الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
616 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِ المُسْتَحَاضَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ
3411 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ:
◼ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:((استُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَـ[فَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ عَانِدٌ، وَ] 1 أُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ العَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا [وَاحِدًا] 2، وَأَنْ تُؤَخِّرَ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ العِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا [وَاحِدًا] 3، وَتَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ غُسْلًا [وَاحِدًا] 4)).
[قال شعبة: ] 5 قلتُ لعبد الرحمن: أعن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أُحَدثك
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء.
(1)
- هكذا في أكثر النسخ والطبعات، ومنها الرسالة والمكنز.
ووقع في بعض النسخ كما في (عون المعبود 1/ 334): ((لا أحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء"! ! وكذا في طبعة (المكتبة العصرية)! بزيادة: (([إلا]))، هكذا بين معقوفين، وكأنها إشارة إلى كونها من تصرف الناشر أو الناسخ.
وكيفما كان، فهي زيادة مقحمة، لا يصح ذكرها بحال! فقد أخرجه ابن حزم في ((الإحكام)) (2/ 74) والبغوي في شرح السنة (328) من طريق أبي داود به دون هذه الزيادة. وكذا هو في بقية المراجع كما عند الدارمي والطيالسي وابن راهويه والبيهقي وابن بشكوال
…
وغيرهم.
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ: ((أَنَّ امْرَأَةً استُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلَ العَصْرَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ تُعَجِّلَ هَذِهِ وَتُؤَخِّرَ هَذِهِ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلًا)).
[الحكم]:
ضعيف لاضطرابه. وأعله بالاضطراب: أبو بكر بن إسحاق والبيهقي وابن عبد البر وابن دقيق. وأعله البيهقي أيضًا بالوقف، والشوكاني بالانقطاع، وقال ابن رجب:((في إسناده شيء)).
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [د 294 "واللفظ له" / ن 218 وعنده الزيادات دون الخامسة، 364/ كن 264/ حم 25391 والزيادات له دون الخامسة / مي 796/ طي 1522/ بغ 328/ طح (1/ 100/ 631) / هق 1674، 1675/ حق 964/ سرج 435/ حزم (2/ 74) / غو (2/ 645/ 648) والزيادة الخامسة له/ مبهم (2/ 126)].
تخريج السياقة الثانية: [هق 1673].
انظر تحقيقه عقب الرواية التالية.
رِوَايَةُ (أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو):
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ: ((أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلِ [بْنِ عَمْرٍو] 1 استُحِيضَتْ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، [فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ] 2 فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ. فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ، أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِغُسْلٍ [وَاحِدٍ] 3، وَ [بَيْنَ] 4 المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِغُسْلٍ [وَاحِدٍ] 5، وَتَغْتَسِلَ لِلصُّبْحِ)).
[الحكم]:
منكر بهذه السياقة. وضَعَّفه: أبو بكر بن إسحاق، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن العربي، والمنذري، وابن دقيق، وابن رجب، وابن حجر، والشوكاني، والألباني.
[التخريج]:
[د 295 "واللفظ له" / حم 24879 "والزيادة الأولى والثانية له"، 25086 "وبقية الزيادات له" / مي 795، 804 / طح (1/ 101/ 633) / طس 4197/ طص 486/ هق 1676/ صحا 7662 / بغ 327 / غو (2/ 647/ 649) / مبهم (2/ 127) / أسد (7/ 154)].
[التحقيق]:
الحديث مداره على عبد الرحمن بن القاسم، وقد اضطرب فيه على أربعة أوجه:
الوجه الأول:
رواه أبو داود (294) - ومن طريقه ابن حزم في (الإحكام)، والبغوي في (شرح السنة) -، قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، عن شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به، بلفظ السياقة الأولى، وفيه سؤال شعبة وجواب ابن القاسم.
ورواه أحمد (25391) والنسائي (218، 364) عن غُنْدَر -قرنه أحمد بحَجاج- وابن راهويه عن النضر بن شُميل ووهب بن جرير، والدارمي (796) عن هاشم بن القاسم، والسراج في (حديثه) من طريق عمرو بن مرزوق، والطحاوي (631) من طريق بِشر بن عمر، والطيالسي (1522) -ومن طريقه البيهقي (1675)، والخطيب في (الأسماء المبهمة 2/ 126) -، كلهم عن شعبة به.
وذَكَر الطيالسي وهاشم والنضر ووهب وعمرو وقُرَاد أن شعبة سأل ابن القاسم: ((مَن أمرها؟ النبي صلى الله عليه وسلم؟ )) قال: ((لستُ أُحَدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا)). لفظ الطيالسي. ولفظ هاشم نحوه. ولفظ النضر: ((فقلت له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما أنا بمحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا)).
فأنكر ابن القاسم أن يكون الحديث مرفوعًا.
ونَسَب بعضهم هذا الإنكار لشعبة، فقال أبو بكر بن إسحاق الفقيه عن بعض مشايخه:((شعبة لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعًا)) (السنن الكبرى عقب رقم 1676).
ولولا اضطراب ابن القاسم فيه لكان صحيحًا؛ فرجاله ثقات رجال الصحيحين كما قال ابن دقيق في (الإمام 3/ 323).
وقد رُوي عن شعبة مرفوعًا! بخلاف رواية الجماعة:
فرواه البيهقي (1673) من طريق أحمد بن عُبيد الصَّفَّار، عن الحسن بن سهل المُجَوِّز، حدثنا عاصم بن علي الواسطي، حدثنا شعبة، به، بلفظ السياقة الثانية، مصرحًا برفعه!
والحسن هذا ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 181) وقال: ((ربما أخطأ)).
قلنا: قد أخطأ هنا، وخولف ممن هو أوثق منه:
فرواه البيهقي (1674) من طريق عمر بن حفص، عن عاصم بن علي، ثنا شعبة به، بلفظ: ((فَأُمِرَتْ أَنْ تُؤَخِّرَ
…
)) إلخ، بمثل رواية الجماعة عن شعبة.
وعمر بن حفص هو السَّدوسي، وثقه الخطيب في (تاريخه 5883)، ولا شك أن روايته هي الصواب؛ لموافقتها رواية الجماعة عن شعبة.
ولذا قال البيهقي عقب رواية الحسن: ((هو غلط من جهة الحسن؛ فقد أخبرنا
…
)) ثم ساقه من طريق عمر بن حفص كما سبق، ثم قال: ((وهكذا رواه جماعة عن شعبة
…
)). وذكر جماعة منهم امتناعَ عبد الرحمن بن القاسم من رفع الحديث، ثم ساقه من طريق الطيالسي كما سبق، ثم قال:((ورواه معاذ بن معاذ، عن شعبة، وفيه قال: فقلت لعبد الرحمن: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء))، وكذلك قاله النضر بن شُميل، عن شعبة)) اهـ (السنن الكبرى عقب رقم 1675).
إذن، فالمحفوظ في هذا الوجه الوقف، ولكن رأى جماعة من النقاد أن الحديث مع ذلك له حكم الرفع، وسيأتي كلامهم قريبًا.
