الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقطة البداية
قال الشيخ أبو عبد الله: كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق آنس بصحبته وراكب أكون في جملته لباعث على النفس شديد العزائم وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم فحزمت امري على هجر الأحباب من الإناث والذكور وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور وكان والدي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصب ولقيت كما لقيا من الفراق نصيبا وسني يومئذ ثنتان وعشرون سنة. قال ابن جزي: أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة.
وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده وصولة الاسناد بالاسناد وشهرت آثار كرمه شهرة واضحة الاشهاد وتحلت الأيام بحلي فضله ورتع الأنام في ظل رفقه وعدله الإمام المقدس أبو سعيد بن مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين الذي فل حد الشرك صدق رعزائمه وأطفأت نار الكفر جداول صارمه وفتكت بعباد الصليب كتائبه وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه الإمام المقدس أبو يوسف بن عبد الحق جدد الله عليهم رضوانه وسقى ضرائحهم المقدسة من صوب الحيا طله وتهتانه وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين، فوصلت مدينة تلمسان وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمر أسن بن زيان ووافقت بها رسولي ملك افريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن إبراهيم النفزاوي والشيخ الصالح أبو عبد
الله محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي – بضم الزاي نسبة إلى قرية بساحل المهدية وهو أحد الفضلاء وفاته عام أربعين وفي يوم وصولي إلى تلسمان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار علي بعض الإخوان بمرافقتهما فاستخرت الله عز وجل في ذلك وأقمت بتلسمان ثلاثا في قضاء مآربي وخرجت أجد السير في آثارهما، فوصلت مدينة مليانة وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أميال من مليانة ثلاثا، وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع فعاد ابنه أبو الطيب ورفيقه أبو عبد الله الزبيدي إلى مليانة فقبروه بها وتركتهم هنالك وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر والحاج العدولي ومحمد بن الحجر فوصلنا مدينة الجزائر وأقمنا بخارجها أياما إلى أن أقدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجهنا جميعا على منجبة جبل الزان ثم وصلنا إلى مدينة بجاية فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد اللعه الزواوي ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيد الناس الحاجب وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره وترك ثلاثة آلآف دينار من الذهب وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيد الناس المذكور فانتزعها من يده وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمى فأشار علي أبو عبد الله الزبيدي بالإقامة فيها حتى يتمكن البرد مني فأبيت وقلت أن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق وأنا قاصد أرض الحجاز فقال لي أما أن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة وخباء وتصحبنا خفيفا فإننا نجد السير خوف غارة العرب في الطريق ففعلت هذا وأعارني ما وعد به جزاه الله خيرا وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الإلهية في تلك الوجهة الحجازية وسرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة1 فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود اضطررنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك فلما
1 تعرف الآن باسم: قسنطينة، بحذف الياء الأخيرة منها.