الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر سلكان أكريدور
…
خبر سلطان أكريدور:
كان سلطانها أبو اسحاق بك بن الداندار بك من كبار سلاطين تلك البلاد، سكن ديار مصر أيام أبيه وحج وله سيرة حسنة. ومن عاداته أنه يأتي كل يوم إلى صلاة العصر بالمسجد الجامع فإذا قضيت صلاة العصر استند إلى جدار القبلة وقعد القراء بين يديه على مصطبة خشب عالية فقرءوا سورة الفتح والملك وعم بأصوات حسان فعالة في النفوس تخشع لها القلوب وتقشعر الجلود وتدمع العيون، ثم ينصرف إلى داره. وأظلنا عنده شهر رمضان فكان يقعد في كل ليلة منه على فراش لاصق بالأرض من غير سرير ويستند إلى مخدة كبيرة، ويجلس الفقيه مصلح الدين إلى جانبه وأجلس إلى جانب الفقيه، ويلينا أرباب دولته وأمراء حضرته، ثم يؤتى بالطعام فيكون أول ما يفطر عليه ثريد في صفحة صغيرة عليه العدس مسقى بالسمن والسكر ويقدمون الثريد تبركاً ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم فضله على سائر الطعام فنحن نبدأ به لتفضيل النبي له ثم يأتي بسائر الأطعمة وهكذا فعلهم في جميع ليالي رمضان.
وتوفي في بعض تلك الأيام ولد السلطان فلم يزيدوا على بكاء الرحمة كما يفعله أهل مصر والشام، خلافاً لما قدمناه من فعل أهل اللور حين مات ولد سلطانهم. فلما دفن أقام السلطان والطلبة ثلاثة أيام يخرجون إلى قبره بعد صلاة الصبح. وثاني يوم من دفنه خرجت مع الناس فرآني السلطان ماشياً على رجلي فبعث لي بفرس واعتذر فلما وصلت المدرسة بعثت الفرس فرده وقال إنما أعطيته لا عارية وبعث إلي بكسوة ودراهم، فانصرفنا إلى مدينة قُلْ حِصار "وضبط اسمها بضم القاف وإسكان اللام ثم جاء مهمل مكسور وصاد مهمل وآخره راء" مدينة صغيرة بها المياه من كل جانب قد نبتت فيها القصب فلا طريق لها إلا طريق كالجسر مهيأ بين القصب والمياه، لا يسع إلا فارساً واحداً، والمدينة على تل في وسط المياه منيعة لا يقدر عليها ونزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخية بها.
خبر سلطان قُلْ حِصار:
كان سلطانها محمد جلبي وجلبي "بجيم معقود ولام مفتوحين وباء
موحدة وياء"، وتفسيره بلسان الروم سيدي، وهو أخو السلطان أبي إسحاق ملك أكريدور، ولما وصلنا بمدينته كان غائبا عنها فأقمنا بها أياماً ثم قدم فأكرمنا وأركبنا وزودنا، وانصرفا على طريق قرا "بفتح القاف" وتفسيره أسود، "وأغاج بفتح الهمزة والغين المعجم وآخره جيم" تفسيره الخشب. وهي صحراء خضراء يسكنها التركمان، وبعث معنا السلطان فرساناً يبلغوننا إلى مدينة لاذق بسبب أن هذه الصحراء يقطع فيها الطريق طائفة يقال لهم الجرميان يذكر أنهم من ذرية يزيد بن معاوية ولهم مدينة يقال لها كوتاهية فعصمنا الله منهم، ووصلنا إلى مدينة لاذق "وهي بكسر الذال المعجم وبعده قاف" وتسمى أيضاً دون غزله وتفسيره بلد الخنازير، وهي من أبدع المدن وأضخمها وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة ولها البساتين الرائقة والأنهار المطردة والعيون المنبعة وأسواقها حسان وتصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثيل لها تطول أعمارها لصحة قطنها وقوة غزلها وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها وأكثر الصناع بها نساء الروم وبها من الروم كثير تحت الذمة وعليهم وظائف للسلطان من الجزية وسواها، وعلامة الروم بها القلانس الطوال، منها الحمر والبيض، ونساء الروم لهن عمائم كبار وأهل هذه المدينة لا يغيرون المنكر، بل كذلك أهل هذا الإقليم كلهم وهم يشترون الجواري الروميات الحسان ويتركونهن للفساد، وكل واحدة عليها وظيف لمالكها توديه له.
وسمعت هنالك أن الجواري يدخلن الحمام مع الرجال فمن أراد الفساد فعل ذلك بالحمام من غير منكر عليه. وذكر لي أن القاضي بها له جواري على هذه الصورة وعند دخولنا لهذه المدينة ومرورنا بإحدى أسواقها تقدم إلينا رجال من حوانيتهم وأخذوا بأعنة الخيل ونازعهم آخرون حتى سل بعضهم السكاكين على بعض ونحن لا نعلم ما يقولون فخفنا منهم وظننا أنهم الجرميان الذين يقطعون الطرق وأن تلك مدينتهم وحسبنا أنهم يريدون نهبنا. ثم بعث الله لنا رجلاً حاجاً يعرف اللسان العربي فسألته عن مرادهم منا. فقال: إنهم من الفتيان، وإنّ الذين سبقوا إلينا أولاً هم أصحاب الفتى أخي سنان، والآخرون أصحاب الفتى أخي طومان، وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم. فعجبنا من كرم نفوسهم. ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة، فمن كانت قرعته نزلنا عنده أولاً، فوقعت قرعة أخي سنان وبلغه ذلك، فأتى إلينا في جماعة من أصحابه فسلموا علينا ونزلنا