الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ نُقْطَة (1) : سَمِعَ (مُسْنَد أَبِي يَعْلَى) مِنْ تَمِيْم، قَالَ لِي يَحْيَى بن عَلِيٍّ المَالقِيّ: كَانَ لَهُ فَوت فِيْهِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ خَوْلَة مِنَ الهِنْد إِلَى هَرَاة، فَأَخْرَجَ لَنَا المُجَلَّدَة الَّتِي فِيْهَا سَمَاعه، فَتَمَّ لَهُ الكِتَاب.
قَالَ: وَيَرْوِي كِتَاب (الأَنْوَاع وَالتّقَاسيم (2)) .
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: البِرْزَالِيّ، وَالضِّيَاء، وَابْن النَّجَّارِ، وَالمُرْسِيّ، وَالبَكْرِيّ، وَعَبْد الحَقِّ المَنْبِجِي، وَالصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمَشْهُوْر النِّيرَبَانِي.
وَسَمِعْتُ بِإِجَازته مِنْ جَمَاعَة، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوّ الإِسْنَادِ.
قَالَ الضِّيَاء: قتلته التّركُ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ (3) .
العَادِلُ وَبَنُوْهُ:
82 - أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي الدُّوِيْنِيُّ *
السُّلْطَانُ الكَبِيْرُ، المَلِكُ العَادِل، سَيْفُ الدِّيْنِ، أَبُو المُلُوْكِ، وَأَخُو المُلُوْكِ، أَبُو
(1) التقييد، الورقة:168.
(2)
الذي في كتاب ابن نقطة: " التقاسيم والانواع "، وهو لأبي حاتم ابن حبان البستي المتوفى سنة 354.
(3)
قال ابن نقطة: " وانقطعت عنا أخبار البلاد من سنة عشرة ولم تبلغنا وفاته ".
قال بشار: وابن خولة استشهد أيضا بدخول الكفار التتار إلى هراة.
(*) سيرته مشهورة في تواريخ عصره، وفي الكتب التي تناولت سيرة أخيه السلطان الملك الناصر صلاح الدين رضي الله عنه، وله ترجمة في " الكامل " لابن الأثير وأخبار كثيرة في غير موضع منه، وفي مرآة الزمان: 8 / 594 - 598، والتكملة للمنذري: 2 / الترجمة: 1596، وذيل الروضتين: 113، ووفيات الأعيان: 5 / 74 - 79، ومفرج الكروب لابن واصل (في غير موضع)، والمختصر لأبي الفدا: 3 / 126 - 127، وتاريخ الإسلام، الورقة: 221 - 223 (باريس 1582 -) والوافي بالوفيات: 2 / 235 - 238، والبداية والنهاية: 13 / 79 - 80، والعقد المذهب لابن الملقن، الورقة: 168، والسلوك للمقريزي: 1 / 1 / 190 - 194، وعقد الجمان للعيني: 17 / الورقة: 375 - 380 وغيرها كثير.
بَكْرٍ مُحَمَّد ابْنُ الأَمِيْرِ نَجْمِ الدِّيْنِ أَيُّوْبَ بنِ شَاذِي بنِ مَرْوَانَ بنِ يَعْقُوْبَ الدُّوِيْنِيُّ الأَصْل، التَّكرِيتِيُّ، ثُمَّ البَعْلَبَكِّيّ المَوْلِد.
وُلِدَ بِهَا إِذْ وَالِده يَنوب بِهَا لِلأَتَابَك زَنْكِي بن آقْسُنْقُر فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
كَانَ أَصْغَر مِنْ أَخِيْهِ صَلَاح الدِّيْنِ بعَامَيْنِ، وَقِيْلَ: بَلْ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِيْنَ - فَاللهُ أَعْلَم -.
نشَأَ فِي خدمَة المَلِك نُوْر الدِّيْنِ، ثُمَّ شَهِدَ المَغَازِي مَعَ أَخِيْهِ.
