المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌614 - باب ما روي في أمر المستحاضة بالغسل لكل صلاة - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٧

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌601 - بَابٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌602 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌603 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ الغُرُوبِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعَصْرَ. وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الفَجْرِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعِشَاءَ

- ‌604 - بَابٌ: هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ

- ‌605 - بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ ثَوْبِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ

- ‌606 - بَابُ إِصَابَةِ ثَوْبِ المُصَلِّي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ نَائِمَةٌ بِجِوَارِهِ

- ‌607 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي المُصَلِّي يَمَسُّ امْرَأَتَهُ بِيَدَيْهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌608 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَقْرَبُ الْحَائِضَ

- ‌609 - بَابٌ: هَلْ تَحِيضُ الْحَامِلِ

- ‌أَبْوَابُ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌610 - بَابُ المُسْتَحَاضَةِ إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً، أوْ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ

- ‌611 - بَابُ الاسْتِحَاضَةِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَتَطَوُّعِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌612 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌613 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوُضُوءِ للمُسْتَحَاضَةِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌614 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌615 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌616 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِ المُسْتَحَاضَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ

- ‌617 - بَابُ تَخْيِيرِ المُسْتَحَاضَةِ فِي الجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ وَالغُسْلِ لَهُمَا، أَوِ الاغْتِسَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الطُّهْرِ

- ‌618 - بَابُ مَا جَاءَ فِي البِكْرِ إِذَا ابْتُدِئَتْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ كَانَ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ فَنَسِيَتْهَا

- ‌619 - بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الحَيْضِ وَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌620 - بَابُ ذِكْرِ الأَقْرَاءِ، وَمَنْ قَالَ: الأَقْرَاءُ: الحَيْضُ

- ‌621 - بَابُ وَطْءِ المُسْتَحَاضَةِ

- ‌622 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الاسْتِحَاضَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌623 - بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَا تَفْعَلُ المَرْأَةُ إِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الحَيْضِ

- ‌624 - بَابُ الاعْتِكَافِ لِلمُسْتَحَاضَةِ

- ‌625 - بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ

- ‌أَبْوَابُ النِّفَاسِ

- ‌626 - بَابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا، وَالحَيْضَ نِفَاسًا

- ‌627 - بَابُ مُدَّةِ النِّفَاسِ

- ‌628 - بَابٌ: هَلْ تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ القُرْآنَ

- ‌629 - بَابٌ: إِذَا طَهُرَتِ النُّفَسَاءُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً، تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌630 - بَابٌ: هَلْ يَجُوزُ لِلنُّفَسَاءِ أَنْ تَدْخُلَ الحَمَّامَ

الفصل: ‌614 - باب ما روي في أمر المستحاضة بالغسل لكل صلاة

‌614 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

3401 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ التِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَنَّهَا استُحِيضَتْ، [فَـ]ـلَا تَطْهُرُ، فَذُكِرَ شَأْنُهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، وَلَكِنَّهَا رَكْضَةٌ مِنَ الرَّحِمِ، فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا التِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ تَنْظُرُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، [وَلْتُصَلِّ])).

[الحكم]:

شاذ بهذا اللفظ. وذَكَر الشافعي أنه غلط، وهو ظاهر كلام أحمد. وقال أبو بكر بن إسحاق الفقيه:((غير محفوظ))، وأقره الحاكم والبيهقي. وكذا أعله: ابن عبد البر، والنووي، وابن رجب، والشوكاني.

والمحفوظ أن اغتسالها لكل صلاة إنما هو من قِبل نفسها، ولم تؤمر بذلك.

وأيضًا: لا يصح ذكر القرء في حديث عائشة، وإنما رواه الحفاظ عنها بلفظ الحيض.

[الفوائد]:

استَدل بعض مَن أوجب الغسل لكل صلاة على المستحاضة- بالرواية المحفوظة

ص: 276

في هذا الحديث.

وقد ذكر ذلك ابن عبد البر وهو يحكي مذهبهم، فقال عن رواية ابن إسحاق لهذا الحديث:

((فإن قيل: لم يرفعه إلا محمد بن إسحاق عن الزهري. وأما سائر أصحاب الزهري فإنهم يقولون فيه: (وَأَمَرَهَا أَنْ تَغتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، فَكَانَتْ تَغتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ).

قيل: لَمَّا أَمَرَها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكل صلاة، فَهِمت عنه؛ فكانت تغتسل لكل صلاة. على أن قوله:(تَغتَسِلَ وَتُصَلِّيَ) يقتضي ألا تصلي حتى تغتسل)) (الاستذكار 3/ 228).

بينما قال ابن حجر: ((الأمر بالاغتسال مطلق، فلا يدل على التَّكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة؛ فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة. وقال الشافعي: إنما أمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا. وكذا قال الليث بن سعد في روايته عند مسلم. وإلى هذا ذهب الجمهور، قالوا: (لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة، لكن يجب عليها الوضوء)، واستدل المهلبي بقوله لها:(هَذَا عِرْقٌ) على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة؛ لأن دم العرق لا يوجب غسلًا)) (الفتح 1/ 427).

[التخريج]:

[ن 214 "واللفظ له"، 360 / كن 266 / حم 24972 "والزيادتان له" / عه 989/ هق 1661/ هقع 2208 / طح (1/ 98/ 619) / طحق 1931].

ص: 277

[السند]:

رواه النسائي في (الصغرى) و (الكبرى) قال: أخبرنا الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم، قال: حدثنا إسحاق بن بكر [بن مُضَر]، قال: حدثني أبي، عن يزيد بن عبد الله [وهو ابن أسامة بن الهاد]، عن أبي بكر بن محمد [بن عمرو بن حزم]، عن عمرة، عن عائشة، به.

ورواه أحمد عن أحمد بن الحجاج، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، به مع الزيادة.

ورواه أبو عوانة من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن ابن الهاد، به.

ورواه الباقون من طرق عن ابن أبي حازم، عن يزيد، به.

فمداره عندهم على يزيد بن عبد الله بن الهاد، به.

[التحقيق]:

هذا الإسناد حَسَب ظاهره صحيح؛ فرجاله كلهم ثقات، بل هو من المدار على شرط مسلم، ولكنه مع ذلك معلول لشذوذ متنه.

فقد روى الزهري هذا الحديث عن عمرة كما سبق في موضعه، وجَعَل اغتسال أم حبيبة موقوفًا عليها من فعلها.

وقال ابن شهاب - كما عند أحمد (24523) -: ((لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم، أن تغتسل عند كل صلاة، إنما فعلته هي)).

وفي رواية الليث عند مسلم (334/ 63) وغيره: قال الليث بن سعد: ((لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي)).

ص: 278

وبنحوه قال ابن عيينة أيضًا.

ولذا قال الشافعي رحمه الله تعالى عن رواية ابن الهاد هذه: ((وقد روى غير الزهري هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة)

رواه عن عمرة بهذا الإسناد والسياق، والزهري أحفظ منه، وقد روى فيه شيئًا يدل على أن الحديث غلط، قال:(تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا)، وعائشة تقول:(الأَقْرَاءُ: الأَطْهَارُ))) (الأم 2/ 139).