الوجه الثاني:
رواه عبد الرزاق وغيره، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ المُسْلِمِينَ اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ: سُئِلَ عَنْهَا- فَقَالَ: ((إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ، تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ تَجْمَعُ
…
)) إلخ.
هكذا أرسله ابن عيينة، وسيأتي تخريجه.
الوجه الثالث:
رواه ابن المبارك، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ! فَقَالَ: ((تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ
…
)) إلخ، وسيأتي تخريجه برواياته.
وهذا الوجه منقطع؛ لأن القاسم لم يدرك زينب، فقد تُوفيت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بينما وُلد القاسم في خلافة الإمام علي، فروايته عن زينب منقطعة.
وبهذا أعله الطحاوي كما سيأتي فيما بعد.
الوجه الرابع:
رواه أحمد (24879)، وأبو داود (295) -ومن طريقه البيهقي (1676) والخطيب وابن بشكوال والبغوي- من طريق محمد بن سلمة.
ورواه أحمد (25086) والدارمي (795) عن يزيد بن هارون.
ورواه الدارمي (805) والطحاوي (633) عن أحمد بن خالد الوهبي.
ورواه الطبراني في (الأوسط) و (الصغير) من طريق العلاء بن هارون.
ورواه البيهقي (1676) من طريق عبدة.
كلهم عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أن سهلة
(1)
بنت سهيل
…
))، الحديث بلفظ السياقة الثالثة، إلا أن
(1)
- تحرفت في الطبعة الميمنية للمسند إلى: ((سلمة)).
يزيد قال فيه: ((إنما هي سهيلة بنت سهل))!
وهذا الوجه منكر، وسنده -بِغَضِّ النظر عن اضطرابه- فيه عنعنة ابن إسحاق، فهو مدلس كما سبق مرارًا، ولم يصرح بالسماع.
وبهذا أعله الشوكاني، فقال: ((في إسناده محمد بن إسحاق
…
وابن إسحاق ليس بحجة لاسيما إذا عنعن)) (الفتح الرباني 5/ 2598).
وكأنه لذلك قال ابن العربي: ((حديث سهلة معلول)) (العارضة 1/ 199).
بينما قال المنذري: ((في إسناده ابن إسحاق، وهو مُختلَف في الاحتجاج به)) (المختصر 1/ 190).
ورغم ذلك سكت عنه عبد الحق في (الأحكام الوسطى 1/ 216)، مصححًا له! حَسَب ما بَيَّنه في المقدمة.
وقد انفرد ابن إسحاق بذكر أشياء لم يأتِ بها غيره، منها:
1 -
تسميته المرأة المستحاضة بسهلة بنت سهيل.
وقد رواه شعبة وابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم، وأبهما المرأة كما سبق، وكذا أبهمها الثوري على الصحيح.
ولذا نَقَل البيهقي عن أبي بكر بن إسحاق الفقيه أنه خَطَّأ ابن إسحاق في تسمية المستحاضة. وأقره (السنن الكبرى عقب رقم 1676).
2 -
زيادته الأمر بالغسل عند كل صلاة، حيث قال فيه: ((فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِك أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ
…
)) إلخ.
فهذه زيادة منكرة، لم يذكرها شعبة ولا ابن عيينة.
ولذا قال ابن حجر: ((قد قيل: إن ابن إسحاق وَهِم فيه)) (التلخيص 1/ 302).
وقال الألباني: ((لكن ابن إسحاق عنعنه، وهو مدلس، وقد زاد فيه بعض الأحرف مما لم تَرد في هذا الحديث، ولا في حديث ابن عيينة الآتي بعد هذا؛ ومن أجل ذلك أوردناه في الكتاب الآخر)) (صحيح أبي داود 2/ 88).
ولَمَا أورده في الكتاب الآخر قال: ((إسناده ضعيف من أجل عنعنة ابن إسحاق؛ فإنه مدلس، وقد قيل: إنه وهم في تسمية المستحاضة
…
وقد قال أبو بكر بن إسحاق عن بعض مشايخه: ((إنه أخطأ في تسمية المستحاضة))
…
وأصل الحديث صحيح؛ فقد تابعه عليه شعبة
…
دون تسمية المستحاضة، ودون قوله:((فَأَمَرَهَا)) إلى قوله: ((فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ))، وكذلك تابعه ابن عيينة إلا أنه أرسله)) (ضعيف أبي داود 1/ 127، 128) ـ.
قلنا: ابن عيينة مُخالِف له وليس بمُتابِع.
والأقرب أن ذلك الاختلاف من اضطراب ابن القاسم، فكل واحد من أصحابه رواه على وجه وذَكر فيه ما لم يذكره الآخر:
فأما شعبة فجعله من رواية القاسم عن عائشة، وذَكَر أن ابن القاسم أنكر رفعه.
وأما ابن عيينة فأرسله عن القاسم، وذَكَر فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ((تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا
…
)) الحديث.
وأما الثوري، فجعله من رواية القاسم عن زينب بنت جحش منقطعًا، وذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لها: ((تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ
…
)) الحديث.
وأما ابن إسحاق، فوافق شعبة في جعله من رواية القاسم عن عائشة، لكنه خالفه، فعَيَّن المستحاضة، وصرح برفع الحديث.
وهذا مما أُنْكِر على ابن إسحاق أيضًا.
قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: ((قال بعض مشائخنا: لم يسند هذا الخبر غير محمد بن إسحاق، وشعبة لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعًا))، ذكره البيهقي وأقره (السنن الكبير عقب رقم 1676).
وسبق عن البيهقي أنه أعل رواية المُجَوِّز برواية شعبة، وما ذكره من امتناع ابن القاسم من رفعه كما سبق.
ولكن قال ابن العربي: ((وقول عائشة: ((على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُمرت)) نَصٌّ في أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن عبد الرحمن بن القاسم أراد أن ينقل الحديث على أصله)) (العارضة 1/ 203).
ولذا تعقبهما ابن دقيق، فقال: ((في قول أبي بكر بن إسحاق
…
وفي قول البيهقي
…
نظر ظاهر؛ لأن عبد الرحمن بن القاسم امتنع من إسناد الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا، ولا شك أنه إذا سمع ((فأُمِرَتْ)) فليس له أن يرويه بأن يقول:((فأَمَرَها النبي صلى الله عليه وسلم) لأن اللفظ الأول ليس بصريح في النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو مسند بطريق اجتهادي، فليس له أن ينقله إلى ما هو صريح.
ولا يلزم من امتناعه من صريح النسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يكون مرفوعًا بلفظ: ((فأُمرت)) على ما عُرِف من ترجيح أرباب الأصول في هذه الصيغة
(1)
أنها مرفوعة.
فتأمل ذلك، فقد يَتوهم مَن لا خبرة له بهذا العلم من قول البيهقي وأبي بكر بن إسحاق أنه يكون من الموقوف الذي لا تقوم به حجة)) (الإمام 3/ 326).
(1)
- تحرف في المطبوع إلى: ((الصنعة))، ونقله في الجوهر النقي على الصواب.
