الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصينية. ووفد عليه مرة رجل خراساني يعرف بأبي الشيخ عبد الرحمن الأسفراييني وكان أبوه نزل بغداد فأعطاه خمسين ألف دينار دراهم وخيلاً وعبيداً وخلعاً وسنذكر كثيراً من أخبار هذا الملك عند ذكر بلاد الهند. وإنما ذكرنا هذا لما قدمناه من أن السلطان أبا إسحاق يريد التشبه به في العطايا وهو أن كان كريما فاضلا فلا يلحق بطبقة ملك الهند في الكرم والسخاء.
بعض المشاهد بشيراز:
منها مشهد أحمد بن موسى أخي علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وهو مشهد معظم عند أهل شيراز يتبركون به ويتوسلون إلى الله تعالى بفضله وبنت عليه طاش خاتون أم السلطان أبي إسحق مدرسة كبيرة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر والقراء يقرأون القرآن على التربة دائما ومن عادة الخاتون أنها تأتي إلى هذا المشهد في كل ليلة اثنين ويجتمع في تلك الليلة القضاة والفقهاء والشرفاء وشيراز من أكثر بلاد الله شرفاء سمعت من الثقات أن الذين لهم بها المرتبات من الشرفاء ألف وأربعمائة ونيف بين صغير وكبير ونقيبهم عضد الدين الحسيني فإذا حضر القوم بالمشهد المذكور ختموا القرآن قراءة في المصاحف وقرأ القراء بالأصوات الحسنة وأتي بالطعام والفواكه والحلواء فإذا أكل القوم وعظ الواعظ ويكون ذلك كله بعد صلاة الظهر إلى العشي والخاتون في غرفة مطلة على المسجد لها شباك ثم تضرب الطبول والأنفار والبوقات على باب التربة كما يفعل عند أبواب الملوك. ومن المشاهد بها مشهد الإمام القطب الولي أبي عبد الله خفيف المعروف عندهم بالشيخ وهو قدوة بلاد فارس كلها ومشهده معظم عندهم يأتون إليهم بكرة وعشيا فيتمسحون به وقد رأيت القاضي مجد الدين أتاه زائراً واستلمه وتأتي الخاتون إلى هذا المسجد في كل ليلة جمعة وعليه زاوية ومدرسة ويجتمع به القضاة والفقهاء ويفعلون به كفعلهم في مشهد أحمد بن موسى وقد حضرت الموضعين جميعاً وتربة الأمير محمد شاه ينجو والد السلطان أبي إسحاق متصلة بهذه التربة والشيخ أبو عبد الله بن خفيف كبير القدر في الأولياء شهير الذكر وهو أظهر طريق جبل سرنديب بجزيرة سيلان من أرض الهند.
ولهذا الشيخ كرامة عظيمة يحكى أنه قصد مرة جبل سرنديب ومعه نحو ثلاثين من الفقراء فأصابتهم مجاعة في طريق الجبل حيث لا عمارة وتاهوا عن الطريق وطلبوا من الشيخ أن يأذن لهم في القبض على بعض الفيلة الصغار وهي في ذلك المحل كثيرة جدا ومنه تحمل إلى حضرة ملك الهند فنهاهم الشيخ عن ذلك فغلب عليهم الجوع فتعدوا قول الشيخ وقبضوا على فيل صغير منها وذكوه وأكلوا لحمه وامتنع الشيخ عن أكله فلما ناموا تلك الليلة اجتمعت الفيلة من كل ناحية وأتت إليهم فكانت تشم الرجل منهم وتقتله حتى أتت على جميعهم وشمت الشيخ ولم تتعرض له وأخذه فيل منها ولف عليه خرطومه ورمى به على ظهره وأتى به الموضع الذي فيه العمارة فلما رآه أهل تلك الناحية عجبوا منه واستقبلوه ليعرفوا أمره فلما قرب منهم أمسكه الفيل