وأقره البيهقي في (الكبرى عقب رقم 1660)، و (المعرفة 2/ 162).

وقال ابن عبد البر: ((وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة

فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة)) (التمهيد 16/ 99).

وروى البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، أنه قال:((قال بعض مشايخنا: خبر ابن الهاد غير محفوظ)) (السنن الكبرى عقب رقم 1661)، و (المعرفة 2209).

وقد تعقبه ابن التركماني قائلًا: ((إن أراد غير محفوظ عنه فليس كذلك؛ فإن البيهقي أخرجه فيما مرّ من طريق ابن أبي حازم عنه، وأخرجه النسائي من طريق بكر بن مضر عنه، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق عبد العزيز الدراوردي عنه، فهؤلاء ثلاثة رووه عنه.

وإن أراد أنه غير محفوظ منه فليس كذلك أيضًا؛ لأن ابن الهاد من الثقات المحتج بهم في الصحيح)) (الجوهر 1/ 351).

وهذا التعقب مأخوذ من كلام ابن دقيق، فإنه ذكره بنصه، وزاد عليه:((فقد يكون مِن تفرد الثقة بالرواية، ويكون قوله: (غير محفوظ) من العبارات المغلظة)) (الإمام 3/ 316).

ص: 279

وقال في موضع آخر: ((وابن الهاد هذا متفق على الاحتجاج به)) (الإلمام 1/ 113).

وكذا صحح الألباني سنده، وذكر أنه على شرط الشيخين! ثم قال: ((وأما البيهقي فقد أعله بمجرد الدعوى

وقد رَدَّ عليه ابن التركماني)) (صحيح أبي داود 2/ 59، 79).

قلنا: وتَعَقُّب هؤلاء ليس في محله؛ لأنهم لم يَرُدوه لكون ابن الهاد غير حجة، وإنما لمخالفة روايته رواية الزهري كما سبق، لاسيما وقد توبع الزهري أيضًا، فقد رواه مسلم (334/ 66) وغيره من طريق عِرَاك بن مالك، عن عروة عن عائشة، وقال فيه:((فَكَانَت تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ))، فجعله من فعلها أيضًا، وقد سبق.

ولذا قال ابن رجب: ((اختُلف في غسلها لكل صلاة:

فمِن الرواة مَن ذكر أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بذلك.

ومنهم مَن ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك.

فأما الذين لم يرفعوه فهم الثقات الحفاظ)) (فتح الباري 2/ 165).

ثم ذكر ابن رجب حديث ابن الهاد وقال عقبه: ((وهو مخالف لرواية الزهري عن عمرة كما سبق، ورواية الزهري أصح، وقال الإمام أحمد: (كل من روى عن عائشة: ((الأقراء: الحيض) فقد أخطأ)، قال:(وعائشة تقول: الأقراء: الأطهار)، وكذا قال الشافعي، وأشار إلى أن رواية الزهري أصح من هذه الرواية، وحكى الحاكم عن بعض مشايخه أن حديث ابن الهاد غير محفوظ)) (فتح الباري 2/ 166، 167).

ص: 280

وكلام أحمد ذكرناه في باب الأقراء تحت حديث عائشة، وهو في (المسائل برواية أبي داود/ ص 253)، و (شرح العلل 2/ 888، 889)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 103، 104).

وقال ابن رجب أيضًا: ((وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة)) (الفتح 2/ 73).

وقال النووي: ((وأما الأحاديث الواردة

بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت. وقد بَيَّن البيهقي ومَن قبله ضَعْفها.

وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رضي الله عنها اسْتَحَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي)) فكانت تغتسل عند كل صلاة)) (المجموع 2/ 536).

وقال عنها في موضع آخر: ((ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها)) (الخلاصة 1/ 236/ 631).

وأقره ابن الملقن في (البدر 3/ 137)، والشوكاني في (النَّيْل 1/ 302)، وصاحب (المرقاة 2/ 258/ 560).

هذا، وقد رُوي عن الزهري بمثل رواية ابن الهاد، لكنه منكر، لا يصح عنه كما تراه فيما يلي.

ص: 281

رِوَايَةُ ((فَأَمَرَهَا بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم] بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، [فَإنْ كَانَتْ لَتَنغَمِسُ فِي المِرْكَنِ وَإِنَّهُ لَمَمْلُوءٌ مَاءً، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْهُ وَإِنَّ الدَّمَ لَعَالِيهِ، فَتُصَلِّي))].

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: ((أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَتَدْخُلُ المِرْكَنَ مَمْلُوءًا مَاءً فَتَنغَمِسُ

(1)

فِيهِ، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْهُ وَإِنَّ الدَّمَ لَعَالِيهِ

(2)

فَتَخْرُجُ فَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

منكر. وأنكره: البيهقي، وابن بطال. وضَعَّفه: ابن عبد البر، والقرطبي، والنووي، والمنذري، وابن رجب، وابن الملقن، والقاري، والشوكاني.

والمحفوظ أن المستحاضة أم حبيبة، وأنها كانت تغتسل لكل صلاة مِن قِبل نفسها، ولم تؤمر بذلك؛ كما نص عليه في أصل الحديث عند مسلم، وصوبه الشافعي وغيره.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [د 292 "واللفظ له" / مي 794، 802

(1)

- في الطبعة الميمنية للمسند: ((فتغتمس)) - وكذا عند الطحاوي - وفي طبعة الرسالة: ((فتغمس))، وذكر محققوها أنها في بعض النسخ:((فتنغمس))، قلنا: وكذلك هي عند الدارمي.

(2)

- في الميمنية: ((لغالبه))، وكذا عند الطحاوي، والموضع الأول عند الدارمي.

ص: 282

"والزيادتان له ولغيره" / طح (1/ 98/ 620) / هق 1662 / محلى (2/ 212)].

تخريج السياقة الثانية: [د عقب 292 معلقًا مختصرًا / حم 26005 "واللفظ له"].

[التحقيق]:

رواه أبو داود - ومن طريقه البيهقي وابن حزم - قال: حدثنا هناد بن السَّرِي، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به، دون الزيادتين.

وأشار أبو داود إلى تتمته بقوله في آخره: ((وساق الحديث))، فهو المُختصِر له.

وقد رواه أحمد والدارمي (794)، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق به، إلا أن أحمد قال فيه:((أن زينب بنت جحش))! ! بينما قال الدارمي: ((أن ابنة جحش))، ولم يسمها.

ورواه الدارمي (802) عن أحمد بن خالد الوهبي - ومن طريقه الطحاوي - عن ابن إسحاق به، وسماها:((أم حبيبة)) كما عند أبي داود.

وإسناده ضعيف؛ لأجل عنعنة ابن إسحاق، واضطرابه فيه، ومخالفته مَن هو أوثق منه.

فأما عنعنته: فلأنه مدلس مشهور، فلا يُقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع.

وأما اضطرابه: فمرة يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة، أن أم حبيبة بنت جحش. وفي رواية يزيد بن هارون عنه:((أن زينب بنت جحش))! ومرة يرويه عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة! كما سيأتي من (المسند 27445).

ص: 283

وقيل عنه غير ذلك كما سبق في (بَابِ الأَقْرَاءِ) تحت حديث عائشة في شأن ابنة غيلان.

