الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤال وجواب
هل يُحكم بكفر منكر الإجماع؟
وللجواب عن هذا السؤال لابد من التفرقة بين من أنكر الإجماع القطعي، وبين من أنكر الإجماع الظني.
فالأول: يُحكم بكفره؛ لأنه ينكر النصوص الظاهرة كإيجاب الزكاة والصلاة.
والثاني: لا يكفر مثله.
ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى»
(1)
، الزركشي في «البحر المحيط»
(2)
.
تنبيه: ومما ينبغي أن يعلم: أن الإجماع الظني على مراتب فليس على مرتبة واحدة، فيما نقله الزركشي
(3)
. وصدق رحمه فليس الإجماع الذي يتوارد العلماء على حكايته كالإجماع الذي لا يحكيه إلا عالم واحد فهو يتفاوت في قوته.
المسألة الخامسة
الإجماع السكوتي
وهذه المسألة من المسائل المهمة التي ينبغي ضبطها ضبطًا علميًا؛ لكثرة الشبهات والإشكالات التي تَرِدُ عليها، وسيأتي بحث ذلك -إن شاء الله-.
فالمراد بالإجماع السكوتي: أن ينطق طائفة من أهل العلم ويسكت الباقون.
وبعضهم يقول: تتكلم طائفة من أهل العلم ويشتهر قولهم ولا يخالفهم
(1)
انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (19/ 270).
(2)
انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 496) وما بعدها.
(3)
انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 389).
آخرون
(1)
.
والعلماء مع الإجماع السكوتي على قولين:
1 -
منهم من يجعل الإجماع السكوتي خاصاً بالصحابة.
2 -
ومنهم من يعممه للصحابة ومن بعدهم.
قد ذكر القولين العلائي في «إجمال الإصابة في حجية قول الصحابة»
(2)
.
والقول بحجية الإجماع السكوتي هو الصحيح لا محالة
(3)
.
بل إن القول بعدم حجيته هو كالقول بأن الإجماع ليس حجة؛ لأنه لا يوجد إجماع إلا الإجماع السكوتي، فلا يوجد إجماع منطوق كما تقدم في كلام الجصاص
(4)
(1)
انظر تعريفات الإجماع السكوتي في: «الإحكام» للآمدي (1/ 252)، و «إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» للعلائي (ص:20)، و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 456)، و «شرح مختصر الروضة» للطوفي (3/ 78) وغيرهم.
(2)
انظر: «إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» للعلائي (ص:20) وما بعدها، وانظر «البحر المحيط» للزركشي (6/ 465 - 467).
(3)
وبه قال: أحمد بن حنبل، وجمهور الحنفية، والمالكية، والشافعية. وقال ابن برهان: وإليه ذهب كافة العلماء. «إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» للعلائي (ص:20)، و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 457).
(4)
وقال الجصاص أيضًا كما في «الفصول في الأصول» للجصاص (3/ 285 - 286): «ثم لا يخلو من ينعقد به الإجماع: من أن يكون وجود إجماعه معتبرا، بأن نعرف قول كل واحد منهم بعينه، أو أن يظهر القول من بعضهم، وينتشر في كافتهم من غير إظهار خلاف من الباقين عليهم، ولا نكير على القائلين به، وغير جائز أن تكون صحة الإجماع موقوفة على وجود القول في المسألة من كل واحد منهم، بوفاق الآخرين؛ لأن ذلك لو كان شرط الإجماع لما صح إجماع أبدا، إذ لا يمكن لأحد من الناس أن يحكي في شيء من الأشياء قول كل أحد من أهل عصر انعقد إجماعهم على شيء، إن شئت من الصدر الأول، وإن شئت ممن بعدهم.
فلما ثبت عندنا صحة إجماع الأمة بما قدمنا من الدلائل وامتنع وجود الإجماع بإثبات قول كل أحد من الصحابة والتابعين في مسألة، علمنا: أن هذا ليس بشرط».
وابن قدامة
(1)
.
