الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن في بيعة العقبة الثالثة
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم مجنّة وعكاظ وفي المواسم بمنى يقول: «من يؤويني؟ ومن ينصرني؟ حتى أبلّغ رسالات ربي وله الجنة» ، فلا يجد أبدا أحدا يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليرحل من مضر أو اليمن، فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمضي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بأصابعهم، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم تبق دار من دور يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام. ثم بعثنا الله تعالى فأتمرنا واجتمعنا فقلنا:
متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده، فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله، لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» .
«فقمنا نبايعه، فأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا فقال: رويدا يا أهل يثرب. فإنا لم نضرب إليه أكباد المطيّ إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عضّ السيوف إذا مسّتكم وعلى قتل خياركم وعلى مفارقة العرب كافّة، فخذوه، وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو أعذر لكم عند الله.
فقلنا: ابسط يدك يا أسعد بن زرارة، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها. فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه ويعطينا على ذلك الجنة» ، رواه الإمام أحمد والبيهقي.
وروى ابن إسحاق عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: «خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين وقد صلّينا وفقهنا، ومعنا البراء بن معرور سيّدنا وكبيرنا- زاد الحاكم- وكنا خمسمائة، حتى إذا كنا بظاهر البيداء قال: يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا، وو الله ما أدري أتوافقونني عليه أم لا. فقلنا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت ألّا أدع هذه البنيّة منّي بظهر- يعني الكعبة- وأن أصلّي إليها. قال: فقلنا: والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إني لمصلّ إليها. فقلنا له: لكنّا لا نفعل. قال فكنّا إذا حضرت الصلاة صلّينا
إلى الشام وصلّى هو إلى الكعبة حتى قدمنا مكة وقد كنّا عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك فلما قدمنا مكة قال لي: يا ابن أخي، انطلق بنا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم حتى أسأله عما صنعت. في سفري هذا، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه. قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا لا نعرفه لم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفانه؟ فقلنا: لا. قال: فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمّه؟ قلنا: نعم. وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا.
قال: فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس. قال: فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه. فسلّمنا ثم جلسنا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس:
«هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟» قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشاعر؟» قال: نعم. فقال البراء بن معرور: يا نبي الله، إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله تعالى للإسلام فرأيت ألاّ أجعل هذه البنيّة منّي بظهر فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء، فماذا ترى يا رسول الله؟ قال:«قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» . قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلّى معنا إلى الشام. قال: وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم.
قال ابن هشام: وقال عون بن أيوب الأنصاري:
ومنّا المصلّي أوّل النّاس مقبلا
…
على كعبة الرّحمن بين المشاعر [ (1) ]
يعني البراء بن معرور [ (2) ] . قال كعب: ثم خرجنا إلى الحجّ وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق- زاد ابن سعد- «ليلة النّفر الأول [إذا هدأت الرّجل] أن يوافوه في الشّعب الأيمن إذا انحدروا من منى بأسفل العقبة حيث المسجد الحرام اليوم، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا» . [قال] : فلما فرغنا من الحجّ وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، سيّد من ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر إنك سيّد من سادتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم
[ (1) ] البيت في الروض الأنف 2/ 189.
[ (2) ] البراء بن معرور بن صخر بن سابق بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عليّ بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري الخزرجي السلمي.. أبو بشر قال موسى بن عقبة عن الزهري:
كان من النفر الذين بايعوا البيعة الأولى بالعقبة وهو أول من بايع في قول ابن إسحاق وأول من استقبل القبلة وأول من أوصى بثلث ماله وهو أحد النقباء. الإصابة 1/ 149.
دعوناه إلى الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيّانا العقبة. قال: فأسلم وشهد معنا العقبة [وكان نقيبا] .
[قال] : فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلّل تسلّل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة [ (1) ] بنت كعب، أمّ عمارة، إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو [ (2) ] بن عديّ [بن نابي، إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع] . فاجتمعنا في الشّعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن سعد وأبو معشر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقهم وانتظرهم- حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثّق له.
فلما جلس كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب فقال: «يا معشر الخزرج، - قال:
وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها وأوسها- إن محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزّ من قومه ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممّن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزّ ومنعة من قومه وبلده. وروى الإمام أحمد عن الشعبي عن أبي مسعود البدري [ (3) ] رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمّه العباس إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة فقال: «ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا، وإن يعلموا بكم يفضحوكم» . فقلنا «قد سمعنا ما قلت فتكلّم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما أحببت» .
قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغّب في الإسلام، ثم قال:
«أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» . قال: فأخذ البراء بن معرور
[ (1) ] نسيبة بفتح النون أيضا بنت كعب بن عمرو بن عوف بن عمرو بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصارية أم عمارة مشهورة بكنيتها واسمها معا. الإصابة 8/ 198.
[ (2) ] أسماء بنت عمرو بن عدي بن ياسر بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارية السلمية أم معاذ بن جبل وكنيتها أم منيع.. ذكر ابن إسحاق بسند صحيح عن كعب بن مالك أنها كانت مع من شهد العقبة مع السبعين هي نسيبة بنت كعب وقال في التجريد وقيل: هي أسماء بنت عدي بن عمرو. الإصابة 8/ 8.