وأما مخالفته مَن هو أوثق: فإن عامة أصحاب الزهري الثقات جعلوا اغتسال أم حبيبة موقوفًا عليها من فعلها، كما سبق في تخريج حديثها من الصحيحين وغيرهما.

وذكرنا هناك أن في رواية الليث عند مسلم (334/ 63) وغيره: قال الليث بن سعد: ((لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي)).

وفي روايته أيضًا عند أحمد، قال: قال ابن شهاب: ((لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل عند كل صلاة، إنما فعلته هي)) (المسند 24523).

وفي رواية ابن عيينة عند إسحاق (567، 2062): ((فكانت تغتسل عند كل صلاة، ولم تقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك)).

وعلقه أبو داود عن ابن عيينة في (السنن عقب رقم 290) بنحوه.

ولذا قال البيهقي: ((ورواية محمد بن إسحاق عن الزهري غلط؛ لمخالفتها سائر الروايات عن الزهري)) (السنن الكبرى عقب رقم 1663).

وقال القرطبي: ((لم يُتابِع أصحاب الزهري ابن إسحاق على هذا)) (المفهم 1/ 594).

بينما قال المنذري: ((في إسناده محمد بن إسحاق، وهو مُختلَف في الاحتجاج بحديثه)) (المختصر 1/ 188).

وقال الشوكاني: ((في إسناده علل، منها: كونه في رجاله محمد بن إسحاق))

ص: 284

(الفتح الرباني 5/ 2598).

وتَعَقب ابنُ دقيق في (الإمام 3/ 316، 317)، وابن التركماني في (الجوهر 1/ 352) -وتبعه الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 78) - كلام البيهقي بما لا طائل وراءه، حيث زعموا أن ليس هناك مخالفة حقيقية بين رواية ابن إسحاق ورواية الجماعة!

ثم استشهدوا لروايته بمتابعات لا يُفرح بها:

منها: رواية ابن الهاد، وقد تقدم بيان شذوذها.

ومنها: ما علقه أبو داود عقب رواية ابن إسحاق، حيث قال:((ورواه أبو الوليد الطيالسي - ولم أسمعه منه - عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اغْتَسِلِي لِكُلِّ صَلَاةٍ))، وساق الحديث)). قال أبو داود:((ورواه عبد الصمد عن سليمان بن كثير قال: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)). قال أبو داود: ((وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه قول أبي الوليد)) (السنن عقب رقم 292).

ولذا قال الألباني - بعد أن أعل طريق ابن إسحاق بعنعنته فقط -: ((لكن الحديث صحيح؛ لأن له متابعًا وشواهد يأتي ذكرها))، ثم ذكر متابعة سليمان (صحيح أبي داود 2/ 76).

وهذه المتابعة التي علقها أبو داود لم نجدها موصولة، وكذا قال الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 77).

ومع ذلك، فهي متابعة واهية؛ فسليمان بن كثير ضعيف في روايته عن الزهري، وهو ظاهر كلام الذهلي والعقيلي والنسائي وغيرهم، كما في (تهذيب

ص: 285

التهذيب 4/ 216) ولذا قال فيه ابن حجر: ((لا بأس به في غير الزهري)) (التقريب 2602).

قلنا: وقد وَهِم في هذا الحديث على الزهري. ويدل على ذلك أنه سمى صاحبة القصة ((زينب بنت جحش))، وإنما هي أم حبيبة كما رواه أصحاب الزهري. بل قد جاء في رواية عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عند مسلم (334/ 64) وغيره: قَالَتْ عَائِشَةُ: ((فَكَانَتْ - يَعْنِي: أُمَّ حَبِيبَةَ - تَغْتَسِلُ فِي مِرْكَنٍ فِي حُجْرَةِ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حَتَّى تَعْلُو حُمْرَةُ الدَّمِ المَاءَ)).

ولذا قال الألباني -رغم تصحيحه لإسناده! ! -: ((ومما وهم فيه على الزهري قوله: (زينب بنت جحش)؛ فإنه لم يتابعه على قوله هذا أحد من أصحاب الزهري، اللهم إلا ابن أبي ذئب في رواية الطيالسي عنه

وخالفه معن -وهو ابن عيسى

- وحسين المرورذي، وأسد- وهو ابن موسى- ويزيد- وهو ابن هارون- كلهم قالوا: عن ابن أبي ذئب: ((أم حبيبة بنت جحش))، وهذا هو الصواب! وأبو داود الطيالسي- مع جلالة قدره وكثرة حفظه- فقد نُسب إلى الخطأ! )) (صحيح أبي داود الأم 2/ 77).

قلنا: رواية الطيالسي والآخرين عن ابن أبي ذئب جاء فيها: ((فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ))، وليس فيه الأمر بذلك كما سبق تخريجه في موضعه.

فهذا مما أخطأ فيه سليمان أيضًا، فروايته هذه عن الزهري منكرة، ثم إنه قد اضطرب فيها أيضًا.

فقد رواه البيهقي (1663) من طريق مسلم بن إبراهيم، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ أُخْتُ زَيْنَبَ

ص: 286

بِنْتِ جَحْشٍ سَبْعَ سِنِينَ، فَكَانَتْ تَمْلَأُ مِرْكَنًا لَهَا مَاءً، ثُمَّ تَدْخُلُهُ حَتَّى تَعْلُوَ المَاءَ حُمْرَةُ الدَّمِ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا:((إِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضَةٍ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي)).

وأبو الوليد ومسلم ثقتان، فالحَمْل فيه على ابن كثير.

ورواية مسلم أَوْلى بالصواب لكونها مسندة ومُوافِقة لرواية الثقات.

ولذا قال البيهقي: ((ورواية أبي الوليد أيضًا غير محفوظة؛ فقد رواه مسلم بن إبراهيم، عن سليمان بن كثير كما رواه سائر الناس عن الزهري، أخبرناه

)) وساقه بسنده، ثم قال:((ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة. وهذا أَوْلى لموافقته سائر الروايات عن الزهري)) (السنن الكبرى عقب رقم 1663).

وقال أيضًا: ((وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري

قال فيه: ((فَأَمَرَهَا بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ))، وكذلك رواه سليمان بن كثير، عن الزهري في إحدى الروايات عنه.

والصحيح رواية الجمهور عن الزهري، وليس فيها الأمر بالغسل إلا مرة واحدة، ثم كانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها)) (المعرفة 2/ 163).

وأقره المنذري في (المختصر 1/ 188).

وقال ابن بطال: ((ومَن ذَكَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرها بالغسل لكل صلاة، فليس بحجة على من سكت عنه؛ لأن الحفاظ من أصحاب ابن شهاب لا يذكرونه)) (شرح صحيح البخاري 1/ 458، 459).

وقال ابن رجب: ((وابن إسحاق وسليمان بن كثير في روايتهما عن الزهري اضطراب كثير، فلا يُحكم بروايتهما عنه مع مخالفة حفاظ أصحابه)) (الفتح

ص: 287

2/ 166).

وقال ابن قدامة: ((حديث أم حبيبة إنما رُوِي عن الزهري، وأنكره الليث بن سعد فقال: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي)) (المغني 1/ 404).

ولذا قال ابن عبد البر: ((وأما الأحاديث المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة

فكلها مضطربة، لا تجب بمثلها حجة)) (التمهيد 16/ 99).