وبهذا تَعَقب ابن التركماني البيهقي، وزاد:((وبهذا يُعْلَم أن ابن إسحاق لم يخالف شعبة في رفعه، بل رَفَعه ابن إسحاق صريحًا، ورَفَعه شعبة دلالة، ورَفَعه هو أيضًا صريحًا في رواية الحسن بن سهل عن عاصم عنه، وقد تقدم أن البيهقى قال بعد ذكر رواية عاصم: وهكذا رواه جماعة عن شعبة))! (الجوهر النقي 1/ 354، 355).
ولذا قال الألباني عقب رواية شعبة: ((إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقواه ابن التركماني. وقوله: ((فأُمرت
…
)) محمول عند المحدثين والأصوليين على أن الآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم) (صحيح أبي داود 2/ 86، 87).
وهناك نظر فيما زعمه ابن التركماني من أن شعبة رَفَعه صريحًا في رواية الحسن بن سهل، وأن البيهقى قال بعدها:((وهكذا رواه جماعة عن شعبة))!
فالبيهقي إنما قال ذلك عقب رواية عمر بن حفص عن عاصم، وهي موقوفة. وأما رواية الحسن فهي منكرة، وقد خطأها البيهقي كما سبق.
ثم إنه لو صح أن رواية شعبة مرفوعة حكمًا، فلا تشهد لرواية ابن إسحاق؛ لتفرده بذكر أشياء في المتن لم يذكرها شعبة كما سبق.
وأيضًا: ففي الإسناد اضطراب ظاهر لم يجيبوا عنه، وقد قال أبو بكر ابن إسحاق في ثنايا إعلاله له:((وقد اختَلف الرواة في إسناد هذا الخبر))، قال البيهقي: ((فرواه شعبة وابن إسحاق كما مضى، ورواه ابن عيينة فأرسله إلا أنه وافق محمدًا في رفعه
…
ورُوي عن الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن زينب بنت جحش)) (السنن عقب رقم 1676، 1677).
وقد أشار أبو داود إلى بعض هذا الاختلاف، فأسنده من طريق شعبة، ثم من طريق ابن إسحاق، ثم قال: ((ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه: أن أمرأة استحيضت
…
)) بمعناه.
وقد ذَكَر ابن دقيق نفسه أن هذا الاختلاف علة في الحديث، فقال: ((والذي يُعتل به في هذا الحديث وجهان: أحدهما:
…
)).
فذَكَر إعلال البيهقي وأبي بكر بن إسحاق له بالوقف، وأجاب عنه بما سبق.
ثم قال: ((الوجه الثاني: الاختلاف في إسناد الخبر))، ثم ذكر كلام أبي بكر بن إسحاق، وكلام البيهقي، ولم يجب عنه بشيء سوى قوله:((قد نبهنا على ما يقتضيه قوله: ((في رفعه))، وبينا أنه مرفوع إما نصًّا أو دليلًا، وكلامه يُشعر بأن شعبة وقفه، وقد أوضحنا أمره)) (الإمام 3/ 324، 327).
فأعاد الجواب عن العلة الأولى، ولم يأتِ بجواب عن العلة الثانية، فكأنه مُسَلِّم بها.
وقد تعرض الطحاوي للوجه الأول والثالث من الخلاف، فقال:((فلما رُوي هذا الحديث كما ذكرنا فاختلفوا فيه، كشفناه لنعلم من أين جاء الاختلاف، فكان ذِكر أيام الأقراء في حديث القاسم عن زينب، وليس ذلك في حديثه عن عائشة، فوجب أن يجعل روايته عن زينب غير روايته عن عائشة رضي الله عنها)(معاني الآثار 1/ 104).
قلنا: هذا كان يمكن لو لم يتحد المخرج وتتفق القصة، وأما مع ذلك فلا.
فأما الألباني فموقفه من الاختلاف غريب، حيث قال عن رواية ابن عيينة:((مرسل صحيح الإسناد، وهو يقوي رواية شعبة عن عبد الرحمن مسندًا، ويؤيد أن الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم)! !
بينما قال عن رواية الثوري: ((والحديث أسنده الثوري أيضًا، لكن خالف شعبة في إسناده فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب
…
وبَيَّنَّا أنه منقطع. والعمدة على رواية شعبة؛ فإنه قد حفظه وأجاده)) (صحيح أبي داود 2/ 88، 89).
قلنا: صنيعه هذا فيه نظر من وجوه:
منها: أنه رجح رواية شعبة مع أن الثوري أحفظ منه.
ومنها: أنه قَوَّى مسند شعبة بمرسل ابن عيينة، مع أنه مخالف لشعبة وليس بمتابع، فتصحيح مرسله كما ذهب إليه يُعَد علة للمسند!
ثم إن ترجيح رواية شعبة يعني القضاء على الثوري وابن عيينة معًا بالوهم! وكذا ترجيح أي وجه من الثلاثة يقضي على رواية الآخرين بالوهم! وكلهم أئمة أثبات حفاظ.
فالحَمْل في ذلك على ابن القاسم أَوْلى من تخطئة غير واحد من الحفاظ. وهذا ما سلكه ابن عبد البر، فإنه حكى في (التمهيد 16/ 91، 92) اختلافهم على ابن القاسم، ثم قال:((وأما الأحاديث المرفوعة في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد، فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة)) (التمهيد 16/ 99 بتصرف).
ونَقَل ابن رجب في (الفتح 2/ 73) بعض عبارته باختصار، وأقره.
ويدل عليه قوله في موطن آخر: ((واستَدل مَن أباح الجمع للمريض بأمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل واحد؛ لمشقة الغسل عليها لكل صلاة، وذلك ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حمنة بنت جحش وعائشة وأسماء بنت عميس، وفي أسانيدها بعض شيء)) (الفتح 4/ 270).
هذا، وقد أَعَل الشوكاني هذا الحديث بأن عبد الرحمن بن القاسم قد قيل: إنه لم يسمع من أبيه)) (الفتح الرباني 5/ 2598).
وهذا وهم؛ فالذي قيل فيه ذلك هو القاسم، وأما عبد الرحمن فسماعه من أبيه ثابت وروايته عنه في الصحيحين.
[تنبيه]:
قال صاحب (عون المعبود 1/ 334) شارحًا جواب ابن القاسم: (((لا أُحَدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء) هكذا في أكثر النُّسخ الحاضرة.
والمعنى: أن عبد الرحمن أنكر على شعبة من سؤاله إياه، لما علم من عادة عبد الرحمن أنه لا يُحدِّث لشعبة إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:(لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء) أي: لا أُحدثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويؤيده ما في بعض النسخ: (لا أُحدِّثك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء)، و (بشيء) متعلق بـ (أُحَدِّثك) والمعنى: لا أحدثك بشيء إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن شعبة يقول: إن قولها (أُمرت) هكذا في روايتنا، ولا أدري أن الآمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره. فقال عبد الرحمن: لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من شأنها، أن الآمر لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره)) اهـ.
قلنا: هذا الاحتمال هو الظاهر، لاسيما وقد بَيَّنَّا بطلان ما نسبه إلى بعض النسخ بزيادة ((إلا)).
3412 -
حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ:
◼ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها قَالَتْ: [سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ، فَـ] قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ؟ ! فَقَالَ: ((تَجْلِسُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ العَصْرَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَتُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ العِشَاءَ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ)).
