حمنة، فليس يجوز الاحتجاج به من وجوه، كان مالك بن أنس لا يَروي عن ابن عقيل.
قال الدافع لهذين الخبرين: وفي متن الحديث كلام مستنكر؛ زَعَمَتْ أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاختيار إليها، فقال لها:((تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا))، قالوا: وليس يخلو اليوم السابع من أن تكون حائضًا أو طاهرًا: فإن كانت حائضًا فيه واختارت أن تكون طاهرًا، فقد ألزمت نفسها الصلاة في يوم هي فيه حائض، وصامت وصلت وهي حائض، وإن كانت طاهرًا واختارت أن تكون حائضًا، فقد أسقطت عن نفسها فرض الله عليها في الصلاة والصوم، وحَرَّمت نفسها على زوجها في ذلك اليوم، وهي في حكم الطاهر، وهذا غير جائز. وغير جائز أن تخير مرة بين أن تُلزم نفسها الفرض في حال، وتُسقط الفرض عن نفسها إن شاءت في تلك الحال)) (الأوسط 2/ 352).
وقال الخطابي: ((قد تَرَك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذلك)) (معالم السنن 1/ 89).
وقد تعقبه النووي قائلًا: ((هذا الذي قاله هذا القائل لا يُقبل؛ فإن أئمة الحديث صححوه كما سبق.
وهذا الراوي وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه، فقد صحح الحفاظ حديثه هذا، وهم أهل هذا الفن، وقد عُلِم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن أنه إذا كان في الراوي بعض الضعف، أجيز حديثه بشواهد له أو متابعة، وهذا من ذلك)) (المجموع 2/ 377).
وهذا التعقب فيه نظر؛ إذ هذا الحديث بهذا السياق ليس له شواهد، فالجمع الوارد فيه تخيير، بخلاف الجمع الوارد في غيره فليس فيه تخيير.
وقال ابن منده: ((حديث حمنة: ((تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا- أَوْ: سَبْعًا-)) لا يصح عندهم من وجه من الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا
على ترك حديثه)) (الإمام لابن دقيق 3/ 310)، و (الإكمال لمغلطاي 8/ 178).
ولذا قال ابن رجب: ((وضَعَّفه أبو حاتم الرازي والدَّارَقُطْنِيّ وابن منده، ونُقل الاتفاق على تضعيفه من جهة عبد الله بن محمد بن عقيل؛ فإنه تَفَرَّد بروايته)) (الفتح 2/ 64).
قال ابن دقيق: ((ليس الأمر كما قال ابن منده وإن كان بحرًا من بحور هذه الصنعة؛ فقد ذكر الترمذي أن الحُميدي وأحمد وإسحاق كانوا يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمد: ((وهو مقارب الحديث))، وما قاله ابن منده عجيب! )) (الإمام 3/ 310).
وأقره ابن سيد الناس في (النفح الشذي 3/ 136)، وابن الملقن في (البدر 3/ 63)، وتلقفه ابن التركماني في (الجوهر 1/ 339) ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 119) دون عزو!
وقال ابن القيم: ((ودعوى ابن منده الإجماع على ترك حديثه غلط ظاهر منه)) (الحاشية 1/ 327).
وبنحوه قال ابن عبد الهادي في (شرح العلل، ص 124).
وقال مغلطاي أيضًا عقب كلام ابن منده: ((وفيه نظر)) (الإكمال 8/ 178).
وقد اعتذر ابن حجر عن ابن منده، فقال:((تَعَقَّبه ابن دقيق العيد، واستنكر منه هذا الإطلاق، لكن ظهر لي أن مراد ابن منده بذلك مَن خرج الصحيح، وهو كذلك)) (التلخيص 1/ 289).
وقال البيهقي: ((تَفَرَّد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به)) (المعرفة 2196).
وتَعَقَّبه ابن الملقن قائلًا: ((إذا كان الراجح توثيقه فلا يضر تفرده به؛ لأن تَفَرُّد الثقة بالحديث لا يضر
…
وقد ذكرنا آنفًا تحسين أحمد والبخاري حديثه هذا، وزاد أحمد تصحيحه)) (البدر 3/ 62).
وقال أيضًا: ((لا يضره؛ لأن الأكثرين احتجوا به))! (خلاصة البدر 1/ 77).
