المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌612 - باب ما روي في أمر المستحاضة بالوضوء عند كل صلاة - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٧

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌601 - بَابٌ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ

- ‌602 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌603 - بَابُ إِذَا طَهُرَتِ الْحَائِضُ قَبْلَ الغُرُوبِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعَصْرَ. وَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الفَجْرِ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ صَلَّتِ الْعِشَاءَ

- ‌604 - بَابٌ: هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ

- ‌605 - بَابُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ ثَوْبِ امْرَأَتِهِ الحَائِضِ

- ‌606 - بَابُ إِصَابَةِ ثَوْبِ المُصَلِّي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ نَائِمَةٌ بِجِوَارِهِ

- ‌607 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي المُصَلِّي يَمَسُّ امْرَأَتَهُ بِيَدَيْهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌608 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَقْرَبُ الْحَائِضَ

- ‌609 - بَابٌ: هَلْ تَحِيضُ الْحَامِلِ

- ‌أَبْوَابُ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌610 - بَابُ المُسْتَحَاضَةِ إِذَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً، أوْ كَانَ لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ

- ‌611 - بَابُ الاسْتِحَاضَةِ لَا تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَتَطَوُّعِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌612 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌613 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الْوُضُوءِ للمُسْتَحَاضَةِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌614 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌615 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ

- ‌616 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي جَمْعِ المُسْتَحَاضَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ

- ‌617 - بَابُ تَخْيِيرِ المُسْتَحَاضَةِ فِي الجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ وَالغُسْلِ لَهُمَا، أَوِ الاغْتِسَالِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الطُّهْرِ

- ‌618 - بَابُ مَا جَاءَ فِي البِكْرِ إِذَا ابْتُدِئَتْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ كَانَ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ فَنَسِيَتْهَا

- ‌619 - بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ دَمِ الحَيْضِ وَدَمِ الاسْتِحَاضَةِ

- ‌620 - بَابُ ذِكْرِ الأَقْرَاءِ، وَمَنْ قَالَ: الأَقْرَاءُ: الحَيْضُ

- ‌621 - بَابُ وَطْءِ المُسْتَحَاضَةِ

- ‌622 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ الاسْتِحَاضَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ

- ‌623 - بَابُ مَا رُوِيَ فِيمَا تَفْعَلُ المَرْأَةُ إِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنَ الحَيْضِ

- ‌624 - بَابُ الاعْتِكَافِ لِلمُسْتَحَاضَةِ

- ‌625 - بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ

- ‌أَبْوَابُ النِّفَاسِ

- ‌626 - بَابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا، وَالحَيْضَ نِفَاسًا

- ‌627 - بَابُ مُدَّةِ النِّفَاسِ

- ‌628 - بَابٌ: هَلْ تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ القُرْآنَ

- ‌629 - بَابٌ: إِذَا طَهُرَتِ النُّفَسَاءُ وَلَمْ تَجِدْ مَاءً، تَيَمَّمَتْ لِلصَّلَاةِ

- ‌630 - بَابٌ: هَلْ يَجُوزُ لِلنُّفَسَاءِ أَنْ تَدْخُلَ الحَمَّامَ

الفصل: ‌612 - باب ما روي في أمر المستحاضة بالوضوء عند كل صلاة

‌612 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ

3389 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: اسْتُحِيضَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبي حُبَيْشٍ فَسَأَلَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(([لَا] 1 إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ (فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) 1 فَاغْسِلِي عَنكِ أَثَرَ الدَّمِ وَتَوَضَّئِي [وَصَلِّي] 2؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 2، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ (إِنِّي أُسْتَحَاضُ وَلَا يَنْقَطِعُ عَنِّي الدَّمُ)؟ قَالَ:((لَيْسَ ذَاكَ بِحَيْضٍ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ [مِنْ دَمِكِ]، فَإِذَا أَقْبَلَ الْحَيْضُ فَدَعِي الصَّلَاةَ عَدَدَ أَيَّامِكِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهِ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ (ذَهَبَ أَيَّامُ حَيْضَتِكِ)، فَاغْتَسِلِي [لِطُهْرِكِ]، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 3، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ:((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَهَا (قَدْرَ أقْرَائِهَا)، [ثُمَّ لِتَكُفَّ عَنِ الصَّلاةِ، فَإِذَا ذَهَبَ أَقْرَاؤُهَا] تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

صحيح المتن دون ذِكر (الوضوء)، فمختلف في ثبوته:

ص: 187

فأعلَّه: الشافعي، والبيهقي، واللالكائي، وابن العربي، وابن رجب. وأشار إلى إعلاله: مسلم، والنسائي، وأبو العباس القرطبي.

بينما صححه: الطحاوي، وابن حزم، وابن الجوزي، وابن دقيق العيد، وابن سيد الناس، وابن التركماني، وابن كثير، وابن الملقن، وابن حجر، والعيني، والكشميري، والألباني.

وتناقض فيها ابن عبد البر، فصححه مرة، وأعله مرة أخرى.

والراجح: أنَّ زيادة الوضوء معلولة، لا تثبت.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [ن 222 "واللفظ له"، 368 / كن 271/ مي 798 "والزيادة الأولى والثانية والرواية له" / عل 4486/ طب (24/ 359/ 892) / طح (1/ 103/ 644) / مشكل 2733، 2734 / طحق 170 / هق 570، 1643 / محلى (1/ 251) / تمهيد (22/ 104)]

تخريج السياقة الثانية: [حب 1349 "واللفظ له" / طب (24/ 360، 361/ 895 "والروايتان له"، 897) / فاصل 230 "والزيادتان له" / طح (1/ 102/ 637، 638) / مشكل 2732 / طحق 169 / آثار 197 / قط (عقب 841) / هق (عقب 1682) / هقخ 1080/ تمهيد (16/ 95)، (22/ 103) / حنف (خسرو 1128) / حنيفع 21 / حنيفة (لؤلؤي - خوارزم 1/ 268) / حنف (طلحة - خوارزم 1/ 267) / مبرد (حنيفة 34) / فوائد الأصفهانيين لأبي الشيخ (إمام 3/ 288) / تحقيق 193/ قند 327].

تخريج السياقة الثالثة: [حب 1350 "واللفظ له" / بز (18/ 220)

ص: 188

مختصرًا جدًّا / طس 7623 مختصرًا / سرج 432 "والرواية والزيادة له" / طحق 171، 1927، 1928 / الرد على الكرابيسي للطحاوي (بدر 3/ 111)].

[التحقيق]:

رُوي الحديث عن عائشة بذكر الوضوء من عدة طرق، أشهرها: طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. إلا أنه اختلف عليه في ذكر الوضوء، فرواه أكثر الناس عنه بدون ذكر الوضوء، ورواه بعضهم بذكره، ورواه بعضهم بذكر الوضوء من قول عروة أو من قول هشام نفسه، وإليك بيان ذلك بالتفصيل:

أولا: مَنْ رواه عنه دون ذكر الوضوء:

1) مالك بن أنس في (الموطأ 157)، ومن طريقه البخاري (306)، وغيره.

2) أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، عند البخاري (228)، ومسلم (333).

3) سفيان بن عيينة، عند البخاري (320)، والحميدي (193)، وغيرهما.

4) زهير بن معاوية، عند البخاري (331).

5) أبو أسامة، عند البخاري (325).

6) وكيع، عند مسلم (333).

7) عبد الله بن نمير، عند مسلم (333).

8) جرير بن عبد الحميد، عند مسلم (333).

ص: 189

9) عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عند مسلم (333).

10) عبدة بن سليمان، عند الترمذي (126)، وإسحاق في (مسنده 563)، وغيرهما.

11) عبد الله بن المبارك، عند النسائي في (الصغرى 369).

12) خالد بن الحارث، عند النسائي في (الصغرى 273).

13) يحيى القطان، عند أحمد (25622)، والبزار (27).

14) جعفر بن عون، عند الدارمي (793)، وغيره.

15) معمر بن راشد، عند عبد الرزاق (1174).

16) ابن جريج، عند عبد الرزاق (1175).

17) الثوري، عند إسحاق في (مسنده 565)، والطبراني في (الكبير 24/ 357/ 888)

(1)

، والبزار (71)، وغيرهما.

18) أيوب السختياني، عند أبي عوانة في (المستخرج 979)، والطبراني في (الكبير 24/ 361/ 899) و (الأوسط 4281).

19، 20، 21) الليث بن سعد وعمرو بن الحارث وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عند أبي عوانة في (المستخرج 978)، وابن المنذر في (الأوسط 803)، والطحاوي في (المعاني 142)، وغيرهم.

22) عبد الرحمن بن أبي الزناد، عند الطحاوي في (المعاني 643).

(1)

وقد رواه إسحاق والطبراني من طريق عبد الرزاق عن الثوري، فالذي يظهر أن هذا السند سقط من (المصنف)، فقد جاء في (المصنف 1174) تفسير سفيان للحديث عقب طريق معمر، دون روايته! . والله أعلم.

ص: 190

23) شعبة بن الحجاج، عند الطبراني في (الكبير 24/ 359/ 891).

24) زائدة بن قدامة، عند الطبراني في (الكبير 24/ 360/ 893).

25) مسلمة بن قعنب (والد عبد الله)، عند الطبراني في (الكبير 24/ 361/ 896).

26) عبد العزيز بن أبي حازم، عند الطبراني في (الكبير 24/ 361/ 898).

27) عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عند الطبراني في (مسند الشاميين 96).

28) أبو يوسف القاضي، في (الآثار 195).

29) محمد بن عبد الله بن كناسة، عند ابن المنذر في (الأوسط 13)، وأبي نعيم في (المستخرج 743)، وغيرهما.

30) محمد بن فضيل، عند ابن أبي داود في (مسند عائشة 36).

31) مسعر بن كدام، عند ابن المظفر في (حديث شعبة 8).

32) عنبسة بن عبد الواحد، عند الإسماعيلي في (معجمه 1/ 345).

33) محاضر بن الورع، عند البيهقي في (الكبرى 1586، 4141).

34) سعدان بن يحيى، عند ابن حذلم في (مشيخته 72).

35، 36) أنس بن عياض وبحر بن كثير، ذكرهما أبو نعيم في (الصحابة معلقًا عقب رقم 7794).

37) عيسى بن يونس، ذكره ابن رجب في (فتح الباري 1/ 449).

ص: 191

جميعهم: رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به دون ذكر الوضوء.

ثانيًا: مَنْ رواه عن هشام بذكر الوضوء من قول عروة أو هشام:

1) أبو معاوية الضرير.

رواه إسحاق بن راهويه (563/ 20) -وعنه النسوي في (الأربعين 23) - عن أبي معاوية به، وفيه:((وَقَالَ أَبِي: تَتَوَضَأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ)).

ورواه البخاري (228) عن محمد بن سلام، عن أبي معاوية، عن هشام به وفي آخره: قَالَ: وَقَالَ أَبِي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ» .

ففَصَل قول عروة عن متن الحديث، فلو كان الكل موصولًا، لم يكن هناك حاجة لفصل هذا القول عن بقية المتن.

ورواه حرب الكرماني في (مسائله- كتاب الطهارة 579) عن إسحاق بن إبراهيم، قال: أبنا أبو مُعاويَة، عن هِشام بن عروة، قال: قال أبي -في المستَحاضَة-: «توضَّأ لكُلِّ صلاة» . ولم يذكر المرفوع.

وهذا لا يدع مجالًا للشك في كون زيادة الوضوء إنما هي من قول عروة، وليست مرفوعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي مزيد بيان لذلك قريبًا، فقد رواه بعضهم عن أبي معاوية، وأدرج كلام عروة في المتن المرفوع.

ولذا ذهب البيهقي في (الكبرى 1644)، واللالكائي كما في (التحقيق لابن الجوزي 1/ 187)، وابن العربي في (العارضة 1/ 210)، والنووي في (المجموع 2/ 535)، وابن رجب في (الفتح 1/ 448)، إلى أن ذكر الوضوء

ص: 192

فيه، إنما هو من قول عروة.

وقد اعتَرض ابن الجوزي وتبعه ابن حجر وغيره على هذا الرأي بما يُعلم جوابه مما ذُكر، كما سبق بيانه في غير هذا الموضع.

ورواه ابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) من طريق الدورقي، عن أبي معاوية، وفي آخره: ((قال هشام: أي: ثم توضئي لكل صلاة

إلخ)).

فجعل ذكر الوضوء من قول هشام وليس عروة. وكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى القطان عن هشام، كما سيأتي.

2) يَحْيَى القطان.

رواه أحمد (25622) عن يَحْيَى القطان، عن هشام، به، وفي آخره: قال يحيى: ((قلت لهشام أغسل واحد، تغتسل وتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم)).

وهذا أيضًا يؤكد أن ذكر الوضوء غير محفوظ في المتن المرفوع.

3) عيسى بن يونس.

علقه ابن رجب في (الفتح 1/ 449) فقال: رواه عيسى بن يونس عن هشام، فقال في آخر الحديث: وقال هشام: ((تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

4) مالك بن أنس.

رواه مالك في (الموطأ 161) - وعنه الشافعي في (الأم 3789)، وغير واحد -: عن هشام بن عروة، عن أبيه، أَنَّهُ قَالَ:((لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

ولكن فصله تمامًا عن الحديث المرفوع. وكذا رواه مفصولًا غيره، كما

ص: 193

سيأتي.

5) حفص بن غياث.

رواه ابن أبي شيبة في (المصنف 1362): عن حفص بن غياث وأبي مُعاوية، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:((الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ وَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ)).

ثالثًا: مَنْ رواه عن هشام بذكر الوضوء مرفوعًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

1) حماد بن زيد.

رواه النسائي في (الصغرى 222، 368) و (الكبرى 222) - ومن طريقه الطحاوي في (المشكل 2733)، وابن حزم في (المحلى 1/ 251) - قال: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال: حدثنا حماد- وهو ابن زيد- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به. بلفظ السياق الأول.

وقد توبع يحيى بن حبيب:

فرواه الطبراني في (الكبير 24/ 359/ 892) من طريق أبي الربيع الزهراني ومحمد بن أبي بكر المُقَدَّمي وغيرهما، عن حماد بن زيد، به.

وكذا رواه الطحاوي والبيهقي من طرق عن حماد بن زيد، عن هشام، به.

وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين. إلا أن هذه الزيادة انتقدت على حماد بن زيد.

فقد أخرج مسلم طريقَ حماد بن زيد (333) عن خلف بن هشام عنه، إلا أنه لم يَسُقْ متنه، بل أحال به على لفظ وكيع، ثم قال:((وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره)).

يعني قوله: ((وَتَوَضَّئِي)) كما جزم به البيهقي - كما سيأتي -، والقاضي

ص: 194

عياض في (الإكمال 2/ 176)، والقرطبي في (المفهم 1/ 594)، والنووي في (شرح مسلم 4/ 22)، وابن دقيق العيد في (الإمام 3/ 283)، وغيرهم.

فأشار مسلم بهذا إلى إعلال هذه اللفظة.

قال البيهقي: ((رواه مسلم في الصحيح عن خلف بن هشام دون قوله: (وتوضئي)، وكأنه ضَعَّفه لمخالفته سائر الرواة عن هشام)) (السنن الكبرى عقب رقم 1643).

وقال في موضع آخر: ((ثم قال مسلم: (وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره)؛ لأن هذه الزيادة غير محفوظة، إنما المحفوظ ما رواه أبو معاوية وغيره عن هشام بن عروة هذا الحديث، وفي آخره قال: قال هشام: قال أبي: ثم توضأ لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت)). (السنن الكبرى عقب رقم 570).

وقال أيضًا: ((إلا أن حماد بن زيد زاد فيه الوضوء، وهو غلط، إنما الوضوء من قِبل عروة)) (معرفة السنن 2/ 148).

وقال كذلك: ((وقد رُوِي فيه زيادة الوضوء لكل صلاة، وليست بمحفوظة)) (السنن عقب رقم 1576).

وأشار إلى إعلالها أيضًا الإمام النسائي فقال عقب الحديث: ((لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث (وَتَوَضَّئِي) غير حماد بن زيد. وقد روى غير واحد عن هشام، ولم يذكر فيه (وَتَوَضَّئِي))).