[ (3) ] عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة: - بفتح الهمزة وكسر المهملة- ابن عطية بن جدارة بجيم- ابن عوف بن الخزرج الأنصاري البدري أبو مسعود. عدّه فيمن شهد بدرا البخاري تبعا لابن شهاب والحكم بن عتيبة وابن إسحاق. وقال سعيد بن إبراهيم: لم يشهدها. له مائة وحديثان، اتفقا على تسعة، وانفرد (خ) بحديث، و (م) بسبعة. وعنه ابن بشير وأبو وائل وقيس بن أبي حازم. قال الهيثم: مات سنة أربعين. وقيل: بعد سنة ثلاثين بسنة أو سنتين.
بيده، ثم قال:«نعم فوالله الذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر» . قال: فاعترض القول، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الهيثم بن التيهان، فقال:«يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها- يعني اليهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟» قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم
قال: «بل الدّم الدّم والهدم الهدم»
أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم- «أنا منكم وأنتم منّي أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» .
قال كعب: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم» .
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس:
فمن الخزرج: أبو أمامة أسعد بن زرارة نقيب بني النّجّار. ورافع بن مالك بن العجلان نقيب بني زريق، وسعد بن الرّبيع، بفتح الراء، وعبد الله بن رواحة نقيب بني الحارث بن الخزرج وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو نقيب بني ساعدة والبراء بن معرور- بالعين المهملة وعبد الله بن عمرو بن حرام وعبادة بن الصامت. ومن الأوس: أسيد بن حضير- بالحاء المهملة والضاد المعجمة- نقيب بني عبد الأشهل ورفاعة بن عبد المنذر وسعد بن خيثمة نقيبا بني عمرو بن عوف.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنّقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي»
- يعني المسلمين. قالوا: نعم. قال ابن هشام: وأهل العلم يعدّون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولا يعدون رفاعة.
وروى البيهقي عن الإمام مالك رضي الله عنه قال: حدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من يجعله نقيبا ليلة العقبة. قال مالك: وكنت أعجب كيف جاء هذا؟ رجلان من قبيلة ورجل من أخرى، حتى حدّثت بهذا الحديث: أن جبريل هو الذي ولّاهم وأنه أشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أبو نعيم عن ابن عمر قال: «لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم النقباء قال: لا يجد امرؤ في نفسه شيئا إنما أخذ من أشار إليه جبريل» وروى أنه صلى الله عليه وسلم نقب على النقباء أسعد بن زرارة فلما توفي أسعد والمسجد يبنى اجتمع بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يجعل منهم شخصا نقيبا عليهم، فقال:«أنتم أخوالي وأنا نقيبكم» [ (1) ] وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصّ بها بعضهم دون بعض قال السهيلي: «وإنما
[ (1) ] ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 229.
جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر نقيبا اقتداء بقول الله تعالى في قوم موسى وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] .
وقال كعب بن مالك يذكرهم فيما رواه ابن هشام عن أبي زيد [الأنصاري] :
فأبلغ أبيّا أنّه فال [ (1) ] رأيه
…
وحان غداة الشّعب والحين واقع
أبى الله ما منّتك نفسك إنّه
…
بمرصاد أمر النّاس راء وسامع
وأبلغ أبا سفيان إن قد بدا لنا
…
بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترعين في حشد أمر تريده
…
وألّب وجمّع كلّ ما أنت جامع
ودونك فاعلم أنّ نقض عهودنا
…
أباه عليك الرّهط حين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما
…
وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه السّاعديّ ومنذر
…
لأنفك إن حاولت ذلك جادع [ (2) ]
وما ابن ربيع إن تناولت عهده
…
بمسلمه لا يطمعن ثمّ طامع
وأيضا فلا يعطيكه ابن رواحة
…
وإخفاره من دونه السّمّ ناقع
وفاء به والقوقلي ابن صامت
…
بمندوحة عمّا تحاول يافع
أبو هيثم أيضا وفي بمثلها
…
وفاء بما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع
…
فهل أنت عن أحموقة الغيّ نازع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنّه
…
ضروح لما حاولت ملأمر مانع
أولاك نجوم لا يغبّك منهم
…
عليك بنحس في دجى اللّيل طالع
فذكر كعب فيهم أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة. قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: «يا معشر الخزرج، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟» قالوا: نعم. قال: «إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم تريدون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وإن كنتم تريدون أنكم وافون له بما عاهدتموه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة» . قالوا: «فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله» ؟ قال: «الجنة» . قالوا: ابسط يدك. فبسط يده، فبايعوه.
فأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال: «والله ما قال ذلك العباس إلا ليشدّ العقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[ (1) ] فال رأيه: وفيولا: أخطأ وضعف. انظر المعجم الوسيط 2/ 715.
[ (2) ] انظر الروض الأنف 2/ 190، 191.
