الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شأنهم فأخبروني أنهم لم يدركوا ليلة المحيا وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقا عظيمة مدة عشرة أيام، وليس بهذه المدينة مغرم ولا مكاس ولا وال إنما يحكم عليهم نقيب الأشراف وأهلها تجار يسافرون في الأقطار وهو أهل شجاعة وكرم ولا يضام جارهم صحبتهم في الأسفار فحمدت صحبتهم لكنهم غلوا في علي رضي الله عنه ومن الناس في بلاد العراق وغيرها من يصيبه المرض فينذر للروضة نذراً إذا بريء، ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأسا من ذهب أو فضة ويأتي به إلى الروضة فيجعله النقيب في الخزانة وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء وخزانة الروضة عظيمة فيها من الأموال ما لا يضبط لكثرته.
خبر نقيب الأشراف:
ونقيب الأشراف مقدم من ملك العراق ومكانه عنده مكين ومنزلته رفيعة وله ترتيب الأمراء الكبار في سفره وله الأعلام والأطبال وتضرب الطبلخانة عند بابه مساء وصباحا وإليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره وكان النقيب في عهد دخولي إليها نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي نسبة إلى بلدة آوة من عراق العجم أهلها رافضة وكان قبله جماعة يلي كل واحد منهم بعد صاحبه منهم جلال الدين بن الفقيه ومنهم قوام الدين بن طاووس ومنهم ناصر الدين مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمد الأوهري من عراقى العجم وهو الآن بأرض الهند من ندماء ملكها ومنهم أبو غرة بن سالم بن مهنا بن جماز بن شيحة الحسيني المدني.
كان الشريف أبو غرة قد غلب عليه في أول أمره العبادة وتعلم العلم واشتهر بذلك وكان بالمدينة الشريفة كرمها الله في جوار ابن عمه منصور بن جماز أمير المدينة ثم أنه خرج عن المدينة واستوطن العراق وسكن منها بالحلة فمات النقيب قوام الدين بن طاووس فاتفق أهل العراق على تولية أبي غرة نقابة الأشراف وكتبوا بذلك إلى السلطان أبو سعيد فأمضاه ونفذ له اليرليغ وهو الظهير بذلك وبعث له الخلعة والأعلام والطبول على عادة النقباء ببلاد العراق فغلبت عليه الدنيا وترك العبادة والزهد وتصرف في الأموال تصرفا قبيحاً فرفع أمره إلى السلطان فلما علم بذلك أعمل السفر مظهرا أنه يريد خراسان قاصداً
زيارة قبر علي بن موسى الرضا بِطُوس وكان قصده الفرار فلما زار علي بن موسى قدم هراة وهي آخر بلاد خراسان وأعلم أصحابه أنه يريد بلاد الهند فرجع أكثرهم عنه وتجاوز هو أرض خراسان إلى السند فلما جاوز وادي السند المعروف ببنج آب ضرب طبوله وأنفاره فراع ذلك أهل القرى وظنوا أن التتر أتوا للإغارة عليهم وأجفلوا إلى المدينة المسماة باوجا وأعلموا أمير ها بما سمعوه فركب في عساكره واستعد للحرب وبعث الطلايع فرأوا نحو عشرة من الفرسان وجماعة من التجار والرجال ممن صحب الشريف في طريقه معهم الأطبال والأعلام فسألوهم عن شأنهم فأخبروهم أن الشريف نقيب العراق أتى وافداً على ملك الهند فرجع الطلايع إلى الأمير وأخبروه بكيفية الحال فاستضعف عقل الشريف لرفعه العلامات وضربه الطبول في غير بلاده. ودخل الشريف مدينة أوجا وأقام بها مدة تضرب الأطبال على باب داره غدوة وعشية وكان مولعاً بذلك ويُذكر أنه كان أيام نقابته بالعراق تضرب الأطبال على رأسه فإذا أمسك النقار عن الضرب يقول له زد نقرة يا نقار حتى لُقّب بذلك وكتب صاحب مدينة أوجا إلى ملك الهند بخبر الشريف وضربه الأطبال بالطريق وعلى باب داره غدوة وعشيا ورفعه الأعلام وعادة أهل الهند أن لا يرفع علماً ولا يضرب طبلاً إلا من أعطاه الملك ذلك ولا يفعله إلا في السفر وأما في حال الإقامة فلا يضرب الطبل إلا على باب الملك خاصة بخلاف مصر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب الأمراء فلما بلغ خبره ملك الهند كره فعله وأنكره وفعل في نفسه وخرج الأمير