وأقرّه القاضي عياض في (الإكمال 2/ 176)، والقرطبي في (المفهم 1/ 594)، والنووي في (شرح صحيح مسلم 4/ 22).

وخالف ابن عبد البر، فقال: ((رواه حماد بن زيد عن هشام بإسناده، فجَوَّد

ص: 195

لفظه، قال:((فَإِذَا أَدْبَرَتِ الحَيضةُ، فَاغْسِلِي عَنْكِ أَثَرَ الدَّمِ، وَتَوَضَّئِي)))) (الاستذكار 3512).

فتعقبه ابن رجب قائلًا: ((وهذا يدل على أنه رآه محفوظًا، وليس كما قال

والصواب: أن هذا من قول عروة)) (الفتح 1/ 448).

قلنا: موقف ابن عبد البر من ثبوت هذه اللفظة مضطرب كما سيأتي.

2) حماد بن سلمة:

رواه الدارمي (798) عن حَجاج بن منهال، ورواه أبو يعلى (4486) عن إبراهيم بن الحجاج، ورواه ابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) من طريق عفان. ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، وفيه:((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي وَصَلِّي)). ولفظ أبي يعلى: ((ذَهَبَ فَوْرُهَا))، وهو تصحيف ظاهر، وفي التمهيد:((وَقْتُهَا))، وفيه أيضًا:((ثُمَّ تَطَهَّرِي وَصَلِّي))!

وزاد عند الدارمي: قال هشام: فكان أبي يقول: ((تَغْتَسِلُ غُسْلَ الأَوَّلِ، ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَتُصَلِّي)).

وعند ابن عبد البر: ((قال هشام: كان عروة يقول: الغسل الأول ثم الطهر بعد)).

ورواه الطحاوي في (المشكل 2734) و (المعاني 1/ 103) من طريق حجاج، به.

قال الطحاوي: ((وليس حماد بن سلمة عندكم في هشام بن عروة بدون مالك والليث وعمرو بن الحارث. فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لوقت كل

ص: 196

صلاة)) (معاني الآثار 1/ 103).

وقال ابن عبد البر أيضًا: ((وكذلك رواية حماد بن سلمة عن هشام أيضًا بإسناده مثله)) -يعني: فيها (وتوضئي) - ثم قال: ((وحماد بن سلمة في هشام بن عروة ثَبْت ثقة)) (التمهيد 16/ 95).

وقال ابن بطال عن جمهور العلماء القائلين بأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة: "واحتجوا بما رواه حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة،

"، فذكره بزيادة الوضوء، ثم قال: "قالوا: وهذه زيادة لحماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، يجب قبولها" (شرح صحيح البخارى 1/ 434).

وقال العيني: "هذا إسناد صحيح على شرط مسلم"(نخب الأفكار 2/ 356).

قلنا: وحماد بن سلمة وإن كان من رجال مسلم، إلا أنه ليس بذاك القوي إذا روى عن غير ثابت وحميد الطويل.

قال الإمام مسلم: "وحماد يعد عندهم إذا حدث عن غير ثابت كحديثه عن قتادة وأيوب ويونس وداود بن أبي هند والجريري ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وأشباههم- فإنه يخطئ في حديثهم كثيرًا"(التمييز ص 218).

3) أبو حمزة السكري محمد بن ميمون:

رواه ابن حبان (1349) قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن النضر الخُلْقَاني

(1)

، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي قال:

(1)

بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وفتح القاف وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى بيع الخلق من الثياب وغيرها. انظر (الأنساب للسمعاني 5/ 179).

ص: 197

أخبرنا أبو حمزة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ؟ قَالَ:((لَيْسَ ذَاكَ بِحَيْضٍ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْحَيْضُ فَدَعِي الصَّلَاةَ عَدَدَ أَيَّامِكِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهِ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

ورجاله ثقات سوى الخُلْقَاني، فلم نجد من وثقه.

وقد اختُلف فيه على أبي حمزة:

فرواه البيهقي (1644) من طريق عبد الله بن عثمان - وهو عبدان الحافظ - حدثنا أبو حمزة قال: سمعت هشامًا يُحَدِّث عن أبيه: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ

الحَدِيثَ.

وَقَالَ فِيهِ: ((فَاغْتَسِلِي عِنْدَ طُهْرِكِ، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

هكذا أرسله فلم يذكر عائشة.

قال مغلطاي عن الوجه المرسل: ((يشبه أن يكون وهمًا)) (شرح ابن ماجه 3/ 106).

قلنا: سنده إلى أبي حمزة أصح من سند الموصول، ولكن جزم الدَّارَقُطْنِيّ بأن السكري قد رواه على الوجه الأول بذكر عائشة (العلل 8/ 140).

4) أبو عَوَانة الوضاح اليشكري:

رواه ابن حبان (1350) عن الخُلْقَاني بإسناده إلى ابن شقيق قال: حدثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ:((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

ص: 198

ورواه الطحاوي في (أحكام القرآن 171، 1927) عن نصر بن مرزوق، عن الخَصِيب بن ناصح. وبرقم (171، 1928) عن أحمد بن داود بن موسى، عن سهل بن بكار.

كلاهما عن أبي عوانة به بلفظ: ((وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ))، إلا أنه قال فيه:((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا))! !

وذِكر الأقراء هنا وفي بقية المتابعات وهمٌ، أو رويت بالمعنى خطأ كما سنبينه في (باب الأقراء).

وبمجموع تلك الأسانيد يصح السند إلى أبي عوانة.

ولذا قال ابن التركماني: "ولم ينفرد حماد بذلك عن هشام، بل رواه عنه أبو عوانة؛ أخرجه الطحاوي في كتاب (الرد على الكرابيسي) من طريقه بسند جيد"(الجوهر النقي 1/ 343).

وكذا قال ابن الملقن في (البدر المنير 3/ 111)، والعيني في (نخب الأفكار 2/ 347).

5) يحيى بن سُليم الطائفي:

رواه السَّرَّاج في (حديثه 432) قال: حدثنا القاسم بن بشر بن معروف، حدثنا يحيى بن سُليم الطائفي، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ المُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ، فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ لْتَكُفَّ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا ذَهَبَ أَقْرَاؤُهَا فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتَتَوَضَّأْ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

والقاسم ثقة. ويحيى من رجال الصحيح، إلا أنه مُتكلَّم في حفظه، وإن وثقه ابن معين وغيره. ولذا قال عنه الحافظ:"صدوق سيء الحفظ" (التقريب

ص: 199

7563).

6) محمد بن عجلان:

رواه الطبراني في (الأوسط 7623) قال: حدثنا محمد بن المَرْزُبان، نا محمد بن حكيم الرازي، نا هشام بن عبيد الله السني، نا أبو معاذ خالد البلخي، عن محمد بن عجلان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ مَرَّةً، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ)) يَعْنِي: لِكُلِّ صَلَاةٍ.

قال الطبراني: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد بن عجلان إلا أبو معاذ البلخي، تَفَرَّد به هشام السني)).

قلنا: وهو صدوق موثق (اللسان 8264)، ولكن مَن دونه لا تُعرف حالهما. وأبو معاذ إن كان هو ابن صبيح الخراساني، فهو صدوق كما في (الجرح والتعديل 3/ 336)، وإن كان هو ابن سليمان، فقد ضُعِّف كما في (اللسان 2875)، وله ترجمة حسنة في (القند 193).

7) أبو معاوية الضرير:

رواه ابن الجوزي في (التحقيق 193) من طريق الترمذي، عن هناد، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به، وفيه:((فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

وقال العيني في (نخب الأفكار 2/ 346): "وأخرج السراج في (مسنده) عن هناد بن السري، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، نحو رواية أبي حنيفة". يعني بذكر الوضوء لكل صلاة.

ص: 200

وقال ابن الجوزي عقبه: ((ذَكَره الترمذي كما رويناه، وحَكَم بصحته))، وتبعه الزيلعي في (نصب الراية 1/ 40).

قلنا: والحديث عند الترمذي (126): عن هناد قال: حدثنا وكيع، وعبدة، وأبو معاوية، عن هشام، به دون ذكر الوضوء في المتن. وفي آخره: قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ)).

وهذا ظاهره رفع الوضوء من حديث أبي معاوية، ولعل لذلك تصرف ابن الجوزي في سياقة الحديث من طريق الترمذي، فجعله مرفوعًا قولًا واحدًا. وكذا ساقه ابن قدامة في (المغني 1/ 449) من عند الترمذي محتجًا بها، وقال عنها:"وهذه زيادة يجب قبولُها".

وقال النووي في فصل الصحيح من (خلاصته): "وفي رواية أبي معاوية: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ))، رواه الترمذي بهذا اللفظ، وقال: (حسن صحيح). وأما الأحاديث التي ضعفها أبو داود في الوضوء لكل صلاة، فليس هذا منها، ولا في طريقه من الضعف ما في تلك"(خلاصة الأحكام 636)

(1)

.

وقال ابن كثير: "وقد روى الترمذي عن هناد بن السري عن أبي معاوية وغيره عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، فذكر هذا الحديث، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ))، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم"(إرشاد الفقيه 1/ 82).

(1)

كذا قال هنا، وقد وقال في (المجموع 2/ 535) - نقلًا عن الحفاظ وأقرهم -:"ولا يصح ذكر الوضوء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام عروة بن الزبير".

ص: 201

وذكر ابن سيد الناس في (النفح الشذي 3/ 120)، وابن عبد الهادي في (المحرر في الحديث ص 117) أن أبا معاوية تابع حمادًا على ذكر الوضوء.

ولكن قد جاء ما يؤكد أن المراد بالقائل هنا هو غير النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد رواه إسحاق بن راهويه (563/ 20) -وعنه النسوي في (الأربعين 23) - عن أبي معاوية به، وفيه:((وَقَالَ أَبِي: تَتَوَضَأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ)).

ورواه البخاري (228) عن محمد بن سلام عن أبي معاوية عن هشام به وفي آخره: قَالَ: وَقَالَ أَبِي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ» .

ففَصَل قول عروة عن متن الحديث، فلو كان الكل موصولًا، لم يكن هناك حاجة لفصل هذا القول عن بقية المتن.

ولذا ذهب البيهقي في (الكبرى 1644)، واللالكائي كما في (التحقيق لابن الجوزي 1/ 187)، وابن العربي في (العارضة 1/ 210)، والنووي في (المجموع 2/ 535)، وابن رجب في (الفتح 1/ 448)، إلى أن ذكر الوضوء فيه، إنما هو من قول عروة.

وقد اعتَرض ابن الجوزي وتبعه ابن حجر وغيره على هذا الرأي بما يُعلم جوابه مما ذُكر، كما سبق بيانه في غير هذا الموضع.

ورواه ابن عبد البر في (التمهيد 22/ 104) من طريق الدورقي، عن أبي معاوية، وفي آخره: ((قال هشام: أي: ثم توضئي لكل صلاة

إلخ)).

فجعل ذكر الوضوء من قول هشام وليس عروة.

وكذا رواه عيسى بن يونس عن هشام، فقال في آخر الحديث: وقال

ص: 202

هشام: ((تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

ورواه يَحْيَى القطان، عن هشام، به، ثم قَالَ يَحْيَى:"قُلْتُ لِهِشَامٍ أَغُسْلٌ وَاحِدٌ، تَغْتَسِلُ وَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ".

ولكن مما يؤكد كون ذلك محفوظًا عن هشام بن عروة عن أبيه - كما رواه أبو معاوية -؛ أنَّ مالكًا رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، أَنَّهُ قَالَ:((لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ)). ولكن فصله تمامًا عن الحديث المرفوع.

وكذا رواه مفصولًا ابن أبي شيبة: عن حفص بن غياث وأبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، به نحوه.

وقد تقدم كل ذلك قريبًا.

7 -

أبو حنيفة النعمان:

رواه الطحاوي في (المشكل 2732) و (المعاني 1/ 102)، والطبراني في (الكبير 24/ 360) والرَّامَهُرْمُزي (230)، وابن عبد البر في (التمهيد 22/ 103)، وغيرهم، من طرق عن أبي حنيفة عن هشام، به، وفيه:((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ))

(1)

.

وأبو حنيفة - وإن كان إمامًا من أئمة الفقه - إلا أنه ضعيف في الحديث، كما تقدم بيانه مرارًا.

(1)

ولم يذكرها ابن عبد البر في روايته المسندة لطريق أبي حنيفة، مع أنه علقها في غير هذا الموضع فقال:((ورواية أبي حنيفة لهذا الحديث كرواية يحيى بن (هاشم) سواء، قال فيه: وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)) (التمهيد 16/ 95).

ص: 203

ومع هذا لما رواه ابن سيد الناس من طريق أبي حنيفة، قال:((إنه مروي عن إمام من الأئمة، فيكون صحيحًا))! ! كذا نقله الكشميري في (العَرْف الشذي 1/ 147).

والذي في (النفح الشذي 3/ 120) قال: "وأما رواية أبي حنيفة فذكرها أبو عمر بطرقها ولم يسندها

(1)

، فإن صحّت الطريق إليه فهي جيدة".

وقال العيني: "فهذا أبو حنيفة قد تابعه في ذلك حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو عوانة وأبو حمزة، أربعة من الحفاظ الأجلاء، مع أن تفرد أبي حنيفة كافٍ لجلالة قدره وتعين إمامته

(2)

" (نخب الأفكار 2/ 353).

بينما قال الكشميري: ((الإِسناد الذي أخرجه الطحاوي فيه أبو حنيفة، ومَرَّ عليه ابن سيد الناس في (شرح الترمذي) وصححه. وهكذا استشهد أبو عمر في (التمهيد) بطريق أبي حنيفة. والحافظ رحمه الله تعالى وإن أقر بتلك الزيادة إلا أنه لم يَسْتَعِن بهذا الطريق، ونحن نفهم ما يريد، فافهم أنت أيضًا، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله)) (فيض الباري 1/ 423).

8 -

الحَجاج بن أرطاة:

رواه الطبراني في (الكبير 24/ 361) عن الحسن بن العباس الرازي، حدثنا زُنْيَج

(3)

أبو غسان الرازي، حدثنا عبد الله، عن ابن مَغْرَاء، حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ

(1)

بل أسندها في موضع آخر، كما خرجناه، وانظر الحاشية السابقة.

(2)

وجلالة وإمامة أبي حنيفة في الفقه شيء وضبطه للحديث شيء آخر.

(3)

- تحرف في المطبوع إلى: ((رُبَيْحٌ))، والصواب المثبت كما في (المؤتلف والمختلف للدارقطني 2/ 1103).

ص: 204

أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ وَأَرَى الدَّمَ؟ ! فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ طُهْرِهَا اغْتَسَلَتْ، ثُمَّ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ:((إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ مِنْكِ)).

وحَجاج كثير الخطأ، مدلس، والسند إليه فيه ضعف.

وقد رواه الطبراني في (مسند الشاميين 2477) من طريق آخر -ضعيف أيضًا-، عن ابن أرطاة، به بلفظ:((اجْلِسِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ، فَإِذَا مَضَيْنَ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ لْيَكُنْ ذَلِكَ الغُسْلِ إِلَى قُرْئِكِ مِنَ الشَّهْرِ الآخَرِ)) وَقَالَ: ((إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ دَمًا)). ولم يَذكر فيه الوضوء!

وللحَجاج فيه سند آخر:

فرواه البزار (ج 18/ ح 220) من طريق أبي خالد الأحمر.

ورواه البيهقي في (الخلافيات 1080) من طريق خالد بن يزيد السلمي.

كلاهما عن الحَجاج، عن ابن أبي مُلَيْكة، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي مُسْتَحَاضَةٌ؟ ! قَالَ: ((إِنَّهُ لَيْسَ بِالحَيْضِ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ مِنْكِ، إِذَا أَقْبَلَتْ أَيَّامُ أَقْرَائِكِ فَأَمْسِكِي عَلَيْكِ، فَإِذَا مَضَتْ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ اطَّهَّرِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)) (يعني: الوضوء).

ولفظ البزار مختصر: قال لامرأة مستحاضة: ((اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

وقد ضَعَّفه البيهقي بالحَجاج، (السنن الكبرى عقب رقم 1653، 1682).

