الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأفراس كثيرة وأعطتني كل خاتون منهن سبائك الفضة وهم يسمونها بصَوم "بفتح الصاد المهمل" واحدتها صومة وأعطت بنته أكثر منهن، وكستني وأركبتني واجتمع لي من الخيل والثياب وفروات السنجاب والسمور جملة.
التوجه إلى القسطنطينية:
وسافرنا في العاشر من شوال في صحبة الخاتون بيلون وتحت حرمتها ورحل السلطان في تشييعها مرحلة ورجع هو والملكة وولي عهده. وسافر سائر الخواتين في صحبتها مرحلة ثانية ثم رجعن. وسافر الأمير بيدرة في خمسة آلاف من عسكره وكان عسكر الخاتون نحو خمسمائة فارس منهم خدامها من المماليك والروم نحو مائتين والباقون من الترك وكان معها من الجواري نحو مائتين وأكثرهن روميات. وكان لها من العربات نحو أربعمائة عربة ونحو ألفي فرس لجرها وللركوب ونحو ثلاثمائة من البقر ومائتين من الجمال لجرها وكان معها من الفتيان الروميين عشرة ومن الهنديين مثلهم وقائدهم الأكبر يسمى بسنبل الهندي وقائد الروميين يسمى بميخائيل ويقول له الأتراك لؤلؤ وهو من الشجعان الكبار. وتركت جواريها وأثقالها بمحلة السلطان إذ كانت قد توجهت برسم الزيارة ووضع الحمل.
وتوجهنا إلى مدينة أُكَك. وهي "بضم الهمزة وفتح الكاف الأولى" مدينة متوسطة حسنة العمارة كثيرة الخلوات شديدة البرد وبينها وبين السرا حضرة السلطان مسيرة عشرة وعلى مسيرة يوم من هذه المدينة جبال الروس وهم نصارى شقر الشعور زرق العيون قباح الصور أهل غدر، وعندهم معادن الفضة. ومن بلادهم يؤتى بالصوم، وهي سبائك الفضة التي بها يباع ويشترى في هذه البلاد ووزن الصومة منها خمس أواقي.
ثم وصلنا بعد عشر من هذه المدينة سُرْدَق "وضبط اسمها بضم السين المهمل وسكون الراء وفتح الدال المهمل وآخره قاف". وهي من مدن دشت قفجق على ساحل البحر ومرساها من أعظم المراسي وأحسنها وبخارجها البساتين والمياه وينزلها الترك وطائفة من الروم تحت ذمتهم وهم أهل الصنائع وأكثر بيوتها خشب. وكانت هذه المدينة كبيرة فخرب معظمها
بسبب فتنة وقعت بين الروم والترك وكانت الغلبة للروم فانتصر للترك أصحابهم وقتلوا الروم شر قتلة ونفوا أكثرهم وبقي بعضهم تحت الذمة إلى الآن. وكانت الضيافة تحمل إلى الخاتون في كل منزل من تلك البلاد من الخيل والغنم والبقر الدوقي والقمز وألبان البقر والغنم. والسفر في هذه البلاد مضحىً ومعشىً. وكل أمير بتلك البلاد يصحب الخاتون بعساكره إلى آخر حد بلاده تعظيماً لها لا خوفاً عليها لأن تلك البلاد آمنة. ثم وصلنا إلى البلدة المعروفة باسم بابا سلطوق وبابا عندهم بمعناه عند البربر سواء إلا أنهم يفخمون الباء، وسَلْطُوق "بفتح السين المهمل وإسكان اللام وضم الطاء المهمل وآخره قاف"، ويذكرون أن سلطوق هذ كان مكاشفاً لكن يذكر عنه أشياء ينكرها الشرع. وهذه البلاد آخر بلاد الأتراك بينها وبين أول عمالة الروم ثمانية عشر يوماً في برية غير معمورة منها ثمانية أيام لا ماء بها يتزود لها الماء ويحمل في الروايا والقرب على العربات وكان دخولنا إليها في أيام البرد فلم نحتج إلى كثير من الماء والأتراك يرفعون الألبان في القرب ويخلطونها بالدوقي المطبوخ ويشربونها فلا يعطشون وأخذنا من هذه البلدة في الاستعداد للبرية واحتجت إلى زيادة أفراس فأتيت الخاتون فأعلمتها بذلك. وكنت أسلم عليها صباحاً ومساءً ومتى أتيتها ضيافة تبعث إلي بالفرسين والثلاثة وبالغنم فكنت أترك الخيل لأذبحها وكان من معي من الغلمان والخدم يأكلون مع أصحابنا الأتراك فاجتمع لي نحو خمسين فرساً. وأمرت إلي الخاتون بخمسة عشر فرساً وأمرت وكيلها ساروجة الرومي أن يختارها سماناً من خيل المطبخ وقالت لا تخف فإن احتجت إلى غيرها زدناك. ودخلنا البرية في منتصف ذي القعدة فكان سيرنا من يوم فارقنا السلطان إلى أول البرية تسعة وعشرين يوماً وإقامتنا خمسة ورحلنا من هذه البرية ثمانية عشر يوماً مضحىً ومعشىً وما رأينا إلا خيراً. والحمد لله.
ثم وصلنا بعد ذلك إلى حصن مَهْتُولي، وهو أول عمالة الروم "وضبط اسمه بفتح الميم وسكون الهاء وضم التاء المعلوة وواو مد ولام مكسورة وياء" وكانت الروم قد سمعت بقدوم هذه الخاتون على بلادها، فوصلنا إلى هذا
الحصن فاستقبلنا كفالي نقوله الرومي في عسكر عظيم وضيافة عظيمة وجاءت الخواتين والدايات من دار أبيها ملك القسطنطينية وبين مَهْتُولي والقسطنطينية مسيرة اثنين وعشرين يوماً منها ستة عشر يوماً إلى الخليج وستة منه إلى القسطنطينية ولا يسافر من هذا الحصن إلا بالخيل والبغال وتترك العربات به لأجل الوعر والجبال وجاء كفالي المذكور ببغال كثيرة وبعثت إلي الخاتون بستة منها وأوصت أمير ذلك الحصن بمن تركته من أصحابي وغلماني مع العربات والأثقال فأمر لهم بدار ورجع الأمير بيدرة بعساكره ولم يسافر مع الخاتون إلا ناسها وتركت مسجدها بهذا الحصن وارتفع حكم الأذان. وكان يؤتى إليها بالخمور في الضيافة فتشربها وبالخنازير وأخبرني بعض خواصها أنها أكلتها ولم يبق معها من يصلي إلا بعض الأتراك كان يصلي معنا. وتغيرت البواطن لدخولنا في بلاد الكفر. ولكن الخاتون أوصت الأمير كفالي بإكرامي. ولقد ضرب مرة بعض مماليكه لما ضحك من صلاتنا. ثم وصلنا حصن مسلمة بن عبد الملك وهو بسفح جبل على نهر زخار يقال له اصطقيلي ولم يبق من هذا الحصن إلا آثاره وبخارجه قرية كبيرة، ثم سرنا يومين ووصلنا إلى الخليج وعلى ساحله قرية كبيرة فوجدنا فيه المد فأقمنا حتى كان الجزر وخضناه وعرضه نحو ميلين ومشينا أربعة أميال في رمال ووصلنا الخليج الثاني فخضناه وعرضه نحو ثلاثة أميال ثم مشينا نحو ميلين في حجارة ورمل ووصلنا الخليج الثالث وقد ابتدأ المد فتعبنا فيه وعرضه ميل واحد فعرض الخليج كله مائيه ويابسه اثنا عشر ميلا وتصير ماء كلها في أيام المطر فلا تخاض إلا في القوارب.