بخرطومه ووضعه عن ظهره إلى الأرض بحيث يرونه فجاءوا إليه وتمسكوا به إلى ملكهم فعرفوه خبره وهم كفار وأقام عندهم أياماً وذلك الموضع على خور يسمى خور الخيزران والخور هو النهر. وبذلك الموضع مغاص الجوهر ويذكر أن الشيخ غاص في بعض الأيام بمحضر ملكهم وخرج وقد ضم يديه معاً وقال للملك اختر ما لك في إحداهما فاختار ما في اليمنى فرمى إليه بما فيها وكانت ثلاثة أحجار من الياقوت لا مثل لها وهي عند ملوكهم في التاج يتوارثونها وقد دخلت جزيرة سيلان هذه وهم مقيمون على الكفر إلا أنهم يعظمون فقراء المسلمين ويؤوونهم إلى دورهم ويطعمونهم الطعام ويكونون في بيوتهم وبين أهليهم وأولادهم خلافاً لسائر كفار الهند فإنهم لا يقربون المسلمين ولا يطعمونهم آنيتهم ولا يسقونهم فيها مع أنهم لا يؤذونهم ولا يهجونهم ولقد كنا نضطر إلى أن يطبخ لنا بعضهم اللحم فيأتون به في قدورهم ويقعدون على بعد منا ويأتون بأوراق الموز فيجعلون عليهم الأرز وهو طعامهم ويصبون عليه الكوشال وهو الإدام ويذهبون فنأكل منه وما فضل عليها تأكله الكلاب والطير وإن أكل منها الصغير الذي لا يعقل ضربوه وأطعموه روث البقر وهو الذي يطهر ذلك في زعمهم، ومن المشاهد بها مشهد الشيخ الصالح القطب روزجهان القبلي من كبار الأولياء، وقبره في مسجد جامع يخطب فيه وبذلك الجامع يصلي القاضي مجد الدين الذي تقدم ذكره رضي الله عنه. وبهذا الجامع سمعت عليه كتاب مسند الإمام أبي عبد الله
محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرتنا به وزيرة بنت عمر بن المنجا قالت أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر بن المبارك الزبيدي قال أخبرنا زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي قال أخبرنا أبو الحسن المكي بن محمد بن منصور بن علان العرضي قال أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي عن أبي عباس بن يعقوب الأصم عن الربيع بن سليمان المرادي عن الإمام أبي عبد الله الشافعي. وسمعت أيضاً عن القاضي مجد الدين بهذا الجامع المذكور كتاب مشارق الأنوار للإمام رضي الدين أبي الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصاغاني بحق سماعه له من الشيخ جلال الدين أبي هاشم محمد بن أحمد الهاشمي الكوفي بروايته عن الإمام نظام الدين محمود بن عمر الهراوي عن المصنف، ومن المشاهد بها مشهد الصالح زركوب وعليه زاوية لإطعام الطعام.
وهذه المشاهد كلها بداخل المدينة وكذلك معظم قبور أهلها فإن الرجل منهم يموت ولده أو زوجته فيتخذ له تربة من بعض بيوت داره ويدفنه هناك ويفرش البيت بالحصر والبسط ويجعل الشمع الكثير عند رأس الميت ورجليه ويصنع للبيت بابا إلى ناحية الزقاق وشباك حديد فيدخل منه القراء ويقرأون بالأصوات الحسان وليس في معمور الأرض أحسن أصواتاً بالقرآن من أهل شيراز ويقوم أهل الدار بالتربة ويفرشونها ويوقدون السرج بها فكأن الميت لم يبرح وذكر لي أنهم يطبخون في كل يوم نصيب الميت من الطعام ويتصدقون به عنه.
