الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وارتحلنا إلى موضع المحلة فوصلناه أول يوم من رمضان، فوجدنا المحلة قد خلت فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه لأن المحلة تنزل بالقرب منه فضربت بيتي على تل هنالك وركزت العلم أمام البيت وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك وأقبلت المحلة وهم يسمونها الأُرْد. فرأينا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق ودخان الطبخ صاعد في الهواء وهم يطبخون في حال رحيلهم والعربات تجرها الخيل بهم فإذا بلغوا المنزل أنزلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض وهي خفيفة المحمل وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت. واجتاز بنا خواتين السلطان كل واحدة بناسها على حدة ولما اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك وسنذكرها، رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه وهو علامة الوارد فبعثت الفتيان والجواري فسلموا عليّ وبلغوا سلامها إليّ وهي واقفة تنتظرهم فبعثت إليها بهدية مع بعض أصحابي ومع معرف الأمير تلكتمور فقبلتها تبركاً وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت وأقبل السطان فنزل في محلته على حدة.
خبر السلطان المعظم محمد أوزْبك خان:
واسمه محمد أوزبك "بضم الهمزة وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة" ومعنى خان عندهم السلطان وهذا السلطان عظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن رفيع المكان قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى مجتهد في جهادهم وبلاده متسعة ومدنهم عظيمة منها الكفار والقرم والماجر وأزاق وسرادق "سوادق" وخوارزم وحضرته السرا وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء الدنيا وعظماؤها، وهم مولانا أمير المؤمنين ظل الله في أرضه إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة أيد الله أمره وأعز نصره1، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراق، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركسان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين، ويكون هذا السلطان إذا سافر في محلة على حدة معه مماليكه وأرباب دولته وتكون كل خاتون من خواتينه على حدة في محلتها وإذا أراد أن يكون عنده واحدة
1 يقصد به السلطان أبا عنان فارس المريني.
منهنّ بعث إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له. وله في محل قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع. ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب مزينة بديعة وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذهب وسطها سرير من خشب مكسو بصفائح الفضة المذهبة وقوائمه فضة خالصة ورؤوسها مرصعة بالجواهر ويقعد السلطان على السرير وعن يمينه الخاتون طيطغلي، وتليها الخاتون كبك، وعلى يساره الخاتون بَيَلُون، وتليها الخاتون أُردجا، ويقف أسفل السرير على اليمين ولد السلطان تين بك، وعن الشمال ولده الثاني جان بك، وتجلس بين يديه ابنته أيت كجك، وإذا أتت إحداهن قام لها السلطان وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير وأما طيطغلي وهي الملكة وأحظاهن عنده فإنه يستقبلها إلى باب القبة فيسلم عليها ويأخذ بيدها فإذا صعدت على السرير وجلست حينئذ يجلس السلطان وهذا كله على أعين الناس دون احتجاب.
ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء فتنصب لهم كراسيهم عن اليمين والشمال وكل إنسان منهم إذا أتى مجلس السلطان يأتي معه غلام بكرسيه ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمه وإخوته وأقاربه ويقف مقابلتهم عند باب القبة أولاد الأمراء الكبار ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وعن شمال ثم يدخل الناس للسلام الأمثل فالأمثل ثلاثة ثلاثة فيسلمون وينصرفون فيجلسون على بعد. فإذا كان بعد صلاة العصر انصرف الملكة من الخواتين ثم ينصرف سائرهن فيتبعها إلى محلتها فإذا دخلت إليها انصرفت كل واحدة إلى محلتها راكبة عربتها ومع كل واحدة نحو خمسين جارية راكبات على الخيل وأمام العربات نحو عشرين من قواعد النساء راكبات على الخيل فيما بين الفتيان والعربة وخلف الجميع نحو مائة مملوك من الصبيان وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار ركباناً ومثلهم مشاة بأيديهم القضبان والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان وهكذا ترتيب كل خاتون منهن في انصرافها ومجيئها. وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك الذي يقع ذكره فيما بعد، وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر، وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء وقد صنع طعاماً كثيراً، وأفطرنا بمحضره وتكلم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد
الحميد والقاضي حمزة في شأني بالخير وأشاروا على السلطان بإكرامي، وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة وإنما يبعثون له الغنم والخيل للذبح وروايا القِمِزّ وتلك كرامتهم. وبعد هذا بأيام صليت صلاة العصر مع السلطان فلما أردت الإنصراف أمرني بالقعود وجاءوا بالطعام والمشروبات كما يصنع من الدوقي ثم باللحوم المسلوقة من الغنم والخيل وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء فجعل إصبعه عليه وجعله على فيه ولم يزد على ذلك.