الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبار الخواتين وترتيبهنّ:
وكل خاتون من الخواتين تركب في عربة للبيت، وفي البيت الذي تكون فيه قبة من الفضة المموهة بالذهب أو من الخشب المرصع وتكون الخيل التي تجر عربتها مجللة بأثواب الحرير المذهب وخديم العربة الذي يركب أحد الخيل فتى يدعى القشي، والخاتون قاعدة في عربتها وعن يمينها امرأة من القواعد تسمى أوُلُو خاتون "بضم الهمزة واللام" ومعنى ذلك الوزيرة وعن شمالها امرأة من القواعد أيضا تسمى كجك خاتون "بضم الكاف والجيم" ومعنى ذلك الحاجبة، وبين يديها ست من الجواري الصغار يقال لهن البنات فائقات الجمال متناهيات الكمال ومن ورائها ثنتان منهن تستند إليهن وعلى رأس الخاتون البغطاق وهو مثل التاج الصغير مكلل بالجوهر وبأعلاها ريش الطواويس وعليها ثياب حرير مرصعة بالجواهر شبه المنوت "الملوطة" التي يلبسها الروم وعلى رأس الوزيرة والحاجبة مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب والجوهر وعلى رأس كل واحدة من البنات الكلا وهو شبه الأقروف وفي أعلاها دائرة ذهب مرصعة بالجوهر وريش الطواويس من فوقها وعلى كل واحدة ثوب من الحرير مذهب يسمى النخ، ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الروميين والهنديين وقد لبسوا ثياب الحرير المذهب المرصعة بالجواهر وبيد كل واحد منهم عمود ذهب أو فضة أو يكون من عود ملبس بهما وخلف عربة الخاتون نحو مائة عربة في كل عربة الثلاث والأربع من الجواري الكبار والصغار وثيابهن الحرير وعلى رؤوسهن الكلأ وخلف هذه العربات نحو ثلاثمائة عربة تجرها الجمال والبقر وتحمل خزائن الخاتون وأموالها وأثاثها وطعامها ومع كل عربة غلام موكل بها متزوج بجارية من الجواري التي ذكرناها فإن العادة عندهنّ أن لا يدخل بين الجواري من الغلمان إلا من كان له بينهن زوجة وكل خاتون فهي على هذا الترتيب ولنذكرهن على الإنفراد.
وكانت الخاتون الكبرى هي الملكة أم ولدي السلطان جاك بك وتين بك، وسنذكرهما وليست أم ابنته ايت كجك وأمها كانت الملكة قبل هذه وسم هذه الخاتون طَيْطُغْلي "بفتح الطاء المهملة الأولى وإسكان الياء آخر الحروف وضم الطاء الثانية وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام وياء مد"، وهي أحظى نساء هذا
السلطان عنده، وعندها يبيت أكثر لياليه ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، وإلا فهي أبخل الخواتين. وحدثني من أعتمده من العارفين بأخبار هذه الملكة أن السلطان يحبها للخاصية التي فيها وهي أنه يجدها كل ليلة كأنها بكر. وذكر لي غيره أنها من سلالة المرأة التي يذكر أن الملك زال عن سليمان عليه السلام بسببها ولما عاد إليه ملكه أمر أن توضع بصحراء لا عمارة فيها فوضعت بصحراء قفجق. وان رحم هذه الخاتون شبه الحلقة خلقة وكذلك كل من هو من نسل المرأة المذكورة. ولم أر بصحراء قفجق ولا غيرها من أخبر أنه رأى امرأة على هذه الصورة ولا سمع بها إلا هذه الخاتون، اللهم إلا أن بعض أهل الصين أخبرني أن بالصين صنفاً من نسائها على هذه الصورة ولم يقع بيدي ذلك ولا عرفت له حقيقة. وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنهن خديمات لها وبين يديها نحو خمسون جارية صغاراً يسمون البنات وبين أيديهن طيافير الذهب والفضة مملوءة بحب الملوك1 وهن ينقينه وبين يدي الخاتون صينية ذهب مملوءة منه وهي تنقيه فسلمنا عليها. وكان في جملة أصحابي قاريء يقرأ القرآن على طبقة المصريين بطريقة حسنة وصوت طيب فقرأ ثم أمرت أن يؤتى بالقِمَزّ فأُتي به في أقداح خشب لطاف خفاف فأخذت القدح بيدها وناولتني إياه وتلك نهاية الكرامة عندهم ولم أكن شربت القمز قبلها ولكن لم يمكني إلى قبوله وذقته ولا خير فيه، ودفعته لأحد أصحابي وسألتني عن كثير من حال سفرنا، فأجبناها ثم انصرفنا عنها وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك.
أما الخاتون التي تلي الملكة فكان اسمها كبك خاتون "بفتح الكاف الأولى وكسر الباء الموحدة" ومعناها بالتركية النخالة، وهي بنت الأمير نَغَطَيْ "واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة" وأبوها حي مبتلى بعلة النقرس، وقد رأيته في غد دخولنا على الملكة. دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ونحو عشرين من البنات يطرزون ثياباً فسلمنا عليها وأحسنت في السلام والكلام وقرأ قارئنا فاستحسنته، وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني القدح
1 ثمار الكرز.
بيدها كمثل ما فعلته الملكة وانصرفنا عنها.
وأما الخاتون الثالثة فكان اسمها بَيَلُون "بياء موحدة وآخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو مد ونون" وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور ودخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصع، قوائمه فضة وبين يديها نحو مائة جارية روميات وتركيات ونوبيات، منهن قائمات وقاعدات والفتيان على رأسها والحجاب بين يديها من رجال الروم فسألت عن حالنا ومقدمنا وبُعد أوطاننا، وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها رقة منها وشفقة وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا. ولما أردنا الانصراف قالت: لا تنقطعوا علينا وترددوا إلينا وطالبونا بحوائجكم وأظهرت مكارم الأخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما نذكره بعد.
وكانت الخاتون الرابعة "أُرْدُجا "بضم الهمزة وإسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم وألف" وأرد بلسانهم المحلة وسميت بذلك لولادتها في المحلة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الأُلُوس "بضم الهمزة واللام" ومعناها أمير الأمراء وأدركته حيّاً وهو متزوج ببنت السلطان إيت كجك وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهن شمائل وأشفقهن وهي التي بعثت إلي لما رأيت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدمناه، ودخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، وأمرت بالطعام فأكلنا بين يديها، ودعت بالقِمِزّ فشرب أصحابنا وسألت عن حالنا فأجبناها. ودخلت أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أزرق.
وكانت للسلطان المعظم أوزبك ابنة اسمها إيت كجُك وإيت "بكسر الهمزة وياء مد وتاء مثناة وكجك بضم الكاف وضم الجيم" ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإن إيت هو الكلب، وكجُك هو الصغير، وقد قدمنا أن الترك يسمون بالفال كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في محلة منفردة على نحو ستة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشايخ