الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القِرَاءاتِ، وَالعَرَبِيَّةِ، وَالشَّيْخُ رَضِيُّ الدِّيْنِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّغَانِيُّ، وَنَجِيْبُ الدِّينِ المِقْدَادُ بنُ أَبِي القَاسِمِ القَيْسِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ حَافِظاً، حُجَّةً، نبيلاً، جمَّ العِلْمِ، كَثِيْرَ المَحْفُوْظِ، مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، وَأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، كَثِيْرَ العِبَادَةِ وَالتَّهجُّدِ وَالصَّوْمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْدِيّ: كَانَ أَحَدَ الأَئِمَّةِ الأَثْبَاتِ، مشَارٌ إِلَيْهِ بِالحِفْظِ وَالإِتْقَانِ، قصدَ اليَمَنَ فَمَاتَ بِالمهجمِ، فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَلَهُ شعرٌ جَيِّدٌ فِي الزُّهْديَّاتِ.
وَعَاشَ وَلدُهُ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ (1) إِلَى رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْهُ: المِصْرِيُّونَ، وَالبِرْزَالِيُّ بِإِجَازَةِ أَبِي رَوْحٍ، وَالمُؤَيَّدُ، وَكَانَ يذكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ الكَثِيْرَ مِنْ أَبِيْهِ، يُقَالُ: قَارَبَ المائَةَ (2) .
112 - ابْنُ قُدَامَةَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ المَقْدِسِيُّ *
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَلَاّمَةُ، المُجْتَهِدُ، شَيْخُ الإِسْلَامِ، مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، أَبُو
(1) تاريخ الإسلام، الورقة: 167 (أياصوفيا 3014) .
(2)
كذا قال، وفي تاريخ الإسلام:" وكان من أبناء الثمانين، وقيل: بل جاوز التسعين ".
(*) معجم البلدان: 2 / 113 - 114، والتقييد لابن نقطة، الورقة 132، ومرآة الزمان: 8 / 627 - 630، وتكملة المنذري: 3 / الترجمة 1944، وذيل الروضتين لأبي شامة: 139، وتلخيص ابن الفوطي: 5 / الترجمة 1962، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 259 (باريس 1582)(= الورقة 204 - 213 أيا صوفيا بخطه)، والعبر: 5 / 79، والمختصر المحتاج إليه: 2 / 134 - 135، ودول الإسلام: 2 / 93، وفوات الوفيات: 1 / 433 - 434، والبداية والنهاية: 13 / 99 - 101، والذيل لابن رجب: 2 / 133 - 149، وذيل التقييد للفاسي، الورقة 170، وعقد الجمان للعيني، 17 / الورقة 440، وشذرات الذهب: 5 / 88 - 92، والتاج المكلل للقنوجي: 229 - 231.
مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ، الجَمَّاعِيْليُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، الصَّالِحيُّ، الحَنْبَلِيُّ، صَاحِبُ (المُغْنِي) .
مَوْلِدُهُ: بِجَمَّاعِيْلَ، مِنْ عَملِ نَابُلُسَ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي شَعْبَانَ.
وَهَاجَرَ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَقَارِبِهِ، وَلَهُ عشرُ سِنِيْنَ، وَحفظَ القُرْآنَ، وَلَزِمَ الاشتغَالَ مِنْ صِغَرِهِ، وَكَتَبَ الخطَّ المَلِيْحَ، وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، وَأَذكيَاءِ العَالَمِ.
وَرَحَلَ هُوَ وَابْنُ خَالِهِ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ فِي أَوَّلِ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ فِي طَلَبِ العِلْمِ إِلَى بَغْدَادَ، فَأَدْرَكَا نَحْوَ أَرْبَعِيْنَ يَوْماً مِنْ جَنَازَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ، فَنَزَلَا عِنْدَهُ بِالمَدْرَسَةِ، وَاشْتَغَلَا عَلَيْهِ تِلْكَ الأَيَّامَ، وَسَمِعَا مِنْهُ، وَمِنْ: هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الدَّقَّاقِ، وَأَبِي الفَتْحِ بنِ البَطِّيِّ، وَأَبِي زُرْعَةَ بنِ طَاهِرٍ، وَأَحْمَدَ بنِ المُقَرّبِ، وَعَلِيِّ ابْنِ تَاجِ القُرَّاءِ، وَمَعْمَرِ بنِ الفَاخِرِ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الرَّحبِيِّ، وَحَيْدَرَةَ بنِ عُمَرَ العَلَوِيِّ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ الحُسَيْنِ البَارِزِيِّ، وَخَدِيْجَةَ النَّهْرَوَانِيَّةِ، وَنفِيسَةَ البَزَّازَةِ، وَشُهْدَةَ الكَاتِبَةِ، وَالمُبَارَكِ بنِ مُحَمَّدٍ البَادرَائِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ، وَأَبِي شُجَاعٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَادَرَائِيِّ، وَأَبِي حنفِيَةَ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الخَطِيْبيِّ، وَيَحْيَى بنِ ثَابِتٍ.
وَتَلَا بِحرفِ نَافِعٍ عَلَى أَبِي الحَسَنِ البَطَائِحِيِّ، وَبحرفِ أَبِي عَمْرٍو عَلَى أُسْتَاذِهِ أَبِي الفَتْحِ بنِ المنِّيِّ.
وَسَمِعَ بِدِمَشْقَ مِنْ: أَبِي المَكَارِمِ بنِ هِلَالٍ، وَعِدَّةٍ.
وَبِالمَوْصِلِ مِنْ: خَطِيْبِهَا أَبِي الفَضْلِ الطُّوْسِيِّ.
وَبِمَكَّةَ مِنَ: المُبَارَكِ بنِ الطَّبَّاخِ، وَلَهُ مَشْيَخَةٌ سَمِعْنَاهَا.
حَدَّثَ عَنْهُ: البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ، وَالجمَالُ أَبُو مُوْسَى ابْنُ الحَافِظِ، وَابْنُ نُقْطَةَ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاءُ، وَأَبُو شَامَةَ، وَابْنُ النَّجَّارِ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالجمَالُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالعِزُّ إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَالتَّقِيُّ ابْنُ الوَاسِطِيِّ، وَالشَّمْسُ ابْنُ الكَمَالِ، وَالتَّاجُ عَبْدُ الخَالِقِ، وَالعِمَادُ بنُ بَدْرَانَ، وَالعِزُّ إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ الفَرَّاءِ، وَالعزُّ أَحْمَدُ ابْنُ العِمَادِ، وَأَبُو الفَهْمِ بنُ النّميسِ، وَيُوْسُفُ الغسوْلِيُّ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الوَاسِطِيِّ، وَخَلْقٌ آخِرُهُم مَوْتاً التَّقِيُّ أَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، يَرْوِي عَنْهُ بِالحُضُوْرِ أَحَادِيْثَ (1) .
وَكَانَ عَالِمَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ إِمَامَ الحَنَابِلَةِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَكَانَ ثِقَةً، حُجَّةً، نبيلاً، غزِيْرَ الفَضْلِ، نَزِهاً، وَرِعاً، عَابِداً، عَلَى قَانُوْنِ السَّلَفِ، عَلَيْهِ النُّوْرُ وَالوَقَارُ، يَنْتفعُ الرَّجُلُ برُؤِيتِهِ قَبْلَ أَنْ يسمع كَلَامَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: هُوَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ، وَمُفْتِي الأُمَّةِ، خصَّهُ اللهُ بِالفَضْلِ الوَافرِ، وَالخَاطرِ المَاطرِ، وَالعِلْمِ الكَامِلِ، طَنَّتْ (2) بذِكرِهِ الأَمصَارُ، وَضنَّتْ بِمِثْلِهِ الأَعصَارُ، أَخَذَ بِمجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْليَّةِ وَالعقليَّةِ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَلَهُ المُؤلفَاتُ الغزِيْرَةُ، وَمَا أَظَنُّ الزَّمَانَ يَسمحُ بِمِثْلِهِ، مُتَوَاضِعٌ، حسنُ الاعْتِقَادِ، ذُو أَنَاةٍ وَحلمٍ وَوقَارٍ، مَجْلِسُهُ معمورٌ بِالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَكَانَ كَثِيْرَ العِبَادَةِ، دَائِمَ التَّهجُّدِ، لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُ نَفْسِهِ.
وَعَمِلَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ (سيرتَهُ) فِي جُزأَيْنِ، فَقَالَ: كَانَ تَامَّ القَامَةِ، أَبيضَ، مُشْرِقَ الوَجْهِ، أَدعجَ، كَأنَّ النُّوْرُ يَخْرُجُ مِنْ وَجهِهِ لِحُسْنِهِ، وَاسِعَ الجبينِ،
(1) وهي قطعة من " موطأ " مالك، كما ذكر في " تاريخ الإسلام ".
(2)
غير منقوطة في الأصل، وما أثبتناه من " تاريخ الإسلام " بخط المؤلف.
طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ، قَائِمَ الأَنفِ، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، صَغِيْرَ الرَّأْسِ، لطيفَ اليَدينِ وَالقدمَينِ، نحيفَ الجِسْمِ، مُمَتَّعاً بحوَاسِّهِ.
أَقَامَ هُوَ وَالحَافِظُ بِبَغْدَادَ أَرْبَعَ سِنِيْنَ، فَأَتقنَا الفِقْهَ وَالحَدِيْثَ وَالخلَافَ، أَقَامَا عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ خَمْسِيْنَ (1) لَيْلَةً، وَمَاتَ، ثُمَّ أَقَامَا عِنْدَ ابْنِ الجَوْزِيِّ، ثُمَّ انتقلَا إِلَى رِبَاطِ النَّعَّالِ، وَاشْتَغَلَا عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ، ثُمَّ سَافرَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمَعَهُ الشَّيْخُ العِمَادُ، وَأَقَامَا سَنَةً.
صَنَّفَ (المغنِي) عشرَ مُجَلَّدَاتٍ، وَ (الكَافِي) أَرْبَعَةً، وَ (الْمقنع) مُجَلَّداً، وَ (العُمدَة) مُجيليداً، وَ (القنعَة) فِي الغَرِيْبِ مجيليدٌ (2) ، وَ (الرَّوْضَة) مُجَلَّدٌ، وَ (الرَّقَّة) مُجَلَّدٌ، وَ (التَّوَّابينَ) مُجَلَّدٌ، وَ (نسب قُرَيْشٍ) مجيليدٌ، وَ (نسب الأَنْصَارِ) مُجَلَّدٌ، وَ (مُخْتَصَر الهِدَايَة) مجيليدٌ، وَ (الْقدر) جزءٌ، وَ (3)(مَسْأَلَة العُلُوِّ) جزءٌ، وَالمتحَابِّينَ) جزءٌ، وَ (الاعْتِقَاد) جزءٌ، وَ (البُرْهَان) جزءٌ، وَ (ذمّ التَّأَْوِيْلِ) جزءٌ، وَ (فَضَائِل الصَّحَابَةِ) مجيليدٌ، وَ (فضل العشرِ) جزءٌ، وَ (3)(عَاشُورَاء) أَجزَاءٌ، وَ (3)(مَشْيَخته) جُزآنِ، وَ (وصيَّته) جزءٌ، وَ (3)(مُخْتَصَر العللِ لِلْخلالِ) مُجَلَّدٌ، وَأَشيَاءُ.
قَالَ الحَافِظُ الضِّيَاءُ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَأَلقَى عليَّ مَسْأَلَةً، فَقُلْتُ: هَذِهِ فِي الخِرَقِيِّ، فَقَالَ: مَا قَصَّرَ صَاحِبُكُم المُوَفَّقُ فِي شرحِ الخِرَقِيِّ.