ولابن أبي مليكة رواية أخرى لها تخريج وتحقيق مستقل، سنذكرها فيما بعد - إن شاء الله -.

ص: 205

9 -

عثمان بن سعد الكاتب:

رواه الدَّارَقُطْنِيّ (841) - ومن طريقه البيهقي في (السنن 1682) - من طريق محمد بن بكر البُرْساني، عن عثمان بن سعد، عن ابن أبي مليكة

فذكر حديث فاطمة الآتي قريبًا، ثم قال:((قال عثمان بن سعد: فسألنا هشام بن عروة فأخبرني بنحوه، عن أبيه، عن عائشة)).

وعثمان بن سعد ضعيف، وقد اضطرب فيه سندًا ومتنًا، وسيأتي تفصيله تحت حديث فاطمة الآتي قريبًا.

10 -

يحيى بن هاشم:

رواه ابن عبد البر في (التمهيد 16/ 95) من طريق الحارث بن أبي أسامة، عن يحيى بن هاشم، عن هشام بن عروة به بلفظ:((وَتَوَضَّئِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

ولا يُعتد بهذه المتابعة؛ فيحيى بن هاشم- وهو الغساني- كذاب وضاع (اللسان 8535).

وقد ورد ذكر الوضوء من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة، ومن طرق أخرى عن عائشة، وكلها ضعيفة، وسيأتي تخريجها قريبًا.

ورغم كثرة هذه الطرق، إلا أن النفس لا تطمئن لتصحيح زيادة الوضوء في الحديث؛ وذلك لأمرين:

الأول: لأن الحديث رواه زهاء أربعين نفسًا عن هشام بن عروة به ولم يذكروها. وفيهم الثقات الأثبات الحفاظ، كمالك والسفيانين ويحيى القطان والليث بن سعد ووكيع وابن المبارك وغيرهم كثير.

الثاني: أن عددًا منهم رووه عن هشام بن عروة به فجعلوا ذكر الوضوء من

ص: 206

قول عروة أو من قول هشام نفسه.

وهذا كله يشير إلى وهمِ من أدرجها في المتن المرفوع، لاسيما وكثير منهم متكلم في حفظه، والثبت فيهم لا يقاوم واحدًا من الثقات الحفاظ الذين لم يذكروها (وقد بلغ عدد من لم يذكرها زهاء أربعين نفسًا)، فكيف وقد بيّن عدد منهم أنها من قول عروة أو من قول هشام نفسه.

ولذا جزم غير واحد من الأئمة بأن الأمر بالوضوء لكل صلاة ليس بمحفوظ في هذا الحديث:

فقد قال بعض العراقيين للشافعي: ((إنا رُوينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة تتوضأ لكل صلاة)). فقال الشافعي: ((نعم، قد رويتم ذلك، وبه نقول؛ قياسًا على سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء مما خرج من دُبُر أو ذَكَرٍ أو فَرْج. ولو كان هذا محفوظًا عندنا كان أحب إلينا من القياس)) (الأم 2/ 140)، و (المعرفة للبيهقي 2223)، و (السنن الكبرى عقب رقم 1656).

قال البيهقي: ((فأشار الشافعي إلى أن الحديث الذي رُوي فيه غير محفوظ، وهو كما قال)) (المعرفة 2/ 164/ 2224).

وذكر ابن بطال عن فريق من العلماء القائلين بأن المستحاضة لا تتوضأ إلا عند إيجاب الحدث، أنهم احتجوا بأصل حديث عائشة دون زيادة الوضوء، وذكر أنهم قالوا:"هكذا رواه مالك، والليث، وعمرو بن الحارث، عن هشام بن عروة وهم الحفاظ، ولم يأمرها بالوضوء لكل صلاة"(شرح صحيح البخاري 1/ 434 - 435).

وقال النووي - نقلًا عن الحفاظ -: "ولا يصح ذكر الوضوء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام عروة بن الزبير"(المجموع 2/ 535).

ص: 207

وقال ابن رجب: ((أحاديث الوضوء لكل صلاة قد رُويت من وجوه متعددة، وهي مضطربة أيضًا ومعللة)) (الفتح 1/ 450).

وقال أيضًا: ((والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث مِن قول عروة)) (الفتح 1/ 449).

وقال أبو العباس القرطبي: ((قوله: ((فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي))، أصح من رواية مَن روى:((فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي)) باتفاق أهل الصحيح، وهو قولُ عامَّة الفقهاء

(1)

)) (المفهم 1/ 591).

وقد تقدم أن الإمام مسلمًا والنسائي قد أشار كذلك إلى إعلالها.

بينما اضطرب ابن عبد البر في الحكم عليها؛

فقال في موضع: ((ومَن ذَكَر في هذا الخبر - وما كان مثله -: ((وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ))، فقد زاد زيادة صحيحة، جاءت بها الآثار المرفوعة، وقد ذكرناها في التمهيد.

والفقهاء بالحجاز والعراق مجمعون على أن المستحاضة تؤمر بالوضوء لكل صلاة، منهم من رأى ذلك عليها واجبًا، ومنهم من استحبه)) (الاستذكار 3/ 234).

وقد سبق أنه أشار إلى ثبوتها من حديث حماد بن سلمة، ومع ذلك فقد قال في موضع آخر:((وفي هذا الحديث أيضًا رَدٌّ على من أوجب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ((إِذَا ذَهَبَتِ الْحَيْضَةُ، فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي))، ولم يقل: تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ))! ! (التمهيد 22/ 109).

(1)

أي أن الدم السائل من الجسد لا ينقض الوضوء.

ص: 208

وذكر ابن سيد الناس في (النفح الشذي 3/ 119) أنه أعلها بالاضطراب.

ولذا رماه مغلطاي بالتناقض (شرح ابن ماجه 3/ 106).

وممن صحَّحها: ابنُ حزمٍ؛ حيثُ احتجَّ بها في (المحلى 1/ 251)، وقد ذكر في (مقدمة المحلى ص 2):((أنه لا يَحتجُّ إِلَّا بخبرٍ صحيحٍ)).

وقال ابن قدامة عن زيادة الوضوء فيه: ((وهذه زيادة يجب قَبولها)) (المغني 1/ 408).

وقال ابن دقيق: ((قد عُرِف مذهب أكثر الأصوليين والفقهاء في قَبول زيادة العدل، وحماد بن زيد في أكابرهم.

وأما ما ذُكر عن هشام من قوله: ((قال أبي: ثم توضأ لكل صلاة)) فهذا يَبعد أن تُعلَّل به رواية حماد لأنه أورد هذه اللفظة بصيغة الأمر مدرجة بين ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك مخالف للصيغة التي رواها هشام عن أبيه مخالفة يتعذر التعبير بإحداهما عن الأخرى)) (الإمام 2/ 232).

وبنحوه تعقب ابن التركماني على البيهقي في (الجوهر النقي 1/ 116).

وقال أيضًا: ((ولم ينفرد حماد بذلك عن هشام

على أن حماد بن زيد لو انفرد بذلك لكان كافيًا لثقته وحفظه، لا سيما في هشام. ولا نُسلِّم أن هذه مخالفة، بل زيادة ثقة، وهي مقبولة، لا سيما في مثله)) (الجوهر 1/ 344). وقلّده العيني في (نخب الأفكار 2/ 347).

وذكر ابن سيد الناس أن ابن عبد البر أعلها بالاضطراب وأن القرطبي أعلها بالمعارضة فرجح عدم ذكرها، ثم قال: "وليس الحديث في ذلك مضطربًا ولا مختلفًا اختلافًا يحتاج معه إلى الترجيح، وإنما ذكر الوضوء فيه عند من ذكره زيادة فيه على من لم يذكره فقط، فينظر إن جاءت عن ثقة ثبت ولا

ص: 209

تعارض. وقول النسائي: (لم يأت بهذه الزيادة عن هشام إلا حماد)، صحيح عن النسائي وهو حماد بن زيد، ولو سلمنا ذلك في نفس الأمر لكان كافيًا لثقة حماد بن زيد وحفظه لا سيما في هشام بن عروة، فكيف وقد ثبتت هذه الزيادة عن هشام عند أبي معاوية الضرير وعبدة ووكيع

(1)

وأبي حنيفة الفقيه ويحيى بن هاشم ويحيى بن سليم الطائفي وحماد بن سلمة، وليس في هؤلاء مردود غير يحيى بن هاشم". وخرجها طريقًا طريقًا، ثم قال: "فلا انفراد ولا تعارض واضطراب" (النفح الشذي 3/ 119 - 121).

وبعدم انفراد حماد تعقب مغلطاي أيضًا على البيهقي في (شرح ابن ماجه 3/ 105) ولذا لم يَرتضِ قول الشافعي بأنَّ ذِكر الوضوء فيه غير محفوظ (3/ 107).

وقال ابن الملقن: ((هذا الحديث صحيح))، ثم ذكر طرقه (البدر المنير 3/ 108 - 111).

وقال ابن حجر: ((رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام، وادعى أن حمادًا تفرد بهذه الزيادة، وأومأ مسلم أيضًا إلى ذلك. وليس كذلك)) (الفتح 1/ 409).

(1)

قال ابن سيد الناس: "أما طريق أبي معاوية وعبدة ووكيع فرواها الترمذي وصححها ورواتها عنده متفق عليهم في الصحيحين"(النفح الشذي 3/ 120).

قلنا: وهذا محض وهمٍ منه رحمه الله، فقد قرنهم الترمذي جميعًا بدونها ثم قال: قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ: وَقَالَ: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ))، فلم يذكر عبدة ولا وكيع هذه الزيادة مطلقًا، وأما رواية أبي معاوية فأثبتنا - فيما تقدم - أن المحفوظ عنه أن ذلك من قول عروة، وليس من أصل الرواية المرفوعة.

ص: 210

وأشار في (التلخيص 1/ 296) إلى ثبوتها بكثرة طرقها، ثم قال:((ورواية أبي معاوية المفصلة أخرجها البخاري، لكن سياقه لا يدل على الإدراج كما بينته في المدرج)).

وقد سبق مراده بذلك، والرد عليه.

وقال العيني: "وحديث الترمذي فيه: (وتوضئي لكل صلاة)، وهذه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة"(نخب الأفكار 2/ 343).

وقال أيضًا: "فقد ثبت بما ذكرنا صحة الرواية عن النبي عليه السلام في المستحاضة أنها تتوضأ في حال استحاضتها لكل صلاة"(نخب الأفكار 2/ 357).

وقال الكشميري: ((وصح فيه لفظ: (توضئي)، وإن تردد فيه مسلم)). وقال أيضًا:((هو صحيح بدون تردد كما أثبته الطحاوي، وأخرج له متابعات أيضًا، فلا تَفَرُّد فيه ولا تَرَدُّد)).

وقال أيضًا: ((والحاصل: أن الأمر بالوضوء ثابت فيه)) (فيض الباري 1/ 423).

وصححه الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 52، 53) وغيره.

قلنا: والذي ترجح لدينا كونها غير محفوظة لما تقدم ذكره، والله أعلم.

[تنبيه]:

الحديث من طريق حماد بن زيد، خرجه ابن ماجه (621 طبعة دار إحياء الكتب العربية)، إلا أنه لم يَسُقه بلفظه، وإنما ساقه بلفظ وكيع.

كما خرجه أيضًا الحاكم (7078)، ولكن سمى صاحبة القصة فاطمة بنت قيس! ! ووقع عنده بلفظ: ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ لَيْسَ بِالْحَيْضِ، وَغُسْلٌ وَاحِدٌ أَتَمُّ مِنَ

ص: 211

الْوضُوءِ))!!

وهذا غريب جدًّا، لم نجده عند غيره، وهو من طريق محمد بن عبد الله بن بَزيع، ثنا حماد بن زيد، به.

فإن لم يكن هناك خطأ من الناسخ، فهو منكر بهذا اللفظ.

رِوَايَةُ ((ثُمَّ صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ:((لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، [ثُمَّ صَلِّي] 1 وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ [قَطْرًا] 2)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف بهذا السياق. وضَعَّفه: الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن مَعين، وعلي بن المديني، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي، والدَّارَقُطْنِيّ، والبيهقي، والنووي، وابن رجب، والهيثمي.

[التخريج]:

[د 298 مختصرًا / جه 594 "واللفظ له" / حم 24145، 25059 مختصرًا، 25681 "والزيادة الأولى له ولغيره"، 26255 / ش 1354/ حق 564 "والزيادة الثانية له ولغيره" / عل 4799 / منذ 810/ مشكل 2731 / طح (1/ 102/ 636) / طحق 1926/ قط 819 - 821، 823 -

ص: 212

825 مختصرًا، 832 / هق 1646/ هقخ 1077، 1078/ هقع 2225/ معر 1084 مختصرًا، 1356، 1357 مختصرًا / عروبة 6/ مبهم (4/ 254، 255) / نصر 4/ حنف (طلحة - خوارزم 1/ 266) / عيل (أعمش - إمام 2/ 234)].

[السند]:

رواه أحمد (25059، 25681)، وابن أبي شيبة (1354)، وابن راهويه (564)، قالوا: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، به.

ولكن عند إسحاق بن راهويه: ((وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ قَطْرًا))، بزيادة ((قَطْرًا)).

وقال أحمد بعد أن ساقه عن وكيع بلفظ: ((أَيَّامَ مَحِيضِكِ)): ((وقد قال وكيع: ((اجْلِسِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ)).

يعني: رواه مرة هكذا ومرة هكذا، وهو كذلك عند الدَّارَقُطْنِيّ (821، 822)، وفيه أيضًا أن بعضهم رواه عن وكيع بذكر الوضوء، وبعضهم لم يذكره.

وكذا جاء في الموضع الأول لأحمد مختصرًا بلفظ: ((تُصَلِّي المسْتَحَاضَةُ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ)).

وكذا رواه أبو يعلى (4799) من طريق وكيع وعبد الله بن داود الخُرَيْبي وعَثَّام بن علي وعبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، به مختصرًا.

ورواه أحمد (24145، 26255) وغيره، عن علي بن هاشم بن البريد.

ص: 213

ورواه الطحاوي (636) وغيره من طريق يحيى بن عيسى.

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (820) وغيره من طريق قُرَّة بن عيسى.

ثلاثتهم: عن الأعمش به بلفظ الحيض وذِكر الوضوء، إلا أن لفظ يحيى بن عيسى:((فَأَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا))، وفي حديث قرة:((جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ))، لم يُسَمِّها.

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (824) من طريق محمد بن ربيعة. وأيضًا (825) من طريق سعيد الوراق. وأيضًا (832) من طريق ابن نمير. ثلاثتهم عن الأعمش به، إلا أن الوراق اختصره بمثل رواية أبي يعلى. وابن نمير لم يذكر فيه الوضوء!

والحديث مداره عندهم على الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه. حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة.

قاله سفيان الثوري كما في (علل الدَّارَقُطْنِيّ 8/ 141)، و (سننه 498، 826)، وأحمد وابن معين، كما في (المراسيل لابن أبي حاتم، ص 28). وابن المديني كما في (السنن الكبرى للبيهقي عقب رقم 1646)، والبخاري كما في (سنن الترمذي عقب رقم 87، 3772).

وقال إسحاق: ((ولا نظن أن حبيبًا لقي عروة)) (الاستذكار لابن عبد البر 21/ 179).

بل نَقَل الاتفاق على ذلك أبو حاتم الرازي، كما سيأتي.

ص: 214

ومع هذا قال ابن عبد البر تحت حديث ((قَبَّل بعض نسائه)): ((وحبيب بن أبي ثابت لا يُنْكَر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأَجَلّ وأقدم موتًا، وهو إمام من أئمة العلماء الجِلة)) (الاستذكار 1/ 257).

قلنا: لا مانع أن يكون قد سمع ممن هو أكبر من عروة، لكنه لم يسمع من عروة.

وقد قال أبو حاتم الرازي: ((حبيب بن أبي ثابت لا يَثبت له السماع من عروة بن الزبير، وهو قد سمع ممن هو أكبر منه، غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك، واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة)) (المراسيل، ص 192 / رقم 703).

وقال ابنُ أبي حاتمٍ في ترجمة حَبيب: "روى عن: عروة حديث المستحاضة، وحديث القبلة للصائم!