وتعقبه عبد الحق في (الأحكام الوسطى 1/ 217) بأن غيره يرى أن اضطرابها غير ضار؛ لأنها مسندة من طرق صحاح! !

ويَرُده قول ابن رجب: ((وأحاديث الأمر بالغسل لكل صلاة كلها معلولة)) (الفتح 2/ 73).

وقال النووي: ((وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة، فليس فيها شيء ثابت، وقد بَيَّن البيهقي ومَن قبله ضعفها.

وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ- رضي الله عنها اسْتَحَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي))، فكانت تغتسل عند كل صلاة)) (المجموع 2/ 536).

وقال عنها في موضع آخر: ((ضعيفة لا يصح الاحتجاج بشيء منها)) (الخلاصة 1/ 236/ 631).

وأقره ابن الملقن في (البدر 3/ 137)، والشوكاني في (النَّيل 1/ 302)، وصاحب المرقاة (2/ 258/ 560).

ص: 288

وقال ابن حجر: ((وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث: ((فَأَمَرَهَا بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)) فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة؛ لأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم بأن الزهري لم يذكرها. لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة:((فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)). فيُحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين)) (الفتح 1/ 427).

وشاهد زينب هذا اختُلف فيه على يحيى اختلافًا كثيرًا، ثم هو معل بالإرسال، وقد أعله ابن حجر نفسه في (النكت الظراف 11/ 325) كما سيأتي قريبًا.

وبهذا يُعلم خطأ ابن حزم، حيث قال عن حديث ابن إسحاق وعن شاهد زينب هذا وغيرهما:((وهذه آثار في غاية الصحة))! ! (المحلى 2/ 213).

ونحوه صنيع الألباني، فإنه رغم تسليمه بضعف سليمان في الزهري وخطئه في تسمية صاحبة القصة، رغم كل ذلك قال عن سند روايته قبل ما سبق عنه مباشرة:((وهذا إسناد صحيح! رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهم تكلموا في سليمان بن كثير في روايته عن الزهري خاصة)) (صحيح أبي داود 2/ 76).

وكأنه نسي أن هذا السند الذي صححه معلق! ولم يجده موصولًا!

وكذا تصحيحه لرواية ابن إسحاق في الأمر بالغسل لكل صلاة، بـ:

- متابعة سليمان بن كثير، وهي معلقة، واختُلف عليه فيها.

- وطريق ابن الهاد الشاذ، المحكوم بأنه خطأ من قِبل الشافعي وغيره كما سبق.

ص: 289

- وشاهد أبي سلمة المرسل المختلف في إسناده اختلافًا يصل إلى حد الاضطراب.

في حين أنه خَطَّأ تسمية سليمان للمستحاضة بزينب في نفس الرواية، رغم أنه توافر له أحسن مما توافر للأول، مِن:

- متابعة ابن إسحاق، وهي مسندة، واختُلف عليه فيها.

- طريق الطيالسي الشاذ، والمحكوم بأنه خطأ من قِبل الدَّارَقُطْنِيّ وغيره كما سبق.

- وشاهد زينب بنت أبي سلمة المخرج في (الموطأ 159) وهو موصول صحيح الإسناد، فهو خير من مرسل أبي سلمة. وقد تعرض له الشيخ أيضًا، ولم يرتضِ الجمع بينه وبين المحفوظ في اسمها بما ذكره عن ابن القيم في (صحيح أبي داود 2/ 77، 78).

ورأى الشيخ أن كل ذلك خطأ، وهو مصيب في ذلك، والخطأ لا يتقوى بغيره ولا يقوي غيره، فلا عبرة بتعدد طرقه.

قلنا: كذلك الشأن في روايات الأمر بالغسل عند كل صلاة: فرواية ابن إسحاق ورواية سليمان كلتاهما خطأ على الزهري. ورواية ابن الهاد شاذة أيضًا. فلم يَبْقَ سوى مرسل أبي سلمة، وهو - بِغَضّ النظر عن الاضطراب الحاصل في سنده - لا ينهض للاحتجاج به، وتقويتُه بما ثبت خطؤه كتقويته بما لا وجود له!

وأجاب الشوكاني بجواب آخر، فقال:

((فإن قلت: هذه الأحاديث وإن كان في كل واحد منها مقال لا ينتهض معه للاستدلال، لكنها تنتهض بمجموعها ويشهد بعضها لبعض، فيكون من الحَسَن

ص: 290

لغيره، وهو معمول به. ومع هذا فقد صحح بعضها بعض الأئمة، وحَسَّن بعضَها بعض آخر منهم!

قلت (القائل هو الشوكاني): ((أما تصحيح من صحح بعضها، وتحسين مَن حَسَّن بعضها؛ فقد قَدَّمنا أنه لم يقع موقعه وأنه وهمٌ من قائله.

وأما شهادة بعضها لبعض وانتهاض بعضها للاستدلال، فهو إنما يكون لو كانت سالمة من مُعارِض هو أنهض منها. ولم تَسْلَم هذه الأحاديث من معارض، بل عورضت بما هو صحيح بلا خلاف، وهو أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد عند إدبار وقت الحيضة، ولا يلزمها تجديد الغسل لكل صلاة أو للصلاتين، وكذلك لا يلزمها تجديد وضوء لكل صلاة أو للصلاتين)) (الفتح الرباني 5/ 2606).

هذا، وقد قال البيهقي بعد أن أعل هذه الطرق:((وقد رُوي الأمر بالغسل لكل صلاة من أوجه أُخَر كلها ضعيفة)) (المعرفة 2213).

وانظر هذه الوجوه في بقية شواهد الباب.

[تنبيهان]:

الأول: قال القسطلاني: ((وما في مسلم من قوله: ((فَأَمَرَهَا بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)) طَعَن فيه النقاد؛ لأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها)) (شرح صحيح البخاري 1/ 363).

كذا زعم أنه في مسلم، وهو وهم، فلم يُخرج مسلم هذه الرواية.

الثاني: ترجم أبو نعيم في (المعرفة 3888) لـ ((زينب بنت جحش))، وقال: ((مختلف في اسمها، فقيل: حبيبة، وقيل: أم حبيبة، كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، ذكرها المتأخر.

ص: 291

وأخرج لها حديث يحيى بن سعيد، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ - امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- غَلَبَهَا الدَّمُ زَمَانًا، وَأَنَّهَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: أَفَلَا أُصَلِّي؟ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ)).

(ذكره) المتأخر من حديث يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، وقال:(رواه يحيى بن أيوب وغيره، عن يحيى بن سعيد، وقالوا: حبيبة بنت جحش).

ورواه أيضًا بهذا اللفظ: أبو ضمرة، عن يحيى بن سعيد، عَنْ عَمْرَةَ: أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ- غَلَبَهَا الدَّمُ زَمَانًا

فذكر مثله.

ورواه الزهري عن عروة وعمرة، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ وَعَلَتْ حُمْرَةُ الدَّمِ عَلَى المِرْكَنِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

قال أبو نعيم: ((وذِكر زينب في هذا الحديث وهم من بعض النَّقَلة؛ فإن المستفتية في الاستحاضة من آل جحش حمنة وحبيبة أو أم حبيبة، لا يُعرف لزينب في الاستحاضة أصل)) (معرفة الصحابة ص 3342 - 3343).