(1) وضع فوقها " كذا " دلالة على اعتراضه عليها، لأنه سبق أن قال بأنه أدرك أربعين ليلة من حياة الشيخ عبد القادر.
(2)
كذا بالرفع، وكذلك التي ستأتي، ويصح ذلك إذا أراد أنه " في مجيليد " أو " هو مجيليد "، ولكنه كان عليه أن يوحد.
(3)
إضافة منا.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ رحمه الله إِمَاماً فِي التَّفْسِيْرِ (1) ، وَفِي الحَدِيْثِ وَمشكلَاتِهِ، إِمَاماً فِي الفِقْهِ، بَلْ أَوحد زَمَانِهِ فِيْهِ، إِمَاماً فِي علمِ الخلَافِ، أَوحدَ فِي الفَرَائِضِ، إِمَاماً فِي أُصُوْلِ الفِقْهِ، إِمَاماً فِي النَّحْوِ وَالحسَابِ وَالأَنجمِ السَّيَّارَةِ وَالمَنَازِلِ.
وَسَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ صَالِحٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ ابْنَ المنِّيِّ يَقُوْلُ -وَعِنْدَهُ الإِمَامُ المُوَفَّقُ -: إِذَا خَرَجَ هَذَا الفَتَى مِنْ بَغْدَادَ احتَاجَتْ إِلَيْهِ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ المَنِّيِّ يَقُوْلُ للموفَّقِ: إِنْ خَرَجتَ مِنْ بَغْدَادَ لَا يَخلُفُ فِيْهَا مِثْلُكَ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا عُبَيْدِ اللهِ عُثْمَانَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ عَنِ المُوَفَّقِ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَانَ مُؤيّداً فِي فَتَاويهِ.
وَسَمِعْتُ المُفْتِي أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ مَعَالِي بنِ غَنِيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا أَعْرفُ أَحَداً فِي زَمَانِنَا أَدْرَكَ دَرَجَةَ الاجْتِهَادِ إِلَاّ المُوَفَّقَ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا عَبْدِ اللهِ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: أَمَّا مَا علمتُهُ مِنْ أَحْوَالِ شَيْخِنَا وَسيِّدِنَا مُوَفَّقِ الدِّيْنِ، فَإِنَّنِي إِلَى الآنَ مَا أَعْتَقِدُ أَنَّ شَخْصاً مِمَّنْ رَأَيْتُهُ حصَلَ لَهُ مِنَ الكَمَالِ فِي العُلُوْمِ وَالصِّفَاتِ الحَمِيْدَةِ الَّتِي يَحصُلُ بِهَا الكَمَالُ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ كَانَ كَامِلاً فِي صُوْرتِهِ وَمَعْنَاه مِنْ حَيْثُ الحُسْنِ، وَالإِحسَانِ، وَالحلمِ وَالسُّؤْدُدِ، وَالعُلُوْمِ المُخْتَلِفَةِ، وَالأَخْلَاقِ الجَمِيْلَةِ، رَأَيْتُ مِنْهُ مَا يَعجزُ عَنْهُ كِبَارُ
(1) وجدنا خطأ فوق " في التفسير " كأنها علامة حذف، ولكننا ابقيناها لما نقل عنه في " تاريخ الإسلام " من قوله:" وكان رحمه الله إماما في القران وتفسيره ".
الأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نَعمَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ) .
فَقُلْتُ بِهَذَا: إِنَّ إِلهَامَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنَ الكَرَامَاتِ، وَأَفْضَلُ الذِّكْرِ مَا يَتَعَدَّى إِلَى العبَادِ، وَهُوَ تَعَلِيْمُ العِلْمِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَحْسَنُ مَا كَانَ جِبِلَّةً (1) وَطبعاً؛ كَالحلمِ، وَالكرمِ، وَالعقلِ، وَالحيَاءِ، وَكَانَ اللهُ قَدْ جَبَلَهُ عَلَى خُلُقٍ شَرِيْفٍ، وَأَفرغَ عَلَيْهِ المَكَارِمَ إِفرَاغاً، وَأَسبغَ عَلَيْهِ النِّعَمَ، وَلطفَ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ المُوَفَّقُ لَا يُنَاظِرُ أَحَداً إِلَاّ وَهُوَ يَتبَسَّمُ.
قُلْتُ: بَلْ أَكْثَرُ مَنْ عَايَنَّا لَا يُنَاظرُ أَحَداً إِلَاّ وَيَنْسَمُّ (2) .
وَقِيْلَ: إِنَّ المُوَفَّقَ نَاظرَ ابْنَ فَضلَان الشَّافِعِيَّ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي المُنَاظَرَةِ، فَقطعَهُ.
وَبَقِيَ المُوَفَّقُ يَجْلِسُ زَمَاناً بَعْد الجُمُعَةِ لِلمُنَاظَرَةِ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ الفُقَهَاءُ، وَكَانَ يُشغلُ (3) إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، وَمِنْ بَعْدِ الظُّهْرِ إِلَى المَغْرِبِ وَلَا يَضجَرُ، وَيَسَمَعُوْنَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُقرِئُ فِي النَّحْوِ، وَكَانَ لَا يَكَادُ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَاّ أَحَبَّهُ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ الضِّيَاءُ:
وَمَا علمتُ أَنَّهُ أَوجعَ قَلْبَ طَالبٍ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تُؤْذِيْهِ بِخُلُقِهَا، فَمَا يَقُوْلُ لَهَا شَيْئاً، وَأَوْلَادُهُ يَتضَاربُوْنَ، وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ.
وَسَمِعْتُ (4) البَهَاءَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ احتمَالاً مِنْهُ.
(1) الجبلة: الخلقة، ومنه قوله تعالى:(والجبلة الأولين)(الشعراء: 184) .
(2)
من السم - بفتح السين وضمها - وهو نتيجة لما كان يراه الذهبي بين أهل عصره من الضيق بالمناظرة العلمية.
(3)
الاشغال: التدريس، وهو غير " الاشتغال " بمعنى الطلب، وهذه اصطلاحات معروفة عند المتأخرين.
(4)
السماع للضياء، هو والذي بعده من الحكايات.
قَالَ الضِّيَاءُ: كَانَ حَسَنَ الأَخْلَاقِ، لَا يَكَادُ يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَاّ مُتَبَسِّماً، يَحكِي الحِكَايَاتِ، وَيَمزحُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاء يَقُوْلُ: كَانَ الشَّيْخُ فِي القِرَاءةِ يُمَازِحُنَا، وَيَنبَسِطُ، وَكَلَّمُوْهُ مرَّةً فِي صبيَانَ يَشتغلُوْنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُم صبيَانٌ، وَلَا بُدَّ لَهُم مِنَ اللَّعِبِ، وَأَنْتُم كُنْتُم مِثْلَهُم، وَكَانَ لَا يُنَافِسُ أَهْلَ الدُّنْيَا، وَلَا يَكَادُ يَشْكُو، وَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِ، وَكَانَ يُؤثِرُ.
وَسَمِعْتُ البَهَاءَ يَصِفُهُ بِالشَّجَاعَةِ، وَقَالَ: كَانَ يَتقدَّمُ إِلَى العَدُوِّ وَجُرِحَ فِي كفِّهِ، وَكَانَ يُرَامِي العَدُوَّ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَكَانَ يُصَلِّي بخشوعٍ، وَلَا يَكَادُ يُصَلِّي سُنَّةَ الفَجْرِ وَالعِشَاءيْنِ إِلَاّ فِي بَيْتِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ أَرْبَعاً (بِالسَّجْدَةِ) ، وَ (يس) ، وَ (الدُّخَانِ) ، وَ (تبَاركَ) ، لَا يَكَادُ يُخِلُّ بهنَّ، وَيَقومُ السَّحَرَ بِسُبْعٍ، وَرُبَّمَا رفعَ صَوْتَهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوتِ.
