الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
609 - بَابٌ: هَلْ تَحِيضُ الْحَامِلِ
؟
3374 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)).
[الحكم]:
صحيح (م)، وأصله في الصحيحين.
[الفوائد]:
قال الأثرم: ((قلت لأبي عبد الله: ما ترى في الحامل ترى الدم، تمسك عن الصلاة؟ قال: لا. قلت: أي شيء أثبت في هذا؟ قال: أنا أذهب في هذا إلى حديث محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن سالم، عن أبيه: أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)). فأقام الطهر مقام الحمل. فقلت له: فكأنك ذهبت بهذا الحديث إلى أن الحامل لا تكون إلا طاهرًا؟ قال: نعم)) (الإمام لابن دقيق 3/ 229).
ونَقَل نحوه عن أحمدَ ابنُ المنذر في (الأوسط 2/ 368 - 369).
وقال أبو داود: ((قلت لأحمد: الحامل ترى الدم الأسود؟ فقال: لا تلتفت إليه، ولتصلِّ إذا كانت حاملًا، قلت: تغتسل؟ قال: نعم)) (المسائل لأبي داود، ص 38)، ونحوه في (المسائل للكوسج 755).
وقال أحمد: ((والحبلى لا تحيض عندي)) (مسائل الكوسج 752).
وقال أبو عبيد: ((أقرب القولين إلى تأويل القرآن والسنة أن الحامل لا تكون حائضًا، ألا ترى أن الله جل ذكره جعل عدة التي ليست بحامل ثلاثة قروء في الطلاق، وجعل عدة الحامل أن تضع ما في بطنها؟ قال الله عز وجل: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} الآية [الطلاق: 4]، أو لا تراه جعل عدتها أن تضع، ولم يجعلها بالأقراء، ويلزم من جعل الحامل تحيض أن يجعلها تنقضي بالأقراء؟ وهذا على غير الكتاب والسنة).
ثم احتج بحديث محمد بن عبد الرحمن، ذكره ابن المنذر، وقال:((هكذا أقول)) (الأوسط 2/ 369).
وقال الطحاوي: ((ومما يدل أيضًا أن الحامل لا تحيض ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
في السبايا: ((أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ مِنْهُنَّ حَتَّى تَضَعَ، وَأَنْ لَا تُوطَأَ غَيْرُ حَامِلٍ مِنْهُنَّ حَتَّى تَحِيضَ))، فكان معقولًا عنه صلى الله عليه وسلم بذلك أنه أراد أن الحيض إذا كان عُلم به أن لا حمل حل الوطء الذي كان لا يحل لو كان حمل؛ ولأنه لو كان الحيض لا ينفي الحمل، لكان الحيض والطهر جميعًا بمعنى واحد، ولكنه بخلاف ذلك؛ لأنه إذا كان حيض، علم أن لا حمل معه. فهذا دليل صحيح على أن الحيض لا يكون مع الحمل)) (المشكل 10/ 423).
وقال ابن قدامة: ((مذهب أبي عبد الله رحمه الله أن الحامل لا تحيض، وما تراه من الدم فهو دم فساد.
وهو قول جمهور التابعين؛ منهم: سعيد بن المسيب، وعطاء، والحسن، وجابر بن زيد، وعكرمة، ومحمد بن المنكدر، والشعبي، ومكحول،
وحماد، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وابن المنذر وأبي عبيد وأبي ثور، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها والصحيح عنها أنها إذا رأت الدم لا تصلي ....
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ))، فجعل وجود الحيض عَلَمًا على براءة الرحم، فدل ذلك على أنه لا يجتمع معه. واحتج إمامنا بحديث سالم عن أبيه، أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:((مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)) فجعل الحمل عَلَمًا على عدم الحيض، كما جعل الطهر عَلَمًا عليه؛ ولأنه زمن لا يعتادها الحيض فيه غالبًا، فلم يكن ما تراه فيه حيضًا كالآيسة. قال أحمد: إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم، وقول عائشة يُحمل على الحبلى التي قاربت الوضع، جمعًا بين قوليها، فإن الحامل إذا رأت الدم قريبًا من ولادتها فهو نفاس، تدع له الصلاة)) (المغني 1/ 444)، و (شرح الزركشي 1/ 451).
ورُوي عن أحمد خلاف ذلك، وما ذكرناه هو المشهور عنه كما في (تحفة المولود، ص 414)، وقد رُوي عن مكحول أنه قال:((الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها؛ فمن ثم لا تحيض الحامل)) (تفسير ابن أبي حاتم 12170).
