الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
230 - السَّيْفُ عَلِيُّ بنُ أَبِي عَلِيٍّ بنِ مُحَمَّدٍ التَّغْلِبِيُّ *
العَلَاّمَةُ، المُصَنِّفُ، فَارِسُ الكَلَامِ، سَيْفُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي عَلِيٍّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَالِمٍ التَّغْلِبِيُّ، الآمِدِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ.
وَقرَأَ بِآمِدَ القِرَاءاتِ عَلَى: عَمَّارٍ الآمِدِيِّ، وَمُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ.
وَتَلَا بِبَغْدَادَ عَلَى: ابْنِ عَبِيْدَةَ.
وَحَفِظَ (الهِدَايَةَ) ، وَتَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ المَنِّيِّ.
وَسَمِعَ مِنِ: ابْنِ شَاتيل، وَغَيْرِهِ، ثُمَّ صَحِبَ ابْن فَضْلَانَ، وَاشْتَغَل عَلَيْهِ فِي الخلَاف.
وَبَرَعَ، وَحَفِظَ طَرِيقَةَ الشَّرِيْفِ، وَنظرَ فِي طَرِيقَةِ أَسْعَدَ المِيْهَنِيِّ، وَتَفنَّنَ فِي حِكْمَةِ الأَوَائِلِ، فَرقَّ دِينُه وَاظلَمَّ، وَكَانَ يَتَوَقَّدُ ذَكَاءً.
قَالَ عَلِيُّ بنُ أَنْجَبَ (1) فِي (أَسْمَاءِ المُصَنِّفِيْنَ) : اشْتَغَل بِالشَّامِ عَلَى المُجِيْرِ البَغْدَادِيِّ، ثُمَّ وَردَ إِلَى بَغْدَادَ، وَاشْتَغَل بِـ (الشِّفَاءِ) وَبِـ (الشَّامِلِ) لأَبِي المَعَالِي، وَحَفِظَ عِدَّةَ كُتُبٍ، وَكرَّر عَلَى (المُسْتَصْفَى) ، وَتَبَحَّرَ فِي العُلُوْمِ، وَتَفَرَّدَ بِعِلْمِ المَعْقُوْلَاتِ وَالمَنْطِقِ وَالكَلَامِ، وَقَصَدَهُ الطُّلَاّبُ مِنَ البِلَاد، وَكَانَ يُوَاسيهِم بِمَا يَقدرُ، وَيُفْهِم الطُّلَاّب، وَيُطَوِّلُ رُوحه.
(*) تاريخ الحكماء للقفطي: 240 - 241، ومرآة الزمان: 8 / 691، وتكملة المنذري: 3 / 2508، وذيل الروضتين لأبي شامة: 161، ووفيات الأعيان: 3 / 293 - 294، ومختصر أبي الفداء: 3 / 163، وتاريخ الإسلام للذهبي، الورقة 112 - 113 (أيا صوفيا 3012)، والعبر: 5 / 124 - 125، ودول الإسلام: 2 / 103، والوافي بالوفيات، 12 / الورقة 124 - 126، ونثر الجمان للفيومي، 2 / الورقة 60 - 61، وطبقات الاسنوي، الورقة 25 - 26، والبداية والنهاية: 13 / 140 - 141، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة 175، والنجوم الزاهرة: 6 / 285، وحسن المحاضرة: 1 / 259، وشذرات الذهب: 5 / 142 - 144، وديوان ابن الغزي، الورقة 6.
(1)
هو ابن الساعي المؤرخ العراقي المشهور المتوفى سنة 674، وكتابه هذا لم يصل إلينا، فلا نعرف له نسخة في خزائن الكتب المعروفة.
قُلْتُ: ثُمَّ أَقرَأ الفَلْسَفَة وَالمَنْطِقَ بِمِصْرَ بِالجَامِعِ الظَّافرِيِّ، وَأَعَادَ بِقُبَّةِ الشَّافِعِيِّ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ، ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ بِالانْحِلَالِ، وَكتبُوا مَحضراً بِذَلِكَ.
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : وَضَعُوا خُطُوطَهُم بِمَا يُسْتَباح بِهِ الدَّمُ، فَخَرَجَ مُستخفِياً، وَنَزَلَ حَمَاةَ.
وَأَلَّف فِي الأَصْلَيْنِ، وَالحِكْمَةِ المشؤومَةِ (2) ، وَالمَنْطِقِ، وَالخلَافِ، وَلَهُ كِتَابُ (أَبكَارِ الأَفكَارِ) فِي الكَلَامِ، وَ (مُنتهَى السُّولِ فِي الأُصُوْلِ) ، وَ (طرِيقَةٌ) فِي الخلَافِ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِيْنَ تَصنِيفاً.
ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ، وَدرَّس بِالعَزِيْزِيَّةِ مُدَّة، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا لِسَبَبٍ اتَّهُم فِيْهِ، وَأَقَامَ بَطَالاً فِي بَيْته.
قَالَ: وَمَاتَ فِي رَابِعِ صَفَرٍ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَلَهُ ثَمَانُوْنَ سَنَةً.