[الحكم]:
ضعيف. وضَعَّفه الطحاوي، وأبو بكر النيسابوري، وابن عبد البر، والبيهقي، والذهبي، والألباني.
[التخريج]:
[ن 365 "واللفظ له" / طب (24/ 56/ 145) / طح (1/ 100/ 629) / هق 1678 "والزيادة له"].
[السند]:
رواه النسائي قال: أخبرنا سُوَيْد بن نصر، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم، عن زينب بنت جحش، به.
ورواه الطبراني من طريق حسان بن موسى وسويد.
ورواه الطحاوي والطبراني -ومن طريقه البيهقي- من طريق نعيم بن حماد.
ثلاثتهم عن ابن المبارك، به.
إلا أنه وقع عند الطبراني أن زينب قالت: ((سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ))! !
ويحتمل أن به تحريفًا، فمداره عندهم على ابن المبارك، وهو عند البيهقي من طريق الطبراني، وفيه أن زينب هي السائلة كما عند النسائي والطحاوي.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات كما قال ابن دقيق في (الإمام 3/ 324)، وكلهم من رجال الشيخين سوى سويد بن نصر، فمن شيوخ الترمذي والنسائي، وهو ثقة.
ومع ذلك فهو إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: الانقطاع، فالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق لم يدرك زينب بنت جحش.
وبهذا أعله الطحاوي فقال: ((حديث زينب الذي فيه ذِكر الأقراء- حديث منقطع، لا يُثبته أهل الخبر؛ لأنهم لا يحتجون بالمنقطع.
وإنما جاء انقطاعه لأن زينب لم يدركها القاسم ولم يولد في زمنها؛ لأنها تُوفيت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاة بعده)) (شرح معاني الآثار 1/ 104).
بينما وُلد القاسم في خلافة الإمام علي؛ ولذا ذَكَر الذهبي في (السير 5/ 54) أن روايته عن زينب مرسلة، يعني: منقطعة.
وبالانقطاع أعله الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 47، 89) ورجح عليه رواية شعبة. وسبق ما فيه.
العلة الثانية: اضطراب عبد الرحمن بن القاسم فيه، وقد سبق بيان ذلك تحت حديث عائشة رضي الله عنها، وذكرنا هناك إعلال أبي بكر النيسابوري والبيهقي
وابن عبد البر له بذلك.
وقد ضَعَّفه الذهبي بنعيم بن حماد، فقال: "نعيم منكر الحديث، انفرد بهذا. (المهذب 1/ 342).
قلنا: لكن نعيمًا لم ينفرد به، فقد تابعه سويد بن نصر عند النسائي، وحسان بن موسى عند الطبراني. فالعلة ما ذكرنا. والله أعلم.
3413 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمِ قَالَ لِأُمِّ حَبِيبَةَ:((اقْعُدِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ، وَأَخِّرِي الظُّهْرَ وَقَدِّمِي العَصْرَ، وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلًا. وَأَخِّرِي المَغْرِبَ وَقَدِّمِي العِشَاءَ، وَاغْتَسِلِي لَهُمَا غُسْلًا. وَاغْتَسِلِي لِلفَجْرِ غُسْلًا)).
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ! ! قَالَ:((فَلَوْ تَقْعُدِينَ عَلَى كُرْسِيٍّ فَتَضَعِيهِ تَحْتَكِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ، وَلَكِنَّهَا عِرْقٌ انْفَجَرَ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَابْتَلَاكِ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا)).
[الحكم]:
منكر.
فالمحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَر أم حبيبة بغسل واحد عند طهرها، فكانت تغتسل عند كل صلاة مِن قِبل نفسها، ولم تؤمر بذلك.
والأمر بالجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل آخر، وبغسل ثالث للصبح- له شاهد منكر من حديث أسماء بنت عُمَيْس، وآخر معلول من حديث عائشة. وجاء في حديث لحَمْنة بنت جحش التخيير بين الغسل المذكور وتركه، وليس فيه إلزام، ومع ذلك فهو حديث مُختلَف في ثبوته.
[التخريج]:
[متفق 722].
[السند]:
رواه الخطيب في (المتفق 722)، قال: أخبرني أبو القاسم الأزهري،
حدثنا محمد بن العباس الخزاز، حدثنا أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل، حدثنا أبي، حدثنا بِشر بن محمد السُّكَّري، حدثنا سالم بن عبد الله العَتَكي، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عباس وابن عمر، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ؛ فيه سالم أبو غياث العتكي، قال فيه ابن معين:((لا شيء)) (الجرح والتعديل 4/ 191)، وقال أحمد:((ضعيف الحديث))، واعتمده ابن شاهين في (الضعفاء 285)، والدَّارَقُطْنِيّ في (المؤتلف والمختلف 3/ 1698)، وابن حجر في (اللسان 3345). بينما ذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 309)، وقال:((ربما أخطأ))! !
وأحمد بن المؤمل، والد أبي عبيد محمد الناقد- حَدَّث عن بِشر بن محمد، روى عنه ابنه أبو عبيد. بهذا ترجم له الخطيب في (التاريخ 2881)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وبِشر بن محمد السُّكَّري مختلف فيه، وهو صدوق كما في (تاريخ الإسلام 5/ 284).
وبقية رجاله ثقات.
والمتن منكر، فالمحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَر أم حبيبة بغسل واحد - أي: عند طهرها -، فكانت تغتسل عند كل صلاة؛ كما عند البخاري (327)، ومسلم (334)، ولم تؤمر بذلك، وإنما فعلته مِن قِبل نفسها؛ كما عند أحمد (24523) ومسلم (334).
وأما ما ذُكر في هذا الحديث من أمرها بالجمع بين الظهر والعصر بغسل، وبين المغرب والعشاء بغسل آخر، وبغسل ثالث للصبح- فهو
منكر.
نعم، ورد ذلك في قصة فاطمة بنت أبي حُبيش من رواية سُهيل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس. ولكنه خطأ من سهيل، وقد أنكره البيهقي وابن عبد البر وغيرهما؛ إذ ليس ذلك محفوظًا في قصة فاطمة من رواية الثقات والحفاظ.
كما ورد ذلك في قصة امرأة أخرى من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، رَفَعه عنه محمد بن إسحاق، ووقفه عنه شعبة، وأرسله ابن عيينة!
وسمى ابن إسحاق المرأة سهلة، وقيل: سهيلة! وأبهمها شعبة وابن عيينة.
وجعله الثوري من رواية ابن القاسم، عن أبيه، عن زينب بنت جحش!
فهذا اضطراب كما ترى، ولو ثبت هذا كان شاهدًا قويًّا للأمر بتَكرار الغسل مع الجمع المذكور هنا. ولكنه معلول كما ترى.
ثم هو مُعارَض بما هو أصح منه، وهو حديث فاطمة بنت أبي حبيش.
وبه استَدل ابن عبد البر على وهاء ما يخالفه، فقال: ((وفي هذا الحديث دليل على أن المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بغيره.
وفيه رَدٌّ لقول من رأى عليها الغسل لكل صلاة، ورَدٌّ لقول من رأى عليها الجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد، والمغرب والعشاء بغسل واحد، وتغتسل للصبح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك في هذا الحديث، وهو أصح حديث رُوي في هذا الباب)) (التمهيد 22/ 108).
