المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنبيه الحادي والخمسون: - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد - جـ ٣

[الصالحي الشامي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌جماع أبواب معراجه صلى الله عليه وسلم

- ‌الكلام على هذه الآية من وجوه:

- ‌الأول: في سبب نزولها:

- ‌الثاني: في وجه اتصال هذه السورة بما قبلها:

- ‌الثالث: في حكمة استفتاحها بالتسبيح:

- ‌الرابع: في الكلام على سبحان الله:

- ‌الخامس: في الكلام على «أسرى» :

- ‌السادس: في الكلام على العبد:

- ‌السابع: في الكلام على قوله تعالى: «ليلا»

- ‌الثامن: في الكلام على قوله تعالى (من المسجد الحرام) :

- ‌التاسع: في الكلام على قوله: الحرام

- ‌العاشر: في الكلام على الأقصى

- ‌الباب الثاني في تفسير أول سورة النجم

- ‌الكلام على هذه الآيات من وجوه:

- ‌الأول: في سبب نزولها

- ‌الثاني: في مناسبة هذه السورة لما قبلها:

- ‌الثالث: في الكلام على القسم الواقع هنا

- ‌الخامس: في الكلام على «هوى» :

- ‌الثامن عشر: في الكلام على السّدرة وإضافتها إلى المنتهى

- ‌الباب الثالث في اختلاف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه تبارك وتعالى ليلة المعراج

- ‌ذكر أدلة القول الأول

- ‌تنبيهات

- ‌ذكر أدلة القول الثاني

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في أي زمان ومكان وقع الإسراء

- ‌الباب الخامس في كيفية الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تكررّ أم لا

- ‌الفصل الثاني: في تكرره:

- ‌شرح غريب ما سبق

- ‌الباب السادس في دفع شبهة أهل الزّيغ في استحالة المعراج

- ‌الباب السابع في أسماء الصحابة الذين رووا القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الثامن في سياق القصة

- ‌الباب التاسع في تنبيهات على بعض فوائد تتعلق بقصة المعراج

- ‌الأول:

- ‌الثاني:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع:

- ‌الخامس:

- ‌الأولى:

- ‌الفائدة الثانية:

- ‌الفائدة الثالثة:

- ‌التنبيه السادس:

- ‌التنبيه السابع:

- ‌التنبيه الثامن:

- ‌التنبيه التاسع:

- ‌التنبيه العاشر:

- ‌التنبيه الحادي عشر:

- ‌التنبيه الثاني عشر:

- ‌التنبيه الثالث عشر:

- ‌التنبيه الرابع عشر:

- ‌التنبيه الخامس عشر:

- ‌التنبيه السادس عشر:

- ‌التنبيه السابع عشر:

- ‌التنبيه الثامن عشر:

- ‌التنبيه التاسع عشر:

- ‌التنبيه العشرون:

- ‌التنبيه الحادي والعشرون:

- ‌التنبيه الثاني والعشرون:

- ‌التنبيه الثالث والعشرون:

- ‌التنبيه الرابع والعشرون:

- ‌التنبيه الخامس والعشرون:

- ‌التنبيه السادس والعشرون:

- ‌التنبيه السابع والعشرون:

- ‌التنبيه الثامن والعشرون:

- ‌التنبيه التاسع والعشرون:

- ‌التنبيه الثلاثون:

- ‌شرح الغريب

- ‌التنبيه الحادي والثلاثون:

- ‌التنبيه الثاني والثلاثون:

- ‌التنبيه الثالث والثلاثون:

- ‌التنبيه الرابع والثلاثون:

- ‌التنبيه الخامس والثلاثون:

- ‌التنبيه السادس والثلاثون:

- ‌التنبيه السابع والثلاثون:

- ‌التنبيه الثامن والثلاثون:

- ‌التنبيه التاسع والثلاثون:

- ‌التنبيه الأربعون:

- ‌التنبيه الحادي والأربعون:

- ‌التنبيه الثاني والأربعون:

- ‌التنبيه الثالث والأربعون:

- ‌التنبيه الرابع والأربعون:

- ‌التنبيه الخامس والأربعون:

- ‌التنبيه السادس والأربعون:

- ‌التنبيه السابع والأربعون:

- ‌التنبيه الثامن والأربعون:

- ‌التنبيه التاسع والأربعون:

- ‌التنبيه الخمسون:

- ‌التنبيه الحادي والخمسون:

- ‌التنبيه الثاني والخمسون:

- ‌التنبيه الثالث والخمسون:

- ‌التنبيه الرابع والخمسون:

- ‌التنبيه الخامس والخمسون:

- ‌التنبيه السادس والخمسون:

- ‌التنبيه السابع والخمسون:

- ‌التنبيه الثامن والخمسون:

- ‌التنبيه التاسع والخمسون:

- ‌التنبيه الستون:

- ‌التنبيه الحادي والستون:

- ‌التنبيه الثاني والستون:

- ‌التنبيه الثالث والستون:

- ‌التنبيه الرابع والستون:

- ‌التنبيه الخامس والستون:

- ‌التنبيه السادس والستون:

- ‌التنبيه السابع والستون:

- ‌التنبيه الثامن والستون:

- ‌التنبيه التاسع والستون:

- ‌التنبيه السبعون:

- ‌التنبيه الحادي والسبعون:

- ‌التنبيه الثاني والسبعون:

- ‌التنبيه الثالث والسبعون:

- ‌التنبيه الرابع والسبعون:

- ‌التنبيه الخامس والسبعون:

- ‌التنبيه السادس والسبعون:

- ‌التنبيه السابع والسبعون:

- ‌التنبيه الثامن والسبعون:

- ‌التنبيه التاسع والسبعون:

- ‌التنبيه الثمانون:

- ‌التنبيه الحادي والثمانون:

- ‌التنبيه الثاني والثمانون:

- ‌التنبيه الثالث والثمانون:

- ‌التنبيه الرابع والثمانون:

- ‌التنبيه الخامس والثمانون:

- ‌التنبيه السادس والثمانون:

- ‌التنبيه السابع والثمانون:

- ‌التنبيه الثامن والثمانون:

- ‌التنبيه التاسع والثمانون:

- ‌التنبيه التسعون:

- ‌التنبيه الحادي والتسعون:

- ‌التنبيه الثاني والتسعون:

- ‌التنبيه الثالث والتسعون:

- ‌التنبيه الرابع والتسعون:

- ‌التنبيه الخامس والتسعون:

- ‌التنبيه السادس والتسعون:

- ‌التنبيه السابع والتسعون:

- ‌التنبيه الثامن والتسعون:

- ‌التنبيه التاسع والتسعون:

- ‌التنبيه الموفي مائة:

- ‌التنبيه الحادي والمائة:

- ‌التنبيه الثاني والمائة:

- ‌التنبيه الثالث والمائة:

- ‌التنبيه الرابع والمائة:

- ‌التنبيه الخامس والمائة:

- ‌التنبيه السادس والمائة:

- ‌التنبيه السابع والمائة:

- ‌التنبيه الثامن والمائة:

- ‌التنبيه التاسع والمائة:

- ‌التنبيه العاشر والمائة:

- ‌التنبيه الحادي عشر والمائة:

- ‌الباب العاشر في صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وكيف فرضت الصلاة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب بدء إسلام الأنصار

- ‌الباب الأول في نسبهم

- ‌الباب الثاني في فضلهم وحبهم والوصية بهم والتجاوز عن مُسيئهم والنهي عن بغضهم

- ‌الباب الثالث في بدء إسلامهم رضي الله عنهم

- ‌بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الرابع في ذكر يوم بُعَاث

- ‌الباب الخامس في بيعة العقبة الأولى

- ‌الباب السادس في بيعة العقبة الثانية

- ‌الباب السابع في إسلام سعد بن معاذ وأُسيد بن حضير رضي الله تعالى عنهما

- ‌الباب الثامن في بيعة العقبة الثالثة

- ‌تنبيهات

- ‌شرح أبيات كعب بن مالك [الأنصاري]

- ‌شرح ما جاء في بيعة العقبة

- ‌شرح أبيات ضرار بن الخطاب وحسان بن ثابت

- ‌الباب التاسع في إسلام عمرو بن الجموح بفتح الجيم وبالحاء المهملة رضي الله تعالى عنه

- ‌تنبيهان

- ‌جماع أبواب الهجرة إلى المدينة الشريفة

- ‌الباب الأول في إذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في سبب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وكفاية الله تعالى رسوله مكر المشركين حين أرادوا ما أرادوا

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في قدر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ورؤياه الأرض التي يهاجر إليها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الرابع في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات

- ‌قصة أم معبد رضي الله عنها

- ‌قصّة سراقة رضي الله عنه

- ‌تنبيهات

- ‌شرح قصة أم معبد رضي الله عنها

- ‌شرح شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه

- ‌شرح قصة سراقة بن مالك رضي الله عنه

- ‌الباب الخامس في تلقّي أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء وتأسيس مسجد قباء

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وما آلت إليه وفرح أهل المدينة برسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌جماع أبواب بعض فضائل المدينة الشريفة

- ‌الباب الأول في بدء شأنها

- ‌تنبيه: في بيان غريب ما سبق

- ‌الباب الثاني في أسماء المدينة مرتبة على حروف المعجم

- ‌الباب الثالث في النهي عن تسميتها يثرب

- ‌الباب الرابع في محبته صلى الله عليه وسلم لها ودعائه لها ولأهلها ورفع الوباء عنها بدعائه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في عصمتها من الدجال والطاعون ببركته صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في الحث على الإقامة والموت بها والصبر على لأوائها ونفيها الخبث والذنوب واتخاذ الأصول بها والنهي عن هدم بنيانها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السابع في وعيد من أحدث بها حدثا أو آوى محدثاً أو أرادها وأهلها بسوء أو أخافهم والوصية بهم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثامن في تفضيلها على البلاد لحوله صلى الله عليه وسلم فيها

- ‌الباب التاسع في تحريمها

- ‌تنبيهات

- ‌الباب العاشر في ذكر بعض خصائصها

- ‌جماع أبواب بعض حوادث من السنة الأولى والثانية من الهجرة

- ‌الباب الأول في صلاته صلى الله عليه وسلم الجمعة ببني سالم بن عوف

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثاني في بناء مسجده الأعظم وبعض ما وقع في ذلك من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث في بنائه صلى الله عليه وسلم حجر نسائه رضي الله عنهن

- ‌تنبيهان

- ‌الباب الرابع في بدء الأذان وبعض ما وقع فيه من الآيات

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في مؤاخاته صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في قصة تحويل القبلة

- ‌تنبيهات

- ‌جماع أبواب بعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود والمنافقين ونزول صدر من سورة البقرة وغيره من القرآن في ذلك

- ‌الباب الأول في أخذ الله سبحانه وتعالى العهد عليهم في كتبهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، إذا جاءهم، واعتراف جماعة منهم بنبوته، ثم كفر كثير منهم بغيا وعنادا

- ‌الباب الثاني في إسلام عبد الله بن سلام بن الحارث أبي يوسف

- ‌الباب الثالث في موادعته صلى الله عليه وسلم اليهود، وكتبه بينه وبينهم كتاباً بذلك، ونصبهم العداوة له ولأصحابه حسداً وعدواناً، ونقضهم للعهد

- ‌الباب الرابع في سؤال اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الخامس في تحيّرهم في مدة مكث هذه الأمة لمّا سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور

- ‌تنبيهات

- ‌الباب السادس في سبب نزول سورة الإخلاص

- ‌الباب السابع في إرادة شأس بن قيس إيقاع الفتنة بين الأوس والخزرج لما رأى كلمتهم مجتمعة

- ‌الباب التاسع في سؤالهم عن أشياء لا يعرفها إلا نبي وجوابه لهم وتصديقهم إياه بأنه أصاب وتمرّدهم عن الإيمان به

- ‌الباب العاشر في رجوعهم إليه صلى الله عليه وسلم في عقوبة الزاني وما ظهر في ذلك من كتمانهم ما أنزل الله عز وجل في التوراة من حكمه وصفة نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌الباب الحادي عشر في سؤاله لهم أن يتمنّوا الموت إن كانوا صادقين في دعاوى ادّعوها

- ‌الباب الثاني عشر في سحرهم إيّاه صلى الله عليه وسلم

- ‌تنبيهات

- ‌الباب الثالث عشر في معرفة بعض طغاة المنافقين الذين انضافوا إلى اليهود وبعض أمور دارت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم

- ‌تنبيهات

الفصل: ‌التنبيه الحادي والخمسون:

قال ابن أبي جمرة: «وإنما كان إبراهيم في السماء السابعة لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقائه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى» .