قلنا: وهذا مردود؛ لأن الأكثرين على تليينه كما سبق.
ولما سكت البيهقي عن تحسين البخاري وأحمد في السنن، تعقبه ابن التركماني، فقال: ((وسكوت البيهقى عقيب كلام البخاري وابن حنبل- يُفْهَم منه أن هذا الحديث حسن عنده أو صحيح.
وفي ذلك نظر؛ فإن في هذا الحديث أمرين:
أحدهما: أن ابن عقيل تَفَرَّد به، وهو مختلف في الاحتجاج به. كذا ذكر البيهقى في كتاب المعرفة.
الأمر الثاني: أن البخاري شك في سماع ابن عقيل من إبراهيم.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن ابن عقيل سمع من ابن عمر وجابر وأنس وغيرهم، وهم نظراء شيوخ إبراهيم، فكيف ينكر سماعه منه؟ !
فالمعتمد إذًا في تضعيف هذا الحديث الاختلاف في أمر ابن عقيل)) (الجوهر النقي 1/ 338، 339).
ونقل ابن عبد البر قول أحمد: ((في نفسي منه شيء))، وأقره في (الاستذكار 3616 - 3618)، و (التمهيد 16/ 61).
وقال في موضع آخر: ((وأما الأحاديث المرفوعة في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة)) (التمهيد 16/ 99
بتصرف).
وتَعَقَّبه عبد الحق في (الأحكام الوسطى 1/ 217) بأن غيره يرى أن اضطرابها غير ضار؛ لأنها مُسنَدة من طرق صحاح! !
وكذا قال مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 120).
ولا يوجد اضطراب في هذا الحديث أصلًا، وقد يكون هذا دليلًا على أن ابن عقيل حفظه؛ ولذا حَسَّنه مَن حَسَّنه؛ لأنهم استدلوا على ضعفه باضطرابه في الأحاديث، فإذ لم يضطرب دل ذلك على حفظه. والله أعلم، وهو ما مال إليه صاحب (منهج الإمام أحمد في الإعلال 1/ 299).
وقال ابن رجب: ((في إسناده بعض شيء)) (الفتح 4/ 270 بتصرف).
هذا، وقد أعله ابن حزم بعلل أخرى غير ما سبق، فقال: ((أما هذا الخبر فلا يصح؛ فإن ابن جريج لم يسمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل، كذلك حدثناه
…
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه. وذَكَر هذا الحديث فقال: قال ابن جريج: (حُدثت عن ابن عقيل) ولم يسمعه. قال أحمد: ((وقد رواه ابن جريج عن النعمان بن راشد))، قال أحمد:((والنعمان يُعْرَف فيه الضعف)) (المحلى 2/ 194 بتصرف يسير).
قلنا: وهذا ذكره عبد الله بن أحمد عن أبيه قال: ((ابن جريج يرويه - يعني حديث حمنة - يقول: (حُدثت عن ابن عقيل) ولم يسمعه، ويقول:(عن محمد بن عبد الله بن عقيل) قَلَب اسمه! قال: يقولون: وافقه النعمان بن راشد، قال: ابن جريج يَروي عن النعمان بن راشد. وما أُراه إلا سمعه منه، والنعمان بن راشد ليس بقوي في الحديث، تَعْرف فيه الضعف)) (العلل ومعرفة الرجال 5271).
ثم قال ابن حزم: ((وقد رواه أيضًا شَريك وزهير بن محمد، وكلاهما ضعيف، وعن عمرو بن ثابت وهو ضعيف. وأيضًا: فعمر بن طلحة غير مخلوق، لا يُعرف لطلحة ابن اسمه عمر، وأما الآخَر فمن طريق الحارث بن أبي أسامة، وقد تُرك حديثه؛ فسقط الخبر جملة)) (المحلى 2/ 194، 195 بتصرف يسير).
وقد ردّ عليه ابن القيم فأطال، ونلخص كلامه فنقول:
ذكر ابن القيم أن قوله: ((إن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل، وإن بينهما النعمان بن راشد))، جوابه: أن النعمان بن راشد ثقة، أَخرج له مسلم)) (الحاشية 1/ 327).