وعلى ساحل هذا الخليج الثالث مدينة الفَنِيكة "واسمها بفاء مفتوحة ونون وياء مد وكاف مفتوح"، وهي صغيرة لكنها حسنة مانعة وكنائسها وديارها حسان والأنهار تخرقها والبساتين تحفها ويدخر بها العنب والإجاص والتفاح والسفرجل من السنة إلى الأخرى. وأقمنا بهذه المدينة ثلاثاً. والخاتون في قصر لأبيها هنالك ثم قدم أخوها وشقيقها واسمه كفالي قراس في خمسة آلاف فارس شاكي، السلاح ولما أرادوا وا لقاء الخاتون ركب أخوها المذكور فرساً أشهب ولبس ثياباً بيضاء وجعل رأسه مظلّلاً مكلّلاً بالجواهر، وجعل عن يمينه خمسة من أبناء الملوك وعن يساره مثلهم لابسين البياض أيضاً وعليهم مظللات مزركشة بالذهب، وجعل بين يديه مائة من المشائين ومائة فارس قد
أسبغوا الدروع على أنفسهم وخيلهم، وكل واحد منهم يقود فرساً مسرجاً مدرعاً عليه شكة فارس من البيضة المجوهرة والدروع والتركش والقوس والسيف، وبيده رمح في طرف رأسه راية. وأكثر تلك الرماح مكسوة بصفائح الذهب والفضة وتلك الخيل المقودة هي مراكب ابن السلطان وقسم فرسانه على أفواج كل فوج فيه مائتا فارس، لهم أمير قد قدم أمامه عشرة من الفرسان شاكي السلاح وكل واحد منهم يقود فرساً وخلفه عشرة من العلامات ملونة بأيدي عشرة من الفرسان وعشرة أطبال يتقلدها عشرة من الفرسان ومعهم ستة يضربون الأبواق والأنفار والصرنايات وهي الغيطات. وركبت الخاتون في مماليكها وجواريها وفتيانها وخدامها وهم نحو خمسمائة عليهم ثياب الحرير المزركشة بالذهب والفضة المرصعة وعلى الخاتون حلة يقال لها النخ ويقال لها أيضا النسيج مرصعة بالجوهر وعلى رأسها تاج مرصع فرسها مجلل بحرير مزركش بالذهب، وفي يديه ورجليه خلاخل الذهب وفي عنقه قلائد مرصعة ومعظم السرج مكسو ذهباً مكلل جوهراً وكان التقاؤهما في بسيط من الأرض على نحو ميل من البلد وترجل لها أخوها لأنه أصغر منها وقبل ركابها وقبلت رأسه وترجل الأمراء وأولاد الملوك وقبّلوا جميعاً ركابها وانصرفت مع أخيها. وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كبيرة على ساحل البحر لا نثبت الآن اسمها ذات أنهار وأشجار نزلنا بخارجها ووصل أخو الخاتون ولي العهد في ترتيب عظيم وعسكر ضخم من عشرة آلاف مدرع وعلى رأسه تاج وعن يمينه نحو عشرين من أبناء الملوك وعن يساره مثلهم وقد رتب فرسانه على ترتيب أخيه سواء إلا أن الحفل أعظم والجمع أكثر وتلاقت معه أخته في مثل زيها الأول وترجلَا جميعاً وأوتي بخباء حرير فدخلت فيه ولا أعلم كيفية سلامها. ونزلنا على عشرة أميال من القسطنطينية فلما كان الغد خرج أهلها من رجال ونساء وصبيان ركباناً ومشاة في أحسن زي وأجمل لباس وضربت عند الصبح الأطبال والأبواق والأنفار وركبت العساكر وخرج السلطان وزوجته أم هذه الخاتون وأرباب هذه الدولة والخواص وعلى رأس الملك رواق يحمله جملة من الفرسان ورجال بأيديهم عصى طوال في أعلى كل عصا شبه كرة من جلد يرفعون بها الورق وفي وسط الرواق مثل القبة يرفعها الفرسان بالعصى ولما أقبل السلطان اختلطت العساكر وكثر العجاج ولم أقدر على الدخول فيما بينهم فلزمت أثقال الخاتون وأصحابها خوفاً على نفسي. وذكر
لي أنها لما قربت من أبويها ترجلت وقبّلت الأرض بين أيديهما ثم قبّلت حافري فرسيهما وفعل كبار أصحابها مثل فعلها في ذلك. وكان دخولنا عند الزوال أو بعده إلى القسطنطينية العظمى وقد ضربوا نواقيسها حتى ارتجت الآفاق لاختلاف أصواتها ولما وصلنا الباب الأول من أبواب قصر الملك وجدنا به مائة رجل معهم قائد لهم فوق دكانة وسمعتهم يقولون سراكنوا سراكنوا، ومعناه المسلمون. ومنعونا من الدخول. فقال لهم أصحاب الخاتون: إنهم من جهتنا. فقالوا لا يدخلون إلا بإذن فأقمنا بالباب وذهب بعض أصحاب الخاتون فبعث من أعلمها بذلك وهي بين يدي والدها فذكرت له شأننا فأمر بدخولنا وعيّن لنا دار بمقربة من دار الخاتون وكتب لنا أمراً بأن لا نعترض حيث نذهب من المدينة ونودي بذلك في الأسواق وأقمنا بالدار ثلاثاً فبعث إلينا الضيافة من الدقيق والخبز والغلة والدجاج والسمن والفاكهة والحوت والدراهم والفرش. وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان.