وَكَانَ ذَا عقل وَدَهَاء وَشجَاعَة وَتؤدة وَخبرَة بِالأُمُوْر، وَكَانَ أَخُوْهُ يَعتمدُ عَلَيْهِ وَيَحترمه، اسْتنَابه بِمِصْرَ مُدَّة ثُمَّ ملّكه حَلَب، ثُمَّ عوّضه عَنْهَا بِالكَرَك وَحرَّان، وَأَعْطَى حَلَب لوَلَده الظَّاهِر.
قِيْلَ: إِنَّ العَادل لَمَّا سَارَ مَعَ أَخِيْهِ (1)، قَالَ: أَخذت مِنْ أَبِي حُرْمدَان (2)، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا أَخذتم مِصْر امْلَأْهُ لِي ذهباً.
فَلَمَّا جَاءَ إِلَى مِصْرَ، قَالَ: وَأَيْنَ الحرمدَان؟
فَملأته درَاهِم، وَجَعَلت أَعلَاهُ دَنَانِيْر، فَلَمَّا قَلَّبَهُ، قَالَ: فَعَلت زَغَل (3) المِصْرِيّين.
وَلَمَّا نَاب بِمِصْرَ، اسْتحبّه صَلَاح الدِّيْنِ فِي الحَمْل، حَتَّى قَالَ: يُسَيِّر الحَمْل مِنْ مَالنَا أَوْ مِنْ مَاله، فَشقّ عَلَيْهِ، وَحكَاهَا لِلْقَاضِي الفَاضِل، فَكَتَبَ جَوَابه: وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السُّلْطَان، فَتلك لفظَة مَا الْمَقْصُود بِهَا مِنَ المَالِك النُّجعَة بَلْ قصد بِهَا الكَاتِب السَّجعَة، وَكم مِنْ كلمَةٍ فَظَّة وَلفظَة فِيْهَا غلظَة جَبَرت عِيّ
(1) يعني إلى مصر صحبة عمهما أسد الدين شيركوه.
(2)
من الفارسية " خرمدان " بالخاء المعجمة لكنها غالبا ما ترد بالحاء المهملة بالعربية،
وهي حقيبة من الجلد - يحملها الرجل على جنبه ويضع فيها أوراق ودراهمه وغير ذلك كما في معجم دوزي (3 / 150 من الترجمة العربية) .
(3)
الزغل: الغش.
الأَقلَام، وَسدت خلل (1) الكَلَام، وَعَلَى المَمْلُوْكِ الضَّمَان فِي هَذِهِ النُّكْتَة، وَقَدْ فَات لِسَان القَلَم أَيّ سَكْتَة.
قُلْتُ: وَكَانَ سَائِساً، صَائِب الرَّأْي، سعيداً، اسْتولَى عَلَى البِلَاد، وَامتدت أَيَّامه، وَحكم عَلَى الحِجَاز، وَمِصْر، وَالشَّام، وَاليَمَن، وَكَثِيْر مِنَ الجَزِيْرَة، وَدِيَار بَكْرٍ، وَأَرْمِيْنيَةَ.
وَكَانَ خَلِيقاً لِلمُلك، حَسَن الشّكل، مَهِيْباً، حليماً، دَيِّناً، فِيْهِ عِفَّة وَصَفح وَإِيثَار فِي الجُمْلَةِ.
أَزَال الخُمُوْر وَالفَاحشَة فِي بَعْضِ أَيَّام دَوْلَته، وَتَصدَّق بِذَهَب كَثِيْر فِي قَحط مِصْر، حَتَّى قِيْلَ: إِنَّهُ كَفَّن مِنَ الموتَى ثَلَاث مائَة أَلْف، وَالعُهدَة عَلَى سِبْط الجَوْزِيّ فِي هَذِهِ (2) .