وقد جَمَع ابن القيم بين ما ورد هنا من تسمية المستحاضة بـ ((زينب بنت جحش)) وبين المحفوظ من تسميتها بأم حبيبة- بما نقله السهيلي عن بعض شيوخه أنه قال: ((أم حبيبة كان اسمها زينب، فهما زينبان، غلبت على إحداهما الكنية، وعلى الأخرى الاسم)).

وبهذا أجيب عما ورد في ((الموطأ)) من طريق عروة عن زينب بنت أبي سلمة.

واعترض الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 78) على هذا الجمع- بالاختلاف

ص: 292

على مالك، وأن الدَّارَقُطْنِيّ صوب أن أم حبيبة اسمها حبيبة.

وقد سبق كلامه عقب حديث عائشة في (باب الاستحاضة لا تمنع من الصلاة)، وانظر الكلام على حديث زينب هناك، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).

هذا، وقول أبي نعيم: ((رواه الزهري عن عروة وعمرة عن أم حبيبة بنت جحش أنها استحيضت

فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل لكل صلاة)) ليس بصواب؛ إذ المحفوظ عن الزهري أنه رواه عنهما عن عائشة، وليس فيه الأمر المذكور، بل جزم الزهري بأنها لم تؤمر بذلك كما سبق.

ص: 293

3402 -

حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها: ((أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ((فَأَمَرَهَا بِالغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ))، وَإِنْ كَانَتْ لَتَخْرُجُ مِنَ المِرْكَنِ، وَقَدْ عَلَتْ حُمرَةُ الدَّمِ عَلَى المَاء، فَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

منكر. وسنده ضعيف مضطرب. والمحفوظ أنها كانت تغتسل لكل صلاة مِن قِبل نفسها، ولم تؤمر بذلك كما نص عليه في أصل الحديث عند مسلم، وصوبه الشافعي، وتبعه البيهقي وابن رجب وغيرهم كما سبق.

[التخريج]:

[حم 27445 "واللفظ له" / صحا 7901 / محلى (2/ 12) / أسد (7/ 302)].

[السند]:

رواه أحمد -ومن طريقه الباقون- قال: حدثنا محمد بن سلمة الحراني، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لأجل عنعنة ابن إسحاق، واضطرابه فيه، ومخالفته أصحاب الزهري، ممن هم أثبت منه وأكثر عددًا.

وقد تقدم بيانه مفصلًا في الحديث السابق.

[تنبيه]:

قال أبو نعيم عقب هذا الحديث: ((ورواه معمر والأوزاعي، عن الزهري، عن عمرة، عن أم حبيبة بنت جحش، نحوه)).

ص: 294

قلنا: في رواية معمر والأوزاعي: ((فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ))، وليس في روايتيهما أنها أُمرت بذلك. ثم إن الأوزاعي جعله من حديث عائشة، وكذا رواه عامة أصحاب الزهري كما سبق في (باب الاستحاضة لا تمنع من الصلاة).

ومثل ما سبق قوله أيضًا في ترجمة زينب بنت جحش من (المعرفة، ص 3888): ((ورواه الزهري عن عروة وعمرة، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ

فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)) (المعرفة ص 3342).

وقد بينا فيما سبق آنفًا أن هذا وهم أيضًا.

ص: 295

3403 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّهَا كَانَتْ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ، وَأَنَّهَا كَانَتْ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

منكر، وسنده واهٍ.

[التخريج]:

[عب 1184].

[السند]:

رواه عبد الرزاق:

(1)

عن يحيى بن أبي كثير، عن أم سلمة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد واهٍ؛ فيه علتان:

الأولى: انقطاعه فيما بين عبد الرزاق ويحيى؛ فقد مات يحيى وعُمْر عبد الرزاق ست سنوات.

الثانية: انقطاعه فيما بين يحيى وأم سلمة، فإنه لم يدركها.

ونخشى أن يكون أصل هذا الحديث هو ما رواه ابن راهويه (2060) عن عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ

(1)

والعجب من محققي طبعة التأصيل؛ حيث أثبتوا هنا: (عن معمر)، استدراكًا من مسند ابن راهويه، وتركوا بقية الرواية كما هي، دون التنبيه على الفارق الكبير بينهما! ! فقد رواه ابن راهويه (2060) عن عبد الرزاق عن معمر عن يحيى، لكن عن أبي سلمة بقصة أم حبيبة. وليس عن أم سلمة، وللمزيد ينظر التحقيق.

ص: 296

بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ

فذكر مثله. يعني: مثل ما قبله (2059)، وهو حديث الدستوائي، عن يحيى، نَا أَبُو سَلَمَةَ:((أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي))، وسيأتي قريبًا.

فإن كان ما نخشاه صوابًا، فقد سقط من المصنف (عن معمر)، وانقلب قوله:(أبي سلمة) إلى: (أم سلمة)، وصارت هي المستحاضة. وقد يكون بعض ذلك من النساخ، وبعضه من الدَّبَري راوي المصنف، فكثيرًا ما يهم فيه على عبد الرزاق. والله أعلم.

ص: 297

3404 -

حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ:

◼ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنها: ((أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ)).

[الحكم]:

ضعيف معلول. وضَعَّفه: أبو حاتم الرازي، وابن القطان، وابن رجب، ومغلطاي. وظاهر صنيع البيهقي أنه يعله. وكذا أعله ابن حجر.

[التخريج]:

[د 293 "واللفظ له" / جا 115/ هق 1668/ تمهيد (16/ 89) / مبهم (1/ 60) / محلى (2/ 211 - 212)].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: أخبرتني زينب بنت أبي سلمة، به.

ومداره عندهم على أبي معمر، به.

وعبد الوارث هو ابن سعيد. والحسين هو ابن ذَكْوان المعلم. وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أن رواية زينب بنت أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة على الصحيح؛ ولذا قال العجلي:((تابعية مدنية ثقة)) (معرفة الثقات وغيرهم 2337).

ص: 298

وبهذا أعله أبو حاتم الرازي، فقال:((هو مرسل)) (العلل 1/ 579).

وأقره مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 123).

وقال ابن رجب: ((رواية زينب بنت أبي سلمة مرسلة أيضًا)) (الفتح 2/ 167).

وقال ابن القطان: ((هو حديث مرسل فيما أرى، وزينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم معدودة في التابعيات، وإن كانت إنما وُلدت بأرض الحبشة، فهي إنما تَروي عن عائشة وأمها أم سلمة)) (بيان الوهم والإيهام 2/ 549).

قوله: ((إنما وُلدت بأرض الحبشة)) مأخوذ عن الواقدي.

قال الحافظ ابن حجر: ((وفيه نظر، ففي مستدرك الحاكم بإسناد صحيح ما يرده، ويدل عليه أن أمها لما تزوجت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد موت أبي سلمة كانت زينب ما فُطمت بعد)) (تهذيب التهذيب 12/ 421).

وخالف ابن حزم، فقال:((زينب هذه ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نشأت في حجره عليه السلام، ولها صحبة به عليه السلام).

ثم قال عن هذا الحديث وغيره: ((وهذه آثار في غاية الصحة))! ! (المحلى 2/ 212، 213).

