الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما صلينا صلاة العيد دخلنا مع السلطان إلى منزله وحضر الطعام فجُعل للفقهاء والمشايخ والفتيان سماط على حدة، وجُعل للفقراء والمساكين سماط على حدة. ولا يرد على بابه في ذلك اليوم فقير ولا غني وأقمنا بهذه البلدة مدة بسبب مخاوف الطريق، ثم تهيأت رفقة فسافرنا معهم يوماً وبعض ليلة ووصلنا إلى حصن طَوَاس واسمه "بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل"، وهو حصن كبير ويذكر أن صهيباً صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه من أهل هذا الحصن وكان مبيتنا بخارجه، ووصلنا بالغد إلى بابه فسألنا أهله من أعلى السور عن مقدمنا فأخبرناهم. وحينئذ خرج أمير الحصن ميناس1 بك في عسكره ليختبر نواحي الحصن والطريق خوفاً من إغارة السراق على الماشية فلما طافوا بجهاته خرجت مواشيهم وهكذا فعلهم أبداً، ونزلنا من هذا الحصن بربضة في زاوية رجل فقير وبعث إلينا أمير الحصن بضيافة وزاد، وسافرنا منه إلى مُغْلَة "وضبط اسمها بضم الميم وإسكان الغين المعجم وفتح اللام" ونزلنا بزاوية أحد المشايخ بها وكان من الكرماء الفضلاء يكثر الدخول علينا بزاويته لا يدخل إلا بطعام أو فاكهة أو حلواء، ولقينا بهذه البلدة إبراهيم بك ولد سلطان مدينة مِيلاس وسنذكره، فأكرمنا وكسانا. ثم سافرنا إلى مدينة مِيلَاس "وضبط اسمها بكسر الميم وياء مد وآخره سين مهمل" وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه نزلنا بها بزاوية أحد الفتيان الأخية ففعل أضعاف ما فعله قبله من الكرماء منن الضيافة ودخول الحمام وغير ذلك من حميد الأفعال وجميل الأعمال، ولقينا بمدينة ميلاس رجلاً صالحاً معمراً يسمى بأبي الششتري ذكروا أن عمره يزيد على مائة وخمسين سنة وله قوة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيّد دعا لنا وحصلت لنا بركته.
1 في إحدى طبعات الكتاب: إلياس بك.
سلطان ميلاس:
هو السلطان المكرم شجاع الدين أُرْخَان بك ابن المنتشا "وضبط اسمه بضم الهمزة وإسكان الراء وخاء معجم وآخره نون"، وهو من خيار الملوك، حسن
الصور والسيرة، جلساؤه الفقهاء وهم معظمون لديه، وببابه منهم جماعة منهم الفقيه الخوارزمي عارف بالفنون فاضل وكان السلطان في أيام لقائي له واجداً عليه بسبب رحلته إلى مدينة أيا سلوق ووصوله إلى سلطانها وقبوله ما أهداه. فسأل مني هذا الفقيه أن أتكلم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره فأثنيت عليه عند السلطان وذكرت ما علمته من علمه وفضله ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده عليه، وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزودنا. وسكناه في مدينة بَرْجِين وهي قرية من ميلاس بينهما ميلان "وضبط اسمها بفتح الموحدة وإسكان الراء وجيم وياء مد وآخره نون"، وهي جديدة على تل هنالك، بها العمارات الحسان والمساجد، وكان قد بنى بها مسجداً جامعاً لم يتم بناؤه بعد، وبهذه البلد لقيناه ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي علي، ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما قدمناه إلى مدينة قُونِية "وضبط اسمها بضم القاف وواو مد ونون مسكن مكسور وياء آخر الحروف" مدينة حسنة العمارة كثيرة المياه والأنهار والبساتين والفواكه، وبها المشمش المسمى بقمر الدين وقد تقدّم ذكره ويحمل منه أيضا إلى ديار مصر والشام، وشوارعها متسعة جدًّا، وأسواقها بديعة الترتيب وأهل كل صناعة على حدة ويقال أن هذه المدينة من بناء الإسكندر وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان وسنذكره. وقد تغلّب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم. نزلنا بزاوية قاضيها ويعرف بابن قلم شاه وهو من الفتيان وزاويته من أعظم الزوايا وله طائفة كبيرة من التلاميذ ولهم للفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم من صنيع من قبله وأجمل وبعث ولده عوضاً عنه لدخول الحمام معنا، وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا، وكان كبير القدر وبأرض الروم طائفة ينتمون إليه ويعرفون باسمه فيقال لهم الجلالية كما تعرف الأحمدية بالعراق والحديرية بخراسان، وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد.
وقيل إنه في ابتداء أمره فقيهاً مدرسًا يجتمع إليه الطلبة بمدرسته بقونية فدخل يوماً إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء وعلى رأسه طبق منها وهي مقطعة قطعا يبيع القطعة منها بفلس فلما أتى مجلس التدريس قال له الشيخ هات