كما جاء الإرشاد إلى تَكرار الغسل مع الجمع المذكور هنا في حديث رُوي عن حَمْنة بنت جحش، لكنه ورد فيه على وجه التخيير لا الإلزام؛ ولذا لم نَعُدّه شاهدًا لهذا الحديث، على أنه مختلف في ثبوته أيضًا كما بيَّنَّاه في موضعه من هذا الكتاب.
ولم ينتبه الشوكاني للتخيير الوارد في نص خبر حَمْنة، فظنه من الأحاديث الموجبة لتَكرار الغسل، فذَكَره معها، وبَيَّن عللها، ثم قال:((وعلى فرض أنه مما يصلح للتمسك به، فهو مُقَيَّد بعدم وجود مُعارِض بأنهض منه، وقد وُجد ها هنا، وهو ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من طرق عن عائشة مرفوعًا بلفظ: ((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي))، وهكذا وردت الأحاديث)) (الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني 5/ 2601).
3414 -
حَدِيثُ أَسمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ
◼ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ تُصَلِّ؟ ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، لِتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءِ؛ فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلفَجْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2 بِلَفْظِ: ((
…
فَلْتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ))، فَجَلَسَتْ فِيهِ حَتَّى رَأَتِ الصُّفْرَةَ فَوْقَ المَاء، فَقَالَ: ((تَغْتَسِلُ لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ
…
)) الحديث.
• وَفي روَايَة 3، قَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ! [إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ]، لِتَدَعْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، فَتُؤَخِّرُ مِنَ الظُّهْرِ وَتُعَجِّلُ مِنَ العَصْرِ، وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا [وَاحِدًا]، وَتُؤَخِّرُ
(1)
مِنَ المَغْرِبِ، وَتُعَجِّلُ مِنَ العِشَاءِ، وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا
(2)
غُسْلًا [وَتُصَلِّي])) قَالَ: ((وَأَمَرَ لِهَا بِمِرْكَنٍ- يَعْنِي الإِجَّانَةَ- قَالَتْ: فَرَأَيْتُ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 4، قَالَ:((هَذَا عِرْقٌ، تَنْتَظِرُ أَيَّامَهَا التِي كَانَتْ تَعْتَدُّ فَتَدَعُهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَلِلمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ وَاحِدًا، وَلِلفَجْرِ غُسْلًا وَاحِدًا)).
[الحكم]:
معلول سندًا ومتنًا. وأعله: يحيى القطان، وعلي بن المديني، والبيهقي،
(1)
- في المطبوع من فوائد الحاكم: ((فتؤخر))، والمثبت من سنن الدارقطني.
(2)
- في المطبوع من فوائد الحاكم: ((لها))، والمثبت من سنن الدارقطني.
وابن عبد البر، وابن القطان، وابن رجب.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [د 281 "واللفظ له" / ك 629 / هق 1679 / مشكل 2730 / طح (1/ 100، 101/ 632) / طب (24/ 139/ 370) / محلى (2/ 212) / غو (2/ 648)].
تخريج السياقة الثانية: [قط 839 / هق 1658 / كرغي (ص 400)].
تخريج السياقة الثالثة: [فكم 68 "واللفظ له" / قط 840 "والزيادات له"].
تخريج السياقة الرابعة: [عد (2/ 468)].
[السند]:
رواه أبو داود - ومن طريقه البيهقي وابن حزم وابن بشكوال - قال: حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن سهيل - يعني ابن أبي صالح -، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت عميس، به، بلفظ السياقة الأولى.
ورواه الحاكم والطبراني من طريق وهب
(1)
، ورواه الطحاوي في كتابيه من طريق الحِمَّاني، كلاهما عن خالد، به نحوه إلا أنه ليس عند الطبراني والطحاوي:((وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ))!
ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (839) من طريق إسحاق بن شاهين، ورواه البيهقي من طريق عبد الحميد بن بيان، كلاهما عن خالد، به، بلفظ السياقة الثانية.
(1)
- تحرف في المطبوع من المعجم إلى: ((وهيب))، والتصويب من بقية المراجع.
وخالد هو ابن عبد الله الواسطي، ثقة ثبت. وقد توبع:
فرواه أبو أحمد الحاكم، والدَّارَقُطْنِيّ (840)، والحاكم، من طريق علي بن عاصم عن سهيل، به، بلفظ السياقة الثالثة.
ورواه ابن عدي من طريق بُكَيْر بن جعفر، عن عمران بن عُبيد الضَّبي، عن سهيل بن أبي صالح، به بلفظ السياقة الرابعة.
فمداره عندهم على سهيل، وقد اختُلف عليه في سنده ومتنه، وخولف فيه أيضًا كما سنبينه في التحقيق.
[التحقيق]:
الحديث من طريق وهب رجاله كلهم رجال مسلم؛ ولذا قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ)).
قال الألباني: ((ووافقه الذهبي، وهو كما قالا)) (الثمر المستطاب، ص 35).
وقال أيضًا: ((إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذلك قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن حزم: (إنه في غاية الصحة))) (صحيح أبي داود 2/ 89).
وقول ابن حزم في (المحلى 2/ 213).
وفي صنيعهم هذا نظر من عدة وجوه:
الوجه الأول: أن سُهيل بن أبي صالح وإن كان من رجال مسلم، فهو مختلف فيه: وثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون مِن قِبل حفظه. وغالب أحاديثه عند مسلم في الشواهد، ثم إن مسلمًا لم يخرج له شيئًا عن الزهري! ! لأنه ليس من أصحابه المعنيين بحديثه، فكيف يكون حديثه عنه على شرط مسلم؟ !
بل تُفَرُّده عن الزهري يُعَد منكرًا كما أَصَّله مسلم في المقدمة، لاسيما مع وجود الأمر التالي.
الوجه الثاني: أنه قد اختُلف على سهيل في سنده ومتنه؛ مما يدل على عدم ضبطه له:
فرواه أبو داود (281) وغيره من طريق جرير، عن سهيل، عن الزهري، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا أَمَرَتْ أَسْمَاءَ- أَوْ: أَسْمَاءُ حَدَّثَتْنِي أَنَّهَا أَمَرَتْهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ- أَنْ تَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ الأَيَّامَ التِي كَانَتْ تَقْعُدُ، ثُمَّ تَغْتَسِلَ)). ولم يذكر فيه الجمع. وقد خرجناه تحت (باب في أن المرأة المستحاضة إذا كان لها أيام معلومة تحيضها كل شهر، تدع الصلاة عدد الأيام التي كانت تحيض).
ولذا أعله يحيى القطان وعلي بن المديني وغيرهما:
فقال قال حرب الكِرْماني: قال علي بن عبد الله: سمعت يحيى - يعني القطان - وسئل عن سهيل بن أبي صالح ومحمد بن عمرو بن علقمة، فقال: محمد بن عمرو أعلى منه. قلت
(1)
: حديث يرويه خالد الطحان، عن سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس في غسل المستحاضة، فقال:((هذا مقلوب)).