واسمه تَكْفُور "بفتح التاء المثناة وسكون الكاف وضم الفاء وواو وراء" بن السلطان جرجيس. وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة، لكنه تزهد وترهب وانقطع للعبادة في الكنائس، وترك الملك لولده وسنذكره. وفي اليوم الرابع من وصولنا إلى القسطنطينية بعث إليّ الخاتون الفتى سنبل الهندي فأخذ بيدي وأدخلني إلى القصر فجزنا أربعة أبواب في كل باب سقائف بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على دكانة مفروشة فلما وصلنا إلى الباب الخامس تركني الفتى سنبل ودخل ثم أتى ومعه أربعة من الفتيان الروميين ففتشوني لئلا يكون معي سكين وقال لي القائد تلك عادة لهم لا بد من تفتيش كل من يدخل على الملك من خاص أو عام غريب أو بلدي وكذلك الفعل بأرض الهند ثم لما فتشوني قام الموكل بالباب فأخذ بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال أمسك اثنان بكمي واثنان من ورائي فدخلوا بي إلى مشور كبير حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صور المخلوقات من الحيوانات والجماد في وسطه ساقية ماء ومن جهتها الأشجار والناس واقفون يميناً ويساراً سكوتاً لا يتكلم أحد منهم وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار إليهم رجل فتقدموا بي وكان أحدهم يهودياً فقال لي بالعربي لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد وأنا
الترجماني، وأصلي من بلاد الشام. فسألته كيف أسلم. فقال قل السلام عليكم. ثم وصلت إلى قبة عظيمة. والسلطان على سريره وزوجته أم هذه الخاتون بين يديه وأسفل السرير الخاتون وإخوتها وعن يمينه ستة رجال وعن يساره أربعة وكلهم بالسلاح فأشار إلي قبل السلام والوصول إليه بالجلوس هنيهة ليسكن روعي ففعلت ذلك ثم وصلت إليه فسلمت عليه وأشار أن أجلس فلم أفعل وسألني عن بيت المقدس والصخرة المقدسة وعن القمامة وعن مهد عيسى وعن بيت لحم وعن مدينة الخليل عليه السلام ثم عن دمشق ومصر والعراق وبلاد الروم فأجبته عن ذلك كله، واليهودي يترجم بيني وبينه. فأعجبه كلامي وقال لأولاده: أكرموا هذا الرجل وأمنوه ثم خلع علي خلعة، وأمر لي بفرس ملجم ومظلة من التي يجعله الملك فوق رأسه وهي علامة الأمان. وطلبت منه أن يعين من يركب معي بالمدينة في كل يوم حتى أشاهد عجائبها وغرائبها وأذكرها في بلادي. فعين لي ذلك. ومن العوائد عندهم أن الذي يلبس خلعة الملك ويركب فرسه يطاف به في أسواق المدينة بالأبواق والأنفار والأطبال ليراه الناس وأكثر ما يفعل ذلك بالأتراك الذين يأتون من بلاد السلطان أوزبك لئلا يؤذون فطافوا بي في الأسواق.