قلنا: أفضل من هذا الجواب جواب ابن الملقن: ((أن الترمذي وأبا داود وابن ماجه والحاكم- رووه من غير طريق ابن جريج، فليتصل طريق ابن جريج أو لينقطع، ولتكن الواسطة بينه وبين ابن عقيل ضعيفًا إن شاء أو قويًّا)) (البدر 3/ 64).
ثم ذكر ابن القيم أن ابن حزم تَعَلَّق في رده بأن ضَعَّف رواته عن ابن عقيل، وهم: شَريك وزهير بن محمد وعمرو بن ثابت، وبأن:((عمر بن طلحة غير مخلوق، لا يُعرف لطلحة ابن اسمه عمر))، قال:((والحارث بن أبي أسامة قد تُرك حديثه؛ فسقط الخبر جملة)).
قال ابن القيم: ((وهذا تعلق باطل! فأما شَريك فقد تقدم ذكره وتوثيق الأئمة له. وأما زهير بن محمد، فاحتج به الشيخان وباقي الستة. وأما عمرو بن ثابت فلم ينفرد به عن ابن عقيل، فقد تقدم مَن رواه عن ابن عقيل وأنهم جماعة فلا يضر متابعة عمرو بن ثابت لهم.
وأما قوله: ((عمر بن طلحة غير مخلوق)) فهذا وهم ممن سماه عمر، وإنما هو عمران بن طلحة.
وقوله: ((والحارث بن أبي أسامة قد تُرك حديثه))، فإنما اعتمد في ذلك على كلام أبي الفتح الأزدي فيه، ولم يلتفت إلى ذلك، وقد قال إبراهيم الحربي: هو ثقة. وقال البرقاني: أمرني الدَّارَقُطْنِيّ أن أُخرج عنه في الصحيح، وصحح له الحاكم وهو أحد الأئمة الحفاظ)) (الحاشية 1/ 328 - 330)، ونحوه في (البدر المنير 3/ 64، 65).
قلنا: الحارث إنما يرويه عن عبيد الله الرقي عن ابن عقيل، فشيخه مُتابَع من زهير وشريك كما سبق، فلا حاجة للتعرض له أصلًا.
ولذا عَلَّق الذهبي على كلام ابن حزم في الحاشية قائلًا: ((هذا يدل على قلة معرفة المؤلف، إذ يُسْقِط هذا الحديث برواية الحارث له، كأنه لم يروه إلا الحارث، وقد رواه جماعة غيره)) (المحلى 2/ 195/ الحاشية).
وقد ذَكَر الشوكاني اختلاف العلماء في قَبول هذا الحديث، ثم قال:((وعلى فرض أنه مما يصلح للتمسك به، فهو مُقيَّد بعدم وجود مُعارِض بأنهض منه. وقد وُجد ها هنا، وهو ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من طرق عن عائشة مرفوعًا بلفظ: ((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي))، وهكذا وردت الأحاديث)) (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني 5/ 2601).
وقال أيضًا بعد ذكر الأحاديث التي فيها الجمع للمستحاضة:
((فإن قلت: هذه الأحاديث، وإن كان في كل واحد منها مقال لا ينتهض معه للاستدلال، لكنها تنتهض بمجموعها، ويَشهد بعضها لبعض؛ فيكون
من الحَسَن لغيره، وهو معمول به. ومع هذا فقد صحح بعضها بعض الأئمة، وحَسَّن بعضها بعض آخر منهم.
قلت (القائل هو الشوكاني): ((أما تصحيح مَن صحح بعضها، وتحسين مَن حَسَّن بعضها، فقد قَدَّمنا أنه لم يقع موقعه وأنه وهم من قائله.
وأما شهادة بعضها لبعض وانتهاض بعضها للاستدلال، فهو إنما يكون لو كانت سالمة من مُعارِض هو أنهض منها! ولم تَسْلَم هذه الأحاديث من معارض، بل عورضت بما هو صحيح بلا خلاف، وهو أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد عند إدبار وقت الحيضة، ولا يلزمها تجديد الغسل لكل صلاة أو للصلاتين، وكذلك لا يلزمها تجديد وضوء لكل صلاة أو للصلاتين)) (الفتح الرباني 5/ 2606).
قلنا: الشواهد الأخرى التي عناها الشوكاني ليس فيها التخيير الموجود في حديث حمنة؛ ولذا ففي عده معها نظر.
ثم إن الشوكاني خالف ما أَصَّله هنا، وصحح الحديث في (السيل الجرار 1/ 146).