إلى حضرة الملك وكان الأمير كشلي خان والخان عندهم أعظم الأمراء وهو الساكن بملتان كرسي بلاد السند وهو عظيم القدر عند ملك الهند يدعوه بالعم لأنه كان ممن أعان أباه السلطان غياث الدين تغلق شاه على قتال السلطان ناصر الدين خسروه شاه قد قدم على حضرة ملك الهند فخرج الملك إلى لقائه فاتفق أن كان وصول الشريف في ذلك اليوم وكان الشريف قد سبق الأمير بأميال وهو على حاله من ضرب الأطبال فلم يرعه إلا والسلطان في موكبه فتقدم الشريف إلى السلطان فسلم عليه وسأله السلطان عن حاله وما الذي جاء به فأخبره ومضى السلطان حتى لقي الأمير كشلي خان وعاد إلى حضرته ولم يلتفت إلى الشريف ولا أمر له بإنزال ولا غيره.
وكان الملك عازما على السفر إلى مدينة دولة أباد وتسمى أيضاً بالكتكة "بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما" وتسمى أيضا بالدونجر "دوكير"، وهي على مسيرة أربعين يوماً من مدينة دهلي حاضرة الملك.
فلما شرع الملك في السفر بعث إلى الشريف بخمسمائة دينار دراهم وصرفها من ذهب المغرب مائة وخمسة وعشرون ديناراً وقال لرسوله إليه قل له أن أراد الرجوع إلى بلاده فهذا زاد وإن أراد السفر معها فهي نفقته في الطريق وإن أراد الإقامة بالحضرة فهي نفقته حتى نرجع فاغتم الشريف لذلك وكان قصده أن يجزل له العطاء كما هي عادته مع أمثاله واختار السفر صحبة السلطان وتتعلق بالوزير أحمد بن إياس المدعو بخواجة جهان وبذلك سماه الملك وبه يدعوه هو وبه يدعوه سائر الناس فإن من عادتهم أنه متى سمى الملك أحداً باسم مضاف إلى الملك من عماد أو ثقة أو قطب أو باسم مضاف إلى الجهان من صدر وغيره فبذلك يخاطبه الملك وجميع الناس ومن خاطبه بسوى ذلك لزمته العقوبة فأكدت المودة بين الوزير والشريف فأحسن إليه ورفع قدره ولاطف الملك حتى حسن فيه رأيه وأمر له بقريتين من قرى دولة أباد وأمره أن تكون إقامته بها وكان هذا الوزير من أهل الفضل والمروءة ومكارم الأخلاق والمحبة في الغرباء والإحسان إليهم وفعل الخير وإطعام الطعام وعمارة الزاويا فأقام الشريف يستغل القريتين ثمانية أعوام وحصل من ذلك مالاً عظيماً ثم أراد الخروج فلم يمكنه فإنه من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه وهو محب في الغرباء فقليلاً ما يأذن لأحدهم في السراح فأراد الفرار في طريق الساحل فرد منه وقدم الحضرة ورغب من الوزير أن يحاول قضية انصرافه فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلاد الهند وأعطاه عشرة آلاف دينار من دراهمهم وصرفها من ذهب المغرب ألفان وخمسمائة دينار فأتى بها في بدرة فجعلها تحت فراشه ونام عليها لمحبته في الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لأحد من أصحابه شيء منها فإنه كان بخيلا فأصابه وجع في جنبه بسبب رقاده عليها ولم يزل يتزايد به وهو آخذ في حركة سفره إلى أن توفي بعد عشرين يوماً من وصول البدرة إليه وأوصى بذلك المال للشريف حسن الجراني فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدلهي من أهل الحجاز والعراق، وأهل الهند لا يورثون بيت المال ولا يتعرضون
لمال الغرباء ولا يسألون عنه ولو بلغ ما عسى أن يبلغ وكذلك السودان لا يتعرضون لمال الأبيض ولا يأخذونه إنما يكون عند الكبار من أصحابه حتى يأتي مستحقه وهذا الشريف أبو غرة له أخ اسمه قاسم سكن غرناطة مدة وبها تزوج بنت الشريف أبي عبد الله بن إبراهيم الشهير بالمكي ثم انتقل إلى جبل طارق فسكنه إلى أن استشهد بوادي كرة من نظر الجزيرة الخضراء وكان بهمة من البهم لا يصطلي بناره خرق المعتاد في الشجاعة وله فيها أخبار شهيرة عند الناس وترك ولدين هما في كفالة الشريف الفاضل أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسيني الكربلائي الشهير ببلاد المغرب وبالعراق، وكان تزوج أمهما بعد موت أبيهما، وهو محسن لها جزاه الله خيراً.