هذا، ولم يرتضِ جماعة من أهل العلم الاستدلال على انتفاء حيض الحامل بحديث ابن عمر وحديث النهي عن وطء الأمة الحامل حتى تضع.
ومنهم ابن دقيق في (الإمام 3/ 229، 230)، وابن حجر في (الفتح 9/ 355)، وأطال في بيان هذا الأمر ابن القيم في (زاد المعاد)، ونصر القول بأن الحامل تحيض.
وتوسط الشيخ ابن عثيمين فقال: ((والحيض مع الحمل يجب التحفظ فيه، وهو أن المرأة إذا استمرت تحيض حيضها المعتاد على سيرته التي كانت قبل الحمل، فإننا نحكم بأنه حيض. أما لو انقطع عنها الدم ثم عاد وهي حامل، فإنه ليس بحيض)) (الشرح الممتع 1/ 470).
[التخريج]:
[م 1471 "واللفظ له"/ د 2170/ ت 1208/ ن 3422/ كن 5590/ جه 2014/ حم 4789، 5228/ مي 2292/ عه 4963، 4964/ ش 17732/ طح (3/ 51) 4458/ طحق 1787/ مشكل 4223/ قط، 3899، 3900/ هق 15023/ هقغ 2655/ جا 746/ مسن 3462/ منذ 823/ عروبة 1/ تمهيد (15/ 81) / حل (7/ 94 - 95) / محلى (10/ 162)].
[السند]:
قال (مسلم 1471): وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير - واللفظ لأبي بكر - قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر به.
وانظر بقية رواياته في ((كتاب الطلاق))، وانظر حديث النهي عن وطء الأمة الحامل في ((كتاب النكاح))، و ((كتاب الجهاد)).
فأما أثر عائشة في هذا الباب، ففيه اختلاف:
فأخرج الرَّامَهُرْمُزي في (المحدث الفاصل، ص 443) وابن المنذر في (الأوسط 819) واللفظ له، والطحاوي في (المشكل 10/ 423)، والفسوي في (المعرفة 1/ 201)، والبيهقي في (الكبرى 15516) و (الصغرى 2800)،
و (المعرفة 15244) من طريق بكير بن عبد الله الأشج، عن أم علقمة، عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ، أَتُصَلِّي؟ قَالَتْ:((لَا تُصَلِّي حَتَّى يَذْهَبَ الدَّمُ)).
وهذا إسناد رجاله ثقات، غير أم علقمة، واسمها: مَرْجَانَةُ، ذكر ابن سعد أن لها أحاديث صالحة (الطبقات 10/ 453)، ووثقها العجلي في (معرفة الثقات وغيرهم 2364)، وذكرها ابن حبان في (الثقات 5/ 466)، وقال الذهبي:((وُثقت)) (الكاشف 7076)، وذكرها في فصل المجهولات من (الميزان 4/ 613)، وقال:((لا تُعرف))، وقال ابن حجر:((مقبولة)) (تقريب 8680).
ورُوي عنها من طريق آخر:
رواه البيهقي في (15517): عن الحاكم، أنا أبو بكر بن إسحاق قال: وروى إسحاق، عن زكريا بن عَدي، عن عبيد الله بن عمرو، عن يحيى بن سعيد، عن عَمْرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:((إِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ الدَّمَ، تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ)).
وهو معلول منقطع، قال أحمد بن حنبل:((لم يسمعه يحيى من عمرة)) (جامع التحصيل 884).
وفيه انقطاع آخر بين شيخ الحاكم وإسحاق.
والمحفوظ عن يحيى بن سعيد أنه قال: ((أمرٌ لا يُختَلَفُ فيه عندنا عن عائشة: المرأة الحبلى الحامل إذا رأت الدم أنها لا تصلي، تُمسك عن الصلاة حتى تطهر)). أخرجه الدارمي (947، 951)، والطحاوي في (المشكل 10/ 424)، والبيهقي في (الكبرى 15518) من طرق عن يحيى بن سعيد به.
ولذا قال الطحاوي: ((لم نجد ذلك عن عمرة صحيحًا، وإنما وجدناه من
رواية أهل البيت عن يحيى بن سعيد عن عائشة رضي الله عنها) (المشكل 10/ 425).