وَسيرته مَعَ أَوْلَاد أَخِيْهِ مَشْهُوْرَة، ثُمَّ لَمْ يزَلْ يرَاوَغهم وَيلقِي بَيْنهُم حَتَّى دحَاهُم، وَتَمَكَّنَ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَمَالِك أَخِيْهِ، وَأَبعد الأَفْضَل إِلَى سُمَيسَاط، وَودَع (3) الظَّاهِر وَكَاسر عَنْهُ لَكُوْن بِنْته زَوجته، وَبَعَثَ عَلَى اليَمَنِ حَفِيْده المَسْعُوْد أَطسز (4) ابْن الكَامِل، وَنَاب عَنْهُ بِمَيَّافَارِقِيْن ابْنه الأَوْحَدُ، فَاسْتولَى عَلَى أَرْمِيْنِيَةَ.
ثُمَّ إِنَّهُ قسّم المَمَالِك بَيْنَ أَوْلَاده، وَكَانَ يصيّف بِالشَّامِ غَالِباً وَيَشتو بِمِصْرَ.
جَاءته خِلَع السّلطنَة مِنَ النَّاصِر لِدِيْنِ اللهِ، وَهِيَ: جُبَّة سَوْدَاء بِطرز ذهب وَجَوَاهر فِي الطّوق، وَعِمَامَة سَوْدَاء مَذَهَّبَة، وَطوْق، وَسيف، وَحصَان
(1) زيادة من وفيات ابن خلكان.
(2)
المرآة: 8 / 595 وقد نبه الذهبي على مجازفة سبط ابن الجوزي غير مرة، وهذه منها، فقد قال في " تاريخ الإسلام " معلقا على هذه الحكاية:" هذا خسف من لا يتقي الله فيما يقوله ".
(3)
أي: ترك.
(4)
ويقال فيه " آتسز " بالتاء، و" آت " بالتركية " اسم " " سز ": بلا، فيكون: بلا اسم.
بِمركب ذهب، وَعَلَم أَسود، وَعِدَّة خلع لبنِيه مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ (1) ، فَقُرِئ تَقليده عَلَى كُرْسِيّ، قرَأَه وَزِيْره، وَخوطب فِيْهِ: بِالعَادل شَاه أَرمن ملك المُلُوْك خَلِيْل أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ.
وَخَافَ مِنَ الفِرَنْج، فَصَالَحَهُم، وَهَادَنَهُم، وَأَعْطَاهُم مَغَلّ الرَّملَة (2) وَلدّ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِم يَافَا، فَقَوِيَتْ نُفُوْسهُم - فَالأَمْر للهِ -.
ثُمَّ أَمَرَ بِتَجْدِيْدِ قَلْعَة دِمَشْق، وَأَلْزَمَ كُلّ مَلك مِنْ آلِهِ (3) بِعِمَارَةِ بُرْج فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَعَمَّرَ عِدَّةَ قِلاعٍ.
قَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانَ أَعْمَق إِخْوَته فِكْراً، وَأَطولهُم عُمْراً، وَأَنظرهُم فِي الْعَوَاقِب، وَأَحبهُم لِلدِّرْهَمِ، وَكَانَ فِيْهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ وَصَبْرٌ عَلَى الشَّدَائِدِ، سَعِيْد الجَدّ (4) ، عَالِي الكَعْب، مُظَفَّراً، أَكُوْلاً، نَهِماً، يَأْكُلُ مِنَ الحَلْوَاء السُّكَّرِيَّة رَطْلاً بِالدِّمَشْقِيّ، وَكَانَ كَثِيْرَ الصَّلَاةِ، وَيَصُوْمُ الخَمِيْس، يُكْثِرُ الصَّدَقَة عِنْد نَزول الآفَات، وَكَانَ قَلِيْلَ الْمَرَض، لَقَدْ أُحضر إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ حملاً مِنَ الْبِطِّيخ، فَكسر الجَمِيْع، وَبَالَغَ فِي الأَكل، فَحمّ يَوْماً، وَكَانَ كَثِيْرَ التّمتع بِالجَوَارِي، وَلَا يَدخل عَلَيْهِنَّ خَادِماً إِلَاّ دُوْنَ البلوَغ.