ولما تحصلت لنا زيارة أمير المؤمنين علي عليه السلام سافر الركب إلى بغداد وسافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة وهم أهل تلك البلاد ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد ولا سبيل للسفر في تلك الأقطار إلا في صحبتهم فاكتريت جملاً على يد أمير تلك القافلة شامر بن دراج الخفاجي وخرجنا من مشهد علي عليه السلام فنزلنا الخورنق موضع سكنى النعمان بن المنذر وآبائه من ملوك بني ماء السماء وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة في فضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات، ثم رحلنا عنه فنزلنا موضع يعرف بقائم الواثق وبه أثر قرية خربة ومسجد خرب لم يبق منه إلا صومعته، ثم رحلنا عنه آخذين مع جانب الفرات بالموضع المعروف بالعذار وهو غابة قصب في وسط الماء يسكنها أعراب يعرفون بالمعادي، وهم قطاع الطريق رافضية المذهب خرجوا على جماعة من الفقراء تأخروا عن رفقتنا فسلبوهم حتى النعال والكشاكل وهم يتحصنون بتلك الغابة ويمتنعون بها ممن يريدهم، والسباع بها كثيرة. ورحلنا مع هذا الغدار ثلاث مراحل، ثم وصلنا مدينة واسط.
وهي حسنة الأقطار كثيرة البساتين والأشجار بها أعلام يُهدَي الخير شاهدهم، وتُهدي الاعتبار مشاهدهم، وأهلها من خيار أهل العراق بل هم خيرهم على الإطلاق أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة وإليهم يأتي أهل بلاد العراق برسم تعلم ذلك. وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها حوالي ثلاثمائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلم
القرآن عمرها الشيخ تقي الدين عبد المحسن الواسطي وهو من كبار أهلها وفقهائها ويعطي لكل متعلم بها كسوة في السنة ويجري له نفقته كل يوم ويقعد هو وإخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدرسة وقد لقيته وأضافني وزودني تمراً ودراهماً، ولما نزلنا مدينة واسط أقامت القافلة ثلاثة بخارجها للمتاجرة فسنح لي زيارة قبر الولي أبي العباس أحمد الرفاعي وهو بقرية تعرف بأم عبيدة على مسيرة يوم من واسط فطلبت من الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها فبعث معي ثلاثة من عرب بني أسد، وهم قطان تلك الجهة. وأركبني فرساً له، وخرجت ظهرا فبت تلك الليلة بحوش بني أسد، ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرواق وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء. وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوجك حفيد ولي الله أبو العباس الرفاعي الذي قصدنا زيارته وقدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم زيارته قبر جده وإليه انتهت الشياخة بالرواق ولما انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف وأخذ الفقراء في الرقص ثم صلّوا المغرب وقدموا السماط وهو خبز الأرز والسمك واللبن والتمر فأكل الناس ثم صلوا العشاء الآخرة وأخذوا في الذكر والشيخ أحمد قاعد على سجادة جده المذكور ثم أخذوا في السماع وقد أعدوا أحمالاً من الحطب فأججوها ناراً ودخلوا في وسطها يرقصون ومنهم من يتمرّغ فيها، ومنهم من يأكلها بفمه حتى أطفؤوها جميعاً وهذا دأبهم. وهذه الطائفة الأحمدية مخصوصون بهذا، وفيهم من يأخذ الحية العظيمة فيعض بأسنانه على رأسها حتى يقطعه.