[تنبيهات]:
الأول:
ذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ في العلل (9/ 363/ 4067) أن ابن جريج قال في هذا الحديث: ((عمران بن طلحة))، قال ابن القيم:((وهو الصواب)) (الحاشية 1/ 328).
وهذا خلاف ما ذكره البخاري والترمذي، ورواه عبد الرزاق عنه أنه قال فيه مخطئًا:((عمر بن طلحة))، وقد سبق بيانه.
الثاني:
قال الإمام أحمد في هذا الحديث: ((ابن جريج حَدَّث عن ابن عقيل محمد بن عبد الله بن عقيل، وهو خطأ، وقال: إنما هو عبد الله بن محمد بن عقيل. وقال: (عن حبيبة بنت جحش) خالف الناس))، (العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله 4120).
قلنا: قد رواه عنه عبد الرزاق -ومن طريقه ابن ماجه وغيره- على الصواب في اسم ابن عقيل، وقال فيه:((أم حبيبة)) كما سبق، ولم نجد روايته بهذا الخطأ في شيء من المراجع المسندة.
الثالث:
زعم ابن حجر في (التهذيب 7/ 466) أن الحارث بن أبي أسامة رواه في مسنده من طريق عبيد الله الرقي، وقال فيه مثل قول ابن جريج:((عمر بن طلحة)).
وقد رواه الدَّارَقُطْنِيّ والحاكم والبيهقي وأبو نعيم وغيرهم من طريق الحارث، وفيه عندهم:((عمران)) مثل رواية زهير ومن تابعه.
والظاهر من سياق ابن حجر أنه اعتمد في هذا النقل على ابن حزم، فهو الذي رواه من طريق الحارث، ووقع في أصله:((عمر))، وبه أعل الحديث، فلعل هذا من أخطاء ابن حزم، وتبعه فيه ابن حجر، وقد صوبه محقق المحلى في المتن إلى (عمران)!
رِوَايَةُ جَعْلِ قَوْلِهِ: ((هَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ)) من كلام حَمنة:
• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَتْ فِي آخِرِهِ: ((
…
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ)).
[الحكم]:
منكر بهذا السياق. والصواب أن ذلك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وضَعَّف هذه الرواية: أبو داود والبيهقي.
[التخريج]:
[كر (43/ 505)].
[السند]:
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) قال: أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن، أنا عبد الصمد بن علي بن محمد، أنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، نا عَبَّاد بن يعقوب، أنا عمرو بن ثابت، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن حمنة بنت جحش، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه عمرو بن ثابت، وهو ابن هرمز، ضَعَّفه غير واحد. وقال النَّسائي:"متروك الحديث"، وقال ابن حبان:"يَروي الموضوعات عن الأثبات". انظر: (تهذيب التهذيب 8/ 9 - 10). ولَخَّص ابن حجر حاله، فقال:"ضعيف، رُمِي بالرفض"(التقريب 4995).
وقد أخطأ عمرو بن ثابت في هذا الحديث، فجَعَل قوله صلى الله عليه وسلم:((وَهَذَا أَعجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ)) من كلام حمنة.
وقد عَلَّق هذه الرواية أبو داود في (سننه) فقال: ((رواه عمرو بن ثابت، عن ابن عقيل قال: فقالت حمنة: ((هذا أعجب الأمرين إليَّ))، لم يجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم، [جعله كلام حمنة])).
قال أبو داود: ((كان عمرو بن ثابت رافضيًّا [رجل سوء]. وذكره عن يحيى بن معين، [ولكنه كان صدوقًا في الحديث])) (السنن عقب رقم 287 وما بين المعقوفات مثبت في الهامش 2/ 239 - 240).
وقال البيهقي: ((وعمرو بن ثابت هذا غير محتج به)) (السنن الكبرى عقب رقم 1625).
ورواية عمرو هذه قد خرجها الدَّارَقُطْنِيّ (837)، لكنه لم يَسُقْ متنه، إنما أحاله على رواية زهير.
[تنبيه]:
وقع في (تاريخ ابن عساكر): (إني أبعث لك الكرسف) وهو تحريف، والصواب (أنعت).
وفيه أيضًا (فتحابضي ستة أو سبعة) وهو خطأ، والصواب (فتحيضي)، والله أعلم.