(1)

، ولم يسمع ذلك من عروة"، ثم قال: "سمعتُ أبي يقول ذلك" (الجرح والتعديل 3/ 107).

وبهذا تَعلم ما في قول الطحاوي من نظر، حين قال: ((فإن قال قائل: قد أنكر سفيان على يحيى بن آدم احتجاجه عليه به، وقال له حين احتج عليه به: قد جئتني بأحاديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة؟ !

قيل له: هذا كلام ما ندري ما معناه، غير أن حبيبًا حجة، إمام في العلم، قد روى عمن هو أَسَنّ من عروة، قد روى عن ابن عمر وابن عباس، ولا نعلم أحدًا دفعه عن ذلك ولا عن غيره من حديثه غير ما ذُكر عن سفيان فيما

(1)

كذا قال، وهو وهمٌ، فحديثُ حَبيبٍ في تركِ الوضوءِ منَ القُبْلةِ، وليس في القُبْلةِ للصائمِ، فإن الروايةَ الأخيرةَ هي المحفوظةُ عن عائشةَ، وبها يستدلُّ الأئمةُ على إعلالِ حديثِ حَبيبٍ.

ص: 215

حكيناه عنه، ولم نقف على وجهه، ولا على السبب الذي أنكره على يحيى من أجله! )) (أحكام القرآن 2/ 375، 376).

قلنا: السبب هو عدم سماعه منه باتفاق المحدثين، كما تقدم نقله عن أبي حاتم الرازي.

ولا يُعترض عليه بقول ابن التركماني: ((قد ذكرنا في باب الوضوء من الملامسة من كلام أبي داود ما يدل ظاهره على صحة سماعه من عروة)) (الجوهر النقي 1/ 345).

يشير إلى قول أبي داود: ((وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- حديثًا صحيحًا)) (السنن عقب 179).

قال ابن التركماني: ((وهذا يدل ظاهرًا على أن حبيبًا سمع من عروة، وهو مُثبِت، فيُقدَّم على ما زعمه الثوري لكونه نافيًا)) (الجوهر النقي 1/ 124).

وقد بينا في (بَابِ لَا وُضُوءَ مِنَ المُلَامَسَةِ وَالقُبْلَةِ) أن المراد من كلام أبي داود هذا هو مجرد إثبات رواية حبيب عن عروة بن الزبير، خلافًا لما زعمه الثوري بقوله:((ما حَدَّثَنا حبيب إلا عن عروة المزني)).

ومع أن مغلطاي قد فهم من كلام أبي داود ما فهمه ابن التركماني، إلا أنه اعتمد ما نقله أبو حاتم من إجماع أهل الحديث على أن حبيبًا لم يسمع من عروة؛ ولذا تَعَقب على ابن عبد البر بكلام أبي حاتم في (شرح ابن ماجه 2/ 83).

وعلى فرضِ أنَّه سمع منه شيئًا، هنا لا يقبل؛ لأن حبيبًا مدلسٌ وقد عنعن.

ومع هذا قال العيني: "إسناده على شرط مسلم"! ! (نخب الأفكار 2/ 338).

ص: 216

وليس لحبيب بن أبي ثابت رواية عن عروة في الصحيح البتة، وإنما قال ذلك باعتبار أن كل رواته من رجال الصحيح، كما أوضح ذلك بقوله:"هذا الحديث صحيح عند الطحاوي؛ لأن رواته من رجال صحيح مسلم، ما خلا شيخه"(النخب 2/ 339).

وهذا غير كافٍ في اعتبار الإسناد على شرط أحد الصحيحين، وهذا أحد أوجه الخلل التي وقع فيها الحاكم كثيرًا في (المستدرك)، وقد انتقده الحافظ ابن حجر في ذلك، انظر كلامه في (النكت الوفية للبقاعي 1/ 164 - 165).

قلنا: وقد أُعِل الحديث بعلل أخرى، وهي:

العلة الأولى: أن عروة هذا ليس بابن الزبير، ولكنه عروة المُزَني.

قال البيهقي: "يقال: إن عروة هذا ليس بابن الزبير، إنما هو المزني"(مختصر الخلافيات 1/ 434).

وعروة المزني، قال عنه الذهبي:"شيخ لحبيب بن أبي ثابت، لا يُعْرَف"(الميزان 5612).

ولكن الصحيح أن صاحب الحديث هو عروة بن الزبير، كما جاء مصرحًا به عند أحمد وابن أبي شيبة وابن راهويه وابن ماجه

وغيرهم.

وبهذا تَعَقب ابن دقيق في (الإمام 3/ 291) على من زعم أنه عروة المزني.

وقد بَيَّنَّا في (بَابِ لَا وُضُوءَ مِنَ المُلَامَسَةِ وَالقُبْلَةِ)، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ) وَهَاء هذه العلة.

ص: 217

وعلى كلٍّ، فكما قال ابن حجر:((إن كان المذكور في الإسناد عروة بن الزبير- كما صرح بذلك ابن ماجه وغيره- فالإسناد منقطع. وإن كان هو المزني، فهو مجهول. أي: فيكون السند ضعيفًا على كل حال)) (التلخيص الحبير 1/ 297)، وتبعه الشوكاني في (النَّيل 2/ 464).

العلة الثانية: الإعلال بالوقف؛ فالخبر اختُلف في وقفه ورفعه.

قال أبو داود: ((ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب: [أن]

(1)

هذا الحديث أوقفه حفص، وأنكر حفص بن غياث حديث حبيب مرفوعًا، وأوقفه أيضًا أسباط، عن الأعمش موقوف عن عائشة)) (السنن عقب رقم 300).

وقال الدَّارَقُطْنِيّ - عقب رواية علي بن هاشم -: ((تابعه وكيع والخريبي

(2)

وقُرة بن عيسى ومحمد بن ربيعة وسعيد بن محمد الوراق وابن نمير عن الأعمش فرفعوه. ووقفه حفص بن غياث وأبو أسامة وأسباط بن محمد، وهم أثبات)) (السنن 819).

ثم أسنده في (السنن 828) من طريق حفص. وأيضًا (829) من طريق أبي أسامة عن الأعمش موقوفًا.

قلنا: ذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ في (العلل 8/ 141) أن أبا أسامة ممن رواه مرفوعًا،

(1)

- سقطت من المطبوع، وإثباتها من (سنن الدارقطني 827)، و (سنن البيهقي 1/ 345)، وهو أليق بالسياق. والله أعلم.

(2)

- في طبعة المعرفة: ((الحربي)) وفي (طبعة الرسالة 1/ 392): ((الجريري))! والمثبت هو الصواب، فهو عبد الله بن داود الخريبي. انظر (السنن 826)، و (العلل 8/ 141).

ص: 218

وكذلك وجدناه من حديثه مرفوعًا عند ابن حيويه في (السادس من مشيخته 16).

كما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ أن عثام بن علي ممن رواه موقوفًا. وقد مر بنا عند أبي يعلى (4799) من طريق عثام مرفوعًا، إلا أنه اختصره فلم يذكر الوضوء.

وروى الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 830) عن عثمان بن أبي شيبة أنه قال: ((وكيع يرفعه، وعلي بن هاشم وحفص يوقفانه))!

وقد سبق أن أحمد وغيره رووه عن علي بن هاشم مرفوعًا. وكذا هو في (سنن الدَّارَقُطْنِيّ 819)، وجزم به في (العلل 8/ 141)، ولم نجده عنه موقوفًا.

إذن، فقد رفعه عن الأعمش: وكيع، وقُرَّة بن عيسى، ويحيى بن عيسى، ومحمد بن ربيعة، وسعيد الوراق، وابن نمير، وعبد الله بن داود الخريبي، وعثام بن علي، وعبيد الله بن موسى.

وزاد الدَّارَقُطْنِيّ في (العلل): مُحاضِر بن المُورِّع، وأبا يحيى الحِمَّاني.

بينما وقفه عنه: حفص بن غياث وأسباط بن محمد.

واختُلف فيه على أبي أسامة، وكذلك الخُرَيْبي، فقد قال البيهقي:((وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيِّ)) (السنن عقب رقم 1646)، ولكن لم نجده عنه إلا مرفوعًا!

قال ابن التركماني بعد أن عدَّ سبعة ممن رفعه: ((فهؤلاء سبعة أكثرهم أئمة كبار، زادوا عن الأعمش الرفع، فوجب على مذاهب الفقهاء وأهل الأصول ترجيح روايتهم؛ لأنها زيادة ثقة. وكذا على مذاهب أهل الحديث لأنهم أكثر عددًا. وتُحمل [رواية] من وقفه على عائشة أنها سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم،

ص: 219

فروته مرة وأفتت به مرة أخرى)) (الجوهر 1/ 345).

وبنحوه قال العيني في (شرح السنن 2/ 88).

بينما قال ابن رجب: ((وقد رُوي موقوفًا على عائشة، وهو أصح عند الأكثرين))! (الفتح 2/ 74).

قلنا: ويُحتمل أن يكون هذا الاختلاف من قِبل الأعمش. وقد ذكر ابن رجب في (الفتح 2/ 74) أن الحديث خطأ من الأعمش.

وقد ذكر ابن المديني أن: ((الأعمش كثيرُ الوهمِ في أحاديث هؤلاء الصغار، مثل الحكم، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي إسحاق، وما أشبههم))، وقال في رواية:((حديثُ الأعمشِ عن الصغارِ كأبي إسحاقَ، وحبيبٍ، وسلمةَ، ليس بذلك)). ينظر (شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 800).

العلة الثالثة: أن الوضوء لكل صلاة ليس محفوظًا في الحديث.

قال أبو داود: ((ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعًا أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة)) (السنن عقب رقم 300).

وابن داود هو الخُرَيْبي، فقد أخرجه ابن الأعرابي في (المعجم 1357) عن إبراهيم بن هانئ النيسابوري، والدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 822) من طريق الفضل بن سهل، كلاهما عن الخريبي، عن الأعمش، به، مختصرًا دون قوله:((وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

وكذلك لم يذكره عثام بن علي وابن نمير وعبيد الله بن موسى كما سبق.

فأما ما رواه الخطيب في (الأسماء المبهمة 4/ 255) والبيهقي في (الخلافيات

ص: 220

1078) من طريق محمد بن يونس الكُدَيْمي عن الخُرَيْبي به بلفظ: ((أَحْصِي أَيَّامَ حَيْضَتِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيرِ)).

فالكديمي ضعيف متهم، والرواية الأولى هو المحفوظة عنه.

ثم قال أبو داود: ((ودلَّ على ضعف حديث حبيب هذا أن رواية الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: ((فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)) في حديث المستحاضة)) (السنن عقب رقم 300).

واعترض عليه الخَطَّابي فقال: ((رواية الزهري لا تدل على ضعف حديث حبيب بن أبي ثابت؛ لأن الاغتسال لكل صلاة في حديث الزهري مضاف إلى فعلها، وقد يحتمل أن يكون ذلك اختيارًا منها.

وأما الوضوء لكل صلاة في حديث حبيب فهو مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضاف إليه وإلى أمره إياها بذلك، والواجب هو الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأَمَر به دون ما فعلته وأتته من ذلك)) (معالم السنن 1/ 92).

وأقره ابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 346)، وقلّده العيني في (شرح سنن أبي داود 2/ 88).

قلنا: وهذا الاعتراض فيه نظر؛ إذ كيف يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء ثم تذهب هي وتغتسل لكل صلاة؟ ! مع ما في ذلك من مشقة، لاسيما وقد استحيضت أم حبيبة سبع سنين! ! .

فالذي نراه أن كلام أبي داود قوي ووجيه وخالٍ من الاعتراض.

هذا، وقد ضَعَّف هذا الحديث جماعة من النقاد:

فقال يحيى القطان عنه: (([شِبْه] لا شيء))، نقله النسائي في (الصغرى 175)،

ص: 221

و (الكبرى 198)

(1)

وأقره، وكذا الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن 499).

وقال يحيى بن معين: "حَدَّث حبيب بن أبي ثابت عن عروة حديثين، وليس هما بشيء"(سنن الدَّارَقُطْنِيّ 831).

وفي (تاريخ ابن معين للدوري 2925): ((قيل ليحيى: حبيب ثَبْت؟ قال: نعم، إنما روى حديثين! - قال الدوري: أظن يحيى يريد: منكرين -: حديث تصلي الحائض وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القُبْلة)).

وقال أبو داود: ((ضعيف لا يصح)) (السنن عقب رقم 300 بتصرف).

وأقره ابن رجب في (الفتح 2/ 74).

وقال أبو حاتم الرازي: "ورَوى عن عروة حديث المستحاضة وحديث القُبْلة للصائم، ولم يسمع ذلك من عروة"(الجرح والتعديل 3/ 107).

وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ((لم يُحَدِّث بهذا الحديث عن حبيب غير الأعمش، ولا يصح)) (العلل 8/ 141).

وقال البيهقي: ((وهذا حديث ضعيف، ضَعَّفه يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المَديني، ويحيى بن مَعين. وقال أبو داود: .. ضعيف)) (معرفة السنن 2/ 165).

وقال النووي: "وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ؛ ضعفه أبو داود في (سننه) وبيَّن ضعفه، وبيَّن البيهقي ضعفه، ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان وعلي بن المديني ويحيى بن معين، وهؤلاء حفاظ المسلمين"(المجموع 2/ 533).

(1)

ما بين المعقوفين من (الكبرى) دون (الصغرى).

ص: 222

وقال الهيثمي: ((هو في الصحيح خلا قوله: ((وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيرِ))، رواه أحمد من طريق عروة ولم ينسبه. فقيل: هو عروة المزني، وهو مجهول. وقيل: عروة بن الزبير، ولم يسمع حبيب منه. وحبيب مدلس، وقد عنعنه)) (المجمع 1539).

قلنا: فهذا تصحيح للمتن دون العبارة المذكورة، وهو بهذا يستشهد للوضوء عند كل صلاة بقول عروة المذكور في البخاري عقب رواية أبي معاوية (228) عن هشام.

وكذا صنع الألباني، صححه دون قوله:((وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيرِ))، فقال: ((ورجاله كلهم ثقات. وقد صرح ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيّ في روايتهما أن عروة هو ابن الزبير، ولكن حبيبًا لم يسمع منه؛ فهو منقطع. لكن تابعه هشام بن عروة عند البخاري وغيره.

فالحديث صحيح، لكن بدون هذه الزيادة؛ لتفرد الطريق الأولى بها)) (الإرواء 1/ 146).

قلنا: وقد سبق أن قول عروة عند البخاري: ((ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ))، اختلف العلماء هل هو من الحديث المرفوع، أم هو موقوف على عروة؟ وقد رجحنا الثاني وبيَّنَّا أدلته. والله أعلم.

وأما قوله ((وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الحَصِيرِ)) فقد يشهد له ما أخرجه البخاري (2037) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي)).

ص: 223

رِوَايَةُ ((فَانْظُرِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ، فَإِذَا جَاوَزَتْ فَاغْتَسِلِي وَاسْتَنْقِي

)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ قَمِيرَ امْرَأَةِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ؟! فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا ذَاكَ عِرْقٌ، فَانْظُرِي أَيَّامَ أَقْرَائِكِ، فَإِذَا جَاوَزَتْ فَاغْتَسِلِي وَاسْتَنْقِي، ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا. وهو معل بالوقف. وضَعَّفه الدَّارَقُطْنِيّ وأعله. وأقره البيهقي والزيلعي.

[التخريج]:

[قط 818 "واللفظ له" / فقط (أطراف 6498) / هق 1650، 1651].

[السند]:

رواه الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن) - ومن طريقه البيهقي (1651) - قال: حدثنا محمد بن سليمان بن محمد الباهلي، نا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خِدَاش، نا عمار بن مطر، نا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن قمير امرأة مسروق، عن عائشة، به.

ورواه البيهقي (1650) من طريق عبيد الله بن عقبة، حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش، حدثنا عمار، به، إلا أنه قال:((فَاغْتَسِلِي وَاسْتَذْفِرِي)).

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ في (الأفراد) من طريق عمار بن مطر، وقال:((غريب من حديث إسماعيل بن أبي خالد، تَفَرَّد به أبو يوسف القاضي، وتَفَرَّد به عمار بن مطر عن أبي يوسف)) (أطراف الغرائب والأفراد 6498).