ورُوي عنها بخلاف ذلك:
أخرجه الدارمي (957) والطحاوي في (المشكل 10/ 425)، والبيهقي (15520) من طريق همام، عن مطر، عن عطاء، عن عائشة، في الحامل ترى الدم، قالت:((تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي)).
ورواه ابن أبي شيبة (6099) -وعنه الدارمي (956) -، والطحاوي (المشكل 10/ 424) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن مطر، به، بلفظ:((لَا يَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ صَلَاةٍ)).
ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (849) والبيهقي (15521) من طريق يعقوب بن القعقاع عن مطر، به، بلفظ:((الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ، تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي)).
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه مطر بن طهمان الوراق؛ قال الحافظ: ((صدوق كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيف)) (التقريب 6699).
قلنا: وقد أُنْكِرَ عليه هذا الحديث؛ فقد قال همام: ((ذكرت هذا الحديث ليحيى بن سعيد فأنكره)) (السنن الكبرى للبيهقي، عقب رقم 15523).
وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ((كان يحيى - يعني: القطان - يُضَعِّف ابن أبي ليلى ومطرًا عن عطاء. يعني كان يُضَعِّف روايتهما عن عطاء)) (الكامل لابن عدي 9/ 203) و (السنن الكبرى للبيهقي، عقب رقم 15523).
ولكن توبع عليه مطر:
فأخرجه عبد الرزاق (1224) - ومن طريقه ابن المنذر (818) - عن
محمد بن راشد قال: حدثنا سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:((إِذَا رَأَتِ الْحَامِلُ الصُّفْرَةَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ، وَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَلَا تَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ)).
ورواه الدارمي (968) والطحاوي في (المشكل 10/ 425) والبيهقي (15522) من طرق عن محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء به، بلفظ:((إِنَّ الْحُبْلَى لَا تَحِيضُ، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُصَلِّي)).
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ ولذا قال الألباني: ((إسناده صحيح)) (الإرواء 1/ 202).
إلا أن ابن راشد وابن سليمان فيهما كلام لا ينزل بأحاديثهما عن رتبة الحسن.
ولذا قال الطحاوي: ((هذا عندنا عن عائشة أَولى مما ذكرناه عنها مما يخالف ذلك لجلالة عطاء ولموضعه من العلم؛ ولأن موضع أم علقمة من العلم ليس كذلك)) (شرح مشكل الآثار 10/ 425).
وخالف البيهقي، فرجح رواية أم علقمة، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وابن راهويه.
فروى في (الكبرى 15523) من طريق أبي سعيد المؤذن عن ابن خزيمة قال: سمعت عبيدة بن الطيب يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: قال لي أحمد بن حنبل: ما تقول في الحامل ترى الدم؟ قلت: ((تصلي))، واحتججتُ بخبر عطاء عن عائشة رضي الله عنها. قال: فقال لي أحمد: أين أنت عن خبر المدنيين، خبر أم علقمة عن عائشة رضي الله عنها، فإنه أصح؟ ! قال إسحاق: فرجعتُ إلى قول أحمد)).
ثم قال البيهقي: ((وأما رواية سليمان بن موسى عن عطاء، فإن محمد بن
راشد يتفرد بها عنه. ومحمد بن راشد ضعيف)) (السنن الكبرى عقب رقم 15523).
وقال أيضًا: ((ليس بالقوي)) (معرفة السنن والآثار 11/ 196).
وتضعيف البيهقي لابن راشد غير مقبول، وما نقله عن أحمد من ترجيحه لرواية أم علقمة لا يثبت، فلم يروه غيره من طريق عبدة بن الطيب هذا، ولم نجد له ذكرًا في كتب التراجم، ولا وجدنا له أثرًا في غير هذا الموضع. وأبو سعيد المؤذن ترجم له أبو نعيم في (التاريخ 1164)، والذهبي في (التاريخ 8/ 306) وقال:((كان خَيِّرًا مجتهدًا))، وفي تفرده بهذا الأمر نظر، لاسيما والمشهور عن أحمد خلافه كما سبق.
ومع ذلك، قال ابن قدامة:((الصحيح عنها - يعني عائشة - أنها - أي: الحامل - إذا رأت الدم لا تصلي)) (المغني لابن قدامة 1/ 443).
وكذا قال الشنقيطي في (أضواء البيان 2/ 233).
وقال ابن القيم: ((ثبت عنها أنها قالت: الحامل لا تصلي)) (زاد المعاد 5/ 648).
وكذا قال بدر الدين العيني في (البناية شرح الهداية 1/ 689).