نجب لَهُ عِدَّةُ أَوْلَاد سلطنهُم، وَزوّج بنَاته بِمُلُوْك الأَطرَاف.
وَقَدِ اُحْتِيلَ عَلَى الْفَتْك بِهِ مَرَّات، وَيُسَلِّمُهُ الله.
(1) شهاب الدين عمر المشهور المتوفى سنة 632، وانظر تفاصيل هذا الامر في مفرج الكروب لابن واصل: 3 / 180 - 182.
(2)
في الأصل: " الرحلة " محرف، وهذا الصلح معروف كان في سنة 601 ذكره ابن واصل في " مفرج الكروب " وغيره.
(3)
يعني: من أهل بيته، وانظر مفرج الكروب: 3 / 182.
(4)
الجد: الحظ أو البخت.
وَكَانَ شَدِيدَ المُلَازَمَة لخدمَة أَخِيْهِ صَلَاح الدِّيْنِ، وَمَا زَالَ يَتحيّل حَتَّى أَعْطَاهُ العَزِيْز دِمَشْق، فَكَانَتِ السَّبَب فِي أَنْ تَملّك البِلَاد، وَلَمَّا جَاءهُ بِمَنْشُوْرهَا ابْن أَبِي الحَجَّاجِ أَعْطَاهُ أَلف دِيْنَار، ثُمَّ جرت أُمُوْر يَطول شرحهَا وَقِتَال عَلَى المُلك، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التّعب وَالحَرْب جِهَاد للْفرنج لأَفلح.
وَتملّك ابْنه الأَوْحَدُ خِلَاط، فَقتل خلقاً مِنْ عَسْكَرهَا.
قَالَ المُوَفَّقُ: فَقَالَ لِي بَعْض خواصة: إِنَّهُ قَتَل فِي مُدَّةٍ ثَمَانِيَةَ عشرَ أَلْفاً مِنَ الخَواص كَانَ يَقتلهُم ليلاً وَيلقيهم فِي الْآبَار، فَمَا أُمهِلَ وَاختل عقلُه وَمَاتَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهِ أَبُوْهُ مُعَزِّماً ظنَّه جُنَّ، فَتَمَلَّكَ بَعْدَهُ الأَشرف
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَرَدَ العَادل وَرمَاح الفِرَنْج فِي أَثره حَتَّى وَصل دِمَشْق وَلَمْ يَدخلهَا، وَشجعه المُعْتَمِد، وَأَمَّا الفِرَنْج فَظنُّوا هزِيمته مكيدَة، فَرجعُوا بَعْدمَا عَاثُوا، وَقصدُوا دِمْيَاط (1)، وَقِيْلَ: عرض لَهُ ضَعْف وَرعشَة، وَاعْتَرَاهُ وَرم الأُنثيين (2) ، فَمَاتَ بِظَاهِر دِمَشْق.
كَانَتْ خزَانته بجَعْبَر وَبِهَا وَلدُه الحَافِظ ثُمَّ نَقلهَا إِلَى دِمَشْقَ، فَحصلت فِي قبضَة وَلده المُعَظَّم، وَكَانَ قَدْ مكر وَحسّن لأَخِيه العصيَان فَفَعَل، فَبَادر أَبُوْهُ وَحَوَّل الأَمْوَال.
وَقَدْ حَدَّثَ العَادل بِجُزْء السَّابِع مِنْ (المَحَامِلِيَّات) عَنِ السِّلَفِيّ، رَوَاهُ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ الصَّالِح إِسْمَاعِيْل، وَالشِّهَاب القُوْصِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ ابْن النُّشبِيّ، وَمَاتَ وَفِي خزَانته سَبْع مائَة أَلْف دِيْنَار عيناً.
تُوُفِّيَ: بعَالقين، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتّ مائَةٍ، وَدفن
(1) انظر التفاصيل في مفرج الكروب لابن واصل: 3 / 254 - 261.
(2)
الانثيين: الخصيتين.