وَقَالَ سِبْطُ الجَوْزِيِّ (3) : لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مَنْ يُجَارِيه فِي الأَصْلَيْنِ وَعِلمِ الكَلَامِ، وَكَانَ يَظهرُ مِنْهُ رِقَّةُ قَلْبٍ، وَسُرعَةُ دَمعَةٍ، أَقَامَ بِحَمَاةَ، ثُمَّ بِدِمَشْقَ.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا يُحَكَى عَنْهُ: أَنَّهُ مَاتَتْ لَهُ قِطَّةٌ بِحَمَاةَ، فَدَفَنَهَا، فَلَمَّا سَكَنَ دِمَشْقَ، بَعَثَ وَنَقَلَ عِظَامَهَا فِي كِيْسٍ، وَدفَنَهَا بقَاسِيُوْنَ.
قَالَ: وَكَانَ أَوْلَادُ العَادِلِ كَلُّهُم يَكْرَهُوْنَه؛ لِمَا اشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ عِلْمِ الأَوَائِلِ وَالمَنطِقِ، وَكَانَ يَدخُلُ عَلَى المُعَظَّمِ فَلَا يَتَحَرَّكُ لَهُ، فَقُلْتُ: قُمْ لَهُ عِوضاً عَنِّي (4) .
فَقَالَ: مَا يَقبَلُه قَلْبِي.
وَمَعَ ذَا وَلَاّهُ تَدرِيس العَزِيْزِيَّةِ، فَلَمَّا مَاتَ،
(1) وفيات الأعيان: 3 / 293 - 294 باختصار.
(2)
قوله " المشؤومة " من إضافات الذهبي، فابن خلكان لم يقلها!
(3)
مرآة الزمان: 8 / 691.
(4)
أصل كلام السبط الذي اختصره الذهبي: " وكان إذا دخل على المعظم والمجلس غاص لا يتحرك له، فكنت أخجل من الآمدي حتى قلت للمعظم يوما: عوض ما تقوم لي قم للآمدي ".
أَخْرَجَهُ مِنْهَا الأَشْرَفُ، وَنَادَى فِي المَدَارِسِ: مَنْ ذَكَرَ غَيْرَ التَّفْسِيْرِ وَالفِقْهِ، أَوْ تَعرَّض لِكَلَامِ الفَلَاسِفَةِ، نَفَيْتُهُ.
فَأَقَامَ السَّيْف خَامِلاً فِي بَيْتِه إِلَى أَنْ مَاتَ، وَدُفِنَ بِتُربته بِقَاسِيُوْن
قُلْتُ: أَخَذَ عَنْهُ: القَاضِيَان ابْن سَنِيِّ الدَّوْلَة صَدْر الدِّيْنِ، وَمُحْيِي الدِّيْنِ ابْن الزَّكِيِّ.
وَكَانَ القَاضِي تَقِيّ الدِّيْنِ سُلَيْمَانُ بنُ حَمْزَةَ يَحكِي عَنْ شَيْخه ابْنِ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا نَتردَّدُ إِلَى السَّيْفِ، فَشَكَكنَا هَلْ يُصَلِّي أَمْ لَا؟
فَنَام، فَعَلَّمْنَا عَلَى رِجْلِهِ بِالحِبْرِ، فَبَقِيَتِ العَلَامَةُ يَوْمَيْنِ مَكَانَهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا تَوَضَّأَ - نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ فِي الدِّيْنِ -!
وَقَدْ حَدَّثَ السَّيْفُ بِـ (الغَرِيْبِ) لأَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي الفَتْحِ بنِ شَاتيل.
قَالَ لِي شَيْخنَا ابْنُ تَيمِيَةَ: يَغلِبُ عَلَى الآمِدِيِّ الحِيرَةُ وَالوَقف حَتَّى إِنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالاً فِي تَسَلسُلِ العِلَلِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ عَنْهُ جَوَاباً، وَبَنَى إِثْبَاتَ الصَّانعِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُقَرِّرُ فِي كُتُبِه إِثْبَاتَ الصَّانعِ، وَلَا حُدوثَ العَالَمِ، وَلَا وَحدَانِيَة الله، وَلَا النّبوَات، وَلَا شَيْئاً مِنَ الأُصُوْل الكِبَارِ.
قُلْتُ: هَذَا يَدلّ عَلَى كَمَال ذِهنِه، إِذْ تَقرِير ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لَا يَنهض، وَإِنَّمَا يَنهض بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (1) ، وَبِكُلٍّ قَدْ كَانَ السَّيْفُ غَايَةً، وَمَعْرِفَتُه بِالمَعْقُوْل نِهَايَةً، وَكَانَ الفُضَلَاءُ يَزْدَحِمُوْنَ فِي حَلْقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُوْلُ:
مَا سَمِعْتُ مَنْ يُلقِي الدَّرْسَ أَحْسَن مِنَ السَّيْفِ، كَأَنَّهُ يَخطُبُ، وَكَانَ يُعظِّمُهُ.
(1) هذا هو الحق، ورأي الذهبي هو الصواب إن شاء الله تعالى، فالعقل قاصر عن إدراك مثل هذه الأمور.