كنت مررت بموضع يقال له أفقانبور، من عمالة هزار أمروها، وبينها وبين دهلي حضرة الهند مسيرة خمس. وقد نزلنا بها على نهر يعرف بنهر السرو وذلك في أوان الشكال، والشكال عندهم هو المطر وينزل في إبان القيظ وكان السيل ينحدر في هذا النهر من جبال قراجيل فكل من يشرب منه من إنسان أو بهيمة يموت لنزول المطر على الحشائش المسمومة فأقمنا على النهر أربعة أيام لا يقربه أحد، ووصل إلى هنالك جماعة من الفقراء في أعناقهم أطواق الحديد وفي أيديهم، وكبيرهم رجل أسود حالك اللون وهم من الطائفة المعروفة بالحيدرية. فباتوا عندنا ليلة، وطلب مني كبيرهم أن آتيه بالحطب ليوقدوه عند رقصهم فكلفت والي تلك الجهة وهو عزيز المعروف بالخمار
"وسيأتي ذكره" أن يأتي بالحطب فوجه منه نحو عشرة أحمال، فأضرموا فيه النار بعد صلاة العشاء الآخرة حتى صارت جمراً وأخذوا في السماع ثم دخلوا في تلك النار فما زالوا يرقصون ويتمرغون فيها وطلب مني كبيرهم قميصاً فأعطيته قميصاً في النهاية من الرقة فلبسه وجعل يتمرغ به في النار ويضربها بأكمامه حتى طفئت تلك النار وخمدت وجاء إلي القميص والنار لم تؤثر فيه شيئا البتة فطال عجبي منه. ولما حصلت لي زيارة الشيخ أبي العباس الرفاعي نفع الله به عدت إلى مدينة واسط فوجدت الرفقة التي كمنت فيها قد رحلت فلحقتها في الطريق ونزلنا ماء يعرف بالهضيب، ثم رحلنا بوادي الكراع وليس به ماء، ثم رحلنا ونزلنا موضعاً يعرف بالمشيرب، ثم رحلنا منه ونزلنا بالقرب من البصرة، ثم رحلنا ضحوة النهار إلى مدينة البصرة.
فنزلنا بها رباط مالك بن دينار، وكنت رأيت عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناء عاليا مثل الحصن، فسألت عنه فقيل لي هو مسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكانت البصرة من اتساع الخطة وانفساح الساحة بحيث كان هذا المسجد في وسطها. وبينه الآن وبينها ميلان1، وكذلك بينه وبين السور الأول المحيط بها نحو ذلك، فهو متوسط بينهما. ومدينة البصرة إحدى أمهات العراق الشهيرة الذكر في الآفاق الفسيحة الأرجاء المونقة الأفناء ذات البساتين الكثيرة والفواكه الأثيرة، توفر قسمها من النضارة والخصب، لما كانت مجمع البحرين: الأجاج والعذب وليس في الدنيا أكثر نخلاً منها فيباع التمر في سوقها بحساب أربعة عشر رطلاً عراقية بدرهم ودرهمهم ثلث النقرة ولقد بعث إلى قاضيها حجة الدين بقوصرة تمر يحملها الرجل على تكلف فأردت بيعها فبيعت بتسعة دراهم أخذ الحمال منها ثلثها عن أجرة حملها من المنزل إلى السوق ويصنع بها من التمر عسلاً يسمى السيلان -، وهو طيب كأنه الجلاب.
1 لكثرة ما تتابع على البصرة من الفتن والتقلّبات والحروب خرجت البصرة القديمة، وأنشئت مدينة جديدة إلى الشمال الشرقي منها تبعد عنها 28 ألف ذراع يد، وكان إنشاؤها في القرن الثامن الهجري "الرابع عشر الميلادي" انظر التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية – البصرة-.