وقال ابن دحية: «مناسبة لقائه لإبراهيم عليه السلام في السماء السابعة إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة القضاء في السنة السابعة من الهجرة، ودخل مكة وأصحابه ملبّين معتمرين محييا لسنّة إبراهيم ومقيما لرسمه الذي كانت الجاهلية أماتت ذكره وبدّلت أمره. وفي بعض الطرق أنه رأى إبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة، وذلك- والله أعلم- إشارة إلى أنه يطوف بالكعبة في السنة السابعة وهي أول دخلة دخل فيها مكة بعد الهجرة. والكعبة في الأرض قبالة البيت المعمور. وفي

قوله صلى الله عليه وسلم في وصف البيت المعمور: «فإذا هو يدخله كل يوم سبعون/ ألفا لا يرجعون إليه إلى آخر الدهر إشارة إلى أنه إذا دخل البيت الحرام لا يرجع إليه لأنه لم يدخله بعد الهجرة إلا عام الفتح ولم يعاوده في حجة الوداع.

‌التنبيه الخمسون:

فإن قيل كيف أمّ الأنبياء في بيت المقدس وسلّم عليهم وعرفهم ثم سأل عنهم ثم يراهم تلك الليلة في السموات ويسأل عنهم جبريل؟ فإنه لو رآهم وعرفهم لما احتاج إلى سؤال جبريل عنهم. والجواب أنه لما اجتمع بهم ببيت المقدس وأمّهم على الهيئة البشرية تحقق وجودهم في الأرض، ثم لما وصل إلى الملكوت العلوي لم يجدهم على تلك الحالة التي شاهدهم عليها، وإنما هم على صفات روحانية يشكّل الله تعالى لهم أشكالا لائقة بالملكوت العلوي تأنيسا لهم بأصلهم البشري وتكريما لهم وتعظيما للقدرة الإلهية حيث شاهدهم تلك الساعة في الأرض ثم رآهم في منازلهم في السماء، فلذلك سأل عنهم استثباتا لا تعجبا، فإنه عالم أن الله تعالى الذي أصعده إلى هذا المكان في لحظة قادر على نقلهم إلى السموات في أسرع من طرفة عين سبحانه وتعالى.

‌التنبيه الحادي والخمسون:

استشكل رؤية الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في السموات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم في الأرض. وأجيب بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا وتكريما ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عند البيهقي وغيره:«وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء» .

وقال ابن أبي جمرة: «رؤيته لهؤلاء الأنبياء تحتمل وجوها: الأول: أن يكون عليه السلام عاين كل واحد منهم في قبره في الأرض على الصورة التي أخبر بها عن الموضع الذي عاينه فيه فيكون الله عز وجل قد أعطاه من القوة في البصر والبصيرة ما أدرك به ذلك. ويشهد لهذا الوجه

قوله صلى الله عليه وسلم: «رأيت الجنة والنار في عرض الحائط» .

وهو محتمل لوجهين أحدهما: أن

ص: 131

يكون صلى الله عليه وسلم رآهما من ذلك الموضع كما يقال رأيت الهلال من منزلي من الطاق والمراد من موضع الطاق، الوجه الثاني: أن يكون مثّل له صورتهما في عرض الحائط، والقدرة صالحة لكليهما. الثاني: أن يكون صلى الله عليه وسلم عاين أرواحهم هناك في صورهم. الثالث: أن يكون الله عز وجل لما أراد الإسراء بنبينا رفعهم من قبورهم لتلك المواضع إكراما لنبيه عليه السلام وتعظيما له حتى يحصل له من قبلهم ما أشرنا إليه من الأنس والبشارة وغير ذلك مما لم نشر إليه ولا نعلمه نحن، وإظهارا له عليه الصلاة والسلام القدرة التي لا يغلبها شيء ولا تعجز عن شيء وكل هذه الأوجه محتملة ولا ترجيح لأحدها على الآخر لأن القدرة صالحة لكلها.

وقال ابن القيم في كتاب الروح «الأرواح قسمان: أرواح معذّبة وأرواح منعّمة، فالمعذّبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي. والأرواح المنعّمة المرسلة غير المحبوسة تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح معها رفيقها الذي هو على مثل عملها. وروح نبينا صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى. قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] وهذه المعيّة ثابتة في الدنيا وفي دار البرزخ وفي دار الجزاء والمرء مع من أحب.

ثم ذكر حديث أبي هريرة: «لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة» . الحديث. قال: فهذا نص في تذاكر الأرواح العلم، وقد أخبر الله تعالى عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وأنهم يستبشرون بنعمة من الله وفضل هذا يدل على تلاقيهم من ثلاثة أوجه: أحدها أنهم أحياء عند الله وإذا كانوا أحياء عند الله فهم يتلاقون.