ثم قال حرب: وذكرتُ لعلي بن عبد الله حديث خالد الواسطي، عن
(1)
القائل - فيما يبدو لنا - هو علي بن المديني، والمسئول هو يحيى القطان. وليس حربًا لابن المديني. وذلك أن سؤال حرب لابن المديني سيأتي صريحًا عقب هذا، مما يشير إلى أن سؤال حرب لابن المديني كان لمعرفة رأيه فيما ذهب إليه شيخه يحيى القطان؛ ولهذا صَدّر ابن المديني إجابته بقوله: ((نعم
…
)). والله أعلم.
سهيل، عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس في غسل المستحاضة، فقال:((نعم، أخاف أن يكون هذا وهمًا؛ لأن الناس رووه على غير هذا)) (مسائل حرب/ كتاب النكاح 3/ 1251).
وأعله ابن القطان بأنه: ((مشكوك في سماعه إياه من فاطمة، أو من أسماء)) (بيان الوهم 2/ 459).
وقال ابن رجب: ((في إسناده اختلاف، وقد قيل: إن الصحيح فيه: عن عروة، عن فاطمة))! ! (الفتح 2/ 57).
ولو صح هذا لكان منقطعًا؛ لأن الراجح أن عروة لم يسمع من فاطمة كما بيَّنَّاه في غير هذا الموضع، لكن هذا القول فيه نظر، فمن جهة الترجيح لا شك أن رواية الجماعة أَوْلى، لاسيما وخالد بمفرده أوثق من جرير، فكيف وقد توبع؟ !
ولذا قال الألباني: ((الصواب فيه أنه من رواية عروة عن أسماء بنت عميس)) (صحيح أبي داود 2/ 41، 90).
قلنا: والحَمْل فيه على سهيل أَوْلى، لاسيما والجماعة الذين اتفقوا عليه في الإسناد اختلفوا عليه في المتن:
ففي رواية وهب والحماني عن خالد عنه: ((لِتَجْلِسْ فِي مرْكَنٍ، فَإِذَا رَأَتْ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءْ، فَلْتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ
…
)) إلخ، جعله كله مرفوعًا، واشترط رؤية الصفرة للاغتسال.
بينما في رواية ابن شاهين وابن بيان عن خالد عنه: ((فَلْتَجْلِسْ فِي مِرْكَنٍ))، فَجَلَسَتْ فِيهِ حَتَّى رَأَتِ الصُّفْرَةَ فَوْقَ المَاءِ، فَقَالَ: ((تَغْتَسِلُ لِلظُّهْرِ
…
)) إلخ.
وكذا رواه علي بن عاصم عن سهيل، ولفظه: ((قَالَ: وَأَمَرَ لَهَا بِمِرْكَنٍ-
يَعْنِي الإِجَّانَةَ- قَالَتْ: فَرَأَيْتُ صُفْرَةً فَوْقَ المَاءِ)).
وزاد ابن عاصم وعمران في روايتيهما: ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، لِتَدَعْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلْ))، ولفظ عمران بن عُبيد:((هَذَا عِرْقٌ، تَنْتَظِرُ أَيَّامَهَا التِي كَانَتْ تَعْتَدُّ فَتَدَعُهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ))، ولم يذكرا:((وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)).
وهذا السياق الذي ذكراه هو الذي اقتصر عليه جرير في روايته عن سهيل!
ولم يذكر علي بن عاصم في روايته عن سهيل ولا الحماني عن خالد- الاغتسال للفجر. وكذا عند الطبراني من طريق وهب عن خالد!
ولذا قال الطحاوي: ((فقوله: ((وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ)) يحتمل أن تتوضأ لما يكون منها من الأحداث التي توجب نقض الطهارات. ويحتمل أن تتوضأ للصبح)) (شرح معاني الآثار 1/ 101).
قلنا: الاحتمال الأول مردود؛ لأنها ستغتسل لكل صلاتين، فما الحاجة إلى الوضوء حينئذٍ؟ ! ثم إن الوضوء من الحدث أمر معلوم لديها من قبل، وإلا لعَيَّنه لها.
والاحتمال الثاني يَرُده ثبوت الاغتسال للفجر أيضًا في رواية الجماعة عن خالد، وفي رواية عمران عن سهيل.
وعليه، فكيف يجتمع في الحديث أمر بالاغتسال للصلاة، ثم يتبعه أمر بالوضوء؟ ! فالغسل يغني عن الوضوء، وفي وجوبه بعد الغسل مشقة بلا حاجة، حتى وإن قيل: الوضوء للنوافل والغسل للفرائض.
فإما أن يُحكم على المتن بالنكارة.
وإما أن تُرجَّح رواية ابن عاصم ومن تابعه، التي خلت منها عبارة:
((وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ))، وحينئذٍ إما أن نحمل على خالد الواسطي الثقة الثبت، وإما أن نحمل على سهيل، وهذا هو الصواب ولابد. وإلا فكيف نحمل على خالد الثقة الثبت ونَغُضّ الطرف عن المتكلم فيه؟ !
وما ذكرناه من الحمل على سهيل هو ما ذهب إليه ابن عبد البر في (التمهيد 22/ 106)، والبيهقي في (السنن الكبير عقب رقم 1593).
على أن ابن عبد البر قد عد أحاديث الزهري في هذا الباب مضطربة، فقال:((حديث ابن شهاب في هذا الباب مضطرب)) (التمهيد 16/ 65).
وقال ابن رجب: ((في إسناده بعض شيء)) (الفتح 4/ 270 بتصرف).
وقال الشوكاني: ((في إسناده سهيل بن أبي صالح، وفي الاحتجاج بحديثه خلاف)) (النيل 1/ 303)، و (الفتح الرباني 5/ 2599).
وقد استنكر ابن القطان من المتن شيئًا آخر ذكرناه ضمن تحقيقنا رواية جرير.
الوجه الثالث: أن سهيل بن أبي صالح قد خولف في إسناده ومتنه:
خالفه ابن أبي ذئب عند البخاري (327)، وعمرو بن الحارث عند مسلم (334)، والليث بن سعد عند مسلم (334)، والأوزاعي عند النسائي (203)، وحفص بن غيلان عند النسائي (209)، وسفيان بن عيينة عند الشافعي (1/ 311)، وإبراهيم بن سعد عند أحمد (25544)، وغيرهم. كلهم: عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - خَتَنَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، وَلَكِنَّ هَذَا عِرْقٌ،
فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)).
قَالَتْ عَائِشَةُ: ((فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، حَتَّى تَعْلُوَ حُمْرَةُ الدَّمِ المَاءَ)). (واللفظ مسلم).
ولذا قال البيهقي: ((هكذا رواه سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة، واختُلف فيه عليه، والمشهور رواية الجمهور عن الزهري عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة بنت جحش)) (الكبرى عقب رقم 1679).
وقال عند الكلام على حديث أم حبيبة: ((رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة، وهكذا رواه جماعة عن الزهري. ورواه سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة، فخالفهم في الإسناد والمتن جميعًا)) (السنن عقب رقم 1592).
وهذا الكلام من البيهقي استنكار لحديث سهيل؛ ولذا قال ابن دقيق: ((قد أعل بعضهم هذا الحديث)) (الإلمام 1/ 112)، (المحرر ص 147).