كانت المدينة متناهية في الكبر منقسمة بقسمين بينهما نهر عظيم المد والجزر، على شكل وادي سلا من بلاد المغرب. وكانت عليه فيما تقدم قنطرة مبنية فخربت وهو الآن يعبر في القوارب واسم هذا النهر أَبْسُمِي "بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وضم السين المهمل وكسر الميم وياء مد". وأحد القسمين من المدينة يسمى أصْطَنبول "بفتح الهمزة وإسكان الصاد وفتح الطاء المهملتين وسكون النون وضم الباء الموحدة وواو مد ولام"، وهو بالعدوة الشرقية من النهر وفيه سكنى السلطان وأرباب دولته وسائر الناس وأسواقه وشوارعه مفروشة بالصفاح متسعة وأهل كل صناعة على حدة لا يشاركهم سواهم وعلى كل سوق أبواب تسد عليه بالليل وأكثر الصناع والباعة بها نساء والمدينة في سفح جبل داخل في البحر نحو تسعة أميال وعرضه مثل ذلك أو أكثر وفي أعلاه قلعة صغيرة وقصر السلطان. والسور يحيط بهذا الجبل، وهو مانع لا سبيل لأحد إليه من جهة البحر. وفيه نحو ثلاث عشرة قرية عامرة
والكنيسة العظمى هي في وسط هذا القسم من المدينة. وأمام القسم الثاني منها فيسمى الغَلَطَة "بغين معجمة ولام وطاء مهمل مفتوحات" وهو بالعدوة الغربية من النهر شبيه برباط الفتح في قربةه من النهر. وهذا القسم خاص بنصارى الإفرنج يسكنونه وهم أصناف فمنهم الجنويون والبنادقة وأهل رومية وأهل إفرانسة. وحكمهم إلى ملك القسطنطينية، يقدم عليهم منهم من يرتضونه ويسمونه القمص وعليهم وظيفة في كل عام لملك القسطنطينية. وربما استعصوا عليه فيحاربهم حتى يصلح بينهم البابا وجميعهم أهل تجارة ومرساهم من أعظم المراسي رأيت به نحو مائة جفن من القراقر وسواها من الكبار، وأما الصغار فلا تحصى كثرة. وأسواق هذا القسم حسنة إلا أن الأقذار غالبة عليها ويشقها نهر صغير قذر نجس وكنائسهم لا خير فيها.
إلاّ أن الكنيسة العظمى - إنما نذكر خارجها، وأما داخلها فلم أشاهده - كانت تسمى عندهم أَيَاصُوفِيَا "بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وألف وصاد مضموم وواو مد وفاء مكسورة وياء كالأولى وألف" ويذكر أنها من بناء آصف بن برخياء وهو ابن خالة سليمان عليه السلام. وهي من أعظم كنائس الروم وعليها سور يطيف بها فكأنها مدينة وأبوابها ثلاثة عشر باباً. ولها حرم هو نحو ميل عليه باب كبيرة ولا يمنع أحد من دخوله وقد دخلته مع والد الملك الذي يقع ذكره، وهو شبه مشهور مسطح بالرخام وتشقه ساقية تخرج من الكنيسة لها حائطان مرتفعان نحو ذراع مصنوعان بالرخام المجزع المنقوش بأحسن صنعة والأشجار منظمة عن جهتي الساقية ومن باب الكنيسة إلى باب هذا المشور معرش من الخشب مرتفع عليه دوالي العنب وفي أسفله الياسمين والرياحين وخارج باب هذا المشور قبة خشب كبيرة فيها طبلات خشب يجلس عليها خدام ذلك الباب وعن يمين القبة مساطب وحوانيت أكثرها من الخشب يجلس بها قضاتهم وكتاب دواوينهم وفي وسط تلك الحوانيت قبة خشب يصعد إليها على درج خشب وفيها كرسي كبير مطبق بالملف يجلس فوقه قاضيهم وسنذكره. وعن يسار القبة التي على باب هذا المشور سوق العطارين والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين أحدهما يمر بسوق العطارين والآخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتاب وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها الذين يقمّون طرقها ويوقدون سرجها ويغلقون أبوابها ولا يدعون