ص: 224

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: عمار بن مطر، هالك وإن وثقه بعضهم. فقد قال أبو حاتم الرازي:((كان يكذب))، وقال ابن عدي:((أحاديثه بواطيل))، وقال ابن حبان:((كان يسرق الحديث))، وقال العقيلي:((يُحدِّث عن الثقات بمناكير)) (الميزان 3/ 169).

ومع وهائه فقد تفرد به، كما تقدم نص الدَّارَقُطْنِيّ على ذلك في (الغرائب)، وقال في (السنن):((تَفَرَّد به عمار بن مطر، وهو ضعيف)) (السنن عقب رقم 818).

وأقره البيهقي في (المعرفة 2/ 165)، و (السنن الكبرى عقب رقم 1651)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 201).

وقد خولف فيه أيضًا كما سيأتي.

العلة الثانية: أنه معل بالوقف.

إذ رواه الثقات من أصحاب إسماعيل فوقفوه، وكذا رواه بيان بن بشر، وفِرَاس الهَمْداني، ومغيرة بن مِقْسَم، ومُجالِد بن سعيد، وعبد الملك بن ميسرة، وداود بن أبي هند وغيرهم، عن الشعبي به موقوفًا. وسيأتي تخريجه.

فالمحفوظ ما رواه الجماعة عن الشعبي عن قَمير عن عائشة موقوفًا.

قال الدَّارَقُطْنِيّ: ((والموقوف عن قمير عن عائشة أصح)) (العلل 8/ 437).

وقال أيضًا: ((والذي عند الناس عن إسماعيل بهذا الإسناد موقوفًا: (المُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ))) (السنن عقب رقم 818).

ص: 225

وأقره البيهقي في (المعرفة 2/ 165)، و (السنن الكبرى عقب رقم 1651)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 201).

قلنا: والموقوف رواه بعضهم بلفظ: ((أَيَّامَ حَيْضِهَا))، وبعضهم رواه بلفظ:((أَيَّامَ أَقْرَائِهَا))، والأول هو الصواب كما سنذكره في بابه.

هذا وقد رُوي المرفوع عن قَمير من وجه آخر كما في الرواية التالية.

رِوَايَةُ ((ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إِلَى مِثْلِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: ((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِها، ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ إِلَى مِثْلِ أَيَّامِ

(1)

أَقْرَائِهَا، فَإِنْ رَأَتْ صُفْرَةً، انْتَضَحَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ)).

[الحكم]:

ضعيف معلول. وضَعَّفه: أبو داود، والدَّارَقُطْنِيّ، والبيهقي، وابن دقيق، والزيلعي، والألباني.

[التخريج]:

[د 299 - 300 مختصرًا / طص 1187 "واللفظ له" / هق 1647 - 1649 / قضاة (3/ 45) / كما (35/ 274)].

[التحقيق]:

هذا الرواية مدارها عندهم على أبي العلاء أيوب بن مسكين- أو ابن أبي مسكين-

(1)

- تحرف في مطبوعة (أخبار القضاة) إلى: ((توصى الزميل أيام))!! وصوابها: ((توضئي إلى مثل أيام))!!

ص: 226

رواه عنه يزيد بن هارون على وجهين:

الوجه الأول:

رواه وكيع الضبي في (أخبار القضاة 3/ 45) عن محمد بن عبد الملك الدقيقي.

ورواه البيهقي في (الكبرى 1647) من طريق العباس بن محمد الدوري.

كلاهما عن يزيد بن هارون، عن أبي

(1)

العلاء أيوب بن أبي مسكين، عن الحَجاج بن أرطاة، عن أم كلثوم

(2)

، عن عائشة به مرفوعًا.

وقد رواه أبو داود (299) -ومن طريقه البيهقي (1649) -: عن أحمد بن سنان، حدثنا يزيد، عن أيوب بن أبي مسكين، عن الحجاج، عن أم كلثوم، عن عائشة في المستحاضة:((تَغْتَسِلُ -تَعْنِي: مَرَّةً وَاحِدَةً- ثُمَّ تَوَضَّأُ إِلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا)).

فوقفه أحمد بن سنان، ولعله وهم، فقد اتفق الثلاثة على رفعه عن يزيد من الوجه الآخر كما سيأتي، واتفق اثنان منهم على رفعه عنه من هذا الوجه، ووقفه الثالث.

فالأقرب أن الحديث مرفوع عند يزيد من الوجهين، وأن اضطراب شيخه في الإسناد فقط، والله أعلم.

وعلى كلٍّ، فهذا الوجه سنده ضعيف جدًّا، فيه ثلاث علل:

الأولى: الحَجاج بن أرطاة، فهو كثير الخطأ والتدليس، وقد عنعن.

(1)

- تحرف في (أخبار القضاة) إلى: ((ابن)).

(2)

- تحرفت في (أخبار القضاة) إلى: ((كليم)).

ص: 227

الثانية: أم كلثوم، لا يُدرى من هي؟ ! ولم يعرفها المزي (التهذيب 8006).

الثالثة: أيوب بن أبي مسكين، وهو صدوق موثق، إلا أن يزيد بن هارون قال فيه:((كان لا يحفظ الإسناد))، وكذا قال أبو داود:((كان يتفقه، ولم يكن يجيد الحفظ للإسناد))، وقال ابن عدي والحاكم أبو أحمد:((في حديثه بعض الاضطراب)). (تهذيب التهذيب 1/ 412).

قلنا: صَدَق فيه هنا قول هؤلاء؛ لأنه لم يحفظ هذا الإسناد؛ ولذا اضطرب فيه، فرواه على وجه آخر، وهو:

الوجه الثاني:

رواه أبو داود (300) - ومن طريقه البيهقي (1649) - عن أحمد بن سنان.

ورواه الطبراني في (الصغير 1187) - ومن طريقه المزي في (التهذيب 35/ 274) -، والبيهقي في (الكبرى 1648) من طريق العباس بن محمد الدوري.

ورواه وكيع الضبي في (أخبار القضاة 3/ 45) عن محمد بن عبد الملك الدَّقِيقي.

ثلاثتهم: عن يزيد بن هارون، حدثنا أيوب أبو العلاء، عن عبد الله بن شبرمة القاضي، عن قَمير امرأة مسروق، عن عائشة به مرفوعًا، إلا أن أبا داود لم يَسُقْ متنه، وإنما قال:((مثله))، محيلًا على ما قبله، وقد سبق.

قال الطبراني: ((لم يروه عن ابن شبرمة إلا أيوب أبو العلاء، تَفَرَّد به يزيد بن هارون)).

ص: 228

قلنا: وهو ثقة، وكذا سائر رجاله ثقات عدا أيوب بن أبي مسكين، فمتكلم في حفظه كما سبق، وقد بينا أنه اضطرب فيه أيضًا.

ولذا ضَعَّفه أبو داود، فقال:((حديث أيوب أبي العلاء ضعيف لا يصح)) (السنن عقب رقم 300 بتصرف يسير).

وأقره البيهقي في (السنن الكبرى عقب رقم 1649)، و (المعرفة 2233) -وتبعه الزيلعي في (نصب الراية 1/ 201) -، وابن دقيق في (الإمام 3/ 333).

فأما قول أبي داود بعد ذلك: ((وهذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث قمير)).

فإنما يعني به الموقوف الذي علقه قبله بقوله: ((وروى عبد الملك بن ميسرة، وبيان، والمغيرة، وفراس، ومجالد، عن الشعبي، عن حديث قمير، عن عائشة: ((تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)))).

وهذه علة أخرى لهذا الوجه، وهي الإعلال بالوقف.

فقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ في (العلل 14/ 437) أن أيوب قد خولف فيه، حيث رواه سويد بن عبد العزيز عن ابن شبرمة

(1)

، عن الشعبي، عن قمير، عن عائشة موقوفًا.

وسويد وإن كان ضعيفًا إلا أن الحديث محفوظ عن الشعبي عن قمير موقوفًا على عائشة.

ولذا قال الدَّارَقُطْنِيّ: ((والموقوف عن قمير عن عائشة أصح)) (العلل 8/ 437).

(1)

- سقط ابن شبرمة من المطبوع، والسياق يدل عليه.

ص: 229

وكذا قال الألباني: ((وأيوب هذا فيه ضعف من قِبل حفظه، وقد خالفه جماعة فأوقفوه، وهو الصواب)) (صحيح أبي داود 2/ 46).

ولذا ضَعَّفه أيضًا في (ضعيف أبي داود 1/ 129).

والخلاصة: أن سند الحديث من الوجه الأول فيه ثلاث علل، ومن الوجه الثاني فيه علتان.

ص: 230

3390 -

حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ:

◼ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((لِتَنْظُرْ عِدَّةَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشُّهُورِ، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْسِلْ وَلْتَتَوَضَّأْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي)).

[الحكم]:

صحيح دون ذكر الوضوء فشاذ.

[التخريج]:

[قط 793].

[السند]:

رواه الدَّارَقُطْنِيّ في (السنن) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد الله المخزومي، نا سفيان، عن أيوب السَّختياني، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به.

وسفيان هو ابن عيينة.

[التحقيق]:

هذا إسناد ظاهره الصحة، فرجاله كلهم ثقات، إلا أن ذكر الوضوء في متنه شاذ، تَفَرَّد به أبو عبيد الله المخزومي، وهو غير محفوظ في هذا الحديث.

فقد رواه الحميدي (304)، ومن طريقه ابن عبد البر في (التمهيد 16/ 57) و (الاستذكار 3612).

ورواه الطبراني في (الكبير 23/ 385/ 919) من طريق علي بن المديني.

ص: 231

ورواه الطحاوي في (المشكل 2723) من طريق الشافعي.

ورواه البيهقي في (الكبرى 15482) من طريق إبراهيم بن بشار.

أربعتهم: عن سفيان بن عيينة، قال: حدثنا أيوب السختياني، به، دون ذكر الوضوء.

وكذلك رواه وُهَيْب عن أيوب.

وكذلك رواه حماد بن زيد وابن عُلَيَّة وعبد الوارث عن أيوب دون ذكر الوضوء، إلا أنهم أرسلوه. وقد بينا ألفاظهم ووجه الخلاف فيه على أيوب في غير هذا الموضع.

وقد جاء ذكر الوضوء في هذا الحديث من وجه لا يُعْتَد به، كما تراه فيما يلي.

ص: 232

رِوَايَةُ ((((فَأَمَرَهَا

أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَتَوَضَّأَ)):

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَى الدَّمَ؟! ((فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف، وذِكر الوضوء في متنه منكر.

[التخريج]:

[طب (23/ 270/ 577) "واللفظ له" / مأسد (تمهيد 16/ 58، 59)].

[السند]:

رواه الطبراني في (الكبير) قال: حدثنا الحسين بن إسحاق، ثنا يحيى الحِمَّاني، ثنا أبو خالد الأحمر، عن الحَجاج، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، به.

ويحيى متهم، لكنه توبع:

فرواه أسد بن موسى في (مسنده) عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن الحَجاج بن أرطأة، عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة. ذكره ابن عبد البر في (التمهيد 16/ 59)، ولم يَسُقْ متنه.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف؛ فيه حَجاج وعنعنته، وهو كثير الخطأ والتدليس، وقد أخطأ في متنه:

فقد رواه مالك وعبيد الله بن عمر والليث وموسى بن عقبة وغيرهم عن نافع، ولم يذكروا في متنه الوضوء. فتَفَرُّد حجاج به من بين هؤلاء يُعَد

ص: 233

منكرًا.

وقد اختُلف فيه على حَجاج أيضًا، فرواه عنه يزيد بن هارون وأرسله!

ص: 234

3391 -

حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ امْرَأَةً

(1)

أَتَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ عليه السلام:((تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي إلَى مِثْلِ ذَلِكَ)).

[الحكم]:

مرسل، إسناده ضعيف، وذِكر الوضوء في متنه منكر.

[التخريج]:

[مش (نصب 1/ 202، 204) "واللفظ له" / طوسي 106].

[السند]:

رواه ابن أبي شيبة في (مسنده) قال: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا حَجاج، عن نافع، عن سليمان بن يسار، به، نقله الزيلعي في (نصب الراية 1/ 202، 204).

ورواه الطوسي في (المستخرج 106) عن يعقوب الدورقي، عن يزيد، به، نحوه.

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف؛ فيه مع إرساله حجاج بن أرطاة، وهو ضعيف مدلس،

(1)

- تحرف في المطبوع من (نصب الراية) إلى: ((امْرَأَتَهُ))، والمثبت من (المستخرج)، ومثله في (الجوهر النقي 7/ 417)، و (البدر المنير 3/ 126) نقلًا من مسند ابن أبي شيبة!

ويدل عليه أيضًا كلام الزيلعي نفسه عقب الحديث، حيث قال:((وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ))، فكيف تكون امرأة ابن يسار مع قوله هذا؟ ! !

ص: 235

وقد أخطأ في متنه بذكره الوضوء، كما أخطأ في إرساله، وقد خالفه مالك وعبيد الله وغيرهما فوصلوه، ولم يذكروا فيه الوضوء، وقد سبق.

ص: 236

3392 -

حَدِيثُ فَاطِمَة بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ:

◼ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَكُونَ لِي حَظٌّ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ يَوْمٍ أُسْتَحَاضُ، فَلَا أُصَلِّي لِلَّهِ عز وجل صَلَاةً! ! قَالَتْ: اجْلِسِي حَتَّى يَجِيءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ تَخْشَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَظٌّ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، تَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ يَوْمٍ تُسْتَحَاضُ، فَلَا تُصَلِّي لِلَّهِ عز وجل فِيهِ صَلَاةً! !

فَقَالَ: ((مُرِي فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، فَلْتُمْسِكْ [عَنِ الصَّلَاةِ فِي] كُلِّ شَهْرٍ عَدَدَ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا [قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَ لَهَا هَذَا]، ثُمَّ تَغْتَسِلُ [غسْلَةً وَاحِدَةً]، وَتَحْتَشِي، وَتَسْتَثْفِرُ، وَتَنَظَّفُ، ثُمَّ تَطَهَّرُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ عِرْقٌ انْقَطَعَ، أَوْ دَاءٌ عَرَضَ لَهَا)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف. وضَعَّفه: البيهقي.

[اللغة]:

(تَسْتَثْفِر): أي: تَشُد فرجها بخرقة عريضة، أو قطنة تَحْتَشِي بها، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها. (لسان العرب 4/ 105).

[التخريج]:

[حم 27631 "واللفظ له" / هق 1681 "مختصرًا والزيادات له" / جصاص (2/ 27) "معلقًا مختصرًا"].

[التحقيق]:

انظر عقب الروايات التالية.

ص: 237

رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ [خَالَتَهُ] فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَلَبِثَتْ زَمَانًا لَا تُصَلِّي، فَأَتَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - قَدْ خَافَتْ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَا تَكُونُ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ حَظٌّ -، أَلْبَثُ زَمَانًا لَا أَقْدِرُ عَلَى صَلَاةٍ مِنَ الدَّمِ!!

فَقَالَتْ لَهَا: امْكُثِي حَتَّى يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَسْأَلِينَهُ عَمَّا سَأَلْتِنِي عَنْهُ.

فَدَخَلَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ ذَكَرَتْ أَنَّهَا تُسْتَحَاضُ، وَتَلْبَثُ الزَّمَانَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ قَدْ كَفَرَتْ أَوْ لَيْسَ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ حَظٌّ!

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((قُولِي لِفَاطِمَةَ: تُمْسِكُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَنِ الصَّلَاةِ عَدَدَ قُرْئِهَا، فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ فَلْتَغْتَسِلْ غَسْلَةً وَاحِدَةً، تَسْتَدْخِلُ وَتُنَظِّفُ وَتَسْتَثْفِرُ، ثُمَّ الطَّهُورِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي؛ فَإِنَّ الَّذِي أَصَابَهَا رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ عِرْقٌ انْقَطَعَ، أَوْ دَاءٌ عَرَضَ لَهَا)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف، وضَعَّفه البيهقي.

[التخريج]:

[قط 841 "واللفظ والزيادة له" / هق 1682].

[التحقيق]:

سيأتي فيما بعد.