إيراد ورده
فإن قال قائل: اشتهر عند بعض أهل العلم أن الشافعي خالف في حجية الإجماع السكوتي حيث قال: «لا ينسب إلى ساكت قول»
(2)
. فدل هذا على أن الشافعي لا يرى الإجماع السكوتي حجة.
يقال: قد خالف في نسبة هذا إلى الشافعي جمع من أهل العلم، وممن خالف في ذلك محقق المذهب الشافعي وإمامه أبو حامد الإسفراييني، وأبو حامد الشيرازي، والنووي رحمه الله تعالى، فقد نصوا على أن الشافعي يرى الإجماع السكوتي حجة في القديم وفي الجديد، وذكروا أمثلة للشافعي رحمه الله تعالى تدل على أن الإجماع السكوتي حجة
(3)
.
بل ذكر ابن برهان: أن القول بحجية الإجماع السكوتي هو الذي عليه الأئمة
(4)
.
وصدق -رحمه الله تعالى- فإن أول من خالف في حجيته هم المتكلمون.
أما أئمة الإسلام فهم متواردون على أن الإجماع السكوتي حجة وذلك أنهم لما قالوا الإجماع حجة واحتجوا به عمليًا في مسائل كثيرة فهم يرون بهذا أن الإجماع السكوتي حجة.
والأظهر -والله أعلم- أن الإجماع السكوتي لا يخص بالصحابة كما هو صنيع العلماء والمتوارد من صنيعهم، بل في الصحابة ومن بعدهم، كما سيأتي بيان هذا إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر: «روصة الناظر» لابن قدامة (1/ 391).
(2)
انظر نسبة هذا القول للشافعي في: «التبصرة في أصول الفقه» للشيرازي (ص: 517)، و «البرهان في أصول الفقه» لإمام الحرمين (1/ 271) وغيرهما.
(3)
انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 457) نقلًا عن «شرح الوسيط» للنووي.
(4)
انظر: «البحر المحيط» للزركشي (6/ 457).
بل إن الصحابة قد يختلفون على قولين، فينعقد الإجماع بعد ذلك فيعمل العلماء بهذا الإجماع.
وهذا مما يدل على أن الإجماع السكوتي ليس خاصًا بالصحابة.
ومن أمثلة ذلك: أن الصحابة اختلفوا في الذي جامع -أي أولج- بلا إنزال؟ هل يجب عليه الغسل أم لا؟
فيه قولان للصحابة
(1)
، لكن انعقد الإجماع بعد ذلك ونص عليه ابن المنذر
(2)
وابن عبد البر
(3)
وغيرهم من أهل العلم وسيأتي -إن شاء الله- ذكر أمثلة أخرى.
فالمقصود أن الإجماع السكوتي ليس خاصًا بالصحابة بل هو مطرد في أهل العلم، فإذا ذكر عالم مسألة واشتهر عنه فإنه حجة.
ويظهر لي - والله أعلم - أن تقييد الأمر بالاشتهار وعدم الاشتهار ليس عمليًا، فمجرد أن يذكر عالمٌ قولًا ولا يعرف عن غيره إنكار فهو حجة، وذلك لأمرين:
الأول: أنه لو كان منكراً فلا بد أن يوجد في الأمة من ينكره، ولا يمكن أن الله ينقل لنا القول المرجوح دون الراجح، فقد ذكر ابن القيم في كتابه «إعلام الموقعين»
(4)
أن القول المرجوح خطأ من وجه، فلا ينقل مرجوح دون الراجح.
(1)
انظرهما في: «الأوسط» لابن المنذر (2/ 76) وما بعدها، و «التمهيد» لابن عبد البر (23/ 100) وما بعدها.
(2)
انظر: «الأوسط» (2/ 81)، و «الإجماع» (24) وكلاهما لابن المنذر.
(3)
انظر: «التمهيد» لابن عبد البر (23/ 105).
(4)
انظر: «إعلام الموقعين» لابن القيم (5/ 569)(6/ 37).