وقال ابن القيم - متعقبًا إعلال ابن القطان -: ((وهذا تعليل فاسد؛ فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أمها وأم حبيبة وزينب. وقد أخرج النسائي وابن ماجه هذا الحديث من روايتها عن أم سلمة. والله أعلم.

وقد حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودخلت عليه وهو يغتسل، فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كَبِرت)) (الحاشية 1/ 333).

ص: 299

ورَدَّ تعقبه الألباني، فقال: ((والحق أن أحاديث زينب هذه مرسلة كما ذهب إليه ابن القطان؛ فإننا لم نجد لها رواية فيها التصريح بسماعها منه صلى الله عليه وسلم.

وهي وإن كانت ثبت لها رؤية، فهي - من هذه الحيثية - صحابية في أصح الأقوال، ولكنها من حيث الرواية تابعية؛ لأنها لم تكن قد بلغت سن التمييز حين وفاته عليه السلام، فقد كان عمرها آنئذٍ بين السادسة والسابعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تزوج أمها أم سلمة في السنة الرابعة من الهجرة على الصحيح، كما في التهذيب، وكانت زينب حينئذٍ لا تزال ترضع، كما روى الحاكم

(1)

وأحمد

(2)

.

فقول ابن القيم: (إنها قد حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم! مع أنه مما لا دليل عليه- لا تساعده هذه الرواية الصحيحة.

ثم هو مُعارَض بقول الحافظ ابن حجر في (الإصابة): ((وأظن أنها لم تحفظ))؛ ولذلك ذكرها العجلي في ((ثقات التابعين)). قال الحافظ: ((كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأظن أنها لم تحفظ)). قال: (وذَكَرها ابن سعد فيمن لم يَرْوِ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، وروى عن أزواجه).

وأما دخول زينب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل؛ فقد أشار ابن عبد البر في (الاستيعاب) إلى ضعف الرواية بذلك. وقد ذكره الحافظ من طريق عَطَّاف بن خالد عن أمه عن زينب. وأم عطاف هذه لم أعرفها، ولم أجد من ذكرها! والله أعلم.

ثم إن قول ابن القيم: (إن النسائي وابن ماجه أخرجا هذا الحديث من

(1)

ينظر المستدرك، حديث رقم (6932).

(2)

ينظر المسند (26619، 26669، 26722).

ص: 300

رواية زينب عن أم سلمة)! فخطأ بَيِّن؛ فليس عندهما هذا الحديث البتة من رواية زينب عنها؛ بل ولا هو عند غيرهما من هذا الوجه. وإنما لأم سلمة حديث آخر في الاستحاضة، وليس فيه الغسل لكل صلاة، وهو الذي أخرجه النسائي وابن ماجه.

فالظاهر أن هذه الرواية هي منشأ خطأ ابن القيم رحمه الله، ظن أنها من رواية زينب عن أم سلمة. والمعصوم من عصمه الله)) (صحيح أبي داود 2/ 81، 82)، وكلام الحافظ في (الإصابة 11372).

ولكن الألباني بعدما رجح إرساله، صححه بما سبق من شواهد! فقال:((وبعد هذا كله، فإني أرى جازمًا أن الحديث صحيح على كل حال؛ لأنه مرسل صحيح الإسناد، وقد جاء موصولًا من وجوه أخرى كما سبق)) (صحيح أبي داود 2/ 83).

قلنا: قد بينا فيما سبق أن الأمر بالغسل عند كل صلاة لم يأتِ من وجه صحيح، والوجوه المشار إليها كلها منكرة.

ثم إن هذا المرسل له علة أخرى، لا يتجه معها القول بصحته، وهي أنه قد اختُلف في سنده اختلافًا كثيرًا، يصل إلى حد الاضطراب.

وبإعمال الترجيح يترجح وجهٌ غير الوجه السابق كما يلي.

فهذا الحديث اختُلف فيه على يحيى بن أبي كثير:

فرواه حسين المعلم، عن يحيى، عن أبي سلمة قال: أخبرتني زينب

به. كما سبق.

وخالفه هشام الدستوائي وحرب بن شداد ومعمر، فرووه عن يحيى عن أبي سلمة: أن أم حبيبة

به مرسلًا. رواه ابن راهويه، والدارمي،

ص: 301

والبيهقي وغيرهم، وسيأتي.

ورواه أبان بن يزيد العطار عن يحيى، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم حبيبة، أنها سألت

الحديث. وسيأتي أيضًا.

وقيل: عن هشام ومعمر عن يحيى، بمثل رواية أبان. وهو غير محفوظ كما سيأتي.

ورواه الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة وعكرمة -وفي رواية: عن أبي سلمة أو عكرمة-: أن زينب بنت أم سلمة كانت تعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تهريق الدم

الحديث. فزاد (عكرمة) في سنده، وجعل المستحاضة زينب بنت أم سلمة. وهو وهم كما سيأتي.

فتَحَصَّل عندنا أربعة وجوه:

أحدها: يرويه الحسين المعلم.

والثاني: يرويه هشام وحرب ومعمر.

والثالث: يرويه أبان العطار.

والرابع: يرويه الأوزاعي.

وكل هؤلاء ثقات، فالأقرب أن يُحمل فيه على يحيى، فيكون اضطرابًا.

وهذا أَوْلى من توهيم أبان وحسين معًا، لاسيما وقد جزم الدَّارَقُطْنِيّ بأن معمرًا تابع أبانًا، فيحتمل أنه حفظ الوجهين عن يحيى.

فأما الأوزاعي، فقوله وهم بلا خلاف كما سيأتي في موضعه.

وأعمل الدَّارَقُطْنِيّ الترجيح، فقال عقب رواية حسين المعلم:((وهو أشبه الأقاويل بالصواب)) (العلل 9/ 384).

ص: 302

قلنا: ليس حسين بأَوْلى من الدستوائي، لاسيما وقد توبع كما سبق.

ولذا قال ابن رجب: ((اختُلف في إسناده على يحيى، والصحيح عنه عن أبي سلمة مرسلًا. قاله أبو حاتم)) (الفتح 2/ 167).

كذا عزاه لأبي حاتم، ولكن ظاهر كلام أبي حاتم لا يفيد ذلك صراحة.

قال ابن أبي حاتم: ((سألت أبي عن حديث رواه هشام ومعمر وغيرهما، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم حبيبة، أنها استحيضت

فلم يثبته، وقال: الصحيح عن هشام الدستوائي: عن يحيى، عن أبي سلمة: أن أم حبيبة سألت النبي صلى الله عليه وسلم

وهو مرسل، وكذا يرويه حرب بن شداد)) (العلل 119).

فابن أبي حاتم ذكر لأبيه وجهًا عن هشام ومعمر يخالف المحفوظ عنهما؛ ولذا لم يثبته أبوه، ثم بَيَّن أن الصحيح عن هشام ما ذكر، ثم قال: ((وقال الحسين المعلم

))، فذَكَر قوله، وحَكَم بإرساله كما سبق، ولم يرجح بين قوله وقول هشام وحرب.

نعم، عدم اعتداده بالوجه المذكور عن هشام ومعمر وغيرهما قد يفيد ذلك، لاسيما إن كان المراد بغيرهما هو أبان العطار. ولكن يحتمل أنه لم يره ثابتًا عمن سُمي فقط، فبَيَّن المحفوظ عن أحدهما، ولم يتعرض للترجيح بين أصحاب يحيى. والله أعلم.