ص: 238

رِوَايَةٌ أُخْرَى مُرْسَلَةٌ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: جَاءَتْ خَالَتِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَقَعَ فِي النَّارِ؛ إِنِّي أَدَعُ الصَّلَاةَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ (أَوْ سِنِينَ) لَا أُصَلِّي!!

فَقَالَتِ: انْتَظِرِي حَتَّى يَجِيءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

فَجَاءَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هَذِهِ فَاطِمَةُ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا.

فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((قُولِي لَهَا: فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَيَّامَ قُرْئِهَا، ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ الطُّهُور [بَعْدُ] عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلْتُنَظِّفْ وَلْتَحْتَشِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ دَاءٌ عَرَضَ، أَوْ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ عِرْقٌ انْقَطَعَ)).

[الحكم]:

منكر بهذا اللفظ. وضَعَّفه: البيهقي، والذهبي وذكر أن صورته مرسل.

[التخريج]:

[ك 634 "واللفظ له"، 7102 "مختصرًا" / قط 842 والرواية والزيادة له/ هق 1680/ هقخ 1079].

[التحقيق]:

رواه أحمد (27631) قال: ثنا يحيى بن أبي بُكَيْر، قال: ثنا إسرائيل، عن عثمان بن سعد، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكة، قال: حدثتني خالتي فاطمة

الحديث، بلفظ السياقة الأولى.

وعلقه الجصاص (الأحكام 2/ 27) عن محمد بن شجاع، عن يحيى، عن إسرائيل، به.

وإسرائيل ثقة من رجال الشيخين، وقد توبع:

ص: 239

فرواه البيهقي (1681) من طريق أبي عبيدة الحداد، عن عثمان بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن خالته فاطمة بنت أبي حبيش: أنها استحاضت فأتت أم المؤمنين عائشة

فذكره نحوه مختصرًا.

وأبو عبيدة هو عبد الواحد بن واصل، ثقة من رجال البخاري.

وخولف إسرائيل والحداد في سنده ومتنه:

فرواه الدَّارَقُطْنِيّ (842)، والحاكم (634، 7102) - وعنه البيهقي في (السنن 1680) و (الخلافيات 1079) - من طريق أبي عاصم النبيل.

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ (841) - ومن طريقه البيهقي في (السنن 1682) - من طريق محمد بن بكر البُرْساني.

كلاهما عن عثمان بن سعد، عن ابن أبي مُلَيْكة به. ساقه البرساني بلفظ السياقة الثانية. وأبو عاصم بلفظ السياقة الثالثة. وفيهما لم يذكر عمن تحمله ابن أبي مليكة؟

فهو هكذا في صورة المرسل كما قال الذهبي في (تلخيص المستدرك 1/ 175).

وأيضًا: فقد قال أبو عاصم في حديثه: ((لِتَغْتَسِلْ فِي كُلِّ يَوْمٍ غُسْلًا))! !

وأبو عاصم ثقة ثبت، وروايته مخالفة لرواية الباقين، وهم ثقات أيضًا؛ فالحَمْل فيه على عثمان، فهو المضطرب فيه. والله أعلم.

وعثمان بن سعد- وهو القرشي الكاتب- ضَعَّفه جمهور النقاد كما في (تهذيب التهذيب 7/ 117)؛ ولذا قال ابن حجر: ((ضعيف)) (التقريب 4471).

ص: 240

فالحديث إسناده ضعيف؛ لضعف عثمان واضطرابه فيه.

ولذا قال البيهقي: ((حديث عثمان بن سعد الكاتب، عن ابن أبي مليكة، عن فاطمة- ضعيف)) (السنن الكبرى 2/ 459/ عقب رقم 1594).

وقال أيضًا بعد أن ذكر الخلاف في لفظه: ((عثمان بن سعد الكاتب ليس بالقوي، كان يحيى بن سعيد ويحيى بن معين يضعفان أمره)) (السنن 2/ 509).

فأما الحاكم فقال: ((هذا حديث صحيح! ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وعثمان بن سعد الكاتب بصري ثقة عزيز الحديث يُجمع حديثه))! ! (المستدرك عقب رقم 634).

فتعقبه البيهقي قائلًا: ((وقد تَكلم فيه غيره، وفيه لِين)) (الخلافيات 3/ 450).

وتعقبه الذهبي أيضًا بقوله: ((كلا))، يعني: ليس بثقة، كما تعقبه في تصحيحه له بأنه في صورة المرسل، وقد مر بيانه.

وقد تمسك ابن التركماني في (الجوهر 1/ 355، 356)، وابن دقيق في (الإمام 3/ 297) بصنيع الحاكم رغم ضعفه! وتعقبا به كلام البيهقي! فقالا:((خالف في ذلك شيخه الحاكم، فإنه أخرج حديث عثمان هذا في المستدرك وقال: صحيح ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وعثمان الكاتب بصري ثقة عزيز الحديث بُجمع حديثه)).

قلنا: نعم، خالف شيخه، ولكنه وافق جمهور الأئمة في تضعيفه، وقولهم هو الصواب.

فإن قيل: قد توبع عثمان، فقد قال البيهقي نفسه: ((وقد تابعه الحجاج بن

ص: 241

أرطأة عن ابن أبي مليكة)) (الخلافيات 3/ 451). ثم رواه في الخلافيات (1080) من طريق خالد بن يزيد السلمي، وأخرجه البزار (ج 18/ ح 220) من طريق أبي خالد الأحمر. كلاهما عن الحَجاج، عن ابن أبي مليكة، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنِّي مُسْتَحَاضَةٌ؟ ! قَالَ: ((إِنَّهُ لَيْسَ بِالحَيْضِ، وَلَكِنَّهُ عِرْقٌ مِنْكِ، إِذَا أَقْبَلَتْ أَيَّامُ أَقْرَائِكِ؛ فَأَمْسِكِي عَلَيْكِ. فَإِذَا مَضَتْ؛ فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ اطَّهَّرِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)) (يَعْنِي: الوُضُوءَ).

ولفظ البزار: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِامْرَأَةٍ مُسْتَحَاضَةٍ: ((اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

قلنا: هذه من جهة الإسناد مخالفة وليست متابعة! فالحَجاج أسنده عن عائشة، بينما أسنده عثمان عن فاطمة مرة وأرسله أخرى!

وكذلك من جهة المتن، مخالف لرواية أبي عاصم عن عثمان التي صححها الحاكم!

ثم إن الحَجاج كثير الخطأ، وهو مدلس، وقد عنعن!

ولذا ضَعَّفه البيهقي أيضًا فقال: ((والحَجاج بن أرطاة غير محتج به)) (السنن الكبرى 1/ 355).

واختُلف فيه على الحَجاج أيضًا:

فقد رواه الطبراني في (مسند الشاميين 2477) وفي (الكبير 24/ 361) من طريقين ضعيفين عن الحَجاج بن أرطاة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به، ولم يذكر الوضوء في الأول، وذكره في الثاني!

وقد سبق ضمن روايات حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 242

والظاهر من صنيع الألباني في (صحيح أبي داود 2/ 41) و (الثمر المستطاب 1/ 41) أنه يصححه بطرقه.

[تنبيه]:

ذَكَر البُرْساني في روايته إسنادًا آخر للحديث، وقد ذكرناه تحت حديث عائشة.

ص: 243

3393 -

حَدِيثُ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ:

◼ عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا الَّتِي كَانَتْ تَجْلِسُ فِيهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف معلول.

[التخريج]:

[طس 9184].

[السند]:

قال الطبراني: حدثنا مُورِّع بن عبد الله، نا الحسن بن عيسى، نا حفص بن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن الحكم بن عتيبة، عن [أبي]

(1)

جعفر، عن سودة بنت زمعة، به.

قال الطبراني: ((لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحكم إلا العلاء بن المسيب، ولا عن العلاء إلا حفص بن غياث، تَفَرَّد به الحسن بن عيسى)).

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: جهالة مورع بن عبد الله أبي ذُهْل المصيصي، لم نجد له ترجمة.

(1)

- سقط من مطبوع (الأوسط)، و (مجمع البحرين 508)، و (مجمع الزوائد 1543). والمثبت من (نصب الراية 1/ 202)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي 3/ 122)، و (البناية للعيني 1/ 667)، وهو الصواب، انظر (سنن أبي داود 1/ 73، 82)، و (ضعيف أبي داود للألباني 1/ 120).

ص: 244

وذَكَر له المنذري حديث: ((مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ، فَقَدْ كَفَرَ))، ثم قال:((رجاله ثقات))! ! (الترغيب 3/ 199)، وتبعه الهيثمي في (المجمع 7596).

وقال الألباني: ((لم أجد له ترجمة، ويبدو أنه ليس من شيوخه المشهورين؛ فإن الطبراني لم يَرْوِ له في (الأوسط) إلا سبعة أحاديث

ولم يَرْوِ له في (الصغير) شيئًا، وكذلك في كتابه (الدعاء))) (الصحيحة 7/ 1129).

وقال صاحب (إرشاد القاصي والداني 1073): ((مجهول الحال)).

الثانية: الانقطاع، فأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر لم يدرك أم المؤمنين سودة؛ فقد رجح الحافظ في (تهذيب التهذيب 9/ 351) أن ولادته حوالي سنة (60 هـ) أو (56 هـ)، وسودة جزم ابن أبي خيثمة أن وفاتها في آخر خلافة عمر. وتبعه ابن عبد البر والمزي والذهبي وغيرهم. بينما صحح الواقدي أن وفاتها كانت سنة (54 هـ)، وجزم ابن حبان في (الثقات 3/ 183) بأن وفاتها سنة (55 هـ)

(1)

، ورجحه ابن حجر في (التقريب 8612)، فيكون الباقر قد وُلد بعدها بعام. وبنحو هذا جزم الألباني في (ضعيف أبي داود 1/ 119).

فإن قيل: بل وُلد -على قول ابن سعد وغيره- سنة (45 هـ)، فيكون قد ماتت سودة وعمره عشر سنوات.

فالجواب أن هذا القول قد بَيَّن ابن حجر بطلانه.

وعلى فرض صحته، فلا يثبت له السماع بذلك! بل الغالب على مَن هذه

(1)

- تحرف في (تهذيب التهذيب) إلى ((خمس وستين ((! !

ص: 245

سنه عدم السماع،

لاسيما وقد جزموا بعدم سماعه من عائشة وأم سلمة وأبي هريرة، رضي الله عنهم، وقد تأخرت وفاتهم عن سودة.

قال العلائي: ((أبو جعفر الباقر: أرسل عن جديه الحسن والحسين، وجده الأعلى علي، رضي الله عنهم، وعن عائشة، وأبي هريرة أيضًا وجماعة، وفي كتاب ابن ماجه له عن أم سلمة

والظاهر أنه مرسل)) (جامع التحصيل 700).

الثالثة: أن هذا المسند معل بالإرسال، والمرسل معل بالوقف على أبي جعفر!

فالحديث رواه حفص بن غياث واختُلف عليه:

فرواه الحسن بن عيسى عنه مسندًا كما سبق، وتَفَرَّد به الحسن كما قاله الطبراني.

والحسن بن عيسى هو الحربي، من أهل المِصيصة، ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 174)، وقال:((كان يخطئ أحيانًا))، وذكر الدَّارَقُطْنِيّ أنه شيخ من أهل الثغر، وذكر له وهمًا على ابن عيينة في حديث ذكره في (العلل 4/ 102).

ووهم في هذا أيضًا، فقد خالفه ابن أبي شيبة، فرواه في (المصنف 1358) عن حفص، عن العلاء بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر، بنحوه مرسلًا.

وابن أبي شيبة إمام ثبت، لا يُقارَن بالحسن هذا.

فالراجح عن حفص الإرسال. والله أعلم.

وهذا المرسل الذي رواه حفص عن العلاء معلول أيضًا!

ص: 246

فقد علقه أبو داود في (السنن عقب رقم 304) عن العلاء، وذكر أن شعبة خالفه فيه، حيث رواه عن الحكم عن أبي جعفر من قوله.

وهذا أَوْلى؛ فقد رواه الدارمي (817) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي جعفر من قوله. وسنده صحيح إن سَلِم من عنعنة السَّبيعي.

وأفرط الألباني فصححه على شرطهما! (صحيح أبي داود 2/ 111).

ورواه الدارمي (810) من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن أبي جعفر من قوله أيضًا.

والحديث أعله الهيثمي بقوله: ((فيه جعفر عن سودة، ولم أعرفه)) (المجمع 1543).

وكذا وقع في أصله الأوسط، وصوابه (أبو جعفر) كما بيَّنَّاه في الحاشية سابقًا.

ص: 247

3394 -

حَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ:

◼ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ -إذَا مَضَتْ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا- أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ)).

[الحكم]:

مرسل ضعيف.

[التخريج]:

[ش 1358].

[السند]:

قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غياث، عن العلاء بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف لإرساله؛ فأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر تابعي.

والعلاء ثقة، لكنه ربما وهم، وقد خولف فيه:

فقد علقه أبو داود في (السنن عقب رقم 304) فقال: ((ورُوي عن العلاء بن المسيب وشعبة، عن الحكم، عن أبي جعفر. قال العلاء: عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأوقفه شعبة على أبي جعفر: توضأ لكل صلاة)).

فذكر أن شعبة خالف العلاء فيه، حيث رواه عن الحكم عن أبي جعفر من قوله. وهذا أَوْلى بالصواب كما ذكرناه آنفًا تحت حديث سودة.

ولكن صححه الألباني بشاهد عائشة المخرج أول الباب، فقال:((هو حديث صحيح؛ صح مسندًا من حديث عائشة)) (صحيح أبي داود 2/ 110).

ص: 248

قلنا: ذِكر الوضوء في حديثها مختلف في ثبوته، وأكثر النقاد على أنه من قول عروة، وأُدْرِج في الحديث كما بيَّنَّاه هناك.

[تنبيه]:

هذا المرسل علقه أبو داود في موضع آخر من (السنن عقب رقم 281)، بسياقة أخرى، فقال:((وروى العلاء بن المسيب، عن الحكم، عن أبي جعفر: ((أَنَّ سَوْدَةَ اسْتُحِيضَتْ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَضَتْ أَيَّامُهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ)). فلم يَذكر فيه الوضوء، وزعم أن المستحاضة هي سودة!

قال البيهقي: ((رواه ابن خزيمة عن العُطَاردي، عن حفص بن غياث، عن العلاء- أتم من ذلك)) (الكبرى عقب رقم 1606).

قال ابن حجر: ((لكنه مرسل؛ لأن أبا جعفر تابعي، ولم يَذكر مَن حَدَّثه به)) (الفتح 1/ 412).

وأقره الألباني، وزاد علة أخرى، فقال: ((هذا إسناد ضعيف من وجهين: الأول: العُطاردي هذا، اسمه أحمد بن عبد الجبار

وهو ضعيف. الآخر: الانقطاع

وبهذا أعله الحافظ

ولذلك فلا ينبغي أن يُحتج به على دعوى عَدّ سودة في المستحاضات؛ كما فعل بعضهم)) (ضعيف أبي داود 1/ 119).

ص: 249

3395 -

حَدِيثُ جَابِرٍ:

◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ أَمَرَ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ (أَنْ تَوَضَّأَ) لِكُلِّ صَلَاةٍ)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا. وضَعَّفه: البيهقي - وأقره الزيلعي -، وابن طاهر القيسراني، والذهبي، وابن حجر، والشوكاني. وهو ظاهر صنيع ابن عدي وابن دقيق.

[التخريج]:

[عل (نصب الراية 1/ 203، 204) / طس 1597 "واللفظ له" / عد (10/ 411 - 412) / هق 1656 "والرواية له" / هقع 2240، 2241/ هقخ 1086].

[السند]:

رواه أبو يعلى في (مسنده) كما في (نصب الراية 1/ 203) -ومن طريقه البيهقي في كتبه الثلاثة- قال: قرئ على بِشر بن الوليد الكِنْدي وأنا حاضر، قيل له: حدثكم أبو يوسف القاضي، عن عبد الله بن علي

(1)

أبي أيوب الإفريقي، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن جابر، به.

ورواه الطبراني عن أحمد بن القاسم الطائي، قال: حدثنا بِشر، به.