في أعناقهم» . وأما عبد الله بن أبي بكر فقال: «ما قال ذلك العباس إلا ليؤخّر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبيّ بن سلول فيكون أقوى لأمر القوم» ، فالله أعلم أي ذلك كان، قال ابن إسحاق:«وبنو النّجّار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو عبد الأشهل يقولون: «بل أبو الهيثم بن التيهان» .
وفي حديث كعب بن مالك قال: «كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، البراء بن معرور، ثم بايع بعد القوم، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قطّ: يا أهل الجباجب: هل لكم في مذمّم والصّبّاء معه قد اجتمعوا على حربكم؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أزيب، استمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفضوا إلى رحالكم» . فقال هل العباس بن عبادة ابن نضلة، «والله الّذي بعثك بالحق إن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم» . فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها [حتى أصبحنا] .
وذكر سليمان بن طرخان التّيميّ في كتاب السّير له أن إبليس لعنه الله، لمّا أسلم من أسلم من الأنصار صاح ببنيه بين الحجّاج:«إن كان لكم بمحمد حاجة فأتوه بمكان كذا وكذا فقد حالفه الذين يسكنون يثرب» . قال: «ونزل جبريل فلم يبصره من القوم أحد، واجتمع الملأ من قريش عند صرخة إبليس، فعظم الأمر بين المشركين والأنصار حتى كاد أن يكون بينهم قتال: ثم إن أبا جهل كره القتال في تلك الأيام فقال: يا معشر الأوس والخزرج أنتم إخواننا وقد أتيتم أمرا عظيما، تريدون أن تغلبونا على صاحبنا، فقال له حارثة بن النعمان: نعم وأنفك راغم، والله لو نعلم أنه من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجك أيضا لأخرجناك. فقال أبو جهل: نعرض عليكم أن نلحق بكم من أصحاب محمد من شاء بعد ثلاثة أشهر، ونعطيكم ميثاقا ترضون به أنتم ومحمد لا نحبسه بعد ذلك. فقالت الأنصار: «نعم إذا رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فذكر الحديث.
وقال كعب في حديثه: فقالوا: «يا معشر الخزرج، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا لتخرجوه من بين أظهرنا وتبايعوه على حربنا، وإنه والله ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم» . قال: فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه. وقد صدقوا لم يعلموه. قال: وبعضنا ينظر إلى بعض. قال: ثم قام القوم وفيهم الحرث بن هشام بن المغيرة المخزومي- وأسلم بعد ذلك- وعليه نعلان جديدان. قال: فقلت له كلمة كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيّد من ساداتنا مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ قال: فسمعها
الحرث فخلعهما من رجليه، ثم رمى بهما إليّ، فقال: والله لتنتعلنّهما. قال: يقول أبو جابر:
[مه] أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه. قال: قلت: لا والله لا أردهما، فأل والله صالح، لئن صدق الفأل لأسلبنّه» . قال ابن إسحاق: «وحدثني عبد الله بن أبي بكر: أنهم أتوا عبد الله بن أبيّ بن سلول فقالوا له مثل ما ذكر كعب من القول، فقال لهم: والله إن هذا لأمر جسيم ما كان قومي ليتفوتوا عليّ بمثل هذا وما علمته. قال: فانصرفوا عنه. قال: ونفر الناس من منى، فتنطّس القوم الخبر، فوجدوه قد كان. وخرجوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر، والمنذر بن عمرو، وكلاهما كان نقيبا. فأما المنذر فأعجز القوم، وأما سعد فأخذوه فربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمّته وكان ذا جمّة وشعر كثير. قال سعد: فو الله إني لفي أيديهم إذ طلع عليّ نفر من قريش فيهم رجل وضيء أبيض شعشاع حلو من الرجال.
قال: قلت في نفسي: إن يك عند أحد من القوم خير فعند هذا. قال: فلما دنا منّي رفع يده فلطمني لطمة شديدة- قال ابن هشام: هو سهيل بن عمرو، قلت: وأسلم بعد ذلك- قال:
فقلت في نفسي: لا والله ما عندهم بعد هذا خير. قال: فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذا أوى إلى رجل ممن كان معهم- قال ابن هشام: هو أبو البختريّ بن هشام، قلت: ومات كافرا- فقال: ويحك: أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد؟ قال: قلت: بلى والله ولقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عديّ تجارة، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي، وللحرث بن حرب بن أمية. قال: ويحك، فاهتف باسم الرجلين، واذكر ما بينك وبينهما. قال: ففعلت وخرج ذلك الرجل إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما: إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ليهتف بكما ويذكر أن بينه وبينكما جوارا. قالا: ومن هو؟ قال: سعد بن عبادة. قالا: صدق والله إن كان ليجير لنا تجارنا ويمنعهم أن يظلموا ببلده. قال: فجاء فخلّصا سعدا من أيديهم، فانطلق.
قال ابن إسحاق: وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر- قلت: وأسلم بعد ذلك.
تداركت سعدا عنوة فأخذته
…
وكان شفاء لو تداركت منذرا
ولو نلته طلّت هناك جراحه
…
وكان حرّيا أن يهان ويهدرا [ (1) ]
قال ابن هشام: ويروى: «وكان حقيقا أن يهان ويهدرا» ، قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال:
[ (1) ] انظر ديوان حسان 116.