الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن فيها البساتين والحدائق ووافق وصولي إلى بغداد كون ملك العراق بها. فلنذكره ههنا.
خبر سلطان العراقين وخراسان:
وهو السلطان الجليل أبو سعيد بَهَادُرْخان، وخان عندهم الملك "وبهادر بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء" ابن السلطان الجليل محمد خذا بنده "بخاء معجمة مضمومة وذال معجم مفتوح" وبنده لم يختلف فيه "وهو بباء موحدة مفتوحة ونون مسكنة ودال مهمل مفتوح وهاء استراحة"، وتفسيره على هذا القول: عبد الله، لأنّ خذا بالفارسية اسم الله عز وجل وبنده غلام أو عبد أو ما في معناهما. وقيل: إنّما هو خربنده "بفتح الخاء المعجم وضم الراء المهمل" وتفسير خر بالفارسية الحمار فمعناه على هذا غلام الحمار. فشد ما بين القولين من الخلاف على أن هذا الأخير هو المشهور، وكأنّ الأول غيّره إليه من تعصب. وقيل: أن سبب تسميته بهذا الأخير هو أن التتر يسمون المولود باسم أول داخل على البيت عند ولادته. فلما ولد هذا السلطان كان أول داخل الزمال، وهم يسمونه خربندة فسمي به. وأخو خربندة هو قازغان الذي يقول فيه الناس: قازان، وقازغان هو القدر. وقيل: سمي بذلك لأنه ولد لما دخلت الجارية ومعها القدر. وخذابنده هو الذي أسلم، وقدمنا قصته وكيف أراد أن يحمل الناس لما أسلم على الرفض، وقصة القاضي مجد الدين معه، ولما مات ولي الملك ولده أبو سعيد بهادرخان وكان ملكاً فاضلاً كريماً ملك وهو صغير السن ورأيته ببغداد وهو شامل أجمل خلق الله صورة لا نبات بعارضه ووزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد بن خواجه رشيد، وكان أبوه من مهاجرة اليهود واستوزره السلطان محمد خذابنده والد أبي سعيد. رأيته يوماً بحراقة في الدجلة وتسمى عندهم الشبارة، وهي شبه سلورة، وبين يديه دمشق خواجة بن الأمير جوبان المتغلب على أبي سعيد وعن يمينه وشماله شبارتان فيهما أهل الطرب والغناء. ورأيت من مكارمه في ذلك اليوم أنه تعرض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم فأمر لكل واحد منهم بكسوة وغلام يقوده ونفقته تجري عليه. ولما ولي السلطان أبو سعيد صغير كما ذكرناه،
استولى على أمره أمير الأمراء الجوبان وحجر عليه التصرفات حتى لم يكن بيده من الملك إلا الاسم ويذكر أنه احتاج في بعض الأعياد إلى نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليها فبعث إلى أحد التجار فأعطاه من المال ما أحب ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون فقالت له: لو كنا نحن الرجال ما تركنا الجوبان وولده على ما هما عليه. فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام. فقالت له: لقد انتهى أمر دمشق خواجة بن الجوبان أن يفتك بحرم أبيك، وأنه بات البارحة عند طغي خاتون. وقد بعث إلي وقال لي الليلة أبيت عندك. وما الرأي إلا أن تجمع الأمراء والعساكر فإذا صعد إلى القلعة مختفياً برسم المبيت أمكنك القبض عليه وأبوه يكفي الله أمره. وكان الجوبان إذ ذاك غائبا بخراسان فغلبته الغيرة وبات يدبر أمره فلما علم أن دمشق خواجة بالقلعة أمر الأمراء والعساكر أن يطيفوا بها من كل ناحية فلما كان بالغد خرج دمشق خواجه ومعه جندي يعرف بالحاج المصري فوجد سلسلة معترضة على باب القلعة وعليها قفل لم يمكنه الخروج راكباً فضرب الحاج المصري السلسلة بسيفه فقطعها وخرجا معاً فأحاطت بهما العساكر ولحق أمير من الأمراء الخاصكية يعرف بمصر خواجة وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق خواجة فقتلاه وأتيا الملك أبا سعيد برأسه فرموا به بين يدي فرسه وتلك عاداتهم أن يفعلوا برأس كبار أعدائهم وأمر السلطان بنهب داره وقتل من قاتل من خدامه ومماليكه واتصل الخبر بأبيه الجوبان وهو بخراسان ومعه أولاد مير حسن وهو الأكبر وطالش وجلوخان وهو أصغرهم وهو ابن أخت السلطان أبي سعيد من أمه ساطي بك بنت السلطان خذابنده ومعه عساكر التتر وحاميها فاتفقوا على قتال السلطان أبي سعيد وزحفوا إليه فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم وأفردوا الجوبان فلما رأى ذلك نكص على عقبيه وفر إلى صحراء سجستان وأوغل فيها وأجمع على اللحاق بملك هراة غياث الدين مستجيراً به ومتحصناً بمدينته وكانت له عليه أياد سابقة فلم يوافقه ولداه حسن وطالش على ذلك وقالا له إنه لا يفي بالعهد وقد غدر فيروز شاه بعد أن لجأ إليه وقتله فأبى الجوبان إلا أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه معه ابنه الصغير جلوخان فخرج غياث الدين لاستقباله وترجل له وأدخله المدينة على الأمان ثم غدره بعد أيام وقتله وقتل ولده وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد وأما الحسن وطالش فإنهما قصدا خوارزم وتوجها إلى السلطان محمد أوزبك، فأكرم مثواهما وأنزلهما، إلى
أن صدر منهما ما أوجب قتلهما فقتلهما. وكان للجوبان ولد رابع اسمه الدمرطاش فهرب إلى ديار مصر، فأكرمه الملك الناصر وأعطاه الإسكندرية، فأبى من قبولها وقال إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطى هو للذي يوصلها إليه أحسن منها إزراء على الملك الناصر وأظهر أموراً أوجبت قتله فقتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد وقد ذكرنا قصته وقصة قراسنقور فيما تقدم ولما قتل الجوبان جيء به وبولده ميتين فوقف بهما على عرفات وحملا إلى المدينة ليدفنا في التربة التي اتخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع من ذلك ودفن بالبقيع والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكة شرفها الله تعالى.
ولما استقل السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوج بنت الجوبان وكانت تسمى بغداد خاتون وهي من أجمل النساء وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلب بعد موت أبي سعيد على الملك وهو ابن عمته فأمره فنزل عنها وتزوجها أبو سعيد كانت أحظى النساء لديه والنساء لدى الأتراك والتتر لهن حظ عظيم وهم إذا كتبوا أمراً يقولون فيه عن أمر السلطان والخواتين ولكل خاتون الكثير من البلاد والولايات والمجابي العظيمة وإذا سافرت مع السلطان تكون في محلة على حدة وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد وفضلها على سواها وأقامت على هذه مدة أيام، ثم تزوج امرأة تسمى بِدلشاد فأحبها حباً شديداً وهجر بغداد خاتون فغارت لذلك وسمّته في منديل مسحته به بعد الجماع فمات وانقرض عقبه وغلبت أمراؤه على الجهات كما سنذكره.
ولما عرف الأمراء أن بغداد خاتون هي التي سمته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى الرومي خواجة لؤلؤ وهو من كبار الأمراء وقدمائهم فأتاها وهي في الحمام فضربها بدبوسه وقتلها وطرحت هنالك أياماً مستورة العورة بقطعة تليس واستقل الشيخ حسن بملك عراق العرب وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوج امرأته.