وظاهر صنيع البيهقي أنه يعل رواية حسين برواية هشام، حيث قال:((كذلك رواه حسين المعلم، وخالفه هشام الدستوائي فأرسله)) (السنن الكبرى عقب رقم 1668).

قال ابن دقيق: ((كأن مقصوده في هذا التعليل بالإرسال من جهة هشام

ص: 303

الدستوائي)) (الإمام 3/ 321 مع اختصار يسير).

وهو المراد من صنيع ابن حجر أيضًا، حيث علق على حديث الحسين قائلًا:((قال ابن أبي حاتم في (العلل): سألت أبي عنه، فلم يثبته)).

ثم قال الحافظ: ((وقد خالفه هشام الدستوائي ومعمر وغيرهما، فقالوا: عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أم حبيبة: أنها استحيضت

)) (النكت الظراف 11/ 325).

وفي صنيعه هذا وهم غريب، فالذي سئل عنه أبو حاتم ولم يثبته هو الوجه الذي نسبه الحافظ لهشام ومعمر! ! وليس حديث الحسين! ثم إن المحفوظ عن هشام أنه قال فيه:((أن أم حبيبة))، وليس ((عن أم حبيبة)) كما سبق.

قلنا: وذَكَر البيهقي له علة أخرى، وهي أنه رُوي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أفتى بخلافه.

قال البيهقي: "وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه". ثم أسند في (السنن الكبير 1672) من طريق عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال:((تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ)).

وقال ابن دقيق العيد - معقبًا على هذا الوجه -: "قلت: قد أخرج البيهقي حديث هشام الدستوائي، عن يحيى، عن أبي سلمة المرسل. وهشام من الثقات الحفاظ. وكذلك حديث حسين المعلم عن يحيى، عن أبي سلمة، عن زينب.

وعلى كل حال - مسندًا أو مرسلًا - فقد رواه، فلابد من جواب عن مخالفته لما رواه" (الإمام 3/ 322).

قلنا: الجواب عن ذلك أن السند بفتواه تلك ليس بالقوي، ففيه عمر بن

ص: 304

أبي سلمة، والجمهور على تضعيفه. انظر (تهذيب التهذيب 7/ 456). وقال الحافظ:"صدوق يخطئ"(التقريب 4910).

هذا، وبالرغم مما سبق قال صاحب (عون المعبود 1/ 333):((حديث أبي سلمة هذا إسناده حسن، ليس فيه علة))! !

ص: 305

3405 -

حَدِيثٌ آخَرُ لِأُمِّ حَبِيبَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: إِنِّي أَهرَاقُ الدَّمَ؟ ! ((فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف معلول. وأعله: أبو حاتم الرازي، وابن رجب. وضَعَّفه ابن المُلَقِّن. وهو ظاهر صنيع ابن عبد البر والنووي.

[التخريج]:

[غيل 587 واللفظ له/ تمهيد (16/ 89) / عيل (كثير - إمام 3/ 317، 318) / محلى (2/ 211) / سلفي (الجزء الثالث 21) / شبيل (1/ 528، 529)].

[التحقيق]:

رواه أبو بكر الشافعي في (الغيلانيات 587) -ومن طريقه السلفي في (المشيخة) - قال: حدثني إسحاق بن الحسن، ثنا مسلم، ثنا هشام وأبان، عن يحيى، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم حبيبة، به.

كذا وقع فيه، حمل رواية هشام -وهو الدستوائي- على رواية أبان.

وهو وهم؛ فقد رواه ابن عبد البر في (التمهيد 16/ 89) من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا مسلم قال: حدثنا أبان وهشام الدستوائي قالا: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة. قال أبان: عن أم حبيبة. وقال هشام: أن أم حبيبة سألت

إلخ.

ففَرْق بين رواية أبان المسندة ورواية هشام المرسلة. وإسماعيل القاضي أَجَلّ وأثبت من إسحاق بن الحسن الحربي، وإن كانا جميعًا ثقتين.

ص: 306

ويؤيد رواية القاضي أن البيهقي رواه في (الكبرى 1669) من طريق أبي مسلم الكَجي عن مسلم بن إبراهيم به، مثل رواية القاضي.

وكذا رواه ابن عُلَيَّة ومعاذ ويزيد بن هارون ووهب بن جرير عن هشام الدستوائي، كما سيأتي قريبًا.

نعم، رواه ابن حزم -ومن طريقه عبد الحق- من طريق علان، عن بُندار، عن وهب بن جرير، عن هشام به:((عن أم حبيبة))، مثل رواية الحربي عن مسلم عن هشام.

ولكن هذا وهم أيضًا، لعله من علان، أو من ابن حزم نفسه، فقد رواه الدارمي (924) عن وهب عن هشام، وأرسله مثل رواية الجماعة.

وقد سئل أبو حاتم عن رواية هشام ومعمر وغيرهما عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أم حبيبة

فلم يثبتها، وقال: ((الصحيح عن هشام الدستوائي: عن يحيى عن أبي سلمة: أن أم حبيبة سألت

وهو مرسل)) (العلل 119).

ورواية معمر خرجها الإسماعيلي في (حديث يحيى) كما في (الإمام) عن ثلاثة من شيوخه، لكنه لم يَذكر مَن بينهم وبين معمر، وقد جزم الدَّارَقُطْنِيّ بأن معمرًا رواه هكذا مسندًا.

وقد رواه ابن راهويه عن عبد الرزاق عن معمر به مرسلًا، مثل رواية الجماعة عن هشام.

وهذا أَوْلى بالصواب، فلعل في سند الإسماعيلي مَن لا يُحتج به. ويدل عليه أن أبا حاتم لم يعبأ بهذا الوجه عن معمر ولم يثبته، وإلا فلعل معمرًا حفظ الوجهين كما سبق.

ص: 307

أما رواية أبان، فقد اختُلف عليه فيها أيضًا:

فرواه الإسماعيلي عن عبد الله بن صالح، عن يوسف -وهو ابن موسى بن راشد-، عن مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبان القطان، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن بنت جحش:

الحديث، أسقط منه أبا سلمة؛ ولذا قال الإسماعيلي:((وعن بنت جحش، مرسل)) (الإمام 3/ 318). يعني: منقطع؛ فيحيى لم يدركها.

وهذا وإن كان رجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عن مسلم عن أبان فيه ذِكر أبي سلمة كما سبق عن القاضي والحربي. وهكذا رواه الإسماعيلي من طرق عن أبان، به.

وفيه علتان:

الأولى: الانقطاع، فأبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أم حبيبة.

قاله أبو حاتم الرازي كما في (المراسيل لابن أبي حاتم 950).

وأقره الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 84)، غير أنه صححه بالشواهد كما مر.

الثانية: الاضطراب في سنده كما بيَّنَّاه فيما سبق، خاصة لو صح الوجهان المرويان عن معمر. ولو أعملنا الترجيح، فالأَوْلى بالصواب هو قول هشام ومَن تابعه عن يحيى عن أبي سلمة: أن أم حبيبة

مرسلًا.