هذا، ولما خَرَّج ابن عدي هذا الحديث من طريق عمران عن سهيل، أعله بقوله:((والحديث إنما يرويه عن سهيل جرير بن عبد الحميد، وبه يُعْرَف)) (الكامل 2/ 468).
وأقره ابن طاهر في (الذخيرة 1934).
قلنا: قد رواه عن سهيل غير واحد، كما تقدم في الإسناد.
[تنبيهان]:
الأول: ذَكَر صاحب (عون المعبود 1/ 335) والصنعاني في (السبل .. / .. ) -وعنه الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 89) - أن المنذري حَسَّن هذا الحديث. ولم نجد ذلك في (المختصر 1/ 191)، بل سكت عنه!
الثاني: وقع في رواية عبد الحميد بن بيان عند البيهقي (1679): ((عن أسماء بنت أبي بكر))، والصحيح:((عن أسماء بنت عميس))، كما قال البيهقي.
3415 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرُبَّمَا اعْتَكَفَتْ مَعَهُ تَسْأَلُهُ عَنِ المُسْتَحَاضَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا: أَنْ تَغْتَسِلَ لِصَلَاةِ الفَجْرِ اغْتِسَالَةً، ثُمَّ تُؤَخِّرَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَتَغْتَسِلَ اغْتِسَالَةً، ثُمَّ تُصَلِّيَ وَتُؤَخِّرَ المَغْرِبَ وَتُقَدِّمَ العِشَاءَ وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا اغْتِسَالَةً ثُمَّ تُصَلِّيَ.
فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ: إِنَّهُ لَيْسَ بِالدَّمِ العَبِيطِ، وَلَكِنَّهُ بِالدَّمِ البَحْرَانِيِّ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا تَدَعِي الصَّلَاةَ، وَلَوْ قَعَدْتِ عَلَى كُرْسِيٍّ وَتَحْتَكِ طَسْتٌ؛ فَإِنَّهُ عِرْقٌ انْفَجَرَ، أَوْ قَرْحَةٌ فِي الرَّحِمِ)).
[الحكم]:
منكر. وأنكره: العقيلي.
[التخريج]:
[عق (3/ 122)].
[السند]:
قال العقيلي: حدثنا أحمد بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عمرو بن بِشر
(1)
بن السَّرْح، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد بن غُنَيْم، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: عنبسة بن سعيد بن غنيم، قال أبو زرعة:((أحاديثه منكرة))، وقال أبو حاتم:((ليس بالقوي)) (الجرح والتعديل 6/ 400). وأما ابن حبان فذكره
(1)
- وفي بعض النسخ: ((بشير)).
في (الثقات 7/ 289).
الثانية: الانقطاع، فعنبسة لم يسمع من عكرمة شيئًا. قاله أبو زرعة (المراسيل 600)، و (الجرح والتعديل 6/ 400).
وأعله العقيلي بعلة أخرى، فذكره في ترجمة عمرو بن بِشر من (الضعفاء 1268) وقال عنه:((منكر الحديث))، وروى له هذا الحديث وغيره، ثم قال:((كل هذه الأحاديث غير محفوظة بهذا الإسناد. فأما قصة المستحاضة، فقد رُوي بهذا الإسناد من طريقٍ لَين، ورُوي بخلاف هذا اللفظ من طريقٍ صالح)).
قلنا: عمرو بن بِشر قال فيه أبو حاتم: ((محله الصدق، ما به بأس))، وقال دحيم:((ثقة)) (الجرح 6/ 222)، فالعلة في شيخه، وبرئت بذلك عهدة عمرو بن بشر. والله أعلم.
3416 -
حَدِيثُ القَاسِمِ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ المُسْلِمِينَ اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -أَوْ: سُئِلَ عَنْهَا- فَقَالَ: ((إِنَّمَا هُوَ عَرَقٌ، تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ حَيْضَتِهَا (قَدْرَ أَيَّامِهَا) 1 (أَقْرَائِهَا، أَوْ حَيْضِهَا) 2، ثُمَّ تَجْمَعُ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلًا)).
[الحكم]:
ضعيف لإرساله واضطراب راويه كما سبق.
[التخريج]:
[عب 1185 "واللفظ له" / طح (1/ 100/ 630) "والرواية الأولى له" / عيينة (حرب - الثاني 7) "والرواية الثانية له ولغيره" / هق 1677 / مبهم (2/ 126)].
[السند]:
رواه عبد الرزاق في (مصنفه)، وعلي بن حرب الطائي في (الثاني من حديث ابن عيينة 7) -ومن طريقه الخطيب في (الأسماء المبهمة) -، كلاهما عن ابن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، به مرسلًا، إلا أن لفظ الطائي: ((قدر أقرائها أو
(1)
حيضها)) بالشك، ولم يشك عبد الرزاق في أنه بلفظ الحيض، وهو أحفظ.
ورواه الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى، والبيهقي من طريق إسحاق بن راهويه، كلاهما عن ابن عيينة به، ولفظ يونس:((قدر أيامها)).
فمداره عندهم على سفيان بن عيينة به مرسلًا.
(1)
- ووقع عند الخطيب: ((وَحَيْضِهَا)) بالعطف! ولعله مِن قِبل الناسخ.
[التحقيق]:
رجال إسناده ثقات رجال الشيخين، لكنه مرسل، وقد اضطرب فيه ابن القاسم كما بيَّنَّاه آنفًا تحت حديث عائشة.
[تنبيه]:
قد عَلَّق أبو داود في (السنن عقب رقم 281) بعض هذا المرسل، فقال:((وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا)).
ولم نجده هكذا مقتصرًا على ذكر الأقراء، بل بالشك بينها وبين لفظ الحيض، أو بالاقتصار على لفظ الحيض أو الأيام كما مر.
3417 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ:((تُؤَخِّرُ المُسْتَحَاضَةُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ العَصْرَ، وَتَقْرُنُ بَيْنَهُمَا، وَتَغْتَسِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَتُؤَخِّرُ المَغْرِبَ، وَتُعَجِّلُ العِشَاءَ، وَتَغْتَسِلُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ)).
[الحكم]:
موقوف صحيح. وصححه: ابن حزم، والألباني.
[التخريج]:
[عب 1182 / ش 1364، 8156 "واللفظ له" / مي 823، 926 / جعد 115 / طح (1/ 101، 102/ 635) / منذ 56].
[التحقيق]:
هذا الأثر له طرق عن ابن عباس:
أولها:
رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه 1364، 8156) قال: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، عن عطاء، عن ابن عباس، به.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، ورجاله ثقات رجال الشيخين، عطاء هو ابن أبي رباح. وجرير هو ابن عبد الحميد. وقد توبع:
فرواه الدارمي (823) من طريق سَلَّام أبي الأحوص، عن عبد العزيز بن رُفَيْع، به بلفظ:((تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا لِلظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَغُسْلًا لِلمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ)) وَكَانَ يَقُولُ: ((تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ العَصْرَ، وَتُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ العِشَاءَ)).
وسنده صحيح أيضًا، وتوبع عليه ابن رفيع:
فرواه الدارمي (929) من طريق شعيب الدمشقي، حدثنا الأوزاعي،
أخبرني عطاء، أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول:((لِكُلِّ صَلَاتَيْنِ اغْتِسَالَةٌ، وَتُفْرِدُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ اغْتِسَالَةً)).
