الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و المهم أنه إذا قيل لا بد أن يكون في الأمة من يعرف مستند الإجماع. فإنه يقال: هذا لا ينفعنا عملياً؛ لأننا عملياً متى ما رأينا الإجماع احتججنا به سواء علمنا المستند أو لم نعلم وسواء علمنا في الأمة من يعرف مستنده أم لا؛ وذلك أن الشريعة بينت أن الإجماع حجة ولم تشترط معرفة المستند إذن كل دليل يدل على أن الإجماع حجة فهو دليل على عدم اشتراط معرفة المستند.
المسألة السابعة
حجية الإجماع قبل الخلاف وبعده
والمراد من هذه المسألة: بيان أنَّ الإجماع حجة سواءٌ انعقد الإجماع بعد خلاف، أو حدثَ خلاف بعد إجماع.
فأما الإجماع الذي حدث بعده خلاف فلا شك أنه حجة والمخالفون يجب عليهم أن يرجعوا إلي الإجماع، ويدل لذلك كل دليل يدل على أن الإجماع حجة، فمن خالف الإجماع القديم فقطعاً أن خلافه خطأ؛ لأنه خالف الحق وهو ما أجمع عليه أهل العلم.
وهذا له نظائر وأمثلة حتى قال ابن القيم رحمه الله كما في «مختصر الصواعق» : لهذا مئتا مثال
(1)
.
أي: أنه قد حصل إجماع قديم ثم حصل خلاف، وهذا من الفقه الدقيق، الذي ينبغي لطالب العلم أن يدقق فيه، فإنه يوجد مسائل غير قليلة يحكى فيها خلاف وإذا دقق في الأمر تبين أن الخلاف بعد إجماع سابق، فلذا يرد الخلاف بالإجماع السابق.
(1)
انظر: «مختصر الصواعق» لابن القيم (ص:276).
بلفظ: «
…
، وأبلغ من هذه حكاية الإجماع كثيرا على ما الإجماع القديم على خلافه، وهذا كثير جدا وإنما يعلمه أهل العلم، ولو تتبعناه لزاد على مائتي موضع».
وكذلك ينعقد الإجماع بعد خلاف، بمعنى أن يكون في المسألة قولان ثم يجمع العلماء على أحد هذين القولين، وهذا الإجماع حجة، ويدل على أنه حجة كل دليل يدل على أن الإجماع حجة، فلما أجمع العلماء على أحد القولين فقد كشف لنا إجماعهم الراجح من هذين القولين وبيَّن لنا أن القول الأول هو الصحيح دون القول الثاني
(1)
.
ومما أنبه إليه أن أبا يعلى في «العدة»
(2)
، نسب للإمام أحمد رواية أنه لا يرى أن الإجماع بعد الخلاف حجة.
لكن في هذه النسبة، وفما اعتمد عليه نظر؛ لذلك لم يوافقه أبو الخطاب الحنبلي
(3)
-وهو تلميذ أبي يعلى - في أن يجعل هذا القول رواية عن الإمام أحمد، ومثله ابن قدامة في «روضة الناظر»
(4)
.
وصنيع أهل السنة العملي: يدل على أنه حجة، فأهل السنة استدلوا بحرمة الخروج على السلطان بإجماع أهل العلم، مع أنه قد حصل خلاف بين التابعين لكن انعقد الإجماع بعد ذلك.
وثمة أمثلة لهذه المسألة، منها:
المثال الأول: مسألة الخروج على السلطان كان في المسألة خلاف بين التابعين ثم انعقد الإجماع بعد ذلك قال ابن تيمية في «منهاج السنة» : استقر قول أهل السنة على عدم الخروج على السلطان
(5)
.
(1)
انظر في هذا: «المعتمد» لأبي الحسين (2/ 38)، و «الإحكام» للآمدي (1/ 275)، و «البحر المحيط» للزركشي (6/ 504)، و «شرح مختصر الروضة» للطوفي (3/ 95) وغيرهم.
(2)
انظر: «العدة» لأبي يعلى (4/ 1105).
(3)
انظر: «التمهيد في أصول الفقه» لأبي الخطاب (3/ 298).
(4)
انظر: «روضة الناظر» لابن قدامة (1/ 428 - 429).
(5)
انظر: «منهاج السنة» لابن تيمية (4/ 529).
وحكى الإمام أحمد في «أصول السنة»
(1)
، وعلي بن المديني
(2)
، والرازيان في «رسالتهما في الاعتقاد»
(3)
، وابن أبي زيد القيرواني
(4)
والمزني
(5)
وجمع كبير من أئمة السنة إجماعَ أهل السنة على ذلك بل نصوا على أن من خالف فهو مبتدع، فهذا يدل على أنهم يرون أن المسألة إجماعية ولو أنه حصل خلاف قبل ذلك في عهد التابعين.
المثال الثاني: أن الصحابة اختلفوا في ربا الفضل.
ذهب ابن عباس
(6)
إلى أنه ليس من الربا وتبعه بعض أصحابه، لكن انعقد الإجماع بعد ذلك
(7)
.
المثال الثالث: لحوم الحمر الأهلية فقد حصل خلاف بين الصحابة في حرمتها
(8)
، ثم انعقد الإجماع على حرمتها
(9)
.
المثال الرابع: وجوب الغسل لمن جامع بلا إنزال، وقد تقدم أن في المسألة خلافًا ثم انعقد الإجماع.
(1)
انظر: «أصول السنة» للإمام أحمد (ص:46).
(2)
انظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لللالكائي (1/ 189) رقم (318) في فصل اعتقاد علي ابن المديني.
(3)
انظر: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لللالكائي (1/ 199) رقم (321)، و (1/ 204) رقم (323) في فصل اعتقاد الرازيَين.
(4)
انظر: «مقدمة رسالة القيرواني» (ص:61)، ط دار العاصمة.
(5)
انظر: «شرح السنة» للمزني (ص:84).
(6)
انظر: «الأوسط» لابن المنذر (10/ 181).
(7)
انظر الإجماع في: «الأوسط» لابن المنذر (10/ 180).
(8)
انظر الخلاف في: «التمهيد» لابن عبد البر (10/ 123)، ونقله في «المغني» (9/ 409) وأقره.
(9)
انظر الأجماع في: «الأوسط» لابن المنذر (2/ 428)، وفي «التمهيد» لابن عبد البر (10/ 123).