وَسَمِعْتُ الحَافِظَ اليُوْنِيْنِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ شنَاعَةَ الخَلْقِ عَلَى الحَنَابِلَةِ بِالتَّشْبِيْهِ، عزمتُ عَلَى سُؤَالِ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ، وَبقيتُ أَشهراً أُرِيْدُ أَنْ أَسألَهُ، فَصعدتُ مَعَهُ الجبلَ (1)، فَلَمَّا كُنَّا عِنْدَ دَارِ ابْنِ مُحَارِبٍ قُلْتُ: يَا سيِّدِي، وَمَا نطقتُ بِأَكْثَرَ مِنْ سيِّدِي، فَقَالَ لِي: التَّشبيهُ مُسْتحيلٌ.
فَقُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لأَنَّ شرطَ التَّشبيهِ أَنْ نَرَى الشَّيْءَ، ثُمَّ نُشَبِّهُهُ، من الَّذِي رَأَى اللهَ ثُمَّ شبَّهَهُ لَنَا؟!
وَذَكَرَ الضِّيَاءُ حِكَايَاتٍ فِي كَرَامَاتِهِ.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ إِمَاماً عَلَماً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، صَنَّفَ كُتُباً
(1) يعني: جبل قاسيون، حيث الصالحية، وفيها ديارهم.
(2)
ذيل الروضتين: 139.
كَثِيْرَةً، لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي العقَائِدِ عَلَى الطَّرِيقَةِ المَشْهُوْرَةِ عَنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ لَمْ يُوَضِّحْ لَهُ الأَمْرَ فِيْهَا عَلَى جَلَالَتِهِ فِي العِلْمِ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمعَانِي الأَخْبَارِ.
قُلْتُ: وَهُوَ وَأَمثَالُهُ متعجِّبٌ مِنْكُم مَعَ عِلْمِكُم وَذكَائِكُم، كَيْفَ قُلْتُم! وَكَذَا كُلُّ فِرقَةٍ تَتعجَّبُ مِنَ الأُخْرَى، وَلَا عجبَ فِي ذَلِكَ، وَنرجُو لِكُلِّ مَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَطلُّبِ الحَقِّ أَنْ يُغفرَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ المَرْحُوْمَةِ.
قَالَ الضِّيَاءُ: وَجَاءهُ مِنْ بِنْتِ عَمَّتِهِ مَرْيَمَ (1) : المجدُ عِيْسَى، وَمُحَمَّدٌ، وَيَحْيَى، وَصَفِيَّةُ، وَفَاطِمَةُ، وَلَهُ عقِبٌ مِنَ المجدِ، ثُمَّ تَسَرَّى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ بِأُخْرَى، ثُمَّ تَزَوَّجَ عِزِّيَّةَ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، وَانْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ يَوْمَ السَّبْتِ، يَوْمَ الفِطْرِ، وَدُفِنَ مِنَ الغَدِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَكَانَ الخلقُ لَا يُحصَوْنَ، تُوُفِّيَ بِمَنْزِلِهِ بِالبَلَدِ، قَالَ: وَكُنْتُ فِيْمَنْ غَسَّلَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ ابْنِ النَّرْسِيِّ، أَخبركُم الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ التِّكَكِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُوْسَى الشَّطَوِيُّ (2) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ المِنْهَالِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ قُسَيْمٍ (3) ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا أَهبطَ اللهُ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ طَافَ بِالبَيْتِ سَبْعاً، ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ
(1) يعني زوجته مريم.
(2)
الشطوي هذا منسوب إلى الثياب الشطوية وبيعها، وهي منسوبة إلى شطا من أرض مصر.
(3)
ويقال فيه، وهو الاشهر: سليمان بن يسير - بالتصغير - وهو نخعي بالولاء كوفي ضعيف روى له ابن ماجة.
وتناوله الذهبي في " الميزان " 2 / 228 - 229.