وسنده حسن صحيح.
الطريق الثاني:
رواه عبد الرزاق (1182) - ومن طريقه ابن المنذر (56) وابن حزم (المحلى 2/ 213) -، عن معمر، عن أيوب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ كَتَبَتْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ، فَدَفَعَهُ إِلَى ابْنِهِ لِيَقْرَأَهُ، فَتَعْتَعَ فِيهِ، فَدَفَعَهُ إِلَيَّ فَقَرَأْتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:((أَمَا لَوْ هَذْرَمْتَهَا كَمَا هَذْرَمَهَا الغُلَامُ الِمصْرِيُّ))، فَإِذَا فِي الكِتَابِ:((إِنِّي امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ، أَصَابَنِي بَلَاءٌ وَضُرٌّ، وَإِنِّي أَدَعُ الصَّلَاةَ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ، وَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي أَنْ أَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ! )).
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ((اللهُمَّ لَا أَجِدُ لَهَا إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ، غَيْرَ أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ)).
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ الكُوفَةَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ، وَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا! قَالَ:((لَوْ شَاءَ لَابْتَلَاهَا بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ)).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين لو سَلِم من الاضطراب، فقد اختُلف فيه على سعيد اختلافًا شديدًا، يُخشى أن يكون اضطرابًا:
فرواه أيوب السَّختياني كما سبق.
ورواه الدارمي (925) عن عبد الصمد، عن شعبة، حدثنا (أبو بشر)
(1)
،
(1)
وقع في بعض النسخ (بشر)، وكذا أثبته محققو طبعة التأصيل، ولكنهم جزموا في الحاشية بأن الصواب (أبو بشر)، كما في نسخ أخرى و (الإتحاف).
قال: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: كَتَبَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، وَإِنِّي أُذَكِّرُكُمَا اللهَ إِلَّا أَفْتُيْتُمَانِي، وَإِنِّي سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: ((تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)). فَقَرَأْتُ، وَكَتَبْتُ الجَوَابَ بِيَدِي: مَا أَجِدُ لَهَا إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ.
فَقِيلَ: إِنَّ الكُوفَةَ أَرْضٌ بَارِدَةٌ. فَقَالَ: لَوْ شَاءَ اللهُ لَابْتَلَاهَا بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ)).
ففي هذا أنه تابَع عليًّا على الاغتسال لكل صلاة، ولم يَذكر الجمع. وأبو بِشر هو جعفر بن أبي وحشية، ثقة، مِن أثبت الناس في سعيد بن جبير، وروايته عنه في الصحيحين.
وتابعه أشعث بن أبي الشعثاء عند الدارمي (920) وعبد الرزاق (1187)، وعبد الله بن هرمز عند ابن المنذر (55)، كلاهما عن سعيد عن ابن عباس، به، نحو رواية أبي بشر مختصرًا، ليس فيه ابن الزبير.
ورواه أبو الزبير عند عبد الرزاق (1188) -ومن طريقه ابن المنذر (54) -، والطحاوي (1/ 100).
وحماد بن أبي سليمان، عند الطحاوي (1/ 100).
كلاهما عن سعيد قال: ((أَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ غُلَامًا لَهَا، أَوْ مَوْلًى لَهَا، أَنِّي مُبْتَلَاةٌ لَمْ أُصَلِّ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مُنْذُ سَنَتَيْنِ - وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ إِلَّا مَا بَيَّنْتَ لِي فِي دِينِي! !
قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ، أَنِّي أُفْتِيتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ:((لَا أَجِدُ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ)).
وهذا لفظ عبد الرزاق، وزاد فيه ابن المنذر:((ثُمَّ جَاءَ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَا: مَا نَجِدُ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ)).
وعند الطحاوي أنها: ((كَتَبَتْ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ))، وفيه:((فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ الكِتَابُ فِي يَدِهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: ((مَا أَعْلَمُ لَهَا إِلَّا أَنْ تَدَعَ قُرُوءَهَا، وَتَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ. فَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ)).
وهذا أيضًا بنحو رواية أبي بشر.
ورواه الطحاوي (1/ 101)، وابن عبد البر في (التمهيد 16/ 93) من طريق محمد بن جُحَادة، عن إسماعيل بن رجاء، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ((جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ تَسْأَلُهُ، فَلَمْ يُفْتِهَا، وَقَالَ لَهَا: سَلِي غَيْرِي.
قَالَ: فَأَتَتِ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه فَسَأَلَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: لَا تُصَلِّي مَا رَأَيْتِ الدَّمَ.
فَرَجَعْتِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فَأَخْبَرَتُهُ، فَقَالَ رحمه الله: إِنْ كَادَ لَيُكَفِّرُكِ! !
قَالَ: ثُمَّ سَأَلَتْ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَقَالَ: تِلْكَ رَكْزَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَرْحَةٌ فِي الرَّحِمِ، اغْتَسِلِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَرَّةً، وَصَلِّي.
قَالَ: فَلَقِيَتِ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنه بَعْدُ، فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: مَا أَجِدُ لَكِ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ)).
وابن جحادة ثقة من رجال الشيخين. وابن رجاء ثقة من رجال مسلم، وفي روايته أن عليًّا قال بالغسل لكل صلاتين. وهو خلاف ما سبق، وفي سياقته اختلاف آخر ظاهر. فهذا اختلاف كبير، والله أعلم بالصواب. وقد ذكر ابن حزم بعض هذه الوجوه عن سعيد، ثم ذكر أن إسناده في غاية
الصحة. (المحلى 2/ 241).
الطريق الثالث:
رواه الدارمي (926) عن حَجاج، حدثنا حماد، عن قيس، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّ أَرْضَهَا أَرْضٌ بَارِدَةٌ! فَقَالَ: ((تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ العَصْرَ، وَتَغْتَسِلُ غُسْلًا، وَتُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ العِشَاءَ، وَتَغْتَسِلُ غُسْلًا، وَتَغْتَسِلُ لِلفَجْرِ غُسْلًا)).
وسنده صحيح، وقال الألباني:((على شرط مسلم)) (صحيح أبي داود 2/ 91، 92).
ورواه الطحاوي من طريق آخر عن حَجاج، وصححه الألباني أيضًا.
وهذا الطريق علقه أبو داود عقب حديث أسماء بنت عميس (296)، فقال:((رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الغُسْلُ، أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ)).
الطريق الرابع:
رواه البغوي في (الجعديات 115) عن علي بن الجعد، عن شعبة، عن عمرو بن مُرة قال: سمعت إبراهيم النَّخَعي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي المُسْتَحَاضَةِ قَالَ:((تُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَتُعَجِّلُ العَصْرَ، وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا، وَتُؤَخِّرُ المَغْرِبَ وَتُعَجِّلُ العِشَاءَ، وَتَغْتَسِلُ لَهُمَا غُسْلًا، وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ غُسْلًا)).
وسنده منقطع، إبراهيم لم يسمع من ابن عباس. وهذا علقه أبو داود أيضًا (عقب رقم 296).