قال ابن رجب: ((اختُلف في إسناده على يحيى، والصحيح عنه عن أبي سلمة مرسلًا، قاله أبو حاتم

وقيل: عنه عن أبي سلمة عن أم حبيبة، ولا يصح)) (الفتح 2/ 167).

ص: 308

وكذا رجح البيهقي هذا الوجه المرسل، انظر تحقيق الحديث السابق.

وقد ضَعَّف ابن عبد البر والنووي وابن الملقن جميع الأحاديث التي ورد فيها الأمر بالغسل لكل صلاة، كما ذكرناه عنهم تحت حديث عائشة أول الباب.

ص: 309

3406 -

حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ((أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ)).

[الحكم]:

ضعيف لإرساله. وبهذا أعله: أبو حاتم الرازي والبيهقي وابن رجب. وفي سنده اختلاف كثير. وقد ضَعَّفه: ابن عبد البر والنووي والشوكاني.

[التخريج]:

[مي 924/ حق 2059 واللفظ له، 2060/ ص (كنز 27754) / هق 1669/ تمهيد (16/ 89)].

[السند]:

رواه الدارمي عن يزيد بن هارون، ووهب بن جرير.

ورواه ابن رهويه عن معاذ بن هشام، صاحب الدستوائي.

ورواه سعيد بن منصور كما في (الكنز) عن إسماعيل ابن عُلَيَّة.

ورواه البيهقي وابن عبد البر من طريق مسلم بن إبراهيم الفراهيدي.

خمستهم: عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به.

وتوبع عليه هشام:

فرواه ابن رهويه عن عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، به مثله.

ص: 310

وذَكَر أبو حاتم لهما مُتابِعًا ثالثًا، وهو حرب بن شداد (العلل 119).

فمداره عندهم على يحيى بن أبي كثير.

[التحقيق]:

رجال إسناده ثقات، لكنه مرسل، فأبو سلمة بن عبد الرحمن تابعي، لم يدرك القصة، ولم يذكر عمن تَحَمَّله، وهو لم يسمع من أم حبيبة كما سبق؛ فحديثه هذا مرسل. وبهذا جزم أبو حاتم الرازي والبيهقي وابن رجب، وقد سبق كلامهم.

ثم إن إسناده مُختلَف فيه اختلافًا كثيرًا، قد يصل إلى حد الاضطراب كما سبق بيانه.

وقد ضَعَّف ابن عبد البر والنووي والشوكاني وغيرهم جميع الأحاديث التي ورد فيها الأمر بالغسل لكل صلاة، كما ذكرناه عنهم تحت حديث عائشة أول الباب.

ص: 311

3407 -

حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ وَعِكْرِمَةَ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ - أَوْ: عِكْرَمَةُ- قَالَ: ((كَانَتْ زَينَبُ تَعْتَكِفُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ تُرِيقُ الدَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَعِكْرَمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَتْ تَعْتَكِفُ [المَسْجدَ] مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ تُهْرَاقُ الدِّمَاءَ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ (لِكُلِّ صَلَاةٍ))).

[الحكم]:

منكر. وأنكره: الدَّارَقُطْنِيّ والبيهقي والذهبي وابن رجب. وهو مرسل مضطرب الإسناد. والمحفوظ أن المستحاضة أم حبيبة، ولم تؤمر بالغسل لكل صلاة.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [مي 921].

تخريج السياقة الثانية: [عيل (كثير - إمام 3/ 321) "واللفظ له" / هق 1670 "والرواية له" / فحيم 33 "والزيادة له"].

[التحقيق]:

مداره بهذا اللفظ على الأوزاعي، وقد اختُلف عليه فيه على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول:

رواه الدارمي عن محمد بن يوسف، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة- أو: عكرمة- قال:

فذكره مرسلًا

ص: 312

بلفظ السياقة الأولى.

وابن يوسف هو الفريابي، وقد تابعه البابلتي كما في (العلل للدارقطني 4091).

الوجه الثاني:

رواه الإسماعيلي في حديث يحيى كما في (الإمام لابن دقيق) من طريق هشام بن عمار عن ابن أبي العشرين.

ورواه البيهقي من طريق بشر بن بكر، كلاهما عن أبي عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة وعكرمة مولى ابن عباس: أن زينب

فذكره مرسلًا بلفظ السياقة الثانية.

ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، واختُلف عليه:

فرواه ابن دُحَيْم في (فوائده) عن هشام بن عمار، عن الوليد، عن الأوزاعي - بمثل رواية ابن أبي العشرين، وبشر بن بكر -، عن يحيى، عن أبي سلمة وعكرمة: أن زينب

مرسلًا.

ويبدو أن هشامًا وَهِم فيه على الوليد؛ فقد رواه ابن دحيم في (فوائده) عن محمود بن خالد المروزي، عن الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة وعكرمة، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ: ((أَنَّهَا كَانَتْ تَعْتَكِفُ المَسْجِدَ وَهِيَ تُهْرَاقُ الدَّمَ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

)) ولم يذكر بقية المتن.

ومحمود ثقة، وقد توبع:

فرواه الإسماعيلي كما في (الإمام لابن دقيق 3/ 321) من طريق أبي الوليد القرشي - وهو عبد الملك بن أصبغ -، عن الوليد بنحوه

(1)

. وهذا هو الوجه الثالث.

(1)

- سيأتي في (باب اعتكاف المستحاضة).

ص: 313

فهذه ثلاثة أوجه عن الأوزاعي تدل على اضطرابه فيه. ورواية الفريابي ومَن تابعه، ورواية بشر ومن تابعه- مرسلتان.

وقد أخطأ فيه الأوزاعي من وجهين:

الأول: ذِكر عكرمة في السند، ولم يذكره أحد من أصحاب يحيى بن أبي كثير غيره.

قال الدَّارَقُطْنِيّ: ((وقول الأوزاعي وَهْم، ولم يذكر أحد من أصحاب يحيى في حديثه عكرمة غير الأوزاعي)) (العلل 4091).

الثانية: جَعْل المستحاضة زينب بنت أم سلمة.

قال الذهبي: ((هذا غلط؛ زينب لا حاضت ولا اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت صغيرة جدًّا. وجاء عن عكرمة ما يخالف هذا)) (المهذب 1/ 341).

وقال ابن رجب: ((ورواه الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة مرسلًا، وجَعَل المستحاضة زينب بنت أبي سلمة، وهو وهم فاحش؛ فإن زينب حينئذٍ كانت صغيرة)) (الفتح 2/ 167).

ص: 314

3408 -

حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ الزهري مُرْسَلًا:

◼ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شهَابٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَكَانَتِ استُحِيضَتْ)).

[الحكم]:

منكر. وإسناده مرسل ضعيف.

[التخريج]:

[حق 2063].

[السند]:

قال إسحاق: أخبرنا جرير، عن ليث بن أبي سُليم، عن محمد بن شهاب، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فهو مع إرساله فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. قال ابن حجر:((صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه، فتُرِك)) (تقريب 5685).

وبه أعله الحافظ في (المطالب 2/ 531/ 205).

وقد وهم فيه ابن أبي سليم، فقد رواه الليث بن سعد، عن الزهري، وقال:((لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة رضي الله عنها أن تغتسل عند كل صلاة)).

وهو عند مسلم، وقد سبق.

ص: 315