(1)

- تحرف في (المعرفة/ طبعة قلعجي) إلى: ((عبد الرحمن بن زياد))، وهو خطأ. وقد وقع فيه أخطاء أخرى! وجاء السند على الصواب في (الكبرى) و (الخلافيات)، وهو فيهما بنفس إسناد المعرفة! بل ورد على الصواب في (المعرفة 489، ط/ العلمية)! ! .

ص: 250

وبِشر بن الوليد: مُتكلَّم فيه كما في (اللسان 1513)، لكنه مُتابَع:

فرواه ابن عدي (10/ 411 - 412) من طريق الحسن بن شبيب، عن أبي يوسف، به.

والحسن متكلم فيه أيضًا كما في (اللسان 2293).

لكن كلا الرجلين يقويان بعضهما، وبهذا تطمئن النفس إلى أن أبا يوسف قد رواه، فمداره عندهم عليه.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: عبد الله بن محمد بن عقيل، مختلف فيه، وقد تَكلم فيه الجمهور من قِبل حفظه؛ ولذا قال ابن حجر:((صدوق، في حديثه لِين، ويقال: تغير بأخرة)) (التقريب 3592).

وقد توسعنا في ترجمته في أبواب الوضوء، وحاصل حاله: أنه لَين. والله أعلم.

الثانية: عبد الله بن عليٍّ الأزرق، أبو أيوب الإفريقي: مختلَفٌ فيه، ؛ فقال عباس الدُّوري:"سمِعتُ يحيى بنَ مَعين، يقول: قد روَى ابنُ أبي زائِدةَ عن أبي أيوبَ الإفريقي، قلت ليحيى: ما اسمُه؟ قال: لا أدري، قلت ليحيى: فهو ثقة؟ قال: "نعم، ليس به بأسٌ" (تاريخ ابن مَعين- رواية الدُّوري 5331). وذكره ابن حِبَّانَ في (الثقات 7/ 21)، وقال في (صحيحه 5/ 607): "من ثقات أهل الكوفة". وقال أبو الشيخ: "عزيز الحديث، يُجمع حديثُه" (طبقات المحدِّثين 3/ 480).

بينما قال أبو زُرْعة: "ليس بالمتين، في حديثه إِنكارٌ، هو ليِّنٌ" (الجرح

ص: 251

والتعديل 5/ 115). وأغرب أبو حاتم فقال: "مجهول"! (علل الحديث 3/ 528).

ولخَّص ابنُ حَجَر حالَه فقال: "صدوق يخطِئ"(التقريب 3487).

وبه ضَعَّفه الذهبي فقال: "الإفريقي لَيَّنه أبو زرعة"(المهذب 1/ 337).

الثالثة: أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم، فيه ضعف، قال الفلاس:((صدوق كثير الغلط)) (تاريخ الإسلام 4/ 1023)، بل قال البخاري:"تركوه"(التاريخ الكبير 8/ 397).

وقد أخرج ابن عدي حديث جابر هذا في ترجمته من (الكامل)، ثم ختمها بقوله:((لأبي يوسف أصنافٌ، وليس من أصحاب الرأي أكثرُ حديثًا منه، إلا أنَّه يَروي عن الضعفاء الكثير مثل الحسن بن عمارة وغيره، وهو كثيرًا ما يخالف أصحابه ويتَّبعُ أهلَ الأثر إذا وجد فيه خبرًا مسنَدًا، وإذا روى عنه ثقة، أو روى هو عن ثقة فلا بأس به وبرواياته، تسمع)) (الكامل 10/ 413). وأقرّه ابن دقيق في (الإمام 2/ 233). فكأنهما يشيران إلى أن العلة من غيره.

وجَزَم بذلك البيهقي فقال: ((أبو يوسف ثقة إذا كان يَروي عن ثقة، إلا أن الإفريقي لم يَحتج به صاحبا الصحيح. وابن عقيل مختلف في جواز الاحتجاج به)) (المعرفة 2/ 166، 167)، و (السنن الكبرى عقب رقم 1656).

وقال ابن طاهر القيسراني: ((رواه أبو يوسف عن عبد الله بن علي

وهو أبو أيوب الإفريقي الكوفي، متروك الحديث))! (الذخيرة 1276).

والحديث ضَعَّفه الحافظ فقال: "رواه أبو يعلى بإسناد ضعيف"(التلخيص الحبير 1/ 297).

وتبعه الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 343) و (الفتح الرباني 5/ 2605).

ص: 252

3396 -

حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:

◼ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:((الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا (أَيَّامَ حَيْضِهَا)[الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا] 1 [فِي كُلِّ شَهْرٍ] 2، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ، وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا. وضَعَّفه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن أبي داود، والطوسي، والدَّارَقُطْنِيّ، والبيهقي، وابن عبد البر، والضياء المقدسي، والقاضي عياض، وابن طاهر القيسراني، والقرطبي، وابن الأثير، والمنذري، والذهبي، والزيلعي، وابن الملقن، وابن حجر.

[التخريج]:

[د 297 / ت 127 "والزيادة الأولى له ولغيره"، 128 / جه 595 "واللفظ له" / مي 812 "والزيادة الثانية له، والرواية له ولغيره" / ش 1374/ طب (22/ 386/ 962) / حث 104/ مش 798 / لا 142 / عد (6/ 110 - 111)، (8/ 47) / طح (1/ 102/ 639، 640) / مث 2176، 2177 / علت 73 / صبغ 920 / تخ (2/ 161) معلقًا / صمند (1/ 552، 553) / مخلدي (ق 236/ ب) / صحا 2586 / فقط (أطراف 2070) / هقخ 1082/ هق 571، 1654 / أسد (4/ 394، 6/ 353)].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن جعفر بن زياد، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن عَدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، به.

ورواه الترمذي: عن قتيبة، وعن علي بن حُجْر.

ص: 253

ورواه ابن ماجه: عن ابن أبي شيبة وإسماعيل بن موسى.

ورواه الدارمي عن محمد بن عيسى الطباع.

خمستهم عن شريك به.

وقال الدارمي في حديثه: ((فَإِذَا كَانَ عِنْدَ انْقِضَائِهَا، اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَصَامَتْ، وَتَوَضَّأَتْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

والحديث مداره عندهم على شريك، وهو ابن عبد الله النَّخَعي.

قال الترمذي: ((تَفَرَّد به شريك عن أبي اليقظان)).

وقال الدَّارَقُطْنِيّ: ((تَفَرَّد به أبو اليقظان عثمان بن عمير

وتَفَرَّد به شريك عنه)) (الأطراف 2070).

وقال ابن عدي: ((لا أعلم يرويه عن أبي اليقظان غير شريك)) (الكامل 6/ 111).

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه أربع علل:

الأولى: جَدّ عَدي بن ثابت، فقد اضطربوا في تعيينه، وذكر غير واحد أنه لا يُعْرَف من هو؟ !

قال الترمذي: ((سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن هذا الحديث، فقال: لا أعرفه إلا من هذا الوجه، ولا أعرف اسم جَدّ عَدي بن ثابت. قلتُ له: ذكروا أن يحيى بن معين قال: هو عَدي بن ثابت بن دينار. فلم يعرفه ولم يَعُدّه شيئًا)) (علل الترمذي 1/ 57).

وقال أيضًا: ((سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقلت: عدي بن ثابت

ص: 254

جَد عدي، ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار، فلم يعبأ به)) (الجامع 1/ 220، 221).

وقال الحربي: ((ليس لجد عدي بن ثابت صحبة)) (الإكمال 3/ 91) و (شرح ابن ماجه 3/ 100).

وسأل البرقاني الدَّارَقُطْنِيّ عن عَدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، فقال:((لا يَثبت، ولا يُعرف أبوه ولا جده، وعَدي ثقة)) (السؤالات 400).

وقال البرقاني في موضع آخر: قلت له: عدي بن ثابت، ابن مَن؟ قال:((قد قيل: ابن دينار، وقيل: يعني جده، أبو أمه، وإنه عبد الله بن يزيد الخطمي. ولا يصح من هذا كله شيء))، قلت: فيصح أن جده أبا أمه هو عبد الله بن يزيد الخطمي؟ قال: ((كذا زعم يحيى بن معين! )) (السؤالات 641).

وقال الطوسي: ((روى هذا الحديث عَدي بن ثابت عن أبيه عن جده، وجَده مجهول لا يُعْرَف، ويقال: اسمه دينار، ولا يصح)) (المستخرج 1/ 340).

وقال البرقي: ((لم نجد مَن يَعرف جده معرفة صحيحة. ذَكَر بعضهم أنه عدي بن ثابت بن قيس بن (الخطيم)، وقيس لا يُعرف له إسلام. وقيل: إنه جده لأمه

ولا ينبغي أن يُنسب إلى جده لأمه، فينبغي أن يوقف)) (شرح ابن ماجه 3/ 100).

وقال ابن عبد البر: ((دينار الأنصاري، انفرد بالرواية عنه ابنه ثابت بن دينار، وهو جَدّ عَدي بن ثابت، حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة يضعفونه)) (الاستيعاب 2/ 463).

وأقره ابن الأثير في (الأسد 2/ 206).

وقال المنذري: ((وقيل: لا يُعلم مَن جَدّه، وكلام الأئمة يدل على ذلك))

ص: 255

(المختصر 1/ 191).

وقال الزيلعي: ((وكلام الأئمة يدل على أنه لا يُعْرَف ما اسمه)) (نصب الراية 1/ 202).

ورجح الذهبي في (الميزان 3/ 61) و (التاريخ 3/ 276) و (المهذب 1/ 337)، وابن حجر في (النكت الظراف 3/ 134) أنه عدي بن أبان بن ثابت بن قيس، نُسب إلى جده.

وهو قول مردود، رَدَّه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 3/ 99) و (الإكمال 3/ 91)، وابن حجر نفسه في (الإتحاف 4/ 454، 455)، و (التهذيب 2/ 21).

الثانية: ثابت الأنصاري والد عَدِي بن ثابت، سبق قول الدَّارَقُطْنِيّ فيه:((لا يُعْرَف))، وقال الذهبي:((لا يُعْرَف إلا بابنه)) (الديوان 695)، وقال ابن حجر:((مجهول الحال)) (التقريب 836).

الثالثة: عثمان بن عُمَيْر أبو اليقظان، ضعفوه، قال ابن معين:((ليس حديثه بشيء))، وقال أحمد وأبو حاتم والبخاري:((منكر الحديث)) (الجرح والتعديل 6/ 161). وقال ابن حجر: ((ضعيف، واختلط، وكان يدلس، ويغلو في التشيع)) (التقريب 4507).

وبه أعله غير واحد:

فقد سأل البرقاني الدَّارَقُطْنِيّ عن هذا الإسناد، فقال:((ضعيف))، قال:((مِن جهة مَن))؟ قال: ((أبو اليقظان ضعيف))، قال:((فيُترك))؟ قال: ((لا، بل يُخرج، رواه الناس قديمًا)) (السؤلات 640).

وقال ابن القيسراني: ((وأبو اليقظان متروك الحديث)) (الذخيرة 5700).

ص: 256

وقال الحافظ ضياء الدين المقدسي: ((قد ضَعَّف غير واحد هذا الإسناد لأجل أبي اليقظان)) (السنن والأحكام 1/ 222/ 621).

وقال المنذري: ((أبو اليقظان

لا يُحتج بحديثه)) (مختصر سنن أبي داود 1/ 191).

وقال ابن سيد الناس: ((سَكَتَ الترمذي عن هذا الحديث فلم يحكم بشيء، وليس من باب الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن؛ لضعف راويه عن عَدي بن ثابت، وهو أبو اليقظان)) (نيل الأوطار 2/ 461).

الرابعة: شَرِيك النَّخَعِيّ، ساء حفظه بعد توليه القضاء. قال عنه الحافظ:"صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة"(التقريب 2787).

وأشار البخاري إلى إعلاله به أيضًا، فعلقه في (التاريخ 2/ 161) عن شريك، ثم قال:((ولا يتابَع عليه)).

وكذا المنذري، حيث قال:((شريك هو ابن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة، تَكلم فيه غير واحد)) (المختصر 1/ 191).

هذا، وقد اضطرب شريك أو أبو اليقظان في سنده؛ كما تراه في شاهد عليّ الآتي.

والحديث قال عنه البخاري أيضًا: ((لا يصح)) (التاريخ الأوسط 3/ 311/ 490).

وأقره ابن عدي في (الكامل 8/ 48 - 49).

وقال أبو داود: ((حديث عَدي بن ثابت ضعيف، لا يصح)) (السنن عقب رقم 300).

ص: 257

وأقره البيهقي في (الكبرى عقب رقم 1655)، و (المعرفة 2238)، والقاضي عياض في (الإكمال 2/ 176)، والقرطبي في (المفهم 1/ 594)، وابن دقيق في (الإمام 3/ 333)، والزيلعي في (نصب الراية 1/ 201)، وابن الملقن في (البدر 3/ 131)، وابن حجر في (الدراية 1/ 88)، والحسن الصنعاني في (فتح الغفار، ص 128).

وقال ابن أبي داود: ((حديث عَدي بن ثابت معلول)) (إكمال تهذيب الكمال 3/ 90)، و (شرح ابن ماجه 3/ 98).

وقال ابن حجر: ((إسناده ضعيف)) (التلخيص الحبير 1/ 297، 301).

واضطرب صنيع الشوكاني: فضَعَّفه في (النيل 2/ 461)، و (الفتح الرباني 5/ 2602).

بينما قال في موضع آخر: ((وقد تُكلم في إسناد الحديث بما لا يوجب سقوطه عن درجة الاعتبار (! ) وله شواهد تقويه)) (السيل الجرار 1/ 90).

وكذا قال المباركفوري: ((ضعيف، لكن له شواهد)) (التحفة 1/ 334).

وقال الألباني: ((صحيح؛ لأن له شواهد)) (الإرواء 1/ 225).

وذَكَره في (صحيح أبي داود 2/ 93، 94)، وأَعَل سنده بالعلل الأربع التي ذكرناها، ثم قال:((لكنه من باب الصحيح لغيره؛ لأن له شاهدًا من حديث عائشة رضي الله عنها)، ثم ذكره وصححه، وقد سبق ذكره، وبينا أنه مختلف فيه، وبقية شواهد الباب لا تصح. والله أعلم.

[تنبيه]:

نَقَل ابن تيمية في (شرح العمدة 1/ 292)، و (المنتقى)، وابن قطلوبغا

ص: 258

في (تخريج أصول البزدوي، ص 337) عن الترمذي أنه قال عقب الحديث: ((حسن))!

وهو وهم كما بَيَّنه الشوكاني في (النيل 2/ 461)، و (الفتح الرباني 5/ 2602)، والألباني في (صحيح أبي داود 2/ 94)، وقال:((بل كلامه السابق يشير إلى تضعيفه له))، يعني كلامه عقب الحديث في تفرد شريك وحال جد عدي، وقد سبق.

ص: 259

3397 -

حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ:

◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا. وضَعَّفه: البخاري، وأبو داود، والدَّارَقُطْنِيّ، والبيهقي وغيرهم كما سبق.

[التخريج]:

[ش 1375 / طح (1/ 102/ 641) / صبغ 921 / عد (6/ 111، 8/ 47) / فقط (أطراف 292) / هق 1655 / هقخ 1084 "واللفظ له"، 1085].

[التحقيق]:

قال ابن أبي شيبة: حدثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن علي، مثله. يعني مثل حديث عدي السابق عن أبيه عن جده.

وكذا رواه الباقون من طرق عن شريك به، لم يذكروا متنه، وإنما أحالوا على حديث جد عدي، سوى البيهقي في (الخلافيات 1084)، فقد ساق متنه كما أثبتناه.

وزاد البغوي في (الصحابة) والدَّارَقُطْنِيّ كما في (الأطراف) عبارة: ((عن جده)) بعد قوله: ((عن أبيه))، وعلى هذا يكون من رواية جد عدي عن علي!

ولم يصرح برفعه منهم سوى ابن عدي (6/ 111) و (8/ 47) من طريق الحِمَّاني، والبيهقي في (الخلافيات 1084) من طريق سعيد بن عثمان السعيدي الكوفي، ورَفْعه هو ظاهر صنيع الدَّارَقُطْنِيّ كما (الأطراف 292).