الثاني: أنهم إنما يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم ولقائهم لهم. الثالث: أن لفظ يستبشرون يفيد في اللغة أنهم يبشّر بعضهم بعضا مثل يتباشرون وقد تواترت المرائي بذلك فذكر عدة منامات. ثم قال: وقد جاءت سنّة صريحة بتلاقي الأرواح وتعارفها. قال ابن أبي الدنيا:

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ أنبأنا الفضيل بن سليمان النميري حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي أنيسة عن جده قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور- بمهملات- وجدت أم بشر عليه وجدا شديدا، فقالت: يا رسول الله أنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة، فهل يتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نعم والذي نفسي بيده يا أم بشر، إنهم ليتعارفون كما يتعارف الطير في رؤوس الشجر» .

وذكر الحديث وآثارا تؤيد ذلك، ثم قال: «والروح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل قد ذكرناها في كتابنا: معرفة الروح والنفس، وبيّنّا بطلان ما خالف هذا القول من وجوه كثيرة، وأن من قال

ص: 132

غيره لم يعرف نفسه وقد وصفها الله تعالى بالدخول والخروج، والقبض والتّوفيّ والرجوع، وصعودها السماء وفتح أبوابها وغلقها عنها، وقد ذكرت آيات وأحاديث كثيرة تشهد بما قاله» .

ثم قال: «وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن رؤية الأنبياء ليلة الإسراء به، فقد زعم بعض أهل الحديث أن الذي رآه أشباحهم وأرواحهم. قال: فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون. وقد رأى المصطفى إبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور ورأى موسى قائما في قبره يصلي، وقد نعت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لما رآهم بنعت الأشباح» .

ونازعهم آخرون وقالوا: هذه الرواية إنما هي لأرواحهم دون أجسادهم، والأجساد في الأرض قطعا وإنما تبعث يوم تبعث الأجساد، ولا تبعث قبل ذلك، إذا لو بعثت قبل ذلك لكانت قد انشقّت عنهم الأرض قبل يوم القيامة، وكانت تذوق الموت عند نفخة الصور، وهذه موتة ثالثة وهذا باطل قطعا، ولو كانت قد بعثت الأجساد من القبور لم يعدهم الله تعالى إليها، بل كانت في الجنة وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إن الله تعالى حرّم الجنة على الأنبياء حتى يدخلها هو، فهو أول من يستفتح باب الجنة، وأول من تنشق عنه الأرض على الإطلاق، ولم تنشق عن أحد قبله، ومعلوم بالضرورة أن جسده صلى الله عليه وسلم في الأرض طري.

وقد سأله أصحابه: كيف تعرض عليك صلاتنا وقد بليت؟ فقال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»

[ (1) ] ولو لم يكن جسده في ضريحه طريا لما أجاب بهذا الجواب. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى وكلّ بقبره ملائكة يبلّغونه عن أمته السلام، وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم لما خرج بين أبي بكر وعمر قال:«هكذا نبعث» .

هذا مع القطع بأن روحه الكريمة في الرفيق الأعلى في أعلى علّيّين مع أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وقد صح أنه رأى موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ليلة الإسراء ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فالروح كانت هناك ولها اتصال بالبدن في القبر وإشراق عليه وتعلّق به بحيث تصلي في قبره وتردّ سلام من سلم عليه وهو في الرفيق الأعلى.

ولا تنافي بين الأمرين فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، فأنت تجد الروحين المتلائمتين المتناسبتين في غاية التجاور والقرب وإن كان بين بدنيهما غاية البعد، وتجد الروحين المتنافرتين المتباغضتين في غاية البعد وإن كان جسداهما متجاورين متلاصقين، وليس نزول الروح وصعودها، وقربها وبعدها من جنس ما للبدن فهي تصعد إلى فوق سبع سموات ثم تهبط إلى الأرض ما بين قبضها ووضع الميت في قبره، وهو زمن يسير لا يصعد

[ (1) ] أخرجه أبو داود في كتاب الجمعة باب (1) وابن ماجة (1085) وأحمد في المسند 4/ 8 والبيهقي في السنن 3/ 249 والحاكم في المستدرك 4/ 560 والطبراني في الكبير وابن حبان (55) .

ص: 133