وقد مررت يوماً ببعض أسواق مدينة شيراز فرأيت بها مسجد متقن البناء جميل الفرش وفيه مصاحف موضوعة في خرائط حرير موضوعة فوق كرسي وفي الجهة الشمالية من المسجد زاوية فيها شباك مفتوح إلى جهة السوق وهنالك شيخ جميل الهيئة واللباس وبين يديه مصحف يقرأ فيه القرآن فسلمت عليه وجلست إليه فسألني عن مقدمي فأخبرته وسألته عن شأن هذا المسجد فأخبرني أنه هو الذي عمره ووقف عليه أوقافا كثيرة للقراء وسواهم وأن تلك الزاوية التي جلست إليه فيها هي موضع قبره أن قضى الله موته بتلك المدينة ثم رفع بسطا كانت تحته والقبر مغطى عليه ألواح خشب وأراني صندوقا كان بإزائه فقال في هذا الصندوق كفني وحنوطي ودراهم كنت استأجرت بها نفسي في بئر
لرجل صالح فدفع لي هذه الدراهم فتركتها لتكون نفقة مواراتي وما فضل منها يتصدق بها فعجبت من شأنه وأردت الانصراف فحلف علي وأضافني بذلك الموضع. ومن المشاهد بخارج شيراز قبر الشيخ الصالح المعروف بالسعدي وكان أشعر أهل زمانه باللسان الفارسي وربما ألمع في كلامه بالعربي وله زاوية كان قد عمرها بذلك الموضع حسنة بداخلها بستان مليح وهي بقرب رأس النهر الكبير المعروف بركن أباد وقد صنع الشيخ هنالك أحواضاً صغاراً من المرمر لغسل الثياب فيخرج الناس من المدينة لزيارته ويأكلون من سماطه ويغسلون ثيابهم بذلك النهر وينصرفون وكذلك فعلت عنده رحمه الله. وبمقربة من هذه الزاوية زاوية أخرى تتصل بها مدرسة مبنية على قبر شمس الدين السماني وكان من الأمراء الفقهاء ودفن هنالك بوصية منه بذلك.
وبمدينة شيراز من الفقهاء الشريف مجد الدين وأمره في الكرم عجيب وربما جاد بكل ما عنده وبالثياب التي كانت عليه ويلبس مرقعة فيدخل عليه كبراء المدينة فيجدونه على تلك الحال فيكسونه ومرتبه في كل يوم من السلطان خمسون ديناراً دراهم. ثم كان خروجي من شيراز برسم زيارة قبر للشيخ الصالح أبو إسحاق الكازروني بكازرون وهي على مسيرة يومين من شيراز فنزلنا أول يوم ببلاد الشول وهم طائفة من الأعاجم يسكنون البرية وفيهم الصالحون.
وحين قعدت ببعض المساجد بشيراز، أتلو كتاب الله عز وجل إثر صلاة الظهر خطر بخاطري أنه لو كان لي مصحف كريم لتلوت فيه فدخل علي في أثناء ذلك شاب وقال لي بكلام قوي خذ فرفعت رأسي إليه فألقى في حجري مصحفاً كريماً وذهب عني فختمته ذلك اليوم قراءة وانتظرته لأرده له فلم يعد إلي فسألت عنه فقيل لي ذلك بهلول الشولي ولم أره بعد ذلك ووصلنا عشي اليوم الثاني إلى كازرون فقصدنا زاوية الشيخ أبي إسحاق نفع الله به وبتنا بها تلك الليلة ومن عادتهم أن يطعموا الوارد كائنا من كان من الهريسة المصنوعة من اللحم والسمن وتؤكل بالرقاق ولا يتركون الوارد عليهم للسفر حتى يقيم الضيافة ثلاثة ويعرض على الشيخ الذي بالزاوية حوائجه ويذكرها الشيخ للفقراء الملازمين للزاوية وهم يزيدون على مائة منهم المتزوجون ومنهم الأعزاب المتجردون فيختمون القرآن ويذكرون الذكر ويدعون له عند ضريح الشيخ أبي إسحاق فتقضى حاجته بإذن الله وهذا الشيخ أبو إسحاق معظم عند أهل