ص: 260

بينما ظاهر صنيع البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 161) و (الأوسط 3/ 311)، وصنيع أبي داود في (السنن عقب رقم 300)، وصاحب (عون المعبود 1/ 338) أنه موقوف على علي! وصرح به ابن حزم في (المحلى 1/ 252)، والله أعلم.

وكيفما كان، فإسناده ضعيف جدًّا. وقد سبق الكلام عليه تحت حديث جَد عَدي، فانظره هناك.

ص: 261

3398 -

حَدِيثُ أَبِي سَلَمَةَ مرسلًا:

◼ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَالَ:((تَغْتَسِلُ غُسْلًا إِذَا مَضَتْ أَيَّامُ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي)).

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا، وهو معلول.

[التخريج]:

[شيباني 50 "واللفظ له" / شيباني (خوارزم 1/ 267) / حنف (خسرو 14) / حنف (مظفر/ خوارزم 1/ 267) / مبرد (حنيفة 43)].

[التحقيق]:

هذا الحديث مداره على محمد بن الحسن الشيباني. وقد اضطرب فيه على وجوه:

الوجه الأول:

رواه محمد بن الحسن في (الآثار 50) قال: أخبرنا أيوب بن عتبة قاضي اليمامة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن أم حبيبة بنت أبي سفيان، به.

وهذا معلول سندًا ومتنًا، وفي سنده علتان:

الأولى: الإرسال أو الانقطاع، فصورته صورة الإرسال، إذ لم يَذكر أبو سلمة تَحَمُّلَه للحديث عن أم حبيبة. وإن حُمل على ذلك بدلالة الوجه الثاني فهو منقطع؛ فأبو سلمة لا يُعرف له سماع بل ولا رواية عن أم حبيبة رملة أم المؤمنين، وذِكرها في هذا الحديث خطأ؛ وإنما هي أم حبيبة بنت جحش

ص: 262

كما سيأتي، وأبو سلمة لم يسمع منها أيضًا. فهو منقطع على أية حال.

الثانية: أيوب بن عتبة اليمامي، وهو ضعيف كما في (التقريب 619).

وقد أخطأ في سنده حيث جعله من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان. وفي متنه حيث ذكره بلفظ الوضوء. وقد خالفه هشام الدستوائي ومعمر، فروياه عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ:((أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)).

وهذا هو المحفوظ عن يحيى، فرواية أيوب منكرة. على أن رواية الاغتسال لكل صلاة لا تصح أيضًا لإرسالها، وأبو سلمة لم يسمع من أم حبيبة كما سنذكره في (بَابِ مَا رُوِيَ فِي أَمْرِ المُسْتَحَاضَةِ بِالغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ).

الوجه الثاني:

رواه ابن المظفر في (مسند أبي حنيفة)، كما في (جامع الخوارزمي 1/ 267) - ومن طريقه ابن خسرو (14)، وابن عبد الهادي في (الأربعين 43) - من طريق علي بن معبد، عن محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة

))، الحديث بنحوه.

فزاد بين ابن الحسن وأيوب أبا حنيفة! وهذا يَزيد في علل الإسناد علة ثالثة.

ومال أبو الوفا الأفغاني، أحد محققي كتاب (الآثار 1/ 90) إلى أن رواية أبي حنيفة عن أيوب لا تصح، وأن ذكر أبي حنيفة في هذا السند خطأ من

ص: 263

بعض رواته.

قلنا: وهو عندنا اضطراب من محمد بن الحسن نفسه، ويؤيده بقية الوجوه، فأما رواته من ابن المظفر إلى ابن الحسن فكلهم ثقات، بينما تكلم النقاد في ابن الحسن: تركه أحمد وغيره، وضَعَّفه النسائي وغيره من قِبل حفظه.

الوجه الثالث:

نقله الخوارزمي في (الجامع 1/ 267) عن (الآثار) لمحمد بن الحسن من روايته عن أبي حنيفة عن رجل عن أبي سلمة، به!

وهذا فيه ثلاث علل أيضًا، فضلًا عن اضطراب ابن الحسن، والكلام فيه.

وذَكَر أبو الوفا الأفغاني احتمالين لعدم وجود هذا الوجه في أصل الآثار الذي قام بطبعه، أحدهما: سقوطه من الأصل. والثاني: أنه في بعض روايات الكتاب ولم تصل إليه.

قلنا: الأقرب إلى الصواب أنه اختلاف روايات عن ابن الحسن.

ويؤيده عدم ذكر الخوارزمي للوجه الأول الذي في المطبوع، بل اقتصر على هذا الوجه، وقال عقبه:((ثم قال محمد: وبه نأخذ))، وهذه العبارة في المطبوع عقب الوجه الأول.

الوجه الرابع:

رواه محمد بن الحسن في أصله (المبسوط 1/ 459) عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال: سألت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن المستحاضة، فقالت:((تدع الصلاة أيام أقرائها .. ))، الحديث بنحوه.

ص: 264

فجعله هنا موقوفًا على أم حبيبة، خلافًا لما في (الآثار)!

وهذا يؤيد القول باضطرابه فيه.

وعلى كلٍّ فهو ضعيف منكر، سواء كان مرفوعًا أم موقوفًا. والله أعلم.

ص: 265

3399 -

حَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا:

◼ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ [فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ سُئِلَ لَهَا] 1 ((فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ، فَإِنْ رَأَتْ [بَعْدَ ذَلِكَ] 2 شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، تَوَضَّأَتْ [وَاسْتَثْفَرَتْ] 3 [وَاحْتَشَتْ] 4 وَصَلَّتْ)).

[الحكم]:

ضعيف لإرساله. وبهذا أعله: الخطابي، والبيهقي، وابن القطان، والمنذري، وابن رجب.

وقوله: ((فإن رأت

)) إلخ- يحتمل أنه من قول عكرمة كما أبداه ابن رجب.

[التخريج]:

[د 305 "واللفظ له" / ش 1356 "والزيادة الأولى والرابعة له ولغيره" / هق 1671 "والزيادة الثانية والثالثة له"].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا هُشيم، أخبرنا أبو بشر، عن عكرمة، أن أم حبيبة، به.

ورواه ابن أبي شيبة عن هشيم به، وقال فيه:((فَإِنْ رَأَتْ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ)).

ورواه البيهقي من طريق يحيى بن يحيى عن هُشيم، به.

فمداره عندهم على هُشيم وهو ابن بشير، عن أبي بشر وهو جعفر بن إياس.

ص: 266

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح، لكن عكرمة لم يَذكر عمن تَحَمّله أو مَن حَدَّثه به، فهو مرسل، وبهذا أعله غير واحد.

فقال الخطابي: ((هذا الحديث منقطع)) (معالم السنن 1/ 94).

وكذا قال البيهقي في (السنن الكبرى عقب رقم 1671).

وتعقبه ابن التركماني بقوله: ((وفي تسمية هذا منقطعًا نظر)) (الجوهر 1/ 353).

إن أراد أنه يسمى مرسلًا لا منقطعًا، فهذا هو عين مراد البيهقي، بل والخطابي أيضًا كما سيأتي تحريره.

وإن أراد أنه يُحمل على أن عكرمة تَحَمَّله عن أم حبيبة، فيكون في عداد الموصول، فمردود كما سنبينه لاحقًا.

وإن فُرِض صحة ذلك، فتبقى العلة؛ لقول الخطابي:((وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش)) (معالم السنن 1/ 94).

وبنحوه قال ابن القطان، حيث تعقب عبد الحق الذي أشار إلى صحته بسكوته عليه.

قال ابن القطان: ((هكذا أورده وسكت عنه، وهو حديث مرسل، أخبر فيه عكرمة بما لم يدرك ولم يسمع، ولم يقل: إن أم حبيبة أخبرته به، ولا أيضًا يصح له ذلك. وحين أورد أبو داود هذا الحديث، أورده من رواية أبي بشر

عنه أن أم حبيبة استحيضت

وكان قد أشار إليه قبل ذلك في جملة إشارات قال فيها: (وروى أبو بشر، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت .. )، وهذا أبين في الانقطاع)) (بيان الوهم والإيهام

ص: 267

2/ 461).

فقوله: ((ولا يصح له ذلك)) هو بمعنى قول الخطابي: ((وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة)) فهما متفقان على هذا الأمر.

وهذا يوضح لك أن المراد بالانقطاع في كلام الخطابي -وكذلك البيهقي- هو الإرسال. وإطلاقهم المنقطع على المرسل كثير.

وإنما تَعَرَّض الخطابي وابن القطان لعدم سماعه من أم حبيبة تأكيدًا لإرساله؛ حتى لا يقول قائل: لعله تَحَمَّله عنها.

وما ذكره ابن القطان من إشارة أبي داود إلى إرساله هو في (السنن عقب رقم 281).

وقال المنذري: ((هذا مرسل)) (المختصر 1/ 194).

ثم ذَكَر كلام الخطابي وأقره، وهذا يدل على أنه فهم من عبارته ما فهمناه.

وقال ابن رجب: ((والظاهر أنه مرسل، وقد يكون آخره موقوفًا على عكرمة من قوله، والله أعلم)) (فتح الباري 2/ 74).

أي: يحتمل أن المرفوع منه هو قوله: ((فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْتَظِرَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ)).

وبقية الحديث وهو قوله: ((فَإِنْ رَأَتْ [بَعْدَ ذَلِكَ] شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، تَوَضَّأَتْ [وَاسْتَثْفَرَتْ] [وَاحْتَشَتْ] وَصَلَّتْ)) إنما هو من قول عكرمة، إما على سبيل الفتيا، وإما حكاية عن فعلها؛ كما وقع في رواية أبي إسحاق الشيباني، عن عكرمة قال:((كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ، فَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا)) رواه أبو داود

ص: 268

(309)

.

وهذا الاحتمال الذي أبداه ابن رجب وارد جدًّا، والسياق يساعده، وحينئذٍ لا يكون في الحديث المرفوع ما يشهد لمسألة الباب. والله أعلم.

هذا، وقد خالف الألباني، فقال:((إسناده صحيح على شرط الشيخين! وصححه عبد الحق)).

ثم قال بعد قليل: ((هذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أُعِل بالانقطاع، ويأتي الجواب عنه)) (صحيح أبي داود 2/ 111).

ثم ذَكَر قول ابن التركماني السابق: ((وفي تسمية هذا منقطعًا نظر))، وعلق عليه قائلًا: ((ولعل وجهه أن عكرمة

تابعي مات سنة (107 هـ)؛ وهو غير معروف بالتدليس، فروايته محمولة على السماع، إلا إذا وُجد ما يدل على الانقطاع، وليس لدينا شيء من ذلك.

وقول الخطابي: ((إن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة))! لا ندري ما مستنده في ذلك؟ ! ولم يذكره أحد ممن ترجم لأم حبيبة وعكرمة!

نعم، هناك مجال للشك في سماع عكرمة منها، كما فعل الحافظ

فلو كان صحيحًا ما ذكره الخطابي من نفي السماع؛ لجَزَم الحافظ بذلك ولم يشك! على أن الشك المذكور خلاف الأصل؛ لِما ذكرنا. والله تعالى أعلم)) (صحيح أبي داود 2/ 112).

وصنيع الحافظ المشار إليه هو بشأن قول عكرمة: ((كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ؛ فَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا)).

قال الحافظ: ((هو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها)) (الفتح 1/ 429).

ص: 269

قال الألباني: ((ولم نجد ما ينفي سماعه منها)) (صحيح أبي داود 2/ 116).

قلنا: قد جزم الخطابي وابن القطان بنفي ذلك، وأقره المنذري.

ويؤيده أن أبا سلمة من طبقة عكرمة، وقد جزم أبو حاتم بأن أبا سلمة لم يسمع من أم حبيبة، وقد روى عكرمة عن جماعة من الصحابة ولم يسمع منهم، وهذا كافٍ على الأقل في التوقف حتى يَثبت السماع كما فعل ابن حجر.

ومع ذلك فعلى فرض صحة سماعه منها، فلن يفيد ذلك شيئًا؛ لأنه لم يشهد القصة ولم يذكر أنه تحملها عنها. ومثل هذا يُعَدّ مرسلًا عند أهل الاصطلاح، فعلة الإرسال باقية، وانشغل الشيخ عنها بظاهر لفظة الانقطاع التي اعترض عليها ابن التركماني، ولعله لم يُرِد ما عناه الشيخ، وإلا لسارع إلى ذكره، والأقرب أنه أراد أن الاصطلاح يقتضي الحكم على السند بالإرسال وليس الانقطاع؛ ولذا لم يذكر النظر الذي عناه لأن النتيجة واحدة. والله أعلم.

[تنبيهان]:

الأول: ذَكَر الدَّارَقُطْنِيّ اختلافًا على عكرمة في هذا الحديث، ثم قال:((واضطرب أصحاب عكرمة في روايتهم عنه، والصحيح قول من قال: عن عكرمة، عن زينب بنت أم سلمة، عن ابنة جحش))! (العلل 9/ 385).

وهذا الوجه لم نقف عليه فيما بين أيدينا من مراجع، ولا ذكره هو ضمن الخلاف على عكرمة! !

وأقرب ما ذكره من ذلك رواية عاصم: عن عكرمة، عن زينب بنت أبي سلمة، قالت: كانت بنت جحش تستحاض. قاله شريك، عن عاصم.

ص: 270

وفي آخره: قال شريك: اسمها حبيبة بنت جحش)) (العلل 9/ 385).

ولم نقف على رواية شريك هذه، وقد خالفه عمرو بن أبي قيس الرازي، فرواه عن عاصم، عن عكرمة عن حمنة بنت جحش ((أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها))، رواه أبو داود (310).

فليس فيه زينب! وجعله عن حمنة! وقَصَر متنه على مجامعة زوجها لها!

والظاهر أن الدَّارَقُطْنِيّ لم يراعِ اختلافهم في المتن، فقد ذكر من الوجوه رواية الشيباني ومتنها بنحو رواية عاصم كما سبق. وكذا رواية خالد الحذاء، رواها ابن أبي شيبة، ولفظها: عَنْ عِكْرِمَةَ: ((أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَهِيَ عَاكِفَةٌ))!

وسيأتي تخريج هذه الروايات في بابها، فليس فيها شيء مما ذكره أبو بشر عن عكرمة. والله المستعان.

الثاني: تمام عبارة البيهقي في الحكم على الحديث بالانقطاع- هو: ((وهذا أيضًا منقطع أقرب من حديث عائشة في باب الغسل)) (السنن الكبرى عقب رقم 1671).

وقد ظن بعضهم أنه يرجح بين المنقطع وبين حديث عائشة المسند، حيث تعقبه ابن دقيق قائلًا:((فلقائل أن يقول: كيف يكون المنقطع الذي لا تقوم به حجة أَوْلى من إسناد الثقات؟ ! )) (الإمام 3/ 321).

وتبعه ابن التركماني فقال متعقبًا أيضًا: ((كيف يكون المنقطع الذي لا تقوم به الحجة أقرب من المسند برواية الثقة؟ ! )) (الجوهر 1/ 353).

قلنا: ليس الأمر كما ذهبا إليه، وإنما يقصد البيهقي بقوله: ((أقرب

)) إلى آخره- أن هذا المنقطع أقرب لحديث عائشة الذي أسنده قبل (818،

ص: 271

1661، 1662) في مسألة الأمر بالغسل، حيث اتفقا على ذكر الغسل مرة واحدة، خلافًا لما رواه أبو سلمة قبلُ (1669) من الأمر بالغسل عند كل صلاة؛ ولذا قال البيقي بعد ذلك:((وحديث عائشة من الوجه الثابت عنها أَوْلى أن يكون صحيحًا)).

فهذا يوضح لك أنه لم يرجح بين المنقطع وحديث عائشة؛ إذ كيف يرجح المنقطع عليه ثم يقول عقبه: ((وحديث عائشة أَوْلى))؟ !

وإنما قال: ((أقرب)) ولم يقل: ((مثل)) لأن حديث عائشة ليس فيه وضوء ولا أقراء.

وسيأتي حديث أبي سلمة وكلام البيهقي عليه في الباب التالي.

ص: 272